المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَلَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بيعهم لحدوثهم قبل ثُبُوت حق - غاية البيان شرح زبد ابن رسلان

[الرملي، شمس الدين]

الفصل: فَلَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بيعهم لحدوثهم قبل ثُبُوت حق

فَلَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بيعهم لحدوثهم قبل ثُبُوت حق الْحُرِّيَّة للْأُم (عتق من رَأس المَال) أَي تعْتق أم الْوَلَد من رَأس مَال سَيِّدهَا (قبل دين) أَي يقدم عتقهَا على دُيُونه ووصاياه لِأَن إلادها بِمَنْزِلَة استهلاكها وكما يثبت الايلاد بانفصال الْوَلَد حَيا أَو مَيتا يثبت حكمه (وَاكْتفى بِوَضْع مَا فِيهِ تصور خفى) من خلقَة الْآدَمِيّين وَلَو لأهل الْخِبْرَة وَخرج بِهِ مَا لَو قَالُوا أَنه أصل آدمى وَلَو بقى لتصور فَلَا يثبت بِهِ إيلاد وَلَا تجب بِهِ غرَّة لِأَنَّهُ لَا يُسمى ولدا (جَازَ الكرا) أَي جَازَ للسَّيِّد كِرَاء الْمُسْتَوْلدَة (وخدمة) أَي أستخدامها (جماع) أَي وَطْؤُهَا إِن لم يمْنَع مِنْهُ مَانع وَأرش جِنَايَة عَلَيْهَا وعَلى أَوْلَادهَا التَّابِعين لَهَا وقيمتهم إِن قتلوا لبَقَاء ملكه عَلَيْهِم وَله تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا (لَا هبة) أَي لَا يجوز لَهُ هبتها وَالرَّهْن أَي رَهنهَا وابتياع) أَي وَلَا بيعهَا وَلَو مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ لما مر وَلِأَن الْهِبَة وَالْبيع ينْتَقل الْملك للْغَيْر بهما وَالرَّهْن يُسَلط عَلَيْهَا وكما تحرم عَلَيْهِ هَذِه الْأُمُور لَا تصح نعم يَصح بيعهَا من نَفسهَا لِأَنَّهُ عقد عتاقه فِي الْحَقِيقَة (ومولد بالآختيار) بَيَان لكَون الْوَطْء بزنا لَا لكَون ولد الْمُكْره ينْعَقد حرا (جاريه مَمْلُوكَة (لغير مَنْكُوحَة) أَي بِنِكَاح (أَو زَانِيَة) أَي بزنا (فالنسل) أَي وَلَدهَا (قن مَالك) لَهَا أَي مَمْلُوك لَهُ (وَالْفرع) أَي الْوَلَد (حر) حَيْثُ حصل (من وَطئه بِشُبْهَة) كَأَن ظن أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته (أَو حَيْثُ غر) كَأَن حصل بِنِكَاح غير بحريتها فِيهِ (أَو بشرَاء فَاسد) ظن صِحَّته عملا بظنه (فان ملك) المولد (ذى) أَي أمه الْغَيْر (بعد) أَن أولدها (لم يعْتق عَلَيْهِ إِن هلك لَكِن عَلَيْهِ قيمَة) الْوَلَد (الْحر ثَبت) وَيعْتَبر وَقت انْفِصَاله لمَالِك أمه لتفويته رقّه بظنه (بِحَمْد رَبِّي زبد الْفِقْه انْتَهَت) قد مضى معنى الْحَمد لُغَة وَعرفا

وَلما كَانَت هَذِه الْمَنْظُومَة مُسَمَّاة بالصفوة الَّتِى اشتق مِنْهَا علم التصوف ناسب أَن لَا تَخْلُو عَن قِطْعَة مِنْهُ ليُوَافق الِاسْم الْمُسَمّى وَكَانَ الْخَتْم بِهِ أولى ليَكُون‌

‌ خَاتمه

الْفَقِيه تَطْهِير قلبه وتصفية سَرِيرَته ليلقى الله الْكَرِيم بقلب سليم وَلِهَذَا خَتمهَا النَّاظِم بِهِ فَقَالَ

(خَاتِمَة)

وَفِي بعض النّسخ فِي علم التصوف الْمُصَفّى للقلوب وَهُوَ كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ رضي الله عنه تَجْرِيد الْقلب لله واحتقار مَا سواهُ قَالَ وَحَاصِله يرجع إِلَى عمل الْقلب والجوارح (من نَفسه شريفة أَبِيه) أَي تأبى إِلَّا الْعُلُوّ الأخروي (يربأ) بِالْهَمْزَةِ أَي يرْتَفع (عَن أُمُوره الدنيه) من الْأَخْلَاق المذمومة كالكبر وَالْغَضَب والحقد والحسد وَسُوء الْخلق وَقلة الِاحْتِمَال (وَلم يزل يجنح) بِفَتْح النُّون وَضمّهَا أَي يمِيل (للمعالى) من اموره من الْأَخْلَاق المحمودة كالتواضع وَالصَّبْر وسلامة الْبَاطِن والزهد وَحسن الْخلق وَكَثْرَة الأحتمال (يسهر فى طلابها اللَّيَالِي) كَمَا يُقَال

