المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقدمة الطبعة الأولى   ‌ ‌تقديم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله - علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم

[مصطفى باحو]

الفصل: مقدمة الطبعة الأولى   ‌ ‌تقديم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله

مقدمة الطبعة الأولى

‌تقديم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد، فهذا هو الكتاب الثالث من سلسلة:"بحوث في المذهب المالكي"، وقد صدر من هذه السلسلة ما يلي:

1 -

حكم الغناء في المذهب المالكي.

2 -

حجاب المرأة في المذهب المالكي.

ومعه حكم مصافحة الأجنبية والخلوة بها.

وقد جمعت في هذه الرسالة الصغيرة الجِرْم، الكثيرة العلم، النصوص المأثورة عن المغاربة والمالكية في رد البدع والخرافات والأباطيل، قاصدا إبطال مزاعم بعض المفترين أن رد البدع والخرافات والضلالات مذهب وافد على بلادنا، غريب عن وطننا، مباين لسماحة المذهب المالكي القائم على الاعتدال والوسطية.

فبرهنت بحمد الله بما لا يدع مجالا للشك أنه لا زال في علماء المالكية على مر الأعصار والأمصار من يرد أباطيل المتصوفة ويبطل خرافات المبتدعة، ويخالف عقائد الأشعرية.

ص: 5

فهذا الإمام ابن رشد القرطبي، أوحد أهل زمانه علما وفقها بمذهب المالكية، بل لم يأت بعده أَجَلُّ منه عند المالكية. هذا الإمام يرى وجوب هدم السقائف والقباب المبنية على القبور. وأيده في هذا علماء كثيرون، كما سيأتي بيانه.

وهذا الإمام والعلامة أبو بكر الطرطوشي رحمه الله أحد أشهر علماء المالكية يقول: مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله (1). كما سيأتي نقله عنه.

فما عسى يكون موقف الخرافيين والطرقيين من هؤلاء العلماء؟ أتراهم كانوا عملاء لجهات خارجية؟ تملي عليهم أفكارها المتشددة، الغريبة عن وسطية المذهب المالكي.

وشنع العلامة المكي الناصري رئيس المجلس العلمي بالرباط ووزير الأوقاف سابقا على المبالغين في تعظيم القبور والأضرحة وعلى المتصوفين والطرقيين، وهكذا فعل محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب، وعلامة المغرب عبد الله كنون.

فإذا كان من يقف على رأس الهرم الديني في المغرب، أعني المجلس العلمي ورابطة علماء المغرب هذا رأيهم وهذا قولهم، فما عسى يبقى من كلام؟

(1) تفسير القرطبي (11/ 237).

ص: 6

وألف العلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني رسالة سماها: إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا.

حرم فيه البناء على القبور والصلاة في المقابر والزوايا.

فلماذا عندما ينكر بعض علماء المغرب المعاصرين مظاهر المغالاة في تعظيم القبور ينبزون بأنهم وهابية أو متشددون إسلاميون، غريبون عن وسطية المذهب المالكي وسماحته؟

أليس ابن رشد مالكيا؟ أليس هؤلاء السادة مغاربة؟

وهذا الإمام الإمام الكبير أبو عبد الله القرطبي أشهر مفسري المالكية، بل ليس للمالكية تفسير أوسع وأكبر من تفسيره، يشنع على المتصوفة غاية التشنيع، ويبالغ في الإنكار عليهم، وهكذا فعل الإمام أبو بكر الطرطوشي وجماعة من المالكية، كما ستقف على نصوصهم قريبا بإذن الله.

وهذا الإمام الشاطبي رحمه الله، ذلك الإمام الأوحد الذي اتفق كل المالكية على الإشادة به، والمبالغة في تعظيمه، ووصفه بالألقاب الفخمة والأوصاف التي لا تطلق إلا على كبار العلماء. ويكفيه فخرا كتاب الموافقات في أصول الشريعة، الذي بسط فيه مقاصد الشريعة بسطا، لم يسبقه أحد إليه.

