الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدّمة
يحاول هذا البحث - بطريق التجريب والتطبيق - أن يقف - بدقة - على المدة الزمنية لصوت المد فيما يعرف بالمد العارض للسكون الذي رأى القراء أنه يجوز مده بمقدار حركتين وأربع وست حركات، وقد استطاع هذا البحث أن يتعامل - بدقة - مع هذا المقدار الزمني المعطى لصوت المد الذي قدره علماء القراءات بالحركة في ضوء حساب الآلة المقدر بجزء من عشرة آلاف من الثانية، وذلك في قراءة أربعة من القراء المجيدين المعاصرين. وقد قسم هذا البحث: إلى قسمين رئيسين:
1.
قسم نظري: اشتمل على مقدمة عن المد العارض للسكون وأوجهه وأحكام كل وجه منه، والمقدار الذي يجوز مده عند علماء القراءات.
2.
قسم تجريبي تطبيقي: قام على إدخال نص من القرآن الكريم (هو سورة هود - عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) كلها برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود مقروءة بأصوات أربعة من القراء هم على الترتيب (الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد - يرحمهم الله جميعا - والشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - أمد الله في عمره -) إلى المعمل الصوتي (Sona - Graph Model 5500) وذلك بهدف الوقوف - بجلاء –.
3.
على المتوسط العام للمدة الزمنية محسوبة بجزء من عشرة آلاف من الثانية للمد العارض للسكون في الآيات القرآنية التي وردت في السورة المذكورة في السياقات الأدائية التي تعرض لصوت المد في هذا النوع من المدود في الأداء.
1.
أهداف البحث: يتكون النظام الصوتي لأصوات اللغة العربية وسواها من اللغات المنطوقة من دعامتين أساسيتين:
1.
فونيمات قطعية (Segmental Phonames) ويقصد بها الصوامت والصوائت في اللغة.
2.
فونيمات فوقطعية (Supra Segmental) وتشتمل على الفواصل والنبرات والنغمات، وهي ظواهر غير واضحة في أبجديتها ولكنها متصلة ومصاحبة للنطق والأداء1، وحينما نتكلم فإننا لا نصدر أصواتا أو فونيمات قطعية ذات أصوات مفردة منعزلة لأن الكلام - في أدائه الصحيح حسب نظام أصوات اللغة المنطوقة - مكون من سلسلة من الأصوات المتعاقبة المتتابعة التي يأخذ بعضها بحجز بعض في تناسق وترتيب دقيقين حتى ليخال للمتأمل في النشاط الكلامي الإنساني أن وضع حواجز وحدود واضحة ودقيقة بين مقطع أو صوت وآخر في النشاط الأدائي للكلام أمر بالغ الصعوبة ذلك لأن المتكلم بأصوات لغته الأم أثناء كلامه يصبغ فونيمات اللغة القطعية جميعها بألوان لا تحصى من الفونيمات الفوقطعية2 جميعها كالضغط على بعض المقاطع الصوتية دون بعض أو علو درجة الصوت وموسيقاه أو انخفاضهما وكذا اختلاف مواطن الفصل والوصل بين الوحدات الصوتية المتتابعة وكل ذلك يساعد المتكلم والمتلقي على:
أ. إبراز المعاني وتجليتها: لعل من أهم وظائف الفونيمات الفوقطعية في اللغة أنها تعمل على إيضاح كثير من المعاني التي لم يسطع المتكلم بيانها والإفصاح
. 1Lade Foged ، P. (A course in Phonetics) .1975 P:30.
2Fujimora ، Osama. Syllables as concatenative Phonetics Units. written in 1977 PP:370.
عنها في أحيان كثيرة من خلال أنظمة اللغة الأخرى كالصوامت والصوائت
…
إلخ، وأي إخلال بهذه الطرق الأدائية التي يقتضيها نظام اللغة أو بعضها أو اللحن فيها يؤدي إلى صعوبة فهم المعنى المراد من الكلام أو تعذره، وإذا كان ما يحدد وظيفة الفونيم في اللغة هو قدرته على تغيير المعنى سواء أكان فونيما قطعيا أم فوقطعيا1 فإننا نرى أن معرفة مواطن الفصل والوصل (الوقف والابتداء) مما يعين على فهم المراد من الكلام ولا يتم إدراك المعاني إلا به فربما وقف المتكلم قبل تمام المعنى ولا يصل ما وقف عليه مما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده وعندئذ لا يفهم هو ما يقول ولا يفهمه السامع بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى آخر غير المعنى المراد وهذا في الكلام العادي فكيف إذا كان ذلك فيما يتعلق بفهم كتاب الله الكريم والوقوف على مراد الله تعالى به، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها - مثلا - أن يقرأ أحدهم قوله تعالى:{يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} فيقف على {الظَّالِمِينَ} . أو أن يقرأ أحدهم قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} فيقف على {وَإِذَا غَرَبَتْ} .
