المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة التحقيق إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من - عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

‌مقدمة التحقيق

إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران/ 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} . [النساء/ 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب/ 70 - 71]

أما بعد؛ فقد جعل اللَّه تعالى للصبر الثواب الجزيل، والأجرَ العظيم، في آياتٍ من الذّكرِ الحكيم، وأحاديثِ رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وجاء فضله في آثار الصحابة والتابعين.

كما أن للشكر فضله الذي لا يخفى، وهو مع الصبر كفرسي رهان وكجناحي الطائر.

لذا فقد كثرت الكتابات فيهما واستفاضت، فتكلم فيهما الفقهاء والمحدثون والأدباء والشعراء، حتى كتب في ذلك العلماء مصنفات مفردة مستقلة، فقد صنَّف أبو الحسن علي بن عبيد البغدادي الكاتب أحد

ص: 5

الأدباء والبلغاء، المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين (219 هـ) كتاب الصبر

(1)

، وهذا الإمام عبد اللَّه بن محمد بن أبي الدنيا المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائتين (281 هـ)، أفرد الصبر بكتاب، والشكر بكتاب آخر

(2)

.

وما زالت أقلام الأدباء والفصحاء والعلماء والوُعَّاظ لا تكاد تجف من التأليف في هذا الباب إلى عصرنا هذا.

وكان ممن كتب في ذلك فأحسن، وجمع فأجاد، ونظر فحقق، الإمام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية في كتابه الذي عملت على تحقيقه وهو:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".

وقد قدمت بين يدي الكتاب بعددٍ من المباحث، وباللَّه وحده الإعانة والتوفيق.

(1)

انظر: الفهرست ص 173.

(2)

وكلاهما مطبوع.

ص: 6

‌المبحث الأول: اسم الكتاب، وضبطه:

نصَّ ابن القيم على اسم مؤلَّفه هذا في مقدمته حيث قال: "وسميته: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".

إلا أنه وقع في المخطوط الأصل اسم الكتاب على ورقة العنوان هكذا: "كتاب عُدّة

(1)

الصابرين وذخيرة الشاكرين في الصبر والشكر".

أي بزيادة: "في الصبر والشكر".

أما النسخ الثلاث الأخرى، فقد جاء اسم الكتاب فيها على صفحة العنوان مطابقًا لنص ابن القيم على تسميته.

وهذه الزيادة لا تضر، ولا تُعدّ خلافًا في اسم الكتاب، إذ هي عبارة عن بيانٍ وتوضيحٍ لمضمون الكتاب ومحتواه، واللَّه أعلم.

بل قد تكون لهذه الزيادة فائدةٌ في بيان سبب وهم الحاج خليفة في جعله هذه الجملة كتابًا آخر لابن القيم حيث قال:

في كشف الظنون 2/ 1432 ما يلي: "كتاب الصبر والشكر لشمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة".

مع أنه ذكره باسمه التامّ "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" في 2/ 1129.

أما ما ذكره إسماعيل باشا في كتابه هدية العارفين 2/ 158 ضمن

(1)

هكذا جاء مضبوطًا فيه، وسيأتي التنبيه عليه.

ص: 7

مؤلفات ابن القيم بعنوان: "كتاب الصبر والسكن". وتبعه عليه جماعة ممن كتب في ترجمة ابن القيم، منهم: أحمد عُبيد

(1)

، ومحمد الفقي

(2)

، ومحمد مسلم الغنيمي

(3)

، وغيرهم. فيظهر أنَّ كلمة "السكن" مصحفة من "الشكر"، إذ هما قريبتان في الرسم، كما لا يخفى. وهذا يعني أنه هو الكتاب السابق الذي ذكره حاجي خليفة بعنوان "الصبر والشكر"، وهو بالتالي "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، واللَّه أعلم.

وقد يختصر العلماء اسم الكتاب فيقولون: "عدة الصابرين" حسبُ، وقد ذكر عنوان الكتاب مختصرًا ابنُ رجب

(4)

، وتبعه الداودي

(5)

، وابن العماد

(6)

، والقنوجي

(7)

.

أما ضبط اسم الكتاب:

فقال الشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد في كتابه "ابن قيم الجوزية: حياته، آثاره، موارده": "والمستفيض في ضبط عين (عدة) هو كسرها مع فتح الدال المهملة مخففة، من الوعد، يُقال: وعده يعده عدة في الخير.

(1)

في مقدمته لكتاب روضة المحبين ص/ ش.

(2)

في مقدمته لكتاب إغاثة اللهفان (ص 34).

(3)

في كتابه: "ابن القيم" ص 116.

(4)

في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 450.

(5)

في طبقات المفسرين 2/ 96.

(6)

في شذرات الذهب 6/ 170.

(7)

انظر: التاج المكلل (ص 419).

ص: 8

وهو ههنا بمعنى: ما وعده اللَّه عباده الصابرين من الأجر الجزيل والثواب العظيم. وهذا يتناسب تمامًا مع الفصل الثاني للعنوان "ذخيرة الشاكرين".

ويصح أن يُقال: (عُدَّة) بضم العين وفتح الدال المشددة؛ لأنه يُقال لغة: أعدّ الشيء بمعنى هيأه وجعله عدّة للدهر، فيكون بمعنى: العدد والأسباب التي بموجبها يتسلح الصابرون، واللَّه أعلم" اهـ.

والحق -كما قال الشيخ- أن كلا الوجهين محتمل، وكذلك كلاهما متناسب مع الفصل الثاني من العنوان، فالذخيرة هي: واحدة الذّخائر، وهي ما ادُخر

(1)

.

ولعل من يُرجِّح الوجه الثاني يقول: إنه جاء هكذا مضبوطًا على صفحة عنوان النسخة الأصل، كما سبق.

وكذلك يمكن أن يُرجَّح الثاني على الأول من جهة أنه أعم من الأول، فوَعْدُ اللَّه تعالى وما ادّخره للصابرين وللشاكرين، هو من ضمن العُدد والأسباب التي بها يتسلحون، واللَّه تعالى أعلم.

‌المبحث الثاني: تاريخ تأليف الكتاب:

لم أقف على نصّ لابن القيم أو لأحد تلاميذه يحدد تاريخ تأليفه

لهذا الكتاب.

ولم أقف على نصّ لابن القيم أو لأحد تلاميذه يشير إلى سبق هذا الكتاب لأحد من كتبه، أو أنه كُتب بعد كتابٍ ما من كتبه.

(1)

انظر: لسان العرب 4/ 302.

ص: 9

ولم أقف على إحالة من ابن القيم في أيّ من كتبه إلى هذا الكتاب.

ولم أجد ما يُساعد على ذلك أثناء تحقيقي للكتاب إلا ما كان من نقوله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى، التي ستأتي الإشارة إليها في المبحث التالي.

فمن خلال هذه النقول نجزم بأن ابن القيم إنما ألّفه بعد لقائه بشيخ الإسلام والاستفادة منه.

‌المبحث الثالث: إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه:

لا ريب في صحة نسبة هذا الكتاب للإمام ابن القيم، وذلك لأدلة متعددة، منها:

1 -

نصّ عدد ممن ترجم لابن القيم على نسبة هذا الكتاب له، كما سبق في المبحث الأولى.