ص: 338

وَمن طلب الْعلَا سهر اللَّيَالِي وَحَاصِله أَن يتعاطى معالي الْأُمُور فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن ويجتنب رديئها وَالدُّنْيَا الَّتِي قَالَ فِيهَا صلى الله عليه وسلم لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقى مِنْهَا كَافِر أشربه مَاء وَقَالَ الدُّنْيَا ملعونة مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا ذكر الله تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ وعالما أَو متعلما وَلَو لم يكن فِي محبَّة الدُّنْيَا من الْمفْسدَة إِلَّا الاشغال بهَا عَن الله تَعَالَى وَقد قَالَ بَعضهم لوَلَده يَا بنى لَا تغبطن أهل الدُّنْيَا على دنياهم فوَاللَّه مَا نالوها رخيصة وَوَاللَّه مَا نالوها حَتَّى فقدوا الله وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ عالي الهمة وسيأتى دنيئها وَهَذَا مَأْخُوذ من حَدِيث أَن الله يحب معالى الْأُمُور وَيكرهُ سفسافها أَي دنيئها فالمعالى والمسفساف كلمتان جامعتان لأسباب السَّعَادَة والشقاوة (وَمن يكون عَارِفًا بربه) أَي بِمَا يعرف بِهِ من صِفَاته (تصور ابتعاده) لعَبْدِهِ باضلاله وَإِرَادَة الشَّرّ بِهِ (من قوبه) لَهُ بهدايته وتوفيقه (فخاف) عِقَابه (وارتجى) ثَوَابه (وَكَانَ صاغيا) بِهِ لما (يكون آمرا) بِهِ (وناهيا) عَنهُ (فَكل مَا أمره) بِهِ يرتكب وَمَا نهى عَن فعله يجْتَنب فَصَارَ محبوبا لخالق الْبشر والمخلوقات بأسرها (لَهُ بِهِ سمع وبطش وبصر) فتترتب على محبَّة الله صِيَانة جوارحه وحواسه فَلَا يسمع إِلَّا لله وَلَا يبصر إِلَّا لَهُ وَلَا يبطش إِلَّا لأَجله كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الايمان وكما كَانَت حَالَته صلى الله عليه وسلم أَنه مَا انتقم لنَفسِهِ فِي شئ يوتى إِلَيْهِ إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله فَيكون هُوَ المنتقم لله (وَكَانَ لله وليا) يحْتَمل أَن يكون فعيل بِمَعْنى فَاعل أَي ولي أَمر الله أَو بِمَعْنى مفعول أَي ولى الله أمره (إِن طلب) مِنْهُ (أعطَاهُ) وَإِن استعاذ بِهِ أَعَاذَهُ (ثمَّ زَاده مِمَّا أحب) قَالَ بَعضهم الْعَارِف عِنْد أهل التصوف من عرف الْحق بأسمائه وَصِفَاته ثمَّ صدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع معاملاته ثمَّ تنفى عَن أخلاقه المذمومة وآفاته ثمَّ طَال بِالْبَابِ وُقُوفه ودام بِالْقَلْبِ عكوفه فحظى من الله بِجَمِيعِ آماله وَصدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع أَعماله وأحواله وانقطعت عَنهُ هواجس نَفسه وَلم يصغ بِقَلْبِه إِلَى خاطر يَدعُوهُ إِلَى غَيره (وقاصر الهمة) أَي دنيئها بِأَن جنح إِلَى سفساف الْأُمُور وَعدل عَن معامليها فَلَا يرفع نَفسه بالمجاهدة لِأَنَّهُ أسرته الشَّهْوَة وميل النَّفس إِلَى الرَّاحَة فَصَارَ (لَا يبالى) هَل قربه الله أَو أبعده فَلَا يتَعَلَّم أمره وَلَا نَهْيه وَلَا يعْمل بِمُقْتَضى وَاحِد مِنْهُمَا لَو علمه وَلَا يبالى بِمَا أكتسبه من المَال هَل هُوَ من حَلَال أَو حرَام وَلَا مَا عمله من الْأَعْمَال هَل يُوَافق الشَّرْع أَولا وَلَا يبالى فِي أَفعاله هَل تسخط الرب أَو ترضيه وَقد أعرض عَن اخراه وانهمك فِي دُنْيَاهُ وَقد قَالَ الْعلمَاء رضي الله عنهم الخسيس من بَاعَ دينه بدنياه وأخس الأخساء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره وَهُوَ متكل بجهله وغروره على عَفْو الله وَكَرمه بِلَا خوف وَلَا عمل وَحِينَئِذٍ (يجهل فَوق الْجَهْل كالجهال) فالجهل أول دَاء النَّفس ثمَّ حب الْأَشْيَاء ثمَّ قلَّة المبالاة ثمَّ الجرأة ثمَّ قلَّة الْحيَاء ثمَّ المنى بفوز الْآخِرَة وَهَذَا حَال من ركبته النَّفس الأمارة بالسوء وَأول منزل من منَازِل السالك ذبح نَفسه بسكين الرياضة (فدونك) أَيهَا الْمُخَاطب بعد أَن عرفت عالى الهمة ودنيئها وَعلمت أَن الله مطلع على أقوالك وأعمالك وَمَا فِي قَلْبك ومجازيك على سَائِر

