المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة عروض التجارة - فتاوى الشيخ ابن جبرين - جـ ٣٥

[ابن جبرين]

الفصل: ‌زكاة عروض التجارة

فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله

فتاوى الزكاة

‌زكاة عروض التجارة

ذكرنا فيما مضى أن عروض التجارة هي كل ما يعرض للبيع من كبير أو صغير، ومن عقار أو منقول، فكل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح، فإنه يقوّم إذا حال الحول، ويجب فيه ربع العشر، ويدخل في ذلك العقار، فالذي يعمل في العقار، يشتري الأرض ثم يبيعها بربح بعد يومين أو شهر أو أكثر أو أقل، أو يشتري العمارات والفلل وذلك لأجل الربح، ففي هذا زكاة.

ويدخل في ذلك أصحاب المعارض الذين يشترون السيارات ثم يبيعونها، وكذلك أصحاب الماكينات، وأصحاب المضخات، وأصحاب الثلاجات، وما أشبهها، كل هؤلاء يشترون السلع لأجل الربح فيها فتقوَّم هذه السلع كل سنة ثم يُزكى ثمنها.

ويكون تقديرها بالأحظ للمساكين والفقراء، فإذا كان الأحظ لهم تقديرها بالدراهم، قدرناها بالدراهم، وإذا كان الأحظ تقديرها بالدنانير (أي الذهب) قدرناها بالذهب، فلو كانت مثلاً إذا قدرناها بالدراهم ما ساوت إلا مائة وتسعين وهذا أقل من النصاب، وإذا قدرناها بالذهب ساوت أثنى عشر جنيهاً، فالأحظ للفقراء تقديرها بالذهب، حتى يكون فيها زكاة.

وكذلك العكس، فلو مثلاً ثمنّا هذه السلع فكانت بالجنيه عشرة جنيهات، وإذا ثمناها بالدراهم ساوت ألفي درهم، فيكون الأحظ للفقراء تثمينها بالدراهم، لأنها أكثر وأحظ للفقراء وأجلب للمنفعة.

مسألة: معلوم أن السلع تتعرض للزيادة والنقص في أسعارها فقد ينقص سعرها عن وقت الشراء، وقد يزيد، فكيف تقدر في هذه الحالة؟

نوضح ذلك بمثال: رجل اشترى سلعة بمائة ريال، وبقيت في مستودعه ستة أشهر وحال الحول، نظرنا كم قيمتها الآن، فإن كان قيمتها الآن رخيصة ما تساوي إلا ثلاثين أو خمسين فإنها تزكى بقيمتها التي تساويه الآن، وهكذا الوزاء سعرها فاصبحت تساوي مائة وخمسين فإنه يزكيها بما تساويه الآن ولا يزكيها بالثمن الذي اشتراها به.

ص: 1

وإذا كانت السلعة تباع بثمنين، ثمن الجملة، وثمن المفرق فإنه يقدرها ببيع الجملة وذلك لأنّا ثمناها جملة.

فائدة:

لا شك أن التجارات الآن هي أغلب أموال الناس، وهي التي تكون فيها الزكوات كثيراً، فأكثر التجار تجاراتهم هي العروض: فمنهم: من تجارته في العقار فيقدرها ويزكيها، ومنهم: من تجارته مثلاً في السيارات كأصحاب المعارض فيقدرها، ومنهم: من تجارته في قطع الغيار للسيارات ونحوها فيقدرها في الحول، ومنهم: من تجارته في الأدوات الكهربائية ومنهم: من تجارته في الأكسية والألبسة ونحوها، ومنهم: من تجارته في الأطعمة والمواد الغذائية، ومنهم: من تجارته في الأواني والمواعين وما أشبهها، ومنهم: من تجارته في الفُرُش واللُحُف وما أشبهها، ومنهم: من تجارته في الكتب والرسائل إلى غير ذلك كما هو معروف.

ولو أنَّا أسقطنا الزكاة عن هؤلاء لقلت المنفعة، وقلت الزكاة التي تصرف للمساكين، ولم يأتهم إلا زكاة نقدية قليلة، أو زكاة المواشي، أو زكاة الخارج من الأرض.

