المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير - فتاوى نور على الدرب للعثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌توحيد الربوبية

- ‌حامد عبد الله الجور يقول: ما رأيكم في نشرة الأحوال الجوية، وكل التنبؤات الجوية التي نسمعها يومياً في نشرات الراديو وفقكم الله

- ‌مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)

- ‌أبو صالح يقول: هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ وهل هناك آيات دالة على ذلك

- ‌يا فضيلة الشيخ تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان كما هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة؟ جزاكم الله خيراً

- ‌الخير أحمد سوداني مقيم بالعراق يقول في رسالته: عرفنا من القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . ولكن أريد أن أعرف منكم ما البعد بين كل سماء؟ وهل هناك سمك لكل سماء؟ أفيدونا بذلك مأجورين

- ‌الشهادتان

- ‌السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ

- ‌السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال: ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله

- ‌كيف يكون المسلم محققاً لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً واعتقاداً بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال

- ‌أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطاً؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين

- ‌المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها

- ‌هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملاً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة

- ‌السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله) . والله أعلم، ولكم جزيل الشكر

- ‌هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولاً بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين

- ‌الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)

- ‌ع. أ. ك.، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة) . (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة) . (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة) . (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون) . فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء

- ‌العبادة

- ‌السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً

- ‌هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله عز وجل على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائماً خائفة جدّاً لتقصيري، وأسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال

- ‌السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة

- ‌كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله

- ‌هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما

- ‌هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله عز وجل والتعلق به دون التعلق بغيره

- ‌يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف

- ‌بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا

- ‌بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية

- ‌ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء

- ‌المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي وس م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم

- ‌بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية

- ‌بينما كنت جالساً في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علماً بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله

- ‌المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم

- ‌السائلة مريم تقول: فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة

- ‌هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة

- ‌هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه

- ‌كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به

- ‌هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره

- ‌بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه

- ‌هل ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيراً من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا

- ‌هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة

- ‌أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيراً

- ‌هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا

- ‌من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ذلك أم لا

- ‌أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملاً وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا

- ‌هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض

- ‌ما الحكم في تعليق التمائم

- ‌حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله

- ‌من مصر أأ يقول: في الحديث: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) . ما هي التولة

- ‌ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث

- ‌ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظاً من العين

- ‌أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك

- ‌السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علماً بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظراً للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين

- ‌هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيراً. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ) . ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة

- ‌من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه

- ‌المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين

- ‌من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعماً منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء

- ‌من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علماً بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا

- ‌بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ

- ‌من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين

- ‌يقول الله تعالى في سورة البقرة: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) . ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه

- ‌المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي) . وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول

- ‌وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم

- ‌الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد

- ‌هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياساً مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلاً، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها

- ‌بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيراً ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعاً آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله سبحانه وتعالى للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ

- ‌هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب

- ‌هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول: اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعاً أم لا

- ‌السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه

- ‌كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)

- ‌هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائماً يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلاً: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجداً فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلاناً مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين

- ‌هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدّاً: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا

- ‌بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة

- ‌هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله

- ‌الأسماء والصفات

- ‌أحسن الله إليكم يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عز وجل

- ‌بارك الله فيكم من موريتانيا المستمع سعدي. أ. ن يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته مأجورين

- ‌هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو بهذا الإفادة جزاكم الله خيراً

- ‌بارك الله فيكم من المغرب رسالة وصلت من المستمع أحمد يقول: ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين

- ‌بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من سوداني يعمل بالرياض يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات مأجورين

- ‌السائل من السودان يقول في هذا السؤال: حدثونا عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة

- ‌يقول هذا السائل: يا فضيلة الشيخ ما مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما معنى أمروها كما جاءت

- ‌جزاكم الله خيراً أبو إبراهيم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال: سئل أحد السلف رضي الله عنهم عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف

- ‌هذا السائل يقول: يا فضيلة الشيخ البعض من الدعاة يقولون بأنه لا ينبغي أن نعلِّم الناس مسائل توحيد الأسماء والصفات؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا حصل إشكال لهم في أي شيء منها- أي: من الصفات- بينا لهم ذلك، فما رأي فضيلتكم بارك الله فيكم وفي علمكم

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أبو محمد يقول: هل من أسماء الله (الحق)

- ‌يقول السائل: هل الحنَّان، المنان ،المحسن، من أسماء الله

- ‌أحسن الله إليكم هل الحفي من أسماء الله

- ‌تقول السائلة: إن أسماء الله وصفاته على وزن فعيل من صيغ المبالغة، فهل هذا صحيح؟ وهل يصح القول بأن أسماء الله وصفاته من صيغ المبالغة؟ نرجو النصح والتوجيه في هذا مأجورين

- ‌أبو منار يقول: فضيلة الشيخ ما المقصود من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إنما بعثت رحمة للعالمين) ؟ وهل يجوز استناداً لهذا القول أن نقول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رحيم أو كريم أو عليم أو حكيم، أو إلى ما هنالك من صفات الله عز جل؟ أفيدونا بما علمكم الله وجزاكم الله خيراً

- ‌رسالة بعث بها المستمع محمد صالح عبد الله من حائل يقول: ما حكم التسمية بأسماء هي من أسماء الله أو صفاته، كمثل: رؤوف، وعزيز، وجبار، ونحو ذلك؟ هل تجوز مثل هذه التسمية، أم يجب تغييرها فيمن تسمى بها

- ‌بارك الله فيكم من الجزائر أبو بسام يقول: فضيلة الشيخ ما قول أهل السنة والجماعة في رؤية المسلم لربه عز وجل يوم القيامة

- ‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أم لا؟ نريد توجيهاً سديداً في هذه المسألة مأجورين

- ‌بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول: ما هي أنواع الاستواء في لغة العرب؟ وكيف نثبت لله سبحانه وتعالى صفة الاستواء

- ‌هذا مستمع من السودان يقول: هذا سؤالٌ يحيرني وأرجو الإفادة عليه، وهو: أن بعض الناس يقولون بأن الله فوق في السماء، وعندنا في السودان علماء التوحيد يقولون بأن الله كان ولا مكان، وهو منزهٌ عن الجهات الست، طبعاً شرق وغرب وشمال وجنوب فوق تحت، نرجو منكم التوجيه حول هذا

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل تجاني إسماعيل سوداني ومقيم بالمملكة يقول: أستفسر عن الآيات الكريمة التالية، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) . والآية الأخرى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . يقول: على حُسْنِ قول الناس منهم مَنْ يقول بأن الله موجود في السماء، والبعض يقول بأن الله موجود في كل مكان. اشرحوا لنا ذلك مأجورين

- ‌بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا: أين الله؟ فأجيب: بأنه في السماء، واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة، ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، أليس توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع

- ‌يقول السائل: ما حكم الخوض في ذات الله

- ‌يقول السائل: لقد سمعت بيتاً لأحد السلف الصالح، ولكنه التبس عليَّ الشطر الأخير وشككت فيه من الناحية العقائدية، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي معنى هذا البيت، وهل هو صحيح من ناحية الاعتقاد أم لا؟ البيت هو:

- ‌هذه رسالة من المخلصين عبد الله محمد أحمد الرياض منظور أحمد قريشي أحمد حسين، يقول الإخوة: الموضوع يوجد بطاقات مكتوب عليها أسماء الله جل جلاله، مثل هذه الصورة التي بجانب الرسالة- وقد ضمنوا هذه الرسالة صورة لكسوة الكعبة، وعليها آيات من كتاب الله المبين- يقول: ترمى في الأرض من قبل ناس لا يعرفون الإسلام، يقول هذه فقط إشارة، وما تنصحون الباعة بذلك، أو من يهمه الأمر بذلك

- ‌بارك الله فيكم المستمع م. أ. أ. من القصيم يقول: أسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . لأنني قرأت بعض التفاسير، وخشيت أن يكون في بعضها ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك في قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) . نريد الجواب الشافي

- ‌يقول السائل: مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها له من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، فكيف نفسر الآيات الكريمات، الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) ، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً) ، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)

- ‌الإيمان بالملائكة

- ‌جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل إبراهيم من الرياض: ما هي أهمية الإيمان بالملائكة

- ‌بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية والذي رمز لاسمه بـ م ل م يقول: فضيلة الشيخ نود أن تعطونا نبذة عن خلق الملائكة، وهل تأتي على صورة حيوان؟ ما صحة ذلك

- ‌المستمعة أشواق تقول: إن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا كراماً كاتبين، يكتبون كل ما نقول ونفعل. السؤال: ما الحكمة من خلقهم؟ مع العلم بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ما نسر وما نعلن

- ‌بارك الله فيكم المستمعة من المدينة المنورة أم عبد الله تقول: فضيلة الشيخ بعض الناس يقومون بوضع البخور في بيوتٍ قديمة، يدعون أنهم يبخرونها للملائكة، ويضعون قطعاً من القماش ويبخرونها. فما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين

- ‌يقول السائل: هل هناك أدلة تدل على أفضلية الملائكة على الصالحين من بني البشر

- ‌الجن والشياطين

- ‌جزاكم الله خيراً عبد المجيد محمد له هذا السؤال يقول: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة

- ‌هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين يقول: أخوكم في الله ريكان غيلان الضامن من الجمهورية العراقية يقول: نحن نعرف أن إبليس هو أبو الشياطين، فكيف تتكاثر الشياطين وكيف تتناقص

- ‌السائل أنور محمد إبراهيم من العراق محافظة ذي قار يقول: كيف هي حقيقة حياة الجن؟ وهل بينهم تزاوج شرعي؟ وهل هم يعيشون ويموتون مثلنا نحن الإنس؟ وهل لهم تأثير على الإنس

- ‌بارك الله فيكم، المستمعة هناء محمد تقول: سمعت بأنه يوجد جن صالحون وجن شياطين، هل يظهرون للإنسان؟ وكيف نتجنب ظهورهم

- ‌هل الجن قد أسلموا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضاً هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون

- ‌بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائلة الزهراء ع. م. ن. من البيضاء من الجماهيرية العربية الليبية تقول: هل للجن تأثيرٌ حقيقة على الإنسان؟ كما نسمع من تسلط بعض ذكور الجن على إناث الإنس، وتسلط بعض إناث الجن على رجال من الإنس؟ وكيف التخلص من هذا إن كان هذا وارداً؟ وبأي الطرق يمكن معالجة من به مثل هذه الحالة، دون الرجوع إلى وسائل محرمة ومخالفة للتوحيد

- ‌يقول السائل: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون، كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي هي فوق طاقة الإنسان وقدرته؟ أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده

- ‌أسمع دائماً من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله سبحانه وتعالى. فهل هذا صحيح أم لا

- ‌الإيمان بالكتب

- ‌التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة هل هي منسوخة بالقرآن؟ وما هو الدليل من القرآن إن وجد؟ والسنة المطهرة؟ وما حكم قراءتها بالنسبة للعالم للاطلاع

- ‌تقول السائلة: ماحكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها

- ‌عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته: عثرت على بعض الكتب المسيحية، فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم

- ‌هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقهلية يقول في رسالته: ما هو الحكم في الذي يقرأ بالإنجيل؟ فهل هو حلال أم حرام، مع العلم أنه يتلو القرآن

- ‌هذه يا شيخ رسالة وردت من محمد العيسى الحمود الجارياوي يقول في رسالته: إنني قرأت في كتاب وهو كتاب مسيحي، وفيه مكتوب أن المسيح ابن الله تعالى، وأنا أعرف أنه خطأ وكفر بالله، هل يلحقني ذنب في هذه القراءة؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً، رغم أن الكتاب فيه عدة أخطاء وكفر بالله

- ‌حنان وسامية من بابلة الأردن المستمعتان تسألان: نحن نعلم بأن القرآن الكريم نزل مفرقاً، وورد بالقرآن أنه نزل في ليلة القدر، هل معنى ذلك بأنه نزل في كل سنة من ليلة القدر؟ نرجو بهذا إفادة يا فضيلة الشيخ

- ‌بارك الله فيكم السائلة أع ن تقول: هل نزول القرآن باللغة العربية يجعل الأعجميين لديهم عذر أو حجة لأن القرآن ليس بلغتهم

- ‌جزاكم الله خيراً هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقاً. فما معنى أن القرآن ليس محدثاً وليس مخلوقاً

- ‌ناصر دوارة من الجمهورية العربية السورية يقول: ما الفرق بين النبي والرسول

- ‌فضيلة الشيخ ما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ وهل توجد كتب غير الكتب الأربعة التي نزلت أو أنزلت على الأنبياء؟ وما هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم؟ نرجو منكم الإجابة

- ‌الإيمان بالرسل

- ‌السائل ب م حجازي الخبر المملكة العربية السعودية يقول: أرجو أن تبينوا لنا مشكورين حقيقة الأمر في مسألة عصمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يلتبس الأمر على كثير من الناس في هذا الشأن، كثيراً ما نسمع ما يمكن أن يفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الخطأ، كما يفهم من عموم قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) . ولكن نرى في بعض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصيب ويخطئ في بعض الأمور، كالسهو في الصلاة مثلاً. فما حقيقة أمر العصمة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الجوانب التي عصم منها من الخطأ تحديداً والجوانب التي لم يعصم من الخطأ مشكورين

- ‌هذا السائل يا فضيلة الشيخ من السودان يقول: يا فضيلة الشيخ نعلم أن الرسل معصومون من الخطأ، هل هم معصومون من الخطأ في التشريع فقط، أم في كل الأمور

- ‌يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد، ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه، ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصلىها. فهل هذا صحيح؟ وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا

- ‌يقول السائل محمد عمر أحمد من السودان: قيل: إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم جاءه ملك وفتح صدره وملأه نوراً، فما مدى صحة هذا الكلام

- ‌السائلة أم أسامة من مصر أسوان تقول: سمعت من بعض الإخوة يقول بأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا القول صحيح

- ‌يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان، فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة

- ‌أحسن الله إليكم هل الخضر عليه السلام حي إلى يومنا هذا

- ‌أحسن الله إليكم يقول السائل: هل هناك خصائص اختصها الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن لغيره من أفراد أمته

- ‌محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يسأل عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي ركعات، وقد صلىت عدداً من الركعات ظنّاً مني أن هذه هي الصلاة عليه، وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة- والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله فما رأيكم جزاكم الله خيراً

- ‌السائل حمودة يقول: فضيلة الشيخ منذ سنوات فهمت عن جهلٍ مني بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي مثل الصلاة العادية: ركوع وسجود وخلاف ذلك، وصلىت عدة ركعات ظناً مني بأن الله عز وجل أمرنا بذلك، فهل علي إثمٌ في ذلك

- ‌المستمع الذي رمز لاسمه بـ: أ. ح. الأردن يقول في رسالته: هل محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق قاطبة، أم أفضل البشر فقط؟ وما الدليل على ذلك

- ‌أحسن الله إليكم يا شيخ وبارك فيكم هذا سائل سوداني يقول: فضيلة الشيخ يقولون بأن الرسول مخلوق من نور، هل هذا كلام صحيح

- ‌جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ، هناك أناس غلوا في الرسول وتجاوزوا الحد في محبته، وهناك أناس فرطوا وتساهلوا في محبته، كيف نوجه مثل هؤلاء

- ‌يقول: كيف تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا في قولهم

- ‌يقول السائل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أعمال العباد تعرض عليه وهو في قبره. هل هذا حديث صحيح

- ‌يقول السائل: إذا قام شخص بقراءة القرآن، أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هل عليه إثم في ذلك

- ‌هذه رسالة من إبراهيم بن عبد الله من بني مالك يقول: أسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل كان يقرأ أم كان أمياً

- ‌هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء

- ‌ع م م س يقول: هل لكم فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا- ولو بشيء من الإيجاز- معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إبراهيم محمد من السودان الفاشر يقول: أحاط المسلمون بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بعض الخوارق والمعجزات، أسأل وأقول: ما مدى صحة هذه المعجزات؟ وهل وردت في أحاديث كثيرة؟ ثم ألا ترون أن هذه المعجزات تنزهه عن آدميته؟ نرجو منكم إفادة بارك الله فيكم

- ‌ما الرد على من قال: هل كان سلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على الأنبياء وردهم عليه كان بالروح، أم بالجسد، أم بهما معاً

- ‌أسأل عن الإسراء والمعراج بمحمد صلى الله عليه وسلم، هل صعد إلى سدرة المنتهى بروحه وجسده أم روحه فقط؟ أفتونا جزاكم الله خيراً

- ‌السائل ع م د ومقيم بالمملكة يقول: نرجو من فضيلة الشيخ إلقاء الضوء على العبر والمواعظ من الإسراء والمعراج والمشاهد التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم التي تؤثر في القلوب الغافلة

- ‌الأيمان باليوم الآخر

- ‌هذا المستمع يقول: ما هو أثر الإيمان باليوم الآخر على عقيدة المسلم

- ‌المستمع من مصر سيد عباس يقول: ما هي العلامات الصغرى المتبقية فضيلة الشيخ

- ‌تقول السائلة: ما صحة القول بأن أول علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها

- ‌يقول السائل: أقرأ هذا الدعاء في كل صلاةٍ قبل السلام، وهو: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أريد أن أعرف: من هو المسيح الدجال؟ وما هي فتنته

- ‌يقول السائل: قرأت في بعض الكتب عن الدجال، هل هو ابن صياد أم لا؟ فما هو الحق في ذلك؟ وكذلك في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يطوف بالبيت وفيه صفات الدجال، فلما سأل عنه قيل: هذا هو الدجال، مع أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة. نرجو الإفادة

- ‌يقول السائل: من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن

- ‌ما المقصود بيأجوج ومأجوج؟ وماذا تعرفون عنهم، كما ورد ذكرهما في القرآن الكريم

- ‌السائل ش م م من العراق محافظة صلاح الدين يقول: يقول الله عز وجل في سورة الكهف: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) . فمن هم يأجوج ومأجوج؟ وأين يوجدون

- ‌يقول السائل: كثيراً ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض، ونسمع من جهةٍ ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول: لا إله إلا الله في الأرض، فكيف نوفق بين هذين القولين

- ‌ما مدى صحة ما يقال بأن من يموت في رمضان أو يوم الجمعة لا يعذب عذاب القبر

- ‌المستمع عدنان من المملكة الأردنية الهاشمية يقول: هل الميت يبصر؟ وما مدى بصيرته

- ‌إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته، أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة؟ نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكراً لكم

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هل الميت يسمع السلام والكلام ويشعر بما يفعل لديه أم لا

- ‌مستمعة من العراق محافظة التأمين أشواق إلياس سليمان تقول: لقد ذكر الله جل شأنه في كتابه العزيز أن أصحاب الكهف ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، وأن العزير أماته الله سبحانه وتعالى مائة، ثم بعثهم وبعثه، وقد علمنا من شأنهم بقية القصة. السؤال: هل الموتى لا يحسون بمدة موتهم إلى أن يحييهم الله يوم القيامة؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيراً

- ‌يقول: فضيلة الشيخ إمام وخطيب المسجد الجامع الكبير بعنيزة السلام عليكم، سؤالي ما يلي: كيف يتأذى الميت بدخول إنسان لا يصلى معه في القبر؟ ألم يكن كل واحد ذهب إلى مقعده: إن كان في الجنة فهو في الجنة، والثاني في النار فهو في النار؟ أم كيف يكون التأذي؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة

- ‌المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن

- ‌يقول: إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر فكيف يكون ذلك

- ‌ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية

- ‌السائل إبراهيم من الرياض يقول: ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية

- ‌السائلة تقول في هذا السؤال: أرجو التحدث عن الحياة البرزخية كما جاء في سورة المؤمنون: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

- ‌يقول السائل: كيف السؤال في القبر بعد ممات الإنسان

- ‌يقول السائل م. ع: ما حقيقة عالم البرزخ

- ‌السائلة ن ع ع جدة تقول: أرجو أن تبينوا لنا عذاب القبر وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله. وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم

- ‌يقول السائل: يقال: إن الكافر عندما يوضع في القبر ويأتيه منكر ونكير، يأتيانه في صورٍ مخيفة ومرعبة، فهل المؤمن يرى منكراً ونكيراً بنفس الصورة التي يراهما فيها الكافر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

- ‌يقول المستمع م. ع. م. من المدينة المنورة: ورد في الحديث الصحيح أن الميت عندما يوضع في قبره يسأل عن ثلاث: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ بينما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينتظر عند الميت بعد دفنه مقدار ما تنحر الجزور. السؤال: الأسئلة المذكورة أعلاه الثلاثة لا تستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق، فهل هناك أسئلة أخرى تستغرق مقدار نحر الجزور؟ آمل إفادتي مشكورين

- ‌المستمع مصري الجنسية يعمل بالعراق يقول: قرأت في كتاب يسمى دقائق الأخبار ما يفيد بأن الإنسان بعد الموت يدخل عليه في القبر ملك اسمه دومان، فيقول له: اكتب عملك. فيقول: أين قلمي وحبري وورقي؟ فيمسك سبابة يده اليمنى ويقول: هذا قلمك، ويشير إلى فمه: من هنا حبرك، ويقطع قطعة من جلد يده ويقول: هذا ورقك. وروى الكثير مما يحدث بعد الموت، مثل استئذان الروح من ربها بعد أسبوع وتعود إلى البيت الذي كانت تعيش فيه. هل هذا صحيح؟ وهل هناك ما يثبت ذلك من القرآن والسنة

- ‌يقول السائل: كيف النجاة من فتنة القبر

- ‌يقال: إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون، إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة. ما مدى صحة ذلك

- ‌كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة

- ‌هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدّاً؟ أرجو بهذا إفادة

- ‌هذه رسالة وصلت من إحدى اخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى، تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة، تقول: كثيراً ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة، حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل. سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير، يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟ أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين

- ‌ما مصير الأطفال الذين يموتون دون البلوغ والتكليف، سواءٌ كانوا مسلمين أو غير مسلمين، من ناحية مصيرهم في الآخرة؟ وهل الحديث الذي معناه: (كل مولودٍ يولد على الفطرة) ينطبق حتى على أطفال غير المسلمين

- ‌ما مصير أطفال المشركين أو الكفار الذين يموتون؟ هل هم في النار أم في الجنة

- ‌هل التائب من الذنوب لا يحاسب على ذنوبه الماضية إذا تاب توبة صادقة؟ وهل مرتكبو الكبائر إذا تابوا تقبل منهم توبتهم

- ‌سائل يقول في هذا السؤال: ما الفرق بين الكوثر والحوض

- ‌سائل يسأل عن الحوض المورود ما هو

- ‌بالنسبة لحديث الحوض والذي يَردِ فيه الناس والذي يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً عليه، من هم هؤلاء الناس الممنوعون من الشرب؟ أهم أصحاب البدع؟ وهل للبدع أنواع

- ‌محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده

- ‌يقول السائل: ما صفة الصراط عند المرور عليه؟ وهل ورد له صفة معينة

- ‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ذكر بعض المتحدثين بأن الصراط طوله ثلاثة آلاف سنة، فهل هذا ثابت

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: من صلى في المسجد النبوي ثمانين صلاة متتابعة، مع الحضور قبل الصلاة ليلحق تكبيرة الإحرام، ويشفع له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فهل هذا صحيح

- ‌من السودان السائل أبو محمد يقول: هل الأطفال الذين يموتون وهم صغار يشفعون لوالديهم يوم القيامة؟ أفيدونا مأجورين

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: هل يشفع الابن الصالح والولد الصالح لوالديه في الآخرة؟ وكيف

- ‌المستمعة أشواق إلياس سليمان العراق محافظة التأمين تقول: وضعت طفلاً ميتاً بعد رمضان العام الماضي، وقد صمت الشهر كله ولله الحمد. سؤالها تقول: هل يأتي يوم القيامة كبيراً، كما سمعت من بعض النساء؟ هل لي أجر حمله تسعة أشهر وساعات ولادته العسيرة؟ وضحوا لنا ذلك بارك الله فيكم

- ‌المستمعة حصة. م. أ. الرياض تقول في رسالتها: كما نعلم يا فضيلة الشيخ من القرآن الكريم والسنة المطهرة مآل المشركين في الآخرة، سؤالي هو عن أطفالهم الصغار إذا ما ماتوا، ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ أرجو إفادة

- ‌يقول: جاء في بعض الأحاديث أن القرآن يشفع للعبد، يقول: يا رب إلى آخره، فكيف الجمع بين ذلك وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحديث فيه أن القرآن يقول: يا رب

- ‌أحسن الله إليكم هل صحيح أن الإنسان الذي يموت يكون إما في سجين وإما في عليين، جزاكم الله خيراً

- ‌السائل حميد أحمد من اليمن يقول في هذا السؤال: لدينا طلاب متفقهون في الشرع، ويقولون بأن الله عز وجل سيرى يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ مع الدليل من الكتاب والسنة

- ‌السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول: يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف، وجاء في الحديث: (أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) . وأيضاً جاء: (لا يدخل الجنة نمام) . فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص؟ أم كيف يكون الجمع بينها

- ‌يقول هذا السائل: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملاً، ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟ والذين يبقون في النار خالدين فيها

- ‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة

- ‌بارك الله فيكم يقول السائل: هل يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله العتيبي الطائف الحوية يقول: فضيلة الشيخ هل أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يخلدون في النار أم لا؟ وهل تحل لهم الشفاعة أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟ أرجو منكم الإفادة مأجورين

- ‌المستمعة من الرياض تقول: هل المسلم إذا دخل الجنة يتعرف على أقاربه الذين في الجنة؟ وهل يذكر أهله بعد موته ويعرف أحوالهم

- ‌أحسن الله إليكم هذا سائل عبد المنعم عثمان من السودان يقول: هل الرجل يتعرف على أولاده في يوم القيامة إذا كانوا سعداء

- ‌حفظكم الله هذه رسالة وصلت من مستمع للبرنامج لم يذكر الاسم، في حالة دخول الزوجين الجنة هل يلتقيان مرة ثانية

- ‌رسالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة

- ‌فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حوراً عيناً، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ ألهن أزواجٌ أم لا

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل أحمد صالح يقول: هل المرأة الصالحة في الدنيا تكون من الحور العين في الآخرة؟ أرجو منكم الإفادة

- ‌تقول السائلة ر ق ع في هذا السؤال: ما منزلة المرأة في الجنة مع وجود الحور العين؟ وماذا بالنسبة لزوجها؟ وهل المرأة تصبح زوجة للشهداء

- ‌وعد الله عز وجل الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم الجنة والحور العين، أرجو أن تعرفونا هل هذا خاص للرجال فقط بالنسبة للحور العين

- ‌السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول: نحن نعلم بأن الله سبحانه وتعالى قد أعد الحور العين لعباده المؤمنين يوم القيامة في الجنة، فإذا كانت هنالك امرأة مؤمنة وأدخلها الله سبحانه وتعالى الجنة برحمته، أما زوجها فلسوء سعيه في الدنيا لم يدخل الجنة، فمن يكون زوجها يومئذٍ؟ أفيدونا مأجورين

- ‌أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع سالم غانم عاشور العراق الموصل يقول: قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الشفاعة، فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم، حين يقول الله تعالى: فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي، فيخرج من النار أقواماً لم يعملوا حسنة قط، فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات، ويسمون عتقاء الله عز وجل. فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معناه

- ‌الشياطين مخلوقة من نار، أي: نار السموم، وعدهم الله بنار الحميم، فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها

- ‌القضاء والقدر

- ‌إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد

- ‌هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما

- ‌يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر

- ‌تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ماذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله

- ‌عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة

- ‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون

- ‌أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيراً

- ‌يقول السائل: البعض من المرضى يتذمر ويكثر من الشكوى ويتسخط مما فيه من مرض، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء وذلك بالاحتساب والصبر؟ جزاكم الله خيراً

- ‌المستمعة من حفر الباطن تقول: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت بعد أن يصطدم بأشياء وأمور لا تجوز في هذه الدنيا الفانية

- ‌سائلة تقول: واجهت في حياتي عدة مشكلات جعلتني أكره الحياة، فكنت كلما تضطجرت توجهت إلى الله تعالى بأن يأخذ عمري بأقرب وقت، وهذه أمنيتي حتى الآن؛ لأنني لم أر حلاً لمشكلاتي سوى الموت هو وحده يخلصني من هذا العذاب، فهل هذا حرام علي؟ أرشدوني أفادكم الله

- ‌من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير

- ‌علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين

- ‌السائل محمد من مكة المكرمة يقول: هل الإنسان مسير أم مخير

- ‌مجموعة من السائلات يقلن: يا فضيلة الشيخ نحن السائلات من المدرسة الثانوية بجدة لنا هذا السؤال: هل يؤاخذ الإنسان ويعاقب على الأخطاء والمعاصي وقد قدرها الله عز وجل عليه في اللوح المحفوظ؟ نرجو بهذا إفادة مأجورين

- ‌هل يكتب الله عز وجل طريقة الموت على الإنسان، أي: كيف يموت بمرض أم حادث؟ أرجو بهذا إفادة

- ‌من أريتيريا عثمان محمد عبد الله يسأل ويقول بأنه دخل في عدة طرق من الطرق المتعددة وخرج منها. سؤاله يقول: هل ما ضاع من عمري في هذه الفترة والسيئات التي وقعت فيها محسوبة عليّ أم تنفى عني بتوبتي؟ ثانياً يقول: وهل كل ما حصل عليّ في هذه الطرق الباطلة قبل هذا كان مكتوباً علي؟ إن كان مكتوباً عليّ من الأزل وكان الله عالماً بهذا؟ نرجو بهذا إفادة

- ‌يقول السائل: هل الكفار مكتوب لهم من الأزل أنهم كفار؟ ولماذا يعذبون في المكتوب قديماً إذا كان كل شيء يجري على ما سبق في الأزل

- ‌عوض عبد الوهاب يقول: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ وهل مكتوب مثلاً أتزوج فلانة بعينها مسبقاً؟ وهل الرزق محدد مهما كد الشخص وتعب؟ وما الدليل على ذلك

- ‌يقول السائل: إذا كان قضاء الله وقدره سابقاً على الإنسان بالسعادة أو الشقاوة فما حكم تركه الأخذ بالأسباب والعمل

- ‌يقول السائل: هل الإصابة بالعين حقيقة؟ نرجو توضيح ذلك، وكيف نعالج هذه الإصابة بالآيات القرآنية؟ وما هذه الآيات؟ وفقكم الله