2 -

النقول التي نُقلت عن الكتاب تُؤكد أن هذا الكتاب الموجود بين أيدينا هو الذي ذكر مترجموه أنه له. وسيأتي ذكر هذه النقول في المبحث.

3 -

ورود نسبة الكتاب إلى المؤلف في صفحات عناوين الأصول الخطية.

4 -

النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية بعباراته المعروفة، ومن ذلك قوله في الباب السابع عشر:"أنكره شيخنا"، وقوله في الباب التاسع عشر:"وهذه طريقة شيخنا"، وقوله في الباب الثاني والعشرين:"وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المسألة فقال"، وقوله في الباب الرابع والعشرين:

ص: 10

"وسمعت شيخ الإسلام يقول".

5 -

التوافق والتطابق بين بعض مباحث الكتاب، ومباحث ابن القيم في كتبه الأخرى، وقد أشرت إلى بعض ذلك في حواشي الكتاب.

6 -

طريقة المؤلف المعروفة في عرضه وسياقه وترجيحه وتحريره للمسائل ظاهرة في الكتاب لا تخفى.

‌المبحث الرابع: أهمية الكتاب:

لما كان صاحب الكتاب هو أعلم الناس بحقيقته وأهميته ومكانته، لذا فإن ما يذكره المؤلف من ذلك هو أولى من بالاعتماد بدلًا من الاستنباط، وقد كفانا ابن القيم مؤونة ذلك حيث ذكر أهميته في مقدمته، وسأنقل ما ذكره مفصلًا في النقاط التالية:

1 -

أنه "لما كان الإيمان نصفين: نصف صبر ونصف شكر، كان حقيقًا على من نصح نفسه وأحب نجاتها وآثر سعادتها، أن لا يهمل هذين الأصلين العظيمين، ولا يعدل عن هذين الطريقين القاصدين، وأن يجعل سيره إلى اللَّه بين هذين الطريقين ليجعله اللَّه يوم لقائه مع خير الفريقين، فلذلك وضع هذا الكتاب للتعريف بشدّة الحاجة والضرورة إليهما".

2 -

أن فيه "بيان توقف سعادة الدنيا والآخرة عليهما" -الصبر والشكر-.

3 -

كون هذا الكتاب "كتابًا جامعًا حاويًا نافعًا، فيه من الفوائد ما هو حقيق على أن يُعضّ عليه بالنواجذ، وتُثنى عليه الخناصر".

ص: 11

4 -

ومن أهميته أنه جاء "ممتعًا لقارئه، مريحًا للناظر فيه، مسليًا للحزين، ومنهضًا للمقصرين، محرّضًا للمشمّرين".

5 -

أنه جاء "مشتملًا على نكاتٍ حسانٍ من تفسير القرآن"، و"على أحاديث نبوية معزوة إلى مظانها، وعلى "آثار سلفية منسوبة إلى قائلها".

6 -

ومن أهميته اشتماله على "مسائل فقهية حسان مقرَّرة بالدليل".

7 -

وكذلك فمن أهميته وجود "دقائق سلوكية على سواء السبيل، وذكر أقسام الصبر ووجوهه، والشكر وأنواعه، وفصل النزاع في التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر، وذكر حقيقة الدنيا وما مَثَّلها اللَّهُ ورسولُه والسلف الصالح به، والكلام على سِرّ هذه الأمثال ومطابقتها لحقيقة الحال، وذكر ما يذم من الدنيا ويحمد، وما يقرّب منها إلى اللَّه ويبعّد، وكيف يشقى بها من يشقى ويسعد بها من يسعد".

8 -

"وغير ذلك من الفوائد التي لا تكاد تظفر بها في كتاب سواه".

9 -

ومن أهميته أنه "كتاب يصلح للملوك والأمراء، والأغنياء والفقراء، والصوفية والفقهاء".

* * *

‌المبحث الخامس: العلوم التي حواها الكتاب:

العلوم التي حواها كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين متعددة ومختلفة، كما يلوح ذلك من خلال ذكر أهمية الكتاب في المبحث السابق.

1 -

أما الموضوع الرئيس للكتاب والعِلْم الأساس الذي حواه، وهو الذي كُتب من أجله، فهو: علم السلوك والزهد، فمصنفه وضعه ليُعرف قارئه

ص: 12

بالأسباب والعدد وما يمكن أن يدّخره السالك إلى اللَّه والدار الآخرة؛ ليكون على أتم استعداد لمواجهة المحن والابتلاءات التي يمكن أن يواجهها، أو ليُعرفه بما وعده اللَّه تعالى وما أعدّه له من جزيل الثواب وعظيم الأجر.

هذا، ولم يَخْلُ الكتاب من التطرق إلى علوم أخرى أراد بها المؤلف تحقيق ما يذكره، أو تأكيد ما يرجحه، أو توجيه ما يخالفه، ساعده في ذلك سعة علمه، وكثرة اطلاعه، ودقيق فهمه واستنباطه.

2 -

فتجد في هذا الكتاب من دقائق التفسير وفهم التنزيل، ما لا تجده في كتابٍ سواه، "فكان يستحضر من بحاره الزخّارة كل فائدة مهمة، ومن كواكبه السيارة كلّ نيّر يجلو حنادس الظلمة"

(1)

.

فانظر في الباب الثالث والعشرين قول المصنف: "وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية وما أوردوا، فراجع أقوالهم تجدها لا تشفي عليلًا ولا تُرْوي غليلًا، ومعناها أجل وأعظم مما فسروها به. . . ". وراجع فهرس الآيات التي فسرها المصنف.

3 -

وفيه من فقه السنة وتفسير الأحاديث والاستنباط منها ما لا يكاد يوجد في غيره من الكتب، ففي كلامه على حديث:"خير الرزق ما يكفي، وخير الذكر الخفي"، قال: "وتأمل جمعه في هذا الحديث بين رزق القلب والبدن، ورزق الدنيا والآخرة وإخباره أن خير الرزقين ما لم يتجاوز الحد، فيكفي من الذكر إخفاؤه فإن زاد على الإخفاء، خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين، وكذلك رزق البدن إذا زاد على الكفاية خيف على

(1)

قاله الصفدي في مدحه لابن القيم في ترجمته من أعيان العصر 4/ 367.

ص: 13

صاحبه الطغيان والتكاثر". وللاستزادة من استنباطات المؤلف راجع الفهارس.

4 -

وفيه من علوم الحديث طرفٌ لا بأس به من تصحيح أحاديث وتضعيف أخرى. وانظر في ذلك فهرس الأحاديث التي صححها أو ضعفها.

5 -

كما حوى الكتاب بعضًا من مسائل الفقه مُستدلًا لها بالدليل.

6 -

كما ذكر فيه مؤلفه بعضَ مذهب السلف في التوحيد والعقيدة "فذاك عُشّه الذي منه درج، وغابه الذي ألِفَه لَيثُه الخادر ودخل وخرج"

(1)

.

7 -

وبعض مسائل العربية، التي تدل على سعة اطلاع المؤلف ومعرفته بهذا الفن، كيف لا وهو الذي "تبحر في العربية وأتقنها، وحرر قواعدها ومكّنها"

(2)

.