ص: 339

أعمالك من ثَوَاب أَو عِقَاب فَخذ لنَفسك وَانْظُر أَيهمَا ترضاه لنَفسك (الصّلاح) الْمُوجب للفوز بالنعيم الْمُقِيم (أَو فَسَادًا) تسْتَحقّ بِهِ الْعَذَاب الْأَلِيم فِي نَار الْجَحِيم أَو رضَا (أَو سخطا أَو تَقْرِيبًا) من الْجنَّة (أَو إبعادا) بِحَذْف الْهمزَة فيهمَا للوزن عَنْهَا أَو سَعَادَة من الله أَو شقاوة ونعيما مِنْهُ أَو جحيما وَأفَاد بذلك الاغراء بِالنِّسْبَةِ للصلاح وَمَا يُنَاسِبه والتحذير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفساد وَمَا يُنَاسِبه وَنَظِير اعملو اما شِئْتُم إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (وزن) أَنْت (بِحكم الشَّرْع كل خاطر) لَك (فان يكن مأموره) وجوبا اَوْ ندبا (فبادر) إِلَى فعله أَو منهى عَنهُ فبادر إِلَى الْكَفّ عَنهُ فَإنَّك إِن توقفت برد الْأَمر وهبت ريح التكاسل (وَلَا تخف) أَي لَا تتْرك الْمَأْمُور بِهِ من صَلَاة أَو غَيرهَا (وَسْوَسَة الشَّيْطَان) فَإنَّك لَا تقدر على صَلَاة بِلَا وَسْوَسَة فقد اجْتهد الأكابر أَن يصلوا رَكْعَتَيْنِ بِلَا وَسْوَسَة من الشَّيْطَان وَحَدِيث النَّفس بِأُمُور الدُّنْيَا فعجزوا وَلَا مطمع فِيهِ لأمثالنا (فانه أَمر من الرَّحْمَن) رَحِمك بِهِ حَيْثُ أخطره ببالك ثمَّ الخاطر الَّذِي من الرَّحْمَن يَنْقَسِم إِلَى ملكى وإلهامى فالملكى مَا يلقيه الْملك الَّذِي على يَمِين الْقلب فِيهِ والالهامى إِيقَاع شئ فِي الْقلب ينشرح لَهُ الصَّدْر وَالْفرق بَينهمَا أَن إِلْقَاء الْملك قد تعارضه النَّفس والشيطان بالوساوس بِخِلَاف الخواطر الإلهية فانها لَا يردهَا شئ بل تنقاد لَهَا النَّفس والشيطان طَوْعًا اَوْ كرها وَإِذا كَانَ الخاطر مُبَاحا كَأَكْل ونوم وَغَيرهمَا فجدد لَهُ نِيَّة صَالِحَة ليصير مَأْمُورا بِهِ كَأَن تنام وَقت القيلولة لتنشط لِلْعِبَادَةِ فِي اللَّيْل كَمَا مر فِي الْمُقدمَة فِي قَوْله لَكِن إِذا نوى بِأَكْلِهِ القوى الْبَيْت (فان تخف وُقُوعه) أَي الْمَأْمُور بِهِ (مِنْك على منهى وصف مثل إعجاب) أَو رِيَاء (فَلَا) يكون ذَلِك مَانِعا لَك من الْمُبَادرَة إِلَيْهِ بل أتم الْأَمر وَاحْترز عَن المنهى عَنهُ وَخرج بقوله وُقُوعه إِيقَاعه بِأَن أوقعته عَلَيْهِ قَاصِدا لَهُ فَإِن ذَلِك محبط للْعَمَل مُوجب للاثم فَاسْتَغْفر الله وَتب إِلَيْهِ مِنْهُ وَقد قَالَ الفضيل بن عِيَاض الْعَمَل لأجل النَّاس شرك وَترك الْعَمَل لأجل النَّاس رِيَاء والاخلاص أَن يعافيك الله مِنْهُمَا (وَإِن يَك استغفارنا يفْتَقر لمثله) أَي لاستغفار مثله لنقصه بغفلة قُلُوبنَا مَعَه بِخِلَاف اسْتِغْفَار الخلص ورابعه العدوية مِنْهُم وَقد قَالَت استغفارنا يحْتَاج إِلَى اسْتِغْفَار هضما لنَفسهَا لَا يُوجب ترك الأستغفار منا الْمَأْمُور بِهِ بِأَن يكون الصمت خيرا مِنْهُ (فإننا نَسْتَغْفِر) وَإِن احْتَاجَ إِلَى الاسْتِغْفَار لِأَن اللِّسَان إِذا ألف ذكرا أَو شكّ أَن يألفه الْقلب فوافقه فِيهِ (فاعمل وداو الْعجب حَيْثُ يخْطر) لَك بِأَن تعلم ظُهُوره من النَّفس (مُسْتَغْفِرًا) الله مِنْهُ إِذا وَقع قصدا (فَإِنَّهُ يكفر) أَي فَإِن ذَلِك كَفَّارَته وَلَا تدع الْعَمَل رَأْسا فَإِنَّهُ من مكايد الشَّيْطَان (وَإِن يكن) الخاطر (مِمَّا نهيت عَنهُ فَهُوَ من الشَّيْطَان) أَي من وسوسته أَو من دسيسة النَّفس الأمارة بالسوء (فاحذرنه) وَالْفرق بَينهمَا أَن خاطر النَّفس لَا ترجع عَنهُ وخاطر الشَّيْطَان قد يَنْقُلهُ إِلَى غَيره إِن صمم الانسان على عدم فعله لِأَن قَصده الاغراء لَا خُصُوص قَضِيَّة مُعينَة (فان تمل) نَفسك (إِلَيْهِ) أَي إِلَى فعله أَو فعلته (كن مُسْتَغْفِرًا) رَبك جلّ وَعلا أَي تَائِبًا إِلَيْهِ خَائفًا وَقد حذف النَّاظِم الْفَاء