- ‌العين حق فكيف يتقي الإنسان من العين يا فضيلة الشيخ

- ‌يقول السائل: ما العلاج الشرعي للمصاب بالعين؟ وبعض الناس يكون عنده وسواس ويخشى الإصابة بالعين، ودائماً يطلب من الناس أن يذكروا الله، فهل عمله هذا صحيح

- ‌يقول السائل: هل هناك رقية شرعية تعمل لمن أصيب بالعين؟ وهل يجوز التداوي من العين بطرق أخرى يعملها بعض الناس وهم يزعمون بأنها تشفي

- ‌ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيراً

- ‌يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق) ؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين

- ‌يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك

- ‌الكفر والتكفير

- ‌يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية

- ‌يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالاً أو أعمالاً أو اعتقاداً، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد

- ‌يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام

- ‌عبد الرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيراً

- ‌هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة

- ‌هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولاً إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي

- ‌ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني

- ‌ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحداً في أسماء الله وصفاته

- ‌إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت

- ‌المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين

- ‌بماذا نحكم على من أنكر المعراج أو أوّل في تفسيره له

- ‌يقول السائل: الذي لا يصلى ولا يزكي هل يعتبر كافراً

- ‌يقول السائل: إننا نرى إذا أقبل شهر رمضان المبارك نرى البعض من الناس يهرعون إلى الصلاة حتى يصوموا شهر رمضان،وإذا انقضى رمضان نراهم يتركون الصلاة ولا يصلون إلا في شهر رمضان، ويعللون ذلك ويقولون: نحن نصلى في هذا الشهر حتى يقبل صومنا. هل يقبل منهم مثل هذا الصيام؟ وهل تقبل الصلاة في هذا الشهر، مع العلم بأنهم لا يقضون ما فاتهم من صلاة؟ أفيدونا أفادكم الله

- ‌من العراق محافظة بابل أ. ف. ي. د. تقول: يزورنا في البيت من الأقارب من لا يصلون ولا يؤدون الواجبات ويشركون بالله- والعياذ بالله- ومنهم من يقول لي: ندعو الأولياء والصالحين. عجزت من نصحهم هل يجوز مجالستهم؟ وعندما أتحدث عن الدين يضحكون مني ويسخرون ويهزؤون ويقولون لي: هذه عابدة اتركوها، وعندما يقولون هذا أتضايق كثيراً وأقول: يسامحهم الله. وعندما أقول لوالدتي: يا أماه لا تشركي بالله لا تعيرني أي اهتمام، وإذا استمعت إلى برنامجكم نور على الدرب تقول: بأنك لن تدخلي الجنة على عملك هذا، وإذا استمررت على سماع هذا البرنامج أو غيره من البرامج الدينية فسوف تصابين بالجنون. وأقول لها: إنني لست مجنونة ولكن الله هداني. ماذا أفعل لكي أرضي الله سبحانه وتعالى ثم أرضي أمي والناس؟ نصيحتكم يا شيخ

- ‌يقول السائل: هل يعتبر التحاكم إلى غير شرع الله كفراً مع العلم بأنه يعتقد اعتقاداً منافياً للشك بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي أفضل من الأحكام الوضعية؟ نرجو بهذا التوجيه مأجورين

- ‌يقول السائل: أسأل عن الآية الكريمة في قوله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) على من تنطبق هذه الآية الكريمة مأجورين

- ‌يقول السائل: ما حكم سب الدين الإسلامي

- ‌حسن سعيد سوداني ومقيم بالعراق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين بحالة غضب؟ هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ حيث إنني سمعت من أهل العلم يقولون بأنك خرجت عن الإسلام بقولك هذا، وأيضاً يقولون بأن زوجتك حرمت عليك. أفيدونا بهذا الموضوع

- ‌يقول: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامداً بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ؟ وإن لم يكن داخلاً فما معنى هذه الآية إذاً

- ‌ما حكم من يسب الدين أي يشتم الإنسان بلعن دينه؟ وماذا عليه إن كان متزوجاً؟ وإذا سألته عن ذلك يقول: هذا لغو ولم أقصد سب الدين

- ‌تقول السائلة من الجزائر: يا شيخ هل سب الدين في حالة الغضب من الكفر

- ‌هناك بعض الشباب يمزح ويقول كلاماً على الله وعلى رسوله من أجل أن يضحك زملاءه، وحينما ننصحه يقول: أنا أمزح. فبماذا تردون عليه؟ وهل إذا كان مازحاً يجوز له أن يمزح بكلام عن الدين أو الله أو الرسول أو المؤمنين

- ‌يقول السائل: ما حكم من يستهزئ بالحجاب ولا يأمر أهله به؟ فنرجو منكم التوجيه والنصح مأجورين

- ‌ما حكم الاستهزاء بالملتزمين؟ هل هو كفر

- ‌يقول السائل: ما حكم من يستعمل ألفاظاً غير لائقة في القرآن أو عبارات أو جملاً وهذا من باب المزاح، كذكر كلمة من القرآن وربطها بكلمةٍ عامية، فما رأيكم بما يفعل في ذلك مأجورين

- ‌سالم سليم من شمال سيناء يقول: عندنا جماعة يقولون بأن الله في كل مكان بذاته. ونقول لهم: إن الأمر ليس كذلك، إن الله في السماء. ونقول لهم: الرحمن على العرش استوى. ولم يقتنعوا بقولنا، ومصرون على ما هم عليه. السؤال: هل هم كفار؟ وهل يلحق بهم من اتبعهم وهم على جهل؟ أم ماذا يقال عنهم؟ أنا قرأت في بعض الكتب بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: أنا لو قلت بمقالتكم كنت كافراً، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال. فما القول الصحيح في هؤلاء مأجورين

- ‌إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم

- ‌هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب

- ‌يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية

- ‌السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته

- ‌من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم، هل يكون مشركاً شركاً أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيراً

- ‌من كان ينطبق عليه حكم الكفر هل يجوز مناداته بالكفر

- ‌يقول السائل: قلت لأخي: يا كافر لأنه لا يصلى أثناء شجارٍ وقع بيني وبينه، فما حكم ذلك مأجورين

- ‌من المستمع عبد الحميد البربري مصري ومقيم في الرياض يقول في رسالته: هل المسيحي يعد في عداد الكفرة، علماً بأنه من أهل الكتاب، ومن هم أهل الكتاب؟ أفيدونا بارك الله فيكم

- ‌وردتنا من منطقة خريسان من الجمهورية العراقية محافظة ديانا بهز أو قرية أبو خميس بعث بها المرسل أخوكم في الإسلام علوان منصور جسام القريشي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الفضيلة العلماء المحترمين قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) . فهل معظم سكان البشرية غير المسلمين هم في الآخرة مطرودون من رحمة الله، حتى ولو كانوا ينتمون إلى أديان سماوية أخرى مثل الديانة اليهودية والمسيحية

- ‌يوجد عندنا بعض الناس يزعمون أنهم فقهاء، ليسوا فقهاء علماً، بل يزعمون أنهم يضرون وينفعون من يشاؤون، بحجة أن لهم شرهة يصيبون بها من يريدون، ويكررون هذا القول في كثير من المناسبات فهل ذلك صحيح أم خرافات جاهلية؟ وكيف نتخلص من ذلك؟ علماً بأن بعض الناس يصدقونهم فيما يقولون مثل كبار السن والجهال

- ‌جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد حفظكم الله هذا السائل يقول: لقد خاب وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، متى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا

- ‌متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين

- ‌أسأل وأنا أعتقد بأن علي إثماً في هذا السؤال، وهو: أن لدينا ناساً يقولون: إن عبد الله أبا محمد صلى الله عليه وسلم هو في النار، وناس يقولون: لا بل هو في الجنة؛ لأنه أبو نبي، أفيدونا جزاكم الله خيراً، وهل عليّ إثم في هذا السؤال، وإذا كان علي إثم فهل له كفارة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً ودمتم

- ‌السحر

- ‌ما حكم فعل السحر وتعلمه

- ‌حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) . فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية

- ‌ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة

- ‌المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين

- ‌بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتباً يكتب كتاباً يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز

- ‌ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين

- ‌هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة

- ‌ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى السحرة

- ‌سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا

- ‌بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ

- ‌امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله

- ‌المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى

- ‌ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً

- ‌هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر

- ‌ما هو العلاج الشرعي للسحر

- ‌أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله

- ‌المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحداً وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر

- ‌يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين

- ‌هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر

- ‌أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحراً فهل يجوز له ذلك

- ‌إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له

- ‌من السودان الطيب م. م. يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن يترددون على الكهان والسحرة

- ‌ف. ع. البارقي تقول: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ يقول مثل هذا القول: لولا تحزين الناس لأخبرت كل إنسان باليوم الذي يموت فيه هذا الرجل. تقول: بأن والدي يصدق هذا الرجل ويقول بأنه عالم ولم يأتِ بعده أعلم منه، علماً بأن هذا الرجل قد مات، ولكن والدي لم ينس هذا الرجل، فما حكم الشرع في نظركم في هذا

- ‌المستمع أحمد الرفاعي له سؤال يقول فيه بالنسبة للشعوذة والدجل توجدان رغم ثقافة المواطنين بكثرة، وما زال الناس يرزحون تحت وطأتها، والإيمان بها عند ضعاف العقول. هل من نصيحة أو توجيه حول هذا السؤال

- ‌المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصاً يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل

- ‌رسالة من الأخوين يونس ومحمد ابني صالح بن سالم التوبي من سلطنة عمان يقولان: نحن نعلم علم اليقين أن الإسلام حرم الشعوذة وحاربها، ولكن يحدث أحياناً أن يصاب شخص ما بأحد الأمراض فيراجع كل الأطباء المختصين بذلك المرض ولكن دون جدوى، وأخيراً يقال له: إننا لم نعرف هذا الداء من قبل وليس عندنا له دواء، إلى أن يزداد عليه المرض أكثر فأكثر، وأخيراً يقرر أن يذهب لأحد المنجمين مع أنه يعلم أن ذلك حرام، ففعلاً ذهب وما هي إلا أيام حتى بَرَأَ بحمد الله. فما رأيكم في مثل هذه الأحوال

- ‌أسمع كثيراً عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديماً في باطن الأرض وعليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعاً من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلاً يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن، هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة

- ‌ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئاً من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علماً أنه مقصر في دينه كثيراً: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحاً فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة

- ‌من كان به مرضٌ ودُلّ على شخصٍ يتلو على المريض ويعطي له دواء على حسب ما يراه حيث يقول: إن فلاناً به كذا وعُمِل له كذا، أو طاح على مكانٍ به جنٌ فما هو الحكم في ذلك

- ‌الشرك

- ‌ما هو الشرك وما هي أنواعه

- ‌هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين

- ‌هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركاً، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين

- ‌المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم

- ‌يقول:نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيراً

- ‌بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ

- ‌فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله عز وجل، وأن ذلك من أساس الاعتقاد

- ‌تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلاً: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علماً بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين

- ‌بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يوماً ويفطر يوماً، إلا أنه دائماً يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية

- ‌عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم

- ‌هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيراً

- ‌هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين

- ‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر

- ‌بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا

- ‌هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله

- ‌أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، ويمكثون أياماً عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله

- ‌في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء

- ‌هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيراً

- ‌ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقاداً جيداً أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه

- ‌بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم

- ‌المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم

- ‌هذه الرسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية، وبعث بها المستمع لبرنامج نور على الدرب سليمان عبد الغفار عبد المجيد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على النفس والكفار والمشركين. أما بعد فأنا أشكركم على برنامج نور على الدرب، وأتمنى لكم أعظم أجر من الله العزيز الحكيم. يقول: إنني أتوجه إلى الشيوخ الأفاضل بهذه الأسئلة: إننا يوجد عندنا أغلب الناس يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويقولون: لا إله إلا الله، ولكن- والعياذ بالله- يجعلون قبور الصالحين واسطة بينهم وبين الله، ويقول: إنهم يشدون لهم الرحال، ويعملون حفلات فوق القبور، ويأخذون الأطفال والنساء، ويذبحون الكثير من الغنم والماعز، ويحلفون بهذه الأوثان. فهل نأكل من هذه الذبائح وهم يذكرون الله عليها؟ نرجو التوجيه منكم لنا ولهم وفقكم الله

- ‌كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع، فما هو أصلها؟ وما موقف التشريع الإسلامي منها؟ أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها

- ‌المستمع ع. ع. ب. أيضاً من جمهورية مصر العربية يقول إنه يوجد لدينا في أرياف مصر من يقومون بالنذر للمشايخ ببعض الأطعمة مثل الزبد والألبان واللحوم وغيرها إذا كانت لديهم بعض من البهائم مريضة أو غير ذلك، وبعد شفائها يقومون بأداء النذر لهذا الشيخ. فهلا أرشدتم العباد فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً

- ‌487-هذا المستمع بعيضة فضيل من الجزائر يقول: في القرية التي أقيم فيها بعض العادات توشك أن توقعنا في خطر كبير، منها زيارة بعض أشخاص قد ماتوا قديماً يدعي أجدادنا أنهم من الأولياء الصالحين، وزيادة على هذا فإنهم يسألونهم الخيرات والرزق مثل الأولاد دون أن يسألوا الله العلي القدير، ويلقون إليهم بالنذور كأن يقول الواحد منا: إن نجحت في الامتحان لأذبحن كبشاً وأقدمه قرباناً إلى ذلك الولي الصالح، ويسميه باسمه الشخصي، وفعلاً فهم يوفون بالنذر. فهل يجوز هذا أم لا؟ وما هي نصيحتكم لهم

- ‌488- من سلطنة عمان المنطقة الجنوبية عامر بن أحمد يقول: هل يجوز النحر للميت؟ أفيدونا أفادكم الله

- ‌عدنان عبد القادر من السودان كسلا يقول: بعض الناس هداهم الله يحلفون بالأولياء ويطلبون منهم العون، فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين

- ‌قرأت في كتيب بعنوان صيغة الصلاة على سيدنا محمد فيها فوائد عظيمة لقضاء الحاجات، والصيغة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد سر حياة الوجود، والسبب العظيم لكل موجود، الحبيب المحبوب، شافي العلل ومفرج الكروب. ما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟ جزاكم الله خيراً

- ‌491-هذا سائل للبرنامج يقول: أرجو التكرم من فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين بالإجابة على أسئلتي. يقول: يوجد في قريتنا إمام مسجد يدعو الناس إلى الاستغاثة بغير الله من الأموات، ويعتقد ذلك من الأمور التي تقرب الناس إلى الله تعالى. فما حكم الإسلام في نظركم في هذا الرجل؟ وما حكم الصلاة خلف هذا

- ‌492- نحن في بلاد غير إسلامية يكثر فيها غير المسلمين، وكان بينهم وبين المسلمين مناظرات، وفي هذه المناظرات أثيرت شبهة، وهي أن أهل الكتاب قالوا: إنكم أيها المسلمون تشركون بالله؛ لأنكم تطوفون بالكعبة ومن ضمنها الحجر الأسود، وهذا يعني أن المسلمين يشركون بالله. والسؤال: كيف نرد على هذه الشبهة؟ علماً بأنهم رفضوا قبول النصوص بتاتاً

- ‌المستمع محمد الطرشان دمشق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم فيما لو ذبح الإنسان خروفاً وقال: اللهم اجعل ثوابه في صحيفة الشيخ فلان بن فلان؟ هل في ذلك شيء من البدع

- ‌يقول بعض الناس: إذا سكن منزل جديد لا بد وأن يذبح بداخله ذبيحة أو ذبيحتان خوفاً من مس الجن اعتقاداً منهم بذلك. نرجو بهذا إفادة

- ‌أحسن الله إليك يا شيخ من شمال سيناء مصر السائل أبو محمد يقول: فضيلة الشيخ عندنا أناس يذبحون للأولياء والصالحين، ويذبحون عند شراء السيارة الجديدة حتى لا يحصل لها حادث، ويذبحون للبيت الجديد حتى لا تسكن فيه الجان، ويذبحون لخزان المياه حتى لا يغرق فيه أحد. أفيدونا بالحكم عن هذه المسائل

- ‌المستمع أبو سالم من العراق يقول: بعض الناس عندنا يذبحون الذبائح لغير الله، للإمام علي رضي الله عنه مثلاً، أو للشيخ عبد القادر، وأحياناً يكلفني بعضهم بأن أذبح له بتلك النية، ولكني في داخل نفسي أقول: هي لله تعالى؛ لعلمي أن ذلك لا يجوز. فهل في هذا شيء؟ وهل يلحقني شيء من الإثم؟ وهل يجوز الأكل من لحوم تلك الذبائح

- ‌الحلف

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك

- ‌أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا

- ‌يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله

- ‌بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلاً والنبي، عليك الشيخ فلان مثلاً

- ‌هل يجوز الحلف بغير الله سبحانه وتعالى؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا

- ‌المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيراً من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) . لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم

- ‌من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء

- ‌هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة

- ‌هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك

- ‌بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين

- ‌المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عادياً، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء، فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد

- ‌القبور

- ‌هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا

- ‌يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيراً

- ‌هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقداً أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها

- ‌فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة

- ‌يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك

- ‌يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين

- ‌هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضاً إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها باباً من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

- ‌هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح عليه السلام والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلاً، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه بدعة

- ‌هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيراً

- ‌جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين

- ‌المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء

- ‌هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركاً بالله هذا أم لا

- ‌يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء

- ‌محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا

- ‌يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجداً على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد

- ‌التصوير

- ‌ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علماً بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير

- ‌أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلاً إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله

- ‌تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا

- ‌رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت

- ‌من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيراً

- ‌ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علماً بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية

- ‌رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقاً فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة

- ‌ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك

- ‌يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها

- ‌المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك. ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

- ‌المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة

- ‌هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)

- ‌السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها

- ‌بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتباً فيها صور فما الحكم في ذلك

- ‌المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكوراً بالإجابة

- ‌يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا

- ‌فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها

- ‌هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها

- ‌ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات

- ‌السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علماً بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة

- ‌وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة

- ‌البدعة

- ‌المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة

- ‌ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيراً

- ‌السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً

- ‌يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة

- ‌يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة

- ‌يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا

- ‌المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ

- ‌هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيراً

- ‌ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك

- ‌هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي

- ‌هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته

- ‌عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان

- ‌من الأردن إربد هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ حفظكم الله أطلب منكم أيها الشيخ أن تضربوا لنا أمثلة من واقع الحياة المعيشة على البدع والتي قد لا نتوقع أن تكون بدعة، مع التوضيح ما هي البدعة؟ وما أضرارها على الأمة الإسلامية

- ‌المستمع محمد محمد حسن سوداني مقيم بالباحة يقول: لقد سمعت كثيراً أن الذكر الجماعي بدعة ولا يجوز، ولكن حسب علمي المتواضع اطلعت على بعض الأحاديث التي تفيد أنه لا حرج في ذلك، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم بما معناه: أنه ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. وأعتقد أن السيوطي أشار لهذا الحديث في كتابه الحاوي للفتاوي، وبناء عليه قال بجواز الذكر الجماعي. ثم الحديث الآخر والذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على جماعة من أصحابه فقال لهم: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. فلم ينكر عليهم ذلك. وواضح بأن الذكر هنا مطلق، علماً بأن كل ذلك يتعارض ويتناقض مع ما جاء في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) . نرجو أن توضحوا لنا الصواب في هذا الموضوع وفقكم الله

- ‌سائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئاً لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو: أن يتلو الإنسان قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: (اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي) . ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر ورداً آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مئة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيراً في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور. فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه

- ‌أحسن الله إليكم هذا السائل من السودان يقول: عندنا جماعة وفي الجامع الذي نصلى فيه عندما يصلون يأمرهم إمام المسجد بأن يقولوا جميعاً: يا لطيف مائة وتسعاً وعشرين مرة ويرددون ذلك، فهل يجب علينا أن نردد ذلك؟ أم نترك هذا الإمام وهذا المسجد

- ‌السائلة ع. ع. ف. من السودان تقول: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم. فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر؟ أو ماذا يقولون؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلاً على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن كان صحيحاً لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم

- ‌ما حكم الغلو في محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

- ‌المستمع ع. م. جمهورية مصر العربية يقول: فضيلة الشيخ هل ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بشكلٍ جماعي في أيامٍ محددة جائز؟ أرجو منكم التوجيه مأجورين

- ‌هذه الرسالة وردتنا من إسحاق محمد نور حامد الحاج من جمهورية السودان يقول فيها: يستدل بعض الناس بالحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) إلى آخره، وكذلك بأن حسان بن ثابت كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فيستدلون بهذا على جواز المدح. نرجو أن تفتونا في ذلك وفقكم الله

- ‌ما حكم مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده؟ وهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه جزاكم الله خيراً

- ‌السؤال: ما هو رأي الدين في هذه الأشياء والدليل من الكتاب والسنة؟ -القصائد التي تمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتمجده، وإلقائها في المناسبات الدينية وذلك بإحياء الليالي بها

- ‌هل يجوز مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصائد؟ وبتخصيص ليلة الجمعة وليلة الاثنين؟ وإن كان هذا يباح فما هو الثواب؟ وإن كان لا يجوز ما هو المدح الذي يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أو لا يجوز إطلاقاً

- ‌ما حكم من جعل المديح بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحين تجارة له يكتسب منها معيشته

- ‌بارك الله فيكم هذه الرسالة وصلت من أخيكم في الله ص. من جمهورية مصر العربية محافظة شمال سيناء يقول: أرجو من فضيلة الشيخ أن يجيب على هذا السؤال: يوجد في بلدي أناس يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، ولكن في كل ليلة اثنين وليلة جمعة بعد صلاة العشاء يعملون دائرة وهم وقوف، وهي ما تسمى بالحضرة، ويعملون فيها أربعة أشواط، وبين كل شوطين يقوم رجل منهم يمدح الرسول. والشوط الأول يقولون فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الشوط الثاني يقولون فيه: الله دائم باقي حي. الثالث يقولون فيه: صل وسلم يا الله على النبي ومن والاه. والرابع يقولون فيه: يا لطيف الطف بنا. فما حكم الإسلام في ذلك مأجورين

- ‌مستمع للبرنامج محروس إبراهيم من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرة يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في أناس يمدحون الرسول أقصد الشيوخ الذين يمدحون الرسول وهم يستعملون المزمار والعود والطبلة؟ وأيضاً ماحكم المقرئين الذين يشترطون على عائلة المتوفى من أجرهم؟ وهل هناك فصال في كتاب الله

- ‌بارك الله فيكم رسالة وصلت من مستمع إلى البرنامج يقول: يقام في بلدنا كل يوم خميس حلقات دينية في بيوت المشايخ: يقوم صاحب الزاوية أو الشيخ الذي تقام في داره الحلقة بتعليم الناس الذين يأتون لحضور هذه الحلقة، ويقومون بمدح الرسول والصحابة والشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي وغيرهم، كما يضربون على الدفوف، ويتحركون حركات هادئة تشبه الركوع ولكنها كثيرة وسريعة. ماذا تقولون في مثل هؤلاء بارك الله فيكم

- ‌هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يصاحبها النقر على الطبلة، مع القيام بحركات تشبه الرقص. هل هذا جائز شرعاً في نظركم يا فضيلة الشيخ؟ وما هي آداب الذكر

- ‌أثابكم الله يا شيخ محمد رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين عطية من المدينة المنورة يقول: لقد سمعت حلقة من برنامج نور على الدرب يوم الخميس الموافق 14 / 6 / 1407 هـ وسمعت إجابة السؤال الأول من البرنامج والذي قال فيه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بأن كل بدعة ضلالة وذكر الحديث، وقال: ليس هناك بدعة غير ضلالة وليس هناك بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة. سؤالي: هل السَبْحَةْ تعتبر بدعة؟ وهل هي بدعة حسنة أم بدعة ضلالة

- ‌المستمع عبد الرحمن إبراهيم أحمد من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: في يوم الجمعة عندنا يقوم بعض الناس بالتسبيح ويقولون: الصلاة وألف سلام يا سيدي يا رسول الله، ويستدلون لهذا بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً..) الخ الآية. فكيف نرد على مثل هؤلاء

- ‌أحد الإخوة المستمعين سليمان من قرية المقروبة بجمهورية مصر العربية يقول: في قريتنا البعض من الناس يذكرون الله بصوت مرتفع وهم وقوف، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعلون ذلك في ليلة الاثنين والجمعة. نصحتهم بذلك وقلت لهم بأن ذلك بدعة في الدين، سخروا مني وقالوا لي: إننا على صواب وأنت الذي على خطأ. وإني رفضت هذا الكلام ولا أبالي، الرجاء من فضيلتكم النصح لمثل هؤلاء

- ‌ما حكم سماع الموالدي الذي يمدح الرسول في الليالي ومعه طائفةٌ من الإخوان يرددون المدح والتهليل بمكبر الصوت

- ‌يافضيلة الشيخ: هذا بالنسبة لمن يقوم بها ويتحلق عليها، لكن حكم من يسمعها

- ‌وصلتنا رسالة من المستمع م. ع. ص. من جمهورية مصر العربية يقول: ما حكم الشرع في نظركم في أعياد الميلاد والاحتفال بذكرى المولد للرسول صلى الله عليه وسلم؟ لأنها تنتشر عندنا بكثرة، أفيدونا بارك الله فيكم

- ‌هذه رسالة وصلت من مكة المكرمة يقول فيها السائل: كثير من الناس يقول بأن المولد ليس ببدعة؛ لأن فيه ذكراً للرسول صلى الله عليه وسلم وتمجيداً لذكره، وليس فيها لهو من غناء وغيره، بل هو ذكر فقط في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ما الحكم إذا كان المولد بهذه الصورة؟ أريد جواباً شافياً وواضحاً لهذا الموضوع؛ لأن الكثير من الناس يرون أنه ليس فيه شيء من البدع لأنه ذكر فقط

- ‌هذا السائل طاهري محمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ هل احتفل الرسول صلى الله عليه وسلم بميلاده كما يفعل البعض أم لا؟ أرجو منكم التوجيه والنصح في هذا الموضوع مأجورين

- ‌المرسلة ل. م. ن. تقول في رسالتها: نحن كل سنة يقام عيد خاص يسمى عيد الأم، وهو في واحد وعشرين آذار يحتفل فيه جميع الناس، فهل هذا حرام أو حلال؟ وعلينا الاحتفال به أم لا وتقديم الهدايا؟ أفيدونا بذلك مشكورين

- ‌بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: ما حكم تبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء في مناسبات أعياد الميلاد وعيد الزواج

- ‌السائل أبو معاذ من الرياض يقول: يحتفل الزوجان فيما بينهما بيوم زواجهما، ويجعلان لذلك اليوم خاصية عن الأيام الأخرى وذلك للذكرى، فيتبادلان الهدايا بينهما. فما الحكم في ذلك

- ‌هذه أختكم في الله م. م. أ. الدوحة قطر تقول: لقد اعتدنا في نصف شهر شعبان كل سنة توزيع بعض الأطعمة والمأكولات على الجيران تصدقاً، فهل هذا العمل بدعة

- ‌هذه مستمعة أم عبيد من جمهورية مصر العربية محافظة الشرقية تقول: في بلدنا بعض العادات التي وجدناها في بعض المناسبات، يعني: في عيد الفطر يعملون الكعك والبسكويت، وأيضاً في السابع والعشرين من رجب يحضرون اللحوم والفاكهة والخبز، كذلك في النصف من شعبان، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم يحضرون الحلوى والعرائس وغيرها، في شم النسيم يحضرون البيض والبرتقال والبلح، وكذلك في عاشوراء يحضرون اللحم والخبز والخضروات وغيرها. ما حكم الشرع يا شيخ محمد في هذا العمل في نظركم

- ‌المستمع من جمهورية اليمن الشمالية يقول: عندنا في اليمن مسجد بني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند، يأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء، هل هذا مسنون؟ وما نصيحتكم لهؤلاء

- ‌بارك الله فيكم المستمع من محافظة إبين اليمن يقول: هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن عند المقابر

- ‌تقول أم مصعب: هل يجوز التلفظ بالنية في صيام الفريضة أو صلاة التطوع

- ‌السؤال بارك الله فيكم يقول السائل محمد صلاح مقيم بالكويت: هل الدعاء بعد صلاة الفرض بدعة أم مكروه؟ أفيدونا بذلك

- ‌بارك الله فيكم المستمع فلاح من العراق يقول في سؤاله هذا: في يوم الخميس وقبل صلاة العشاء يقوم المؤذن في المسجد بعمل المديح للرسول والدعاء، وغالباً ما يكون في هذا المديح من شعائر الصوفية كقولهم: يا حبيب الخلق ما لي سواك. ما التوجيه؟ جزاك الله خيراً ونفع بعلمكم

- ‌بارك الله فيكم من اليمن السائل أحمد يقول: فضيلة الشيخ أرجو منكم أن توضحوا لنا هذه المسألة وهي كالتالي: عندنا في بلادنا في معظم المساجد بعد الأذان يدعون بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الانتهاء منه يقولون: الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا العمل صحيح أم بدعة؟ وجهونا للصواب وجزاكم الله خيراً

- ‌بارك الله فيكم، المستمع عبد الله محمد من اليمن بعث برسالة يقول فيها: يوجد في قريتنا بعض العادات القديمة التي تحمل الكثير من البدع المدخلة في الشرك والعياذ بالله، مثل: عندما يذكر شخص ميتاً عزيزاً عليه يقوم على الفور بإيقاد النار ووضع البخور عند قبره وتعطيره وإضاءته بالسرج، وكذلك البعض يقوم بذبح الذبائح في القبور، وعندما يمرض مريض يحضر له تراب من قبور أحد الأولياء. وقد وجهت لهم البعض من النصائح وبينت لهم بأن هذا لا يجوز وبأن هذه أباطيل لا يقرها الدين، فلم يستجيبوا لنصحي. نرجو النصح يا فضيلة الشيخ والتوجيه جزاكم الله خيراً

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل أنور مصري يقول في هذا السؤال: يا فضيلة الشيخ ما حكم وضع المصحف في السيارة من أجل التبرك والحفظ من العين، وأيضاً خشية أن تصدم؟ فأرجو من فضيلة الشيخ إجابة في ذلك مأجورين

- ‌بارك الله فيكم المستمع محمد أ. أيقول: فضيلة الشيخ ما حكم الهلال على المآذن، فقد سمعت بأن هذا أمر مبتدع