‌المبحث السادس: مجمل ترتيب الكتاب:

أما ترتيب الكتاب، فكأن ابن القيم يكتب بمنهج كتابة البحوث المعاصرة، فنجده قد مهد لكتابه هذا بمقدمة لطيفة يُستشف منها أسباب اختياره للكتابة فيه، ثم عقد فصلًا ذكر فيه أهمية كتابه ومزاياه، وأتبع ذلك بذكر خطة كتابه التي سار عليها، وهي تقع في ستةٍ وعشرين بابًا وخاتمة، ثم نص على تسميته لكتابه.

(1)

قاله الصفدي في أعيان العصر 4/ 367.

(2)

المصدر السابق.

ص: 14

أما أبواب الكتاب، فكانت على النحو التالي:

خصص الأبواب من الأول إلى الثامن عشر للصبر وما يتعلق به من تعريفه وحقيقته وأسمائه بالإضافة إلى متعلقه، والفرق بين الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة، وتقسيمه باعتبار محله، وبحسب اختلاف قوته وضعفه، وباعتبار متعلقه، وباعتبار تعلق الأحكام الخمسة به، وبيان تفاوت درجاته، وانقسامه إلى محمود ومذموم، والفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام، وفي الأسباب التي تعين عليه، وبيان أن الإنسان لا يستغني عن الصبر، وفي بيان أشقِّه على النفوس، وفيما ورد فيه من نصوص الكتاب والسنة والآثار، ثم أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب وشق الثياب ودعوى الجاهلية ونحوها.

ثم في الأبواب من التاسع عشر إلى الرابع والعشرين أدخل الشكر وأشركه في موضوع الكتاب، فتحدث فيها أن الإيمان نصفان صبر وشكر، وفي تنازع الناس في الأفضل منهما، ثم حكم بين الفريقين، وتكلم عن اختلاف الناس في الغني الشاكر والفقير الصابر، ثم ذكر حجة كلٍ.

وخصص البابَ الخامسَ والعشرين لبيان أمور تضاد الصبر وتنافيه وتقدح فيه، وكأنه أراد إخراج من يقع في شيء من ذلك من الدخول في خلاف الأفضلية بين الفقير الصابر والغني الشاكر، فذكر أمورًا قد تخفى على كثير ممن يدعي الصبر؛ من الشكوى إلى المخلوق والأنين والهلع.

ثم في الباب السادس والعشرين -وهو آخر الأبواب- أراد بيان فضيلة عظيمة لكلٍ من الصبر والشكر، ألا وهي دخولهما في صفات الرب جل جلاله وأنه لو لم يكن للصبر والشكر من الفضيلة إلا ذلك لكفى.

ص: 15

ثم ختم الكتاب بخاتمة ماتعة، أراد فيها حثّ الناس وشحذ هممهم في مسيرهم إلى اللَّه والدار الآخرة.

فمن خلال هذا الكتاب وما حواه من آيات كريمات، وأحاديث نبوية، وآثار سلفية، وتحقيقات مرضية، يستلهم الصابرون والشاكرون منها أخذ عدتهم وتهيئة أسلحتهم في مسيرهم في هذه الدنيا إلى اللَّه والدار الآخرة، فكان هذا الكتاب بحق عُدّة للصابرين وذخيرة للشاكرين. واللَّه تعالى أعلم.

ومع جودة ترتيب هذا الكتاب، وحسن سياق أبوابه، أسجّل ملاحظتين هما:

الأولى: أنَّ الباب الثامن عشر: وهو "في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب وشق الثياب ودعوى الجاهلية ونحوها"، والباب الخامس والعشرين:"في بيان الأمور المضادة للصبر والمنافية له والقادحة فيه" كان يمكن دمجهما في باب واحد لتقارب موضوعهما.

ويظهر ذلك بالمقارنة.

الثانية: من الملاحظ أن المؤلف لم يُفرد للشكر بابًا مستقلًا، كما فعل في الصبر، حيث أفرد له بابًا في معناه واشتقاقه، وبابًا آخر في حقيقته، وغير ذلك.

فكما أن المصنف جعل عنوان الكتاب في فصلين، أحدهما للصبر "عدة الصابرين"، والآخر للشكر "وذخيرة الشاكرين"، كان من المتوقع أن يُفرد للشكر أبوابًا مستقلة كالتي أفردها للصبر، خاصة في الأمور التي ذكرها ضمنًا كتعريف الشكر واشتقاقه، فكان من المناسب أن يفرد لذلك بابًا عنوانه:"معنى الشكر لغة، واشتقاق هذه الكلمة وتصريفها"، كما فعل في الصبر، وآخر عنوانه:"حقيقة الشكر وكلام الناس فيه"، كما فعل في الصبر.

ص: 16

لا سيما أن مضمون هذين البابين موجود في كلام المصنف في الباب الحادي والعشرين: "في الحكم بين الفريقين والفصل بين الطائفتين"، إذ قد ذكر فيه تعريف الشكر واشتقاقه وحقيقته وكلام الناس فيه. واللَّه تعالى أعلم.

‌المبحث السابع: سمات الكتاب ومعالم منهجه:

بالنظر في الكتاب وجدت أن أهم سماته ما يلي:

1 -

أن ترتيب الكتاب جاء ترتيبًا منطقيًا، كما سبق ذكره في المبحث السابق، فخلا الكتاب عن التكرار في المواضيع، أو تداخلها بعضها في بعض، إذا استثنينا الملاحظتين في المبحث السابق.

2 -

أن ترتيب المصنف لكتابه كان على الأبواب، فيقول: "الباب

الأول. . . "، "الباب الثاني. . . " وهكذا.

3 -

أن ترتيب المواضيع داخل الأبواب كان ترتيبًا منطقيًّا أيضًا، ففي الباب الثامن مثلًا:"في انقسامه باعتبار تعلق الأحكام الخمسة به"، ذكر أن الصبر ينقسم بذلك إلى خمسة أقسام: واجب، ومندوب، ومحظور، ومكروه، ومباح، ثم أتى على ذكر هذه الأقسام واحدًا تلو الآخر.

وفي الباب العاشر: "في انقسام الصبر إلى محمود ومذموم" ذكر أنه ينقسم إلى القسمين: مذموم وممدوح، ثم أتى على القسم الأول، ثم القسم الثاني.

وهكذا في سائر أبواب الكتاب.

4 -

من سمات هذا الكتاب أيضًا كثرة الفصول في كثير من الأبواب، ولذلك عدة أسباب منها:

ص: 17

أ- إذا أراد المصنف الانتقال من جزئية معينة من الموضوع إلى الجزئية التالية عقد فصلًا. فمثلًا في الباب العاشر: "في انقسام الصبر إلى محمود ومذموم" تكلّم أولًا على الصبر المذموم، ولما أراد أن يتكلم على الشق الثاني من الموضوع، وهو الصبر الممدوح قال:"فصل: وأما الصبر المحمود فنوعان. . . " وذكرهما.

ب- عندما يريد ذكر فائدة أو نكتة مهمة لها علاقة بما يذكره، فإنه قد يعقد لذلك فصلًا تنبيهًا لذلك، كما فعل في الباب السادس:"في بيان أقسامه بحسب اختلاف قوته وضعفه ومقاومته لجيش الهوى وعجزه عنه"، فلما ذكر أن لباعث الدين بالإضافة إلى باعث الهوى ثلاثة أحوال، قال في أثناء ذكره للحالة الثانية منها:"فصل: وهاهنا نكتة بديعة يجب التفطن لها. . . " وذكر هذه النكتة، ثم انتقل إلى الحالة الثالثة عاقدًا لها فصلًا جديدًا.