ص: 340

الدَّاخِلَة على الْجَواب من كن للضَّرُورَة عِنْد الْجُمْهُور وَأَجَازَهُ الْمبرد فِي الِاخْتِيَار قَالَ بَعضهم لَا يجوز إِلَّا فِي ضَرُورَة أَو ندور وَيُقَاس بِهَذَا نَظَائِره السَّابِقَة واللاحقة (من ذَنبه) وَلَا تيأس من رَحْمَة الله (عساه أَن يكفرا) بِأَلف الْإِطْلَاق (فَيغْفر الحَدِيث للنَّفس وَمَا هم إِذا لم يعْمل أَو تكلما) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السَّاكِن قبلهَا وألفه للاطلاق وَمَا يَقع للنَّفس من الْمعْصِيَة لَهُ مَرَاتِب الأولى الهاجس وَهُوَ مَا يلقى فِيهَا وَلَا يُؤْخَذ بِهِ بالاجماع الثَّانِيَة الخاطر وَهُوَ جَرَيَانه فِيهَا وَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا الثَّالِثَة حَدِيث النَّفس وَهُوَ ترددها بَين فعل الخاطر الْمَذْكُور وَتَركه وَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا الرَّابِعَة الْهم وَهُوَ قصد الْفِعْل وَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا لقَوْله تَعَالَى {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ} الْآيَة إِذْ لَو كَانَت مُؤَاخذَة لم يكن الله وليهما وَلخَبَر من هم بسيئة وَلم يعملها لم تكْتب أَي عَلَيْهِ وَخبر أَن الله تَعَالَى تجَاوز لامتى مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تعْمل أَو تكلم بِهِ وتصنيه أَنه إِذا تكلم كالغيبة أَو عمل كشرب الْخمر انْضَمَّ إِلَى الْمُؤَاخَذَة بذلك مُؤَاخذَة حَدِيث النَّفس والهم بِهِ وَفِي هَذِه الْمرتبَة تفترق الْحَسَنَة والسيئة فَإِن الْحَسَنَة تكْتب لَهُ السَّيئَة لَا تكْتب عَلَيْهِ بِخِلَاف الثَّلَاثَة الأول فانها لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَاقْتصر النَّاظِم على هَاتين المرتبتين لوضوح الْأَمر فِي الْأَوليين الْخَامِسَة الْعَزْم وَهُوَ قُوَّة الْقَصْد والجزم بِهِ وَهُوَ مؤاخذ بِهِ لقَوْله تَعَالَى {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} فَجَاهد النَّفس أَي الأمارة بالسوء وجوبا إِذا هَمت بمعصيه الله تَعَالَى (بِأَن لَا تفعلا) لحبها بالطبع مَا نهيت عَنهُ لتطيعك فِي الاجتناب كَمَا تُجَاهِد من يقْصد اغتيالك بل أعظم لِأَنَّهَا تقصد لَك الْهَلَاك الأبدي باستدراجها لَك من مَعْصِيّة إِلَى أُخْرَى حَتَّى توقعك فِيمَا يؤديك إِلَى ذَلِك فَإِنَّهَا أكبر أعدائك وَفِي الْخَبَر أعدى عَدوك نَفسك الَّتِى بَين جنبيك ط وَقَالَ بَعضهم معالجة الْمعْصِيَة إِذا خطرت حَتَّى لَا تقع أَهْون من معالجة التَّوْبَة حَتَّى لَا تقبل لِأَن ذَلِك بكف النَّفس وَالتَّوْبَة بالندم والأسف والبكاء ثمَّ لَا يدرى أَقبلت تَوْبَته أم لَا (فان فعلت) الخاطر الْمَذْكُور لغَلَبَة الأمارة عَلَيْك (فتب) على الْفَوْر وجوبا (واقلع) عَن الْمعْصِيَة (عَاجلا) ليرتفع عَنْك إِثْم فعله بِالتَّوْبَةِ الَّتِى وعد الله بقبولها فضلا مِنْهُ وَبِمَا يتَحَقَّق بِهِ الإقلاع كَمَا سيأتى وَقبُول التَّوْبَة من الْكفْر قطعى وَمن الْمعْصِيَة ظنى على الْأَصَح وَالْوَاقِع فِي الْمعْصِيَة إِن كَانَ لاهيا عَن النهى والوعيد فَهُوَ من الَّذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وَإِن ستحضر النهى والوعيد وأقدم عَلَيْهَا تجريا فَهُوَ هَالك أَو تسويفا فمغرور لتَركه مَا وَجب عَلَيْهِ وتعلقه بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ وَهُوَ التَّوْبَة والنفوس ثَلَاثَة الأولى الأمارة وهى أشرهن الثَّانِيَة اللوامة الَّتِى يَقع مِنْهَا الشَّرّ لَكِنَّهَا تساء بِهِ وتلوم عَلَيْهِ وتسر بِالْحَسَنَة الثَّالِثَة المطمئنة الَّتِى أطمأنت إِلَى الطَّاعَة وَلم تواقع الْمعْصِيَة (وَحَيْثُ لَا تقلع) من فعل الخاطر الْمَذْكُور (لاستلذاذ) بِهِ الشَّيْطَان وَبَقَاء حلاوته فِي قَلْبك يَدْعُوك إِلَيْهِ (أوكسل) عَن الْخُرُوج مِنْهُ (يَدْعُوك) إِلَى ترك الْعَمَل وَيكون ذَلِك (باستحواذ) الشَّيْطَان عَلَيْك فالباء سَبَبِيَّة (فاذكر هجوم هاذم اللَّذَّات وفجأة الزَّوَال والفوات) للتَّوْبَة وَغَيرهَا من الطَّاعَات فان تذكر ذَلِك باعث شَدِيد على الإقلاع عَمَّا يستلذ بِهِ أَو مَا يكسل عَن الْخُرُوج مِنْهُ لخَبر أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات فانه مَا ذكره أحد فِي ضيق إِلَّا وَسعه وَلَا ذكره أحد فِي سَعَة إِلَّا ضيقها عَلَيْهِ وهاذم اللَّذَّات ابالذال الْمُعْجَمَة أَي قَاطع (وَأعْرض التَّوْبَة وهى النَّدَم على ارْتِكَاب مَا عَلَيْك يحرم) من حَيْثُ أَنه محرم فالندم على شرب الْخمر

