الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ع. ب. العتيبي يقول في رسالته: ما هو العلم الذي نصت عليه الأحاديث وورد في آيات القرآن الكريم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلم الذي وردت الشريعة بالثناء على أهله والترغيب فيه إنما هو العلم بأحكام شريعة الله عز وجل، وقبل ذلك العلم بالله عز وجل: بأسمائه وصفاته، وما له من الصفات العليا والأفعال الحميدة المبنية على الحكمة والرحمة، ولهذا قال الله تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . أي: العلماء به تبارك وتعالى، وبما له من العظمة التي تقتضي الخشية منه، وليست كما يفهمه بعض العامة وأشباههم من أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بالكون الذين أحاطوا بشيء من علمه، وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، فإن من الناس من علم شيئاً من الكون مما علَّمه الله ومع ذلك فإنه من أشد الناس استكباراً وأبعدهم عن خشية الله تبارك وتعالى، وإنما المراد بالعلماء العلماء بالله وما له من العظمة والكبرياء اللذين بهما تكون الخشية لله سبحانه وتعالى.وخلاصة الجواب: أن العلم الذي ورد في الكتاب والسنة فضله والترغيب فيه إنما هو العلم بالله تبارك وتعالى، وبأحكامه الشرعية التي تعبد عباده بها، وأما العلم بما أودع الله تعالى في الكون من الأسرار والحكم فإنه داخل في العلم بالله سبحانه وتعالى.
***
أثابكم الله يا شيخ محمد المستمعة عواطف من جدة أرسلت بهذه الرسالة تقول فيها: إنني أرى ولله الحمد شباب اليوم وخاصة بأنهم التزموا بطاعة الله،ولكن نراهم يميلون إلى مذاكرة الحديث والتفسير والتوحيد والفقه فقط، ويهملون المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم، ويقولون: فقط يريدون الدين ولا يهمهم باقي المواد، يريد الآخرة،نعم ولله الحمد نحن لا نمنعهم من ذكر الله، ولكن الله عز وجل أمرنا بالعلم وحثنا عليه. نريد من فضيلتكم نبذة بسيطة عن فضل العلم، وأيضاً تقول: وبصراحة نرى تطوعهم فيه تشديد جداً جداً،نرجو منكم الإفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن ما ذكرته السائلة- من- أن العلم لا يقتصر على العلوم الشرعية كعلم التفسير والحديث والتوحيد والفقه وما يتعلق بذلك-صحيح-، لكن العلم المحمود على كل حال هو هذه العلوم، هي التي أمر الله بها،وهي التي فيها الفضل، وهي التي قال الله تعالى فيها:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . وقال فيها (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . أما العلوم الأخرى التي تتعلق بالدنيا فهي من العلوم المباحة التي إن اتخذها الإنسان وسيلة إلى خير كانت خيراً، وإن اتخذها وسيلة إلى شر كانت شراً،فهي لا تحمد لذاتها ولا تذم لذاتها، بل هي بحسب ما توصل إليه وهناك علوم أخرى،علوم ضارة إما في العقيدة وإما في الأخلاق وإما في السلوك، فهذه محرمة وممنوعة بكل حال فالعلوم ثلاثة أقسام: محمودة بكل حال، ومذمومة بكل حال، ومباحة يتعلق الذم فيها أو المدح بحسب ما تكون وسيلة له، والنصوص الواردة في فضل العلم والحث عليه تتعلق بالقسم الأول فقط وهو المحمود بكل حال. وإذا كانت العلوم التي تتعلق بالدنيا نافعة للخلق،ولم تشغل عما هو أهم منها،كان طلبها محموداً؛ لما توصل إليه من النفع العام أو الخاص، ولا ينبغي لنا أن نحتقرها حتى لا نجعل لها قيمة في حال تكون مفيدة للخلق. وأما قولها: إنها ترى هؤلاء يتشددون في الدين تشدداً عظيماً، فالتشديد والتيسير أمر نسبي، قد يرى الإنسان الشيء شديداً وهو في نظر غيره يسير، وقد يرى الإنسان الشيء يسيراً وهو في نظر غيره شديد، والمرجع في ذلك إلى السنة المطهرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، المبنية على كتاب الله عز وجل فإن كان ما يقومون به من أعمال موافقاً للكتاب والسنة فليس بتشديد،بل هو اليسر والسهولة،وإن كان بعض المتهاونين المفرطين يرونه تشديداً فلا عبرة بما يرونه، فإنه إذا وافق الكتاب والسنة فهو يسير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن هذا الدين يسر) ، لكن قد يستنكر بعض المفرطين شيئاً من شريعة الإسلام، ويظن أن القيام به تشديد، فيصف المتمسكين به بالتشدد في دينهم، ونحن لا ننكر أنه يوجد فئة من الناس تتنطع في دينها وتزيد فيه، وتعنف على من خالفها في بعض الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد ويسع الأمة فيها الخلاف، وهؤلاء لا عبرة بهم؛لأنهم مُفرِطون،والذين يتساهلون ويرون أن التمسك بالشريعة تشديد لا عبرة بهم أيضاً؛ لأنهم مُفرِّطون، والدين بين الغالي فيه والجافي عنه.
***
السائلة ع. ع. ف. من السودان أبو سليم تقول: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر، فجلس في حلقة العلم، فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر، أو ماذا يقولون؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلاً على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن كان صحيحاً لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته، ولا أظنه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان، والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه. وأما الذكر فإن الاجتماع أيضاً على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية: يجتمعون جميعاً ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو يجتمعون على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا، مثل أن يقرأ واحد والآخرون ينصتون له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه.
***
بارك الله فيكم تسأل عن معنى وصحة الحديث الذي ما معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على الجاهل يوم القيامة كفضلي على سائر الناس)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أن هذا الحديث ضعيف، ولكن لا شك أن العالم لا يساويه الجاهل بأي حال من الأحوال؛ لقول الله تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) .وقوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) . أما أن يفضله بهذا المقدار المعين فإن الحديث في ظني ضعيف ولم أكن أحرره. والله أعلم.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا السائل ع. ع يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته واجتهد في الإخلاص، ولكنه لم يقدر، وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله، ويوشك أن يترك طلب العلم. وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم، وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها،حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله،حيث قال تبارك وتعالى:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون،والآخرون يقاتلون في سبيل الله. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقهه في دينه فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم أولاً: امتثال أمر الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى قال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِله إِلَاّ اللَّهُ) . قال البخاري رحمه الله: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
ثانياً: أن ينوي بتعلمه حفظ شريعة الله،فإن الشريعة تحفظ في الصدور، وتحفظ في الكتاب المسطور.
ثالثاً: أن ينوي بتعلمه حماية شريعة الله من أعدائها؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، فلينوِ بطلب العلم حماية هذه الشريعة العظيمة.
رابعاً: أن ينوي بذلك المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحد، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به، بل ينبغي أن نقول الذي يهاجم به أعداء الله، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله، والناس يختلفون في هذا الشيء: فمن الناس من يحاج في العقيدة،فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة، وهلم جرًّا. كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله، لا في وضوئه ولا صلاته ولا صدقته ولا صيامه ولا حجه. وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه، فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها. فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها نفعاً، ولهذا تجد الشيطان حريصاً على أن يصد الإنسان عن العلم، فيأتيه مرة بأنه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا: إنه عالم، فيستحسر ويقول: مالي وللرياء؟ أو يقول له: انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله،لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا،لم يرح رائحة الجنة) . ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم. ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يمضي لسبيله، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه، وكلما ما أحس بما يثبطه عن العلم بأي وسيلة فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،وليقل: اللهم أعني، وما أشبه ذلك. وأقول لهذا الطالب: امض لسبيلك، اطلب العلم، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ولا عن طلب العلم، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ولكن تصحيح النية، أمر سهل فامض أيها الشاب في سبيلك، واستعن بالله عز وجل، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
***
السائلة أم هشام من جدة تقول معلمة تدرس القرآن الكريم، وسبب تدريسها هو ترشيح الإدارة المدرسية لها لشدة حاجة المدرسة للمعلمات، وأخرى تدرس من أجل المال، فليس لديهن النية التي يقرأن ويسمعن عنها من ابتغاء وجه الله عز وجل، فهل تثابان على هذه النية أم عليهما وزر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمتنع أن يريد الإنسان بتعليم القرآن ما يحصل له من مكافأة وما يرشح له من عمل، مع إخلاص النية لله تعالى، فتكون النية مركبة من هذا، ومن هذا وقد قال الله تعالى في الحج:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) يعني:بالتجارة. فأشير على هاتين المرأتين أن تجعلا الأصل هو منفعة الدارسات وتعليمهن كتاب الله عز وجل، وهذا لا يفوت عليهما المكافأة، ولا القيام بما رشحتا له.
***
حدثونا عن أهمية العلم الشرعي بالنسبة لطالب العلم، وما هي الطريقة المثلى لطالب العلم الشرعي، وماذا يجب عليه في حفظ القرآن الكريم،وكيف نستطيع أن نفهم العقيدة الإسلامية، خاصة إذا كان الشخص وحيداً وليس لديه ما يساعده على ذلك في مسألة الصفات والأسماء لله عز وجل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طلب العلم الشرعي فرض على كل مسلم، لكنه على قسمين: الأول: فرض عين، والثاني: فرض كفاية. أما فرض العين:فيجب على كل مسلم أن يتعلم من شرع الله ما يحتاج إلى فهمه، فمثلاً إذا كان عنده مال يجب عليه أن يتعلم ماهي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ وما مقدار الزكاة الواجبة؟ وما شروطها؟ ومن المستحقون لها؟ ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة إذا كان تاجراً فعليه أن يتعلم من أحكام تجارته ما يستعين به على تطبيق التجارة على القواعد الشرعية، وإذا كان ناظراً على الأوقاف فيجب عليه أن يتعلم من أحكام الأوقاف ما يستعين به على أداء مهمته، وهلم جرًّا.
أما فرض الكفاية فهو ما عدا ذلك من العلوم الشرعية، فإن على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها بتعلم أحكامه، وعلى هذا فكل طالب علم يعتبر أنه قائم بفرض كفاية يثاب على طلبه ثواب الفريضة، وهذه بشرى سارة لطلاب العلم أن يكونوا حال طلبهم قائمين بفريضة من فرائض الله عز وجل، ومن المعلوم أن القيام بالفرائض أحب إلى الله تعالى من القيام بالنوافل، كما ثبت في الحديث الصحيح القدسي أن الله تبارك وتعالى قال:(ما تقرب إلي عبدي بشي أحب إلي مما افترضت عليه) . وأما كيفية الطلب: فيبدأ الإنسان بما هو أهم، وأهم شيء هو علم كتاب الله عز وجل وفهمه؛ لقول الله تبارك وتعالى:(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمُ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ) .أي: إنه وبخهم عز وجل لعدم تدبرهم كلام الله عز وجل وقال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) . وقال الله تبارك وتعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) . والتدبر يعني تفهم المعنى، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. ثم بعد ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته، ثم ما كتبه أهل العلم مما استنبطوه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم خير القرون بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أقرب الناس إلى فهم كتاب الله وفهم سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وليبدأ في المتون بالمختصرات قبل المطولات؛لأن طلب العلم كالسلم إلى السقف،يبدأ فيه الإنسان من أول درجة، ثم يصعد درجة درجة حتى يبلغ الغاية، وقولي حتى يبلغ الغاية ليس معناه أن الإنسان يمكن أن يحيط بكل شي علماً هذا لا يمكن:(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) حتى ينتهي العلم إلى الله عز وجل، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم، ويبدأ بالمختصرات قبل المطولات. وخير ما نراه في باب الأسماء والصفات من الكتب المختصرة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنها عقيدة مختصرة سهلة جامعة نافعة، أكثر ما جاء به في صفات الله من القرآن الكريم وأما كيف تستعمل هذه الأدلة؟ فإن الطريق الصحيح والمنهج السليم فيها أن يجريها الإنسان على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، فيجريها على ما يدل عليه ظاهرها، لكن من غير تمثيل ولا تكييف فإذا قرأ قول الله تعالى يخاطب إبليس:(مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) آمن بأن لله يدين اثنتين حقيقة لا مجازاً، لكن لا يجوز أن يقول: كيفيتهما كذا وكذا، ولا أن يقول: إنهما مثل أيدي المخلوقين، يعني: لا يمثل ولا يكيف. وكذلك إذا قرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن) فيثبت لله عز وجل أصابع حقيقية، ولكن لا يمثل ولا يكيف،فلا يقول إن أصابع الله عز وجل كأصابع المخلوق، ولا يكيف صفة معينة يقدرها في ذهنه لهذه الأصابع ودليل هذا أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا في القرآن باللغة العربية، فما دل عليه اللفظ بمقتضى اللغة العربية فهو ثابت؛ لقوله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقوله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بلسانٍ عربي مبين) فبين الله تعالى أنه أنزل القرآن وصيره باللغة العربية من أجل أن نعقله ونفهمه، وهذه هي القاعدة في إرسال الله تعالى الرسل: يرسلهم الله تعالى بلغة أقوامهم ليبينوا لهم، قال الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . فنجري آيات الصفات على ما تقتضيه اللغة العربية، لكننا لا نمثل ولا نكيف: أما عدم التمثيل فلأن الله تعالى نهانا أن نضرب له المثل، فقال:(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وأخبرنا عز وجل أنه لا مثل له، فقال تعالى:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، وقال تعالى:(رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) . وبهذه الآيات يتبين أنه لا يحل لنا أن نمثل بصفات الله عز وجل وأما امتناع التكييف بأن نقول: كيفية يده كذا،كيفية أصابعه كذا،فلقول الله تعالى:(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)، ولقوله تعالى:(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ومن المعلوم أن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها، فإذا حاولنا أن نكيف صرنا ممن افترى على الله كذباً،هذه هي القاعدة في باب أسماء الله وصفاته. فلو قال لك قائل: المراد باليدين النعمة أو القدرة، فبكل سهولة أنت قل: هذا باطل؛ لأن هذا خلاف مدلولهما في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية، ولا نقبل هذا التحريف إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال السلف. وإذا قال لك قائل: المراد باستواء الله على العرش استيلاؤه عليه. فقل: هذا باطل؛ لأن الاستواء على الشيء لا يعني الاستيلاء عليه في اللغة العربية،والقرآن نزل باللغة العربية، ومعنى الاستواء على الشيء في اللغة العلو عليه علوًّا خاصًّا،ليس العلو المطلق العام الشامل. وإذا قال لك قائل:(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) أي: يبقى ثواب الله. فقل: هذا باطل؛ لأن الله وصف الوجه بالجلال والإكرام فقال: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) وذو صفة الوجه، ومعلوم أن الثواب لا يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام، وسر على هذا المنهج تسلم من البدع الضالة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع، قال:(إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . والعجب أن هولاء المحرفين الذين يقولون: المراد باليد النعمة أو القدرة، والمراد بالوجه الثواب،والمراد بالاستواء الاستيلاء، يدعون أنهم فعلوا ذلك تنزيهاً لله عما لا يليق به، وفي الحقيقة أنهم بفعلهم هذا وصفوا الله بما لا يليق به، فقد أخبر عن شيء هو في نظرهم غير صحيح،فيكون في كلام الله إما الكذب وإما التلبيس والتعمية على الخلق،الله عز وجل يقول:(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) . ويقول عز وجل: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فالله عز وجل قد بين لنا في القرآن كل شيئ، ولا سيما ما يتعلق بأسمائه وصفاته،فقد بينه الله تعالى بيانًا كافيًا شافيًا لا يحتاج إلى أقيسة هؤلاء التي يدعونها عقلية وهي خيالات وهمية. ثم إني أنصح من أراد طلب العلم أن يختار شيخًا له موثوقا في علمه وموثوقًا في دينه، سليم العقيدة سليم المنهج مستقيم الاتجاه؛ لأن التلميذ سيكون نسخة من أستاذه، فإن وفق الله له أستاذًا سليمًا مستقيمًا صار على نهجه، وإن كانت الأخرى فسينحرف كما انحرف أستاذه. فإذا قدر أنه لا يستطيع الوصول إلى مثل هذا الأستاذ الموصوف بما ذكرنا، فقد اتسع الأمر ولله الحمد في الآونة الأخيرة، وصارت أصوات العلماء تصل إلى أقصى الدنيا عبر الشريط، فيمكنه أن يقرأ على الأستاذ بما يسمعه من الشريط، ويقيد ما يشكل عليه من الكلام ويراجع به الأستاذ المتكلم، إما عن طريق الهاتف أو عن طريق الفاكس أو عن طريق المكاتبة، كل شيء متيسر ولله الحمد، ومعلوم أن تلقي العلم عن الشيخ أقرب إلى التحصيل، وأسرع وأسلم من الزلل، ولهذا نجد الذين يعتمدون على مجرد قراءة الكتب يحصل منهم الخطأ الكثير، ولا يصلون إلى الغاية من العلم إلا بعد زمن طويل، لكن عند الضرورة لا بأس أن تستند إلى الكتب وإلى الأشرطة وما أشبه ذلك، بشرط أن تكون هذه الأشرطة والكتب عن مأمون في علمه ودينه ومنهجه.
***
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ هذه الرسالة وصلت من ليبيا المستمع مفتاح موسى يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما هي الطريقة المثلى التي يمكن بها لطالب العلم دراسة الفقه الإسلامي؟ وهل من الممكن الاعتماد على الكتب ودراستها دون استشارة وطلب الشرح من الفقهاء والعلماء؟ أرجو التوضيح مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. طلب العلم له طريقان: الطريق الأول: تلقي العلم من المشايخ، والطريق الثاني: مراجعة الكتب. لكن الطريق الأولى يجب أن يكون الشيخ الذي يتلقى منه العلم شيخاً مأموناً في علمه، ومأموناً في دينه، في العقيدة وفي العمل؛ لأن بعض المشايخ يدعي المشيخة وينصب نفسه معلماً ومفتياً، وهو جاهل لا يعرف من العلم إلا الشيء اليسير، فيضل الناس بغير علم لكن إذا كان الرجل معروفاً بالاستقامة والعلم والدين والأمانة،وسلامة العقيدة وسلامة الفكر فهذا يتلقى منه العلم. وطريق التلقي عن العلماء أسهل من طريق قراءة الكتب؛لأن العالم كالمجهز للطعام يعطيك الطعام مطبوخاً منتهياً، فيكون تلقي العلم من طريقه أقصر، ولأن العالم إذا تلقيت من عنده علمك كيف تتلقى العلم؟ كيف تستنبط الأحكام من الأدلة؟ كيف الترجيح بين أقوال العلماء؟ وما أشبه ذلك. أما التلقي من الكتب فهذا يصار إليه عند الضرورة، إذا لم يجد الإنسان عالماً في بلده يثق به علماً وديناً وخلقاً وفكراً، فحينئذٍ ليس له طريق إلا التلقي من الكتب، ولكن التلقي من الكتب طريقٌ طويل يحتاج إلى جهدٍ كبير، ويحتاج إلى تأنٍّ ويحتاج إلى نظر، ويحتاج أيضاً إلى مطالعة كتب الفقهاء عموماً؛ لأنك لو اقتصرت على مطالعة كتب فقهٍ معين فربما يكون عند الفقهاء الآخرين من الأدلة ما ليس عند هذا، فالطريق طويل ولهذا أطلق بعض الناس أن من كان دليله كتابه،كان خطؤه أكثر من صوابه. ولكن هذا ليس على إطلاقه: فإن من العلماء من تلقوا العلم من الكتب، ويسر الله لهم الأمر، وبرعوا في العلم وصاروا أئمةً فيه. أما كيف يتلقى العلم فنقول: ينظر إلى أقرب المذاهب إلى الحق فيأخذ به ويتفقه عليه، ولكن لا يعني ذلك أن لا يأخذ بما دل عليه الدليل من المذاهب الأخرى، بل يأخذ بالدليل ولو كان خلاف المذهب الذي اعتنقه، ولست بذلك أدعو إلى التقليد، ولكني أدعو إلى أن يكون للإنسان طريقٌ معين يصل إلى الفقه منه، ولا يجعل العمدة كلام العلماء، بل العمدة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وهذا لا يضر أن أتفقه مثلاً على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وعلى قواعد هذا المذهب،وإذا تبين لي الصواب،في مذهبٍ آخر أخذت بالصواب كما هي طريق شيخ الإسلام ابن تيمية، وطريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب،وغيرهما من العلماء المحققين البارزين،وهذا لا يعني أن لا أتفقه على الكتاب والسنة، أنا أتفقه على الكتاب والسنة. لكن أجعل لي شيئاً أعبر منه إلى الكتاب والسنة وعلى هذا فنقول:إذا اخترت مثلاً مذهب الإمام أحمد بن حنبل ففيه كتبٌ مختصرة وكتب متوسطة وكتب مطولة، فاحفظ أولاً الكتب المختصرة في هذا المذهب، ثم إن كان لديك عالم تتلقى العلم منه فاقرأ هذا الكتاب عليه بعد أن تحفظه، وهو يبين لك معانيه ويشرحه لك، وإذا كان عنده سعة علم بين لك الراجح والمرجوح، وبين لك مآخذ العلماء،وحصلت على خيرٍ كثير، ولكن لا تخلِ نفسك من كتب الحديث: احفظ من كتب الحديث ما تيسر، فإن تيسر لك أن تحفظ بلوغ المرام من أدلة الأحكام فهذا حسنٌ جداً، وإن لم يتيسر فعمدة الأحكام، حتى يكون لك نصيب من الأدلة تعتمد عليه، وهذا كله بعد حفظ كتاب الله عز وجل وتفهم معانيه؛لأنه هو الأصل، فصار هذا الترتيب الذي ذكرته هو من أحسن ما يتمشى عليه طالب العلم فيما أرى. والله الموفق.