- ‌هذه الرسالة وردت من العيون من الأحساء من المرسل سعد صالح الفجري يقول: مما لا شك فيه أن عدة من توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرآن الكريم، يفعلون أشياء تخالف الدين عندهم، يقول: وعند انتهاء العدة عندنا عادة، وهي في الليلة الحادية عشرة بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشرة الأيام تخرج هذه المرأة ومعها بعض النساء إلى أحد المساجد، ومعها مجمرة مدخنة أي بخور طيب، وبعد أن تؤدي ركعتين في المسجد تخرج وعندها عدة أحجار ترميها- أي: ترمي هذه الأحجار- في عدة طرق، ويقولون: إن الذي تصيبه هذه الحجارة يموت إلى آخره، هذا ما يحدث نرجو التوضيح أثابكم الله

- ‌يقول أيضاً: ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة، ومسح الخدود عليها، ولحسها باللسان، ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج

- ‌هل الأفضل تقبيل القرآن الكريم أم الحجر الأسود؟ مع العلم بأن الحجر لا ينفع ولا يضر والقرآن ينفع ويضر، وأنا أجد راحة نفسية في تقبيل القرآن الكريم، فهو كلام الله تعالى، علماً بأن القرآن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مجموعاً في مصحف واحد بل كان موزعاً ، فماذا تقولون في هذا

- ‌جزاكم الله خيراً يقول السائل: أرى قلة من المصلىن بعد الانتهاء من الصلاة وعند الخروج يمسحون أيديهم بالجدار المحيط ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمسحون صدورهم ووجوههم. هل هذا من البدع؟ وإذا كان من البدع أرجو النصح لمثل هؤلاء، جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ

- ‌جزاكم الله خيراً هذا السائل من الأردن يقول: فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكم في أن كثيراً من الناس يعملون البدع، وعندما ننهاهم عن ذلك العمل ونرشدهم إلى الأدلة الصحيحة يقولون: يا أخي نحن نمقت هذا الكلام، وأنتم تريدون التضييق علينا، نحن راضون بعملنا هذا. وجهونا جزاكم الله خيراً

- ‌هذه الرسالة وردتنا من جدة من المستمع أحمد قايد يقول في رسالته: بعد السلام نرجو التكرم بإفادتنا من الناحية الإسلامية والشريعة حول ما هو وارد في الخطاب المرفق، حيث إنها أصبحت ظاهرة غريبة في جميع أنحاء جدة، والجميع يروون هذا الكلام ويعملون هذه الأوراد، ونريد أن نعرف رأي الإسلام في هذا الشأن مع الإسراع لنا بالإجابة وفقكم الله. الورقة التي أرسلها ذكر فيها بعض آيات يقول فيها: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) وآيات بعدها يقول: ثم ترسل هذه الآيات الكريمة لتكون مجذبة خير وحسن طالع وفلاح.. الخ. ويقول فيها أيضاً: فعليك أن ترسل نسخاً من هذه الرسالة لمن هو في حاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل معتذراً، وإياك أن تحتفظ بهذه الرسالة، يجب أن ترسلها وتتخلى عنها بعد ست وتسعين ساعة بعد قراءتك لها، سبق وأن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوفق إلى كذا وكذا الخ. يقول: ما حكم هذه الرسالة؟ أو كيف نعمل بهذه الرسالة

- ‌سمعت أو قرأت عن تلك الوصية التي تلقاها الشيخ أحمد حارس الحرم النبوي الشريف وهو نائم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بها تنبيه المسلمين في تقليل الفساد واتباع الطريق القويم إلى آخره، ثم قرأت كتاباً صادراً عن مؤسسة في المملكة العربية يُكذِّب تلك الوصية، فما هي الحقيقة أصلاً؟ وفقكم الله

- ‌المستمع من حضرموت اليمن الجنوبي م. س. ع. يقول عندنا رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يعلمه كلمات ويدعو بها، فلما أصبح قام بطبع هذا الدعاء ووزعه على الناس ما الحكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً

- ‌التوسل

- ‌جزاكم الله خيراً هل هناك توسل جائز

- ‌مصري يعمل بالدمام يقول: ما هي أنواع التوسل؟ وهل يجوز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌صلاح عبد الله من السودان بعث برسالة يقول فيها: كيف أدعو بالأسماء الحسنى؟ هل أدعو بالتسعة والتسعين؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة

- ‌السائل سيد محمد من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز؟ نرجو أن توضحوا لنا ذلك يا فضيلة الشيخ مع الدليل الواضح

- ‌الله يحييك يا فضيلة الشيخ هذه رسالة وصلت من المستمع أبي حمزة من المدينة المنورة يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك التوسل بالأنبياء والصالحين، وأسأل عن الفرق بين التوسل بالأحياء وبين التوسل بالأموات، وما هو التوسل الجائز

- ‌السائل ع م ك تركونه ليبيا يقول: ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند الدعاء

- ‌بارك الله فيكم المستمع حميد السمرائي أيضاً يا شيخ محمد يقول: ماحكم الدعاء بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم

- ‌هذه رسالة من السائل يوسف سيد أحمد من ليبيا يقول: هل يجوز ذكر السيادة للرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه سواء في التشهد أو خلافه؟ وما هو الأفضل ذكرها أم تركها؟ وهل يجوز التوسل به صلى الله عليه وسلم أم لا

- ‌هذا السائل محمد الشتيلي المملكة العربية السعودية الزلفي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بالصالحين مع التفصيل؟ جزاكم الله خيراً

- ‌جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ما ضابط التوسل المشروع يا شيخ محمد؟ وما حكم من يتبركون بالصالحين بحجة أن الصحابة يتبركون بشعر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إيمان من بغداد تقول هل عند قيام المسلم بالدعاء والسؤال من الله عز وجل وقوله مثلاً: اللهم اغفر لي بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل هذا حرام ويعاقب الله المؤمن عليه؟ مع شكري لأسرة البرنامج وللشيخ المجيب

- ‌جزاكم الله خيراً هذا السائل يقول: ما الحكم في أشخاص يتوسلون بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟ بعد دعاء الرجل يقول: بجاه سيدنا محمد، وجهونا في ضوء هذا السؤال

- ‌خديجة صالح من العراق تقول قسم من الناس عندما يدعون الله يقولون ربنا بجاههم عندك، أي جاه الأولياء والصالحين هل يعتبر واسطة هذا الدعاء بين العبد وربه

- ‌فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة الأولى التي بين أيدينا وردتنا من الأخ في الله عماد إبراهيم أبو الدهب من جمهورية مصر العربية المستمع قد استمع إلى حلقةٍ كما أشار إليها في يوم السبت الموافق 22/10/1401هـ ويسأل عن ردكم على إحدى المستمعات التي تقول هل يجوز الدعاء لله عز وجل والتوسل إليه بجاه الأنبياء أو بجاه عباده الصالحين بمعنى أن نقول اللهم إنا نسألك بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم أن تغفر لنا ذنوبنا وخلاف ذلك من الدعاء ويقول إنكم قد أشرتم في إجابتكم أنه إذا وجد حديث يخالف عدم الجواز فيرسل إلينا وإنه وجد حديثاً في بلوغ المرام يقول فيه الحديث عن أنسٍ رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون رواه البخاري يقول فما رأي فضيلة أستاذنا الجليل في ذلك هل له من صحة أم من الأحاديث الضعيفة الزائدة والله الموفق

- ‌بارك الله فيكم السائل يقول من السودان هل يجوز التوسل إلى الله بهذه الصيغة اللهم صل على محمد وبارك على نبينا محمد صلاة تفرج بها همي وتنفس بها كربتي وتوسع بها رزقي إلى آخره نرجو الإفادة

- ‌هل يجوز أن نقول في دعائنا اللهمَ شفِّع فينا محمداً صلى الله عليه وسلم

- ‌هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد يقول لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي كان من الصالحين الأموات

- ‌بارك الله فيكم هذه أختكم أم عبادة من الأردن أختكم في الله تقول في هذا السؤال ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والراوي عثمان بن حميد أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلِق فتوضأ ثم صلِّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ ما صحة هذا مأجورين

- ‌الولاء والبراء

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل ف. م. ع. ش. يقول فضيلة الشيخ كيف تكون المحبة في الله أرجو منكم إفادة

- ‌بارك الله فيكم السائل من تونس يقول كيف يكون الحب في الله والبغض في الله أرجو منكم الإفادة مأجورين

- ‌الحب في الله والبغض في الله كيف يكون فضيلة الشيخ

- ‌بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمعة تقول هل تعد زيارة المسلمة لأهلها الكفار موالاةً لمن حاد الله ورسوله وهل يعتبر الأب أجنبياً يجب عدم الكشف له

- ‌أحسن الله إليك يا شيخ هل يأثم الإنسان إذا عاش مع أناس لا يصلون ولكنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لكنه لا يستطيع أن يهجرهم لأنهم إخوان وأقارب

- ‌هل يجوز مؤاكلة المشركين من طبق واحد

- ‌هذا السائل مصري ومقيم بالطائف علي بن كمال يقول في هذا السؤال أسأل عن حكم زيارة النصراني إذا كان مريضاً وعن اتباع جنازته

- ‌هل يجوز السفر للبلاد الكافرة والعمل بها في الأعمال المباحة مع المحافظة على العقيدة

- ‌أيضاً يقول ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للترفيه مع العلم أن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته والله الموفق

- ‌المستمعة تغريد تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا كان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلاً إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلاً وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضاً هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم

- ‌بارك الله فيكم يقول أنا مقيم في الأردن في منزل معظم سكانه من الإخوة المسيحيين نأكل ونشرب مع بعضهم فهل صلاتي وعيشي معهم باطل أرجو من الشيخ إفادة حول هذا

- ‌المستمع ع ن من السودان يقول ظروف العمل قد تجمعنا مع هؤلاء الآتية صفاتهم أولهم رجلٌ يدين بدين المجوسية مطلقاً لا علاقة له بالإسلام وثانيهم يدين بأحد الأديان السماوية المنسوخة بالإسلام وثالثهم ناكرٌ للأديان ورابعهم يدين بالإسلام ويؤمن به ولكنه في نفس الوقت لا يطبق قواعد الإسلام الخمسة عملياً مع القدرة على العمل ويترك ذلك تلقائياً بغير عذرٍ شرعي زد على ذلك أنه يستغيث ويستعين بغير الله وسؤالي هو أننا بحكم ظروف العمل الموحد في مصلحةٍ واحدة يبادروننا بالسلام مرةً وتارةً نبادرهم نحن وأيضاً قد يموت واحدٌ من هؤلاء ويلزمنا من ناحيةٍ إنسانية بحكم الزمالة أن نحضر مراسم العزاء من صلاةٍ ودفن وتعزية فما حكم الإسلام في كل هذا أفيدونا أفادكم الله

- ‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل لدي أخٌ لا يصلى إلا قليلاً وهو عاقٌ لوالديه كما أنه يشرب الدخان وهو بذيء اللسان بالإضافة إلى أعمال أخرى يقوم بها فما الحكم في هذا الشخص هل لنا أن نجلس معه في المجلس الذي يكون فيه وهل نأكل معه من طبقٍ واحد أم يأخذ حكم تارك الصلاة

- ‌العريان الباجي أحمد من جمهورية مصر العربية يقول أنا مقيم بالعراق يقول في رسالته أصلى وأصوم شهر رمضان وكان معي جماعة من المسيحيين وسكنت معهم في المسكن وكنت آكل وأشرب معهم هل صلاتي صحيحة وأكلي وشربي معهم صحيح أم لا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم

- ‌يقول لي أخ في بلاد كفار مثل الاتحاد السوفيتي وغيرها من البلاد الكافرة الذين يُعدون دار حرب فما هو الجواب حيال هذا الأخ في معاملته ومراسلاته

- ‌يقول لي صديق لا يصلى ولا يصوم وهو في العشرين من العمر وأنا أحبه وأقدره لأنه زميل مخلص لي وأنا أحافظ على الصلوات والحمد لله فما حكم زمالتي له

- ‌الأخت مليحة صالح عَبَد من العراق بغداد حي الفردوس تقول إنني أعمل في دائرة وهذه يكثر فيها النصارى جداً ونحن نتعامل معهم ونودهم أحياناً أكثر من المسلمين وأنا سمعت وقرأت أن هذا لا يجوز على الرغم من أنني أصوم وأصلى وأرتدي الحجاب الشرعي وأخاف الله وأحياناً أجادلهم إلى درجة الخصومة ولكن دون جدوى وأحياناً أو كثيراً ما يكذبون ما أقول ولكن بعد يوم أعود وأتكلم معهم طمعاً في إسلامهم لأنهم يودونني كثيراً وأنا أظل في حيرة من هذه الصداقة وخصوصاً مع إحداهن فهي لا تؤذيني ولا تسيء إلي ولكني أخاف الله تعالى وأخشى أن يكون علي إثم في صداقتي لها وإخلاصي لها ولكن يعلم الله أنني أطمع كثيراً في دخولها ورفاقها في الإسلام ولذلك حافظت على علاقتي بها فهل علي شيء في هذا

- ‌بارك الله فيكم من الجزائر السائل محمد أ. أ. يقول فضيلة الشيخ أنا مسلم وأحمد الله على ذلك متبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن لي زملاء عندهم بعض البدع فهل لي أن أتركهم وأهجرهم أفيدوني وانصحوني مأجورين

- ‌فضيلة الشيخ نحن نعلم والحمد لله بأن زيارة القبور بهدف الاستعانة والاستغاثة بها محرم وشرك ولكن ماذا أفعل وأهلي ينذرون الذبائح كل عام لأصحاب القبور بهدف التقرب إليهم ونصحناهم كثيراً لكن دون فائدة قائلين بأنهم أولياء لله وصالحون فقلت لهم إذا كانوا صالحين فهم صالحون لأنفسهم وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم وسؤالي هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنهم يصلون وهل صلاتهم هذه مقبولة

- ‌تذكر أنها فتاة وبحكم علا قتها بالأسرة والعائلة والأقارب العديد منهم لا يصلى فكيف يكون التعامل معهم علما بأنهم يعلمون أن الصلاة واجبة إنما هو تكاسل فكيف تكون العلاقة معهم

- ‌يا فضيلة الشيخ ليس في مقدور العائلة ولو كانوا يعرفون أن ابنهم هذا لا يصلى أو لا يأتي بشيء من شعائر الدين لا يستطيعون أن يرموه مثلاً في حفرة أو يذهبوا به من دون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه لأن هذا يحرجهم جداً

- ‌ألفاظ وعبارات

- ‌ما هي العبارة الصحيحة فيما يأتي اللهم أعوذ بك من علمٍ لا ينفع والثاني يقول ناقل الكفر ليس بكافر

- ‌بارك الله فيكم ما حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله

- ‌بارك الله فيكم من المنطقة الشرقية السائل عبد الرحمن الرويلي يقول كثير من الناس يقولون اللهم إننا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه فما الحكم في ذلك جزاكم الله خيرا

- ‌بارك الله فيكم يقول المستمع هذا السؤال ما رأيكم فضيلة الشيخ بقول الداعي في دعائه اللهم لا تعاملنا بعدلك بل عاملنا بعفوك

- ‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل يقول ن. س القحطاني هل من سأل الله عز وجل بقوله اللهم إني أسألك بحق نبيك الذي أرسلت وبحق كتابك الذي أنزلت هل هذا الدعاء صحيح

- ‌بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج أختكم ن. ع. الأردن عمان تقول دعاء بعض العامة بقولهم الله لا يمتحنا أو الله لا يبتلينا وضحوا لنا ذلك في حكمه مأجورين

- ‌بعض الناس يقولون يا شيخ فلان يا شيخ فلان والشيخ هذا ميت وحينما نقول لهم بأن هذا لا يجوز يقولون نحن لا نقصد دعاء ذلك فما حكم هذا القول مأجورين

- ‌أحسن الله إليكم في الآية يقول (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يقول هذا بعض الناس عند سماع خبر أو حادث محزن أو شيء مستغرب هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ

- ‌فضيلة الشيخ هل تصح كلمة المرحوم للأموات مثلاً أن نقول المرحوم فلان أرجو بهذا إفادة مأجورين

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ حكم الشرع في نظركم في عبارة بالرفاء والبنين للعروسين

- ‌هل يجوز أن يسمى الإنسان بالعزيز والحكيم والعادل

- ‌المستمع أيضاً من جمهورية مصر العربية يقول أرى بعضاً من الناس يكتب في خطاباته لأخيه مثلاً أو لوالده فيقول مثلاً والدي العزيز أو أخي القدير أو أختي الكريمة وغير ذلك من أسماء الله الحسنى هل هذا العمل فيه شيء

- ‌يقول اسمي محسن وهو من أسماء الله الحسنى وكل من يعرفني يناديني يا محسن ولم أستطع تغييره لأنه مسجل بأوراق رسمية فهل هذا حرام أم مكروه وعلى من يقع الذنب في هذا على من سماني بهذا الاسم أم علي أفيدوني أفادكم الله

- ‌يقول في أحد أسئلته قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك مع أن الله هو الحارث

- ‌المستمعة من السودان تقول قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك

- ‌هناك أناس يسمون الممرضات ملائكة الرحمة ما حكم هذه التسمية يا شيخ

- ‌بارك الله فيكم يقول في هذا السؤال هل قول العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية فيه شيء فقد ذكر لي أحد الزملاء بأن ذلك لا يجوز لأنه يخالف السنة والتوحيد ولماذا لا يقال عقيدة المسلمين أو عقيدة أهل السنة مثلا أرجو توضيح ذلك بالتفصيل مأجورين

- ‌هذه رسالة وردتنا من صلاح عبد الرحمن آل عبد الله من الرياض يقول كلمة الأديان السماوية هل يجوز إطلاق هذه الكلمة علماً أننا إذا أطلقناها فقد أقررنا بأن هناك أديان أرضية وهل تدخل هذه الكلمة في باب البدع لأنها لم تؤثر عن المصطفى عليه الصلاة والسلام

- ‌بعض الناس يسمي مكة المكرمة ببلد الديانات السماوية هل هذا التعبير صحيح

- ‌بارك الله فيكم هذا السائل يقول فضيلة الشيخ من الواجب علينا بأنه إذا مر ذكر الصحابي أثناء قراءتنا أننا نقول رضي الله عنه ولكن إذا مر تابعي أو من السلف وقلنا أيضاً رضي الله عنه هل في ذلك حرج

- ‌علي إبراهيم يقول نحن نقول للصحابة رضي الله عنهم لكن التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم هل نقول رضي الله عنهم أو رحمهم الله

- ‌يقول هذا السائل هل يجوز أن نقول رضي الله عنه لأي مسلمٍ أم هي خاصة

- ‌جزاكم الله خيراً السائلة ف. ق. القحطاني المنطقة الجنوبية تسأل عن بعض العبارات العامية التي تتردد على بعض الألسنة وهل يجوز التلفظ بها مثل (عليك وجه الله أن تعطيني هذا)

- ‌بارك الله فيكم يردد بعض العامة (يا هادي) (يا دليل) (لا سمح الله) (لا قدر الله) فما الحكم أيضاً في ذلك

- ‌يقول بأنه يسمع من الإخوة في الندوات الطيبة الدينية قولهم الحمد لله وكفى فأرجو التكرم بتوضيح هذه العبارة عن كلمة (وكفى) مأجورين

- ‌بارك الله فيكم يقول عبارة (حمل إلى مثواه الأخير) هل في هذه العبارة شيء يا فضيلة الشيخ

- ‌هذه الرسالة وردتنا من الجمهورية العراقية محافظة التأميم بعث بها أحد السادة من هناك يقول إنني عسكري وموجود عندنا كلمة سيدي للعسكري الضابط تتكرر في اليوم عدة مرات فهل يوجد سيد عدا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وهل يمُّسنا ذنب أم لا نرجو التوضيح وفقكم الله

- ‌هذا مستمع للبرنامج سعيد صالح يقول في هذا السؤال درج على كثير من ألسنة الناس عبارة (شورك وهداية الله) تقال هذه العبارة عندما يتشاور بعض الناس في شيء ماذا تقولون في هذا فضيلة الشيخ

- ‌حفظكم الله هذه السائلة جواهر س. م. م. من الأفلاج تقول هل يجوز أن نقول كلمة شكراً لمن عمل لصاحبه معروفاً أم أنها من خصائص الله عز وجل

- ‌يقول بعض العامة عساك تبارك ما حكم هذه العبارة

- ‌بارك الله فيكم هذا المستمع محمد أ. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذه العبارات (من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا) ثانياً (رب صدفة خير من ميعاد) وثالثاً (هذا اليوم نحس) نرجو بهذا إفادة مأجورين

- ‌فضيلة الشيخ هذا المستمع فهد بن علي الصعب يقول في هذا السؤال يوجد أناس يقولون بعض الكلمات ولا نعلم عن جوازها وحرمتها مثلاً شخص يبحث عن زميل له فلما وجده قال له (ما صدقت على الله إني أجدك)

- ‌ما هي صلاة الإشراق وما حكم قول البعض (ما صدقت على الله إني حصلت كذا وكذا)

- ‌بارك الله فيكم يسأل عن عبارة (أنا على باب الله)

- ‌مستمع للبرنامج يقول بعض الناس فضيلة الشيخ يلزمون الضيف لوجه الله مثل (عليك وجه الله أن تأخذ واجبك عندي) إلى غير ذلك ما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه الأقوال

- ‌أنا أحب مشاهدة المصارعة الحرة لأنها ترفه عني وتذهب الملل عن نفسي وكنا سابقاً نقضي بعض الوقت في السباق والرحلات والصيد وقد تعقدت الآن أمور المعيشة فأصبحنا لا نملك الوقت الكافي للعمل واللهو المباح ونظراً إلى أني لا أملك جهاز تلفاز فإني أذهب في وقت المصارعة إلى أحد المنتزهات أو المقاهي لمشاهدتها وذات مرة جاء أحد المصارعين بحركات مثيرة لجمهور المشاهدين فأخذوا يتصايحون تشجيعاً لهم فإذا بأحدهم يقول يا حبيب النبي استر عليه يا رب يا رب خليه وسؤالي هو هل يجوز إطلاق كلمة يا حبيب النبي لشخص غير مسلم

- ‌فرق وملل

- ‌هذا السائل أبو عبد الله يقول نعرف أن هناك بدعاً منحرفة مثل الخوارج والمعتزلة فما هو الضابط الذي نعرف به الفرقة الخارجة عن الإسلام

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ من هم المعتزلة

- ‌أسعد أ. أسوريا يقول من هم الصابئة هل هم الذين خرجوا عن دين الله أو من دين الله

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائل م. ح. ج. يقول فضيلة الشيخ نقرأ ونسمع عن أهل الكلام والمتفلسفة عن كثيرٍ من العلماء فمن هم هؤلاء وما هو الكلام المنسوب إليهم أرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرا

- ‌المستمع أحمد محمد حسن مصري أرسل برسالة يقول فيها نسأل عن الناس الذين يعطون الناس العهود مثل الطرق الشاذلية والصوفية والرفاعية والبيومية ويقيمون الأذكار في موالد أولياء الله الصالحين مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي والكثير من أولياء الله الصالحين فما حكم الشرع في نظركم في ذلك

- ‌ماهو موقف الإسلام من الصوفية

- ‌بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها عندنا الكثير من كتب التصوف فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف

- ‌المستمع نظام الدين باكستاني يقول ما قولكم فضيلة الشيخ في التصوف والصوفية مع العلم أن التاريخ الإسلامي قد حفظ لنا من خريجي التصوف من غير حصرٍ رجالاً لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وهذه حقيقة لا تحتاج إلى مزيدٍ من البحث فنرجو منكم الإجابة حول هذا

- ‌يا شيخنا الفاضل كثرت الفرق الضالة في زماننا هذا ومن هذه الفرق الضالة الصوفية والتجانية حيث أن لها أنصاراً يدعون أنهم على طريقة صحيحة وأنهم على حق نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة هذه الطرق الباطلة وإبانة الحق لأولئك المنخدعين والمغرورين بهذه الطرق الضالة

- ‌لقد زعم بعض الصوفية أن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ) الآية وقالوا أيضاً لولا أن أباهما كان صالحاً ما خرج الكنز وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته فضيلة الشيخ أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ونرجو الرد ورد دعوى الصوفية الباطلة التي أضلت العباد شيخ محمد أيضاً في ملحوظة في نهاية رسالته يقول نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ وبرنامجكم هذا له الدور العظيم في الإنقاذ وكثيراً من الأسر اتجهت إليه نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا

- ‌يقول الصوفية في زعمهم أن الأولياء تنكشف عنهم الحجب ويتلقون علماً مباشراً من الله يسمونه العلم اللدني وعندما عارضناهم استشهدوا بما رآه عمر بن الخطاب وهو على المنبر من بعض سراياه وهو في ميدان القتال وحذرهم من الجبل الذي كان خلفهم وأن العلم الإلهي الذي يأتيهم هو مما يختص الله بعض عباده به

- ‌فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة وردتنا من السودان من المرسل عمر عثمان بود مدني تاجر بالسوق يقول أولاً مسألة الطرق وكثرة مشايخها مما تجعل الإنسان يعيش في حيرةٍ من أمره فهل لهذه الطرق داع أو أن الإنسان إذا كان على مذهبٍ من المذاهب الأربعة لا يلزمه الاهتمام بهذه الطرق أفتونا جزاكم الله عنا خيرا

- ‌أنا أسلك طريقة صوفية ولا أعتقد في الشيخ أي اعتقاد يخالف الشريعة وكل الأمر أنني أرى في الشيخ أستاذاً يهدي لطريق الشرع اتفاقاً مع الشريعة الغراء فقط ولكنه ينظم أذكارا شرعية فيها الخير ولا يقول بغير ما جاءت به السنة أو جاء به الكتاب فما رأيكم في إتباعها

- ‌هذه الرسالة بعث بها المستمع يقول من العراق محافظة الأنبار نايف عبيد سابر يقول في رسالته أهدي أجمل تحياتي واحترامي إلى برنامجكم الموقر والذي أفادنا وأفاد المسلمين كافة من إفتاء المعلومات الدينية والاجتماعية وعلى هذا الأساس أرسلت رسالتي هذه وفيها بعض الأسئلة أرجو عرضها على أصحاب الفضيلة والعلماء لديكم وأرجو الإجابة منهم مع الشكر أنا شخصٌ أنعم الله عليه بالهداية وسلكت الطريق الصحيح للإسلام وطبقت جميع الشروط من صلاةٍ وصوم…الخ والتزمت أكثر من اللازم حيث التجأت إلى أحد الشيوخ الصوفية وأصبحت تلميذاً من تلاميذه حيث أمرني بالحضور لحلقة الذكر يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وأن أصلى وأسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم ألف مرة يومياً وتسابيح أخرى فأرجو إرشادي على أن طريقة الصوفية هل صحيحة في الشريعة الإسلامية وتعاليمها أم غير صحيحة أفيدونا أفادكم الله

- ‌المستمع أبو حذيفة من مكة المكرمة بعث بهذا السؤال يقول فيه نرى كثيراً من علماء السوء والضلال الذين لا همَّ لهم سوى أكل أموال الناس بالباطل وهم الذين أوقعوا الناس في شرك يلبسون العمائم الخضر ويتسمون بسمات أهل الصلاح ولكنهم لا يصلون وإذا سئلوا لماذا لا تصلون يقولون نحن نصلى في المسجد الحرام بمكة ويأتي من المريدين من أتباعهم فيزكونهم ويقولون إنكم لا ترونه عندما يذهب إلى مكة لأنه من أهل الخطوة ولأن بينكم وبينه حجاباً فلا ترونه وإذا سئلوا عن الصيام قالوا هذا من فضل الله علينا فنحن لسنا بحاجة إلى الصيام لأننا من أصحاب الأموال والصيام هو للفقراء الذين لا يملكون المال وإذا سئلوا عن الحج قالوا هذا أيضاً من فضل الله ويعتذرون ويقولون إن مكة بلد حارة وكلها جبال ولا يوجد أشجار أو ظلال وفي المقابل نرى البعض من الناس ممن يتبعون لهم عندما يؤدون العمرة أو الحج نراهم يطوفون لهم ويدعون لهم ويودون الصلاة لهم في كل جزء من المسجد الحرام فما حكم فعل هؤلاء وما حكم تصديقهم فيما يقولون وهل أعمالهم مقبولة

- ‌رسالة من المستمع صالح الحموي من دمشق سوريا بعث برسالةٍ يقول فيها إنني أقوم بتدريس مجموعةٍ من الناس الفقه الحنفي والتصوف ونقوم بممارسة الذكر الحضرة ودليلنا على هذا هو أن النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما هاجر إلى المدينة المنورة استقبله الناس بالإنشاد وضرب الدفوف فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم وكذلك ورد في القرآن قوله تعالى (قُلْ اللَّهُ) وكذلك فإنني أعلم تلامذتي ضرورة طاعة الشيخ ومحبته وعدم الاتجاه إلى شيخٍ غيره عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من لا شيخ له فشيخه الشيطان) ولكن أحد تلامذتي قد أخذ يجادلني مؤخراً في هذه الأمور وينكر علي ذلك بحجة أنها بدع وأنها تخالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام فقد أصبحت في حيرةٍ من أمري ولما سألت عن تصرفاته تلك قيل لي إن الشاب الذي يجادلني متأثرٌ بالوهابية وقالوا بأن هذه الفكرة الوهابية بدعةٌ تدعو إلى التطرف وتحرم المدائح النبوية والمولد وتقول عن كثيرٍ من الأمور المستحسنة إنها من البدع فقد أشكل عليّ الأمر أرجو إرشادكم وتوضيح هذه الحقيقة لي وفقكم الله

- ‌المستمع عبد الحكيم علي محمد مصري يعمل بالعراق يقول ومن خلال متابعتي الدائمة لبرنامجكم الكريم وخلال إجابة الأسئلة الخاصة بالتصوف سمعت إجابات مختلفة من أساتذة أفاضل وقد أجمعوا تقريباً على ذم هذا الأمر بدون استثناء وإني لأعجب أشد العجب من ذلك لأن في اعتقادي والله أعلم أن الأحكام في ديننا العظيم لا تأتي على التعميم في أمور الدين فمثلاً إذا كان هناك شخص سوء في مكان مّا، لا يمكن أن أحكم على جميع من فيه بأنهم أشرار فعندما نحكم على التصوف بأنه سيئ هل معنى ذلك أن التصوف كمبدأ سيئ أم هناك من يدعي الصوفية وهو ليس من أهلها وإذا كان التصوف كذلك فماذا نقول عن أئمة التصوف والذين أفادونا في الدين أعظم إفادة من خلال علمهم وعملهم أمثال الإمام الغزالي وكذلك ابن عطاء الله وعبد القادر الجيلاني والشيخ السنوسي وزواياهم معروفة وفي العصر الحديث الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله وماذا يقول الدين عن التصوف في أبسط معانيه والتي نفهمها وهو يتمثل في الزهد في الدنيا مع عدم ترك ما أحل الله لعباده وإخلاص العمل والنية لله تعالى وذكره كثيراً واستغفاره وحمده مع نبذ كل ما يلتصق بالدين والتصوف من خرافات وبدع وأشياء تؤدي إلى الكفر أعوذ بالله من ذلك