ص: 341

لإضراره بِالْبدنِ لَيْسَ بتوبة (تحقيقها) أَي التَّوْبَة (إقلاعه) عَن الْمعْصِيَة بالندم عَلَيْهَا لِأَنَّهُ روحها الَّذِي تحيا بِهِ وركنها الْأَعْظَم (فِي الْحَال) من غير تَأْخِير (وعزم ترك الْعود فِي أستقبال) كَمَا لَا يعود اللَّبن إِلَى الضَّرع بعد أَن يخرج مِنْهُ هَذِه هى التَّوْبَة النصوح فان قلت إِنَّمَا يمنعنى من التَّوْبَة أَنى أعلم من نَفسِي أَنى أَعُود إِلَى الذَّنب وَلَا أثبت على التَّوْبَة فَلَا فَائِدَة فِي ذَلِك فَاعْلَم أَن هَذَا كَمَا قَالَ الغزالى من غرور الشَّيْطَان فَمن أَيْن لَك هَذَا الْعلم فَعَسَى أَن تَمُوت تَائِبًا قبل معاودة الذَّنب واما خوف الْعود فَعَلَيْك الْعَزْم والصدق فِي ذَلِك فبذلك تتخلص من ألم الذَّنب وَتَكون بَين إِحْدَى الحسنيين وَالله ولى التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة (وَإِن تعلّقت بِحَق آدمى) وهى أنكل وأصعب من غَيرهَا (لَا بُد) فِيهَا (من تبرئة للذمم) سَوَاء أَكَانَت فِي مَال ام نفس أم عرض أم حُرْمَة أم دين فَمَا كَانَ فِي المَال فَيجب أَن يردهُ إِلَى مَالِكه أَو من يقوم مقَامه من ولى أَو وَصِيّ أَو غَيرهمَا وَمَا كَانَ فِي نفس فَيمكن الْمُسْتَحق من الْقصاص إِن أَرَادَهُ وَإِلَّا فيحلله وَمَا كَانَ فِي عرض كغيبة أَو شتم فحقك أَن تكذب نَفسك بَين يدى من فعلت ذَلِك عِنْده وتستحل من صَاحبه أَن أمكنك إِن لم تخش هيجان فتْنَة وَإِلَّا فالرجوع إِلَى الله تَعَالَى ليرضيه عَنْك وَالِاسْتِغْفَار الْكثير لصَاحبه وَمَا كَانَ فِي حرمه بِأَن خنته فِي اهله أَو وَلَده أَو أمته أَو نَحْوهَا فَلَا وَجه للاستحال والاظهار فانه يُولد فتْنَة وحقدا فِي الْقُلُوب بل تتضرع إِلَى الله تَعَالَى ليرضيه عَنْك وَيجْعَل لَهُ خيرا فِي مُقَابلَته فان أمنت الْفِتْنَة وهيجانها وَهُوَ نَادِر فتستحل مِنْهُ وَمَا كَانَ فِي الدّين بِأَن كفرته أَو بدعته أَو ضللته فِي دينه فَهُوَ أصعب فتحتاج إِلَى تَكْذِيب نَفسك بَين يدى من قلت لَهُ ذَلِك أَو تستحل من صَاحبه أَن أمكنك وَإِلَّا فلابتهال إِلَى الله تَعَالَى ليرضيه عَنْك