***
يقول فضيلة الشيخ أرجو إيضاح المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ وكذلك إيضاح الكتب التي يبدأ فيها طالب العلم جزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنهج الصحيح لطالب العلم مبتدئاً -كان أو راغبًا أو منتهياً- هو أن يسير في عقيدته وأقواله وأفعاله وأخلاقه على ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ثمرة العلم هو العمل به، والعلم إذا لم يعمل به من أعطاه الله إياه صار وبالاً عليه؛ لأنه بالعلم قامت عليه الحجة، وتبينت له المحجة فإذا عاند وخالف صار علمه حجة عليه ووبالاً عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(القرآن حجة لك أو عليك) . وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي أن يظهر أثر علمه عليه: في الوقار والسمت الحسن والخلق الجميل،حتى يكون محترماً بين الناس معظماً فيهم؛ لأن كلمة المحترم المعظم تزن ألف كلمة من المستهان به، إن قبلت الكلمة من المستهان به، وعلى طالب العلم أن يبلغ ما علمه من شريعة الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(بلغوا عني ولو آية) . فالعلماء ورثة الأنبياء، والوارث يجب أن يكون على هدي الموروث؛ لأن الوارث يحل محل الموروث فيما ترك، فكما أن المال إذا مات صاحبه انتقل المال نفسه إلى ورثته، كذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا ماتوا انتقل ميراثهم وهو العلم إلى من بعدهم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، وعلينا أن نسلك ما سلكه الرسل عليهم الصلاة والسلام في هداية الخلق ودعوتهم إلى الحق، فطالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه مسؤولية في نشر علمه ودعوة الخلق إلى الحق، وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي، عليه ألا يقع في قلبه حسد لأحد، فإن الحسد من أخلاق اليهود،وهو خلق ذميم، وأول ما يتضرر به صاحبه؛ لأنه كلما رأى نعمة الله على أحد احترق قلبه وضاقت نفسه، ولم ير نعمة الله عليه في شيء، بل ربما يتدرج به الحسد إلى أن يشعر بنفسه أن الله قد ظلمه،حيث أعطى فلاناً ما لم يعطه، وقد أنكر الله هذا على أولئك الحسدة في قوله:(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) . وليعلم الحاسد -من طالب العلم وطالب المال وطالب الولد- أن حسده لا يمكن أن يمنع فضل الله على المحسود، وليسترشد بما أرشد الله إليه في قوله تعالى:(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) . فإذا رأى من فاقه علمًا ودينًا وولدًا ومالًا فليعلم أن ذلك من فضل الله، وليسأل الله من فضله، الذي أعطى هذا فليعطك، وأما كونك تحسده وتكره ما أنعم الله به عليه فهذا خطأ في التصور، وسفه في العقل، وضلال في الدين.
أما الكتب التي أنصح بها طالب العلم: فأولها كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أكد الله عز وجل أنه يسره للذكر، قال الله تعالى:(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) . فليتجه الإنسان طالب العلم إلى القرآن الكريم حفظًا وتلاوة، وتدبرًا وفهماً، وعملاً بما دل عليه، حتى ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة،وليحرص على مراجعة كتب المفسرين الموثوقين في علمهم وأمانتهم؛ لأن مشارب المفسرين في القرآن الكريم مختلفة، ومنها ما هو ضلال، فيحاول من كان هذا مشربه إلا أن يُحرِّف نصوص القرآن إلى ما يعتقده،مثال ذلك: قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . وقد ذكر الله تعالى استواءه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم وكلها بلفظ استوى على العرش، والاستواء على الشيء معلوم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم،كما قال الله تعالى:(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) . وفي اللغة العربية: الاستواء إذا تعدى بعلى فإن معناه العلو على الشيء، كما قال تعالى:(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) . فاستواء الله على عرشه علوه عليه على وجه يختص به ويليق به جل وعلا، ولكننا لا نعلم كيفيته؛لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى. ولهذا لما سأل رجل الإمام مالكاً رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً من شدة ما نزل عليه من هذا السؤال،ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وقال: ما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به فأخرج من المسجد النبوي؛ لأنه سأل عن شيء لا يسعه إلا السكوت عنه، فإن الصحابة لم يسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أحرص منا على معرفة صفات الله عز وجل، وأشد منا تعظيماً لله، وأشد منا حبًّا للعلم، وعندهم من إذا سألوه فهو أجدر بالإجابة منا، وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسألوه. يوجد من المفسرين من يفسر (استوى على العرش) أي: استولى عليه ومَلَكه وقَهَره بقوة السلطان والسيطرة، ولا شك أن هذا معنى باطل، مخالف لما تقتضيه دلالة القرآن الكريم ولما كان عليه السلف الصالح وأئمة المسلمين، فمثل هذا التفسير يجب أن يحترز الإنسان منه وألا يغتر؛ به لأن هذا التفسير قد يصاغ بأسلوب بياني يملك شعور الإنسان، حتى يصدق به مع كونه تحريفًا لكتاب الله. والأمثلة على هذا كثيرة منهم من يحاول صرف الآيات الكريمة إلى معتقده، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه الفقهي، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه النحوي فيقول: هذا شاذ وهذا غير قياسي وما أشبه ذلك. الخلاصة أني أقول: أهم كتاب يعتني به طالب العلم كتاب الله عز وجل، لكن ليكن تلقيه لمعاني كتاب الله عز وجل من الكتب الموثوقة في التفسير التي قام بتأليفها علماء موثوقون في علمهم وفي دينهم وفي أمانتهم، ثم بعد ذلك ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويبتدئ بالمختصرات مثل كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، ثم بلوغ المرام للحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم المنتقى من أخبار المصطفى للمجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعد هذا المختصرات الفقهية كزاد المستقنع في الفقه الحنبلي، وما يشابهه من المختصرات الفقهية في المذاهب الأخرى، ولكن لا نجعل هذه الكتب الفقهية التي ألفها علماء دليلًا يحتج به؛ لأن كلام العلماء رحمهم الله مهما بلغوا في العلم يحتاج أن يحتج له، وليس دليلًا يحتج به، فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها، لكنها لا شك أنها مما يستأنس به ويستشهد به فإذا تمكن الإنسان من هذه الكتب الفقهية، ويسر الله له شيخًا يبين له معناها، ويبين الراجح من المرجوح، فإنه يحصل على خير كثير. وإنني أحث طلبة العلم على الاعتناء بالأصول والقواعد؛ لأنها هي العلم حقيقة، أما أفراد المسائل فهي- وإن كانت علمًا- لكنها لا تعطي الإنسان ملكة يستطيع بها أن يعرف الراجح من المرجوح والصحيح من الضعيف، وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثال هذا السائل في جامعاتنا.
***
يقول السائل: ما هي المراحل التي ينبغي على طالب العلم أن يسير عليها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراحل التي ينبغي لطالب العلم أن يسير عليها في تحصيل العلم أن يبدأ أولًا بكتاب الله عز وجل، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليسلك في ذلك أخصر ما يكون ما دام في ابتداء الطلب، ثم إذا ترعرع في الطلب واشتد ساعده بدأ يترقى إلى الكتب الكبيرة التي فيها ذكر الآراء والمناقشة فيها، وليكن مرجعه في ذلك شيخه الذي يدرس عليه، فالشيخ هو الذي يوجه التلميذ فيما يقرأ وفيما لا يقرأ.
***
يقول السائل: طالب العلم هل يبدأ بحفظ القرآن الكريم أم بقراءة كتب العلم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا والله، يبدأ بحفظ القرآن حفظ القرآن، لا شيء قبله مما يحفظه الإنسان؛ لأن القرآن كلام الله، وتلاوته عبادة،وتدبره عبادة، والعمل بما يدل عليه عبادة، وتصديق خبره عبادة، فهو أفضل الكتب المنزلة من الله عز وجل، وأفضل من الكتب المؤلفة من الناس ولا سواء، فليبدأ الإنسان بحفظ القرآن الكريم،ثم بما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله، فإنه كتاب مختصر جداً في الأحكام،ثم بما تيسر له من كتب أهل العلم في العقيدة وغيرها.
***
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ السائل أبو عبد الله سعيد يذكر في رسالته ويقول: يبلغ من العمر الثامنة والعشرين، وقبل هذا الوقت يقول: كنت مسرفاً على نفسي، ولكن هداني الله عز وجل والحمد لله، وأريد أن أتعلم العلم الشرعي وأتفقه في الدين، فهل فات الوقت بالنسبة لسني؟ وكيف السبيل لتحصيل ذلك العلم؟ خاصة وأنا أعمل هنا تقريبًا في اليوم كله؟ فأرجو من فضيلة الشيخ أن يضع جدولًا لمن هم في مثل حالتي، وجزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول الحمد لله الذي هداه وأسأل الله لي وله الثبات على الحق أما فيما يتعلق بسنه فإنه لم يفت الأوان والحمد لله الإنسان لا يفوت أوانه واستعتابه وتوبته إلا إذا حضره الموت، ومادام في زمن الإمهال فإنه لا يفوته شيء. أما فيما يتعلق بطلبه العلم الشرعي مع كونه مشغولًا كل اليوم: فبإمكانه أن يستحضر رسائل أو أشرطة يستمع إليها من أهل العلم الموثوقين في علمهم وأمانتهم، ويحصل على ما تيسر.
***
بارك الله فيكم هذا يقول في سؤاله: تعلم العلم الشرعي هل يقتصر على المواد الشرعية فقط، أم يدخل بذلك بعض العلوم؟ أرجو منكم الإفادة في سؤالي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلوم الشرعية داخلة في العلم الشرعي، وتعلمها تعلم شرعي لا إشكال في هذا، أما بقية العلوم فينظر: إن كانت تُعين على العلم الشرعي فإنها من العلوم النافعة التي ينتفع بها الإنسان في التقوي على معرفة العلوم الشرعية، مثل علم النحو والبلاغة، وإن كانت لا تساعد على العلوم الشرعية نظرنا: إن كانت نافعة في الدنيا فهي من الأمور المباحة إن كان النفع لا يتعدى للغير، وهي من الأمور المطلوبة إن كان النفع يتعدى إلى الغير وإن كانت ضارة فهي محرمة، وإن كانت لا ضارة ولا نافعة فهي من اللغو الذي ينبغي للعاقل أن يتجنبه.
***
أيهما أفضل: الدراسة لكي ينال الشخص الشهادة، أم التعليم الديني فقط وحفظ القرآن ودروس العقيدة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يمكن للإنسان أن يجمع بين هذا وهذا، فيقرأ في المدارس والمعاهد والكليات النظامية، ويقرأ على المشايخ في المساجد ويحفظ القرآن ولا منافاة، وفي الوقت الحاضر أرى أنه لابد من أن ينال الإنسان الشهادة؛ لأن الوظائف الآن أصبح ميزانها تلك الشهادات، ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى منزلة ينفع بها المسلمين النفع المطلوب إلا بالشهادات، حتى يتمكن من أن يكون مدرسًا في المعاهد والمدارس والجامعات، ويتمكن أن يكون قاضيًا من القضاة،ويتمكن أن يكون عضوًا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المجالات الآن أصبحت مبنية على الشهادة،والإنسان إذا طلب العلم لينال الشهادة لهذا الغرض- أي: لينفع المسلمين بما يحصل له من الوظائف- فإن هذه النية لا تقدح في الإخلاص؛ لأنه اتخذ هذه الشهادة وسيلة وذريعة لنيل أمر مقصود شرعاً.
***
جزاكم الله خيرًا هل توجد فلسفة في الشريعة الإسلامية؟ وما هو الرد على من يدعي ذلك؟ وهل يجوز أن يدرس الطالب مثل هذا ويتعمق فيه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفلسفة بحث يوناني مستقل، يتعمق فيه أصحابه حتى يؤول بهم إلى تحكيم العقل ورد ما جاء في الكتاب والسنة، والفلسفة على هذا الوجه منكرة لا يجوز الخوض فيها ولا الدخول فيها، وأما الفلسفة بمعنى الحكمة فهذه موجودة في الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكمة قال الله تبارك وتعالى:(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) . لكنه لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية: إنها فلسفة؛ لأن هذه الكلمة يونانية، بل نقول عن الحكمة الشرعية: إنها حكمة، وما من شيء في الشرع إلا معلل بالحكمة، لكن من الحكم ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه؛ لأن عقولنا قاصرة،وأعظم حكمة في الأحكام أن يكون الحكم ثابتاً بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نؤمن بأن كل حكم ثبت في الكتاب والسنة فإنه حكمة، وامتثاله حكمة؛ لأن في امتثاله طاعة الله ورسوله وحصول الثواب والأجر. وعلى هذا فلو سألنا سائل عن حكمة شيء من الشرائع فإنه يكفيه إذا كان مؤمنًا أن يقال: هكذا قال الله ورسوله؛ لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) . وقد كان هذا هو المنهج الذي يسير عليه الصحابة رضي الله عنهم، فقد (سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فلماذا مع أن الصوم فرض والصلاة فرض،والصلاة أوكد من الصوم، ومع ذلك لا تقضى؟ والصوم يقضى فأجابت عائشة رضي الله عنها:بأن ذلك كان يصيبهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمرن بقضاء الصوم ولا يؤمرن بقضاء الصلاة) وهذا يعني أن الحكمة هي حكم الله ورسوله.
***
يقول السائل: كيف يعلم الأب أبناءه التوحيد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعلمهم التوحيد كما يعلمهم غيره من أمور الدين، ومن أحسن ما يكون في هذا الباب كتاب ثلاثة الأصول لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، إذا حفظوه عن ظهر قلب وشرح لهم معناها على الوجه المناسب لأفهامهم وعقولهم صار في هذا خير كثير؛ لأنها مبنية على السؤال والجواب وبعبارة واضحة سهلة ليس فيها تعقيد، ثم يريهم من آيات الله ليطبق ما ذكر في هذا الكتاب الصغير: الشمس يقول: من الذي جاء بها؟ القمر، النجوم، الليل، النهار، ويقول لهم: الشمس من الذي جاء بها؟ الله. القمر؟ الله. الليل؟ الله. النهار؟ الله. كلها جاء بها الله عز وجل، حتى يسقي بذلك شجرة الفطرة؛ لأن الإنسان بنفسه مفطور على توحيد الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) . وكذلك يعلمهم الوضوء، كيف يتوضؤون بالفعل، يقول: الوضوء هكذا ويتوضأ أمامهم، وكذلك الصلاة، مع الاستعانة بالله تعالى، وسؤاله عز وجل الهداية لهم، وأن يتجنب أمامهم كل قول مخالف للأخلاق أو كل فعل محرم، فلا يعودهم الكذب ولا الخيانة ولا سفاسف الأخلاق، حتى وإن كان مبتلىً، بها كما لو كان مبتلىً بشرب الدخان فلا يشربه أمامهم؛ لأنهم يتعودون ذلك ويهون عليهم. وليعلم أن كل صاحب بيت مسؤول عن أهل بيته؛ لقوله تبارك وتعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)(التحريم: من الآية6) . ولا يكون وقايتنا إياهم النار إلا إذا عودناهم على الأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكد ذلك في قوله:(الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) .وليعلم الأب أن صلاحهم مصلحة له في الدنيا والآخرة، فإن أقرب الناس إلى آبائهم وأمهاتهم هم الأولاد الصالحون من ذكور وإناث. (وإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعاً على ما حملنا من الأمانة والمسؤولية.
***
يقول يا فضيلة الشيخ في هذا السؤال: هل يجب أن نتعلم الدين كله؟ وما هو الذي يجب أن نتعلمه من الدين؟ وهل صلاة الكسوف والخسوف وصلاة العيد وغيرها من الصلوات يجب أن نتعلمها أم لا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على الإنسان أن يتعلم كل ما يحتاجه من العلم: فإذا أراد أن يصلى مثلاً يجب أن يتعلم كيف يصلى، وإذا أراد أن يتوضأ يجب أن يتعلم كيف يتوضأ، لكن هذا التعلم يحصل بمشاهدة الناس وما يفعلون إذا كانوا من أهل العلم، ومن ثم نعرف أن من فوائد صلاة الجماعة أن يتعلم الجاهل من العالم. وأما ما لا يحتاجه الإنسان فإنه لا يلزمه أن يتعلمه، فلا نقول للفقير: يجب أن تتعلم أحكام الزكاة- أي: أحكام زكاة الأموال- ولا نقول لمن لا يستطيع الحج: يلزمه أن يتعلم كيف يؤدي الحج، لكن العلم على سبيل العموم فرض كفاية، بمعنى: أنه يجب على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها في جميع أحكامه، حتى لا تتلاعب به أيدي العابثين وتنطلق به ألسن المحرفين. أما صلاة الكسوف والخسوف فإنها سنة، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة، والغالب أن هذه الصلاة تفعل في المساجد ويتبع الناس فيها إمامهم، فما فعل الإمام يفعلونه. وليعلم أن الكسوف والخسوف معناهما واحد، لكن الغالب أن الخسوف يكون في كسوف القمر، وأن الكسوف يكون في خسوف الشمس، وإلا فمعناهما واحد. بقي أن يقال: متى تشرع صلاة الكسوف؟ والجواب على هذا: أنها تشرع إذا كسفت الشمس أو القمر بانحجاب بعض أجسامهما، وهذا قد يكون كلياً وقد يكون جزئياً، فتسن حينئذٍ الصلاة، فينادى لها: الصلاة جامعة، ويجتمع الناس إليها في المساجد، والأفضل أن تكون في الجوامع، أي: في المساجد التي تقام فيها الجمعة،حتى يكثر الجمع وتحصل الرهبة والخوف من الله عز وجل، ويصلىها الإمام ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجودان، ويطيل القراءة فيها جداً: فالقيام الأول الذي قبل الركوع الأول يكون طويلاً جداً، ثم يركع ركوعاً طويلاً جداً، ثم يرفع فيعيد القراءة: الفاتحة وما بعدها، ثم يركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع ويحمد ويطيل بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين بقدر السجود، ثم يسجد للثانية كالأولى يطيلها، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقرأ ويطيل، ولكنه دون الأول، ويركع ويطيل ولكنه دون الأول، ويرفع ويطيل ويقرأ، ثم يركع ركوعاً طويلاً ولكنه دون الأول، ثم يرفع ويطيل القيام بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين ويطيل الجلوس بقدر السجود، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر السجدة الأولى، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. وينبغي للإمام بعد ذلك أن يخطب للناس خطبة بليغة يعظهم فيها، إن تيسر له أن يخطب بما خطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا هو الأكمل، وإلا قال من عنده كلاماً يعظ الناس ويهز قلوبهم ويخوفهم بالله عز وجل، وإذا كان الإمام لا يستطيع أن يخطب وفي القوم من يستطيع ذلك طلب منه أن يقوم ويعظ الناس، وهذه الخطبة قيل: إنها خطبة الراتبة، يعني: أنها خطبة مشروعة كخطبة العيد بعد الصلاة، وقال بعض أهل العلم: بل هي من الخطب العارضة، والأقرب أنها من الخطب الراتبة، وذلك لأن الكسوف لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرة واحدة وخطب، ولو أنه وقع مرة أخرى ولم يخطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقلنا: إنها عارضة، لكن لما خطب فالأصل أنها مشروعة، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن المقام يقتضي ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده.