- ‌هذه الرسالة وردت من الخليفة مهدي عبد الستار من العراق محافظة صلاح الدين يقول فيها إني مهدي عبد الستار أحد خلفاء الطريقة الرفاعية سؤالي حول موضوع الطرائق الصوفية إني سمعت من فضيلة العلماء أنهم يشكون في الطرائق في برنامجكم هذا ويقول بعض العلماء إن الطريقة بدعة حيث أنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أني أخذت الطريقة عن شيخي وأن شيخي أخذ الطريقة عن أبيه وأبوه عن جده وهكذا إلى سيدنا الكبير سيد أحمد الرفاعي أما السيد أحمد الرفاعي فهو ابن السيد سلطان بن علي وستة أظهر ينتسب إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الذي له الطريقة الرفاعية وتنسب إليه وهو الذي أسس ضرب الحراب والسيوف والدخول في النار وعمل الرفاعي كيف تنكرون هذا وقال الله سبحانه وتعالى (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقد خص الله سيد أحمد الرفاعي بالكرامات والشواهد التي جاءت بها الكتب الصوفية مثل قوله أمام حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم يا مصطفى أنت من أسرار منزلها إلى أخره فمد يدك أو فمد يمينك لأقبلها لكي تحظى بها شفتي وظهرت يد الرسول فقبلها سيد أحمد الرفاعي هل هذا حق أفتونا فيها وشكراً لكم

- ‌الأولياء

- ‌‌‌السائلة أم مصعب تقول ما هي صفات الأولياء أولياء الله وكيف يكون المسلم ولياً لله عز وجل

- ‌السائلة أم مصعب تقول ما هي صفات الأولياء أولياء الله وكيف يكون المسلم ولياً لله عز وجل

- ‌‌‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ في هذا الزمن كثر من يدعي أنه من أولياء الله بحقٍ أو بغير حق فهل هناك تحديدٌ أو صفاتٌ معينة بأولياء الله لكي نفرق بين الولي والدجال نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا

- ‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ في هذا الزمن كثر من يدعي أنه من أولياء الله بحقٍ أو بغير حق فهل هناك تحديدٌ أو صفاتٌ معينة بأولياء الله لكي نفرق بين الولي والدجال نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا

- ‌‌‌بارك الله فيكم السائل من المغرب فضيلة الشيخ يقول أسمع عن الأولياء وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك مأجورين

- ‌بارك الله فيكم السائل من المغرب فضيلة الشيخ يقول أسمع عن الأولياء وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك مأجورين

- ‌‌‌بارك الله فيكم يسري حامد من جمهورية مصر العربية طنطا يقول فضيلة الشيخ نسمع عن الكرامات لبعض الناس ونسمع كثيرا في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين فما حكم ذلك أيضا

- ‌بارك الله فيكم يسري حامد من جمهورية مصر العربية طنطا يقول فضيلة الشيخ نسمع عن الكرامات لبعض الناس ونسمع كثيرا في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين فما حكم ذلك أيضا

- ‌‌‌رسالة وردت من أحد الاخوة المستمعين يقول سؤالي عن الكرامات والولاية أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد

- ‌رسالة وردت من أحد الاخوة المستمعين يقول سؤالي عن الكرامات والولاية أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد

- ‌‌‌بارك الله فيكم المستمع ع. أ. أ. سوداني مقيم بالرياض يقول يوجد لدينا في السودان فئة من الناس تسمي نفسها أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الفئة تقوم بأعمال لا أصل لها في الشرع حيث أنهم يزعمون أنهم أولياء صالحون ومن وقت لآخر يطوفون في ربوع أرجاء الوطن ويستقبلون من العامة بالهتافات والترحيب فيقدمون لهم الهدايا والقرابين مع العلم أنهم في أشد الحاجة إليها معتقدين أنها تعود عليهم بالبركة والخير من هذه الفئة فهل يوجد في زماننا هذا بقية لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهل هذه الأعمال التي يقومون بها جائزة وكذلك المظاهر التي يقابلون بها

- ‌بارك الله فيكم المستمع ع. أ. أ. سوداني مقيم بالرياض يقول يوجد لدينا في السودان فئة من الناس تسمي نفسها أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الفئة تقوم بأعمال لا أصل لها في الشرع حيث أنهم يزعمون أنهم أولياء صالحون ومن وقت لآخر يطوفون في ربوع أرجاء ال

- ‌‌‌هذا السائل أبو أحمد يقول هل صحيح أن الصالحين والأولياء تنكشف لهم من أسرار القرآن ما لا ينكشف لغيرهم وما ليس بموجود في كتب التفاسير

- ‌هذا السائل أبو أحمد يقول هل صحيح أن الصالحين والأولياء تنكشف لهم من أسرار القرآن ما لا ينكشف لغيرهم وما ليس بموجود في كتب التفاسير

- ‌‌‌هل إذا مات شخص صالح ولي هل ينفع أو يضر بعد موته يعني موت هذا الشخص الولي إذا توفي هل ينفع الناس أو يضرهم أو ماذا يكون بعد وفاته

- ‌هل إذا مات شخص صالح ولي هل ينفع أو يضر بعد موته يعني موت هذا الشخص الولي إذا توفي هل ينفع الناس أو يضرهم أو ماذا يكون بعد وفاته

- ‌‌‌بارك الله فيكم ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور

- ‌بارك الله فيكم ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور

- ‌‌‌ماحكم الشرع في نظركم في زيارة قبور الأولياء والصالحين هل هو محرم وهل يجوز لنا أن نزورهم

- ‌ماحكم الشرع في نظركم في زيارة قبور الأولياء والصالحين هل هو محرم وهل يجوز لنا أن نزورهم

- ‌‌‌هذا مستمع من المملكة المغربية يقول في هذا السؤال هل زيارة الأولياء تجوز أم لا وإذا كانت تجوز كيف الزيارة وكيف يكون لنا أن نترحم عليهم

- ‌هذا مستمع من المملكة المغربية يقول في هذا السؤال هل زيارة الأولياء تجوز أم لا وإذا كانت تجوز كيف الزيارة وكيف يكون لنا أن نترحم عليهم

- ‌‌‌بارك الله فيكم في سؤال المستمع محمد الطيب يقول ما حكم زيارة الأولياء سواءٌ كانوا أحياء أم أمواتاً نرجو الإفادة

- ‌بارك الله فيكم في سؤال المستمع محمد الطيب يقول ما حكم زيارة الأولياء سواءٌ كانوا أحياء أم أمواتاً نرجو الإفادة

- ‌‌‌أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلا وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت وهذا يحدث لي كثيرا ولا أقول بأني أعلم الغيب حاشا فلا يعلم الغيب إلا الله عز وجل ولكن هل تعتبر هذه مكرمة لي من الله

- ‌أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلا وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت وهذ

- ‌الصحابة

- ‌‌‌جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل في سؤاله يا فضيلة الشيخ ما الواجب علينا نحو الصحابة الكرام

- ‌جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل في سؤاله يا فضيلة الشيخ ما الواجب علينا نحو الصحابة الكرام

الفصل: ‌من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير

‌حامد عبد الله الجور يقول: ما رأيكم في نشرة الأحوال الجوية، وكل التنبؤات الجوية التي نسمعها يومياً في نشرات الراديو وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن نزول المطر من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) . فمن ادعى علم الغيب فيما ينزل من المطر في المستقبل فإنه كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . وأما من أخبر بنزول مطر، أو توقع نزول مطر في المستقبل، بناءً على ما تقتضيه الآلات الدقيقة التي تقاس بها أحوال الجو، فيعلم الخبيرون بذلك أن الجو مهيأ لسقوط الأمطار؛ فإن هذا ليس من علم الغيب، بل هو مستند إلى أمر محسوس، والشيء المستند إلى أمر محسوس لا يقال: إنه من علم الغيب، والتنبؤات التي تقال في الإذاعات من هذا الباب وليست من باب علم الغيب، ولذلك هم يستنتجونها بواسطة الآلات الدقيقة التي تضبط حالات الجو، وليسوا مثلاً يخبرونك بأنه سينزل مطر بعد كذا سنة وبمقدار معين؛ لأن هذه الآلات لم تصل بعد إلى حدٍ تدرك به ماذا يكون من حوادث الجو، بل هي محصورة في ساعات معينة، ثم قد تخطئ أحياناً وقد تصيب، أما علم الغيب فهو الذي يستند إلى مجرد العلم فقط بدون وسيلة محسوسة، وهذا لا يعلمه إلا الله عز وجل. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنه يجب أن يعلم بأن ما جاء في كتاب الله أو فيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الإخبارية فإنه لا يمكن أبداً أن يُكَذِّبها الواقع؛ لأن الواقع أمر يقيني، وما جاء به كتاب الله أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً أمر يقيني، إذا كانت دلالاته على مدلوله غير محتملة، ولا يمكن التعارض بين يقينيين؛ لأن اليقيني قطعي ولا تعارض بين قطعيين. وعلى هذا فإذا وجدنا آيةً في كتاب الله ظاهرها كذا ولكن الواقع يخالف الظاهر فيما يبدو لنا، فإنه يجب أن نعرف أن هذا الظاهر ليس هو ما أراده الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يكون الواقع المحسوس مكذباً للقرآن أبداً، بل إن القرآن نزل من عند الله عز وجل، وهو العليم الخبير الصادق فيما يقول، فبعض الناس يظن أن هذه التنبؤات مخالفة لقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) . والحقيقة أنها لا تعارضها؛ لأنه كما أشرنا إليه إنما يعارضها لو كانوا يحكمون بهذه الأمور بمجرد العلم، ولكنهم هم يحكمونها بواسطة آلات محسوسة يتبين بها حال الجو، وهل هو مهيأ للأمطار أو ليس بمهيأ. ومثل هذا ما نُقل أخيراً من كونهم يعلمون ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، يعرفون أنه ذكر أو أنه أنثى، فإن بعض الناس يظن أنه معارض لقوله تعالى:(وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) . وفي الحقيقة أنه إذا ثبت ذلك فإنه لا يعارض هذه الآية؛ لأن قوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ما اسم موصول يقتضي العموم، وهو شامل لكل ما يتعلق بهذا الجنين، ومن المعلوم أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أنه يعلم أن هذا الجنين سيخرج حياً أو ميتاً، أو أنه إذا خرج حياً سيبقى مدة طويلة أو يموت بعد زمن قصير، أو أن هذا الجنين إذا خرج إلى الدنيا وعاش هل يكون غنياً أو فقيراً، وهل يكون صالحاً أو فاسداً، وهل هو شقي أو سعيد، ثم لا يدعي أحد أن يعلم هل هو ذكر أو أنثى قبل أن يُخلَّق وتتبين ذكورته وأنوثته. فمتعلق العلم بما في الأرحام ليس خاصاً بالذكورة والأنوثة بعد أن يُخلَّق الجنين في بطن أمه؛ لأنه إذا خُلِّق فإنه يمكن أن يعلم به الملك الذي يوكّل بالأرحام يقول: أذكر أو أنثى؟ ويعلم أنه ذكر أو أنثى. فتبين بهذا أن ما ذكر إذا صح أنهم استطاعوا أن يعرفوا كون الجنين ذكراً أم أنثى، فإنه لا يعارض الآية؛ لسعة متعلق علم ما في الأرحام؛ لأنه ليس خاصاً بكونه ذكراً أو أنثى.

***

ص: 2

‌مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل يحتمل أن يريد بقوله: نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر أو أنثى. ويحتمل أن يكون مراده تحديد نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر وأنثى، أن يجعلوا هذه الأنثى ذكراً، أو أن يجعلوا الذكر أنثى. أما الأول- وهو: العلم بأن الجنين ذكر أو أنثى- فهذا كما قاله السائل، قد اشتهر أنهم يعلمون ذلك، وهذا العلم لا ينافي ما جاءت به النصوص من كون الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرحام، فإن الله تعالى يعلم ما في الأرحام بلا شك، ولا ينافي علمه بذلك أن يكون أحدٌ من خلقه يعلمه، فالله يعلم وكذلك غيره يعلم. لكن المعلوم الذي يتعلق بالجنين ينقسم إلى قسمين: قسم محسوس يمكن للخلق أن يعلموا به، كالذكورة والأنوثة، والكبر والصغر، واللون، وما أشبه ذلك، فهذا يكون معلوماً عند الله عز وجل، ويكون معلوماً عند من يتوصل إلى علمه بالوسائل الحديثة، ولا منافاة بين الأمرين. وأما المعلوم الثاني للجنين فهو المعلوم الذي ليس بمحسوس يدرك، وهو علم ماذا سيكون مآل هذا الجنين: هل يخرج حياً أو ميتاً؟ وإذا خرج حياً هل يبقى طويلاً في الدنيا أو لا؟ وإذا بقي فهل يكون عمله صالحاً أم سيئا؟ ً وإذا بقي أيضاً فهل يكون رزقه واسعاً أو ضيقاً؟ وما أشبه ذلك من المعلومات الخفية التي ليست بحسية، فهذا النوع من العلوم المتعلقة بالجنين هذا لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعلمه، ومن ادعى علمه فهو كاذب، ومن صدقه في ذلك فقد كذب قول الله عز وجل:(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . أما الاحتمال الثاني ما يحمله سؤال السائل أنهم توصلوا إلى أن يجعلوا الذكر أنثى أو الأنثى ذكراً، فهذا لا يمكن؛ لأن هذا يتعلق بخلق الله عز وجل، وهو الذي بيده التذكير والتأنيث، فلا يمكن لأحد من المخلوقين أن يجعل ما قدره الله ذكراً أنثى، ولا يمكن أن يجعل ما قدره الله أنثى ذكراً، يقول الله عز وجل:(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) . وكذلك الآية التي ساقها السائل: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) . فالذي أقوله الآن: إن هذا أمر غير ممكن، وكما أنهم لا يستطيعون أن يجعلوا الذكر المولود أنثى والأنثى المولودة ذكراً، فكذلك لا يمكنهم أن يجعلوا الجنين الذي قدره الله ذكراً أن يجعلوه أنثى أو العكس، هذا ما أعتقده في هذه المسألة.

***

ص: 2

‌أبو صالح يقول: هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ وهل هناك آيات دالة على ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن البحث في هذا من فضول العلم، وليس من الأمور العقدية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل بما تقتضيه الأدلة، ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل، فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين: حركة تختلف بها الفصول، وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار، ويقول: إن قول الله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يدل على ذلك، ووجه الدلالة عنده أن نفي المَيَدان دليلٌ على أصل الحركة، إذ لو لم يكن أصل الحركة موجوداً لكان نفي الميدان لغواً من القول لا فائدة منه، ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله، أن تكون هذه الأرض- وهي هذا الجرم الكبير- تتحرك بدون أن تميد بالناس وتضطرب، مع أن الله عز وجل إذا شاء حركها فحصلت الزلازل والخسوفات. ومن العلماء من يقول: الأرض لا تتحرك، بل هي ثابتة؛ لقوله تبارك وتعالى:(أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تضطرب. ولقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) . ولأن الله تعالى جعل الأرض قراراً يقر الناس عليه، وهذا ينافي أن تكون لها حركة. وأياً كان هذا أو هذا فإن إشغال النفس بمثل ذلك ليس فيه كبير فائدة، فيقال: إن كانت تتحرك وهي في هذا القرار التام فهذا دليلٌ على تمام قدرة الله عز وجل، وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك، لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال عز وجل:(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) . فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس: إذا طلعت، وإذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله أو من قام به، أي: من قام به هذا الفعل، فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو، ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو، فإذا قال الله:(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ) فليس المعنى أن الأرض دارت حتى رأينا الشمس؛ لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت، بل يقال: نحن طلعنا على الشمس، أو: الأرض طلعت على الشمس. وكذلك قال الله تبارك وتعالى في قصة سليمان: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ) أي: الشمس (بالْحِجَابِ) ولم يقل: حتى توارى عنها بالحجاب. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر عند غروب الشمس: (أتدري أين تذهب) ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) . فأضاف الذهاب إلى الشمس. فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده، ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع، وذلك لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها، حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها، إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر، هذا هو الجواب عن السؤال الأول. وأما قوله: أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين، والنار في سجين، وسجين في الأرض السفلى، كما جاء في الحديث:(الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) . وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس) . جعلنا الله تعالى من أهلها.

***

ص: 2

‌يا فضيلة الشيخ تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان كما هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هؤلاء بما ذكره الله تعالى في سورة الطور: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون َ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) . فنسألهم أولاً: هل هم موجودون بعد العدم، أو موجودون في الأزل وإلى الأبد؟ والجواب بلا شك أن يقولوا: نحن موجودون بعد العدم، كما قال الله تعالى:(هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) . فإذا قالوا: نحن موجودون بعد العدم، قلنا: من أوجدكم؟ أوجدكم أبوكم أو أمكم أو وجدتم هكذا بلا موجد؟ سيقولون: لم يوجدنا أبونا ولا أمنا؛ لأن الله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشيءكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ) . إذا قالوا: وجدنا من غير موجد، نقول: هذا مستحيل في العقل؛ لأنه ما من حادث إلا وله محدث، وحينئذٍ يتعين أن يكون حدوثهم بمحدث، وهو الله عز وجل الواجب الوجود. وكذلك يقال في السماوات والأرض: نقول: من أوجد السماوات والأرض؟ هو الله عز وجل، لكن السماوات والأرض كانت ماءً تحت العرش، كما قال الله تبارك وتعالى:(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) . فخلق الله عز وجل السماوات والأرض من هذا الماء، قال الله تعالى:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا) أي: فصلنا ما بينهما (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) . فهذا جواب على هؤلاء الملاحدة، فإن أَبَوا إلا ما كانوا عليه فهم مكابرون، ويحق عليهم قول الله تعالى في آل فرعون:(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) .

***

ص: 2

‌الخير أحمد سوداني مقيم بالعراق يقول في رسالته: عرفنا من القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . ولكن أريد أن أعرف منكم ما البعد بين كل سماء؟ وهل هناك سمك لكل سماء؟ أفيدونا بذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن السماوات كما ذكر السائل سبع، جعلهنّ الله تعالى طباقاً، وجعل بينهن مسافات، ويدل لذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما:(أن جبريل عليه الصلاة والسلام جعل يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة، وبلغ صلى الله عليه وسلم موضعاً سمع فيه صريف الأقلام، ووصل إلى سدرة المنتهى) . وكذلك الأَرَاضون هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . والمثلية هنا ليست في الصفة؛ لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، ولكنها مثلية في العدد، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين في قول الرسول عليه الصلاة والسلام:(من اقتطع شبراًَ من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين) . وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضاً، وأن بعضها تحت بعض.وأما بُعْد ما بين كل سماء والأخرى: فقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن بعد ما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وأن كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام) . والعلم عند الله تبارك وتعالى.

***

ص: 2

‌الشهادتان

ص: 2

‌السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ

.

فأجاب رحمه الله تعالى: لا تحتاج إلى شروط توضح واضحة بنفسها لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله يجب أن يشهد الإنسان بذلك بقلبه ولسانه وجوارحه. فبقلبه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا معبود حق إلا الله، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(الحج: 62) . ثانياً: أن يقول ذلك بلسانه ما دام قادراً على النطق؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حتى يشهدوا ألا إله إلا الله) . فلابد من النطق لمن كان قادراً عليه، أما الأخرس فيكتفى باعتقاد قلبه. ثالثا: ً لابد من تحقيق هذه الكلمة، وذلك بالعمل بمقتضاها، بأن لا يعبد إلا الله، وأن لا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فمن أشرك بالله ولو شركاً أصغر فإنه لم يحقق معنى قول: لا إله إلا الله، ومن تابع غير الرسول عليه الصلاة والسلام مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتفي بقول: لا إله إلا الله، حتى فيما يظن الإنسان أنه قالها غير مخلص بها، لحق أسامة بن زيد بن حارثة رجلاً مشركاً، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامة أنه قال ذلك خوفاً من القتل، فقتله، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة:(أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله) ؟ قال يا رسول الله إنما قالها تعوذاً! فجعل يكرر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: (ما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) ؟ يقول: حتى تمنيت أنني لم أكن أسلمت من قبل. فلهذا نقول: لابد من النطق بها باللسان، والعمل بمقتضاها بالأركان، والاعتقاد بمعناها ومدلولها في الجنان، أي: في القلب.

***

ص: 2

‌السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال: ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولاً لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

***

ص: 2

‌كيف يكون المسلم محققاً لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً واعتقاداً بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله: أن يفهم الإنسان معناها أولاً ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهاً، كما قال تعالى:(فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ) . وقال المشركون: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً) . لكن هذه الآلهة ليست حقّاً، بل هي باطل؛ لقول الله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) . وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدة وقولاً وعملاً لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: أن لا يعبد إلا الله، فلا يتذلل ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله عز وجل، ومقتضى هذا أيضاً أن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق، وما سواه فهو الباطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام. ولا بد أيضاً لتحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله عز وجل من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى قال الله تعالى:(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) . وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) . فلابد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله عز وجل، أو تحكم إليه من دون الله.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطاً؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أعظم بيان صلى الله عليه وسلم، سأله أبو هريرة رضي الله عنه: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) . فإذا قال الإنسان: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه،كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية.

***

ص: 2

‌المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون: لا إله إلا الله يجب أن يعرفوا معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وأن كل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . وشروط قول: لا إله إلا الله: أن يقولها الإنسان بلسانه نطقاً لا بقلبه، وأن يقولها طائعاً مختاراً. ويشترط أيضاً أن يقوم بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ومن أهم ما يقوم به الصلاة لأن من ترك الصلاة فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله ثم إن هذة الكلمة إذا قالها الإنسان وهو يفهم معناها فإنها تستلزم أن يقوم بطاعة الله عز وجل؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا يقتضي أن يعبد هذا الإله الحق على الوجه الذي أمر به: مخلصاً له الدين، متبعاً لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملاً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإخلاص هي قول لا إله إلا الله. ولا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ لأن المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) . ولكن لا بد من أن يكون الإنسان معتقداً لمعناها في قلبه، مؤمناً بها، قائماًَ بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، وهو: التعبد لله وحده لا شريك له، بحيث لا يشرك معه في عبادته ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا سلطاناً حاكماً، ولا غير ذلك من مخلوقات الله عز وجل، كما قال الله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتكفير في أمور تقع ممن قال: لا إله إلا الله، مثل كفر تارك الصلاة، فإن من ترك الصلاة كسلاً وتهاوناً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، والمعنى الصحيح بل والنظر الصحيح. وهذه مناسبة لما وعدنا به سابقاً من أننا سنتكلم بإسهاب عن حكم تارك الصلاة، حيث بينا فيما سبق أن كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً هومقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، وأن ما خالف ذلك لا يخلو من واحد من أمور خمسة: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون وقع من قوم معذورين بجهلهم، وإما أن يكون مقيداً بقيد يمتنع معه أن يترك الصلاة، وإما أن يكون ضعيفاً، وإما أن يكون عاماً لكنه مخصوص بأدلة تكفير تارك الصلاة. وبينا أيضاً فيما سبق بأن المراد بترك الصلاة تركها بالكلية، وأما من كان يصلى ويخلي، أي: إنه يصلى أحياناً ويدع أحياناً فإنه لا يكفر. نحن الآن نسوق ما تيسر لنا من الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة: فمن ذلك قوله تبارك وتعالى عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . فإن هذه الآية الكريمة شرطت لثبوت الأخوة في الدين من المشركين ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، والشرط الثاني: أن يقيموا الصلاة، والشرط الثالث: أن يؤتوا الزكاة. ومن المعلوم أن ما رُتب على شرط فإنه يتخلف بتخلف هذا الشرط، فإذا لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخواناً لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة الدينية إلا بكفر مخرج عن الإيمان، أما مجرد المعاصي- وإن عظمت، إذا لم تصل إلى حد الكفر- فإنها لا تخرج الإنسان من الإيمان، ودليل ذلك- أي: دليل أن المعاصي لا تخرج من الإيمان وإن عظمت- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) . فجعل الله القاتل والمقتول أخوين، مع أن القاتل أتى ذنباً عظيماً، توعد الله عليه بوعيد شديد في قوله:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) . وقال الله عز وجل: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فأثبت الله الأخوة بين الطائفتين المقتتلتين وبين الطائفة المصلحة بينهما، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب. فإذا تبين أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بكبائر الذنوب التي دون الكفر، فإن انتفاءها يدل على أن من حصل منه ما يوجب هذا الانتفاء، دليل على أنه كافر. فإن قال قائل: ما تقولون فيمن تاب من الشرك وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة؟ أتكفرونه كما تقتضيه الآية أم لا تكفرونه؟ قلنا لا نكفره؛ لأن لدينا منطوقاً يدل على أنه ليس بكافر، والمنطوق عند العلماء مقدم على المفهوم، هذا المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار) . فإن هذا الحديث يدل على أن من لم يؤد الزكاة لا يكفر؛ لأن قوله: (ثم يرى سبيله: إما إلى النار أو الجنة) دليل على أنه قد يدخل الجنة، ولا يمكن أن يدخل الجنة مع كفره، وعلى هذا فيبقى القيد في التوبة من الشرك وإقام الصلاة قيداً معتبراً لا معارض له، بخلاف قوله:(وآتوا الزكاة) ، فإن مفهومه عورض بمنطوق الحديث الذي ذكرت، فحينئذٍ لا يكون ترك الزكاة والبخل بها مكفراً مخرجاً عن الإسلام، على أن من العلماء من قال: إن تارك الزكاة الذي لا يؤديها كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ولكن الذي تقتضيه الأدلة أنه لا يكفر، ونحن بحول الله لا نعدو ما دلت الأدلة عليه سلباً ولا إيجابا. ً وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: ففيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فجعل ترك الصلاة هو الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، أو بين الشرك وبين الإيمان ومن المعلوم أن الحد فاصل بين محدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، ويدل لهذا أن لفظ الحديث:(بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فقال: (والكفر) . ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ترك الصلاة كفر، حتى يمكن أن يحمل على كفر دون كفر، ولكنه عرفه بأل، الدالة على حقيقة الكفر، وقد أشار إلى هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم. أما الحديث الثاني فهو ما رواه أهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد الفاصل بين المسلمين والكفار هو الصلاة، ومن المعلوم أن الحد يخرج كل محدود عن دخوله في الآخر. أما كلام الصحابة رضي الله عنهم: فقد حكى إجماعهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق رحمه الله، وهو تابعي مشهور قال:(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وحكاه غيره أيضاً. وأما النظر الصحيح الذي يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة: فإنه لا يمكن لمؤمن- بل لا يمكن لمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان- أن يعلم شأن الصلاة وعظمها ومنزلتها عند الله عز وجل ثم يحافظ على تركها، هذا من المحال أن يكون في قلبه شيء من الإيمان، وعلى هذا نقول: إن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل إيمان لا يمكن أن يترك الصلاة تركاً مطلقاً وهو يعلم ما لها من المنزلة العظيمة في دين الإسلام. وأما الأدلة التي استدل بها من قال: إنه لا يكفر، فقد أشرنا إلى أنها لا تخلو من واحد من خمسة أمور، كما صدرنا ذلك في كلامنا هذا. وإذا تبين قيام الدليل السالم عن المعارض المقاوم فإنه يجب الأخذ بمقتضاه، وإننا حين نحكم بالكفر على من دلت الأدلة على كفره لم نتجاوز ولم نتعد؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب إلى الله عز وجل، ولا لوم على الإنسان إذا أخذ بما تقتضيه الأدلة من أي حكم من الأحكام، وعلى كل مؤمن أن يأخذ بما تقتضيه الأدلة من أي وصف كان، ولأي موصوف كان، وألا يجعل النزاع سبباً موجباً للتخلي عن مدلول الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة؛ لقول الله تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) . وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فإن قال قائل: إذا قلت بتكفير تارك الصلاة حصل في ذلك ارتباك وتشويش وتكفير لكثير من الناس؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إننا إذا قلنا بمقتضى الأدلة الشرعية فإنه لن يكون من جراء ذلك إلا ما فيه الخير والصلاح؛ لأن الناس إذا علموا أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وردَّة كبرى، فإنهم لن يتجرؤوا على ترك الصلاة، بل سيكون ذلك حافزاً لهم على القيام بها على الوجه المطلوب منهم، ولكننا إذا قلنا: إنه ليس بكفر وإنما هو فسق، فإنهم يتهاونون بها أكثر مما قلنا لهم ذلك: إنه كفر، ونحن لا نقول: إنه كفر، من أجل أن نحث الناس على فعل الصلاة، ولكننا نقول: إنه كفر، من أجل دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك. وأما قول هذا القائل الذي يقول: إنك إذا حكمت بكفر تارك الصلاة فإنك بهذا توقع الإرباك والتذبذب، وتخرج كثيراً من الناس عن الملة الإسلامية، أقول: ما قول هذا القائل إلا كقول من قال: إنك إذا قطعت يد السارق أصبح نصف الشعب مقطوعاً؛ لأننا نقول لهذا: إنك إذا قطعت يد السارق فسيقل السراق قلة كبيرة؛ لأن السارق إذا علم أن يده ستقطع فإنه لن يقدم على السرقة، وما مثل هذا وهذا إلا كمثل من يقول: إنك إذا قتلت القاتل المستحق للقتل قصاصاً فإنك تضيف إلى قتل الأول قتل رجل آخر، وهذا يضاعف عدد المقتولين، فإننا نقول: إن هذه القولة قولة باطلة، أبطلها الله في قوله:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . فإن القاتل إذا علم أنه إذا قتل عمداً سيقتل لن يقدم على القتل، فحينئذٍ يقل القتل عمداً وعدواناً. والمهم كل المهم أنه يجب على الإنسان العالم المتقي لله عز وجل أن يكون متمشياً مع الدليل حيث ما كان إيجاباً وسلباً، وإصلاح الحال على الرب عز وجل الذي شرع هذا الذي أقدم عليه المفتي والحاكم، والله عز وجل لم يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لا يمكن أبداً أن يشرع لعباده ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة، كما قال الله تعالى:(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) . وأنت إذا حكمت الناس بمقتضى شريعة الله لا بمقتضى واقعهم فإن الواقع سوف يتغير، حتى يتحول إلى مراد الله عز وجل في عباده فيما شرعه لهم.

فضيلة الشيخ: يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملةً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا: إنه لا يؤدي حقيقتها إذا لم يأت بشروطها ومقتضياتها اللازمة، فإنه ليس المراد من كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله أن يقولها بلسانه، بل لا بد أن يقولها بلسانه معتقداً مدلولها بقلبه، قائماً بما تقتضيه من واجبات وشروط وأركان.

***

ص: 2

‌السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله) . والله أعلم، ولكم جزيل الشكر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة، لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهن. ومعناها: لا معبود حق إلا الله، فكل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . والعبادة لا تختص بالركوع أو السجود، يعني: أن الإنسان قد يعبد غير الله دون أن يركع له ويسجد، ولكن يقدم محبته على محبة الله، وتعظيمه على تعظيم الله، ويكون قوله أعظم في قلبه من قول الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) . فَجَعَلَ للدينار عبداً، وللدرهم عبداً، وللخميلة عبداً، وللخميصة عبداً، الخميلة: الفراش، والخميصة: الكساء، مع أن هؤلاء لا يعبدون الدرهم والدينار، لا يركعون له ولا يسجدون له، لكنهم يعظمونه أكثر من تعظيم الله عز وجل، وإلى هذا يشير قوله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) . فهذه الكلمة كلمة عظيمة، فيها البراءة من كل شرك، وإخلاص الألوهية والعبادة لله عز وجل، فلو قالها بلسانه وقلبه فهو الذي قالها حقاً، ولهذا قال أبو هريرة: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) . وقال في حديث عتبان بن مالك- أعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال-:(إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، فلا بد من الإخلاص. وأمَّا مَنْ قالها بلسانه دون أن يوقن بها قلبه فإنها لا تنفعه؛ لأن المنافقين يذكرون الله ويقولون: لا إله إلا الله، كما قال تعالى:(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) . ويشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، كما قال تعالى:(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) . فلن تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك عن قلب وإخلاص. فمن قال هذه الكلمة دون إخلاص فإنها لا تنفعه، ولا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الإيقان بها والعمل بمقتضاها، إنه على كل شيء قدير.

***

ص: 2

‌هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولاً بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا على صواب، فإن المراد بقول: لا إله إلا الله، أن يقولها الإنسان بلسانه، معتقداً مدلولها بقلبه، عاملاً بمقتضاها. ولهذا لو قال الإنسان: لا إله إلا الله، وجحد ولو حرفاً واحداً من القرآن كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله. ومن قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة مثلاً كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله، لكن من قال: لا إله إلا الله، وكانت آخر كلامه، فإنه سيقولها مخلصاً لله بها وهو في هذه الحال، لا يستطيع أن يعمل أكثر من ذلك فتكون مدخلة له الجنة.

***

ص: 2

‌الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال: لا إله إلا الله، عند موته موقناً بها قلبه فإنه يدخل في الحديث، ولكن ليعلم أن النصوص العامة فيما يدخل الجنة أو يدخل النار لا تطبق على شخصٍ بعينه إلا بدليل، فمثلاً:(من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . إذا علمنا أن هذا الرجل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فنحن نقول: يرجى أن يكون من أهل الجنة، فالمعين لا تجزم له وإنما قل: يرجى إذا كان في خير، أو يخشى إذا كان في شر؛ لأنه يفرق بين العموم والخصوص، نحن نشهد ونعلم ونوقن بأن كل مؤمنٍ في الجنة، فهل نشهد لكل مؤمن بعينه أنه في الجنة؟ فالجواب: لا، لكننا إذا علمنا أنه مؤمن نرجو له أن يكون داخلاً في الجنة، نؤمن بأن الله تعالى يحب المؤمنين ويحب المحسنين، فلو رأينا رجلاً يحسن ورأينا رجلاً مؤمناً يقوم بالواجبات ويترك المحرمات فهل نشهد أن الله يحبه؟ فالجواب: لا؛ لأن التعيين غير التعميم، ولكن نقول: نشهد لكل مؤمن أن الله يحبه، ونرجو أن يكون هذا الرجل بعينه ممن يحبه الله عز وجل. وقد أشار البخاري رحمه الله في صحيحه إلى نحو هذا فقال:(بابٌ: لا يقال فلان شهيد) . وإن كان قتل في سبيل الله فلا تقل: إنه شهيد، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة جاء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) . فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إشارة إلى أنك لا تشهد للشخص المعين، بل قل: الله أعلم. وخطب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال: إنكم تقولون: فلان شهيد فلان شهيد، وما أدراك لعله فعل كذا وكذا؟ ولكن قولوا: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد، ففرق رضي الله عنه بين التعيين والتعميم.

***

ص: 2

‌ع. أ. ك.، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة) . (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة) . (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة) . (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون) . فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً:(من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه،وهكذا:(من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا ستراً له من النار) . هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلاً أن رجلاً من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضاً في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها.

***

ص: 2

‌العبادة

ص: 2

‌السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا: ً كونها تنذر لله عز وجل ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر:(أن النذر لا يرد القضاء) . فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئاً وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله عز وجل، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله عز وجل حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانياً: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وقال:(لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي عليه الصلاة والسلام لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، والمسجد لم يبن على قبره، المسجد كان قديماً بناه الرسول عليه الصلاة والسلام من حين قدم المدينة مهاجراً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر فيه، وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه، فدخلت فيه بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من جملتها بيت عائشة، لكنه بيت مستقل، لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد، فهو حجرة في مسجد، قائمة قبل بناء المسجد-أعني: الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران، فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة، وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه، فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد، أو يبنى المسجد على القبر، وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقاً، وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم، وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله، هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال. أما المسألة الثالثة، وهي: أنها لا تعلم أن النذور التي نذرت قد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط، أكرر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال:(إنه لا يأتي بخير) . هكذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقاً بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلاً، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة.

***

ص: 2

‌هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله عز وجل على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائماً خائفة جدّاً لتقصيري، وأسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يجب أن يسير إلى الله تبارك وتعالى بين الخوف والرجاء كجناحي طائر، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه. فالإنسان إذا رأى ذنوبه وما حصل منه من التقصير في حقوق الله عز وجل وحقوق العباد خاف، وإذا تأمل فضل الله تعالى وسعة رحمته وعفوه طمع ورجع، وعليه فينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء يخشى عليه من الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف خشي عليه أن يقنط من رحمة الله، وكلاهما محظور، وقد قال الله تعالى عن أوليائه وأنبيائه:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) . ومن العلماء من قال: إن فعل الطاعات فليغلب جانب الرجاء والقبول، وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً؛ وإن فعل المحرمات غلب الخوف، وخاف أن تناله سيئاته بعقوبات حاضرة ومستقبلة. وقال آخرون من أهل العلم: ينبغي في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف؛ ليحمله ذلك على فعل الواجبات وترك المحرمات، وفي حال المرض المدنف الذي يخشى أن يلاقي ربه به يغلب جانب الرجاء، من أجل أن يموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل. وعلى كل حال يجب على الإنسان أن لا يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو الرجاء حتى يأمن من مكر الله، وليكن سائراً إلى ربه بين هذا وهذا.

***

ص: 2

‌السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حسن الظن بالله أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله عز وجل يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له إذا أذنب ذنباً ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله عز وجل في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة، ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعاً التسليم بقضاء الله تعالى شرعاً وقدراً، وأن نحسن به الظن؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل الثناء والمجد.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل على الله عز وجل تفويض أمرك إلى الله، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون:(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) . أن يفوض الإنسان أمره إلى الله، ويصدق في الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويثق في الله عز وجل وبوعده، ويفعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها، هذا هو التوكل. وأنت إذا اعتمدت على ربك على هذا الوصف فإن الله تعالى حسبك وكافيك؛ لقول الله تعالى:(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) . ونحن نقر بذلك-أي: بالتوكل على الله، أو بما يتضمنه- في كل صلاة، نحن نقول في كل صلاة:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . والاستعانة تستلزم تفويض الأمر إلى الله عز وجل، وأنه ليس لنا حول ولا قوة ولا قدرة على العبادة إلا بمعونة الله، ولكن لا بد من فعل الأسباب الموصلة إلى المقصود، شرعيةً كانت أم حسية. فمن قال: أنا أعتمد على الله وأتوكل عليه في حصول الولد، ولم يتزوج كان كاذباً في توكله، لا بد أن يتزوج، والزواج هو الوسيلة الشرعية لحصول الولد. ومن قال: أنا أعتمد على الله، وألقى نفسه في النار، أو ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة، نقول: أنت كاذب، لا بد أن تفعل الأسباب الواقية من النار أو من الغرق. ولهذا كان سيد المتوكلين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يأخذ بالأسباب الحسية مع صدق توكله على الله، فكان عليه الصلاة والسلام في الحرب يلبس الدرع، والدرع عبارة عن درع من حديد يقي السهام والحراب، وربما لبس درعين زيادةً في الوقاية، كما فعل ذلك يوم أحد. فلا بد من فعل الأسباب النافعة، شرعية كانت أم قدرية حسية، من أجل أن يحصل لك المقصود في اعتمادك على الله عز وجل.

***

ص: 2

‌كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الإنسان متوكلاً على الله بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل، حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس:(يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . فبهذه العقيدة يكون الإنسان معتمداً على ربه جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه. ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، هو من تمام التوكل، سواء كانت شرعية أم حسية ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً. وهذا النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين- كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أحد ظاهر بين درعين- أي: لبس درعين- فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع مخطئون، فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سبباً تحصل به، ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق. قلنا إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيّاً، فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ولو قال قائل: أنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها، لعده الناس سفيهاً، ولكان فعله هذا منافياً لما تقتضيه حكمة الله عز وجل. ولو أن أحداً أكل السم وقال: إني أتوكل على الله تعالى في أن لا يضرني هذا السم، لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا:(وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) . والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به.

***

ص: 2

‌هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يريد العلماء رحمهم الله بتقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، ما ذكره الله تعالى في قوله:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فدعاء المسألة: أن تسأل الله تعالى حاجاتك، بأن تقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واجبرني وما أشبه ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تبارك وتعالى بما شرع، تصلى وتزكي وتصوم وتحج وتفعل الخير؛ لأن هذا الذي يتعبد لله ما قصد إلا رضوان الله وثوابه، فهو داع لله تعالى بلسان الحال له لا بلسان المقال. على أن بعض هذه العبادات التي يتعبد بها تتضمن دعاء المسألة، كالصلاة مثلاً، ففي الصلاة يقول المصلى:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا دعاء مسألة. ويقول: رب اغفر لي وهذا دعاء مسألة، ويقول: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، وهذا كله دعاء مسألة. فالفرق بينهما إذاً: أن دعاء المسألة أن يسأل الله تعالى شيئاً مباشرة، سواء سأله حصول مطلوب أو سأله النجاة من مرهوب. ودعاء العبادة أن يتعبد لله تعالى بما شرع، رجاء ثوابه جل وعلا، وخوفاً من عقابه، هذا هو معنى تقسيم أهل العلم رحمهم الله. وقد علمنا أن الدعاء نفسه عبادة، كما تدل عليه الآية التي تلوتها، وهي قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولم يقل: عن دعائي، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة. وقال الله تعالى:(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . ودعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى يتضمن سؤاله بها، مثل: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ويتضمن التعبد لله تعالى بمقتضاه: فإذا علمنا أنه غفور عملنا ما يكون سبباً للمغفرة، علمنا أنه رحيم عملنا ما يكون سبباً للرحمة، وإذا علمنا أنه رزاق عملنا ما يكون سبباً للرزق، وهلم جرّاً.

***

ص: 2

‌هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله عز وجل والتعلق به دون التعلق بغيره

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وسنقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله عز وجل، وهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله تبارك وتعالى:(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وفي قراءة: (سَيَقُولُونَ اللهُ) . وقال تبارك تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء، وأهل الاستعاذة، وهو أهل الفضل والإحسان.

***

ص: 2

‌يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما السجادات: فإن كانوا أوصوك بها لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص، فلا حرج؛ وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تُشترى من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشترِيها لهم بناءً على هذا الاعتقاد. وأما الكفن أيضاً: فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس وارداً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه، وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أهديت إليه جبة، فسأله إياها رجل من الصحابة، فلاذ الناس به وقالوا: كيف تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلاً؟ فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، وكذلك أيضاً طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفن أباه عبد الله بن أبي بقميص الرسول عليه الصلاة والسلام ففعل، فهذه الأكفان التي كانت من لباس الرسول عليه الصلاة والسلام لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وأما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به.

***

ص: 2

‌بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الله تعالى جعل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، وشفاء لما في الأجسام أيضاً:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي سعيد: أنهم قرؤوا على لديغ سورة الفاتحة، قرؤوها عليه سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما رجعوا إليه وأخبروه، قال-:(ما يدريك أنها رقية) ؟ فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة رقية؛ لأنه يرقي بها المريض، أي يقرأ عليه. فالقرآن كله خير وكله بركة، ولا شك أنه مؤثر، ولكن يجب أن نعرف كما يقال: السيف بضاربه، لا بد لتأثير القرآن من ثلاثة أمور: أولاً: إيمان القارىء بتأثيره، وثانياً: إيمان المقروء عليه بتأثيره، وثالثاً: أن يكون ما قرأ به مما تشهد الأدلة له بالتأثير. فإذا كان كذلك فإنه مؤثر بإذن الله، أما إذا نقص واحد من هذه الأمور الثلاثة، مثل: أن يقرأ على سبيل التجربة، يقول: أجرب أشوف ينفع أم لا؟ فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الواجب على المؤمن أن يؤمن بتأثيره، وكذلك أيضاً لو كان المريض عنده شك في ذلك، وليس عنده إيمان بتأثير القرآن، فإن ذلك لا ينفعه أيضاً؛ لأن المحل غير قابل حينئذ، وكذلك أيضاً لو قرأ آيات لم تشهد الأدلة لها بالتأثير، فهذا أيضاً قد لا يؤثر، وليس معنى ذلك أنه نقص في القرآن الكريم، ولكنه خطأ في استعمال أو قراءة ما تبقى قراءته من الآيات أو السور.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركاً) .

***

ص: 2

‌ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يقرأ في الماء ويتوضأ به المريض ليستشفي به وهذا وإن كنت لا أعلم أنه واردٌ عن السلف لكن قد يقول قائل إنه يدخل في عموم الآية الكريمة (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وخيرٌ من ذلك أن يقرأ المريض على نفسه بآيات من القرآن أو يقرأ عليه أحدٌ من أهله أو من أصحابه بما يراه مناسباً.

***

ص: 2

‌المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي وس م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التداوي بالقرآن العظيم؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَنُنَزِّلُ مِن الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المعوذتين يتعوذ بهما، وقال:(ما تعوذ متعوذ بمثلهما) . فيقرأ على المريض الآيات المناسبة لمرضه، مثل أن يقرأ لتسكين المرض والألم:(وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . ويقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) ، أو نحو ذلك من الآيات المناسبة. وكذلك يقرأ الفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنها رقية يرقى بها المريض واللديغ، وينتفع بها بإذن الله، لكن يجب أن نعلم أن القرآن نفسه شفاء ودواء، ولكنه بحسب القارىء وبحسب المقروء عليه؛ لأنه لا بد من أهلية الفاعل وقابلية المحل، وإلا لم تتم المسألة: فالفاعل لا بد أن يكون أهلاً للفعل، والمحل لابد أن يكون قابلاً له، فلو أن أحداً من الناس قرأ بالقرآن وهو غافل أو شاك في منفعته فإن المريض لا ينتفع بذلك، وكذلك لو قرأ القرآن على المريض والمريض شاك في منفعته فإنه لا ينتفع به، فلا بد من الإيمان من القارىء والمقروء عليه بأن ذلك نافع، فإذا فعل هذا مع الإيمان من كلٍ من القارىء والمقروء عليه انتفع به.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية التي تقال في الرقية أهمها وأعظمها قراءة سورة الفاتحة، فإن قراءة سورة الفاتحة على المريض من أسباب شفائه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وما يدريك أنها رقية) ؟ ومن ذلك ما جاءت به السنة، مثل قوله:(باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين حاسد الله يشفيك) . ومثل قوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجَع أو على هذا الوجِع) . ومثل قوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) . والأحاديث في هذا معروفة، يمكن للسائل أن يرجع إليها في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، أو في كتاب الأذكار للنووي، أو غيرهما مما كتبه أهل العلم في هذا الباب.

***

ص: 2

‌بينما كنت جالساً في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علماً بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءتك على الفتاة فإن هذا لا بأس به، ولكن في هذه الحال يجب أن تكون ساترة لما يجب ستره من الوجه وغيره، وأما مسحك رأسها ووجهها بعد قراءتك فلا أرى له وجهاً، ولا ينبغي ذلك منك، بل يحرم عليك أن تمس بشرة امرأة أجنبية منك، ليست زوجة وليس بينك وبينها محرمية، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا تعود إليه. أما القراءة على النساء والرجال مع مراعاة التحفظ الواجب فإن هذا لا بأس به، وهو من الإحسان، بشرط أن لا يكون هناك فتنة.

***

ص: 2

‌المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أوى إلى فراشه فعل ما ذكره السائل، لكن السائل بدأ بقل أعوذ برب الناس قبل قل أعوذ برب الفلق، والترتيب الصحيح أن نقول: قل أعوذ برب الفلق قبل قل أعوذ برب الناس، نفث: نفخ مع ريق خفيف، والحكمة من ذلك أن هذا الريق تأثر بقراءة هذه السورالكريمة، فإذا كان متأثراً به ومسحه على وجهه ورأسه وبسط عن جسده كان في ذلك خيرٌ وبركة وحماية ووقاية للإنسان في منامه.

***

ص: 2

‌السائلة مريم تقول: فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك شيئاً عن السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى:(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) . ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا) . فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارىء والمقروء عليه مؤمنَين بأثره وتأثيره فإنه لابد أن يكون له أثر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً) . وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات.

***

ص: 2

بارك الله فيكم المستمع أبو عبد الله يقول: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون المرضى، إلا أني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيراً من هؤلاء الذين يقرؤون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب، فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغاً معينا، ً فهل عملي في محله؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله عز وجل، وأن ينووا بذلك- أي: بقراءتهم على المرضى- التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيراً وبركة.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان، إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله عز وجل، ونفع عباد الله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارىء عبداً للدنيا: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله عز وجل، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصل البركة في قراءتهم على إخوانهم، هذا ما أقوله لإخواني القراء.

***

ص: 2

‌هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه

؟

الشيخ: القراءة على المريض فعلها السلف رحمهم الله، ولعل لها أصلاً من كون الرسول عليه الصلاة والسلام عند النوم ينفث في يديه ويقرأ:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاث مرات.

***

ص: 2

‌كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف أن قراءة القرآن في الماء إنما يشربها المريض ولا يغتسل بها، وإذا كان المرض في الجلد- يعني: لا في داخل الجسم- فإنه يؤخذ من هذا الماء ويدهن به الجلد، يؤخذ بقطنة أو بمنديل ويدهن به الجلد المصاب، هذا المعروف، أما أن يغتسل به الإنسان غسلاً كاملاً فلا أصل له.

***

ص: 2

‌هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرىء به من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني: يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن، منقوراً نقراً لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمداً نسأل الله العافية، فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئاً من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء؛ لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد عن السلف الصالح رحمهم الله أنهم يقرؤون القرآن ويلفظون بريقهم ليشربه المريض، وقد جرب هذا ونفع، لكن إذا علم القارىء أن في فمه داء يمكن أن تنتقل الجراثيم بواسطة الريق إلى هذا الماء فيصاب به المريض فإنه لا يجوز له ذلك، خوفاً من وقوع الضرر على المريض، وفي هذه الحال يمكن أن يذهب الرجل بنفسه إلى المريض فيقرأ عليه.

***

ص: 2

‌هل ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيراً من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وهذا الشفاء الذي أنزله الله عز وجل في هذا القرآن الكريم يشمل شفاء القلوب من أمراضها، وشفاء الأبدان من أمراضها أيضاً. ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد أو غيره ممن معه في السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً من العرب فلم يضيفوهم، ثم إن سيد هؤلاء القوم لدغ، فطلبوا له قارئاً يقرأ من السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاؤوا إليهم وقالوا: هل منكم من راق؟ يعني: من قارئ قالوا: نعم ولكنكم لم تضيفونا، فلا نرقي لكم إلا بِجُعل. فجعلوا لهم شيئاً من الغنم، ثم ذهب قارئٌ منهم يقرأ على هذا اللديغ، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأنما نشط من عقال، يعني: قام بسرعة طيباً بريئاً، ثم أعطوهم الجُعل، ولكنهم توقفوا حتى يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا قال:(خذوا، واضربوا لي معكم بسهم) . وقال للقارىء (وما يدريك أنها رقية) ؟ يعني ما يعلمك أنها- أي: الفاتحة- رقية؟ وهكذا بعض الآيات الأخرى التي يسترقي بها الناس التي يقرأ بها الناس، على المرضى، كثير فيه فائدةٌ مجربة معروفة، فإذا قرأ القارىء على المريض بفاتحة الكتاب وبغيرها من الآيات المناسبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج، وهو من الأمور المشروعة. وأما كتابة القرآن بالأوراق ثم توضع في الماء ويشرب الماء، أو على إناء ثم يوضع فيه الماء ويرج فيه ثم يشرب، أو النفث في الماء بالقرآن ثم يشرب، فهذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من عمل السلف، وهو أمرٌ مجرب، وحينئذٍ نقول: لا بأس به- أي: لا بأس أن يصنع هذا للمرضى لينتفعوا به- ولكن الذي يقرأ في الماء بالنفث أو التفل ينبغي له أن لا يفعل ذلك إذا كان يعلم أن به مرضاً يخشى منه على هذا المريض الذي قرىء له.

***

ص: 2

‌هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمراض قد تشفى بقراءة القرآن، وهذا أمرٌ واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً في سرية، فنزلوا على قوم، ولكن القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فقعدوا ناحية، ثم إن الله سبحانه وتعالى سلط على سيدهم حيةً فلدغته، فجاؤوا إلى هؤلاء الرهط وقالوا: هل معكم من يرقي؟ قالوا: نعم. تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه قال له عليه الصلاة والسلام:(وما يدريك أنها رقية) ؟ وقد قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً) . وأما ما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله عز وجل، بأن توضع في ماء ويشرب، فهذا أيضاً قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجربٌ ونافع. لكن ورد في سؤاله ذكر سورة يس، وهذا لا أعلم أن يس مما يرقى به، لكن يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، بقل هو الله أحد، بقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس.

***

ص: 2

‌أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كان بعض السلف يكتب بالزعفران في الإناء أو نحوه، ثم يخض بالماء ويشربه المريض، ويحصل به الشفاء إن شاء الله، وهذا يدخل في عموم قول الله تبارك تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإن قوله تعالى: (مَا هُوَ شِفَاءٌ) يعم الشفاء القلبي والبدني، أي: يعم الشفاء من الأمراض القلبية كالشك والشرك والعداوة للمؤمنين والبغضاء لهم وما أشبه ذلك، وكذلك من الأمراض الجسدية كالصداع والألم وما أشبه ذلك، فالقرآن كله خير، كله شفاء، فإذا استشفى به الإنسان على وجهٍ من الوجوه وانتفع به فهذا محل الغرض

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك هو أن الرقية على المريض المصاب بسحر أو بغيره من مرض لا بأس بها إذا كانت من القرآن أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به:(ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، أنت رب الطيبين، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) . ومن الأدعية المشروعة: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك) . ومنها: (أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) . إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما كتابة الآيات أو الأذكار وتعليقها، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح؛ لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل شيئاً من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً، هذا بقطع النظر عن حال هؤلاء المشايخ، فلا ندري لعل هؤلاء المشايخ من المشعوذين الذين يكتبون أشياء منكرة وأشياء محرمة، فإن ذلك لا شك في تحريمه، ولهذا قال أهل العلم: لا بأس بالرقى بشرط أن تكون معلومة مفهومة خالية من الشرك.

***

ص: 2

‌من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ذلك أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا نحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمل مثل هذا، ولكن بعض السلف كانوا يفعلون ذلك، فإذا فعله الإنسان فلا حرج عليه، ولكن الأفضل من هذا والأولى أن يقرأ هو بنفسه على المريض ما وردت السنة به من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلاً قراءة الفاتحة على المريض، فإنها من أبلغ الأدوية، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(وما يدريك أنها رقية) ؟ وكذلك القراءة على المريض بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وكذلك ما جاءت به الأحاديث مثل:(اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) . ومثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع) فيبرأ. (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك) . وغير ذلك مما جاءت به السنة، فإذا قرأ الإنسان هذه على المريض فهو أولى من كتابة آيات من القرآن تجعل في ماء يستشفي بها المريض.

***

ص: 2

‌أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملاً وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً: يجب أن نعرف أن تلك الكتابة بهذا الحبر أو بالأقلام الناشفة على ورقة ثم توضع في إناء ويشربها المريض قد يكون في ذلك ضرر على المريض؛ لان تركيب هذا الحبر وهذه المادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إنه يكتب بالزعفران إما على ورقة ثم تلقى في الماء حتى يظهر أثر الزعفران على الماء، وإما في إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن، ثم يصب فيه الماء ويمزج، ثم يشربه المريض، هذا الذي كان يفعله السلف الصالح، ولا بأس باستعماله، وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به. وأما بالنسبة للأقلام وبالنسبة للحبر فلا ينبغي أبداً أن يستعملها الإنسان في هذه المسألة؛ لأننا لا ندري ما هي مركبات هذا الحبر، سواء ناشفاً أو سائلاً.

***

ص: 2

‌هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فعل بعض السلف مثل هذا، أي إنه ينفث في الماء ثم يشربه المريض، وقد جرب ونفع، لكن كون القارىء يقرأ على المريض مباشرة أحسن وأفيد وأرجى للانتفاع، والمسلم إذا أتى إلى أخيه ورقاه فإنه على خير، قد يجعل الله الشفاء على يده فيكون محسناً إلى هذا المريض إحساناً بالغاً، ولكن ليعلم أن الراقي على المرضى لابد أن يعتقد أن هذه الرقية نافعة في حد ذاتها، بأنه لو قرأ وهو متشكك متردد فإنها لا تنفع، لابد أن يعتقد بأنها نافعة، ولابد للمرقي أن يعتقد أيضاً انتفاعه بها، فإن كان متردداً شاكّاً فلا تنفعه؛ لأن كل سبب شرعي لابد أن يكون الفاعل له مؤمناً بأنه سبب يؤدي إلى المقصود حتى ينفع الله به، وإنما أحث إخواني الذين نفع الله بقراءتهم على المرضى أن يبتعدوا عن الكلمات التي لا تعرف، والتي ليس فيها إلا أسجاع سمجة باردة، وأن يقتصروا على ما جاءت به السنة من الرقى، وأعظمه الرقية بالفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- في الذي رقى المريض بها فقام كأنما نشط من عقال، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وما يدريك أنها رقية) ؟ وهذا حث له ولغيره على أن يرقي بها المرضى.

***

ص: 2

‌ما الحكم في تعليق التمائم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم لا يخلو إما أن تكون من القرآن أو من غيره، فإن كانت من القرآن ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى:(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ويجعل هذا من بركة القرآن أن الله تعالى يرفع به العين والشر ممن علقه. وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن تعليق القرآن يكون نافعاً لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك، ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة وأما إذا كانت التمائم من غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها فإنها محرمة، محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور.

***

ص: 2

‌حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب يعني التميمة التي تعلق على الإنسان، أو يجعلها بعض الناس تحت الوسادة، أو يعلقها على الجدار، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو من الأذكار النبوية أو الأدعية المباحة، اختلفوا في هذا على قولين، فمنهم من منع ذلك؛ لعموم التحذير من التمائم، ومنهم من أجاز ذلك وأدخلها في عموم قوله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . والاحتياط ألا يعلق هذا ولو كان من القرآن أو من الأدعية أو الأذكار الواردة. فأما إذا كانت التميمة لا يقرأ ما فيها فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان الذي فيها كتابة لا يعرف ما هي فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان ما فيها من أسماء الشياطين أو الجن أو ما أشبه ذلك فإن هذا حرام ولا يجوز. المهم أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما علم أنه من القرآن أو من الأذكار النبوية أو من الأدعية المباحة، فهذا محل خلاف بين العلماء، والاحتياط ألا يعلقها. والثاني: ما سوى ذلك، فتعليقه حرام على كل حال.

***

ص: 2

‌من مصر أأ يقول: في الحديث: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) . ما هي التولة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقريب من ذلك ما يسمى عندنا بالدبلة، يقال: إن الزوج يكتب اسم امرأته في خاتمه، والزوجة تكتب اسم زوجها في خاتمها، ويدعون أنهما- أي: الزوجين- يحصل بفعلهما هذا الألفة بينهما، وأنه لو خلع هذه الدبلة أو خلعتها معناه الفراق. فإذا قال قائل: ما هي الوسيلة إلى أن يحب الرجل زوجته والمرأة زوجها؟ فنقول: الوسيلة إلى ذلك بينها الله بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . عاشروهن بالمعروف، فإذا عاشر كل إنسان زوجته بالمعروف، وهي كذلك، حصلت المحبة والألفة والحياة الزوجية السعيدة.

***

ص: 2

‌ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- أعني: تعليق الحجب أو التمائم- تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون المعلق من القرآن، والثاني: أن يكون من غير القرآن مما لا يعرف معناه. وأما الأول، وهو: تعليقها من القرآن، فقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً، فمنهم من أجاز ذلك، ورأى أنه داخلٌ في قوله تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع السوء. ومنهم من حرَّم فعل هذا وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سببٌ شرعيٌ يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف. وهذا هو القول الراجح، وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن، ولا يجوز أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدران أو ما أشبه ذلك، وإنما يوضع المريض ويقرأ عليه مباشرةً، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل. وأما إذا كان المعلق من غير القرآن- وهو القسم الثاني مما لا يعرف معناه- فإنه لا يجوز بكل حال؛ لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروفاً متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرؤها، فهذا من البدع، وهو محرم لا يجوز بكل حال.

***

ص: 2

‌ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظاً من العين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا ولا ينفع؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه يتحصن بالقرآن على هذا الوجه، وما يتوهمه بعض الناس فهو لأنه تخيّل أنّ هذا نافع، فظن أنّ انتفاء الشر والعين عن سيارته بواسطة وضع المصحف فيها.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم من القرآن- يعني: التي تعلق على العنق- اختلف فيها السلف والخلف، فمنهم من قال بجوازها، واستدل بعموم قوله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقالوا: إن أي تجربة يكون فيها الشفاء وهي من القرآن الكريم فإنها داخلة في هذا العموم. ومنهم من قال: إن التمائم ممنوعة، سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله.

***

ص: 2

‌السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علماً بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظراً للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحجاب الذي يعلقه المريض من القرآن والأدعية المباحة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في جواز تعليقه، فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، أما إذا كان الحجاب قد كتب فيه ما لا يدرى عنه ولا عن معناه فإنه لا يجوز لبسه؛ لاحتمال أن يكون به أشياء شركية لا نعلم بها.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيراً. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى:(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ) . ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالحجاب التميمة التي تعلق على الإنسان في عنقه، أو يجعلونها في جيبه، أو يجعلونها تحت وسادته إذا نام. وهذه التمائم تكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكتب فيها ما لا يعلم ولا يدرى معناه، فإن هذه لا تحل ولا تجوز؛ لأنه لا يدرى ما الذي تشتمل عليه: أهو شرك، أم أسماء للشياطين، أو لمردة الجن، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة؟ فهذه لا تجوز قطعاً. وأما الوجه الثاني: فهو التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن على وجه واضح بيِّن يقرأ، أو شيء من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والصواب مع من منعها وأنها لا تجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن إنما يجوز على الوجه الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقراءته على المريض مباشرة، وبعض السلف يجوِّز أن يكتب القرآن في إناء بزعفران أو نحوه، ويصب عليه الماء ويحرك حتى يصطبغ الماء بهذا اللون المكتوب به القرآن، ثم يشرب. وعلى هذا فنقول: إن تعليق التمائم واصطحابها في الجيب ووضعها تحت الوسادة لا يجوز مطلقاً، سواء كانت من القرآن أو غيره، ولكن يقرأ على المريض بالآيات التي يرقى بها للمرضى. وأما قول السائل: أرى أن هذا لا يفيد؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ) . فإن الآية لا تدل على منع هذا الحجاب أو هذه التميمة إذا صح أنها سبب شرعي؛ لأن قوله تعالى: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ) يشمل ما كشفه الله سبحانه وتعالى بسبب غير معلوم لنا، وما كشفه بسبب معلوم، لكن لا بد أن يكون هذا السبب معلوماً عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس والتجربة.

***

ص: 2

‌من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أنه يجب أن نعلم أن الأسباب التي تجلب الخير أو تدفع الشر لابد أن تكون متلقاة من الشرع؛ لأن مثل هذا الأمر- أعني: جلب الخير أو دفع الشر- لا يكون إلا بتقدير الله عز وجل، فلابد أن نسلك الطريق الذي جعله الله سبحانه وتعالى طريقاً يوصل إلى ذلك، أما مجرد الأوهام التي لا تبنى على أصل شرعي فإنها أوهام لا حقيقة، لها قد يتأثر الإنسان منها نفسياً لاعتقاده فيها ما يعتقد، وإن كان في الحقيقة خلاف ذلك. وتعليق الأحراز على الصدور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون طلاسم أوحروف مقطعة لا يعلم لها معنى، فهذه محرمة بلا شك، وربما يكتب عليها أسماء الشياطين من الجن ولا يعلم حاملها ذلك، وعلى هذا فيكون تعليقها نوعاً من الشرك، وإذا اعتقد معلقها أنها تنفع أو تضر بدون قدر الله عز وجل كان مشركاً شركاً أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن النافع والضار هو الله ولكن هي وسيلة، فهي شرك أصغر؛ لأن الله تعالى لم يجعل هذا سبباً يندفع به الشر أو يحصل به الخير. أما الثاني: فأن تكون هذه الأحراز مكتوبة بحروف معلومة من القرآن أو من صحيح السنة، فهذه موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها لا بأس بها، مستدلاً بعموم قوله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) . ومنهم من يرى منعها وأنها من الشرك الأصغر، مستدلاً بعموم الأحاديث الدالة على أن التمائم شرك. والذي ينبغي للمؤمن أن يتجنبه، وذلك لأن أقل ما فيها أنه لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على الجواز، والأصل في مثل هذه الأمور المنع حتى يقوم دليل على الجواز. ثم إن الإنسان إذا تعلق بها أعرض عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد القولية التي جاءت بها الشريعة، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في آية الكرسي:(إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . وقوله في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (من قرأهما في ليلة كفتاه) . وكذلك قوله في المعوذتين. المهم أن هذه الأحراز توجب غفلة الإنسان عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد الشرعية القولية، وعلى هذا فإن نصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يَدَعوا هذه الأحراز، وأن يقوموا بما جاءت به السنة من الأوراد القولية، إما من الكتاب وإما من السنة.

***

ص: 2

‌المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئاً مما يعلق، ثم إن فيه عرضة بامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك، فلهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم. ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به. واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً) . والاحتياط أن لا يفعل ذلك، لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملاً لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة.

***

ص: 2

‌من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعماً منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق التمائم، أو وضعها تحت وسادة الفراش، أو تعليقها في جدران الحجرة، أو ما أشبه ذلك، كله من البدع، بل مما نهي عنه:(فمن تعلق تميمة فلا أتم الله له) . والشفاء الذي يحصل بهذا ليس منها، بل هو فتنة حصل عندها لا بها. لكن اختلف السلف رحمهم الله فيما إذا كان المعلق من القرآن هل هو جائز أم لا؟ فكرهه ابن مسعود وجماعة، وهذا أقرب إلى الإخلاص والتوكل على الله عز وجل، وأجازه آخرون. وأما ما ليس من القرآن فلا يجوز، لا سيما إذا كان فيه حروف لا يعرف معناها، فإنها قد تكون أسماء للشياطين وطلاسم سحرية، فلا يجوز اعتمادها، حتى لو حصل الشفاء عند استعمالها فإنه لم يحصل بها؛ لأنه لم يقم دليل على أنها سبب شرعي، ولا هي سبب حسي، لكن قد يبتلي الله سبحانه وتعالى العبد ويفتنه، فيحصل مطلوبه بوسيلة محرمة. فليحذر العاقل اللبيب من هذه الأمور، وليستعن بالله عز وجل، وليتوكل عليه. نعم لو وجدنا رجلاً صالحاً يقرأ على المريض بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية فهذا لا بأس به، وهو من السنة أن يرقي الإنسان أخاه بالرقى المشروعة.

***

ص: 2

‌من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علماً بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنني ما عرفت معنى الحجب بالضبط؛ لأن المعروف أن الحجب هي عبارة عن أوراق يكتب فيها أدعية وتعوذات وآيات قرآنية، يحملها الإنسان على صدره مربوطة في عنقه، يرى أنها تحجبه من الشر ومن الشياطين، وبعضهم يفعل ذلك إذا مرض، يرى أن الله يشفيه بها، هذا معنى الحجب التي نعرف، وأما ما يفيده ظاهر كلامها فكأنها تريد بذلك نقض السحر، ونقض السحر بالسحر ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان. لكن قد يكون هناك حالات خاصة ينظر فيها بعينها.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لهذه العزائم فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمل عزائم لا يدري ما هي حتى يعرف أنها من القرآن أو من السنة الصحيحة أو من الأدعية المباحة، فأما أن يأتي لأي شخص يجده يقرأ على الناس ويكتب لهم العزائم فيطلب منه ذلك فإن هذا لا يجوز. وأما وضعها عند الرأس فلا أصل له، ولم يفعله أحد من السلف، لكن رخص بعض السلف في العزائم إن كانت من القرآن أن يتقلدها الإنسان، أو أن يضعها في ماء ويشرب أثر المداد الذي يتحلل في هذا الماء، وأما وضعها عند الرأس أو تحت الوسادة فلا أصل له. وأما أخذ الأجرة والعوض على هذه العزائم: فالذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل، وإن فعل فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أجاز أخذ الأجرة على الرقية في قصة الصحابة الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً فلم يضيفوهم، فسلط الله على حية فلدغ، ثم جاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم قارئاً، قالوا لا نقرأ عليكم إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم من الغنم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره. وأما كون القارىء يأخذ أجراً كثيراً على عمل يسير: فإني أنصحه أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وألا يستغل ضرورتهم في ابتزاز أموالهم فليأخذ ما يرى أنه حق له، وأما ما زاد فليتورع عنه.

***

ص: 2

أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمعة فتاة من الأردن الزرقاء تقول: عمرها خمسة وعشرون عاما، ً فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب، لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال، فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل؛ لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء. وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة وحدها إلى امرأة يقال لها: شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة، من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء، منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين، ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب. أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح: فهي تكره أن ترى الناس، بعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكراراً لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسل وبعض الأسماء الغريبة، فحرقتها جميعا. ً فتسأل: هل صحيح أن الحجاب الذي يعمله المشعوذون يمنع الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام؟ مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال يتلخص جوابه في شيئين: الشيء الأول: تعليق هذه الحجب، سواء كان لطالب الزواج، أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي، هل هو جائز أو ليس بجائز؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال، وذلك لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعليق مثل هذا يكون سبباً في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعاً فإنه لا يجوز إثبات كونه سبباً. ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به- أي: بتعليق الحجاب- لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كُتب فيه، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفاً لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطاً رابعاً، وهو: أن يكون من القرآن خاصة. وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقاً؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء يثبت سبباً لشيء ولم يكن معلوماً بالشرع أو معلوماً بالحس فإنه لا يجوز إثباته. أما المسألة الثانية أو الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب تمزيقه من المعروف، وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الخلفاء وبعض الرسل فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد، وإذا رأت فيه قرآناً فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل والذي نرى أيضاً أنه لا يجوز تعليقه. فإذا كان قرآناً فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائياً. وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب، وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى قد أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به، وأيضاً فإنه من المعلوم نفسياً أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسياً فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلاً عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به هذا الرجل، يكون مشتغلاً بتحميل عفشه مثلاً فيجرحه مسمار أو زجاجة، تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به؛ لأنه جعل فكره إليه. والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله عز وجل، ويتبع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء بالقرآن والدعاء.

***

ص: 2

‌من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سبباً في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله عز وجل، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سبباً، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سبباً في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً) . والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم.

***

ص: 2

‌يقول الله تعالى في سورة البقرة: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) . ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يفترون عليه كذباً فيكتبون بأيديهم كلاماً ثم يقولون للناس: هذا من عند الله، من أجل أن ينالوا به حظاً من الدنيا، إما جاهاً أو رئاسة أو مالاً أو غير ذلك، ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعاً: على كتابتهم الباطلة، وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة. أما الذين يكتبون الحجب- وهي: ما يعلق على المريض لشفائه من المرض، أو على الصحيح لوقايته من المرض -فإنه ينظر: هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا؟ إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها، أو كتب فيها أشياء محرمة، كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك، فإن تعليقها لا يحل بكل حال. وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم، والراجح أنه لا يحل تعليقها، وذلك لأن التعبد لله سبحانه وتعالى بما لم يشرعه الله بدعة، ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سبباً لم يجعله الله سبباً نوع من الشرك. وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء، لا من القرآن ولا من غيره، ولا أن يعلق على الصحيح شيء، لا من القرآن ولا من غيره، وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك، فإنه لا يجوز.

***

ص: 2

‌المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي) . وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصواب أن يقال: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول: روي عن الرسول معناه تضعيف الحديث، والحديث ثابت، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه صلاة الصبح على إثر مطر نزل، فلما أنهى صلاته أقبل عليهم وقال:(هل تدرون ماذا قال ربكم) ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بالله؛ لأنه اعترف لله بالفضل، وأن هذا المطر من آثار فضله ورحمته تبارك وتعالى، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يضيف النعم إلى بارئها ومسديها وهو الله تبارك وتعالى، ولا حرج أن يضيفها إلى سببها الثابت شرعاً أو حساً إلا أنه إذا أضافها إلى سببها الثابت حساً أو شرعاً، فإنه لا يضيفها إلى السبب مقروناً مع الله عز وجل بالواو، وإنما يضيفها إلى سببها مقروناً مع الله تعالى بثم، أو إلى سببها وحده. فلو أن شخصاً أنقذ غريقاً من غرق فهنا لا يخلو من حالات:

الأولى: أن يقول: أنقذني الله تعالى على يد فلان، وهذا أفضل الأحوال.

الثانية: أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وهذه جائزة، وهي دون الأولى.

الثالثة: أن يقول: أنقذني فلان، ويعتقد أنه سبب محض، وأن الأمر كله إلى الله عز وجل، وهذه جائزة، ويدل لجوازها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن عمه أبي طالب أنه كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه- والعياذ بالله- قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) . الرابعة: أن يقول: أنقذني الله وفلان، وهذا لا يجوز؛ لأنه أشرك سبباً مع الله بحرف يقتضي التسوية وهو الواو، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده) . فالمطر النازل لاشك أنه بفضل الله ورحمته وبتقديره عز وجل وقضائه، ولكن الله تعالى جعل له أسباباً، كما أشار الله إليه بقوله:(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً) . قال: (يُرْسِلُ)(فَتُثِيرُ) أضاف الإثارة إلى السحاب؛ لأنها سبب هذه الإثارة، فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء، فلا بأس بإضافة الشيء إلى سببه مع اعتقاد أنه سبب محض، وأن خالق السبب هو الله عز وجل. وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن الله تبارك وتعالى:(أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهوكافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا لأنهم أضافوا الشيء إلى سبب غير صحيح؛ لأن النوء ليس سبباً للمطر، فالنوء الذي هو الكوكب ليس هو الذي يجلب المطر، ولا علاقة له به، ولذلك أحياناً تكثر الأمطار في نوء من الأنواء في سنة وتقل في سنة أخرى وتعدم في سنة ثالثة، وربما يكون العكس فالأنواء ليس لها تأثير في نزول المطر ولهذا كانت إضافة المطر إليها نوعاً من الشرك فإن اعتقد أن النوء يحدث المطر بنفسه بدون الله فذلك شرك في الربوبية، شرك أكبر مخرج عن الملة، فهذا وجه قوله تبارك وتعالى فيما رواه عنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . وأما ما اشتهر من أن الأمطار تكون بسبب تبخر البحار ونحو ذلك: فهذا إن صح فإنه لا ينافي ما ذكره الله تعالى في القرآن، إذ من الجائز أن يكون هذا البخار تثيره الريح حتى يصعد في جو السماء، ثم يبسطه الله تعالى في السماء كيف يشاء، ثم ينزل به المطر، وهذه مسألة ترجع إلى أهل العلم بهذا الشأن، فإذا ثبت ذلك فإنا نقول: هذا البخار الذي تصاعد من البحار الذي خلقه هو الله، والذي جعله يتصاعد في الجو حتى يمطر هو الله عز وجل، ولا ينافي ذلك ما جاء في القرآن إذا صح علمياً. والله أعلم.

***

ص: 2

‌وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيراً حسياً في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين: أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه، إنَّما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين؟ لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض. القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب، وهذا كثير جداً من الأدوية المستعملة قديماً وحديثاً، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب؛ لأنه لم ينزل فيها شرع. فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه، إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيراً في بعض الأمراض، فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها.

***

ص: 2

‌الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل- وهو: وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات، هذا- لا أصل له، ولا أعلم له أصلاً من الشرع، ولا أصلاً من الواقع، فإن الحشرات تأتي إلى ما يلائمها، فمنها ما يلائمها التمر وتأتي حوله، بل تأكل منه أيضاً، ومنها ما يلائمها الدسم فتأتي إليه وتطعم منه، ولا أصل لهذا الذي يفعل. وإذا لم يكن له أصل من الشرع ولا من الواقع فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله؛ لأنه مبني على مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياساً مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلاً، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حكم شرائها لا يجوز، واعتقاد أن فيها هذا النفع الذي يقال لا يجوز أيضاً؛ لأن هذا لا دليل عليه، وأما بيعها فلا يجوز أيضاً، وينبغي لكم- بل يجب عليكم- إذا رأيتم مثل هذا أن تخبروا السلطات عن هذا الأمر، حتى يمنعوهم من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن التكسب بمثل هذه الأمور من أكل أموال الناس بالباطل، والواجب منعه وتأديب فاعله.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيراً ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعاً آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله سبحانه وتعالى للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر الذي أشار إليه السائل- وهو: تعليق الآيات القرآنية على الجدران وأبواب المساجد وما أشبهها- هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح الذين هم خير القرون، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) . ولو كان هذا من الأمور المحبوبة لله عز وجل لشرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم فهو مشروع على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الخير لكان أولئك السلف الصالح أسبق إليه منا ومع هذا فإننا نقول لهؤلاء الذين يعلقون هذه الآيات: ماذا تقصدون من هذا التعليق؟ أتقصدون بذلك احترام كلام الله عز وجل؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: لسنا والله أشد احتراماً لكتاب الله سبحانه وتعالى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعلقوا شيئاً من آيات الله على جدرانهم أو جدران مساجدهم. وإن قالوا: نريد بذلك التذكير والموعظة. قلنا: لننظر إلى الواقع، فهل أحد من الناس الذين يشاهدون هذه الآيات المعلقة يتعظ بما فيها؟ قد يكون ذلك ولكنه نادر جداً، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الآيات المكتوبة حسن الخط، أو ما يحيط بها من البراويز والزخارف، أو ما أشبه ذلك وهو نادر جداً أن يرفع الإنسان رأسه إليها ليقرأها فيتعظ بما فيها. وإن قالوا: نريد التبرك بها. فيقال: ليس هذا طريق التبرك، والقرآن كله مبارك، لكنه بتلاوته وتفقد معانيه والعمل به، لا بأن يعلق على الجدران ويكون كالمتاحف. وإن قالوا: أردنا بذلك الحماية والوِرد. قلنا: ليس هذا طريق الحماية والوِرد، فإن الأوراد التي تكون من القرآن إنما تنفع صاحبها إذا قرأها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قرأ آية الكرسي في ليلة:(لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومع هذا فإن بعض المجالس- أو كثيراً من المجالس- التي تكتب فيها الآيات قد يكون فيها اللغو، بل قد يكون فيها الكلام المحرم، أو الأغاني المحرمة، وفي ذلك من امتهان القرآن المعنوي ما هو ظاهر. ثم إن الامتهان الحسي الذي أشار إليه السائل- بأن هذه الأوراق قد تتساقط في الأسواق وعلى القاذورات، وتوطأ بالأقدام- هو أمر آخر أيضاً مما ينبغي أن ينزه عنه، بل مما يجب أن ينزه عنه كلام الله عز وجل. والخلاصة: أن تعليق هذه الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر، وسلوك طريق السلامة أولى بالمؤمن وأجدر. على أنني أيضاً رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله. ثم إن العلماء رحمهم الله اختلفوا هل يجوز أن ترسم الآيات برسم على غير الرسم العثماني أو لا يجوز؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز مطلقاً أن ترسم على القاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه، ما دامت بالحروف العربية. ومنهم من يقول: إنه لا يجوز مطلقاً، بل الواجب أن ترسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني فقط. ومنهم من يقول: إنه يجوز أن ترسم بالقاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه للصبيان؛ لتمرينهم على أن ينطقوا بالقرآن على الوجه السليم، بخلاف رسمه للعقلاء الكبار فيكون بالرسم العثماني. وأما أن يرسم على وجه الزركشة والنقوش، أو صور الحيوان، فلا شك في تحريمه، فعلى المؤمن أن يكون معظماً لكتاب الله عز وجل محترماً له، وإذا أراد أن يأتي بشيء على صورة زركشة ونقوش فليأتِ بألفاظ ُأخر من الحِكم المشهورة بين الناس وما أشبه ذلك، وأما أن يجعل ذلك في كتاب الله عز وجل، فيتخذ الحروف القرآنية صوراً للنقوش والزخارف، أو ما هو أقبح من ذلك بأن يتخذها صوراً للحيوان أو للإنسان، فإن هذا قبيح محرم. والله المستعان.

***

ص: 2

‌هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على الجدر ونحوها في المساجد والمساكن، والجواب على هذه الفقرة أنني لا أرى ذلك، أي: لا أرى أن الإنسان يعلق آيات من القرآن على الجدر، سواء في المساجد أو في البيوت؛ لأن هذا التعليق لا بد أن نسأل: ما الحامل على ذلك؟ إن قال: الحامل على ذلك التبرك بكلام الله عز وجل. قلنا: إن التبرك بالقرآن الكريم على هذا الوجه ليس بصحيح؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتبركون بالقرآن على هذا الوجه، وإذا لم يرد عنهم ذلك عُلِم أنه ليس من الشرع، وإذا لم يكن من الشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله عز وجل، أو أن يتبرك بالقرآن على هذا الوجه بدون مستندٍ شرعي. قد يقول: إنني أريد بذلك تذكير الجالسين بما تتضمنه هذه الآية من ترغيب أو ترهيب. فنقول: هذا التفكير وإن كان مقصوداً للواضع، لكنه في الحقيقة غير واقع وغير عملي، فما أكثر الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إذا وضعت فإن أكثر الحاضرين- إن لم يكن كلهم- لا ينتفع بذلك ولا يتعظ، قد يكون من المعلق قوله تعالى:(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، ويكون المجلس الذي فيه هذه الآية كله غيبة وكلام في أعراض الناس، فيكون هذا من باب المضادة لكلام الله عز وجل. قد يقول: إني علقتها حماية لبيتي، فأنا أعلق آية الكرسي لتحفظ البيت من الشياطين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فنقول: هذا أيضاً من البدع، فإن السلف لم يكونوا يحفظون بيوتهم بتعليق الآيات عليها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(من قرأ آية الكرسي في ليلة) ، والقراءة غير التعليق كما هو ظاهر، وبناء على هذه العلة التي يتعلل بها من يعلق الآية تجد كثيراً من الناس يعتمد على هذا التعليق ولا يقرؤها بنفسه؛ لأنه يقول: قد كفيت بتعليق هذه الآية، فيفوت الإنسان خير كثير بناء على هذا العمل المبني على هذا الاعتقاد الذي لا أصل له. ونحن نقول: إن بعض الناس قد يعلقها- أي: الآيات- من باب التجميل، ولهذا تجدهم أحياناً يعلقون آيات كتبت على غير الرسم العثماني، بل هي مخالفة له، وربما يكتبونها على الشكل الذي يوحي به معناها، وربما يكتبونها على صورة بيت أو قصر أو أعمدة وما أشبه ذلك، مما يدل على أنهم جعلوا كلام الله عز وجل مجرد نقوش وزخرفة، وهذا رأيته كثيراً. فالذي أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يعلق شيئاً من كلام الله عز وجل على الجدر، فإن كلام الله أعلى وأسمى وأجل من أن يجعل وشياً تحلى به الجدران، ولا يمكن أن يقاس هذا على شخص علق المصحف بوتد أو شبهه في الجدار، فإن هذا قياس مع الفارق العظيم: فالمصحف مغلف في جيبه أو بظرفه، ولم تبدُ حروفه ولا أسطره، ولا أحد يقول: إني علقت المصحف هنا لأتبرك به أو لأتعظ به، وإنما يقول: علقته هنا لرفعه عن الأرض، وحفظه عن الصبيان ونحو ذلك، وفرق بين البارز الظاهر المعلق أو المشمع على الجدار، وبين مصحف معلق مغلف جعل في فرجة أو علق بوتد أو شبهه، ولا ينطلي هذا القياس على أحد تأمل المسألة وتدبرها.

***

ص: 2

‌هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول: اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعاً أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز شرعاً، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلوماً بالحس، وليس هو أيضاً معلوماً بالشرع، وكل سبب ليس معلوماً بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم، يكافحوها بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي.

***

ص: 2

‌السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، وأصله من الطير، وكانت العرب في الجاهلية تتشاءم: يزجرون الطير، فإذا طار واتجه إلى جهةٍ ما، تطيروا، حتى إنه ربما كان إنسان قد ربط متاعه وأناخ راحلته يريد السفر، فيتطير، فإذا جنح الطير إلى جهةٍ ما ترك السفر وقال: هذا سفر شر. هذا هو الأصل في معنى التطير، ولهذا يجب على الإنسان إذا حدث في قلبه التشاؤم أن يتوكل على الله وأن يعتمد عليه، وأن لا يبالي بهذه الأوهام التي يجرها الشيطان إلى العبد ليكدر عليه صفوه، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له) .

***

ص: 2

‌كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى،ولا طيرة) نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية بأن الأمراض تعدي بنفسها، بحيث ينتقل المرض من المريض إلى السليم بنفسه حتماً، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وبين أن العدوى لا تكون إلاباذن الله سبحانه وتعالى، أي: إن هذا النفي يتضمن أن العدوى لا تكون إلا من الله عز وجل، ولهذا أورد على النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بهذا الحديث أن الرجل يأتي إبله السليمة بعير أجرب فتجرب الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم رداً على هذا الإيراد:(فمن أعدى الأول) ؟ أي: من جعل في الأول المرض؟ هل هناك مريض أعداه؟ والجواب: لا، ولكن الذي جعل فيه المرض هو الله، فالذي جعل المرض ابتداءً في المريض الأول هو الذي يجعل المرض ثانية في المريض الثاني بواسطة العدوى. وعلى هذا فيكون معنى الحديث (لا عدوى) أي: بنفسها، ولكن ذلك بتقدير الله عز وجل الذي جعل لكل شيء سبباً، ومن أسباب المرض اختلاط المريض بالسليم، ولهذا قال:(فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؛ لأن اختلاطك به قد يكون سبباً للعدوى، فينتقل المرض من المجذوم إليك إذا اختلطت به، ولهذا قال:(فر من المجذوم فرارك من الأسد) . فيكون الحديث الثاني فيه الأمر بتجنب أسباب المرض وهي مخالطة المريض، ولهذا جاء في الحديث:(لا يورد ممرض على مصح) .

***

ص: 2

‌هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائماً يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلاً: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجداً فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلاناً مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام محرم؛ لأنه كذب ورجم بالغيب، ثم إنه قد يوجد عقيدة فاسدة بالتشاؤم من هذا الرجل، ثم إنه قد يوجد عداوة مستقبلاً؛ لأن كثرة المزاح في مثل هذه الأمور تؤثر على القلب وعلى النفس حتى يكون فيه عداوة وبغضاء، فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات المبنية على الكذب، والتي تسبب ما لا ينبغي أن يكون.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدّاً: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركبات، أو بعض الزوجات مشؤوماً، يجعل الله سبحانه وتعالى بحكمته- مع مصاحبته إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله وسلم أنه قال:(الشؤم في ثلاث، وذكر منها الدار) .

فضيلة الشيخ: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيه شؤم، بعض الزوجات يكون فيه شؤم، بعض البيوت يكون فيه شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر.

***

ص: 2

‌بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن بعض الناس يجد في بعض ماله من بركة فينتفع به كثيراً ويوقى الآفات، سواء كان في السيارة أو في البيت أو في غير ذلك، وربما يجد منه خلاف هذا، ربما يكون هذا الشيء كثير الآفات مقلقاً له لا ينشرح صدره له، فإذا وجد ذلك في بعض ماله فلا حرج عليه أن يبيعه ليتخلص من آفاته، وكم من إنسان حصل له مثل هذا، أي: اشترى سيارة فصارت كثيرة الآفات من صدمات أو غيرها، فيبيعها ثم يشتري أخرى، فيجد منها الراحة والبركة وقلة الآفات، ولا يعد هذا من باب التشاؤم، بل هو من باب التخلص من آفات هذا الشيء وخسارته التي يخسرها عليه، ولا يعد هذا من باب التطير.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء لا يجوز لهم هذا التشاؤم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة وقال: (ليس منا من تطير أو تُطِير له، أو سَحَر أو سُحِر له) . فلا يجوز لأحد أن يتشاءم بشخص، وهذا على عكس التفاؤل، فإن التفاؤل مطلوب، كون الإنسان يتفاءل يكون مطلوباً في حقه، وأما التشاؤم الذي يُدخِل على الإنسان الحزن والهم والغم فإن ذلك ليس من أعمال المسلمين، فلا يجوز للمرء أن يتطير بأحد.

***

‌الأسماء والصفات

ص: 2

‌أحسن الله إليكم يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عز وجل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أهل السنة والجماعة- جعلنا الله منهم- أشد الناس تعظيماً لله عز وجل، وأشد الناس احتراماً لنصوص الكتاب والسنة، فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله عز وجل، فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه وإن حارت العقول فيه، وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته. مثال ذلك: أن الله عز وجل فوق كل شيء أزلاً وأبداً، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق في كل وقت وحين، فوق سماواته، فوق مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، فيأتي الشيطان للإنسان ويقول: كيف ينزل وعلوه لازم له؟ كيف ينزل؟ فنقول: هذا يحار فيه العقل، لكن يجب علينا أن نصدق ونقول: الله أعلم بكيفية هذا، نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية، عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته. ولهذا قال بعضهم: إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله العقول، فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها والإيمان بها، وأنها حق وإن حارت عقولنا في كيفيتها، فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه، سواء في القرآن أو في السنة، فإنه يجب الإيمان به وتصديقه. قوله تعالى:(وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) . يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول: كيف يجيء؟ فنقول: يجيء على الكيفية التي أراد الله، الكيف مجهول، يجب عليك أن تؤمن بهذا حتى لو حار عقلك به، مأمور بأن تصدق على كل حال. ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته، فأنكروا ما أثبته الله لنفسه، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: (استوى على العرش) أي: استولى على العرش. فسبحان الله! كيف يقول عز وجل: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) . أفيمكن أن نقول: إنه قبل ذلك ليس مستولياً عليه؟ هذا أمر ينكره العامي فضلاً عن طالب العلم، لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقف على الخبر المحض ضل وزل. ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون: استوى بمعنى استولى، أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش، أي: علا عليه علوّاً خاصًّا يليق بجلاله وعظمته، وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم عز وجل، وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله، أو بناء على ما تقتضيه أهواؤهم وعقولهم؟ إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليهم ويوفقهم للحق، فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله عز وجل، وكذلك أيضاً من قالوا: إن الله ليس عالياً بذاته فوق المخلوقات، وقالوا: لا يجوز أن نقول: إن الله فوق، فنقول: توبوا إلى ربكم، أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق، وتمدون أيديكم أيضاً إلى فوق، دعوكم وفطرتكم فقط، واتركوا عنكم الأوهام والأشياء التي تضلكم، وإذا أنكرتم علو الله وقلتم: إنه بذاته في كل مكان، فكيف يليق هذا؟ أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة؟ ألا فليتق الله هؤلاء، وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة، أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من موريتانيا المستمع سعدي. أ. ن يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الاسم والصفة ظاهر، فإذا قلت مثلاً السميع، فالسميع اسم والصفة السمع، وإذا قلت: البصير فالبصير اسم والصفة البصر، وإذا قلت: العلي فالعلي اسم والعلو صفة، وإذا قلت: الحكيم فالحكيم اسم والحكمة صفة، وهلم جّراً. فهذا هو الفرق: فالاسم ما تسمى الله به، والصفة ما اتصف الله به، وهي المعنى القائم بالله عز وجل. وهناك صفات ليست صفات معانٍ مثل اليد، فلله تعالى يدان اثنتان، قال الله تعالى:(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) . والعين، فلله تعالى عينان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور) . وما أشبه ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، فهذه الصفات وأمثالها ليست صفات معانٍ ولكنها صفات مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء.

