المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الخارج من الأرض من الزروع والثمار - فتاوى الشيخ ابن جبرين - جـ ٣٠

[ابن جبرين]

الفصل: ‌زكاة الخارج من الأرض من الزروع والثمار

فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله

فتاوى الزكاة

‌زكاة الخارج من الأرض من الزروع والثمار

يراد بالخارج من الأرض: الثمار والحبوب التي تنبت بالسقي وتنمو وهي من رزق الله تعالى. فالله تعالى جعل الأرض رخاءً تنبت ما يأكله الناس والأنعام، فلو كانت الأرض كلها ذهباً أو فضة لما عاش عليها دابة أو إنسان، ولكن الله جعلها قابلة للإنبات، فأنزل عليها الماء وأسكنه في الأرض، وجعل في الأرض مستودعات تخزن فيها المياه إذا كثرت فتبتلعها الأرض مستودعات تخزن فيها المياه إذا كثرت فتبتلعها الأرض وتمسكها حتى يستخرجها الناس عند الحاجة إليها، لشربهم ولسقي دوابهم، ولسقي حروثهم وأشجارهم التي فيها معاشهم وحياتهم.

وهذا الخارج من الأرض تارة يحتاج إلى سقي وإلى مؤونة وإلا كلفة في السقي فتكون زكاته أقل، وتارة لا يحتاج إلى سقي، بل ينبت بنفسه ويستقي بعروقه أو نحو ذلك، فتكون زكاته أكثر لأن المؤونة فيه أقل.

وأكثر الفقهاء على أن زكاة الخارج تختص بالحبوب والثمار، التي تكال وتدخر، وأنه لا زكاة فيما سوى ذلك، وذلك لأنها إذا كانت لا تدخر فلا تتم بها النعمة، أما التي تدخر فإنه ينتفع بها في الحال، وفي المآل. بخلاف التي لا تدخر. فمثلاً الفواكه التي تؤكل رطبة ولا تدخر، هذه لا ينتفع بها إلا في الحال، هذا هو القول الراجح والمشهور.

وهناك من يقول من العلماء كالحنفية: أن كل شيء ينبت من الأرض، وفيه منفعة، وفيه غذاء، فإنه يزكى ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم:"فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح والدلاء نصف العشر". فقالوا جملة: "فيما سقت السماء" عامة يدخل فيها الفواكه فيكون فيها زكاة.

ص: 1

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: (والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)(الأنعام:141) ، على قول بأن حقه هو الزكاة. فقالوا إن الأمر يعود إلى أقرب مذكور، والآية ذكر فيها النخل والزرع وهما زكويان، لأن ثمرهما يكال ويدخر، ثم ذكر فيها الزيتون والرمان والغالب أنهما لا يدخران، فالرمان يفسد إذا طال زمانه فلا يدخر، والزيتون يمكن أن يُصبَّر ويعتصر منه زيت الزيتون ولكن نفسه لا يدخر أصلاً، ومع ذلك فالآية عقبهما (والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) فقوله:(ثمره) وقوله: (حقه) تعود إلى أقرب مذكور، فهذا دليل على أن الرمان والزيتون فيهما زكاة.

وعلى هذا القول تُخرج زكاة كل خارج من الأرض، أي كل ما سقت السماء أو كان عثرياً وكذلك كل ما سقي بالنضح ونحوه فيلزمون أصحاب البقول بالزكاة منها أو من ثمرها. البقول مثل: الخس، والفجل والرجلة، وأشباهها من البقول.

وكذلك أيضاً يخرجون زكاة البطيخ، والتفاح، والموز، والبرتقال، والمشمش، والخوخ، وما أشبهها وذلك أنها من جملة ما يُسقى، هذا قول الحنفية ونحوهم.

ص: 2

وقالوا أيضاً أنها من جملة الأموال فتدخل في قوله: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(الذاريات:10) . وتدخل في قول: (خذ من أموالهم صدقة)(التوبة:103) . وأيضاً تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم". فإن أكثر الذين يزرعون هذه البقول يبيعون منها بكميات طائلة، فيبيعون مثلاً من البطيخ بعشرات الألوف بأنواعه، ويبيعون أيضاً من الفواكه كالرمان والخوخ والمشمش وغير ذلك، بكميات كثيرة، فإذا أسقطنا منها الزكاة فقد أسقطنا حقاً للفقراء مذكوراً في هذه الآية:(والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)(المعارج:25) . وهذا وجه من أوجه الزكاة في كل خارج من الأرض، حتى أوجبوها أيضاً في الخضار إما منها أو من قيمتها، الخضروات التي تطبخ وتؤكل مثل الباذنجان، والبطاطا، أو تؤكل بدون طبخ مثل الخيار والجزر. قالوا: إنها كلها من جملة الخارج من الأرض فتؤدى زكاتها.