ب. أهمية الوقفة (المفصل) بين أجزاء الكلام: - ولأن الوقفة تغير أحيانا المعنى وقد تضيف معاني أخرى فقد أدرك القدماء من المهتمين بفنون القول والمعنيين بطرق الأداء فيه من الخلفاء والخطباء والكتاب وأئمة القراء ما للوصل والفصل في اللغة العربية من أهمية في تغير المعنى فحضوا على تفقد مواطنه من الكلام، وأوجبوا على القارىء لآي القرآن الكريم معرفة الوقف والابتداء لما
. 1Lass Roger. Phonology (An Introduction to basic concepts) .1984 PP 248.
جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأئمة البلاغة وأصحاب البيان فقد ثبت أن الإمام عليا كرم الله وجهه لما سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} قال: الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف1. وما رواه ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها حين سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} - ثم يقف - {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} - ثم يقف - وكان يقرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 2، وفي رواية أخرى قالت: قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . يقطع قراءته آية آية 3. وروى الحافظ ابن الجزري رحمه الله قول ابن عمر رضي الله عنهما: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على النبي صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلا لها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها. ويعلق على ذلك ابن الجزري رحمه الله: ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصابة رضي الله عنهم
…
4، وقال معاوية رضي الله عنه: قم يا أشدق عند قروم العرب وجحاجحها فسل لسانك وجل في ميادين البلاغة وليكن التفقد لمقاطع الكلام منك على بال فإني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى
1 النشر في القراءات العشر. ابن الجزري. دار الفكر 1م225.
2 صحيح الترمذي - رقم 2954.
3 جامع الأصول في أحاديث الرسول. ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات. تح. عبد القادر الأرناؤوط. ج2 ص:463.
4 النشر 1/225.
على علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتابا وكان يتفقد مقطع الكلام كتفقد المصرم صريمته. ونسب إلى الأحنف بن قيس أنه قال: ما رأيت رجلا تكلم فأحسن الوقوف عند مقاطع الكلام ولا عرف حدوده إلا عمرو بن العاص رضي الله عنه1. وصح بل تواتر - كما يقول الحافظ ابن الجزري رحمه الله - عند أهل الأداء وأئمة القراءة تعلم الوقف والابتداء والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع بن نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الأئمة2. وقال يزيد بن معاوية: إياكم وغيركم من أن تجعلوا الفصل وصلا فإنه أشد وأعيب من اللحن
…
وكان أكثم بن صيفي إذا كاتب ملك الجاهلية يقول لكاتبه: افصلوا بين كل منقض معنى، وصلوا إذا كان الكلام معجونا بعضه ببعض
…
ونسب إلى أبي العباس السفاح قوله: قف عند مقاطع الكلام وحدوده وإياك أن تخلط المرعي بالمهمل ومن حلية البلاغة المعرفة بمواضع الفصل والوصل
…
وقال المأمون: إن البلاغة إذا اعتزلتها المعرفة بمواضع الفصل والوصل كانت كاللآليء بلا نظام
…
وسئل الفارسي ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل من الوصل. ونسب إلى المأمون أيضا قوله: ما أتفحص من رجل شيئا كتفحصي عن الفصل والوصل في كتابه. ومما قاله الحسن بن سهل لكاتبه الحراني لما سأله ما منزلة الكاتب في قوله وفعله: أن يكون مطبوعا محنكا بالتجربة عالما بحلال الكتاب والسنة وطريقها وبالدهور في تداولها وتصرفها والملوك في سيرها وأيامها مع براعة اللفظ وحسن التنسيق
1 كتاب الصناعتين. أبو هلال العسكري. الأستانة. 1319 هـ. ص: 346.
2 النشر 1/225.
وتأليف الأوصال بمشاكلة الاستعارة وشرح المعنى حتى تنصب صدورها بمقاطع الكلام ومعرفة الفصل من الوصل فإذا كان ذلك فهو كاتب مجيد
…
والقول إذا استعمل آلته واستتم معناه فالفصل عنده1.