***

ص: 2

‌هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو بهذا الإفادة جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء، وكل ما أثبته لنفسه من الصفات، على وجه ليس فيه تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولنضرب لهذا مثلاً: قال الله تبارك وتعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . فيقول أهل السنة والجماعة: إن معنى الآية الكريمة أن الله استوى على العرش، أي: علا عليه، لكن كيف علا؟ الله أعلم، لا نكيف صفاته لكن نؤمن بمعناها، فنقول:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: علا عليه علوّاً يليق بجلاله وعظمته، ويجتنبون طريق أهل البدع الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى. ولا شك أن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، ولا شك أيضاً أنه يستلزم لوازم باطلة؛ لأننا إذا قلنا: استوى بمعنى استولى، لزم أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض ملكاً لغير الله، وأن الله استولى عليه بعد ذلك، ولزم أيضاً أن يقال: إنه يصح أن تقول: إن الله استوى على الأرض؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذا أمر باطل. ومثال ثانٍ: قول الله تبارك وتعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ) . قال أهل التعطيل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه: المراد بوجه الله ثوابه، وليس المراد به وجهه الذي هو صفة من صفاته عز وجل، من صفاته الخبرية التي لا مدخل للعقل فيها وليست معنوية، بل هي صفة خبرية، نظيرها بالنسبة لنا بعض منا وجزء منا، فيقال: هذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فوجهه الله تعالى هو وجهه، والثواب شيء آخر، ثم أين المقارنة:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ) أين المقارنة بكون المراد العمل؟ فالآيات هذه لا تناسب ما قبلها حتى يقال: إنها من العمل، أي لا تناسب ما قبلها من حيث تفسيرها بالثواب. ومن ذلك أيضاً قول الله تبارك وتعالى لإبليس:(مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ؟ قالوا: المراد باليد هنا القدرة. فيقال: سبحان الله! كل البشر خلقهم الله بقدرته، ثم هل القدرة تتبعض وتتعدد؟ القدرة صفة واحدة، يستطيع بها القادر أن يفعل بلا عجز. وقس على هذا كثيراً، فأهل السنة والجماعة يقولون: كل ما سمى الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، وكل ما وصف الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، لكن يجب أن يكون إثباتنا هذا منزهاً عن التمثيل وعن التكييف، بمعنى: أن نثبت لله هذه الصفة وننفي أن يكون مماثلاً للعباد في هذه الصفة، وكذلك نثبت هذه الصفة ولا نكيفها، لا نقول: كيفيتها كذا وكذا. ولهذا لما سأل الإمام مالكاً رجل فقال: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال:(يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . فقال رحمه الله: الكيف غير معقول، يعني: لا يمكن أن ندركه بعقولنا، وإذا كنا لا ندركه بعقولنا لزم أن نعتمد في ذلك على النقل، ولم ينقل لا في القرآن ولا في السنة كيفية استواء الله تبارك وتعالى على عرشه، وعلى هذا فتكون كيفية الاستواء مجهولة، وليست معلومة لنا.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من المغرب رسالة وصلت من المستمع أحمد يقول: ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم، ومنهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات منهج وسط بين أهل التعطيل وأهل التثميل: فأهل التمثيل قوم أكدوا لله الصفات، لكن بالغوا في إثباتها وغلوا في ذلك، وجعلوها من جنس صفات المخلوقين، فانحرفوا بذلك عن الصراط المستقيم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . ويقول جل ذكره: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) . ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) . ويقول عز وجل: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . والقسم الثاني معطلة: عطلوا الله سبحانه وتعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ونفوها عنه، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، وعطلوها من المراد بها بحجج هي شُبَه في الحقيقة وليست بحجج، حكموا في ذلك عقولهم، وجعلوا يثبتون لله ما اقتضت عقولهم إثباته، وينكرون ما لم تقضِ عقولهم إثباته، فظلموا في ذلك وصاروا هم الحاكمين على الله، وليس كتاب الله هو الحاكم بينهم، فأنكروا ما وصف الله به نفسه وقالوا: ليس لله وجه، ليس لله عين، وليس لله يد. وقالوا أيضاً. ليس لله فرح، وليس لله غضب، وليس لله عجب. وقالوا أيضاً: ليس لله فعل: لا استواء على العرش، ولا نزول إلى السماء الدنيا. بل بالغوا حتى قالوا: إن الله ليس عالياً فوق خلقه، وإنما علوه علوُّ صفة وعلو معنوي، وليس علوًّا ذاتيّاً. وبالغ بعضهم فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يقال: إنه فوق العالم، ولا تحت العالم، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، وأتوا بأقوال يعجب منها المرء ويقول: كيف يكون هذا مقتضى العقول؟ أما أهل السنة والجماعة فإنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته من الأسماء والصفات إثباتاً حقيقياً، مع نفي المماثلة- أي: مماثلة المخلوقين- فيقولون: نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أي: فيثبتون لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، ويثبتون لله الأفعال المتعلقة بمشيئته: كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والإتيان للفصل بين العباد،؟ ويثبتون لله الفرح والضحك والعجب، ويثبتون لله الحكمة والرحمة، وغير ذلك مما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن من غير تحريف ولا تعطيل. ويقولون لهؤلاء الذين أنكروا ما أثبته لله لنفسه، وحكموا على الله بعقولهم، يقولون: إننا إذا سلمنا جدلاً أن ما نفيتموه لا يدل عليه العقل، فإنه قد دل عليه السمع، والسمع دليل شرعي نتفق وإياكم عليه، على أن الكتاب والسنة هما الدليلان بإثبات ما أثبته لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، وكونكم تقولون: إن إثبات شيء ما من هذه الصفات يقتضي التمثيل والتشبيه، نقول لكم: وأنتم حين أكدتموه يقتضي على قاعدتكم أنكم مشبهة ممثلة. فأي فرق بين من يقول: إن لله سمعاً وبصراً، ومن يقول: إن لله رحمة وإن لله وجهاً، وإن الله استوى على العرش؟ إن كان ما أكدتموه لا يدخل في التمثيل فما أكدناه نحن لا يدخل في التمثيل، وإن كان ما أثبتناه يقتضي التمثيل فما أثبتموه يقتضي التمثيل، والتفريق بين هذا وهذا تحكُّم وتناقض، والواجب على المرء أن لا يتقدم بين يدي الله ورسوله لنفي ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، أو إثبات مالم يثبته الله لنفسه ولا أثبته له رسوله، الواجب في هذا الأمر- يعني: في باب الأسماء والصفات- أن يتلقى من الكتاب والسنة؛ لأنه من الأمور التي لا مجال للعقل فيها، والعقل لا يدرك ما يجب لله من الأسماء والصفات أو يجوز أو يمتنع، وإن كان العقل قد يدرك من حيث الإجمال أن الله موصوف بصفات الكمال ولا بد، ولكن تفاصيل ذلك لا تعلم إلا عن طريق السمع. وخلاصة القول: أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الصفات، والسكوت عما لم يرد به نفيٌ ولا إثبات؛ لأن هذا هو مقتضى السمع ومقتضى العقل، فنسأل الله تعالى أن يتوفانا على عقيدة أهل السنة والجماعة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من سوداني يعمل بالرياض يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول هذا الوصف، والإيمان به، واعتقاد أنه حق على حقيقته، إلا أنهم ينزهون الله تعالى عن أي نقص في هذه الصفة، أو عن مشابهة المخلوقين فيها. فيؤمنون مثلاً بقوة الله، ويؤمنون بأن هذه القوة لن يلحقها ضعف، ويؤمنون بأن هذه القوة لا تشبه قوى المخلوقين، مهما اجتمعوا وكثروا فإن قوتهم لن تكون مثل قوة الله عز وجل. إن لله تعالى يداً حقيقية، ويؤمنون بأن هذه اليد قوية عظيمة، قال الله تعالى:(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . وقال تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) . ويؤمنون بأن هذه اليد لا تماثل أيدي المخلوقين؛ لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . فالقاعدة إذاً فيما جاء من صفات الله عز وجل في القرآن أو السنة: الإيمان بذلك، وقبوله، وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن أي نقص فيه، وتنزيه الله تعالى أن يكون مماثلاً للمخلوقين فيه، هذه هي السبيل التي درج عليها أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة وأئمتها، ولهذا كانوا يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت دون كيف. وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الاستواء فقيل له: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق رأسه حتى تصبب منه العرق، ثم قال:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . قال الاستواء غير مجهول؛ لأنه معلوم في اللغة العربية أن معنى استوى على كذا أي علا. والكيف غير معقول، أي: غير مدرك بالعقل؛ لأنه فوق ما تتصوره عقولنا. والإيمان به واجب؛ لأن النص ورد به، فقد ذكر الله استواءه على عرشه في سبعة مواضع من كتابه. والسؤال عنه بدعة، أي: السؤال عن كيفيته بدعة لا عن معناه، فإنه لا حرج على الإنسان أن يسأل عن معنى آيات الصفات وأحاديثها؛ لأن هذا من الأمورالتي يمكن الوصول إليها، أما الكيفية فلا يجوز السؤال عنها؛ لأنها من الأمور التي لا يمكن الوصول إليها. ولم تكن من عادة السلف، ولهذا قال رحمه الله: السؤال عنه بدعة. وهكذا نقول في سائر الصفات: إنها معلومة المعنى مجهولة الكيفية، وإن الإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة. فنقول مثلاً في العين: إن معناها معلوم، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة. وهكذا نقول في الوجه، وغير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله: إنه معلوم المعنى، مجهول الكيفية.

***

ص: 2

‌السائل من السودان يقول في هذا السؤال: حدثونا عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة هو الكلمة المشهورة: أمروها كما جاءت بلا كيف، وأنه يجب الإيمان بها والتصديق، واعتقاد مقتضاها من غير تحريف ولا تعطيل، ولاتكييف ولا تمثيل، فلا يجوز أن يحرف الكلم عن مواضعه، فيقال مثلاً: المراد باليدين القوة أو القدرة أو النعمة، ولا يجوز أيضاً أن يحرف الوجه عن معناه فيقال: المراد بالوجه الثواب أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أيضاً أن يحرف استواء الله على العرش إلى استيلائه عليه فيقال:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى، ولا يجوز أن يحرف نزول الله إلى السماء الدنيا بنزول أمره أو نزول رحمته، أونزول ملك من ملائكته، ولا يجوز أن يحرف قوله تعالى:(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) إلى أن المراد إتيان شيء من آياته، ولا يجوزأن يحرف قول الله تبارك وتعالى:(تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) إلى أن المراد بذلك علمنا أو ما أشبه ذلك. المهم أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إبقاء النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، كما أنه لا يجوز عندهم التمثيل، أي: أن تمثل هذه الصفات بصفات المخلوقين، فيقال مثلاً: إن وجه الله تعالى كوجوهنا، أو يده كأيدينا، أو عينه كأعيننا، أو نزوله كنزولنا، أو استواءه كاستوائنا، كل هذا محرم. فطريقتهم ما دل الكتاب والسنة والعقل على أنها حق، وذلك بإثباتها على ظاهرها، من غير تمثيل ولا تحريف.

***

ص: 2

‌يقول هذا السائل: يا فضيلة الشيخ ما مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما معنى أمروها كما جاءت

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن الكريم، أو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، فكل ما جاء في القرآن من أسماء الله وصفاته فهو حق، وكل ما جاء في السنة مما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق، ويتبرؤون من أمورٍ أربعة: التمثيل، والتحريف، والتعطيل، والتكييف. فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يحرفون القرآن والسنة عن ظاهرهما بتأويلٍ ليس بسائغ، ولا يعطلون الله تعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ولا يعطلون النصوص من دلالتها التي أراد الله بها، ولا يكيفون صفات الله بصفات خلقه، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يتعمقون في البحث عن أسماء الله وصفاته، بل يسكتون عما سكت الله عنه ورسوله، وعما سكت عنه الصحابة رضي الله عنهم. ومعنى قولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف، يعني أبقوا جلالتها على ما هي عليه، وأثبتوا ما دلت عليه من الإثبات، ولا تكيفوا صفات الله بصفات الخلق، أو تكيفوا صفات الله بصفةٍ تتخيلونها وإن خالفت صفة الخلق؛ لأن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً أبو إبراهيم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال: سئل أحد السلف رضي الله عنهم عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف، فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضاً إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته. وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين: إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظاً لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقاً، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها. وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة. فالأول طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات، والثانية طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطاناً، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها. على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين: الأولى من عطلت المعاني مطلقاً، والثانية من أثبتت معاني لا دليل عليها، وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى، فنفت المعنى، وهذا نفي بلا علم بلا شك. والثانية نفت المعنى المراد وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، فصار في ذلك جنايتان: الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ، والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ، نسأل الله الهداية للجميع. أما قولهم: بلا كيف، فهو رد على طائفة منحرفة على ضد الطائفتين المعطلتين، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات، ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين: فوجه الله تعالى- على زعمهم، تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري، وهكذا بقية صفاته عز وجل. وهؤلاء أيضاً خالفوا قول الله تعالى خبراً:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . وعصوا أمر الله تعالى نهياً في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وخلاصة الجواب أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت: أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها، وهو ما يفهم من ظاهرها، على الوجه اللائق بالله عز وجل. وقولهم: بلا كيف، رد على الممثلة، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، مجرد القول بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية، لكنها غير معلومة، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في استواء الله على عرشه:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) .

***

ص: 2

‌هذا السائل يقول: يا فضيلة الشيخ البعض من الدعاة يقولون بأنه لا ينبغي أن نعلِّم الناس مسائل توحيد الأسماء والصفات؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا حصل إشكال لهم في أي شيء منها- أي: من الصفات- بينا لهم ذلك، فما رأي فضيلتكم بارك الله فيكم وفي علمكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن الناس في هذا الباب- أي: في باب أسماء الله وصفاته- ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. فطرفٌ يقول مثلما قال هذا السائل عن شخصٍ آخر أنه يقول: لا تبينوا أسماء الله وصفاته؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا سألوا فأجيبوهم. وقسمٌ آخر طرفٌ آخر يقول: بينوا للناس أسماء الله وصفاته، ثم ما يتفرع على هذه الأسماء والصفات من الإشكالات أوردوه عليهم، أو تعمقوا في جانب الإثبات واذكروا كل شيء، حتى إن بعضهم يقول مثلاً: كم أصابع الله؟ كيف استوى على العرش؟ هل لله أذن؟ وما أشبه ذلك من الأمور التي يجب الإعراض عنها؛ لأنها لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، ولو كان ذكرها مما تتوقف عليه العقيدة الصحيحة لكان الله يبينها لعباده: إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والقسم الثالث وسط يقول: علموا الناس ما يحتاجون إليه في هذا الباب، دون أن تتعمقوا وتتكلفوا ما لستم مكلفين به. وهذا القول هو الصحيح، هو الراجح، أن نعلم الناس ما يحتاجون إليه، إلى معرفته في هذا الباب، وأن لا نتكلف علم، ما ليس لنا به علم، بل نعرض عنه. فمثلاً: إذا شاع في الناس مذهبٌ يخالف مذهب السلف، فلا بد أن نبين للناس مذهب السلف في هذا الباب، لو شاع في الناس أن اليدين اللتين أثبتهما الله لنفسه هما النعم، يجب علينا أن نبين أن هذا خطأ، وأن اليدين صفتان لله عز وجل، أثبتهما الله لنفسه، وبين جل وعلا أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله يبسط يده بالليل ليتوب المسيء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب المسيء بالليل) . وأخبر أن يد الله ملأى سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وأجمع سلف الأمة على أنهما يدان حقيقيتان ثابتتان لله على وجهٍ يليق به، لكن لا تماثلان أيدي المخلوقين، حتى يزول عن الناس الاعتقاد الذي ليس بصحيح، وهو أنهما النعمتان، هذا لا بد منه. لكن إذا كنا في قومٍ لم يطرأ على بالهم هذا الشيء، ولو دخلنا معهم في مسائل تفصيلية لحصل لهم ارتداد، أو لدخلوا في أمورٍ يتنطعون فيها، فهنا نأخذ بما جاء عن السلف، وخاصةً عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:(إنك لن تحدث حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) . وقال عليٌ رضي الله عنه: (حدث الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله) ؟ أما التعمق في الصفات، وطلب ما لا يمكن العلم به، فإن هذا من التكلف والبدعة، ولهذا لما قال رجلٌ للإمام مالك: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ وكان هذا سؤالاً عظيماً وقع موقعه في الإمام مالك رحمه الله، فأطرق برأسه وجعل يتصبب عرقاً، ثم رفع رأسه وقال:(يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يريد بذلك رحمه الله أن الاستواء غير مجهول، معروف استوى على كذا يعني: علا عليه، قال الله تعالى:(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) يعني: علوت عليه وركبت فيه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) يعني: إذا علوتم عليه راكبين. فاستوى على العرش يعني: علا عليه علواً يليق بجلاله وعظمته، هذا معنى قوله: الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول، لم يقل رحمه الله: الكيف غير موجود، بل قال: الكيف غير معقول، يعني: هناك كيفية استوى الله عليها لكن لا ندري، عقولنا لا تدرك ذلك، وشرعنا لم يأتِ بها، الكتاب والسنة ليس فيهما كيفية استواء الله على العرش، وعقولنا لا تدرك هذا، فانتفى عنها الدليلان العقلي والسمعي، فوجب السكوت، فإذا سئلنا: كيف استوى؟ قلنا: الله أعلم الإيمان به واجب أي بالاستواء واجبٌ على ما أراده الله عز وجل والسؤال عنه بدعة هذا محل الشاهد من كلامنا، هذا السؤال عن الكيفية بدعة، لماذا؟ لأن الصحابة- وهم أحرص منا على معرفة الله، وأحرص منا على العلم، وإذا سألوا سألوا من هو أعلم منا بالإجابة- لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقولوا: يا رسول الله كيف استوى؟ مع أنهم يسألون عن أشياء أدق من هذا، لكنهم يعرفون رضي الله عنهم أن مثل هذه الأمور لا يمكن العلم بها، لذلك لم يسألوا، وإلا فهم يسألون عما هو أدق، كما سنبين إن شاء. الله أيضاً السؤال عنه بدعة: من سمات أهل البدع؛ لأن أهل البدع هم الذين يحرجون أهل السنة في ذكر الكيفية، يقولون: كيف استوى؟ كيف ينزل إلى السماء الدنيا؟ يحرجونهم ليقولوا: استوى على الكيفية الفلانية، أو ينكروا الاستواء، أو يقولوا: نزل على الكيفية الفلانية، أو ينكروا النزول، فهو من سمات أهل البدع، السؤال عن كيفية الصفات من سمات أهل البدع، ثم إن السؤال عن الكيفية- كيفية الصفات- من التنطع في دين الله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . أو بما جاءت به النصوص من أمور الغيب، ولا تسأل عما وراء ما ذكر لك؛ لأنك لن تصل إلى شيء، وإذا سألت عما لم يذكر لك من أمور الغيب ربما تكون من الذين يسألون عن أشياء لا حاجة لهم بها، بل أنت منهم، وربما تقع في متاهات تعجز عن التخلص منها. وقولنا: إن الصحابة رضي الله عنهم يسألون عما دون ذلك، أستدل له بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن الدجال يخرج ويمكث في الأرض أربعين يوماً: اليوم الأول كسنة كاملة، يعني: اثني عشر شهراً، واليوم الثاني كشهر، واليوم الثالث كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا. فالصحابة رضي الله عنهم لما قال: يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاةُ يوم واحد؟ قال: (لا، اقدروا له قدره) . فتجدهم أنهم سألوا عن هذا لأنهم مكلفون بالصلوات الخمس في أوقاتها المعلومة، وهذا اليوم سيكون طويلاً، سيكون اثني عشر شهراً، هل تكفي فيه خمس صلوات؟ لذلك سألوا، فإذا كانوا لم يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بصفات الله فإنهم خير سلفٍ لنا نقتدي بهم، ولا نسأل عن كيفية صفات الله، ولا نسأل أيضاً عما لم يبلغنا علمه من هذه الصفات ولا من غيرها من أمور الغيب، كل أمور الغيب الأدب فيها أن يقتصر الإنسان فيها على ما بلغه، وأن يسكت عما لم يبلغه لأنه لو كان في بيانه خيرٌ لبينه الله ورسوله. وأما قول السائل: لا تخبروا العوام بها؛ لأنها من المتشابه. فنقول له: يا أخي ماذا تريد بالمتشابه؟ إذا كانت صفات الله عز وجل وكانت نصوصه الواردة فيها من المتشابه فماذا يبقى بياناً؟ آيات الصفات من أبين الآيات، أحاديث الصفات من أبين الأحاديث، وليس فيها ولله الحمد شك، كلها معناها معلوم، كلها معناها مفهوم بمقتضى اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن، وكيف ينزل الله علينا شيئاً يتعلق بأسمائه وصفاته ونحن نجهله ولا يمكننا الوصول إليه؟ هذا مستحيل فنقول: إن آيات الصفات وأحاديثها من المعلوم، وليست من المتشابه، فهل يشتبه على أحد قول الله تبارك وتعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) فلا يدري ما معنى خلق؟ هل يشتبه على أحد قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) أن معناها نفي المماثلة وإثبات السمع والبصر؟ آيات الصفات وأحاديثها ليست من المتشابه، نعم إن أراد القائل بقوله: من المتشابه، يعني: من الذي يشتبه علينا إدراك كيفيته وحقيقته فهذا صحيح، نحن لا نعلم كيفية ما وصف الله به نفسه وكنهه، لكن معناه واضح، ولولا أن معناه واضح ما استطعنا أن ندعو الله بأسمائه، وقد قال الله تعالى:(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . فالمهم أن هذه الكلمة التي أطلقها بعض العلماء على آيات الصفات وأحاديثه وقال: إنها من المتشابه، نقول له: إن أردت أنها من المتشابه معنىً فلا، وإن أردت أنها من المتشابه حقيقةً وكنهاً، وأننا لا ندرك كيفيتها ولا حقيقة كنهها فهذا حق، وليس بغريبٍ أن نعلم معنى الشيء ولا ندرك حقيقته وكيفيته، نحن نعلم معنى الروح التي بين جنبينا، والتي إذا انسلت من الجسد مات الإنسان، نعم نعلم هذا، لكن هل ندرك حقيقتها وكيفيتها؟ لا أبداً، نحن نعلم ما ذكر الله عن الجنة بأن فيها من كل فاكهةٍ زوجين ونخلاً ورماناً وما أشبه ذلك، ولكن هل نحن ندرك حقيقة ذلك وكنهه؟ لا؛ لأن الله يقول:(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . والمهم التنبيه على هذه العبارة المتداولة في كلمة المتشابه بالنسبة لأسماء الله وصفاته، حيث يتوصل بها أهل التعطيل إلى أن نسلك مسلكاً سيئاً في ذلك، بحيث نفوض العلم بمعنى أسماء الله وصفاته، كما زعم بعض المتأخرين أن مذهب السلف هو التفويض، أي: تفويض القول بأسماء الله وصفاته إلى الله، وألا نتكلم بشيءٍ من معناها، وهذا القول بالتفويض على هذا الوجه قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(إنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد) . أما تفويض الحقيقة والكنه فهذا شيء لا بد منه، ولا يضرنا إذا كنا نعلم المعنى، ولكن لا نعلم الكنه والحقيقة التي عليها هذا المسمى والموصوف.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أبو محمد يقول: هل من أسماء الله (الحق)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من أسماء الله تعالى الحق، قال الله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) . ولكن نسمع كثيراً من الناس إذا أراد أن يستشهد بآية قال: قال الحق كذا وكذا، والأولى أن يعبر بما كان السلف يعبرون به فيقول: قال الله كذا، حتى كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حدث عن الله عز وجل بحديث قال: قال الله تعالى. فالذي ينبغي لنا أن نتبع ما كان عليه سلفنا في مثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نستشهد بآية قلنا: قال الله تعالى كذا وكذا.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل الحنَّان، المنان ،المحسن، من أسماء الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحنان لم يثبت أنها من أسماء الله، وأما المنان فثابت أنها من أسماء الله، والمحسن أيضاً من أسماء الله تبارك وتعالى. ولهذا ما زال الناس يسمون عبد المحسن، عبد المنان، والعلماء يعلمون بذلك ولا ينكرونها.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هل الحفي من أسماء الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هو في القرآن الكريم: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) . ولا أعلمها وردت مطلقة في أسماء الله عز وجل، بل هي مقيدة، وبدلاً من أن يدعو الإنسان بقوله: يا حفي احتفِ بي، يقول: يا رحيم ارحمني، وإذا كان عن ذنب يقول: يا غفور اغفر لي، وما أشبه ذلك.

***

ص: 2

‌تقول السائلة: إن أسماء الله وصفاته على وزن فعيل من صيغ المبالغة، فهل هذا صحيح؟ وهل يصح القول بأن أسماء الله وصفاته من صيغ المبالغة؟ نرجو النصح والتوجيه في هذا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أسماء الله تعالى وصفاته التي جاءت في القرآن وغير القرآن منها ما هو صفةٌ مشبهة- ويعني العلماء بالصفة المشبهة: الصفة اللازمة للموصوف التي لا ينفك عنها- وذلك مثل: العزيز، الحكيم، السميع، البصير، وما أشبهها، هذه صفةٌ مشبهة، بمعنى: أنها صفةٌ لازمة لا تنفك عن الله عز وجل. ومن أسماء الله ما يكون صيغة مبالغة، ومعنى صيغة مبالغة أنها دالةٌ على الكثرة، وليس المعنى أنه مبالغٌ فيها دون إرادة الحقيقة، مثل: الرزاق، فإن الرزاق من أسماء الله سبحانه وتعالى، وجاء بهذه الصيغة للدلالة على كثرة من يرزقه الله عز وجل، فإنه ما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها، ولكثرة رزقه الذي يعطيه سبحانه وتعالى لمن يشاء، كما قال الله سبحانه وتعالى:(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) . ولعل الطالبة فهمت من قول المدرسة: صيغة مبالغة، أنها صيغةٌ مبالغٌ فيها ولا تعني الحقيقة، وليس هذا هو المراد، بل مراد العلماء من قولهم: صيغة مبالغة، أنها دالة على الكثرة، وبهذا التفصيل وبهذا الشرح لمعنى المبالغة يزول الإشكال. فإذا قلنا مثلاً: إن الرزاق من أسماء الله وهو صيغة مبالغة، فليس معناه أن الله سبحانه وتعالى لا يرزق، بل معناه أنه كثير الرزق.

***

ص: 2

‌أبو منار يقول: فضيلة الشيخ ما المقصود من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إنما بعثت رحمة للعالمين) ؟ وهل يجوز استناداً لهذا القول أن نقول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رحيم أو كريم أو عليم أو حكيم، أو إلى ما هنالك من صفات الله عز جل؟ أفيدونا بما علمكم الله وجزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم فهذا قد جاء في القرآن الكريم، لكنه مقيد بالمؤمنين، فقال الله عز وجل:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) . وأما كونه رحمة فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) . لكن ليس معنى الآية أنه هو الرحمة، بل معناه أن الله رحم به الخلق، يعني: ما أرسلناك إلا لنرحم الخلق بك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الدال على الله عز وجل، المبين شريعته، الداعي إليها، فكان بعثه وإرساله رحمة للعالمين في الدنيا والآخرة. وأما قول السائل: وغير ذلك من أوصاف الله وأسماء الله، فلا نقول به؛ لأن من أسماء الله وأوصافه ما يختص به عز وجل: فالله هو الجبار، والمتكبر، والقدوس وما أشبه ذلك مما لا يصح أن يوصف به أحد سوى الله عز وجل.