هذا الإمام الجليل له كتاب في أصول البدع سماه: الاعتصام، نسف فيه البدع نسفا ونقض أصولها نقضا. لا يوجد له نظير في كتب العلماء على مر الأعصار.

ص: 7

فلماذا يكون الأخذ ببعض أقوال هذا الإمام المالكي تطرفا وتشددا؟ أليس مغربيا من بلاد الأندلس؟ أم أن أقواله لا تروق طائفة من الناس يحاولون أن يفرضوا آراءهم على الجميع.

وأين السماحة والوسطية والجدال بالتي هي أحسن؟ وهم يشنون الحروب الضروس على من خالفهم في تأييد التصوف والقبورية والبدع، وتراهم يتحدثون عن السماحة مع الكفار والمشركين، بينما إذا تعلق الأمر بإخوانهم الذين خالفوهم في الرأي اتباعا لعلماء مالكية آخرين وصفوهم بألقاب شنيعة وزهَّدوا فيهم الجماهير، متسترين بلبوس المذهب تارة، والأصالة المغربية تارة، وحركوا جهات لتشديد الخناق عليهم من كل حدب وصوب، واستبشروا بغلق مقراتهم الدعوية، وتهللت وجوههم بمنع بعض الكتب العلمية المخالفة لمشاربهم، الكاشفة لتلبيسهم وبهتانهم.

وكم أتعجب من قوم إذا تعلق الأمر بكتب وجمعيات ومنظمات تحارب الله ورسوله قالوا: حرية تعبير، وكل إنسان حر فيما يقول، وإذا تعلق الأمر بكتب وآراء ومواقف ضد البدع والتصوف، تخالف ما ارتضاه هؤلاء، تنكروا لحرية التعبير، وأوهموا الرأي العام أن هذا تطرف يجب محاربته بكل الأشكال والصور. ولا يشفع لهؤلاء أن مواقفهم وآراءهم هذه قال بها علماء مالكية ومغاربة، لأن الأمر محسوم منذ البداية لصالح الخرافة والدجل والبهتان.

فلا على حقوق الإنسان حافظوا، ولا المذهب المالكي نصروا، ولا شوكة العلمانيين كسروا.

ص: 8

فليقل العلماني ما يشاء، ولتقل المنظمات النسائية العلمانية العميلة ما تشاء، وأما الإسلامي فعليه أن يحافظ على الثوابت الوطنية القائمة على التصوف والمذهب الأشعري!

أين الثوابت الوطنية عند من يجاهر بمعاداة الدين أو بعض أصوله، وقد تبجح أحد العنصريين العلمانيين الحاقدين في قناة الجزيرة قائلا: لابد أن يرحل الإسلام من المغرب كما رحلت اليهودية والمسيحية منه من قبل.

فأين أنتم يا من تزعمون المحافظة على الثوابت الوطنية؟ وأين ذهبت غيرتكم؟ بينما إذا سلم إمام تسليمتين في الصلاة قامت له الدنيا ولم تقعد، وإذا ترك إمام الدعاء عقب الصلاة اتباعا لعلماء مالكية في هذا الباب استدعي للتحقيق والتدقيق، وهدد بالفصل إن عاد لمثل هذه التصرفات المخلة بسير الشعائر الدينية!

وقد حكى ابن رشد في البيان والتحصيل (1/ 266) عن مالك قولين في التسليمتين، فمرة قال: يسلم مرتين، ومرة قال: يسلم مرة واحدة.

فالخلاف موجود في المذهب، فلماذا كل هذا التشدد؟

وقد أحدثت الوزارة الوصية على المذهب المالكي هيئات مراقبة وصرفت ملايين الدراهم من أجل فرض آراء في المذهب المالكي لا تعدو أن تكون مستحبات، وقع الخلاف فيها بين العلماء في شتى المذاهب الإسلامية، بما فيها المذهب المالكي، بينما نرى القوم بُكْما كالأنعام، وصُموتا كالأصنام إذا تعلق الأمر بالثوابت الحقيقية للمذهب المالكي التي تكلمت عليها كل

ص: 9

كتب المالكية، وبسطت أحكامها، وفرعت فروعها، كتحكيم الشريعة وإقامة الحدود الشرعية، ووجوب الحجاب، وتحريم الربا والخمر والتبرج والعري والزنا، وغيرها.