والندم على فعله (وواجب) عَلَيْك (إِعْلَامه) أَي الْمُسْتَحق بِمَا وَجب لَهُ عَلَيْك (إِن جهلا) بِأَلف الاطلاق أَي اسْتِحْقَاقه بِأَن تعترف عِنْد ولى الدَّم مثلا وتحكمه فِي نَفسك فان شَاءَ عَفا عَنْك وَإِن شَاءَ قَتلك وَلَا يجوز لَك الأخفاء بِخِلَاف مَا لَو زنى أَو شرب أَو بَاشر مَا يجب فِيهِ حد الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يلْزمه أَن يفضح نَفسه بل عَلَيْهِ أَن يَسْتُرهَا (فان يغب) أَي الْمُسْتَحق عَن الْبَلَد فَابْعَثْ إِلَيْهِ أَي ابْعَثْ لَهُ مَا يسْتَحقّهُ فِي ذِمَّتك أَو مَا يحصل بِهِ الْإِبْرَاء (عجلا) بِلَا تَأْخِير فان انْقَطع خَبره رفع أمره إِلَى قَاض مرضى (فان يمت) الْمُسْتَحق (فَهِيَ) أَي الظلامة أَو تبرئة ذِمَّتك (لوَارث ترى) أَي تعلمه بِدفع الْحق أَو إبرائه إياك مِنْهُ (فان لم يكن) لَهُ وَارِث أَو انْقَطع خَبره فادفعه إِلَى قَاض تعرف سيرته وديانته فان تعذر الْحَاكِم المرضي (فأعطها للفقرا) صَدَقَة عَن الْمُسْتَحق وَلَا تخْتَص بِالصَّدَقَةِ كَمَا قَالَه الأسنوي بل هُوَ مُخَيّر بَين دَفعهَا لمصَالح الْمُسلمين وَدفعهَا إِلَى قَاض بِشَرْطِهِ لتصرف فِي الْمصَالح إِن وجده وَبَين التَّصَدُّق بهَا عَن الْمُسْتَحق (مَعَ نِيَّة الْغرم لَهُ) أَي للْمَالِك إِن قدر عَلَيْهِ أَو على وَارثه وَقدر على وفائه فان كَانَ مُعسرا نوى الْغرم (إِذا حضر) أَي قدر على ذَلِك أَو شَيْء مِنْهُ وَإِن لم يُمكن شَيْء من ذَلِك فليكثر من الْحَسَنَات ليَأْخُذ مِنْهَا عوضا عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة وَيكثر الرُّجُوع إِلَى الله بالتضرع والابتهال إِلَيْهِ ليرضى خَصمه عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة ويعوضه عَنهُ (ومعسر ينوى الأدا إِذا قدر) كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ (وَإِن يمت) من عَلَيْهِ الظلامة (من قبلهَا) أَي استيفائها (ترجى لَهُ مغْفرَة الله أَن تناله) الْمَغْفِرَة قَالَ النورى ظواهر السّنة الصَّحِيحَة تَقْتَضِي ثُبُوت الْمُطَالبَة بالظلامة وَإِن مَاتَ مُعسرا عَاجِزا

ص: 342

إِذا كَانَ عَاصِيا بالتزامه فَأَما إِذا اسْتَدَانَ فِي مُبَاح وَاسْتمرّ عَجزه عَن وفائه أَو أتلف شَيْئا خطأ وَعجز عَن غرامته فَالظَّاهِر أَن لَا مُطَالبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِذْ لَا مَعْصِيّة والمرجو من فَضله تَعَالَى تعويض الْمُسْتَحق (وَأَن تصح تَوْبَة) أَي تعرية عبد من ذَنْب (وانتقضت بالذنب) وَلَو كَبِيرا (لَا يضر صِحَة مَضَت وَتجب التَّوْبَة) لقَوْله تَعَالَى {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} من صغيره فِي الْحَال كالوجوب من كبيره ارتكبها (وَلَو على ذَنْب سواهُ قد أصر) أَي تجب التَّوْبَة وَتَصِح عَن ذَنْب مَعَ الاصرار على ذَنْب آخر (لَكِن بهَا يصفو عَن الْقلب الكدر) أَي من كدورات الْمعْصِيَة لَكِن التصفية من سَائِر الْمعاصِي من أَوْصَاف كَمَال التَّوْبَة لَا من شُرُوطهَا (وواجب) على الْمُكَلف (فِي الْفِعْل إِذْ قد تشكك) فِيمَا خطر فِي سره (أمرت أَو نهيت) أَي أهوَ مِمَّا أَمر بِهِ أَو نهى (عَنهُ تمسك) عَن فعله حذرا من الْوُقُوع فِي المنهى عَنهُ إِذا كَانَ الْأَمر أَمر إِبَاحَة وَالنَّهْي نهي تَحْرِيم فان اشتبها غلب التَّحْرِيم (وَالْخَيْر وَالشَّر مَعًا تجديده) أَي وُقُوع كل مِنْهُمَا (بِقدر الله) تَعَالَى (كَمَا يُريدهُ) وَالْمرَاد بِالْقدرِ مَا قدره الله وقضاه وَكتبه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَسبق بِهِ علمه وإرادته فَكل ذَلِك فِي الْأَزَل مَعْلُوم لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) لَا غَيره (الَّذِي أبدع فعل المكتسب وَالْكَسْب) ثَابت (للْعَبد مجَازًا ينتسب) لَهُ أما الْفَاعِل حَقِيقَة فَهُوَ الله تَعَالَى فافعله لنا تنْسب لنا كسبا وَللَّه خلقا قَالَ الله تَعَالَى {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ {هَل من خَالق غير الله} فالخير مِنْهُ وَالشَّر كَذَلِك وَإِن كَانَ لَا ينْسب لَهُ أدبا فَالله تَعَالَى خَالق غير مكتسب وَالْعَبْد مكتسب غير خَالق فيثاب ويعاقب على مَا اكْتَسبهُ الَّذِي يخلقه الله عقب قَصده لَهُ (وَاخْتلفُوا فرجح التَّوَكُّل) وَهُوَ حَقِيقَة الْكَفّ عَن الأكتساب والاعراض عَن الْأَسْبَاب اعْتِمَادًا على الله تَعَالَى (وَآخَرُونَ) قَالُوا (الِاكْتِسَاب أفضل) لَا لجمع المَال واعتقاد أَنه يجلب الرزق وتجر النَّفْع بل لِأَنَّهُ من النَّوَافِل الَّتِي أَمر الله بهَا فِي قَوْله {وابتغوا من فضل الله} وَطلب التعاون بِالْمُسْلِمين والرفق بهم (و) القَوْل (الثَّالِث) وَهُوَ (الْمُخْتَار أَن يفصلا وباختلاف النَّاس أَن ينزل من طَاعَة الله تَعَالَى) على طَاعَة غَيره (آثرا لَا ساخطا إِن رزقه تعسرا) أَي لم يسْخط إِذا تعسر عَلَيْهِ رزقه (وَلم يكن مستشرفا للرزق من أحد) من النَّاس (بل) يَطْلُبهُ (من إِلَه الْخلق) فَلَا ينزل حَاجته إِلَّا بِهِ وَلَا يرفعها إِلَّا إِلَيْهِ (فان ذَا فِي حَقه التَّوَكُّل أولى وَإِلَّا) أَي وَأما من يسْخط عِنْد تعسر رزقه أَو اضْطِرَاب قلبه أَو تشوف لما فِي