القول الثاني: أن الزكاة لا تخرج إلا مما يكال ومما يدخر، وقولنا يكال: يعني يعبر بالوزن أو بالمكيال، فجعلوا الكيل والوزن والادخار هو السبب. والادخار معناه: الاحتفاظ بها في المآل بحيث ينتفع بها في الحال وفي المآل.

فمثلاً التمور تكال وتدخر، فتؤكل في الحال رطباً ويمكن أن تصير تمراً ويجفف ويكنز ويخزن وينتفع به، فهي على ذلك مال زكوي.

وهكذا الزبيب، وهو العنب فيؤكل عنباً رطباً، ويترك في شجره حتى يصير زبيباً، ثم بعد ذلك يجفف ويدخر ويؤكل وينتفع به، فهو مال زكوي.

كذلك الحبوب بأنواعها، سواء كانت قوتاً كالبر، والأرز، والدخن، والشعير، والذرة، أو لم تكن قوتاً ولكنها تكال وتدخر كالحبة السوداء، والرشاد، والحلبة، وكذلك الحبوب الأخرى مثل القهوة، والهيل، والقرنفل، والزنجبيل، وأشباهها. هذه كلها تدخر وينتفع بها في الحال وفي المآل. أما إذا كانت تفسد إذا خزنت كالبصل نحوه فلا تخرج منه الزكاة على هذا القول.

ص: 3

والحاصل أن القول الذي اختاره أكثر الفقهاء أنها خاصة بالحبوب والثمار هو الصحيح، وأن الحبوب تعمّ ما كان قوتاً يؤكل، كالبر والشعير والأرز وتعم ما ليس بقوت، كالحبة السوداء والرشاد ونحو ذلك، فهذه ليست قوتاً ولكنها دواءٌ ونحوه، فهذه كلها حبوب تكال وتدخر ففيها الزكاة.

النصاب الواجب في الحبوب والثمار:

لا تجب الزكاة في الحبوب والثمار حتى تبلغ نصاباً، وهذا هو القول الراجح، وهناك من: لا يشترط النصاب، وهو قول عند الحنفية ويستدلون بعموم الحديث الذي ذكرنا "فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر" قالوا: يعم القليل والكثير إذا زرع عثرياً أو زرع ما يُسقى وحصده ولو عشرة آصع أو عشرين صاعاً فقد دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر".

ولكن القول الصحيح أنه لابد من النصاب، وذلك أن الزكاة شرعت لأجل المواساة والقليل لا مواساة فيه، فإذا كان محصوله عشرين صاعاً أو مائة صاع فهي قليلة بالنسبة إلى محصول غيره فلا يكون فيها زكاة لأنها بقدر قوته وقوت عياله.

والدليل على اشتراط النصاب حديث أبي سعيد الذي في الصحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) . ذكر التمر في الحديث كمثال ويلحق به غيره، فيكون خمسة أوسق من البر وخمسة أوسق من الدخن ونحو ذلك.

والوسق: ستون صاعاً هذا الأصل. والوسق هو كيس يجعل فوق ظهر البعير، وعلى هذا فيكون النصاب للحبوب والثمار ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 4

والصاع النبوي هو مثل صاعنا الآن، إلا أنه لا يُجعل له علاوة، لأن صاعنا الآن يُجعل له علاوة فوقه، وأما في ذلك الوقت فكانوا يمسحونه مسحاً، ولا يجعلون له علاوة، فقدروه بأنه أقل من صاعنا بالخمس وخمس الخمس. ثم قدره بعضهم بالكيلو، فأقل ما قيل فيه إن الصاع النبوي يساوي اثنين كيلو وأربعين غراماً (2.40كغ) يعني أكثر من ثلثي الصاع، لأن صاعنا ثلاثة كيلو بالكيلو الوافي، ولكن لما قدروا الصاع النبوي وجدوه بهذا القدر، وكانوا يعبرون الصاع بالوزن، فكان عندنا في هذه البلاد وفي غيرها الكيل بالصاع، والوزن بالوزنة، والوزنة معيار معروف عندهم زنته خمسون ريالاً فرنسياً، فقدرنا الصاع وإذا هو مائة ريال فرنسي، ولكن هذه الوزنة أضمحلت وترك التعامل بها وصار بدلاً منها هذا الكيلو المعروف الآن، ولذا احتيج إلى معرفة الصاع بالمكاييل المعروفة الآن.

وعلى هذا من بلغ عنده هذا النصاب من الحبوب والثمار فعليه الزكاة، ومن نقص عنه فلا زكاة عليه.

ص: 5