وهذه مسائل مجمع عليها في المذهب المالكي وفي كل المذاهب الإسلامية، ولا يوجد خلاف ولو ضعيف حيال هذه الأمور، بينما المسائل التي تجعلونها ثوابت للمذهب المالكي لا تعدو أن تكون مسائل خلافية بين المالكية أنفسهم وغيرهم من المذاهب الأخرى، فالانتصار لقول منها داخل تحت دائرة المذهب وفي ظل الخلافات الفقهية.

وفي غمرة محاولة البعض لفت الانتباه عن المسائل الشرعية الكبرى في المذهب المالكي اختلقوا معارك جانبية وقضايا هامشية، وضخموها في أعين الجماهير والرأي العام، وجعلوها ذنبا لا يغتفر وخطرا محدقا بالمذهب المالكي في هذا البلد.

من تلك المسائل مثلا عدم قراءة القرآن جماعة، فالمسجد الذي لا يقرأ فيه القرآن جماعة عند الوزارة الوصية مسجد خارج عن الشرعية وعن الثوابت الوطنية، وإذا سألنا عقلاء المذهب المالكي عن حكم هذه القراءة على القول بصحتها، قالوا: الاستحباب. وضابط المستحب هو أن من فعله فله الأجر، ومن تركه فلا شيء له ولا عليه.

فكيف يعقل أن تقام الدنيا ولا تقعد لترك مستحب، بل يفصل الإمام ويحرم من مصدر رزقه الوحيد لأنه ترك مستحبا، بينما يسكتون عن إثارة

ص: 10

القضايا الرئيسة في المذهب، بل ويتغافلون عن الأئمة المشعوذين والسحرة والخرافيين الذين ملأوا أصقاع البلاد.

وقد أفتى أبو القاسم بن سراج بعدم جواز الصلاة خلف من يضرب الخط والكهانة والتنجيم ونحوها. المعيار المعرب للونشريسي المالكي (1/ 133).

علما أن الإمام مالكا أنكر قراءة القرآن جماعة، وتابعه على ذلك جماعة من المالكية منهم الإمام الشاطبي. كما سيأتي.

فلماذا لا يدندن هؤلاء الغيورون على المذهب المالكي حول حجاب المرأة وتحريم إبداء المرأة زينتها مثلا، ولا ينبسون ببنت شفة، وهو أمر مجمع عليه في المذهب، بينما تراهم يُقَعْقِعُون ويرعدون إذا تعلق الأمر بالخرافات والبدع والتصوف، جازمين أن ذلك هو المذهب الذي جرى عليه عمل المغاربة، وأن ما خالفه مذهب غريب عن وطننا، وافد على بلدنا من جهات شرقية لا علاقة للمذهب بها.

وقد أفتى أبو علي ناصر الدين وغيره من المالكية بعدم جواز إمامة من لا يحجب امرأته. المعيار المعرب للونشريسي (1/ 131).

وأفتى أبو عبد الله السرقسطي بأنه لا تجوز إمامة من يخلو بالأجنبية. المعيار المعرب للونشريسي (1/ 159).

أكلُّ هذا لا يعني الوزارة الوصية؟ وهمها الأكبر هو التسليمة الثانية والسدل في الصلاة، وكم أخشى عليكم من قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ

ص: 11

الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85].

ورأيت حديثا كلاما لأحد رؤساء المجالس العلمية المغربية أفتى بفصل إمام مسجد عن عمله لأنه ترك قراءة الحزب جماعة، ولم يقتصر على التسليمة الواحدة، وقال: إن هذا العمل يتنافى وأصول المذهب المالكي. وزاد فاعتبر ذلك مخالفة لثوابت الوطن الدينية.