يتبين لنا - بوضوح - من هذه النصوص وغيرها مما لا يعدم الباحث وجودها إن طلبها في مظانها من الكتب والمصادر القديمة - اهتمام المشتغلين بفنون القول - عامة - والمعنيين بأداء الكلام العربي - حسب ما تقتضيه أنظمة الأداء في اللغة العربية - بهذه المسألة اللغوية وذلك لما للوصل والوصل من أهمية في تغير المعنى، ومن ثم اعتنى بعلم الوقف والابتداء وتعلمه والعمل به المتقدمون والمتأخرون من أئمة أهل الإقراء فأفردوه بالتصنيف الخاص به منهم الإمام أبو بكر بن الأنباري والإمام أبو جعفر النحاس والحافظ أبو عمرو الداني والحافظ ابن الجزري وابنه العلامة الشيخ أحمد المعروف بابن الناظم وشيخ الإسلام أبو زكريا الأنصاري والعلامة المحقق الشيخ أحمد بن عبد الكريم الأشموني وخلق غير هؤلاء رحمهم الله أجمعين -2. والأصل في الوقف السكون. أما الروم والإشمام فلبيان الحركة التي هي للحرف وقد أخفاها السكون3، والملاحظ من جهود هؤلاء القدماء أن جل اهتمامهم كان منصبا على خدمة القرآن الكريم ولهذا نجدهم اجتهدوا في وضع علامات الوقف الواجب والجائز والممتنع في المصحف الكريم وقسموه إلى: وقف اختياري واضطراري4 لأن الكلام إما أن يتم أولا،
1 كتاب الصناعتين ص: 346 وما بعدها. وهداية القارئ إلى تجويد كلام البارئ. عبد الفتاح المرصفي. دار النصر للطباعة الإسلامية. ط1 ص: 369.
2 هداية القاريء ص: 369.
3 من كلام أحد المحكمين للبحث.
4 النشر 1/225 وما بعدها.
فإن تم كان اختياريا، وكونه تاما لا يخلو إما أن لا يكون له تعلق بما بعده ألبتة أي لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى نحو قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، وأكثر ما يوجد هذا النوع في رؤوس الآي، وعند انقضاء القصص، ويسمى هذا النوع من الوقف بالتام لتمامه المطلق يوقف عليه ويبتدأ بما بعده. فإن كان له تعلق فلا يخلو هذا التعلق إما أن يكون من جهة المعنى فقط نحو قوله تعالى:{أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم} فآخر الآية كلام تام ليس له تعلق بما بعده لفظا ولكنه متعلق من جهة المعنى لأن كلا منهما إخبار عن حال الكفار، فالوقف في هذه الآية على قوله تعالى:{يُؤْمِنُون} والابتداء بقوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم} ، وسمي كافيا للاكتفاء به عما بعده واستغناء ما بعده عنه وهو كالتام في جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده. أما إن كان التعلق من جهة اللفظ فقط نحو الوقف على قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} وعلى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وعلى {الرَّحْمَنِ} يفهم ولك الابتداء بقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} و {رَبِّ الْعَالَمِينَ} و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} و {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} و {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} لا يحسن لتعلقه لفظا فإنه تابع لما قبله إلا ما كان من ذلك رأس آية فالابتداء به سنة، ويسمى هذا النوع من الوقف بالوقف الحسن لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي إلا أن يكون رأس آية - كما أشرنا - فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء. فإن لم يتم الكلام لتعلق معناه بما بعده لفظا ومعنى كالوقف على المضاف دون المضاف إليه أو على المبتدأ دون خبره أو على الفعل دون فاعله كالوقف على {الْحَمْدُ} من {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، أو على لفظ {بِسْمِ} من {بِسْمِ اللَّه} وهكذا كل ما لا يفهم منه معنى لأنه لا يعلم إلى أي شيء أضيف، فالوقف عليه قبيح لا يجوز
تعمده إلا لضرورة كانقطاع نفس أو عطاس أو نحو ذلك فيوقف عليه للضرورة ويسمى (وقف ضرورة) . فإذا وقف (اختياريا أو اضطراريا) على آخر الكلمة في آي القرآن الكريم، وكان ما قبل هذا الحرف الأخير حرف مد أو لين جاز مد الصوت به أو قصره، فالقصر: حركتين، والمد ويشمل: التوسط: وهو بمقدار أربع حركات، والإشباع: وهو بمقدار ست حركات - كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق.