المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سيطرة جلال الدين على إيران وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية وما رافق ذلك من أحداث - التتار من البداية إلى عين جالوت - جـ ٣

[راغب السرجاني]

فهرس الكتاب

- ‌المتساقطون

- ‌هروب جلال الدين من جيش التتار

- ‌احتلال التتار لأفغانستان

- ‌احتلال التتار لمراغة

- ‌أسباب تردد التتار في غزو أرض الخلافة العباسية مطلع عام 618ه

- ‌أسباب تراجع التتار عن غزو تبريز وكنجة

- ‌احتلال التتار لداغستان والشيشان وجنوب غرب روسيا

- ‌تقليد هولاكو إمارة حلب للأشرف الأيوبي

- ‌استسلام حلب للتتار

- ‌محاصرة هولاكو لحلب

- ‌سقوط ميافارقين أثناء حصار هولاكو لحلب ومقتل الكامل أمير ميافارقين

- ‌احتلال التتار لداغستان والشيشان وجنوب غرب روسيا

- ‌تقليد هولاكو إمارة حلب للأشرف الأيوبي

- ‌استسلام حلب للتتار

- ‌محاصرة هولاكو لحلب

- ‌سقوط ميافارقين أثناء حصار هولاكو لحلب ومقتل الكامل أمير ميافارقين

- ‌أهم أحداث العام 620ه

- ‌تنصر ابن حاكم الأناضول طمعاً في حكم مملكة الكرج

- ‌أهم أحداث العام 621ه

- ‌قتل التتار للمسلمين في إيران

- ‌خروج الجراد وقلة الأمطار سنة 621ه

- ‌تقسيم منطقة فارس بين غياث الدين وسعد الدين بن دكلا

- ‌سيطرة جلال الدين على إيران وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية وما رافق ذلك من أحداث

- ‌تولي الظاهر بأمر الله الخلافة العباسية وتحسن الأوضاع في عهده

- ‌محاصرة جلال الدين لمدينة خلاط وسبي أهلها

- ‌وفاة جنكيز خان

- ‌حال المسلمين بين عامي 624هـ و 627ه

- ‌تسليم المسلمين بيت المقدس للصليبيين

- ‌حال المسلمين بين عامي 624هـ و 627ه

- ‌تسليم المسلمين بيت المقدس للصليبيين

- ‌أحداث سنة 628ه

- ‌أسباب إحجام التتار عن غزو العراق

- ‌غزو التتار لبلاد جلال الدين وقصة مقتله

- ‌احتلال التتار لأذربيجان وتوقفهم بعد ذلك عن الحروب

- ‌الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين أمام التتار

الفصل: ‌سيطرة جلال الدين على إيران وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية وما رافق ذلك من أحداث

‌سيطرة جلال الدين على إيران وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية وما رافق ذلك من أحداث

كانت قد بدأت قصة التتار سنة (616هـ)، وكل هذا الذي ذكرناه حدث في ست سنوات فقط، ثم في عامي (622هـ) و (623هـ) خفت القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية غرب وشمال إيران، واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة، واهتموا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشاسعة التي وقعت في أيديهم، ولكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين، فقد ظهر على مسرح الأحداث فجأة جلال الدين بن محمد بن خوارزم، فقد ضاق من عيشه في الهند، ورأى أن الوضع هناك ليس مريحاً، وعلاقته مقطعة وسيئة مع ملوك الهند الغوريين المسلمين، ورأى الوضع مستقراً نسبياً في إيران، فالتتار قد اكتفوا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشرقية، فوجد الفرصة مناسبة، فدخل أرض إيران يبحث عن الملك الضائع، فهو ملك وابن ملك، ويريد أن يأتي بالملك، وقد كان أخوه غياث الدين يحكم شمال إيران وسعد الدين بن دكلا الذي تقاسم البلد مع غياث الدين يحكم الجنوب، فتحالف جلال الدين بن محمد بن خوارزم مع سعد الدين بن دكلا لحرب أخيه غياث الدين بن محمد بن خوارزم، وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال ووصل إلى غرب إيران، وسيطر على المنطقة الغربية من إيران.

ووجد جلال الدين نفسه قريباً من الخلافة العباسية في العراق، وتذكر الخلافات القديمة بينه وبين الخلافة العباسية، فقرر غزو الخلافة العباسية.

فقد كان الزعماء في ذلك الوقت مصابون بالحول السياسي، فحاصر البصرة لمدة شهرين ولم يستطع فتحها، فتركها واتجه إلى الشمال، وقرب من بغداد وحاصرها، فخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه وعلى مدينته، فحصن المدينة وجهز الجيوش، ولكنه لم يكن صاحب حرب ولا يستطيع الحرب، ففعل فعلاً شنيعاً بشعاً مقززاً لا يتخيل، يقول ابن الأثير تعليقاً على هذا الفعل: فعل الذنب الذي يتصاغر إلى جواره كل الذنوب، فقد أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين، وهو يعلم تاريخهم وحروبهم مع المسلمين.

ولو كان الظلم كل الظلم مع جلال الدين والحق كل الحق مع الخليفة أفيأتي بالتتار لنجدته؟! أما علم أن التتار إذا قضوا على جلال الدين فإن الخطوة التالية مباشرة هي القضاء على الخلافة العباسية؟! فقد أراد خليفة المسلمين أن يطيل فترة ملكه أعواماً قليلة، وأن يموت عبداً للتتار بدلاً أن يكون عبداً لـ جلال الدين؟! وأنا لا أدافع عن جلال الدين، بل ألومه أشد اللوم على تفريق طاقة المسلمين وجعل بأسهم بينهم، وإنني أشبه جلال الدين بـ صدام حسين، فالدنيا كانت مشتعلة في كل مكان بسبب التتار، وهو يريد محاربة الخلافة العباسية، وصدام حسين كانت الدنيا كانت مشتعلة في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير، وهو ذاهب لمحاربة الكويت.

ومع أن جلال الدين كان معتدياً إلا أن الحل لم يكن بأن نأتي بقوة كافرة مهولة مروعة لنزرعها في داخل بلاد المسلمين، لكي تحل لهم مشاكلهم، وتعالج أمراضهم.

فكان الخليفة العباسي كالمستجير من الرمضاء بالنار، وكمن دخل عليه لص في بيته فاستجار بأكبر زعماء العصابات في المنطقة، فإنه سيخرج اللص الصغير ويحتل البيت، بل ويحتل العمارة كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! لكن التتار في ذلك الوقت كانوا مشغولين عن حرب جلال الدين، فلم يأتوا ليساعدوه، ولم يستطع جلال الدين أن يدخل بغداد، فتركها وانتقل إلى غيرها من البلاد.

وكانت حروب جلال الدين ومن معه من الجنود الخوارزمية حروباً شرسة مفسدة، مع أن كل البلاد المغنومة بلاد إسلامية، فكان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب، وكأنه تعلم من التتار قسوة القلب، فبدلاً من أن يرحم الناس الذين تعذبوا على أيدي التتار سنوات، بدأ هو كذلك يشترك في التعذيب، حتى بلغ سلطانه من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين من إيران، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها كلها كانت مليئة بالقلاقل والاضطرابات والارتباكات، بالإضافة إلى العداءات الكثيرة التي أورثها جلال الدين في قلوب كل سكان المنطقة، وسياسة العداءات والمكائد والاضطرابات ورثها جلال الدين بن خوارزم عن أبيه محمد بن خوارزم، ولم تأت هذه السياسة إلا بالويلات الشديدة على الأمة، وليت المسلمين يفقهون.

ص: 23