هكذا قال، وأظنه لا يعرف الفرق بين أصول المذهب المالكي وفروعه. وأن الخلاف في تلك المسائل خلاف يسير، وفي علماء المذهب من قال بالقول الآخر الذي اعتبره منافيا لأصول المذهب المالكي، ومخالفا لثوابت الوطن الدينية.

وأراكم تكثرون من الكلام حول الاعتدال والتسامح وترك التشدد، فإذا تعلق الأمر بترك مستحب في نظركم زمجرتم وأرعدتم، وجعلتم من الْحَبة قُبة، كما يقول المغاربة.

أيُفْصَل إمام لأنه ترك قراءة القرآن جماعة، وهي مستحبة في نظركم، بدعة في نظر إمام المذهب مالك رحمه الله وعدد من أتباع مذهبه؟

وأين أنت يا شيخنا الجليل من المواسم المحدثة والقبورية الْمُسْتَشْرية في بلدك؟ ولماذا لم تتحرك غيرتك على العلمانيين الذين يعيثون في الأرض فسادا؟

ص: 12

ولماذا أصابك البُكم حيال الطرقيين الخرافيين الشَّطَّاحين باسم الذكر والدين؟ ولماذا تجاهلت المنظمات العلمانية الحاقدة المتربصة بالمؤمنين الدوائر؟

فالتعرض لهؤلاء يا شيخنا بالنقد والتحذير هي أصول المذهب المالكي حقيقة، وهي ثوابت الوطن الدينية صدقا، لا كما تتوهم أنت. فدع عنك المغالطة، وأدر ظهرك للمواربة، فلئن كان العوام يغترون بحالكم، فنحن منكم على يقين.

فهأنذا أكشف الغطاء عن تلك المزاعم، وأبين عوارها، وأهتك أستارها، وأؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا زال في علماء المغرب وعلماء المالكية عموما من يعادي المتصوفة والمبتدعة ويشنع عليهم ويحارب البدع المحدثة. فلله درّهم، وحُقَّ لكل دعاة الحق شكرهم.

وأنوه في هذه المقدمة بكتاب "جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة"(من الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الخامس) للدكتور إبراهيم التهامي. طبع مؤسسة الرسالة، فهو بحث هام في هذا الباب.

وأشير قبل نهاية هذه المقدمة إلى مسألتين:

الأولى: أن أغلب العلماء الذين نقلت كلامهم في هذه الرسالة مغاربة، سواء كانوا من بلاد المغرب العربي أو بلاد الأندلس، وبعضهم ليسوا مغاربة، لكنهم مالكية. فالحجة قائمة على أهل بلدنا في جميع الأحوال.

والمسألة الثانية: أني جمعت قديما مجموعا سميته:

ص: 13

«صفحات مشرقة من مواقف علماء مغاربة من البدع والتصوف والقبورية»

يضم ما يلي:

1) - مصنفات لعلماء مالكية مغاربة في إنكار البدع والقبورية، بقلمي.

2) - دخول دعوة محمد بن عبد الوهاب إلى المغرب، بقلمي.

3) - رسالة في ذم البدع وأهلها للشيخ أبي الحسن الصغير المكناسي. بتحقيقي.

4) - إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة للشيخ محمد المكي الناصري. بتحقيقي.

5) - إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا للعلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني. بتحقيقي.

6) - فتاوى العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب. بتحقيقي.

7) - تنبيه الإخوان إلى ترك البدع والعصيان لمحمد بن علي الأندزالي السوسي. بتحقيقي.

ودفعتها للطبع لدار الإمام مالك بأبي ظبي منذ مدة طويلة.

وهذه الرسالة كالمختصر الجامع لما تضمنه ذلك المجموع مع زيادات كثيرة.

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

سلا في 17 جمادى الأولى 1428.

[email protected]

ص: 14