السائل عزوزي من الجزائر يقول في سؤالٍ له في هذه الرسالة ما هي الأمور الشرعية التي يجب على المؤمن أن يتعلمها مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور الشرعية التي يجب على الإنسان أن يتعلمها كل ما أوجب الله عليه من طهارةٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحج وبرٍ للوالدين وصلةٍ للأرحام، وغير ذلك مما يتعلق بأمور دينه، فيجب على الإنسان أن يتعلم أمور دينه قبل كل شيئ قال الله تبارك وتعالى:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .قال البخاري رحمه الله: فبدأ الله تعالى بالعلم. قبل العمل فمثلاً إذا أراد أن يتطهر الإنسان ويتوضأ للصلاة فلا بد أن يعرف كيف يتوضأ، يجب عليه أن يعرف كيف يتوضأ، وإذا أراد أن يصلى، يجب عليه أن يعرف كيف يصلى وماذا عليه لو أخل بكذا أو كذا، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وهذا معنى قول الإنسان:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: دلنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم الذي يوصلنا إليك يا ربنا. أما مالا يحتاج إليه من الأمور: فلا يلزمه تعلمه إلا أن يكون فرض كفايةٍ عليه، يعني مثلاً تعلم المعاملات، تعلم البيع الصحيح والإجارة الصحيحة والرهن الصحيح والوقف الصحيح ليس بواجب على كل أحد، بل يجب على من أراد أن يتعامل بهذا، وأما غيره فلا يجب عليه إلا إذا قدرنا أنه ليس في العالم من يعرف هذا، فإنه يكون فرض كفاية ولم يقم به أحد، فيجب على الإنسان.
***
حفظكم الله السائل يقول: ما هي المسائل التي يجب تعلمها والعمل بها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن يتعلم الإنسان كل ما يحتاج إليه في دينه بدون حصر، فعلى الإنسان أن يتعلم كيف يتوضأ؟ كيف يصلى؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يزكي إذا كان عنده مال؟ فكل ما يحتاج الإنسان إلى معرفته في الدين فإنه يجب عليه أن يتعلمه، هذه هي القاعدة،وهي واضحة. وأما ما لا يحتاج إليه فطلب العلم فرض كفاية، إذا اشتغل الإنسان به قام بفرض كفاية، وإن اكتفى بغيره من أهل العلم فذمته بريئة.
***
بارك الله فيكم يقول المستمع حامد إبراهيم: ما هي العلوم التي تعلمها فرض كفاية؟ وهل هناك علم يجب على المسلمين معرفته جميعاً أو أن يعرفوه جميعاً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حفظ الشريعة واجب على المسلمين عموماً، فلا بد أن يكون في المسلمين من يقوم بحفظ الشريعة. وأما الفرض على الأعيان فإنه يختلف: فقد يجب على شخص من العلوم ما لا يجب على شخص آخر، فمثلاً من كان عنده مال وجب عليه أن يتعلم من أحكام الزكاة ما يستعين به على براءة ذمته، ولكن هذا لا يجب على من ليس عنده مال، من كان يشتغل بالبيع والشراء وجب عليه أن يتعلم من أحكام البيع والشراء ما يصحح معاملاته، ومن ليس مشتغلاً بالبيع والشراء فإنه لا يجب عليه ذلك. فالمهم أن حفظ الشريعة بطلب العلم فرض كفاية على عموم المسلمين، وأما الفرض العيني فهذا يختلف باختلاف الناس، فقد يجب على شخص ما لا يجب على الآخر، كما سبق التمثيل به.
***
هذه السائلة تذكر بأنها شابة معاقة وتقول: قد انتهيت من المرحلة المتوسطة، وأرغب في العلم الشرعي بأسرع وقت، لذلك فإنني أفكر بترك الدراسة، وذلك لسببين: الأول: طلب العلم الشرعي، والثاني: لشدة إعاقتي، حتى لدرجة أنني أتعب تعباً شديداً في الذهاب إلى المدرسة، وإنني في حيرة من أمري: فالبعض من إخواني يقولون: اتركي الدراسة لترتاحي وتريحي غيرك، والبعض يقول: أكملي لكي تدخلي كلية الشريعة وتحصلى على العلم الشرعي الذي تريدينه فما مشورتكم يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن مشورتي أن تتفرغي لطلب العلم الشرعي، وهو حاصل والحمد لله اليوم بالاستماع إلى الأشرطة من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، دون أن تكلفي نفسك وتكلفي غيرك، هذا ما أراه. فاستعيني بالله عز وجل، واحرصي على مراجعة العلوم الشرعية من أفواه العلماء بواسطة الهاتف، أو باستماع الأشرطة، أو الرسائل والكتب المفيدة. ونسأل الله تعالى أن يثيبك ويأجرك على ما أصابك، وأن يجعل ذلك رفعة في درجاتك وتكفيراً لسيئاتك.
***
هذه مستمعة من الحدود الشمالية رمزت لاسمها بـ د. ف. ش. ح رفحة تقول: مجموعة من النساء لا نستطيع أن نحضر إلى المساجد لسماع الندوات، فنضطر لشراء أشرطة المسجل لسماع هذه الندوات. سؤالي: هل ثواب السامع من الشريط هو نفس ثواب الجالس في المسجد مباشرة، من تنزل الملائكة عليهم وإحاطتهم بالرحمة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا، ليس الذين يستمعون إلى الأشرطة كالذين يحضرون إلى حلق الذكر ويشاركون الذاكرين في مجالسهم، ولكن السامعين للأشرطة لهم أجر الانتفاع وطلب العلم الذي يحصلونه من هذه الأشرطة، وكما قلت آنفاً: ما أكثر ما حصل من الهدى والاستقامة بواسطة هذه الأشرطة، والشريط- كما نعلم- خفيف المحمل سهل الاستفادة، فالإنسان يمكن أن يستمع إليه وهو في شغله، يمكن أن يستمع إليه في سيارته ماشياً في طريقه، ومن أجل ذلك كان لهذه الأشرطة فضل كبير من الله سبحانه وتعالى علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذا التسهيل والتيسير.
***
بارك الله فيكم يقول المستمع أبو عبد الله بأنه يسكن مع والده، ويعمل في مدينة مجاورة ويتردد عليها يومياً، وأحياناً يقول: أفكر في السكن قرب عملي، ولأجل أن أحضر حلقات العلم في ذلك البلد. أرجو توجيه النصح لي وجزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يشق عليه التردد إلى والديه في بلدهما فلا حرج عليه أن يتخذ مسكناً في البلد الذي يعمل فيه، ولكن إذا كان الوالدان مضطرين إلى وجوده عندهما فإنه يجب عليه أن يحاول الانتقال إلى البلد الذي فيه الوالدان، وإذا علم الله من نيته أنه يريد دفع ضرورة الوالدين بالانتقال فإن الله سييسر له الأمر؛ لقول الله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) . وإذا لم يمكن هذا فليعرض على والديه الانتقال إلى البلد الذي يعمل فيها؛ ليكون سكناهما معه، فيقوم بالوظيفة وبواجب والديه بدون تعب.
***
حفظكم الله في الحديث يا فضيلة الشيخ: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به) . هل يدخل في ذلك العلم علوم الدنيا كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، أم هو مقيد بالشرعي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل علمٍ يثاب عليه العبد ثم يعلمه الآخرين فإن المتعلمين منه يثابون عليه، وإذا أثيبوا عليه ناله من أجرٍ بعد موته ما يستحق،وأما ما لا ثواب في تعلمه فليس فيه أصلاً ثواب حتى نقول: إنه يستمر، فمثلاً علم التفسير والتوحيد والفقه وأصوله والعربية كل هذه علوم يثاب الإنسان عليها، فإذا علمها أحداً من الناس أثيب هذا المتعلم، فنال المعلم من ثوابه ما يستحقه.
***
أحسن الله إليكم هذا السائل كمال الدين من السودان ومقيم بالمملكة يقول: إنسانٌ يرغب في طلب العلم الشرعي، ولكنه كثير الشرود والفكر والتفكير والنسيان، ولا يحفظ بسهولة إلا بعد فترة تستمر كثيراً من الوقت، مع العلم بأنه يقضي وقته في الأشياء النافعة مثل الاستماع إلى الأشرطة الشرعية وإذاعة القرآن الكريم والمحاضرات، فبماذا توجهون مثل هذا مأجورين؟ بأي شيء يبدأ بالكتب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول للأخ: لا ييأس من رحمة الله، وليثابر على طلب العلم، والشرود الذي يحصل له قد يرده الله عز وجل، وأنصحه أولاً أن يبدأ بكتاب الله عز وجل: يحفظه ثم يتدبره؛ ليعرف معانيه ثم يعمل به. ثانياً بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وهي مشهورة متداولة بأيدي الناس، ثم بكتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ثم بالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية،الأول كتاب التوحيد فيما يتعلق بالعبادة، والثاني فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته والإيمان باليوم الآخر وغير ذلك، ثم بما عليه أهل بلده من الفقه، وليختر من العلماء من كان أوسع علماً وأتقى لله عز وجل؛ لأن من الناس من هو واسع العلم لكنه ضعيف التقوى، ومنهم من هو قوي التقوى ضعيف العلم، ليختر كثير العلم قوي التقوى بقدر المستطاع.
***
حفظكم الله تحدثتم مأجورين عن فضل التفقه في الدين، فكيف يتفقه الشاب في دينه ويطلب العلم الشرعي الموثوق
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يتفقه في دينه على أيدي العلماء الموثوقين علماً وأمانة، فليلزم هؤلاء وليستمسك بغرزهم وليقتد بهم، ولا يلتفت يميناً وشمالا، ً حتى إذا كبر وبلغ درجةً من العلم يمكنه أن يفهم النصوص بنفسه، ويحمل مجملها على مبينها، ومطلقها على مقيدها وما أشبه ذلك، حينئذٍ يتصرف هو بنفسه بالأدلة على حسب ما آتاه الله من العلم.
***
جزاكم الله خيراً هل لطالب العلم أن يتخذ شيخًا معيناً يراجع معه، أو يتخذ أكثر من شيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن يتخذ شيخًا واحدًا ما دام في بداية الطلب؛ لأن المشايخ ربما تختلف آراؤهم في مسألة ما،وإذا كان هو صغيراً في ابتداء الطلب فإن ذلك يشوش عليه، فليتخذ شيخًا واحدًا فيما يريد قراءته عليه، ومن الممكن أن يتخذ شيخًا آخر لكن في فن آخر، مثلا: له شيخ في النحو، وله شيخ في الفقه، وله شيخ في العقيدة، وله شيخ في التوحيد، وما أشبه ذلك أما أن يتخذ شيخين في الفقه فلا أشير به،لا يتخذ شيخين في العقيدة، أما النحو فأمره سهل، حتى لو اتخذ شيخين واختلفا عليه ما يهم، لكن المهم مثل المسائل العملية الدينية، لا يتخذ شيخين في فن واحد؛ لئلا تختلف أقوالهما فيبقى متذبذباً. ومن ثم أقول لطالب العلم المبتدئ: لا يراجع كتب الخلاف، يعني لا يراجع مثلًا المغني أو المجموع للنووي، أو غيرهما مما يذكر فيه الخلاف ما دام في ابتداء الطلب؛ لأن الأمور تلتبس عليه ويبقى متذبذباً، وتختلط المعلومات فما دام في ابتداء طلبه فليلزم شيخاً واحداً وكتابا واحدا ولا يتخذ أكثر من شيخ في فن واحد.
من الجزائر السائل شرف الدين يقول في هذا السؤال: ما هي أحسن وسيلة لتلقي العلم النافع جزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوسائل مختلفة،وهي كثيرة والحمد لله في وقتنا الحاضر، فمن الوسائل أن تتلقى العلم على شيخ مأمون في علمه ودينه، وهذه أحسن الوسائل وأقوى الوسائل وأقرب الوسائل إلى تحصيل العلم، ومنها أن تتلقى العلم من الكتب المؤلفة التي ألفها علماء مأمونون موثوقون في علمهم ودينهم، الثالث أن تستمع إلى الأشرطة المنشورة من العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم. هذه ثلاث طرق يمكن أن يحصل بها العلم، وأهم شيئ هو الاجتهاد والمثابرة وحسن القصد، فإن ذلك من أسباب حصول العلم.
***
بارك الله فيكم تقصدون فضيلة الشيخ الوسائل الموصلة للعلم الشرعي من أشرطة وإذاعة القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم، قصدي من أشرطة بالنسبة للدروس التي تلقى عندهم في بلدهم لا في الإذاعة، أما الإذاعة فأمرها متيسر والحمد لله لكل أحد.
***
يقول: الكتب الدينية غالية مثل تفسير ابن كثير والصحيحين، فكيف للشباب أن يتفقهوا في دينهم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة كونها غالية هذا أمر نسبي في الحقيقة يختلف باختلاف أهل البلدان وباختلاف حال الشخص، ولكن هي موجودة ولله الحمد في المكاتب، فبإمكان الشاب الحريص أن يذهب إلى أي مكتبة ويجد بغيته هذه، وإذا لم يكن عنده مكتبة في بلده فإنه إن كان يستطيع أن يشتري فليشتر، وإلا فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ليشتري بها هذه الكتب التي يحتاجها في دينه.
***
المستمعة من الأردن عائشة تقول: ما هو علاج النسيان؟ سواء كان للقرآن الكريم، أو لغيره من العلوم الشرعية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: علاج النسيان التعاهد، يعني: تعاهد الإنسان ما حفظ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتعاهد القرآن وقال:(تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . فليتعاهد الإنسان ما حفظ، بأن يقرأه دائماً حتى لا ينساه، والنسيان غريزة،غريزة بمعنى أن بعض الناس يكون مجبولاً على عدم النسيان، يكون مجبولاً على سرعة الحفظ وبطء النسيان، ومن الناس من يكون سريع الحفظ سريع النسيان، ومنهم من يكون بطيئ الحفظ سريع النسيان،فيختلفون، فالأقسام أربعة بالنسبة لسرعة الحفظ والنسيان. ويكون النسيان أيضاً بسبب غير غريزي، ومن ذلك المعاصي، فإن المعاصي سبب للنسيان، قال الله تعالى:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) . ويذكر أن الشافعي رحمة الله عليه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
وإذا كان هذا هو السبب- أعني: المعاصي- فإن دواء ذلك أن يتوب الإنسان من المعصية، وأن يقبل على الله، وأن يكون مهتماً بأموره التي يلزمه الاهتمام بها، سواء كانت خاصة به أم عامة، أما أن يشغل نفسه بما لا فائدة فيه فإن ذلك من اللغو، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . وهذا التشاغل بما لا فائدة فيه هو من أسباب النسيان أيضا؛ ً لأن المعلومات والتذكرات تتراكم على الإنسان، فينسي بعضها بعضاً.
بارك الله فيكم هذا الشاذلي السيد جمهورية مصر العربية محافظة قنا يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أحفظ القرآن، لكنني لا أعرف ما هي الطريقة التي أحفظ بها القرآن الكريم جزاكم الله خيرًا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة التي يحفظ الإنسان بها القرآن تختلف باختلاف حال الإنسان،وباختلاف حال المدرس الذي يسمع إليه، فلها طرق، منها: أن يحفظ الإنسان كل خمس آيات على حدة، ولا ينتقل إلى ما بعدها إلا إذا أتقنها تماما. ً ومنها: أن يحفظ صفحة كاملة ثم يعيدها، والمهم أن يسلك الإنسان في حفظ القرآن ما يناسبه، لكن يتعاهد القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . وتعاهد القرآن قد يكون في قراءة الإنسان لنفسه وحده، وقد يكون بمشاركة أحد زملائه، يتحافظ عليه، يمسك الزميل المصحف بيده وذاك يقرأ، ثم يأتي العكس. والمهم أن هذه مسائل ليس فيها نص يؤخذ به، وإنما أوكلت إلى حال الإنسان.
***
في نظركم يا شيخ محمد ما هي الطريقة المثلى لمن أراد أن يحفظ القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه تختلف بعض الناس يسهل عليه أن يحفظ القرآن على وجه كبير، يحفظ الصفحة كاملة، يرددها حتى يحفظ. وبعض الناس يحب أن يحفظ شيئاً يسيراً: أربعة أسطر أوخمسة أسطر، ثم ينتقل إلى أسطر أخرى، وكل على حسب مزاجه. ثم إنه ينبغي أن يتحفظ القرآن وهو على نوع من فراغ البطن؛ لأن حفظ القرآن على الشبع ربما يصعب حفظه ويسرع نسيانه.
***
يقول: إنني أحرص دائماً على قراءة القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنني قليل الحفظ، فما هي الطريقة التي تنصحونني بها كي أحفظ كتاب الله؟ أرشدوني بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أسباب الحفظ أولا: ً أن يبادر الإنسان به في حال صغره؛ لأن الحفظ في الصغر -كما قيل- كالنقش على الحجر والإنسان الآن الكبير يتذكر أشياء مرت عليه في صغره ولا يتذكر أشياء مرت عليه عن قرب، فهذا أول سبب يكون به الحفظ.
ثانياً: المتابعة والدراسة وتعاهد ما حفظ، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعهد القرآن، وقال عليه الصلاة والسلام:(إنه أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) .
ثالثاً: أن يكون دائماً مرتبطاً نفسياً بما حفظه، بحيث لا يغيب عن ذهنه، وبحيث يعرف ويشعر نفسه بأنه ملزم بهذا الذي حفظه من العلم، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أهل العلم. رابعا: ً أن يكون على جانب كبير من الإيمان بالله عز وجل وتقوى الله سبحانه وتعالى، فإن هذا من أكبر أسباب الحفظ، يقول الله تبارك وتعالى:(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) . ومن الحكم المأثورة: قيدوا العلم بالعمل، فالعمل بالعلم من أسباب حفظه وربطه، فإذا كان الإنسان كثير المعاصي فإن المعاصي توجب النسيان، قال الله تعالى:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) . فالمعاصي سبب كبير من أسباب النسيان، كما أن الطاعات والإيمان سبب كبير من أسباب الحفظ، ومما يؤثر عن الشافعي رحمه الله أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ومن عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم.
***
بارك الله فيكم تقول: أريد أن أحفظ من كتاب الله ما يتيسر، وأريد منكم توجيهي إلى الطريقة الصحيحة (حتى يكون) حفظي كاملاً لا أنساه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أفضل الطرق لبقاء حفظ الإنسان للقرآن ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: تعاهد القرآن، تعاهد قراءته، يقرؤه الإنسان كل يوم في الصباح والمساء؛ وفي الليل لقول النبي عليه الصلاة والسلام:(تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . ومنها أن يدعو الله سبحانه وتعالى بإمساك القرآن عليه حتى لا يتفلّت منه، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
***
أحسن الله إليكم يا فضيلة الشيخ الأخت السائلة من منطقة عسير تقول: أريد أن أحفظ القرآن في المدرسة الخاصة بتحفيظ القرآن، لكن ظروفي لا تسمح لي بذلك، أريد منكم حفظكم الله الطريقة الصحيحة لحفظه في المنزل، وهل إذا حفظت القرآن بدون تجويد أو فهمٍ لمعانيه هل فيه شيء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريق إلى ذلك أن الإنسان يحفظ خمس آيات حتى يتقنها، ثم خمس آيات حتى يتقنها، ثم خمس آيات حتى يتقنها، فإذا أتم جزءًا كاملاً عاد فتعاهد ما حفظه حتى يعلم أنه لم ينسه، ثم يأخذ في الجزء الثاني كما أخذ في الجزء الأول، حتى ينتهي من القرآن، ولا يشترط أن يكون بالتجويد ولا أن يعرف معناه، التجويد ما هو إلا تحسينٌ للفظ وليس بواجب، والمعنى يمكنه بعد أن يكمل الحفظ ويكبر أن يقرأ من التفاسير المأمونة الموثوقة ما ينتفع به.
***
ما هي أفضل طريقة ترونها لحفظ القرآن الكريم؟ وهل يجوز أن أقرأ جزءاً معيناً مثل الجزء السادس والعشرين لكي أحفظ ذلك وأترك باقي القرآن؟ أفيدوني مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم أن تحفظه وأنت صغير السن؛ لأن صغير السن يسهل عليه الحفظ وليس فيما بعد، ففي حفظ القرآن حال الصغر فائدتان: الفائدة الاولى: سهولة الحفظ، والفائدة الثانية: رسوخ المحفوظ في القلب بحيث لا ينساه، هذا بالنسبة للسن الذي ينبغي أن يحفظ القران فية. أما الوقت فأحسن ما يكون في أول النهار، إذا صلىت الفجر أن تقرأ القرآن فيه لتحفظه. وأما كيفية الحفظ فالناس يختلفون: فمن الناس من يقرأ خمسة أسطر مثلًا فيحفظها، ثم يعيدها مرة بعد أخرى حتى ترسخ في قلبه، ثم ينتقل إلى خمسة أسطر أخرى، وهكذا، وكلما أنهى خمسة أسطر حفظ ما بعدها، ومن الناس من يقرأ صفحة كاملة ويكررها ثم يحفظها، ومن الناس من يأخذ أكثر من هذا.المهم أن هذا -أعني كيفية الحفظ- يرجع الى شخص الانسان وهو يعرف من نفسه ما هو أهون عليه. ويجوز أن تقتصر على حفظ جزء معين في وسط القرآن ولا حرج عليك، لكن احرص على أن تبدأ من أول القرآن حتى تكمله.
***
هذا أخوكم في الله ع ع الرياض يقول: فضيلة الشيخ أنا أتعلم القرآن من الأشرطة، والذي أتعلمه بعد صلاة العصر أتلوه بعد صلاة الفجر، هل هذا العمل جائز؟ أم لا؟ أفتونا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل جائز، أعني أنك تستمع القرآن من الأشرطة في العصر ثم تعيده بعد صلاة الفجر، وإذا شيءت أن تتبع طريقة أخرى فلا بأس؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والناس يختلفون في التحفظ، أي: تحفظ القرآن أو غيره من الكلام، فما ترى أنه أيسر لك وأقرب إلى الحفظ فافعله.
***
جزاكم الله خيرًا السائل م ع ج يقول فضيلة الشيخ كيف يستطيع الشخص أن يوفق بين حفظ كتاب الله وبين حضور الدروس العلمية اليومية؟ لأنه يصعب عليه أن يوازن بينها، وأن يوفق بينها، إلى جانب أعماله وأعمال الأهل، والسائل من عنيزة رمز لاسمه بـ م ع ج
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يعود إلى قدرة الإنسان الذاتية، والناس يختلفون: فمن الناس من يستطيع أن يقوم بهذه الأعمال، ومنهم من لا يستطيع أن يقوم إلا بعمل واحد، ومنهم من يستطيع أن يقوم بعملين أو ثلاثة. على كل حال ينظر الإنسان إلى نفسه، فإذا تزاحمت فإن القيام بحفظ كتاب الله عز وجل أولى من حضور الدروس، ولكن إذا كان أحد الدروس مهماً وجديراً بالعناية به فليحاول أن يحضر إليه حتى لا يفوته، أما حاجة الأهل: فحاجة الأهل إذا لم يكن أحد يقضيها فإن قضاءها من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لسعد بن أبي وقاص:(واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في في امرأتك) أي: في فمها، مع أن ما يجعله في فم امرأته من الواجب عليه، إذ إن نفقة الزوجة واجبة، ومع ذلك كان له بها أجر، فإذا قام الإنسان على أهل بيته محتسباً أجره عند الله عز وجل آجره الله على ذلك.
***
من مصر مستمع رمز لاسمه بـ ع. م. أ. يقول في هذا السؤال: زوجة لم أدخل بها بعد تقوم بتحفيظ القرآن الكريم في أحد المساجد للطرق الصوفية بدون أجر، هل هذا العمل حلال؟ وهل هذا العمل فيه موالاة للطرق الصوفية ونقاط تأتي إن شاء الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة تدرس القرآن الكريم دراسةً صحيحة ليس فيها بدعة، فلا حرج عليها أن تدرس في هذا المسجد الذي ينتابه أهل التصوف، وإن كان الأفضل أن تذهب إلى مسجدٍ آخر؛ لئلا يساء الظن بها، ولئلا يكون بهذا إعزازٌ لموقف هؤلاء المتصوفة. وأما إذا كان يخشى على الصبيان المتعلمين، يخشى عليهم من أن يغتروا بعمل هؤلاء المتصوفة، فإنه لا يحل لها أن تدرس في هذا المسجد، وكذلك إذا كان من المعروف عند الناس أن كل من يدرس في هذا المسجد منتسبٌ لأهل التصوف، فإنه لا يجوز أن تدرس في هذا المسجد.
يافضيلة الشيخ: وهل هذا العمل يضر بعقد الزوجية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا يضر بعقد الزوجية؛ لأنه عملٌ مباح كما أسلفت، إلا في المسائل التي استثنيناها، وحتى في المسائل التي استثنيناها لا يخل بعقد الزوجية.
***
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج رمضان حسين علي من العراق محافظة التأمين يقول في السؤال: إنه كثير النسيان، حيث إنني عندما أحفظ سورة من القرآن الكريم بعد يوم أو يومين أنساها، أو أنسى جملة أو كلمة، وغالباً ما أتخطى هذه الكلمة إلى الكلمة التي بعدها، فبماذا تنصحونني مأجورين لكي لا أنسى هذه السور المباركات؟ جزاكم الله خيراً
.
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ننصحك به ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعاهد القرآن وكثرة تلاوته وتذكره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال:(تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . فأكثر من تلاوة القرآن، وأعرض عن المشاغل التي تشغل ذهنك وتوجب نسيانك، ثم احرص أيضاً على أن يكون تذكرك للكتاب الله مقروناً بالاستعانة بالله عز وجل؛ لأن الاستعانة مقرونةٌ بالعبادة كما قال تعالى:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . وقال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) . فإذا استعنت بالله، وفوضت الأمر إلى الله، وحرصت على تعاهد القرآن، وصار هو شغلك الشاغل، فأبشر بأنك لن تنساه إن شاء الله تعالى.
***
للمجند حسين شهاب الحمد من الجيش العربي السوري سؤال يقول فيه: أسأل سماحتكم الكريمة من طرف قراءة القرآن الكريم؛ لأني أحاول اتقان قراءة القرآن الكريم، بل يصعب علي ترميز القراءة، يحدث معي التأتأة في القرآن الكريم، وليس لدي أحد من الناس يعلمني الترميز، فهل أتابع في قراءتي للقرآن أم غير جائزة؟ وكل عامٍ وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله
.
فأجاب رحمه الله تعالى: وعليكم السلام القرآن الكريم يقرؤه الإنسان بقدر ما يستطيع، كغيره من الطاعات:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . ويقرأ الإنسان بقدر استطاعته، إذا كان عنده معرفة بالحروف وإقامة لها بقدر المستطاع، وفي هذه الحال إذا كان يشق عليه فإنه له أجران: أجر التلاوة، وأجر المشقة:(فالماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران) كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنقول لهذا الأخ: استمر في قراءتك ما دمت تعرف أن تقرأ، وبقدر ما تستطيع أقم الحروف، وبقدر ما تستطيع لاحظ الرموز والمواقف الصحيحة، وليس عليك شيءٌ وراء ذلك.
***
أيضاً يقول:عندي أخ كلامه متقطع، هل يمكن أن أعلمه قراءة القرآن الكريم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم، يجوز أن تعلمه وإن كان يتقطع كلامه؛ لقول الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
***
في رسالة هذه السائلة تقول: فضيلة الشيخ ما هي خير الكتب التي يجب على المسلم أن يقتنيها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خير الكتب التي يجب على المسلم أن يقتنيها كتاب الله عز وجل، وينبغي العناية به وتدبر معناه والوصول إلى المراد به، وذلك بمراجعة كتب التفسير المؤلفة من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، كتفسير ابن كثير رحمه الله، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتفسير الشيخ أبي بكر الجزائري، وغيرهم من العلماء المشهود لهم بالعلم والأمانة. وكذلك بتلقي معاني القرآن من أفواه المشايخ الموثوقين في علمهم وأمانتهم، إما بطريق مباشر، وإما عن طريق استماع الأشرطة المسجلة لهم؛ لأن القرآن الكريم نزل للتلاوة والتبرك بتلاوته وحصول الثواب والأجر بها، وللتدبر أيضاً، وللاتعاظ به ثالثاً، كما قال عز وجل:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . لذا أحث إخواني المسلمين على تدبر كتاب الله عز وجل وتفهم معناه، ثم العمل بمقتضى ذلك: بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام، فيتبع ما أمر الله به في كتابه، ويترك ما نهى الله عنه في كتابه. ثم بعد هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، ومن المعلوم أن السنة واسعة الإحاطة بها صعبة، لكن هناك كتب مؤلفة، منها ما يقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط: كعمدة الأحكام، ومنها ما يذكر ما في الصحيحين وغيرهما، لكنه يذكر درجة الحديث من صحة وضعف وحسن: كبلوغ المرام. ثم بعد ذلك يقتني ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة الصحيحة، مثل: كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية. ثم ما يتيسر من كتب الفقه، وفي مذهب الإمام أحمد من خير ما يقتنى الروض المربع شرح زاد المستقنع، وكذلك الزاد نفسه، وما حصل من شروح وتعليقات على هذا الكتاب المختصر المبارك. أما في النحو: فليبدأ الإنسان بالأيسر فالأيسر، كالأجرومية مثلا، ً ثم بعض العلماء يقول: بعد الأجرومية قطر الندى ثم ألفية ابن مالك، وأرى أنه لا حاجة إلى أن يدرس قطر الندى والألفية، بل يقتصر على أحدهما وفيه كفاية.
***
المستمع أحمد مصري يعمل بمنطقة حائل يقول ما هي الكتب التي تفقه المسلم في أصول دينه وتوضح له الأحكام الشرعية الصحيحة؟ علماً أنني سمعت في برنامجكم أن بعض الكتب غير مستندة إلى صحة فيما تشتمل عليه، فأرجو إرشادي إلى أهم تلك الكتب الصحيحة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أهم الكتب كتاب الله عز وجل، تقرؤه وتتعلم معناه، إما من خلال التفاسير الموثوقة، وإما على أحد من أهل العلم، ثم تتذكر بما في القرآن من مواعظ وأحكام؛ لقول الله تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) وبعد ذلك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الكتب المؤلفة فيها: كتاب منتقى الأخبار وكتاب بلوغ المرام، تدرسهما وتراجع شروحهما، وتسأل عما أشكل عليك فيهما أهل العلم الموثوقين بعلمهم ودينهم. ثم ما تيسر لك من كتب الفقه على حسب توجيه من يكون عندك من أهل العلم في بلدك، وإذا حصل للإنسان نية صحيحة في طلب العلم فإن الله تعالى ييسر له طريقه، وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام:(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع هاني محمد من الأردن عمان يقول: ما هي الكتب الشرعية التي تنصحون بها طالب العلم المتوسط
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أقول: لا كتاب أفضل من كتاب الله سبحانه وتعالى، فالذي أحث إخواني عليه هو أن يعتنوا بالقرآن حفظاً وفهماً وعملاً، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيهن من العلم والعمل، يتعلمون العلم والعمل جميعاً ثم بعد ذلك الاعتناء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، ومعلوم أن الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، وطالب العلم المبتدئ أو المتوسط لا يمكنه الإحاطة بها، لكن هناك كتب مصنفة في هذا الباب يمكن الرجوع إليها، مثل كتاب عمدة الأحكام لعبد الغني النابلسي، ومثل كتاب الأربعين النووية للنووي رحمه الله، وغير ذلك من الكتب المختصرة، ثم بعد هذا يرتقي إلى الكتب المطولة نوعاً ما، كبلوغ المرام، والمنتقى من أخبار المصطفى، ثم بعد هذا يزداد بقراءة كتب الأحاديث المصنفة كصحيح البخاري وصحيح مسلم. أما في الفقه فينظر إلى أخصر كتاب ألف في ذلك، يقرؤه لينتفع به ويطبقه على ما عرفه من الأدلة، حتى يكون جامعاً بين المسائل والدلائل. أما في النحو فيأخذ بالكتب المختصرة أولا، ً مثل كتاب الأجرومية، فإنه كتاب مختصر مبارك مفيد، مقسم تقسيماً يحيط به المبتدئ، ولا سيما إذا يسر الله له من يقربه بالشرح، ثم بعد هذا أنصحه بأن يحفظ ألفية ابن مالك رحمه الله، وأن يتفهم معناها لأنها ألفية مباركة فيها خير كثير. ثم إني أنصح أيضاً أن يلازم شيخاً يثق به في علمه ودينه وأخلاقه؛ لأن تلقي العلم على المشايخ أقرب إلى الإحاطة بالعلم وإلى معرفة الصواب، وأخصرلطالب العلم؛ لأن طالب العلم الذي يقرأ من الكتب إذا لم يكرس جهوده ليلاً ونهاراً فإنه لا يحصل شيئاً، ثم إن الكتب أيضاً متنوعة: منها ما هو ملتزم بالصحيح، أو ملتزم بترجيح ما ينبغي ترجيحه، ومنها ما هو متعصب للمذهب الذي هو عليه، حتى أن بعض المؤلفين- عفا الله عنا وعنهم- أحياناً يلوون أعناق النصوص لتكون مطابقة لما يذهبون إليه، لذلك أرى أن يعتني الإنسان بالشيخ الذي يدرس عليه في علمه ودينه وخلقه.
***
نرجو منكم نصيحة فضيلة الشيخ في الكتب الشرعية المفيدة والصحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، طبعاً بعد الدستور الخالد القرآن الكريم للاستفادة منها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الكتب التي يستفيد منها طالب العلم تختلف باختلاف حال الطالب: إذا كان طالب العلم يريد أن يتمكن من العلم ويكون ناهلاً للعلم فإنه ينصح له بقراءة كتب معينة، وإذا كان طالب علم للمراجعة والمطالعة والاستفادة فقط فإنه ينصح له بكتب معينة أخرى. فطالب العلم الذي يريد أن يكون من أهل العلم ينبغي له أن يقرأ في فنون العلم ما يتمكن منه، حتى يكون عنده إلمام عام في جميع العلوم، فمنها يقرأ في النحو، ويقرأ في البلاغة، ويقرأ في الحديث- أعني: مصطلح الحديث- ويقرأ أصول الفقه، ويقرأ في الفقه، ويقرأ في متون الحديث، ويكون هذا بتوجيه من الشيخ الذي يقرأ عليه. وأنا أنصح طالب العلم أن يكون طلبه للعلم على يد شيخ راسخ في العلم؛ لأن طلب العلم على الشيخ الراسخ يستفيد منه الطالب فوائد، منها: أنه أخصر له في الوصول إلى العلم؛ لأن شيخه يعطيه العلم ناضجاً ميسراً، فيكون ذلك أسهل له في الوصول إلى العلم، لكن لو كان يقرأ من الكتب تعب تعباً عظيماً في مراجعة الكتب، وربما تشوش عليه هذه الكتب التي يقرؤها، حيث إن آراء العلماء ليست متفقة في كل شيء. ومنها: أنه إذا قرأ على شيخ فإن الشيخ يبين له كيف يرجح الأقوال بعضها على بعض، وكيف يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها، فيسهل له الخوض في معارك العلم، ويستطيع الطالب بناء على هذا التوجيه من شيخه أن يناظر في مسائل العلم، وأن يجادل بالحق للحق.
ثالثاً: أنه إذا طلب العلم على الشيخ صار هذا أكثر اتزاناً له؛ لأنه إذا طلبه من الكتب فربما يكون لديه اندفاع كبير في بعض الآراء، فيحصل بهذا زلل، وربما يصل إلى درجة الإعجاب بالنفس واحتقار الغير.
رابعاً: أنه إذا قرأ العلم على شيخ أو إذا أخذ العلم من الشيخ فإنه يستفيد من أخلاق هذا الشيخ؛ لأن الشيخ سيكون إذا منَّ الله عليه متخلقاً بما يقتضيه علمه الذي وهبه الله، فيستفيد من هذا الشيخ، ويكتسب أخلاقاً فاضلة ومعاملات طيبة، بالنسبة لزملائه وبالنسبة لعامة الناس. فالذي أنصح به إخواني طلبة العلم المبتدئين أن يكون تلقيهم للعلم على يد المشايخ الذين أدركوا من العلم والتجارب ما لم يدركوه، وحينئذٍ يأخذ بما يوجهه إليه شيخه من الكتب التي يريد أن يتعلم منها، أما إذا كان لا يريد أن يحبس نفسه لطلب العلم، وإنما يريد الاستفادة من المطالعة، فمن أحسن الكتب: زاد المعاد لابن القيم رحمه الله؛ لأنه كتاب جامع بين الفقه المبني على الدليل وبين التاريخ الذي تعرف به حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكتسب الإنسان من هذا الكتاب: الأحكام الفقهية، ومعرفة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وربما يمر به أيضاً مسائل أخرى تتعلق بالتوحيد وبالتفسير وغيرها، فالكتاب كتاب نافع جامع صالح لمن أراد المطالعة للاستفادة العامة.
***
المستمع أيضاً يقول: فضيلة الشيخ ما هي الكتب التي تنصحون بقراءتها لطالب العلم الشرعي أن يبدأ بها في كلٍ من العقيدة والفقه والحديث والسيرة؟ مع العلم بأنني أميل إلى المذهب الحنبلي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يعتنوا أولاً بكتاب الله عز وجل، بفهمه والعناية بتفسيره، وتلقي ذلك من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم. ومن الكتب: كتب التفسير الموثوقة: تفسير ابن كثير، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وغيرها من التفاسير التي يوثق بمؤلفيها في عقيدتهم وعلمهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آياتٍ من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ولأن ارتباط الإنسان بكلام الله عز وجل ارتباطٌ بالله سبحانه وتعالى، فإن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، ولأن الإنسان إذا كان لا يفهم القرآن إلا قراءةً فقط فهو أمي وإن كان يقرأ القرآن، قال الله تعالى:(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَاّ أَمَانِيَّ) . أي: إلا قراءة، فوصفهم بأنهم أميون، ولكن لا يعني ذلك ألاّ نهتم بقراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن عبادة، وقارئ القرآن له في كل حرفٍ عشر حسنات، قارئ القرآن له في كل حرف عشر حسنات، فهذا أول ما ينبغي للمسلم أن يبتدئ به، وهو: فهم كتاب الله عز وجل. ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبدأ بالكتب المختصرة مثل: عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، فإنها أحاديث مختصرة من الصحيحين، وغالب ما يحتاج إليه الإنسان من الأحكام موجودٌ فيه، وكذلك الأربعون النووية للنووي رحمه الله، وتتمتها لابن رجب رحمه الله، ثم يرتقي إلى بلوغ المرام، ثم إلى المنتقى، وهكذا يبدأ شيئاً فشيئاً، أما في كتب العقيدة: فمن أحسن ما كتب وأجمعه وأنفعه العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها زبدة عقيدة أهل السنة والجماعة وأما في الفقه: فمن أحسن الكتب المؤلفة زاد المستقنع في اختصار المقنع، على المذهب الحنبلي.
المستمع خ. ص. ع. من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته: ما هي الكتب النافعة التي ترشدونني في قراءتها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنفع كتاب نرشدك إلى قراءته كتاب الله عز وجل، بأن تقرأه وتتدبره، وتطالع تفاسير أهل العلم الموثوقين، حتى يتبين لك القرآن معنى كما حفظته لفظاً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، يتعلمون القرآن والعلم والعمل جميعاً رضي الله عنهم.ثم بعد ذلك ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والكتب المصنفة من الأحاديث الصحيحة كثيرة، كصحيحي البخاري ومسلم وما نقل منهما، ثم ما كتبه أهل العلم الموثوق بهم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، فإن كتبهما نافعة جداً لطالب العلم، وكم انتفعنا وغيرنا بها انتفاعاً كثيراً، إذ إنها مبنية على الدليل الأثري والنظري، فتفيد الإنسان فائدة كبرى، وإذا كنت في بلد فشاور أهل العلم الموثوق بهم عما يرون من الكتب التي ينصحونك بقراءتها، لكن هذا ما نراه. والله أعلم.
***
المستمع يستشيركم يا فضيلة الشيخ ويقول: ماهو أفضل كتاب للحفظ في علم الحديث، وأفضل شرح له
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقصد السائل- فيما يظهر- كتاب الحديث في الأحكام، فمن أفضل الكتب العمدة، عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، فإنها عمدة لأنه انتقاها رحمه الله مما اتفق عليه البخاري ومسلم، ولها شروحٌ متعددة، من أنفعها لطالب العلم شرح ابن دقيق العيد، وأما للمبتدئين فلها شروحٌ متعددة من المعاصرين، معروفة بأيدي الطلبة.
يافضيلة الشيخ: في الفقه يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وفي الفقه أيضاً كتاب زاد المستقنع في اختصار المقنع، لموسى الحجاوي، وشرحه الروض المربع لمنصور البهوتي رحمه الله، فإنه كتابٌ مختصر مفيد، هذا لمن أراد التفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
يافضيلة الشيخ: وفي النحو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في النحو الأجرومية للمبتدئين، ثم الألفية لمن أخذ حظاً وافراً من النحو، ويا حبذا لو أن الطالب حفظ هذه المتون المختصرة، حتى ينتفع بها حبن يحتاج إليها في المستقبل.
***
بارك الله فيكم المستمع عودة في سؤاله يقول: أرجو إفادتي بالكتب المفيدة بعد كتاب الله عز وجل، وهو في القائمة الأولى الواردة فيها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب الحديث التي ننصح فيها هي الكتب الصحيحة المعتمدة عند أهل العلم، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، أو الكتب التي تجمع الأحاديث الصحيحة وتبينها، مثل بلوغ المرام من أدلة الأحكام، وعمدة الأحكام، وهما كتابان نافعان للمؤمن؛ لأنهما مصنفان على الأبواب الفقهية، وكذلك من الكتب المفيدة رياض الصالحين، وهو مشهورٌ معروف عند الناس، فإن فيه أحاديث كثيرة تشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
***
يقول: فضيلة الشيخ الكتب الدينية التي ترشدونني باقتنائها والاستفادة منها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن ما رأيت من الكتب كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله، فإنه كتاب يعتبر كتاب فقه وسيرة وطب، ومن الكتب المفيدة أيضاً كتاب رياض الصالحين للنووي رحمه الله، ومن الكتب المفيدة تفسير القرآن لابن كثير، والمراد التفسير الكامل دون المختصر، والكتب في هذا كثيرة، يمكنك أن تسترشد أيضاً بمن عندك من أهل العلم ليدلوك على ما لم يحضرنا الآن.
***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ بماذا توجهون المستمعين من كتب التفسير في قراءتها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير في الواقع كثيرة ومتشعبة، والعلماء رحمهم الله كل يأخذ بجهة من جهات القرآن الكريم: فمنهم من يغلب عليه تفسير المعاني بقطع النظر عن الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك، ومنهم من يغلب عليه مسائل الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك، ومنهم من يغلب عليه استنباطات من الآيات العلمية والعملية، فهم يختلفون، لكن من خير ما يكون من التفاسير- فيما أعلم- تفسير ابن كثير رحمه الله، فإنه تفسير جيد سلفي، لكن يؤخذ عليه أنه يسوق بعض الإسرائيليات في بعض الأحيان ولا يتعقبها، وهذا قليل عنده. ومن التفاسير الجياد تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر بن سعدي رحمه الله، فإنه تفسير سلفي سهل المأخذ، ينتفع به حتى العامي. ومن التفاسير الجياد تفسير القرطبي رحمه الله، ومنها تفسير محمد الأمين الشنقيطي الجكني، لا سيما في آخر القرآن الذي أدركه. ومن التفاسير الجياد في البلاغة والعربية تفسير الزمخشري، لكن احذره في العقيدة فإنه ليس بشيء. ومن التفاسير الجياد تفسير ابن جرير الطبري لكنه لا ينتفع به إلا الراقي في العلم وهناك تفاسير أخرى لا نعرفها إلا بالنقل عنها، لكن الإنسان يجب عليه أنه إذا لم يفهم الآية من التفاسير أن يسأل عنها أهل العلم، حتى لا يفسر القرآن بغير مراد الله تعالى به.
***
هذا السائل من الدمام يقول ما هي كتب التفسير التي تنصحونني بقراءتها، وخصوصاً لطلبة العلم مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير الحقيقة تختلف مشاربها فتفسير ابن كثير من أحسن التفاسير، لكنه رحمه الله لا يعتني كثيراً باللغة العربية، يعني: بالبلاغة وأوجه الإعراب وما أشبه ذلك. وتفسير ابن جرير- وهو أصل تفسير ابن كثير- أيضاً مطول، وفي الآثار الواردة فيه ما هو غثٌّ وسمين، فيحتاج إلى طالب علم يكون له معرفة بالرجال والأسانيد. وهناك كتب تفسير جيدة،لكن منهجها في العقيدة غير سليم،كتفسير الزمخشري،فهو جيد من حيث البلاغة واللغة، لكنه ليس بسليم من حيث العقيدة، وفيه كلمات تمر بالإنسان لا يعرف مغزاها، لكنها إذا وقرت في قلبه فربما يتبين له مغزاها فيما بعد، ويكون قد استسلم لها فيضل، ولذلك أرى أن طالب العلم يأخذ تفسير ابن كثير ما دام في أول الطلب، أو تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، أو تفسير أبي بكر الجزائري، وهذا ما اطلعت عليه وقد يكون فيه تفاسير أخرى مثلها أو أحسن، منها لكن هذا ما اطلعت عليه، ثم إذا وفقه الله إلى علمٍ واسع وملكةٍ قوية يدرك بها ما لا يدركه في أيام الطلب فليراجع كل ما تيسر من التفاسير.
***
حفظكم الله وسدد خطاكم، طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في التفسير ما هي أشهر كتب التفسير التي يقتنيها طالب العلم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن يقتني تفسير ابن كثير رحمه الله، وتفسير شيخنا عبد الرحمن بن سعدي؛ لأنهما خير ما اطلعت عليه من كتب التفاسير، وهناك تفاسير أخرى لطالب العلم الراقي، كتفسير القرطبي وتفسير الشوكاني.
***
ما رأيكم يا شيخ في تفسير البغوي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير البغوي جيد ولا بأس به، لكن أحث إخواني السامعين على مراجعة مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، تكلم عن التفاسير التي مرت به كلاماً جيدا، ً فلتراجع.
***
بارك الله فيكم يقول: يا فضيلة الشيخ محمد ما هو أفضل كتاب للحفظ في علم العقيدة؟ وأفضل شرح له وعدة شروح أخرى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن ما كتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها رسالةٌ مختصرة مفيدة جداً، فيها قواعد عظيمة من القواعد التي ينتفع بها الإنسان في كل مسألة من مسائل العقيدة،ومنها أيضاً شرح العقيدة الطحاوية، فإنه كتابٌ جيد مفيد ينتفع به طالب العلم، ومنها الصواعق المرسلة ومختصره لابن القيم رحمه الله.
***
جزاكم الله خيراً السائلة أ، ع تقول أنا أقوم بدراسة الفقه، فما هي الكتب التي تنصحونني بدراستها والقراءة فيها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أحسن ما رأيت من الكتب في فقه الحنابلة الروض المربع شرح زاد المستقنع، ففيه خير كثير وفيه علم كثير، ولكني أنصح السائلة وغيرها ممن يطلب العلم بأن يكون طلبهم العلم على يد شيخ؛ لأن ذلك أسلم من الخطر وأقرب لحصول العلم، فإن الشيخ يقرب المعلومات إلى الطالب: بشرح المشكل، وبيان المجمل، والجمع بين الأدلة، فيقل الخطأ، وأما من اعتمد على نفسه في طلب العلم وعلى الكتب التي يقرؤها، فإنه يخطئ كثيراً، ولا ينال العلم الصحيح إلا بجهدٍ جهيد وعمل شاق، ولهذا يقال: من كان دليله كتابه غلب خطؤه صوابه، وهذه الجملة وإن لم تكن صحيحة على وجه الإطلاق لكنها في الغالب: أن من كان دليله كتابه غلب خطؤه صوابه.
***
هذا السائل يقول: أريد أن يكون لي علم شرعي وأن أتفقه في الدين، وجهوني نحو أفضل الكتب المعينة في هذا المجال
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن الكتب بل هو أحسن الكتب كتاب الله عز وجل، فإن فيه الهدى والنور والشفاء لما في الصدور، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما كتبه أهل العلم. ويختلف هذا باختلاف الناس:فالطالب الصغير المبتدئ تذكر له الأشياء المختصرة المفيدة، والطالب المتوسط يرتقي شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى الغاية والنهاية التي يمكن أن يصل إليها البشر ثم إني أشير على طالب العلم أن يختار له من العلماء الأمناء في دينهم وعلمهم واتجاههم ومنهجهم من يتتلمذ على يديه، فإن القراءة على المشايخ أقرب إلى الصواب، وأسرع في إدراك العلم؛ لأن الشيخ يقدم لطلابه شيئاً قد نضج وتم اختياره من قبل هذا الشيخ، وقد توفرت ولله الحمد وسائل الإعلام الآن من مسموعة ومقروءة، فالأشرطة متوفرة والكتب كذلك متوفرة كثيرة، نسأل الله التوفيق لما فيه الخير والصواب.
***
يقول: أرشدوني إلى بعض أسماء الكتب القيمة في الفقه والعبادات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أحسن شيء في هذا ما ألفه العلماء من كتب الحديث، كبلوغ المرام ومنتقى الأخبار ونحوهما، ثم ما اشتمل على الفقه والحديث، مثل زاد المعاد لابن القيم، فإنه كتاب قيم: فيه التاريخ النبوي، وفيه الفوائد والحكم التي تتضمنها غزوات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو كتاب جيد لا ينبغي لطالب علم أن تفوته مطالعته.
***
مارأيكم في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفقه على المذاهب الأربعة، الذي أُشير به على إخواني- إذا كانوا يحبون الاطلاع على أقوال العلماء، ولديهم قدرة على معرفة الراجح من المرجوح أن لا يراجعوا إلا الكتب التي تذكر الأقوال وأدلتها، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، مثل: المغني لابن قدامة، والمجموع شرح المهذب للنووي رحمه الله، وما أشبهها من الكتب التي إذا ذكرت أقوال العلماء ذكرت الأدلة وبينت الراجح، أما مجرد أقوال: هذا مذهب فلان، وهذا مذهب فلان، فهو قليل الفائدة بلا شك، يعني: أن الفائدة منه هي أن يطلع الإنسان على أقوال فقط، دون أن يعرف الراجح من المرجوح، فاشتغاله بما هو أحسن أولى وأحرى.
***
يقول السائل: ما رأي فضيلتكم في مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أنها من خير ما كتب؛ لأنها من عالم فقيه ناصح، وإنني أحث أخي هذا السائل وغيره ممن يستمع، أحثه على اقتناء كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك تلميذه ابن القيم؛ لما فيها من الخير والبركة والعلم الغزير الذي لا تجده في غيرها، ولما فيها من قوة الاستنباط، استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فهي كتب لم يخرج مثلها فيما أعلم، فعليك يا طالب العلم بها.
***
يقول: ما رأيكم يا فضيلة الشيخ في تفسير مختصر ابن كثير، وفقه السنة، ورياض الصالحين، والكبائر، وقصص الأنبياء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولا: إن الرجوع إلى الأصول خير، لكن إذا دعت الحاجة إلى الرجوع إلى المختصرات- لضيق الوقت، أو لغير ذلك من الأسباب- فلا بأس، وإلا فإن الرجوع إلى الأمهات أفضل وأحسن. وأما ما عدده من الكتب: بعد ذلك فإنه من المعلوم أنه لا يكاد كتاب يسلم من شيء يطغى به القلم، أو يزل به الفهم، والإنسان غير معصوم، وما أحسن كلمة قالها عبد الرحمن بن رجب رحمه الله -أحد أحفاد شيخ الإسلام ابن تيمية في العلم، وهو تلميذ ابن القيم، وابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال في كتابه القواعد الفقهية يأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه. فإنها كلمة جيدة: المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، وغالب هذه الكتب التي ذكرها السائل لم أستوعبها قراءة أو مطالعة، فلا يمكنني أن أحكم على كل واحد منها بعينه ولكن من طالع هذه الكتب أو غيرها، وأشكل عليه مسألة من المسائل، فعليه أن يراجع أهل العلم في ذلك.
***
ما رأي فضيلتكم حفظكم الله في كتاب الروح وحادي الأرواح لابن القيم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنهما كتابان عظيمان مفيدان، فيهما عبر وفيهما أحكام فقهية، فهما من خير المؤلفات وابن القيم رحمه الله كما هو معلومٌ للجميع- رجلٌ واسع الاطلاع، سهل العبارة سلسها، وأنا أنصح إخواني طلبة العلم بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الذي هو تلميذه وتربى على يده علماً وعملاً ودعوة، وقد أوصى بهما شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي؛ لأنه رحمه الله انتفع بكتب الشيخين انتفاعاً كبيراً، ونحن انتفعنا بها والحمد لله، فنشير على كل طالب علم أن يقرأها لينتفع بها.
***
السائل أبو عبد الله يقول: ما رأيكم في كتاب الروح لابن القيم؟ وهل القصص التي ذكرها عن أهل القبور صحيحة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكتاب فيه مباحث قيمة وجيدة، ومن قرأها عرف أنها من كلام ابن القيم رحمه الله، وفيه هذه القصص التي ذكرها من المنامات عن بعض الأموات فالله أعلم بصحتها، لكن كأنه رحمه الله تهاون في نقلها لأنها ترقق القلب، وتوجب للإنسان أن يخاف من عذاب القبر، وأن يرغب في نعيم القبر، فالقصص حسنة والله أعلم بصحتها.
***
يستفسر عن مجموعة من الكتب يقول: حادي الأرواح والروح لابن القيم ما رأيكم فيهما
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكتابان حادي الأرواح والروح لابن القيم رحمه الله فهما كتابان نافعان فيهما خير كثير، وإن كانا لا يخلوان من الشيء الذي يكون سبباً للتردد في صحته، لكنهما بلا شك مفيدان عظيمان.
***
المستمع أيضاً يقول: ما رأيكم فضيلة الشيخ في هذه الكتب: كتاب الأذكار، وكتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وأيضاً كتاب رياض الصالحين، وكتاب خزينة الأسرار
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما كتاب الأذكار ورياض الصالحين فهما للنووي رحمه الله، ولا شك أن فيهما فائدةً عظيمة كبيرة، لكن لا يخلوان من بعض الأحاديث الضعيفة، ولا سيما كتاب الأذكار، إلا أن أهل العلم قد بينوا ذلك ولله الحمد، ولكنها أحاديث قليلة جداً، وأرى أن يقرأ بهما الإنسان لما فيهما من الفوائد الكثيرة، وأرى أن يسأل عن الأحاديث التي يستنكرها، يسأل عنها أهل العلم بالحديث. وأما الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي فهو لابن القيم أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله، وهو كتابٌ جيد فيه مواعظ عظيمة، لكن في آخره أشياء يظهر أن المؤلف رحمه الله كتبها لأن هذا الكتاب كان لشخصٍ معين ابتلي ببلية، فرأى المؤلف رحمه الله أن من المناسب ما ذكره في آخر الكتاب. وأما كتاب خزينة الأسرار فلا أدري عنه، ولم أطلع عليه.
***
بارك الله فيكم هذا المستمع زاهر محمد سعيد من جدة يقول في سؤاله: أنا والحمد لله يوجد عندي كتب شرعية كثيرة، من ضمنها كتاب رياض الصالحين، وفقه السنة ذو المجلدات الثلاثة للسيد سابق، وحيث إن عندي وقت فراغ كبيراً أريد أن أقضيه في شيء يفيدني، فأردت أن أتفقه في الدين، وأنا محتار في أي الكتابين أبدأ؟ هل أبدأ بكتاب رياض الصالحين أم بكتاب فقه السنة؟ نرجو إفادة بذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن تبدأ بكتاب رياض الصالحين؛ لأن فيه آداباً عظيمة قل أن توجد في غيره، وهو أيضاً في نفس الوقت مشتمل على فقه كثير من العبادات والمعاملات، فابدأ به أولاً، ثم بعد هذا تبدأ فيما تراه من الكتب النافعة المفيدة، ومن الكتب المفيدة زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية رحمه الله، فإنه كتاب جامع بين السيرة النبوية والفقه، ومن المعلوم لنا جميعاً أن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أمر مهم مطلوب؛ لأن به يُعرف كثيرٌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يزداد الإيمان والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصيحتي لك وللمستمع أنت تقرأ بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يجب الحذر من المقولات الضعيفة التي ألصقت بالسيرة وليست منها، ومن خير ما هو مؤلف في السيرة وفيه تمحيص جيد كتاب البداية والنهاية لابن كثير، فإنه جيد ومفيد.
***
المستمع علي أحمد الزهراني بلاد زهران له سؤال، يستشيركم فضيلة الشيخ في رياض الصالحين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال أود أن أذكر إخوتي المستمعين ومنهم السائل أن أهم ما ينبغي الاعتناء، به بل يجب الاعتناء به، كتاب الله عز وجل، حيث كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فالاعتناء بكتاب الله عز وجل أمرٌ واجب، وتدبر معناه هو الحكمة من إنزاله، والتذكر به حكمةٌ أخرى تتفرع عن تدبره قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . كثيرٌ من الناس يعتني بالكتب الحديثية وبالسنة، ولا شك أن هذا خير، ولكن تجده مهملاً القرآن الكريم، لا يعرف معناه ولا يتدبره، ولا يطلع على ما كتبه أهل العلم في تفسيره، وهذا نقص، فالذي ينبغي للإنسان في ترتيب تعلمه أن يبدأ قبل كل شيء بفهم كتاب الله عز وجل، ثم يثني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كتبه أهل العلم فيها من المؤلفات. وبعد هذا نرجع إلى الجواب على السائل فنقول: إن هذا الكتاب الذي أشار إليه- وهو: رياض الصالحين- كتابٌ قيمٌ نافع، به آياتٌ يصدر بها المؤلف رحمه الله الأبواب في كثيرٍ من أبواب الكتاب، وفيه أحاديث صحيحة وحسنة، ويندر فيه جداً أن توجد أحاديث ضعيفة، لكن الكتاب مفيدٌ لطالب العلم ومفيدٌ للعامة.
***
ما أفضل الكتب المؤلفة في السيرة النبوية يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السيرة النبوية ألفت فيها كتبٌ كثيرة، لكن بعضها ليس له سند، ولكنها اشتهرت بين الناس ثم كتبت في الكتب، ومن أحسن ما رأيت- وأنا لم أرَ شيئاً كثيراً من كتب التاريخ والسيرة- (البداية والنهاية) لابن كثير رحمه الله، وإذا أشكل عليك شيء منها، يعني: إذا قرأت وأشكل عليك شيء فابحث عنه بحثاً خاصاً، مثل أن تروى قصة واقعة منسوبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لغيره من الصحابة، فابحث عنها وعن سندها حتى يتبين لك، المهم أن من خير ما قرأت وأفيده في هذا الموضوع كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله.
***
هذه المستمعة من الرياض تقول: فضيلة الشيخ الكتب التي تنصحوننا بقراءتها في مجال الزهد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء أحسن من كتاب الله عز وجل في باب الزهد، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والزهد له مفهومان: مفهوم شرعي، ومفهوم عرفي. فالمفهوم الشرعي: أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وليس المراد به أن يترك الإنسان الدنيا كلها ويتقشف، ويكون في بيته لا يعرف ولا يُعرف، بل أن يترك ما لا ينفعه في الآخرة، ولو عمل أعمالاً دنيوية، ولو خالط الناس، ولو ماشاهم. وأما الزهد العرفي: فهو التقشف، وكون الإنسان لا يتمتع بما أحل الله له وإن كان نافعاً له في الآخرة، وكونه يقتصد على نفسه وينزوي في بيته، وهذا الزهد ليس مشروعا، ً ولا يؤجر الإنسان عليه؛ لأنه قد يضيع فيه واجبات كثيرة، وقد يحرم نفسه من مباحات كثيرة لغير سبب، والإنسان الذي يحرم نفسه من المباحات التي أباحها الله بلا سبب شرعي يعد مذموماً لا ممدوحاً. لهذا ينبغي أن نقول لهذه السائلة ولغيرها: يجب أن نعرف معنى الزهد أولاً حتى نبحث عن الكتب التي تعين على الزهد أو التي تبين الزهد، فالزهد قاعدته -كما أشرت إليه -ترك ما لا ينفع في الآخرة، فممارسة شيء من أمور الدنيا هو نافع في الآخرة لا يخرج به الإنسان عن الزهد، والانطواء على النفس وعدم الاختلاط مع الناس وكون الإنسان يتقشف ويمتنع مما أحل الله له، ليس هذا بالزهد المحمود، بل هو من الزهد المذموم.
***
بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها: عندنا الكثير من كتب التصوف، فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في التصوف -كغيره مما ابتدع في الإسلام- ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) .فالتصوف المخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة وضلالة يجب على المسلم أن يبتعد عنها، وأن يأخذ طريق سيره إلى الله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها، إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة، وهي: معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها، ومن المعلوم أن النظر في كتب الصوفية وغيرها من البدع من أجل أن يعرف الإنسان ما عندهم حتى يرد عليهم، من المعلوم أن هذا أمر مرغوب فيه إذا أمن الإنسان على نفسه من أن ينحرف من هذه الكتب.
***
السائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئاً لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو أن يتلو الإنسان قوله تعالى:(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي. ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر ورداً آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مائة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء، بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيراً في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور، فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست بصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها، بل ولا أن يفعلها تعبدا؛ ً لله لأنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) . والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيراً من الكتب، ولا سيما كتب الأذكار والأوراد الذي أنصحها به أن تتحرز كثيراً؛ لأنه كتب في الأذكار البدعية والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيراً في المسلمين، ورواجها قد يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع، وفي الكتب الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، في الكتب الصحيحة ما يغني عن ذلك، فالرجوع إليها هو الواجب، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية، فطرحها والتحذير منها هو الواجب على المسلمين، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات. والله أسأل أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، إنه جواد كريم.
***
ما رأيكم في كتب يوم القيامة وأهوالها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يغلب على ظني أن مثل هذه الكتب المتعلقة بالفتن وأهوال القيامة فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها قد تكون موضوعة، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يكون منها على حذر، وأن لا يعتمد عليها إلا بعد مراجعة أهل العلم، وإذا قدر أنه ليس عنده أحدٌ من أهل العلم يسأله فإن الحق له منارٌ بيّن، فإذا مر به شيئ من الأحاديث يستنكره أو تشمئز منه نفسه فليتوقف فيه، وليسأل عنه بخصوصه، وهو غير ملزم بأن يؤمن بما لا يتيقن أنه مما يجب الإيمان به، فليتوقف حتى يسأل أهل العلم عن ذلك.
***
السؤال يقول: وجدنا كتباً مؤلفة في الطب للشيخ جلال الدين السيوطي، فهل كان عالماً بالطب إلى جانب التفسير حسب ما تعلمون؟ أم أنه اسم على اسم؟ أو هي منسوبة إليه فقط؟ فإن كنتم قد اطلعتم على شيئ منها فما رأيكم فيما اشتملت عليه، وخاصة تلك الرموز والطلاسم التي لا تعرف؟ والأحرف الأبجدية العربية والأرقام، وهذه دواء للجنون وبعض الأمراض الأخرى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أعرف عن السيوطي أنه عالم بالطب، وإن كنت قد قرأت له قديماً كتاباً يشتمل على عدة علوم منها بحوث في الطب. أما ما ذكره السائل من هذا الكتاب الذي فيه الطلاسم باللغة العبرية والعربية وغيرها، والحروف وما أشبهها: فهذا لا أعرف عنه شيئاً، ولكن يجب أن يعلم أنه لا يجوز الاستشفاء بأمر لا يعرف معناه، فهذه الحروف التي لا يدرى ما هي، وهي عبارة عن طلاسم معقدات وأشياء لا تعلم، لا يجوز لأحد أن يتداوى بها ولا يستشفي بها، وإنما يستشفى بالكتابة المعروفة التي لا تنافي ما جاءت به الشريعة.
***
هذه أختكم في الله خ م س من الخرج تقول في سؤالها: لقد داومت على قراءة درة الناصحين في الوعظ والإرشاد وتأثرت به، ولكنني أحس أن فيها أشياء مكذوبة وتأكدت من ذلك، فما رأيكم في هذا الكتاب يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا الكتاب وفي غيره من كتب الوعظ أن يقرأها الإنسان بتحفظ شديد؛ لأن كثيراً من المؤلفين في الوعظ يأتون بأحاديث لا زمام لها ولا قيود لها ولا أصل لها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي أحاديث موضوعة أحياناً، وضعيفة جداً أحياناً، يأتون بها من أجل ترقيق القلوب وتخويفها، وهذا خطأ عظيم، فإن فيما صح من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث الوعظ كفاية، والقرآن العظيم أعظم ما توعظ به القلوب، كما قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فلا واعظ أعظم من القرآن الكريم ومما صح من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا عرف الإنسان حال هذه الكتب المؤلفة في الوعظ، وأن فيها أحاديث موضوعة أو ضعيفة جداً، فليحترز من هذه الأحاديث، ولا حرج عليه أن ينتفع بها وبما فيها من كلمات الوعظ التي يكتبها الكاتبون، ولكن بالنسبة للأحاديث ليكن منها على حذر، وليسأل عنها أهل العلم، وإذا بين له حال الحديث فليكتب على هامش الكتاب: هذا الحديث ضعيف أو موضوع أو ما أشبه ذلك؛ لينتفع به من يطالع الكتاب بعده.
بارك الله فيكم نستشيركم فضيلة الشيخ محمد بالكتب التالية: مروج الذهب للمسعودي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مروج الذهب للمسعودي كغيره من كتب التاريخ يكون فيه الضعيف والصحيح، ويحتاج إلى أن يحترز الإنسان منه فيما إذا ورد على سمعه أو على بصره ما يستنكر، فإنه يجب عليه أن يتوقف فيه ويبحث عنه ويحققه.
فضيلة الشيخ: المأثورات والدعاء المستجاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتاب الدعاء المستجاب فيه أشياء بدعية لا صحة لها، فلا أشير أن يقرأه إلا شخص طالب علم يعرف ما فيه من البدع حتى يتجنبها، وفيه أشياء مفيدة.
فضيلة الشيخ: العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كتاب جيد ينبغي للإنسان قراءته.
***
ما رأي فضيلتكم في كتاب الروض الفائق وتنبيه الغافلين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الروض الفائق لا أعرفه، وأما تنبيه الغافلين فهو كتاب وعظ، وغالب كتب المواعظ يكون فيها الضعيف وربما الموضوع، ويكون فيها حكايات غير صحيحة يريد المؤلفون بها أن يرققوا القلوب وأن يبكوا العيون، ولكن هذا ليس بطريقٍ سديد؛ لأن فيما جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المواعظ كفاية، ولا ينبغي أن يوعظ الناس بأشياء غير صحيحة، سواء نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسبت إلى قومٍ صالحين، قد يكونون أخطؤوا فيما ذهبوا إليه من الأقوال أو الأعمال، والكتاب فيه أشياء لا بأس، بها ومع ذلك فإني لا أنصح أن يقرأه إلا شخص عنده علم وفهم وتمييز بين الصحيح والضعيف والموقوف.
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا مستمع للبرنامج بعث برسالةٍ يسأل عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين، تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصرالدين محمد بن إبراهيم السمرقندي، يقول: أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي وردت فيه هل هي صحيحة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الكتاب كغيره من كتب الوعظ فيها أحاديث صحيحة، وفيها أحاديث حسنة، وفيها أحاديث ضعيفة، وفيها أحاديث موضوعة، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين مايُقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل؛ ليكون على بصيرة من أمره، ولئلا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه، فإن (من حدث عن رسول الله بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . فنصيحتي لمن ليس عنده علم بالأحاديث ألا يقرأ في هذا الكتاب، ومن عنده علم يميز بين الصحيح المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل، وإن رأى أنه يصّده عن قراءة ما هو أنفع له فلا يُذهِب وقته بقراءته.
***
بارك الله فيكم المستمع عطية من المدينة المنورة يقول: قرأت كتاباً عن عقوبة أهل الكبائر لمؤلفه أبي الليث السمرقندي، من ضمن ما قرأته الأربع الصفحات الأخيرة من الكتاب، وهو موضوع مواصفات الجنة وأهوال يوم القيامة، مما جعلني أبكي من شدة ما سمعت، ولا أستطيع شرح ما قرأته لأنه طويل، ولكن ربما مر عليكم هذا الكتاب يا فضيلة الشيخ وقرأتموه، فما رأيكم في هذا الكتاب؟ وهل ما ورد فيه صحيح؟ أفيدونا أثابكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب فيه الكثير من الأشياء التي لا تصح، ولهذا لا أنصح إخواني بقراءته، إلا رجلاً كان عنده علم شرعي يميز الصحيح من الضعيف والسقيم من السليم فلا بأس، وفي هذه الحال يحسن إذا قرأه أن يعلق على الضعيف منه وعلى السقيم، ويبين ضعفه وسَقمه، حتى لا يغتر الناس به، وهكذا نقول في أي كتاب يكون فيه الصحيح والضعيف: لا ننصح أحداً بقراءته، إلا رجلاً كان عنده علم سابق علم شرعي، فلا حرج أن يقرأه، ولكن ينبغي أن يعلق على الضعيف والسقيم حتى لا يغتر الناس به. ولست بقولي هذا أتحجر على الناس أن لا يقرؤوا الكتب، ولكني أقول لإخواني المسلمين: إن في الكتب المعتمدة الصحيحة ما فيه الكفاية والاستغناء عن هذه الكتب التي تشتمل على هذه الأشياء الضعيفة، وليعلم أن كثيراً من كتب الوعظ تشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة، وذلك استناداً إلى قولٍ ذهب إليه بعض أهل العلم، وهو: التساهل في الأحاديث الضعيفة في باب الفضائل أو الزواجر؛ نظراً إلى أنها إذا كانت في الفضائل تزيد الإنسان رغبة في الخير، وإذا كانت في أداء واجب تزيده رهبة من الشر. ومع ذلك فإن هؤلاء الذين يرخصون بالأحاديث الضعيفة من أهل العلم يشترطون لها شروطاًَ، وهي: ألا يكون الضعف شديداً، وألا يعتقد الإنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها،وأن يكون لها أصل ثابت في الشرع. مثال ذلك لو ورد حديث فيه التخويف من الزنى وهو حديث ضعيف، فعند هؤلاء العلماء لا بأس من ذكره، بشرط ألا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وذلك لأن الزنى ثبت تحريمه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة،فذكر هذا الوعيد فيه يزيد الإنسان نفوراً، منه والنفور من الزنى أمر مطلوب في الشرع، ثم إن ثبت هذا العقاب للزاني فإنه يكون قد فعل هذه الفاحشة على بصيرة، وإن لم يثبت فإنه لم يزدد إلا نفوراً من هذا الفعل المحرم وذلك لا يضره. كذلك لو جاء حديث ضعيف يرغب في صلاة الجماعة، فإن أجر صلاة الجماعة ثابت بالسنة الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والأمر بصلاة الجماعة ثابت في كتاب. الله والله الموفق.
***
بارك الله فيكم هذا عايش أحمد محسن من اليمن الشمالي يستشيركم في بدائع الزهور
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الكتاب رأيت فيه أشياء كثيرة غير صحيحة، ولا أرى أن يقتنيه الإنسان، ولا أن يجعله بين أيدي أهله؛ لما فيه من الأشياء المنكرة.
***
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا السائل من العراق حمادة عيسى محافظة نينوى يسأل عن كتاب عنوانه بدائع الزهور، يقول: هل ما جاء في هذا الكتاب صحيح أم فيه شيء من المبالغة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور، هذا الكتاب فيه شيء من المبالغات الكثيرة والكذب، وعلى الإنسان أن يتجنبه وأن يبعده عن بيته، حتى لا يغتر أولاده بما يقرؤونه فيه. وإني أنصح هذا السائل وغيره من إخواني المسلمين أن يتحروا فيما يراجعونه من الكتب الأخبارية، بل أن يتحروا فيما يقرؤونه من الكتب الأخبارية والأحكامية، وأن لا يأخذوا بكل ما يرونه، وليشاوروا أهل العلم في هذه الكتب حتى لا ينخدعوا بما فيها من باطل وضعيف؛ لأن الأمر خطير جداً، لو أن كل إنسان وجد كتاباً أخبارياً أو حكمياً أخذ بما فيه من غير أن يميّز بين الضعيف والقوي والحق والباطل لضل في ذلك ضلالاً بعيداً، وما دام العلماء والحمد لله موجودين فإنه من المتيسر أن يتصل بهم ويسألهم عن الكتاب قبل أن يقرأه.
***
السائلة حنان ع. ع. من الدوحة قطر تقول: لقد تعود الناس عندنا إذا توفي أحد أفراد العائلة يجتمع الناس للعزاء في الثلاثة الأيام الأولى، ويقرؤون في هذه الفترة القرآن الكريم، ويكملون ما يستطيعون من ختمات للقرآن، يتجمعون بعدها ويقرأ أحد الشيوخ أو إحدى النسوة دعاء ختم القرآن، يأخذونه من كتاب اسمه دعاء ختم القرآن من تأليف أحمد بن محمد البراك، ويقول هذا المؤلف: إنه كتب هذا الكتاب في الهند وداعاً لشهر رمضان؛ لينتفع به المسلمون، وفيه دعاء أول السنة وآخرها، ودعاء ليلة النصف من شعبان، واستوقفتني هذه الجملة؛ لعلمي بضعف الأحاديث الواردة في تخصيص ليلة النصف من شعبان، ثم يذكر في الكتاب كجزء من الدعاء سورة الفاتحة وآيات من سورة البقرة وآل عمران وسور أخرى، ومن الكلام الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: أسلم. قال: من شهد يا محمد أن ما تقول صدق؟ فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة من شاطئ الوادي الأيمن، فجاءت إليه وهي تشق الأرض شقاً، فاستشهدها رسول الله وقال لها: يا شجرة من أنا؟ قالت: أنت رسول الله حقاً. فغادرت إلى مكانها معلنة له بالرسالة نطقاً. وقول آخر عن رسول الله أنه أجار البعير، وضمن الغزالة، وكلّمه الضب، وخاطبه الثعبان، واخضرّ العود اليابس في كفه.ويكرر هذا الدعاء بعدد الختمات التي تمت للقرآن، فيسألون الله فيه أن يكون ثوابه صدقة للميت، فهل تجوز القراءة للميت؟ وما مدى صحة ما ورد في هذا الكتاب؟ أفيدونا بما تعلمون حول هذا الأمر جزاكم الله خيراً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي أشارت إليه السائلة لم يكن عندي منه شيء ولا أعلم به. ولكن ما ذكر من اجتماع أهل الميت للعزاء ثلاثة أيام، وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الميت، فإن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كره أهل العلم أن يجتمع الناس للعزاء في بيوتهم أو في مكان خاص، والغالب أنه إذا حصل مثل هذا الاجتماع- ولا سيما اجتماع النساء، الغالب أنه- لابد أن يكون مصحوباً بنياحة أو ندب،وكلاهما محرم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة) . وعلى هذا فالواجب على المسلمين التخلي عن هذه البدع، وأن ينظروا إلى طريقة من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويتمشوا على طريقتهم، ولاشك أن الصحابة رضي الله عنهم قد أصيبوا بالأموات كغيرهم من الناس، ولم يكن يحدث منهم ذلك،وغاية ما ورد في هذا أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم) . وأما إهداء القرآن إلى الميت، أو قراءة القرآن للميت: فإن أهل العلم اختلفوا هل يصل ثوابها إليه أم لا؟ والصحيح أنه يصل ثوابها إليه، ولكن استئجار من يقرأ القرآن له هذا هو الذي يكون حراماً؛ لأن قراءة القرآن قربة، والقربة لا يصح أخذ الأجرة عليها، فلو استأجروا شخصاً يقرأ القرآن للميت فإن عقد الإجارة محرم، والقارئ لا يملك الأجرة بذلك، وليس له ثواب من قراءته؛ لأنه أراد بها غير وجه الله، والميت لا ينتفع بها حينئذٍ؛ لأنها ليست مقبولة يترتب عليها الأجر والثواب، وحينئذٍ يكون أهل الميت الذين بذلوا هذه الدراهم خاسرين، وقد فات الميت ما يرجونه من الثواب. وأما ما ذكره من الآيات التي أشار إليها، الآيات التي تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وأعظمها هذا القرآن العظيم الذي لا يزال معجزة حتى يأتي أمر الله عز وجل، وقد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الكونية الأرضية والأفقية شيء كثير، من أراد أن يراجعه فليرجع إلى ما ذكره أهل العلم في ذلك، مثل البداية والنهاية لابن كثير، ومثل ما ختم شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الجواب الصحيح به، فإن فيه مقنعاً وكفاية.
***
بارك الله فيكم المستمع سعد الدوسري من وادي الدواسر يقول: عندي كتب فقه وتفسير كثيرة، وبعضها أو أكثرها لم أقم بقراءته، فهل أنا آثمٌ إذا لم أستفد منها؟ وماذا أعمل بها؟ علماً أن عندي العزم إن شاء الله إذا فرغت سأقوم بالقراءة، وأيضاً أنا أعيرها لغيري عند طلب أحدٍ من الناس لذلك، هل صحيح أن زكاة الكتب الإعارة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب على هذا: إنه لا بأس أن يقتني الإنسان الكتب التي يرجو بها النفع حاضراً أو مستقبلاً؛ لأن الكتب إن أردت أن تكون مالاً فهي مال، وإن أردت أن تكون علماً وتثقيفاً فهي علم وتثقيف، وإن أردت أن تكون غنيمةً لورثتك من بعدك لمن شاء الله هدايتهم إلى قراءتها فهي كذلك، وهي- أي: الكتب- من خير ما يقتنيه الإنسان في حياته، سواءٌ كان ينتفع بها مباشرة وفي الوقت الحاضر، أو لا ينتفع بها مباشرة، لا ينتفع بها إلا في المستقبل، فليس عليه في ذلك حرج إطلاقا. ً وكون هذا الرجل يعير ما عنده من الكتب لمن طلب الإعارة لينتفع بها هو خيرٌ له، أي: إن ذلك خير وإحسانٌ إلى عباد الله، وقد قال الله تعالى:(وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) . ويرجى أن يناله من الأجر بقدر ما ينتفع بها هذا المستعير من العمل الصالح الذي يستنير بها فيه. وأما قول السائل: هل صحيحٌ أن زكاة الكتب عاريتها؟ فنقول: الكتب المقتناة للانتفاع ليس فيها زكاة، لا نقود ولا إعارة؛ لأن كل شيئٍ يقتنيه الإنسان لنفسه من غير الذهب والفضة ليس فيه زكاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) . ولكن لا شك أن إعارة الكتب من أفضل الإعارات؛ لما فيها من النفع للمستعير، وللمعير أيضاً.
***
المستمعة من ليبيا تقول: إذا سأل سائل عن أمر في أمور الشرع فهل أجيبه بما أعرف مما قرأته من الكتب الشرعية أو ما سمعته من الأشرطة الدينية أو ما سمعته من هذا البرنامج، أو أقول له: لا أعلم أرجو الإفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب إذا سألك أحدهم عن مسألة وأنت تعلمين حكمها من الكتب الموثوق بمؤلفيها، أو الأشرطة الموثوق بقارئها، أو من هذا البرنامج نور على الدرب أن تخبريه بالحكم الشرعي لأنك لما علمت هذا الحكم عن الطريق التي أشرنا إليها كان واجباً عليك أن تخبريه بالحكم الشرعي إذا سألك، وإلا كنت داخلة في الذين يكتمون العلم، ولكن يحسن أن تقولي: قال فلان في نور على الدرب كذا، قال فلان في الشريط الفلاني كذا، قال فلان في الكتاب الفلاني كذا، حتى تخرجي من العهدة.