ج - وقد يعقد فصلًا من الفصول إذا عاد إلى الموضوع الرئيس بعد استطراد، كأنه يريد تنبيه القارئ على أنه قد رجع إلى إكمال ما كان بدأه، ومثاله في الباب الثامن.

د- عندما يريد التأكيد على أمرٍ ذكره أو يتعلق به، فإنه قد يعقد لذلك فصلًا، ومثاله في الباب السابع عشر.

5 -

ومن سمات الكتاب ومعالم منهجه الواضحة، كثرة الاستطرادات، ما بين طويل أو قصير، وقد يعتذر المؤلف عن طول الاستطراد بأهميته ونفعه.

ففي الباب الثالث والعشرين: "في ذكر ما احتجت به الفقراء من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار" بعد أن استطرد قال: "ولا تستطل هذا الفصل المعترض في أثناء هذه المسألة، فلعله أهم منها وأنفع، وباللَّه التوفيق".

ص: 18

6 -

وكذلك من سمات الكتاب محاولة المؤلف التوضيح والبيان للقارئ بحيث لا يدع شبهة إلا ويحاول كشفها، ويجتهد في ذلك اجتهادًا كبيرًا.

ففي الباب التاسع: "في بيان تفاوت درجات الصبر" عندما أراد بيان أن الصبر على فعل المأمور أفضل من الصبر على ترك المحظور ذكر لذلك عشرين وجهًا.

وفي الباب الثالث والعشرين "في ذكر ما احتجت به الفقراء من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار"، عقد فصلًا لذكر أمثلة تُبيّن حقيقة الدنيا، فذكر اثنين وعشرين مثالًا.

7 -

ومن معالم هذا الكتاب: توسع المؤلف في ذكر الأدلة والمرجحات ونحوها، بحيث يحاول استيعاب ما يمكن ذكره في ذلك.

وأمثلته في الباب الثاني عشر والخامس عشر.

8 -

ومن معالم الكتاب عناية المؤلف رحمه اللَّه تعالى الظاهرة بالتفسير وعلومه، كما سيظهر للقارئ بالنظر إلى فهرس الآيات التي فسَّرها المؤلف.

9 -

ومنها أيضًا عناية المؤلف الكبيرة بالاستدلال بالأحاديث والآثار، وأقوال السلف.

10 -

ومن سمات الكتاب، عناية المؤلف التي لا تخفى باستشهاده بالأبيات الشعرية. يُراجع فهرس الأبيات الشعرية.

11 -

ومنها اهتمام المؤلف بالترجيح بين الأقوال المختلفة، وعدم ترك الأمر دون تحقيق أو ترجيح أو توجيه للأدلة الواردة، وذلك واضح ظاهر.

ص: 19

‌المبحث الثامن: النقول من الكتاب:

لما كان موضوع الكتاب قد أُفرد بالتأليف والكتابة، وكُتب في موضوع الصبر والشكر ضمنًا في فنون مختلفة؛ كان من الطبيعي أن تقل نقول العلماء من هذا الكتاب، إلا أنه لأهمية الكتاب وما فيه من تحريرات وفوائد غزيرة لا توجد عند غير ابن القيم، قد أفاد بعض العلماء منه ونقلوا منه بعض الفوائد، وهذا ما وقفت عليه من ذلك.

1 -

محمد المنبجي، في كتابه تسلية أهل المصائب (ص 185 و 210، 216).

2 -

عبد الرؤوف المناوي (ت 1033)، في كتابه فيض القدير (1/ 224، 440) و (4/ 73، 234، 286)، و (5/ 428).

3 -

منصور البهوتي (ت 1046) في كتابه كشاف القناع (ص 14).

4 -

سليمان بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1233)، في كتابه تيسير العزيز الحميد (ص 512، 627، 523 - 628).

5 -

عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1285)، في كتابه فتح المجيد (2/ 603، 614، 729).

ص: 20

‌المبحث التاسع: الثناء على الكتاب:

قال العلامة الصنعاني (ت 1182) في "مختصر عدة الصابرين"(ق 1 - 2)

(1)

: "فإني لما وقفت على كتاب عدّة الصابرين وذخيرة الشاكرين الذي ألفه فارس الحفاظ. . . = رأيتُ كتابًا لم يُنْسَج على منواله، ولا سَمحت القرائح بمثاله، قد بثّ فيه من درر الفوائد ما يحيّر الناظر، ومن كنوز الشوارد ما يغني البصائر، فهو جدير بأن يُصان في الأجفان وأن تكتحل بفوائده عيون الأذهان، حقيقٌ بقول مؤلفه في ديباجته مثنيًا عليه: فجاء كتابًا حاويًا نافعًا. . . " وذكر كلام المصنف إلى آخره.

ثم قال: "وقد كنت قلت عند الوقوف على محاسن ما فيه:

عُدّة الصابرين إن نابَ خطبٌ

وزمان الفتى كثير الخطوب

جمعت في غضونها كل معنًى

فهي نعم الجليس للمكروبِ

كم بها من فوائدٍ فاغتنمها

فنكات العلوم كنز القلوب

فارتشفها ثم اقتطف من رُباها

وتضمّخ بعطرها والطيب

ثم سرّح أجفان فكرك إن كنـ

ــت فتًى ناظرًا بفكر اللبيب

تلقَ فيها دواءَ جهلك بالصبـ

ــر وبالشكر من حكيم طبيب

واضعًا للهِناء في موضع النقـ

ـــب مزيلًا للبس والتنقيب

جالبًا للتحقيق في كل فنٍّ

فتغنّم من ذلك المجلوب

يا له من مؤلف حاز علمًا

وأتانا بكل معنى غريب

(1)

نسخة الجامع الكبير بصنعاء، تفضَّل بتصوير ورقاتٍ منه الشيخ وليد الربيعي، ونقلنا منه هنا ما يناسب المقام. (علي العمران).

ص: 21

فاللبيب اللبيب من أشعر القلـ

ـــب من الصبر كل ثوبٍ قشيب

جاعلًا للدثار أثواب شكر

نسجت بالترغيب والترهيب

ولعمري لم أختصره لحشوٍ

قد حواه ولا لأمرٍ مريب

ثم قال:

فهو لا شك سلوة لحزينٍ

ولذي الروح فيه أوفى نصيب

فتمسّك به إذا شئت تلقى

كل خطب بكل سيف ضروب".

‌المبحث العاشر: موارد ابن القيم في كتابه:

يمكن تقسيم موارد ابن القيم في الكتاب إلى قسمين:

القسم الأول: الكتب التي نص ابن القيم على أسمائها.

القسم الثاني: الكتب التي لم ينصّ على أسمائها، بل ذكر أسماء مؤلفيها.