ص: 343

أَيدي النَّاس (الِاكْتِسَاب أفضل) أَي فالكسب لَهُ أرجح وَفِي هَذَا جمع بَين اخْتِلَاف الْأَدِلَّة (وطالب التَّجْرِيد) من الْأَسْبَاب الشاغلة عَن الله تَعَالَى (وَهُوَ) قد أَقَامَهُ (فِي السَّبَب) كالحرف والبياعات الَّتِي يصون بهَا وَجهه عَن الايتذال بالسؤال وحفظا لعزة نَفسه عَن منن المخلوقين إِذْ لَا يمن عَلَيْك أحد اشْترى مِنْك أَو استأجرك على عمل شَيْء لَهُ وَفِي الْقيام بالأسباب رَحْمَة للمتجردين عَنْهَا المتوجهين لطاعة رَبهم فلولا قيام أهل الْأَسْبَاب لما صَحَّ لصَاحب الْخلْوَة خلوته ومجاهدته لعبادة ربه فانه تَعَالَى جعل أهل الْأَسْبَاب كالخدمة للمقبلين عَلَيْهِ فَطلب التَّجْرِيد مَعَ قِيَامه فِي السَّبَب (خفى شَهْوَة) أَي من الشَّهْوَة الْخفية الَّتِي (دعت) إِلَى الرَّاحَة (فليجتنب) ذَلِك (وَذُو تجرد) أَي من أَقَامَهُ الله تَعَالَى فِي التَّجْرِيد عَمَّا يشْغلهُ عَن الله تَعَالَى (لأسباب سَأَلَ) أَي طلب الدُّخُول فِيهَا والاهتمام لتحصيلها (فَهُوَ الَّذِي عَن ذرْوَة الْعِزّ) الْعلية (نزل) إِلَى الرُّتْبَة الدنية وَسَوَاء الْأَب مَعَ الله تَعَالَى (وَالْحق) الْأَصْلَح لَك (أَن تمكث حَيْثُ أنزلك) أَي أقامك فِيهِ وارتضاه لَك (حَتَّى يكون الْحق) جلّ وَعلا (عَنهُ نقلك) وَتَوَلَّى إخراجك مِمَّا أَنْت فِيهِ (قصد الْعَدو) اللعين (طرح جَانب الله فِي صُورَة الْأَسْبَاب مِنْك أبداه) فيأتيك فِيمَا أَنْت فِيهِ فيحقره عنْدك فيتشوش قَلْبك ويتكدر وقتك وَذَلِكَ أَنه يَأْتِي للمتسببين فَيَقُول لَهُم لَو تركْتُم الْأَسْبَاب وتجردتم لأشرقت لكم الْأَنْوَار ولصفت مِنْكُم الْقُلُوب والأسرار وَيكون صَلَاحه فِيمَا هُوَ فِيهِ فيتركها فيتزلزل إيمَانه وَيذْهب إيقانه وَيتَوَجَّهُ إِلَى الطّلب من الْخلق والاهتمام للرزق وَكَذَلِكَ يَأْتِي للمتجردين وَيَقُول إِلَى مَتى تتركون الْأَسْبَاب ألم تعلمُوا أَن ذَلِك يطْمع الْقُلُوب فِيمَا بأيدي النَّاس فَلَو دخلت فِي الْأَسْبَاب بَقِي غَيْرك منتظرا لما يفتح عَلَيْهِ مِنْك وَكَانَ خيرا لَك من أَن تكون منتظرا مِمَّا يفتح بِهِ عَلَيْك من غَيْرك فتتكدر عَلَيْهِ أَحْوَاله (أَو لتماهن) وَهُوَ الاحتقار وَالصغَار وَالْعجز أَي وَمن مكايد الْعَدو وتلبيسه أَن يحث الْمقبل على الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ على ترك جَانب الله وَتَركه الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة موهما بتلبيسه أَن هَذَا مقَام التَّوَكُّل على الله وَفتح بَاب الرَّجَاء وَحسن الظَّن بربه وَإِنَّمَا هُوَ عجز ومهانة (مَعَ التكاسل) وَهُوَ طلب الرَّاحَة (أظهره فِي صُورَة التَّوَكُّل) فَيفْسد حَاله (من وفْق الله تَعَالَى يلهم الْبَحْث عَن هذَيْن) الْأَمريْنِ اللَّذين يَأْتِي بهما الشَّيْطَان فِي صُورَة غَيرهمَا كيدا مِنْهُ لَعَلَّه أَن يسلم مِنْهُمَا وَمن تمويهه واغتياله ومكايده أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا وَالْمُسْلِمين من ذَلِك (ثمَّ يعلم) مَعَ بَحثه عَنْهُمَا (أَن لَا يكون) فِي ملكه تَعَالَى (غير مَا يَشَاء) وَيُرِيد (فَعلمنَا إِن لم يرد هباء) منثور وَيفْعل بعباده مَا يَشَاء وَيحكم بِمَا يُرِيد سَوَاء أَكَانَ أصلح لَهُم أم لم يكن لِأَن الْخلق خلقه وَالْأَمر أمره وَلَا يسئل

ص: 344

عَمَّا يفعل وهم يسئلون (وَالْحَمْد لله) تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ (على الْكَمَال) مِمَّا نَحن بصدده (سَائل توفيق لحسن الْحَال) أَي حَالا ومالا (ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام أبدا) تقدم الْكَلَام على ذَلِك أول الْكتاب (على النَّبِي الْهَاشِمِي أحمدا) هُوَ إِنْسَان أوحى إِلَيْهِ بشرع وَإِن لم يُؤمر بتبليغه فان أَمر بِهِ فَرَسُول (والآل) هم الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم وَبني الْمطلب (والصحب) الصَّحَابِيّ من اجْتمع بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم مُؤمنا (وَمن لَهُم قفا) أَي تبع وهم التابعون (وحسبنا الله تَعَالَى وَكفى) بِحَمْد الله تَعَالَى قد تمّ طبع كتاب غَايَة الْبَيَان شرح زبد الشَّيْخ أَحْمد بن رسْلَان للْعَالم الْفَاضِل شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الرَّمْلِيّ الْأنْصَارِيّ (الشَّافِعِي الصَّغِير)

ص: 345