***
المستمعة أختكم في الله من المملكة تقول: هل يجب على من يحفظ حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبلغه الناس وإن لم يسألوه عن الحديث
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) . فإذا احتاج الناس إلى بيان الحديث وتبليغه وجب على من علم به أن يبلغه، لكن بشرط أن يعلم أن هذا الحديث حجة؛لكونه صحيحاً أو حسناً، وأما الأحاديث الضعيفة فإنه يجب على الإنسان أن يبينها للناس حتى لا يغتروا بها. كذلك إذا سئل الإنسان عن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يبلغه، فيجب تبليغ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالين: إذا اقتضت الحال ذلك، والثاني إذا سئلت عنه. أما إذا لم تسأل عنه، ولم تقتض الحال ذلك، فإن تبليغه سنة وليس بواجب.ولكن ليحذر الإنسان أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يعلم أنه صحيح أو حسن يحتج به،فإن كثيراً من الإخوة ولاسيما الوعاظ يأتون بأحاديث لا زمام لها، أحاديث ضعيفة بل قد تكون أحاديث موضوعة، يعتقدون أن في ذلك نفعاً للناس وزجراً عن معصية الله عز وجل، ولكن هذا وإن كان قد يجدي بالنسبة لموعظة الناس وتخويفهم من المخالفات وترغيبهم في الموافقات، لكن فيه ضرراً عظيما، ً وهو: التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث كذب أو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . فليحذر الإخوة من أن ينسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم تثبت نسبته إليه.
***
بارك الله فيكم من أم البراء من الرياض تقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ لأنها طالبة للعلم الشرعي ترجو من فضيلتكم النصح في هذا السؤال، تقول: رغم إحساسي أني لم أبلغ العلم الكافي في التبليغ في الدعوة إلى الله وذلك لحيائي، فهل يكفي تبليغ القليل منه؟ أرجو الإفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من آتاه الله علماً أن ينشره بين الناس كلما ما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن العلم أمانة يجب على المرء أن يؤديها إلى أهلها المستحقين لها، مثل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(بلغوا عني ولو آية) . والواجبات التي تجب على العبد تكون بحسب الاستطاعة، فعلى هذه السائلة أن تبلغ من شريعة الله ما علمته بحسب استطاعتها لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لتبدأ بالأقرب فالأقرب؛ لقول الله تعالى:(وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) . ولأن الأقرب أحق بالبر من الأبعد، فلتبدأ به، ولتكن حكيمة في أداء العلم: في الأسلوب،وفي الحال، وفي الوقت، وفي المكان، فإن ذلك مما يكون به الخير، قال الله تعالى:(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الأَلْبَابِ) .
***
أحسن الله إليكم هذه سائلة للبرنامج أرسلت بهذا السؤال تقول: فضيلة الشيخ أثابك الله تذكر بأنها مدرسة، وتريد أن تترك التدريس لتتفرغ لعبادة الله عز وجل، تقول: فهل في عملي هذا خطأ؟ وإذا لم يكن خطأ فما الحكم جزاكم الله خيراً إذا لم يوافق والدي على ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن تبقى في التدريس؛لأن التدريس نشر للعلم، وعبادة متعدية ونفعها يتعدى إلى الغير، بخلاف العبادة الخاصة، اللهم إلا أن يكون لها أولاد وزوج، وهي مشغولة بهم وإذا ذهبت إلى التدريس أضاعت حق الله فيهم، أو اضطرت زوجها إلى أن يأتي بخادم، فهنا نقول: بقاؤها في بيتها أفضل.
***
هذا المستمع أبو محمد من العين الإمارات يقول: إذا كان الشخص لديه علم شرعي وهو متخرج من إحدى الكليات الشرعية، ويقوم بالتدريس للصف الثانوي، ويطلب منه مثلاً من جماعة المسجد أو طلبة العلم أن يلقي كلمة أو محاضرة في المسجد أو في مناسبة، لكنه يمتنع ويصر على عدم المشاركة في أي درس في المسجد أو في قاعة أو في غيرها، هل يؤاخذ على ذلك؟ ويعتذر ويقول: يكفي أنني أدرس المواد الشرعية في الثانوية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان إذا أعطاه الله علماً أن يحرص على بث العلم الذي أعطاه الله بكل وسيلة، لا سيما إذا كان علماً شرعياً يهدي الله به على يديه من شاء من عباده، ومن المعلوم أن الإنسان إذا سئل عن علم وجبت عليه الإجابة ما لم يخش ضرراً على نفسه؛ لأن الله تعالى قال:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . فالواجب على هذا الأخ الإمام إذا سئل عن علم أن يبينه، والأفضل إذا طلب منه أن يعطي درساً بالمسجد أن يستجيب لذلك، لما فيه من الخير والمصلحة له ولأهل القرية.
***
جزاكم الله خيراً شيخ محمد تكثر الأسئلة المتعلقة بالعقيدة، فما الواجب على طلبة العلم والعلماء في تصحيح المفاهيم في دعاء الأموات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على أهل العلم من شيوخ وطلاب أن يبينوا للناس أن هذا منكر وشرك، وأنه لا فائدة من هؤلاء الذين يدعونهم، وأن الضرر والنفع كله بيد الله عز وجل، وأن لا يخضعوا -أعني: العلماء وطلبة العلم- للواقع، بل الواجب أن يقوموا لله مثنى وفرادى، وأن يعلموا أن ذلك لا يزيدهم هواناً وذلاً، بل لا يزيدهم إلا قوة وعزة. وكثير من الناس- هدانا الله وإياهم- يقولون: هؤلاء مضوا على ذلك ومضى عليه آباؤهم ولا يمكن التغيير، وهذا تصور خاطئ، فإن هذا الذي حصل كالذي حصل من الأمم السابقة الذين أتتهم الرسل، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، فالواجب على إخواننا العلماء وطلبة العلم أن يتقوا الله تعالى، وأن يقوموا بنشر دينه وتوحيده، ثم إن اهتدى الخلق فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فقد أدوا ما عليهم، وأبرؤوا ذممهم والهداية بيد الله عز وجل، كما قال تعالى لرسوله محمدِ صلى الله عليه وسلم:(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . وقال له: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) .
***
فضيلة الشيخ السائلة أم عبد الرحمن تقول هل يجوز للعالم الدارس للعقيدة أن يفتي في الفقه والعكس صحيح
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لأحد أن يفتي بشيء لا يعلمه، سواء كان عالماً في شيء آخر أو لا؛ لقول الله تبارك وتعالى:(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ولقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) . وإذا كان له اختصاص في العقيدة لكن عنده علم من الفقه فأفتى في الفقه بما يعلم فلا بأس، وكذلك العكس لو كان عنده اختصاص في علم الفقه وأفتى في العقيدة بما يعلم فلا بأس، فالممنوع هو أن يفتي الإنسان بغير علم، سواء كان في ضمن تخصصه أو في أمر خارج عن تخصصه.
***
المستمع محمد أمن القصيم يقول: هل صحيح أن للعلم زكاة؟ وهي بذله للناس وتعليمه إياهم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على العالم أن يبين علمه للناس إذا احتاجوا إليه، سواء بالإجابة على أسئلتهم، أو ببيان العلم إذا احتاج الناس إليه وإن لم يسألوا؛ لقول الله تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . وهذا الواجب يسميه بعض العامة زكاة، فزكاة العلم التعليم، وزكاة المال الصدقة، وزكاة الجاه الشفاعة، وما أشبه ذلك من العبارة التي يقولها العامة، ولكن نحن نقول: سواء سميتموه زكاة أم لم تسموه يجب على أهل العلم أن يبينوا العلم للناس؛ لئلا يكونوا من الذين أوتوا العلم فكتموه نسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب الواسع الذي يغنينا به عن خلقه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***
فضيلة الشيخ تدريس العقيدة أمرٌ مهم، فماذا يجب على طلاب العلم والدعاة إلى الله حيال ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن الناس عندهم جهل كثير في العقيدة وغير العقيدة، لكن الحمد لله بشرى فالناس عندهم إقبال الآن على العلم، وبعضهم عنده إقبالٌ زائد يغالي حتى في العقيدة، يتكلم في أشياء ما تكلم فيها السلف يريد إثباتها، لكن على طلبة العلم أن يكلموا الناس بحسب الحال: فمثلاً إذا رأينا أهل قريةٍ انحرفوا في العقيدة نركز على العقيدة ونبحث فيها بحثاً قوياً، وإذا رأينا آخرين فرطوا في صلاة الجماعة تكلمنا في الجماعة، بأن تكون الدعوة والإلحاح فيها على حسب ما تقتضيه الحال، قال الله عز وجل:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . فمثلاً إذا رأينا أناساً يقيمون الصلاة كما ينبغي وعندهم تفريطٌ في الزكاة، فهل نركز على الصلاة لأنها أهم من الزكاة؟ أو نركز على الزكاة لأنهم مفرطون فيها؟ الجواب: الثاني، ما نذهب نتكلم في الصلاة وهم قد أقاموها كما ينبغي، فلكل حالٍ مقال، والحكيم يفعل ما يرى الناس في ضرورةٍ إليه، سواءٌ في العقيدة أو في أعمال الجوارح.
***
أحسن الله إليكم شيخ محمد قد يتساءل بعض العامة عن عبارة: وهذا معلوم بالضرورة من الدين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعبير العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين، يعني: أن الدين الإسلامي جاء به ضرورة لابد أن يأتي به، فمثلاً وجوب الصلوات الخمس معلوم بالضرورة من الدين، تحريم الخمر بعد أن حرمت كذلك، فالشيء الذي لا يمكن لأحد من المسلمين جهله هو المعلوم بالضرورة من الدين.
***
بارك الله فيكم م ع ص له هذا السؤال يقول: المعلم الذي يعطي الطلاب جوائز ومكافآت تشجيعية هل يؤجر على ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أعطى المعلم أو المدرس تلاميذه جوائز تشجيعية حتى يرغبهم في الدرس وينشطهم عليه ويتسابقوا عليه فإنه يؤجر على هذا، وهو من الإنفاق على العلم الذي فيه الفضل لمن فعله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الغزو:(من قتل قتيلاً فله سلبه) . وهذا لا شك طريق من طرق التشجيع، فإذا فعل المدرس أو المعلم هذا من أجل تشجيع الطلاب فإنه يؤجر على هذا، وهو يعود التلاميذ التنافس والوصول إلى الخير.
***
أحسن الله إليكم سائل من الأفلاج يقول: يا فضيلة الشيخ حفظكم الله كثيراً ما أجد إحراجاً من قبل طلابي في أسئلةٍ كثيرة، فما حكم الإجابة على أسئلتهم إذا كانت خارج المنهج
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على أسئلةٍ خارج المنهج يعني خارج المقرر لا تلزمك وأنت في الفصل، بل يقال للطالب: لا تسأل إلا عن المقرر فقط؛ لأن السؤال عن غير المقرر تشاغل بما لا يجب عما يجب، أما إذا كان خارج الفصل يعني خارج الحصة فأجبهم بما تعلم، وتوقف عما لا تعلم، وإذا كان السؤال مما لا يليق فانصح الطالب عن سؤاله، ووجهه إلى ما هو خير.
***
جزاكم الله خيراً، تذكر هذه السائلة بأنها تعمل مُدرِّسة، وتسمع كثيراً من زميلاتها في المدرسة بأنهن قرب الامتحان يضعن مراجعة للمنهج الذي يقمن بتدريسه للطالبات، وتكون أسئلة الاختبارات من صميم تلك المراجعة، فهل هذا العمل جائز يا شيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمدرسة أن تشير إلى موضع أسئلة الامتحان، سواء بتدريس المواضع التي تريد أن تأخذ منها الأسئلة، أو بالإشارة إلى ذلك، مثل أن تقول: هذا مهم أو هذا غير مهم، المهم أنه لا يجوز أن تشير لا تصريحاً ولا تلميحاً إلى مواضع الأسئلة، وهي مؤتمنة على هذا، وليس الشأن أن نكدس طلبة أو طالبات أخذن الشهادة، الشأن أن يكون الطالب نجح عن جدارة.
يافضيلة الشيخ: تقول بعض المعلمات -هداهن الله- يحددن الاختبار، مثلاً مادة التعبير والإملاء تكون عشرة مواضيع، فتقوم المعلمة بتحديد ثلاثة مواضيع فقط للاختبار، هل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كالأول.
***
أحسن الله إليكم هل مساعدة طلاب العلم في حل ما استشكل عليهم من واجبات، أو مساعدتهم وإعانتهم في عمل أبحاث؛ لمجرد إعانتهم في إكمال مشوارهم، وتشجيعاً لهم، وأحياناً لضيق الوقت هل يعتبر هذا من التعاون على البر والتقوى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى الأنظمة: فإذا كان النظام أن الطالب إذا أعطي بحثاً يسمح له بأن يستعين بمن يعينه من العلماء فلا بأس، وأما إذا كان المقصود أن الطالب نفسه هو الذي يبحث ويفتش في الكتب ويتعب فإنه لا يجوز أن يستعين بأحد؛ لأن استعانته بالعالم يعني أنه يريد أن تكون الطبخة غير ناضجة، وهذا لا شك أنه غلط، أما لو اضطر إلى مراجعة العالم؛ لكونه بحث وبحث وناظر وناقش مع إخوانه وزملائه ولكن لم يصلوا إلى نتيجة، فسألوا من هو أعلم منهم عن هذا، فأرجو أن لا يكون في هذا بأس.
***
رسالة من جدة طالب من جامعة الملك عبد العزيز يقول في سؤال له: هل لنا أن نسأل عن أمور لم تحدث، مع فرض بعيد جداً لحدوثها؟ نرجو الإفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان طالب العلم وغير طالب العلم أن لا يسأل عن أمور بعيدة الوقوع؛ لأن ذلك من المعاياة والإعجاز وإضاعة الوقت، وإنما يسأل عن أمور واقعة أو قريبة الوقوع، هذا بالنسبة للسائل. أما بالنسبة لمن يبحث أو يكتب فلا حرج عليه أن يأتي بأمور لإيضاح القاعدة أو الضابط، وإن كانت نادرة الوقوع، وهذا طريق من طرق تعليم العلم، وأما السؤال فلا ينبغي أن يسأل إلا عن شيء واقع أو شيء قريب الوقوع. وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه إخواني طلبة العلم الذين بدؤوا في طلب العلم والنقاش والبحث،أوجههم فيما يتعلق بصفات الله تعالى أن لا يكثروا السؤال، بل ألا يسألوا عن شيء سكت عنه الصحابة والتابعون وأئمة الأمة؛ لأننا في غنى عن هذا، ولأن الإنسان إذا دخل في هذه الأمور فيما يتعلق بصفات الله فإنه يقع في متاهات عظيمة يخشى عليه إما من التمثيل أو التعطيل، ولهذا أنكر الإمام مالك رحمه الله وغيره من الأئمة على من سأل في صفات الله عما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم، فقد سئل رحمه الله عن قوله تعالى:(الرحمن على العرش استوى) . كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق من شدة وقع السؤال عليه، ثم رفع رأسه وقال للسائل: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وإنما كان السؤال عنه- يعني: عن كيفية الاستواء -بدعة لأن ذلك لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم أحرص منا على العلم، وأشد منا تعظيماً لله عز وجل، ولم يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته، مع أنه أحرص الناس على البلاغ، لكن كيفية صفات الله وحقيقتها أمر مجهول لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولو كان هذا من الأمور التي تلزم الإنسان في دينه، أو تكون من مكملات دينه لبينه الله عز وجل، وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا أمر فوق عقولنا لا يمكننا إدراكه، ولهذا أحذر مرة أخرى إخواني من الغوص في هذه المسائل والتكلف والتنطع، وأن يبقوا النصوص على ما هي عليه في معانيها الظاهرة البينة، وأن لا يسألوا عن شيء لم يسأل عنه السلف الصالح. أما مسائل الأحكام فهي أهون، فله البحث والمناقشة، ولهم أن يفرعوا على الضوابط والقواعد من الأمثلة ما قد يكون بعيد الوقوع. والله الموفق.
***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ سؤال للمستمعة م. س. جامعة الإمام تقول: هل يجوز لطلبة العلم الشرعي التغيب عن بعض المحاضرات بحجة الاستذكار للاختبار في مادةٍ أخرى، خاصة إذا كان الطالب يقصر في البداية، وإذا بدأت الاختبارات الفصلىة يتغيب عن المحاضرات للمذاكرة؟ وهل من نصيحة لطالب العلم وتوصية بإعطاء العلم حقه؟ أرجو منكم إفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة الجواز وعدم الجواز لا أستطيع أن أفتي فيها بشيء، فالإنسان طبيب نفسه،ولا أدري لو كان يخصم على الإنسان إذا تغيب هل يتغيب أو لا؟ وأما النصيحة: فنصيحتي لكل إنسان دخل في جامعةٍ يطلب فيها العلم الشرعي وما يسانده من العلوم الأخرى أن يخلص لله تعالى في طلب العلم: بأن ينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره من المسلمين، بأن ينوي بذلك حفظ شريعة الله وحمايتها من أعدائها، وأن يذود عنها بقدر المستطاع بمقاله وقلمه، حتى يؤدي ما يجب عليه. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:(العلم لا يعدله شيءٌ لمن صلحت نيته. قالوا: وكيف ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: ينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره) . وقال رحمه الله: (تذاكر ليلةٍ أحب إلي من إحيائها) . وهذا يدل على فضيلة طلب العلم، لكن بشرط الإخلاص، ولو لم يكن من فضل العلم إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل العلماء شهداء على ألوهيته -وتوحيده في قوله تعالى:(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) - لكفى. والعلماء ورثة الأنبياء، ورثةٌ في العلم وورثةٌ في العمل وورثةٌ في الأخلاق وورثةٌ في الدعوة إلى الله عز وجل، فليعط الإنسان هذا الإرث حقه، وليقم بواجبه حتى يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم.
***
هذه السائلة عائشة من جمهورية مصر العربية بور سعيد تقول: كيف تكون المرأة داعية لدين الله؟ وما هي الأسباب المعينة على ذلك؟ وما الكتب التي أبدأ بها في تحصيل طلب العلم الشرعي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون المرأة داعية كالرجل تماماً إذا كان لديها علم بشريعة الله، فإن لم يكن لديها علم فلا يحل لها أن تتكلم بلا علم؛ لقول الله تعالى:(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ولقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) . ولقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
ثانياً: أن يكون لديها قدرة على التكلم بما علمت.
ثالثاً: أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض؛ لأنه قد يقوم شخص معارضٌ لما تدعو إليه، ويكون لديه فصاحة وبيان، فيغلب بفصاحته وبيانه على هذه الداعية؛ لضعف دفاعها وقوة باطله، فلا بد أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض. وأما ما تبدأ به: فخير ما يبدأ به طالب العلم كتاب الله عز وجل، أن يحفظه ويتدبر معانيه، ويدعو الناس إلى دين الله تعالى به. ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن السنة تبين القرآن وتوضحه وتفسره، وهي شقيقة القرآن في وجوب العمل بها. ثم بكتب العقيدة والتوحيد، لا سيما إذا كان في بلدٍ يكثر فيه الشرك والعقيدة الباطلة. ثم بما كتبه أهل العلم من الفقه، حسبما يتيسر لها، والأحسن أن تسأل عن كل مسألةٍ بعينها، أي تسأل أهل العلم؛ ليكون ذلك أدق في الجواب.
***
في آخر أسئلتها تقول: هذه السائلة ما هي الكتب العلمية التي تنصحونني بقراءتها لمن أرادت أن تكون طالبة علم؟ وهل يكتفى بقراءتها فقط أم بحفظها؟ وكيف تستطيع المرأة أن تكون طالبة علم، نظراً لعدم دراستها على يد مشايخ أو طالبات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال قد ورد مثله في حلقة سابقة،وبينا أن أهم كتاب تجب العناية به وتفهم معناه والعمل به هو كتاب الله عز وجل، ثم ما صح من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كتب التوحيد والعقائد، ثم يقرأ كتب الفقه وما أُلِّفَ في ذلك. وأمَّا هل يمكن للمرأة أن تتعلم العلم بمراجعة هذه الكتب، أم لا بد من مدرسٍ خاصٍّ فنقول: الحمد لله الآن الأشرطة ملأت الدنيا من مجالس أهل العلم الموثوق بعلمهم وأمانتهم، فبإمكانها أن تتعامل مع أحد التسجيلات، بأن يؤمن لها ما تريد الاستماع إليه من مجالس العلماء.