أما القسم الأول: الكتب التي نصّ على أسمائها:

اسم الكتاب ومؤلفه. . . الصفحة

بعض الكتب القديمة. . . 150

بعض المسانيد. . . 145، 152

بعض كتب اللَّه سبحانه. . . 172

التمام - محمد بن محمد بن الحسين الفراء. . . 341، 344، 345

جامع الترمذي. . . 60، 150، 151 وغيرها

الزهد - أحمد بن حنبل. . . 331، 420

ص: 22

السنة- اللالكائي. . . 539

سنن أبي داود. . . 140، 189، 197 وغيرها

سنن النسائي. . . 142، 148، 158 وغيرها

الصحاح للجوهري. . . 290

صحيح البخاري. . . 104، 141، 146 وغيرها

صحيح ابن حبان. . . 141، 347، 380

صحيح مسلم. . . 140، 144، 152 وغيرها

صحيفة عمرو بن شعيب. . . 143، 228

الضعفاء - العقيلي. . . 464

الفتوح - محمد بن إسحاق. . . 261

فتوح الغيب - عبد القادر الجيلاني. . . 48

المسائل - إسحاق بن هانئ. . . 424

المسند - الإمام أحمد بن حنبل. . . 97، 141، 191 وغيرها

المسند - الحسن بن الصباح. . . 237، 530

المسند - الحارث بن أبي أسامة. . . 379

المسند - البزار. . . 497

المعجم - الطبراني. . . 399

الموضوعات - ابن الجوزي. . . 309

الموطأ - مالك بن أنس. . . 142، 149، 151

ص: 23

القسم الثاني: الكتب التي لم ينصّ على أسمائها، بل ذكر أسماء مؤلفيها

(1)

:

اسم العَلَم. . . الصفحة

* ابن أبي الدنيا. . . 47، 138، 181 وغيرها

- (الشكر). . . 224، 225، 226 وغيرها

- (الصبر). . . 184، 185

- (المرض والكفارات). . . 154، 155، 159، وغيرها

- (ذم الدنيا). . . 213، 437، 438، 442

- (قصر الأمل). . . 470

ابن الأعرابي (لعله تشريف الفقير على الغني). . . 406، 409

ابن الأنباري. . . 322

ابن الجوزي. . . 210، 299، 306

ابن تيمية. . . 349

ابن حبان. . . 307، 320

ابن خزيمة. . . 539

ابن عبد البر. . . 195

ابن عدي (الكامل). . . 348

(1)

أذكر أحيانًا إلى جانب العَلَم اسم الكتاب، إذا عثرت على النقل في ذلك الكتاب، وقد أكرر اسم العلم إما لاختلاف الكتاب أو لوقوفي أحيانًا على إحالة في كتبه، وعدم وقوفي أحيانًا أخرى.

على أني لم أذكر اصحاب الكتب الستة وأحمد إذا كانت الإحالة على كتبهم لكثرة ورودها.

ص: 24

ابن عقيل. . . 335

ابن منده (الرد على الجهمية). . . 539

أبو البركات ابن تيمية. . . 202

أبو حاتم الرازي. . . 306

أبو سعيد بن الأعرابي. . . 346

أبو عبيد القاسم بن سلام. . . 138

أبو عثمان الحيري. . . 20

أبو علي الدقاق. . . 22، 23، 85، 130

أبو عمر بن عبد البر. . . 288

أبو محمد الجريري. . . 22، 269

* أحمد بن حنبل. . . 54، 65، 129، وغيرها

- (الرد على الجهمية والزنادقة). . . 451

- (الزهد). . . 211، 237، 239، وغيرها

الأصمعي. . . 18

بكر بن محمد. . . 526

البيهقي (السنن الكبرى). . . 346

البيهقي (شعب الإيمان). . . 307، 488، 489

الجنيد بن محمد. . . 19، 91

الجوهري (الصحاح). . . 531

الدارقطني. . . 307، 308

الزجاج. . . 358

سعيد بن منصور. . . 261، 405

الشافعي. . . 134

عبد الرزاق (المصنف). . . 410

ص: 25

عبد اللَّه بن أحمد (زوائد الزهد). . . 238، 390، 391، 425، 513

عبد اللَّه بن أحمد. . . 411

* عبد اللَّه بن المبارك. . . 247، 248، 256 وغيرها

- (الزهد). . . 411، 285

عبد اللَّه بن وهب. . . 281

عثمان الدارمي (نقض عثمان بن سعيد). . . 539

علي بن الجعد. . . 227، 251

الفراء. . . 320

محمد بن محمد بن الفراء (التمام). . . 525

المروذي. . . 526

معمر بن راشد. . . 410

مقاتل بن سليمان. . . 280

النسائي. . . 308، 312

الهروي شيخ الإسلام. . . 539

* الواحدي. . . 363

- (الوسيط). . . 366

وهب بن منبه. . . 172، 178، 266، 277

* * *

‌المبحث الحادي عشر: بين ابن القيم في (العدة) والغزالي في (الإحياء):

كان الإمام الغزالي ممن كتب في الصبر والشكر ضمن كتابه المعروف "إحياء علوم الدين"، وذلك في الكتاب الثاني من ربع المنجيات.

ص: 26

وقد استفاد ابن القيم من كتاب الغزالي هذا دون أن يشير إلى ذلك، وذلك ظاهر لمن تأمَّل الكتابين.

وسوف أعرض هنا المواطن المتشابهة من الكتابين التي يغلب على الظن أن ابن القيم استفاد منها، وهي:

* في مقدمة الكتاب، عند بيان ابن القيم لأهمية الكتابة في هذا الموضوع قال:"فصل: ولما كان الإيمان نصفين: نصف صبر ونصف شكر. . . " إلخ، ثم بنى كلامه على هذه الجملة.

ومن نظر في "إحياء علوم الدين" يجد أن ابن القيم قد استعار هذه العبارة منه في مقدمة الكلام على الصبر والشكر (4/ 52) حيث يقول الغزالي: "أما بعد، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر. . . " إلخ.

بل إن الغزالي هنا أردف أمرًا ثانيًا لبيان أهمية الكتابة في هذا الموضوع، فقال بعد الكلام السابق: "وهما

(1)

أيضًا وصفان من أوصاف اللَّه تعالى واسمان من أسمائه الحسنى؛ إذ سمى نفسه صبورًا وشكورًا، فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهلٌ بكلا شطري الإيمان، ثم هو غفلة عن وصفين من أوصاف الرحمن. . . ".

وهذا الأمر أخّره المصنِّف إلى الباب السادس والعشرين، وهو الباب الأخير فقال:"الباب السادس والعشرون: في بيان دخول الصبر والشكر في صفات الرب جل جلاله، وتسميته بالصبور والشكور، ولو لم يكن للصبر والشكر من الفضيلة إلا ذلك لكفى به".

(1)

أي: الصبر والشكر.

ص: 27

* وفي الباب الثاني الذي هو: "في حقيقة الصبر وكلام الناس فيه".

أقول: قد ذكر ذلك الغزالي في كتابه (4/ 54) في فصلٍ هو: "بيان حقيقة الصبر ومعناه: اعلم أن الصبر مقام. . . " إلخ.

وقد ختم ابن القيم بابه بأن حقيقة الصبر: "ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الشهوة والطبع" ثم شرحه شرحًا مجملًا.

وهذا الذي ختم به ابن القيم في بيان حقيقة الصبر، إنما هو ما استنبطه الغزالي في ذلك الفصل الذي ذكره في كتابه (4/ 54).

ثم أعاد ابن القيم ذكر هذه الحقيقة في الباب الخامس بقوله: ". . . فلا يُتصور في حقهم الصبر الذي حقيقته: ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الشهوة والهوى".