أدلة وجوب الزكاة في عروض التجارة:

ص: 2

لقد أجمع علماء الأمة أن عروض التجارة فيها زكاة. وقد خالف في ذلك الشيخ الألباني عفا الله عنه، ولا أعلم أحداً خالف في ذلك قبله، فإنه نشر في بعض تعاليقه أن زكاة العروض لا تجب، وليس فيها زكاة واجبة، وليس عليهم إلا أن يتصدقوا تبرعاً، فخالف بذلك الإجماع، وسبب ذلك أنه تكلم على حديث سمرة الذي رواه الحسن عن سمرة:"كنا نعد الزكاة من كل شيء نعده للبيع" فلما لم يكن الحديث صحيحاً على شرطه قال بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة وكأنه لم يطلع على حديث آخر فيه دليل على زكاة العروض فقال: إذا لم يثبت هذا الحديث فإنه لم يثبت في العروض حديث ولهذا فإنه لا زكاة فيها، ومن أراد أن يصدق تطوعاً وإلا فلا؛ وخالف بذلك الإجماع. ثم خالف الآيات الصريحة في قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة:103) أليست عروض التجارة هي أغلب الأموال؟؟ لا شك أنها أغلب أموال الناس قديماً وحديثاً. فالله قد أمر بالأخذ وكذلك قوله تعالى: (والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم)(المعارج:25) وفي آية أخرى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(الذاريات:19) أليست أموالهم هذه تدخل فيها هذه الأموال التي هي عروض التجارة؟ لا شك أنها تدخل بطريق الأولى، فإذا أسقطنا منها الزكاة فماذا بقي؟!.

ص: 3

كذلك أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثُ لأصحاب الأموال من يجمع الزكاة منهم فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الزكاة - أي زكاة أهل المدينة- فجاء في الحديث: منعَ ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب، وهؤلاء ليسوا أصحاب حُرُوث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما ينقم ابن جميل إلا إنه كان فقيراً فأغناه الله". والغالب أن من كان فقيراً واستغنى فالغالب أنه استغنى بسبب التجارة، ثم قال:"وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، إنه قد احتبس أدراعه وأعتُدَه في سبيل الله. وأما العباس فعمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي علي ومثلها معها" كل هؤلاء ما عندهم إلا التجارة، لكن خالداً عنده سيوف ودروع ورماح وخناجر قد جعلها وقفاً لقتال المشركين، وليس عنده شيء يزكيه، وما عنده لم يعرضه للبيع، إنما أوقفها واحتبس أدراعه وأعتاده وخيله ونحوها في سبيل الله لم يجعلها تجارة فاعتذر عنه.

وأما العباس فكان أيضاً يتعاطى التجارة ولمّا هاجر إلى المدينة لم يكن عنده إلا التجارة، لم يكن صاحب ماشية ولا صاحب بستان ما عنده إلا التجارة.

إذاً فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل من يقبض من التجار الذين هم أصحاب التجارات يقبض منهم زكواتهم. أليس ذلك دليلاً ولكنه فات على الشيخ الألباني -عفا الله عنه- فجزم بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة في تعليقه على هذا الحديث عند تخريجه لأحاديث كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق. وروى البيهقي عن ابن عمر قال ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة.

ص: 4

فالحاصل أن إجماع الأمة من كل مذهب ثابت على أن عروض التجارة فيها زكاة، وأنها كل ما أعدّ للبيع والشراء. وإن لم يصح حديث سمرة، فقد صح فيه فعل الصحابة وصح العمل عليها حتى ذكروا أن عمر رضي الله عنه في خلافته مر عليه أحد الموالي يحمل جلوداً فأوقفه وقال: هل أديت زكاتها؟ فقال ما عندي إلا هذه ولم تبلغ نصاباً فهذه جلودٌ ذَهَبَ بها ليبيعها فلو بلغت نصاباً لأخذ زكاتها. وهذا دليل على أنهم كانوا يأخذون الزكاة على كل شيء يباع.

شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة:

الملك التام لعروض التجارة.

بلوغ النصاب وذلك بعد تقويمها بأحد النقدين.

أن يحول عليها الحول.

نصاب عروض التجارة ومقدار الواجب فيها:

يجب أن تقوّم عروض التجارة، فإذا بلغت نصاب أحد النقدين فإنها تُزكى، وإذا لم تبلغ فلا زكاة فيها. ومقدار الزكاة هو (2.5%) ، فلو ملك شخص عروض تجارة قيمتها (مائتا ألف ريال) وجب عليه فيها (خمسة آلاف ريال) .

ص: 5