***
تقول السائلة: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تحضر مجالس العلم والدروس الفقهية في المساجد؟ علماً بأنها تخرج إليها متسترة وبالزي الشرعي. وأيهما أفضل: حضورها لمثل هذه المجالس، أم بقاؤها في المنزل؟ علماً بأننا الآن نخرج للتعليم في الجامعات والمدارس بناء على رغبة آبائنا وأمهاتنا، ومع العلم أيضاً بأن الاستفادة من هذه المجالس أكبر من الاستفادة من القراءة في المنازل. أرجو إفادة حول هذا السؤال بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تحضر مجالس العلم، سواء كانت هذه العلوم من علوم الفقه العملي، أو من علوم الفقه العقدي المتصل بالعقيدة والتوحيد، فإنه يجوز لها أن تحضر هذه المجالس، بشرط أن لا تكون متطيبة ولا متبرجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء) . ولا بد أن تكون بعيدة عن الرجال لا تختلط بهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) . وذلك لأن أولها أقرب إلى الرجال من آخرها، فصار آخرها خيراً من أولها.
***
فتاةٌ أرادت الالتحاق بتحفيظ القرآن فمنعتها والدتها، فهل لها طاعتها أم الذهاب؟ أيهما أفضل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طاعة الوالدة أفضل، لا سيما أنها إذا خرجت ستخرج إلى الطرقات، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال في النساء اللاتي يصلىن مع الرجال:(بيوتهن خيرٌ لهن) فهذه مثلها، لكن إذا كان امتناعها يفوت خيراً كثيراً فلتقنع والدتها بالذهاب، فإذا أذنت لها تذهب.
***
ما حكم خروج المرأة إلى الندوات والمحاضرات باستمرار؟ كأن تحضر في وقت العصر حلقات تحفيظ القرآن وفي فترة ما بعد العشاء تحضر الندوات لبعض العلماء؟ فهل هذا الفعل يجوز إذا كان برضا وليها؟ وهل في ذلك مشابهة للرجال بكثرة الخروج؟ وهل يخالف الآية الكريمة: (وقرن في بيوتكن)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تخرج إلى حلقات تحفيظ القرآن النسائية لتحفيظ القرآن فإن هذا من الخير، وكذلك أيضاً لا حرج عليها أن تحضر الندوات إذا كانت تنتفع بذلك، حتى لو تكررت المحاضرات والندوات كل ليلة، فلا حرج عليها إذا أمنت الفتنة ووافقها وليها على ذلك، وهذا لا يخالف الآية الكريمة:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) ؛ لأن المرأة لم تخرج من بيتها إلا لمصلحة فوق بقائها في بيتها. على أن الأمر والحمد لله في الوقت الحاضر يمكن تداركه بالنسبة للندوات والمحاضرات بالأشرطة التي تسجل فيها تلك الندوات والمحاضرات، ولكن ربما يكون بعض المحاضرين لا يرغب أن تسجل محاضراته، وحينئذ يكون لابد من حضور المحاضرة لمن أراد أن يستمع إليها.
***
رسالة وصلت من السائلة أم عمار من اليمن تقول في هذا السؤال: نحن فتاتان، ولكن ما نعانيه أن الوالد لا يسمح لنا بالذهاب إلى بعض الدروس التي تقام بالمسجد، حيث يتم فيه تعليم المرأة، فما توجيهكم في ذلك فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أن الوالد- وفقه الله- ينبغي له أن ينظر المصلحة في ذهابكما إلى الدروس في المساجد وعدم الذهاب، فإن كان يرى أن المصلحة بقاؤكما في البيت فليمنعكما من هذا، وإن رأى أن المصلحة في حضوركما الدرس، وأنه لا مفسدة في ذلك تقاوم المصلحة، فإن الذي أشير به عليه ألا يمنعكما؛ لأن نساء الصحابة كن يحضرن المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويحصل لهن من سماع المواعظ ما يحصل. لكن نحن في زمن كثر فيه الشر والفساد والسفه، فلعلَّ الوالد منعكما من الذهاب إلى المساجد لاستماع الدروس خوفاً من الشر والفساد، ثم إن الله سبحانه وتعالى فتح علينا في هذا العصر فتحاً مبيناً، وذلك بتسجيل ما يلقى من الدروس، وبإمكانكما أن تحصلا على هذه المسجلات فتنتفعا بها، ويغنيكما هذا عن الذهاب إلى المسجد مباشرة.
***
هل يجوز لي أن أقرأ كتباً مثلاً فقه السنة أو غيرها من الكتب الدينية وأنا حائض أم لا؟ أفيدونا يا فضيلة الشيخ سدد الله خطاكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول يجوز للمرأة الحائض أن تذكر الله وتهلله وتسبحه وتكبره، وتقرأ ما شاءت من الكتب الدينية، سواء كانت هذه الكتب من تفسير القرآن أو من الأحاديث النبوية أو من كتب الفقه أو غيرها، فلا حرج عليها في ذلك. أما قراءة القرآن وهي حائض فقد اختلف فيها أهل العلم، ولكن الراجح عندنا أنه لا يحرم عليها قراءة القرآن إذا احتاجت لذلك، مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءة القرآن أمام الطالبات للتعليم، أو تكون متعلمة تحتاج إلى قراءة القرآن للاختبار أو نحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس في منع الحائض من قراءة القرآن سنةٌ صحيحةٌ صريحة، والأصل براءة الذمة وجواز ذلك، وهذا لعموم البلوى، لو كان أمراً محرماً لكانت السنة في ذلك بينة واضحة لا تخفى على أحد، ولهذا نقول اتباعاً للأحوط: إن المرأة إذا احتاجت إلى قراءة القرآن وهي حائض فلا حرج عليها في ذلك، وإلا فلها غنيةٌ بالتسبيح والتكبير والتهليل وقراءة الكتب الدينية، كما في هذا السؤال.
***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة أم عبد الله دياب من الدمام تقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تحضر محاضرات نافعة للتعلم في المسجد إذا أمنت التلويث وتوضأت للتخفيف من الحدث؟ علماً بأن مدة الحيض تتفاوت من امرأةٍ إلى أخرى، ولربما فاتها خير كثير
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تمكث في المسجد وهي حائض، سواءٌ لاستماع درسٍ أو غيره، وفي عصرنا هذا لا حاجة إلى أن تمكث في المسجد؛ لأن مكبر الصوت والحمد لله يعبر عن كلام المتكلم إلى مدىً بعيد، فلتجلس عند الباب، عند باب المسجد وتستمع إلى ما شاءت، وأما دخول المسجد والمكث فيه فهذا حرامٌ على الحائض.
***
المستمع طالب من إحدى الدول العربية يقول: يدرسنا مدرس حالق للحية ويلبس خاتماً من ذهب، ومقصر في بعض الأمور، ومع ذلك يدرسنا المواد الشرعية. فهل يجوز لي أن أحضر هذه الدروس في المدرسة؟ أرجو الإجابة مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا الجواب تكون من شقين: إنني أوجه نصيحة إلى هذا المدرس أن يتقي الله في نفسه، وأن يتقي الله فيمن يأخذون العلم عنه؛ لأن حلقه لحيته حرام، ولباسه خاتم الذهب حرام، والتقصير في الواجبات حرام، فالواجب عليه أن لا يكون من العلماء الذين لم ينتفعوا بعلمهم، الواجب عليه أن يتقي الله فيمن يتلقون العلم عنه؛ لأن الذين يتلقون العلم عنه سوف يحذون حذوه إلا أن يشاء الله، سوف يفقهون العلم ولكنهم يعصون الله على بصيرة -والعياذ بالله- إلا أن يشاء ربك، فعلى هذا المعلم أن يحاسب نفسه، وأن يعلم أنه مسؤول أمام الله عز وجل عما صنع. أما الشق الثاني فهو أخذ العلم عن هذا: فلا بأس بأخذ العلم عنه وإن كان يعمل هذه المعاصي، إلا إذا كان هجره وعدم أخذ العلم عنه يؤدي إلى صلاحه واستقامته ورجوعه إلى الله، وردع أمثاله عن مثل هذا العمل، فحينئذ يهجر ويقاطع ولا يحضر درسه، ولكني أقول: قبل هذه المعاملة ينبغي للطلبة أن يوجهوا النصيحة إليه، وإذا كانوا لا يتمكنون من ذلك فليستعينوا بأهل الخير في بلادهم في توجيه النصح إليه، وإذا لم ينفع فيه ذلك فليرفعوا شأنه أو يرفعوا أمره إلى إدارة المدرسة أو المعهد أو الجامعة التي يدرس فيها، ويخوفوا هذه الجهة من الله عز وجل، ويقولوا لها: كيف يكون هذا الرجل مدرساً لنا في العلوم الدينية وهو رجل لا يدين لله تعالى في هذا وفي هذا؟ والواجب على إدارة المدرسة أو المعهد أو الكلية أو إدارة الجامعة، الواجب عليها ألا تجعل مثل هؤلاء المدرسين يدرسون أبناء المسلمين، تنصحهم وتدلهم على الخير، فإن اهتدوا فلهم ولغيرهم، وإن لم يهتدوا فالواجب إبعادهم عن حقل التدريس.
***
هذه رسالة أيضاً تتعلق بالرسالة الماضية بعث بها يقول: أنا الطالب سعد سعود ش، في الحقيقة الرسالة طويلة جداً لكن لعل اختصارها يكون أجدر، يقول: إنه هو وزملاؤه نشتكي إليكم أستاذنا الذي يدخل علينا في الصف ويقول لنا: السلام على القرود، وإذا ثرنا عليه جاء لنا بقصة إفرويد وقال: هذا أصلكم وأصلى، ولا مناص لنا من هذا الأصل، علماً أن أستاذنا تبدو عليه الغطرسة وطول الملابس وطول الشعر أيضاً والأظافر الطويلة، فما موقفنا من هذا الأستاذ وفقكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: إقرار هذا الرجل على نفسه بأنه من القرود مقبول، وأما دعواه على غيره أنهم قرود فهي مرفوضة، وقد تقرر بيان أن اعتقاد كون أصل الآدمي قرداً كفر بالله عز وجل؛ لأنه تكذيب للقرآن الكريم ولما أجمع عليه المسلمون، بل ولِما أجمع عليه الناس اليوم، فإنه قد تبين أن هذه النظرية نظرية فاسدة باطلة، وأنه لا حقيقة لها. وأما كون هذا الأستاذ يبقى أستاذاً في هذه المدرسة فإنه لا يجوز إقراره أستاذاً، ويجب على مدير المدرسة أن يرفع به إلى من فوقه حتى يُبعد ويُنحى عن حقل التدريس، ويجب مراقبته أيضاً في خارج المدرسة حتى لا يُضِل الناس، وإذا استقام على الحق فذلك هو المطلوب، وهو من رحمة الله به وبالناس، وإلا وجب أن يُجرى عليه ما يمنع إفساده ولو بالقتل.
فضيلة الشيخ: إذاً يجوز قتله في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يندفع ضرره إلا بذلك، وهذا ضرر عظيم؛ لأنه تكذيب للقرآن الكريم، فإذا لم يندفع إلا بهذا، وصار هذا الرجل داعية إلى هذا الإلحاد والكفر، فإنه يجب قتله؛ لأنه مرتد، والمرتد يجب قتله.
***
سؤاله يقول: بعض المحدثين إذا قرأ على الجماعة في المسجد أو غيره إذا انتهى من القراءة قال: والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد إلى آخره، أو يقول: بالله التوفيق، أو يقول: صدق الرسول الكريم إلى آخره، ما حكم هذا القول؛ وما حكم قول: صدق الله العظيم لمن انتهى من قراءة القرآن؟ وهذه تقال بكثرة، وجزاكم الله عنا أحسن الجزاء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول فختام الدرس بقوله: والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فإن اعتقد الإنسان أن ذلك من السنن المقربة إلى الله فهذا ليس بصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم مع أصحابه ويحدثهم ويخطب فيهم، ولم يكن يختم ذلك فيما نعلم بمثل هذا، فتركه أولى. وأما ختم القرآن بقوله: صدق الله العظيم، فكذلك أيضاً إذا اتخذها الإنسان سنة راتبة كلما قرأ قال: صدق الله العظيم فإن هذا من البدع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يختم قراءته بقول: صدق الله العظيم، ومن المعلوم أن صدق الله العظيم ثناء على الله تعالى بالصدق، فهو عبادة، والعبادة لا تكون مشروعة إلا حيث شرعها النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى هذا فنقول: لا ينبغي للقارئ أن يختم قراءة القرآن بقول: صدق الله العظيم.
***
يسأل أيضاً ويقول: ما حكم الإسلام في تشريح جثث الموتى من أجل الدراسة عليها، كما هو معمول به في كليات الطب الموجودة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الميت المسلم لا يجوز تشريحه، وذلك لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، كما ورد في حديث رواه أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كسر عظم الميت ككسره حياً) . وهذا يدل على تحريم التعرض له بتشريح أو تكسير أو نحوه. أما من لا حرمة له فإنه محل نظر، قد نقول: إنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل، قال:(لا تمثلوا) . وقد نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يقصد به التمثيل، وإنما يقصد به مصلحة، وفرق بين أن نقصد التمثيل والتشفي، وبين أن نقصد مصلحة بدون قصد التشفي. والله أعلم.
***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل يقول: هل يجوز لمدرس مادة العلوم أن يقوم بشرح المادة الدراسية في المرحلة المتوسطة باستخدام مجسمات صغيرة ومتوسطة لحيوانات وطيور مصنوعة من البلاستيك القوي أشبه ما تكون بالتماثيل، أو استخدام مجسمات لجسم الإنسان بالكامل بما فيه الرأس
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حرام عليه لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن بإمكانه أن يصف الحيوان بالمقال، أو أن يجزِّئه أجزاء فيجعل الرأس وحده والبدن وحده واليدين والرجلين وحدها، وليس هناك ضرورة إلى أن يأتي بصور مجسمة. وأخشى أن ينزع الله البركة من علمه إذا هو أتى بهذه الصور؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وأرجو من إخواننا أن لا يتهاونوا بالصور، (فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى بيته ذات يوم فوجد فيه الصور، فلم يدخل عليه الصلاة والسلام حتى أزيلت) واستعملت على وجه مباح.
***
بارك الله فيكم هذه المستمعة ت. ف. ب من العراق كركوك تقول: أنا طالبة في الجامعة، وذات يوم كان عندنا درس عن تحنيط الحيوانات، فكنا نقوم بإجراء تجارب على بعض الحيوانات كالأرانب والذئاب والحمام ونحوها، فنحضرها حية ثم نقوم بقتلها، وهنا المشكلة الثانية، فإننا نقتلها بإحدى الوسائل التالية: إما بحجزها في مكان خالٍ من الهواء حتى تموت، أو بقتلها بواسطة المخدر، ونحو ذلك من الوسائل غير الذبح الشرعي، ولا نستطيع رفض العمل هذا، فهو عبارة عن مادة دراسية يترتب عليها النجاح أو عدمه. فما الحكم الشرعي أولا: ً في التحنيط بغرض التعلم، أو للاحتفاظ بالحيوانات المحنطة للزينة. وثانياً: ما الحكم في قتل الحيوانات بالوسائل السابقة الذكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحنيط الحيوان من أجل التعلم والحصول على علم ينفع العباد هذا لا بأس به، وذلك بأن الله عز وجل خلق لنا ما في الأرض جميعاً، ثم قال تعالى:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) . ولكن يجب أن تتخذ أسهل الوسائل للوصول إلى هذا الغرض في قتل هذا الحيوان المحنط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) . وإذا خدرت بمخدر من أجل إجراء العملية عليها في حال حياتها فإن هذا لا بأس به أيضاً؛ لأن هذا فيه مصلحة للمتعلمين، ولا فيه كبير مضرة على هذا الحيوان، إذ إنه عند التخدير لا يتألم للتشريح فلا بأس بها. وأما حبسها في محل بحيث لا يصل إليها الهواء فإن في نفسي من هذا شيئاً؛ لأن هذا تعذيب شديد عليها، ولا أدري هل الحاجة ملحة إلى هذه العملية أم غير ملحة؟ وأما بالنسبة لتحنيط هذه الحيوانات للزينة فلا أراه جائزاً، وذلك لأنها خلقت لينتفع بها بالأكل، أما بالزينة فإنها فيها شيء من السرف ومن إضاعة المال بغير فائدة، فلا أرى أن تحنط لهذا الغرض؛ لأن بذل المال فيها إضاعة له.
***
يقول: جميع المدارس بمحافظتي وهي محافظة إدلب مدارسها مختلطة شباب وفتيات، وهن سفور فوق العادة وخاصة في مدرستي، ولا يمكن بل ولا يستطيع المرء إلا أن يتحدث معهن من خلال الدروس. والمطلوب: ما حكم الشرع في ذلك أفيدونا جزاكم الله ألف خير
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يجب عليك أيها الأخ أن تطلب مدرسةً ليس فيها هذا الاختلاط الذي وصفت حال أهله؛ لأن ذلك فتنة عظيمة، ولا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للفتن، فإن الرجل قد يثق من نفسه قبل أن يقع في الفتنة،قد يقول: أنا حافظٌ لنفسي، وأنا لا أميل إلى هذا الشيء، وأنا أكرهه. ولكن إذا وقع في الحبائل أمسكته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم:(من سمع بالدجال أن ينأى عنه) . أن يبعد عنه، وقال:(إن الرجل يأتي وهو يرى أنه مؤمن، ولكنه يضل بما يقذف به من الشبهات) . فعلى كل حال نقول: أيها الأخ يجب عليك أن تتطلب مدرسةً ليس هذا وضعها، فإن لم تجد مدرسةً إلا بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة، فإنك تقرأ تدرس، وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة، بحيث تغض بصرك وتحفظ لسانك، ولا تتكلم مع النساء ولا تمر إليهن.
***
بارك الله فيكم هذا المستمع طه سوداني يقول: هل يجوز للرجل الوقوف أمام النساء لنشر العلم والدين؟ وهل يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة من أجل إرشادها إلى الطريق المستقيم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة إذا لم يكن محرماً لها، ولو للتعليم، ولو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) . وإذا خلا الرجل بالمرأة كان الشيطان ثالثاً لهما، ووسوس لهما الوساوس التي قد تؤدي إلى الفاحشة والعياذ بالل. وأما وقوف الرجل أمام النساء جمعاً بلا محذور شرعي من أجل تعليمهن: فإن هذا لا بأس به، لكن بشرط أن يأمن الإنسان على نفسه، وأن يكون مأموناً، ولكن في مثل هذه الحال إذا كانت المسألة بصفة رسمية فإنه يوضع حاجز بين هذا الرجل وبين النساء،حتى تكون النساء في سعة، وحتى لا يفتتن أحد من النساء بهذا الرجل، وأقول: إنه لا ينبغي أيضاً أن يقوم بتدريس النساء رجال إلا عند الضرورة، أما إذا لم يكن هناك ضرورة فإن الذي يقوم بتدريس النساء يكون امرأة، وكذلك الذي يقوم بتدريس الرجال يكون رجلاً؛ لأن الشارع يرمي إلى بعد النساء عن الرجال وعن الاختلاط بهم، ألم تر إلى المرأة إذا صلت في المسجد مع الجماعة فإنه يجب عليها أن تكون وحدها خارجة عن صفوف الرجال، ولا تكون صفاً مع الرجل، كما جرت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) . وهذا كله يدل على أن الشارع يرمي إلى بعد الرجال عن النساء وعدم الاختلاط بهن.
***
المستمعة سامية من البحرين تقول: ما حكم قيام التلميذات في الصف للمعلمة احتراماً عند دخولها الفصل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القيام للمعلمة أو المعلم عند دخول الفصل احتراماً وتعظيماً لا ينبغي؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو أحق الناس بالاحترام والتعظيم، لكن يقال: إنهم يفعلون ذلك من أجل الانتباه والاستعداد للمعلم، وما يلقيه من العلم فإذا كان هذا هو المقصود فأرجو أن لا يكون به بأس.
***