* وفي الباب الثالث الذي ترجمه ابن القيم: "في بيان أسماء الصبر بالإضافة إلى متعلقه".

قال ابن القيم في مُستهلِّه: "لما كان الصبر المحمود هو: الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى المذموم، كانت مراتبه بحسب متعلقه. . . ".

وقد عقد لذلك الغزالي في كتابه (4/ 57) فصلًا فقال: "بيان الأسامي التي تتجدد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر: اعلم أن الصبر ضربان: أحدهما: ضرب بدني كتحمل المشاق. . . " إلخ.

بل من الملاحظ هنا في كلام ابن القيم في هذا الباب أنه استهلَّه وكأن القارئ يعرف تقسيمات الصبر التي يريدها ابن القيم فقال: "لما كان الصبر

ص: 28

المحمود هو: الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى. . . "، فكأنَّ القارئ يعرف أن هناك صبرًا ممدوحًا وآخر مذمومًا، ولم يسبق ذكر ذلك قبلُ، بل سيأتي ذكر هذا التقسيم بعد ذلك في الباب العاشر.

وكأنَّ القارئ عنده سابق علم أن هناك صبرًا نفسانيًّا يقابله الصبر البدني، وهو ما سيذكره المصنف بعد ذلك في الباب الخامس.

وكأن القارئ يعلم أن هناك صبرًا اختياريًّا يقابله صبرٌ اضطراري، وهو ما سيذكره ابن القيم بعد ذلك في أبواب متفرقة: الباب الخامس والباب التاسع والباب الثالث عشر.

بينما نرى الغزالي مهّد لذلك في هذا الموضع بأن ذكر هذه التقسيمات، وانطلق منها لبيان مراده، فكان ترتيبُ الغزالي أوجه وأكثر دقةً من ترتيب ابن القيم. واللَّه تعالى أعلم.

* في الباب الرابع الذي عنوانه: "في الفرق بين الصّبر والتّصبّر والاصطبار والمصابرة".

وقد سبقه الغزالي إلى بيان الفرق بين الصبر والتصبر في كتابه (4/ 59)، وما ذكره ابن القيم يتفق مع ما ذكره الغزالي من الفرق بينهما.

* وفي الباب الخامس وهو: "في أقسامه باعتبار محله".

ذكر ابن القيم فيه أن الصبر ضربان: بدني ونفساني، وأن كلًّا منهما نوعان: اختياري واضطراري.

وقد أشار إلى ذلك الغزالي في كتابه (4/ 57، 60، 61).

ص: 29

* وفي الباب السادس: "في بيان أقسامه بحسب اختلاف قوته وضعفه ومقاومته لجيش الهوى وعجزه عنه".

قال ابن القيم فيه: "باعث الدين بالإضافة إلى باعث الهوى له ثلاثة أحوال. . . " ثم ذكرها.

والذي ذكره ابن القيم هو الذي ذكره الغزالي في الإحياء (4/ 58) حيث قال: "بيان أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف: اعلم أن باعث الدين بالإضافة إلى باعث الهوى له ثلاثة أحوال. . . " ثم ذكرها، وهي عينها التي ذكرها ابن القيم في كتابه.

* الباب السابع الذي ترجمه ابن القيم بقوله: "في ذكر أقسامه باعتبار متعلقه".

ذكر ابن القيم في هذا الباب انقسام الصبر بذلك إلى ثلاثة أقسام:

1 -

صبر على الأوامر والطاعات.

2 -

صبر عن المناهي والمخالفات.

3 -

صبر على الأقدار والأقضية.

وهذه الأقسام الثلاثة ذكرها الغزالي في كتابه، ففي (4/ 60) ذكر الصبر على الطاعة، وفي (4/ 61) ذكر الصبر عن المعاصي، وفي (4/ 62) ذكر الصبر على الأقدار، وهو الذي سماه الغزالي بقوله:

"القسم الثالث: ما لا يدخل تحت حصر الاختيار أوله وآخره، كالمصائب، مثل: موت الأعزة. . . " إلخ.

ص: 30

* الباب الثامن الذي ذكره ابن القيم، وهو: "في انقسامه باعتبار

تعلق الأحكام الخمسة به".

وانقسامه بهذا الاعتبار قد ذكره الغزالي في الإحياء (4/ 59).

* الباب التاسع: "في بيان تفاوت درجات الصبر".

ذكر ابن القيم اختلاف درجات الصبر، ورجّح أن الصبر الاختياري أكمل من الصبر الاضطراري.

وقد أشار الغزالي إلى اختلاف درجات الصبر في الإحياء (4/ 62، 63) إلا انه رجّح أن الصبر الاضطراري أكمل.

* وفي الباب العاشر الذي هو "في انقسام الصبر إلى محمود ومذموم".

وذكر هذا التقسيم الغزالي في الإحياء (4/ 57، 69).

* وفي الباب الثاني عشر: "في الأسباب التي تعين على الصبر".

ذكر ابن القيم أن ذلك بأمرين:

الأول: تضعيف الداء وباعث الشهوة.

الثاني: تقوية باعث الدين.

وهذان الأمران هما اللذان ذكرهما الغزالي في الإحياء (4/ 65 - 66) وترجم لذلك بقوله: "بيان دواء الصبر وما يُستعان به عليه".

* وفي الباب الثالث عشر: الذي ترجمه ابن القيم بقوله: "في بيان أن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال"، بيَّن فيه ابن القيم أن كل

ص: 31

ما يعرض للإنسان في هذه الحياة الدنيا إما أن يكون موافقًا لهواه ومراده، أو يخالفه، ثم بيَّن احتجاج افنسان غلى الصبر في كلّ منهما.

وهو عين ما ذكره الغزالي في الإحياء (4/ 59) وما بعدهما.

* وفي الباب الرابع عشر: الذي ترجمه ابن القيم بقوله: "في بيان أشق الصبر على النفوس".

وذكر الغزالي مراده ومضمون ما ذكره ابن القيم في الإحياء (4/ 61).

* وفي الباب الخامس عشر: "في ذكر ما ورد في الصبر من نصوص الكتاب العزيز".

* والباب السادس عشر: "في ذكر ما ورد فيه من نصوص السنة".

* وفي الباب السابع عشر: في الآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم في فضيلة الصبر".

أقول: قد عقد الغزالي لذلك في الإحياء (4/ 52 - 53) فصلًا ترجمه بقوله: "بيان فضيلة الصبر". ثم قال: "وقد وصف اللَّه تعالى الصابرين بأوصاف، وذكر الصبر في القرآن. . . " ثم ذكر شيئًا من ذلك.

ثم قال: "وأما الأخبار. . . " وذكر من الأحاديث النبوية.

ثم قال: "وأما الآثار. . . " وذكر ما تيسر له منها.

* الباب التاسع عشر: "في أن الصبر نصف الإيمان، وأن الإيمان نصفان: نصف صبرٍ ونصف شكر".

وقد بيّن ذلك الغزالي في الإحياء (4/ 56 - 57)، حيث عقد لذلك فصلًا ترجمه بـ:"بيان كون الصبر نصف الإيمان".

ص: 32

* الباب العشرون إلى الباب الرابع والعشرين كلها في التنازع في الأفضل من الصبر والشكر والغني الشاكر والفقير الصابر وحجة كلٍ والترجيح.

وقد عقد الغزالي لذلك في الإحياء (4/ 115 - 120) فصلًا فقال: "بيان الأفضل من الصبر والشكر" وأشار في أثنائه إلى مسألة الغني الشاكر والفقير الصابر.

* والباب الخامس والعشرون: "في بيان الأمور المضادة للصبر والمنافية له والقادحة فيه". ونحوه الباب الثامن عشر.

وقد أشار الغزالي إلى جزء كبير من مضمون هذين البابين في الإحياء (4/ 63) فقال: "فاعلم أنه إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع و. . " إلخ، ثم قال:"ولا يخرجه عن حدّ الصابرين توجع القلب. . . ".

* أما الباب الأخير، وهو الباب السادس والعشرون فقد سبقت الإشارة إليه في أول هذا المبحث.

وبعد هذه المقارنة بين كتاب (العدة) وكتاب الصبر والشكر من (الإحياء) يتبيّن لنا الارتباط والتشابه بين الكتابين في أصل فكرة الموضوع وعموم الأبواب، اللهم إلا في الباب الأول الذي تكلم فيه ابن القيم عن معنى الصبر لغة واشتقاق هذه الكلمة، والباب الحادي عشر الذي تكلم فيه ابن القيم عن الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام.

وبعد هذا العرض نخرج بنتيجة مهمة وهي استفادة ابن القيم من كتاب الغزالي، حيث جعل من كلامه أساسًا لشجرة كبيرة كثيرة الفروع والأغصان، إذ إنه سقاها من عصارة علمه، وحرثها بسعة فقهه، ونقحها بصحيح فكره.

ص: 33

فزاد ابن القيم على ما ذكره الغزالي فوائد عديدة، وتفريعات كثيرة، واستنباطات مهمة، وفوائد ونكات لم يتطرق إليها الغزالي، وأضاف أمثلة وتوضيحات ليكون لقارئه عُدّة في طريقه وسيره إلى اللَّه والدار الآخرة.

فكان هذا الكتاب المهم "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" وهو بحجمه يقارب أربعة أضعاف ما كتبه الغزالي.

ولا تستطل أيها القارئ هذا المبحث فإنه من أكثر المباحث فائدة وجدة، إذ إن أكثر طلاب العلم لا يعلمون هذه الحقيقة.

ونسبة للفضل إلى أهله، فالذي نبهني على استفادة ابن القيم من كتاب الغزالي هو فضيلة شيخي الدكتور محمد بن حسين الجيزاني، جزاه اللَّه خيرًا وأجزل له المثوبة.

‌المبحث الثاني عشر: مختصراته والبحوث المستلة منه:

إن الإمام ابن القيم لسعة علمه وكثرة اطلاعه وشمول معرفته وكثرة ما عنده من الفوائد كانت له سِمة عامة في مؤلفاته هي الاستطراد والتوسع وكثرة الأدلة والوجوه ونحوها، كما قال في وصفه الحافظ ابن حجر:"وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح جهده، فيسهب جدًّا"

(1)

.

لذا فإن من السهل أن يجد من يريد اختصار كتاب ما من كتبه مُسوّغًا له بسبب ذلك. أضف إلى ذلك أهمية كتبه وكثرة فائدتهًا.

(1)

الدرر الكامنة (3/ 402).

ص: 34

وقد قام عدد من العلماء والأفاضل باختصار عدة الصابرين.

* فقام الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (1182) باختصار هذا الكتاب وسماه: السيف الباتر في يمين الصابر الشاكر

(1)

.

* وقام محمد مسلم الغنيمي بعرض المادة العلمية للكتاب مختصرة، لإبراز ابن القيم كأديب ومصلح

(2)

، فجاء هذا العرض وكأنه اختصار لهذا الكتاب، والسياق الذي ذكره كله لابن القيم من لفظه مختصرًا

(3)

.

* كما قام أحد المعاصرين

(4)

باستلال جزء من الكتاب، وجعل ما استله في بحث مفرد بعنوان:"التفضيل بين الصبر والشكر"، وهو مأخوذ برمته من كتاب "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" إلا قليلًا.

‌المبحث الثالث عشر: طبعات الكتاب:

للكتاب عدة طبعات، وأول طبعة للكتاب كانت عام 1340

(5)

في المطبعة السلفية على نفقة فهد بن علي الرشودي النجدي.

(1)

انظر: فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير - صنعاء (3/ 1352).

(2)

قال الغنيمي في خاتم كتابه: "ابن القيم" ص 414: إن غرضه "إبراز شخصية ابن القيم كأديب ومرشد ومصلح اجتماعي".

(3)

انظر المصدر السابق ص 302 - 336.

(4)

هو الدكتور سالم بن محمد القرني، وقد نُشر في مجلة الحكمة، العدد الخامس والعشرين، عام 1423 هـ.

(5)

وذكر سركيس في معجم المطبوعات العربية: 1/ 224، والشيخ بكر أبو زيد في ابن قيم الجوزية (ص 276) أنه طبع سنة 1341، مع ملاحظة اختلاف هذين المرجعين في الدار الطابعة له في تلك السنة.

ص: 35

وبعدها طُبع عام 1349 هـ في المطبعة السلفية

(1)

.

وتوالت الطبعات للكتاب بعد ذلك:

* ولعل من الطبعات المشهورة طبعة مكتبة المتنبي بالقاهرة، ضمن سلسلة مكتبة ابن القيم، وقد وُصفت في وقتها بأنها أكثر الطبعات تداولًا

(2)

.

* وطُبع في دار الكتاب العربي ببيروت عام 1408 هـ بتحقيق محمد عثمان الخشت.

* ومن طبعات الكتاب طبعة دار ابن كثير ودار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، عدة طبعات، بتحقيق محيي الدين ديب مستو.

* ومنها أيضًا طبعة دار الكتب العلمية - بيروت، تحقيق زكريا علي يوسف.

* ومنها طبعة دار الحديث - القاهرة، تحقيق عصام الدين الصبابطي.

* ومنها طبعة دار ابن الجوزي - الدمام، الطبعة الثالثة، 1424 هـ، بتحقيق سليم بن عيد الهلالي.

* ومنها طبعة دار الحديث، القاهرة، بدون تحقيق، سنة 1989 م.

* ومنها طبعة مكتبة المعارف، الطائف.

* ومنها طبعة دار القلم، بيروت، 1407 هـ، تصحيح: محمد علي قطب.

وغيرها كثير.

(1)

انظر: ابن قيم الجوزية لبكر أبو زيد (ص 276).

(2)

انظر: مقدمة محمد عثمان الخشت لعدة الصابرين ص 10.

ص: 36

‌المبحث الرابع عشر: نُسخ الكتاب الخطية:

لكتاب عدة الصابرين عدة نسخ، توفر لي منها أثناء التحقيق أربع نسخ خطية.

‌1 - نسخة كوبريلي بتركيا.

عدد أوراقها: 133 لوحة. نسخت عام: 770 هـ. وخطها نسخي جميل مشكول، وكُتبت الأبواب والفصول بالمداد الأحمر، وعلى هوامشها العديد من التصحيحات والاستدراكات وناسخها -كما في نهاية المخطوط- هو: محمد بن محمد بن محمد القرشي الباهي.

وهو: الشيخ الإمام محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهي المصري، نجم الدين الحنبلي، اشتغل كثيرًا وعني بالتحصيل، ودرّس وأفتى، وكان عين الحنابلة بمصر وأفضلهم فيها وأحقهم في ولاية القضاء، توفي رحمه اللَّه تعالى سنة اثنتين وثمانمائة

(1)

.

وقد أوقف هذه النسخة الوزير أبو الخير، كما هو مختوم عليها في عدة أماكن من الكتاب، وكُتب فيه:"قد وقف هذه النسخة الوزير أبو الخير الحاج أحمد بن الوزير الأعظم الفاضل نعمان بن الوزير الأعظم العلامة الصدر الشهيد مصطفى بن الوزير الأعظم النحرير أبي عبد اللَّه محمد عُرِفَ بكوبريلي أقال اللَّه عثارهم".

(1)

انظر: إنباء الغمر بابناء العمر لابن حجر 2/ 128، والذيل التام على دول الإسلام للسخاوي 1/ 411، وتاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 136 - 137، وحسن المحاضرة للسيوطي 1/ 483.

ص: 37

ومع أن هذه النسخة لم تسلم من الأخطاء والتصحيفات والسقط في عدة مواضع إلا إني اتخذت هذه النسخة أصلًا لتحقيق الكتاب لِقِدم نسخها من جهة، فإنها قد نسخت سنة سبعين وسبعمائة. ولمنزلة ناسخها من جهة أخرى، ولأن النسخ الأخرى متأخرة جدًّا عنها.

‌2 - نسخة دار الكتب القومية بمصر

وهي محفوظة فيها برقم 2159 تصوف.

عدد أوراقها: 153. نسخت عام 1313 هـ.

ناسخها، كما جاء في نهاية المخطوط:"علقه. . . عبد الرحمن بن عبد العزيز آل عويد ضحوة السبت من شهر ذي القعدة سنة 1313 من هجرة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا".

وقد ترجم الشيخ عبد اللَّه البسام له في كتابه علماء نجد فقال: "الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عويد، ولد في مدينة بريدة، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم بها، كما أخذ العلم عن علمائها. . . وحصّل واستفاد، وكان له خطّ جميل نيّر مضبوط، وكان عليه الوقار والسكينة مع لين الجانب، وكان ورعًا زاهدًا لا يأكل إلا من عمل يده في نسخ الكتب، فقد كتب عدة كتب كبار وصغار، وجلس للتدريس فانتفع كثير من الناس بعلمه، وما زال على حالته الحميدة حتى توفي عام 1350 هـ رحمه اللَّه تعالى"

(1)

.

وقد رمزت لهذه النسخة بـ "م".

(1)

علماء نجد خلال ثمانية قرون 3/ 76.

ص: 38

‌3 - نسخة في مكتبة الملك فهد

برقم 223/ 1.

عدد أوراقها: 124 ورقة في 240 صفحة.

تاريخ نسخها: عام 1299 هـ.

ناسخها كما هو موجود في آخرها: "علقه لنفسه أفقر عباد اللَّه وأحوجهم إلى رحمته ومغفرته: راشد بن عبد اللَّه العنزي المهاجري".

ولم أقف على من ترجم له. وعلى صفحة العنوان كتبت وقفية للكتاب بخط مغاير مؤرّخة في سنة (1307) بعد وفاة الناسخ لأنه ترحم عليه. وقد رمزت لهذه النسخة بـ "ن".

‌4 - نسخة جامع بريدة.

وعنها صورة في مكتبة الملك فهد برقم 17/ ب، عدد أوراقها: 110 ورقات.

تاريخ نسخها: عام 1337 هـ.

ناسخها كما جاء في آخرها: "تم الكتاب المسمى بعدة الصابرين. . . بقلم الفقير إلى ربه القدير. . . محمد بن عبد الرحمن بن حوبان".

والناسخ المذكور كان كاتبًا بديوان الملك عبد العزيز آل سعود. وكان كثير التردد والاجتماع بعلماء بريدة. وقد رمزت لهذه النسخة بـ "ب".

‌المبحث الخامس عشر: منهج العمل في الكتاب:

يمكن إجمال المنهج الذي سرت عليه في تحقيقي لهذا الكتاب في النقاط الآتية:

ص: 39

1 -

اتخذتُ النسخة الأولى أصلًا وذلك لقدم نسخها من ناحية، ولأن ناسخها إمام معروف.

2 -

جعلت النسخ الثلاث الأخرى نسخًا مساندة للنسخة الأصل، وذلك لقرب عهد نسخها.

3 -

لم أعتنِ ببيان الفروق والأخطاء بين النسخ الثلاث المساندة ما لم تخالف الأصل، وذلك لأن هذه النسخ الثلاث على ما يبدو ترجع إلى أصل واحد لاتفاقها في كثير من المواضع، خاصة مواضع الكلمات المشكلة.

4 -

أثبت كثيرًا من القراءات للكلمات المحتملة في الحاشية، مع كتابة ما ورد في النسخة الأصل في المتن، ما لم يثبت خطؤها، فإني أصحح الكلمة في المتن وأشير إلى ما وقع في الأصل في الحاشية.

5 -

عزوت الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية، مع وضعها داخل النص المحقق بين معقوفتين.

6 -

خرّجت الأحاديث والآثار الواردة في المتن تخريجًا مختصرًا، إن كان في الصحيحين أو أحدهما، أو السنن الأربعة فإني أكتفي بتخريجه منها إلا إذا كان هناك فائدة من تخريجه من غيرها.

وما لم يكن في أحد الكتب الستة فإني أقوم بتخريجه من الكتب المشهورة والأمات المعروفة تجنبًا للإطالة إذا وجدته فيها، وإلا فإني أخرجه من أي كتاب أو جزء حديثي وجدته.

7 -

بينت درجة الحديث صحة وضعفًا من خلال ما ذكره أهل العلم المختصّون بذلك.

ص: 40

8 -

نسبت الأبيات الشعرية إلى قائليها وخرجتها من الكتب المعتبرة قدر الإمكان.

9 -

وثقت النصوص التي نقلها المؤلف من كتب من سبقه ما وجدت إلى ذلك سبيلًا.

10 -

ترجمت للأعلام غير المشهورين الواردين في الكتاب على وجه الاختصار.

11 -

بيان بعض الكلمات الغريبة وتوضيحها.

وفي الختام أتوجه بالشكر لمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض على إتاحة الفرصة لتصوير نسختي (ن، ب)، كما أشكر المشايخ الفضلاء الذين راجعوا الكتاب على ملاحظاتهم القيمة التي كمّلت العمل وسدّدته. وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 41

نماذج من النسخ الخطية

ص: 44

ورقة العنوان من نسخة تركيا (الأصل)

ص: 47

الورقة الأخيرة نسخة تركيا (الأصل)

ص: 49

الورقة الأولى نسخة دار الكتب المصرية (م)

ص: 50

الورقة الأخيرة نسخة الورقة الأولى نسخة دار الكتب المصرية (م)

ص: 51

ورقة العنوان من نسخة مكتبة الملك فهد (ن)

ص: 52

الورقة الأولى نسخة مكتبة الملك فهد (ن)

ص: 53

الورقة الأخيرة من نسخة مكتبة الملك فهد (ن)

ص: 54

ورقة العنوان من نسخة بريدة (ب)

ص: 55

الورقة الأولى من نسخة بريدة (ب)

ص: 56