***

ص: 2

‌رسالة بعث بها المستمع محمد صالح عبد الله من حائل يقول: ما حكم التسمية بأسماء هي من أسماء الله أو صفاته، كمثل: رؤوف، وعزيز، وجبار، ونحو ذلك؟ هل تجوز مثل هذه التسمية، أم يجب تغييرها فيمن تسمى بها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بأسماء الله عز وجل يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يحلى بأل، أو يقصد بالاسم ما دل عليه من صفة، ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله، كما لو سميت أحداً بالعزيز والسيد والحكيم وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يسمى به غير الله؛ لأن أل هذه تدل على لمح الأصل، وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم، وكذلك إذا قصد بالاسم وإن لم يكن محلًّى بأل، إذا قصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا يسمى به، ولهذا غير النبي صلى الله وسلم كنية أبي الحكم التي تكنى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، ثم كناه بأكبر أبنائه شريح، كناه بأبي شريح، فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظاً بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع؛ لأن هذه التسمية تكون مطابقة تماماً لأسماء الله سبحانه وتعالى. أما الوجه الثاني: فهو أن يتسمى باسم غير محلًّى بأل، ولا مقصود به معنى الصفة، فهذا لا بأس به، مثل حكم وحكيم، ومن أسماء بعض الصحابة حكيم بن حزام الذي قال له النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تبع ما ليس عندك) . وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به، لكن في مثل جبار لا ينبغي أن يتسمى به وإن كان لم يلاحظ الصفة، وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المسمى فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق، فمثل هذه الأسماء التي قد تؤثر على صاحبها ينبغي للإنسان أن يتجنبها. والله أعلم.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من الجزائر أبو بسام يقول: فضيلة الشيخ ما قول أهل السنة والجماعة في رؤية المسلم لربه عز وجل يوم القيامة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قول أهل السنة والجماعة في رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ما قاله الله عن نفسه، وقاله عنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فالله تعالى قال في كتابه:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذ) يعني: يوم القيامة (نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة الأولى بمعنى حسنة، الثانية من النظر بالعين؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجوه، فالوجوه محل العينين التين يكون بهما النظر، وهذا يدل على أن المراد نظر العين، ولو كان المراد نظر القلب وقوة اليقين لقال: قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ولكنه قال:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) . ومن ذلك قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالزيادة فسرها أعلم الخلق بمراد الله، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل. ومن ذلك قوله تعالى في الفجار:(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فحجب هؤلاء الفجار عن الله يومئذ- يعني: يوم القيامة- يدل على أن غيرهم ينظرون إلى الله عز وجل، ولو كان غيرهم لا ينظر إلى الله لم يكن بينهم وبين الفجار فرق. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) . فإن هذه الآية تدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار، ودليل ذلك أنه نفى الإدراك، وهذا يدل على وجود أصل الرؤية، ولو كان أصل الرؤية غير ثابت ما صح أن ينفى الإدراك. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على امتناع رؤية الله عز وجل؛ لأن الآية إنما نفت ما هو أخص من الرؤية، وهو الإدراك، ونفي الأخص يستلزم وجوب الأعم، وهو الرؤية، والله عز وجل يرى يوم القيامة ولكن الأبصار لا تدركه، هذا بالنسبة لما جاء في القرآن. أما السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتاً متواتراً لا شك فيه إثبات رؤية الله عز وجل يوم القيامة، أي: إنه يرى سبحانه وتعالى. فمن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والأحاديث في هذا متواترة، كما قال بعض العلماء في نظم شيء من المتواتر:

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب

ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض

هذا هو قول أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالبصر رؤية حقيقية، لكنه مع هذه الرؤية لا يمكن إدراكه عز وجل؛ لأنه أعظم من أن تدركه الحواس أو الأفهام أو الخواطر. ولكن يبقى النظر: متى تكون هذه الرؤية؟ نقول: هذه الرؤية تكون في عرصات القيامة- أي: قبل دخول الجنة- وتكون كذلك بعد دخول الجنة. يبقى نظرٌ آخر: هل يراه كل الناس في عرصات القيامة أم ماذا؟ نقول: أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة، ثم لا يرونه بعد ذلك، وهذا أعظم وأشد حسرة عليهم. وأما المؤمنون فإنهم يرون الله تعالى في عرصات القيامة، كما يرونه بعد دخول الجنة. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني السامعين ممن ينظر إلى الله عز وجل، إنه على كل شيء قدير.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أم لا؟ نريد توجيهاً سديداً في هذه المسألة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: (نور أنَّى أراه) ؟ وفي رواية: (رأيت نوراً) والله عز وجل قد احتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفى أن يكون رأى الله، فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه. وما ذكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ابن عباس لم يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه يقظة، وإن قوله- أي: ابن عباس- يعني: أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين. وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الحق، ولن يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبداً. ولهذا لما قال موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) شوقاً إلى الله عز وجل، قال الله له:(لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . فعلق الرب عزوجل على أمر مستحيل؛ لأنه يستحيل على الجبل أن يصمد على رؤية الله عز وجل، وهو جبل أصم، حجر غليظ قاسٍ قال الله تعالى:(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً) . اندك الجبل أمام موسى يشاهده بعينه، فصعق عليه الصلاة والسلام من هول ما رأى. (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فشكر الله له وقال:(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) . فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله تبارك وتعالى يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يَثْبُتَ لذلك. أما في الآخرة: فقد دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم أن الله تعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين، قال الله تبارك وتعالى:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى ربها ناظرة) . وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بعينه، إذ إن ما تحصل به الرؤية هو العين، وهي موجودة في الوجه، لكن أضاف الله تعالى النظر إلى الوجه: لأن هذه النظرة إلى الرب عز وجل يحصل بها سرور في القلب ونورفي الوجه، حتى كأن الوجه كله ينظر إلى الله عز وجل؛ لتأثره بهذه النظرة التي أسأل الله تعالى أن لا يحرمني وإخواني منها. ومن الأدلة على ذلك- على أن الله تعالى يرى في الآخرة- قول الله تعالى:(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة:(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) . وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن، وهو النظر إلى وجه الله عز وجل، واستدلوا أيضاً بقول الله تبارك وتعالى في الأبرار:(عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) قالوا: إنهم ينظرون الله عز وجل، وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم؛ لقوله في الفجار:(كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا، فهذه أربع آيات من كتاب الله. أما السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بالله، وأشدهم تنزيهاً لله- فقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثبوت رؤية الله تعالى في الجنة، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك بوجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار، حيث قال:(إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته) . وقال: (إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) . وأما أقوال الصحابة: فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر؛ لوضوح الأدلة فيها وصراحتها، وإجماع الصحابة عليها، وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها. أسأل الله تبارك وتعالى لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة، والله على كل شيء قدير.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول: ما هي أنواع الاستواء في لغة العرب؟ وكيف نثبت لله سبحانه وتعالى صفة الاستواء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الاستواء في اللغة العربية يأتي لازماً، ويأتي متعدياً إلى المعمول بحرف الجر، ويأتي مقروناً بواو المعية، فهذه ثلاثة وجوه للاستواء. أما الأول- وهو أن يأتي مطلقاً غير مقيد بالمعمول، ولا واو المعية-: فإنه يكون بمعنى الكمال، ومنه قوله تعالى:(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي: كمل، ومنه قول الناس في لغتهم العامية: استوى الطعام، أي كمل نضجه. والقسم الثاني أو الوجه الثاني: أن يأتي مقروناً بواو المعية، فيكون بمعنى التساوي، كقولهم: استوى الماء والخشبة، أي: تساويا. والثالث يأتي معدًّى بحرف الجر، فإن عدي بعلى صار معناه العلو والاستقرار، وإن عدي بإلى فقد اختلف المفسرون فيه، فمنهم من يقول: إنه بمعنى الارتفاع والعلو، ومنهم من يقول: إنه بمعنى القصد والإرادة. مثال ماعُدِّيَ بعلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وقوله ذلك في سبعة مواضع في القرآن الكريم. ومثال المعدى بإلى قوله تعالى:(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وقوله:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) . ولذلك اختلف المفسرون في الاستواء، استوى هنا، فبعضهم قال: معناها علا إلى السماء، ومنهم من قال: معناها قصد وأراد، وعلى كل فاستواء الله على العرش من الصفات الثابتة التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها، وهو أن الله تعالى استوى على عرشه، أي: علا عليه علوّاً خاصّاً ليس كعلوه على سائر المخلوقات، بل هو علو خاص بالعرش، كما قال تعالى:(رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ) . ولكن هذا الاستواء ليس معلوماً لنا في كيفيته؛ لأن كيفيته لا يمكن الإحاطة بها، ولم يخبرنا الله عنها ولا رسوله، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق، ثم قال:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . ونحن نعلم معنى الاستواء ونؤمن به ونقره، وهو أنه سبحانه وتعالى علا على عرشه واستوى عليه، علوّاً واستقراراً يليق به سبحانه وتعالى، ولكننا لا نعلم كيفية هذا الاستواء، فالواجب علينا أن نمسك عن الكيفية، وأن نؤمن بالمعنى. وأما قول من قال: إن معنى استوى على العرش أي: استولى عليه، فهذا قول لا يصح، وهو مخالف لما كان عليه السلف، ولما تدل عليه هذه الكلمة في اللغة العربية، فلا يعوَّل عليه، بل هو باطل، ولو كان معنى استوى استولى للزم أن يكون الله تعالى مستولياً على شيء دون شيء، وهوسبحانه وتعالى مستولٍ على كل شيء، وللزم أن يكون العرش قبل هذا ليس ملكاً لله بل ملكاً لغيره، ثم استولى عليه من غيره، وهذه معان باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى.

***

ص: 2

‌هذا مستمع من السودان يقول: هذا سؤالٌ يحيرني وأرجو الإفادة عليه، وهو: أن بعض الناس يقولون بأن الله فوق في السماء، وعندنا في السودان علماء التوحيد يقولون بأن الله كان ولا مكان، وهو منزهٌ عن الجهات الست، طبعاً شرق وغرب وشمال وجنوب فوق تحت، نرجو منكم التوجيه حول هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: علو الله عز وجل على خلقه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فأدلته متنوعة، كل الأدلة الممكنة في إثبات الشيء تدل على أن الله تعالى فوق عباده. أما من القرآن فأدلة ثبوت علو الله على خلقه كثيرةٌ جداً متنوعة، مثل قوله تعالى:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) ، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) ، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرةً. وكذلك الآيات الدالة على أن الأشياء تصعد إليه، كما في قوله:(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) . وكذلك الآيات الدالة على أن الشيء ينزل من عنده، كما قال الله تعالى:(يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) ، والآيات في هذا كثيرة جداً. وأما السنة فقد دلت بجميع أنواعها على علو الله، دلت بالقول والفعل والإقرار. فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده:(سبحان ربي الأعلى)، وخطب الناس في يوم عرفة وقال:(هل بلغت؟ قالوا: نعم. فأشار إلى السماء يقول: اللهم اشهد)، وسأل جاريةً قال:(أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . فاجتمع من السنة القول والفعل والإقرار على علو الله عز وجل، وأنه فوق كل شيء. وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة، وأئمة الهدى من بعدهم، على أن الله تعالى فوق كل شيء، ولم يرد عنهم حرفٌ واحد في نفي علو الله عز وجل، بل كانوا مجمعين على أن الله تعالى فوق كل شيء. وأما العقل: فإن كل إنسان يعلم بعقله أن العلو صفة كمال، وأن الرب عز وجل له صفة الكمال المطلق، فإذا كان العلو صفة كمال فإن فوات العلو صفة نقص، والله عز وجل منزهٌ عن النقص، فوجب أن يثبت له العلو؛ لأنه صفة كمال. وأما الفطرة: فما من أحدٍ يقول: يا رب، إلا وجد من قلبه ضرورةً بطلب العلو، ولهذا يرفع يديه إلى السماء، واسألوا الذين يسألونه ويدعونه: أين يوجهون أيديهم؟ هل يوجهونها إلى الأرض أو إلى السماء؟ أو إلى اليمين أو إلى الشمال؟ إنهم يوجهونها جميعاً إلى السماء، وهذا أمرٌ فطري لا يختلف فيه اثنان، إلا من اجتالته الشياطين عن الفطرة، وأنكر هذا الأمر الذي فطر عليه الخلق. وإذا كان كذلك فإننا نقول: إن الله كان عز وجل كان ولم يكن شيء قبله، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وكان عالياً عز وجل قبل أن يخلق العرش، ولما خلق السماوات والأرض استوى على العرش، كما قال تعالى:(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، فكان استواء الله على عرشه بعد خلقه. وهنا نقول: استواء الله على عرشه حين خلق السماوات والأرض تدل الآية الكريمة أنه لم يكن، أما قبل ذلك فالله أعلم، وأما بعد ذلك- أي: بعد خلق السماوات والأرض- فإن الآية تدل على أن الله استوى على عرشه. وأما قولهم: إن الله تعالى منزه عن الجهات الست، فهذا غاية التعطيل والعياذ بالله؛ لأنهم إذا قالوا: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف، فإن هذا هو العدم المحض والتعطيل المحض، أين يكون؟ وإذا قلنا: إن الله تعالى في جهة العلو، العلو الذي ليس فوقه شيء، فليس في هذا من نقصٍ في حق الله عز وجل؛ لأن العلو على جميع المخلوقات ليس فيه شيء من المخلوقات يمكن أن نقول إنه محاذٍ لله عز وجل، بل كل شيء من المخلوقات فإن الله عز وجل فوقه، ولا يحاذي الله عز وجل شيئاً من مخلوقاته، وعين النقص في إثبات مثل ذلك. وأين الوجود إذا قلنا: إن الله تعالى خالٍ من الجهات الست؟ نعم نقول: إنه لا يمكن لجهة أن تحيط بالله؛ لأن الله تعالى محيطٌ بكل شيء، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، فإذا كان فوق كل شيء فإن ما فوق الأشياء ليس أمراً وجودياً حتى نقول: إن هذا يقتضي أن يشارك المخلوق الخالق في علوه عز وجل، والواجب على الإنسان أن يؤمن إيماناً قطعياً بأن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه العلي الأعلى، وأنه سبحانه وتعالى له العلو المطلق: علو الذات، وعلو الصفات، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على ذلك.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل تجاني إسماعيل سوداني ومقيم بالمملكة يقول: أستفسر عن الآيات الكريمة التالية، يقول تعالى:(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) . والآية الأخرى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . يقول: على حُسْنِ قول الناس منهم مَنْ يقول بأن الله موجود في السماء، والبعض يقول بأن الله موجود في كل مكان. اشرحوا لنا ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة عظيمة مهمة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه العلي، وأنه الأعلى، وأنه القاهر فوق عباده، وأن الأمور تتنزل من عنده وتعرج إليه، وأنه في السماء، وكل هذا يدل على علوه جل وعلا، وأنه فوق كل شيء. فأما قوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك الألوهية، لا ذات الرب عز وجل، فقوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، فقول القائل: فلان أمير في المدينة وفي مكة، مع أنه في إحداهما وليس فيهما جميعاً وإنما إمرته ثابتة في المدينة وفي مكة، فالله تعالى إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض، وأما هو نفسه جل وعلا ففوق سماواته على عرشه، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الآية وبين قول الله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ومعنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: إنه علا على العرش؛ لأن استوى في اللغة العربية إذا عديت بعلى صار معناها العلو، كقوله تعالى:(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت، وقوله تعالى:(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) - أي: تعلوا على ظهوره- (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي: علوتم عليه، فهو سبحانه تعالى مستوٍ على العرش أي: عال عليه، وهذا العلو ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات، بل هو علو خاص مختص بالعرش، ولهذا يقال: استوى على العرش، ولا يقال: استوى على السماء، ويقال: علا على العرش وعلا على السماء، فالاستواء على العرش علو خاص ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات. وقد أخطأ وضل من فسر الاستواء هنا بالاستيلاء والملك، أخطأ من عدة أوجه: الوجه الأول: أنه مخالف لمقتضى اللغة العربية، فلم تأتِ استوى على كذا بمعنى استولى عليه في اللغة العربية، وها هو كلام العرب بين أيدينا لا نعلم أنَّ منهم من عبر عن الاستيلاء بالاستواء أبداً، فأما ما قيل:

قد استوى بِشرٌ على العراق من غير سيف أو دم مهراق

فإننا نطالب أولاً بصحة النقل عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك، ثم على فرض أنه ثبت عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص فإنَّ هنا قرينةً تمنع أن يكون المراد بذلك العلو على العراق؛ لأن الرجل لا يمكن أن يعلو على العراق علواً ذاتياً، وحينئذ يكون المراد به العلو المعنوي وهو الاستيلاء، أما علو الله تعالى نفسه على عرشه فلا مانع منه لا عقلاً ولا سمعاً. ثانياً: أن نقول: إن تفسير الاستواء بالاستيلاء مخالف لما كان عليه السلف الصالح وأئمة الخلف، فإنهم مجمعون على أن استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولم يأت عن أحد منهم حرف واحد يدل على أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء، ومعلوم أن مخالفة السلف ضلال وخروج عن جماعة الحق. ثالثاً: أنه يلزم على تفسير (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) استولى عليه أن يكون العرش قبل هذا ملكاً لغير الله، وأن الله تعالى بالمعالجة حصل عليه من غيره، وهذا لازم باطل جد البطلان. رابعاً: أننا إذا فسرنا استوى باستولى لجاز أن نقول: إن الله استوى على الأرض، وعلى الإنسان، وعلى الجمل، وعلى السفينة، وعلى كل شيء؛ لأنَّ الله تعالى مستولٍ على كل شيء ومالكٌ له، ومعلوم أنه لا أحد يُسَوِّغ أن يقول القائل إن الله استوى على الإنسان، أو على الأرض، أو ما أشبه ذلك. خامساً: أنَّ الذين فسروه بالاستيلاء مضطربون ومختلفون، واضطراب أهل القول فيه يدل على عدم رسوخه وعدم صحته، وعلى هذا فلا يحل لأحدٍ أن يفسر قول الله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أو قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأن المعنى استولى عليه من أجل هذه الوجوه التي ذكرناها، فالاستواء على العرش يلزم منه العلو المطلق على جميع المخلوقات، وأن الله تعالى عال بنفسه على جميع المخلوقات، ولا يعارضه ما ذكره السائل من قوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) ؛ لما ذكرنا في صدر الجواب. ونظير هذه الآية- أعني قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) - قوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) فقال: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) وليس المعنى أنه نفسه في السماوات وفي الأرض، ولكن المعنى: أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض. وليعلم أن اعتقاد أن الله تعالى نفسه في كل مكان اعتقاد باطل، لو شعر الإنسان بلوازمه الباطلة ما تفوه به؛ لأنه يلزم من هذا القول أن يكون الله تعالى في كل مكان من الأماكن الطيبة والأماكن الخبيثة، بل لَلَزِمَ منه أن يكون الله تعالى في أجواف الحيوانات وأجواف الناس وما أشبه ذلك، ثم يلزم من هذا أحد أمرين: إما أن يتعدد بتعدد الأمكنة، وإما أن يكون متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، وكل هذه لوازم فاسدة، تصورها كاف في ردها وإفسادها. ومَنْ قال: إن الله تعالى نفسه في كل مكان، فهو ضال مبتدع ما قَدَر الله حق قدره، ولا عرف عظمته جل وعلا، وكيف يكون في كل مكان وهو الذي قد وسع كرسيه السماوات والأرض؟ (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . فليتق الله قائل هذا، وليتب إلى ربه قبل أن يدركه الموت على هذه العقيدة الفاسدة، ويلقى ربه على خبث العقيدة وفساد الطوية، نسأل الله السلامة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا: أين الله؟ فأجيب: بأنه في السماء، واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة، ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، أليس توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء، كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه، حيث قال سبحانه وتعالى:(أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) . وكما شهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أقر الجارية التي سألها:(أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . وكما أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة، حين خطب الناس خطبته الشهيرة فقال:(ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد) ، وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس، فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء. وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو، والعلو صفة كمال، والرب سبحانه وتعالى قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله تبارك وتعالى، فثبت له ذلك عقلاً. كذلك في الفطرة: فإن الناس مفطورون على أن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئاً، حينما يقول: يا رب، لا يجد في قلبه التفاتاً يميناً ولا يساراً ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو، بمقتضى الفطرة التي سلمت من اجتيال الشياطين، وما من أحد يصلى فيقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء. وقد انعقد إجماع السلف على ذلك، كما ذكر ذلك الأوزاعي وغيره. وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته. ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله وأنها محيطة به، فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه، وهو سبحانه وتعالى غني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء، وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل، بأنه إذا قلنا بأن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له عز وجل، وليس الأمر كذلك. فإن قال قائل: قوله: في السماء، قد يفهم أن السماء تحيط به؛ لأن (في) للظرفية، والمظروف يكون الظرف محيطاً به. فالجواب: أن ذلك ليس بصحيح؛ لأن السماء بمعنى العلو، وأن السماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن، كما في قوله تعالى:(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) . والماء ينزل من السحاب، والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله:(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ) أي: أنزل من العلو، ويكون معنى قوله:(أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من في العلو. وهناك وجه آخر بأن نجعل (في) بمعنى (على) ، ونجعل السماء هي السماء السقف المحفوظ، ويكون معنى (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من على السماء، وإذا كان عالياً عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به. ولا يمكن أن تكون محيطة به. (وفي) تأتي بمعنى (على)،كما في قوله تعالى:(وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ) أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون:(وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي: على جذوع النخل، بكل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة. ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة على وجه مجرد عن الهوى، ومجرد عن التقليد، حتى يتبين له الحق، ويعرف أن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته. أما قوله تعالى:(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فإن الاستواء بمعنى العلو، كما في قوله تعالى:(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) أي: تعلو عليها. وكما في قوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت. فالاستواء في اللغة العربية بمعنى العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبداً، ولو كان هذا صحيحاً لبينه الله عز وجل في القرآن ولو في موضع واحد، والاستواء على العرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبداً، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه. وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على أن الاستواء- أي: إن استواء الله على عرشه- بمعنى استيلائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة أن استواء الله على العرش بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى العلو والاستقرار والارتفاع والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح لقوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وما أشبهها من الآيات، أي: الرحمن على العرش علا علواً خاصاً يليق بجلاله تبارك وتعالى، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجاً إلى العرش، بل إنه لا يقتضي ذلك أبداً، فإنه قد علم أن الله تعالى غنيٌّ عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه. فنرجو من الأخ السامع للجواب، الأول أن يرد إليه هذا الجواب حتى يتبين له الحق، بأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد، حتى يكون قلبه سليماً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما حكم الخوض في ذات الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الخوض في ذات الله عز وجل؛ لأن الوصول إلى معرفة حقيقة ذات الله عز وجل مستحيلة، ومن رام ذلك فقد يقع في هلاك وشقاء. نعم يفكر ويتأمل في أسماء الله وصفاته، كما قال عز وجل:(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

***

ص: 2

‌يقول السائل: لقد سمعت بيتاً لأحد السلف الصالح، ولكنه التبس عليَّ الشطر الأخير وشككت فيه من الناحية العقائدية، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي معنى هذا البيت، وهل هو صحيح من ناحية الاعتقاد أم لا؟ البيت هو:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيب

إلى أن قال:

ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب

فأجاب رحمه الله تعالى: هذان البيتان صحيحان، فإذا خلا الإنسان يوماً من الدهر فلا يقل: إني خلوت؛ لأن عليه رقيباً من الله عز وجل، كما قال الله عز وجل:(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . فالإنسان مهما اختفى عن الناس فإنه لن يخفى على الله، كما قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) . ولا تظن أنك إذا اختفيت فإن الله سبحانه وتعالى يغفل عنك أو لا يعلم بك، فإن الله تعالى يقول:(وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) . فهو سبحانه وتعالى محيطٌ بكل شيء علماً، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم ما ظهر وما بطن.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من المخلصين عبد الله محمد أحمد الرياض منظور أحمد قريشي أحمد حسين، يقول الإخوة: الموضوع يوجد بطاقات مكتوب عليها أسماء الله جل جلاله، مثل هذه الصورة التي بجانب الرسالة- وقد ضمنوا هذه الرسالة صورة لكسوة الكعبة، وعليها آيات من كتاب الله المبين- يقول: ترمى في الأرض من قبل ناس لا يعرفون الإسلام، يقول هذه فقط إشارة، وما تنصحون الباعة بذلك، أو من يهمه الأمر بذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كثرت في الناس على أوجه متعددة، منها بطاقات تحمل لفظ الجلالة الله وأخرى إلى جانبها تحمل محمد، ثم توضع البطاقاتان متوازنتين على الجدار أو على لوحة أو ما أشبه ذلك، ونحن نتكلم على هذه الصورة. أولاً: ما فائدة تعليق كلمة الله فقط ومحمد فقط؟ إذا كان الإنسان يظن أنه يستفيد من ذلك بركة فإن البركة لا تحصل بمثل هذا العمل؛ لأن هذا ليس بجملة مفيدة تكسب معنى يمكن أن يحمل على أنه للتبرك، ثم إن التبرك بمثل هذا لا يسوغ؛ لأن التبرك بالله وأسمائه لا يمكن أن يستعمل إلا على الوجه الذي ورد؛ لأنه عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف. ثم إن هذا الوضع الذي أشرنا إليه سابقاً: أن توضع كلمة الله وبجانبها موازيةً لها كلمة محمد، هذا نوع من التشريك والموازنة بين الله وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر لا يجوز، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله ندا؟ ً بل ما شاء الله وحده) . ثم إن التبرك بمجرد وضع اسم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لا يجوز، التبرك إنما يكون بالتزام شريعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها. هذه صورة مما يستعمله الناس في هذه البطاقات، وقد تبين ما فيها من مخالفة للشرع. أما بالنسبة للصورة الثانية التي أشار إليها الأخ السائل، فهي أيضاً جوازها محل نظر، وذلك لأن الأصل في كتابة القرآن على الأوراق والألواح، الأصل فيه الجواز، لكن تعليقه أيضاً على الجدران في المنازل لم يرد ذلك عن السلف الصالح رحمهم الله، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين، ولا أدري بالتحديد متى حصلت هذه البدعة، هذا في الحقيقة بدعة؛ لأن القرآن إنما نزل ليتلى لا ليعلق على الجدران وغيرها، ثم إن في تعليقه على الجدران، فيه مفسدة، زائداً على أن ذلك لم يرد عن السلف، تلك المفسدة هي أن يعتمد الإنسان على هذا المعلق، ويعتقد أنه حرز له، فيستغني به عن الحرز الصحيح، وهو التلاوة باللسان، فإنها هي الحرز النافع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في آية الكرسي:(من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فالإنسان إذا شعر أن تعليق هذه الآيات على الجدران مما يحفظه، فإنه سيشعر باستغنائه بها عن تلاوة القرآن، ثم إن فيها نوعاً من اتخاذ آيات الله هزواً، لأن المجالس لا تخلو غالباً من أقوال محرمة من غيبة أو سباب وشتم، أو أفعال محرمة، وربما يكون في هذه المجالس شيء من آلات اللهو التي حرمها الشرع، فتوجد هذه الأشياء والقرآن معلق فوق رؤوس الناس، فكأنهم في الحقيقة يسخرون به؛ لأن هذا القرآن يحرم هذه الأشياء، سواء كانت الآية المكتوبة هي الآية التي تحرم هذه الأشياء أو آية غيرها من القرآن، فإن هذا بلا شك نوع من الاستهزاء بآيات الله. لذلك ننصح إخواننا المسلمين عن استعمال مثل هذه التعليقات، لا بالنسبة لاسم من أسماء الله أو أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، أو آيات من القرآن، ويستعملوا ما استعمله سلفهم الصالح، فإن في ذلك الخير والبركة. بالنسبة لما أشار إليه الأخ من أن هذه البطاقات التي يكتب عليها القرآن ترمى في الأسواق، وفي الزبل وفي مواطئ الأقدام، فهذا أيضاً لا يجوز؛ لما فيه من امتهان القرآن الكريم، لكن المخاطب بذلك من هي في يده، إلا أن الباعة الذين يبيعونها إذا علموا أن هذا يفعل بها غالباً يكون ذلك موجباً لتحريم بيعها والاتجار بها؛ لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا كان العقد وسيلة لازمة أو غالبةً إلى شيء محرم فإن ذلك العقد يكون حراماً؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأظن أن الإجابة على السؤال انتهت. أما بالنسبة لتعليق القرآن على المرضى، سواء كانت أمراضهم جسدية أو نفسية للاستشفاء بها، فإن هذه موضع خلاف بين السلف والخلف، فمن العلماء من يجيز ذلك؛ لما يشعر به المريض من راحة نفسية، حيث إنه يحمل كلام الله عز وجل، وشعور المريض بالشيء له تأثير على المرض زيادةً ونقصاً وزوالاًَ كما هو معلوم. ومن العلماء من قال: إنه لا يجوز، وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل مثل ذلك للاستشفاء، وإنما الاستشفاء بقراءة ما ورد على المريض، وإذا كان لم يرد عن الشارع أن هذا سببٌ فإن إثباته سبباً نوع من الشرك، ذلك لأنه لا يجوز أن نثبت أن هذا الشيء سبب إلا بدليل من الشرع، فإذا أثبتنا سببيته فمعنى ذلك أننا أحدثنا أمراً لم يكن في الشرع، وهذا نوع من الشرك.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع م. أ. أ. من القصيم يقول: أسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . لأنني قرأت بعض التفاسير، وخشيت أن يكون في بعضها ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك في قوله تعالى:(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) . نريد الجواب الشافي

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أحب أن أنبه على قول السائل: إنه يسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . فإن ظاهر لفظه أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من مقول الله، والذي ينبغي إذا أراد أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أن يقدمها على قول الله، فيقول مثلاً: أسأل عن هذه الآية ثم يذكرها، أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما معنى قوله تعالى كذا وكذا. وأما بالنسبة لسؤاله: فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، بدون تحريف، بل يجرى الكلام على ظاهره؛ لأن المتكلم به- وهو الله عز وجل أعلم بنفسه من غيره، ولأنه تبارك وتعالى أصدق القائلين، وكلامه أفصح الكلام وأبينه، ومراده عز وجل من عباده أن يهتدوا ولا يضلوا، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بربه، وكلامه أصدق كلام الخلق وأفصحه، ومراده صلى الله عليه وسلم هداية الخلق دون ضلالهم، وهذه الصفات الأربع: العلم والصدق والفصاحة وإرادة الخير، إذا توافرت في كلام فقد بلغ الغاية في وجوب الأخذ بمدلوله على ظاهره، ولا يجوز أن يحرف إلى غير الظاهر. وبناء على هذه القاعدة العظيمة نقول: إن كل ما وصف الله به نفسه من الصفات فهو حق على ظاهرها، ففي الآية الأولى التي ذكرها قال الله تبارك وتعالى عن المنافقين:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . قال ذلك عز وجل ليبين أن خداعهم ومكرهم دون خداع الله تعالى لهم ومكره بهم، فهو كقوله:(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) . والخداع ليس وصفاً مطلقاً بالنسبة لله، ولكنه وصف في مقابلة من يخادعونه؛ ليبين أنه عز وجل أقدر منهم على الخداع والمكر، وهذا لا شك يدل على القوة وعلى ضعف المقابل، وليس به أي نقص يتوجه إلى الله عز وجل، ولهذا نرى الناس إذا أرادوا أن يخدعوا شخصاً فعرف خداعهم وخادعهم علموا أنه أقوى منهم وأشد، فالخداع في مقابلة المخادع صفة كمال وليس صفة نقص. ويذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بارز عمرو بن ود وخرج إليه عمرو قال علي: إني لم أخرج لأبارز رجلين فالتفت عمرو يظن أنه قد لحقه آخر، فلما التفت ضربه علي حتى أهلكه، فهذا من الخداع الجائز، لأن عمرو بن ود إنما خرج من أجل أن يقتل علياً رضي الله عنه، والحرب خدعة، فخدعه علي رضي الله عنه بهذه الكلمة حتى قضى عليه، ويعد هذا من قدرة علي رضي الله عنه وقوته في خداع خصمه. ولهذا نقول: إن الخداع والاستهزاء والمكر والكيد الذي وصف الله به نفسه إنما يوصف الله به في مقابل من فعل ذلك، لا على سبيل الإطلاق. ولهذا ننبه على مسألة يقولها بعض العامة، يقولون: خان الله من يخون، فيظنون أن الخيانة مثل الخداع، وهذا ليس بصحيح، لأن الخيانة خداع في غير موضعه، ومكر في غير موضعه، فلا يجوز أن يوصف الله بها، ولهذا قال الله تعالى:(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم) ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة وصف لا يليق بالله تعالى مطلقاً؛ لأنه مذموم على كل حال.

فضيلة الشيخ: قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية كما قلنا في الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . وكما أشرنا إلى آية ثالثة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وإلى آية رابعة:(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا. ً وَأَكِيدُ كَيْداً) .

***

ص: 2

‌يقول السائل: مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها له من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، فكيف نفسر الآيات الكريمات، الآية الأولى:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) ، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً) ، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب السلف الصالح الذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو: أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل، أي: دل عليه الشرع والعقل، وذلك لأن صفات الله سبحانه وتعالى مجهولة لنا، لا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به عن نفسه، وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق؛ لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره، ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة، وعلى هذا فما وصف الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به، لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة، بمعنى: أننا لا ندرك كيفيته، فمثلاً استواء الله على عرشه أثبته الله تعالى لنفسه في سبعة مواضع من كتابه العزيز، فنحن نعلم عن الاستواء على الشيء أنه العلو عليه، كما قال الله تبارك وتعالى:(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) . ولكننا لا نعلم كيفية استواء الله تعالى على عرشه، يعني: لا نعلم على أي صفةٍ هو، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عليه عن ذلك، فقال له رجل: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً من شدة ما سمع من السؤال وهيبته وتعظيمه لله عز وجل، ثم قال:(الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يعني: أن الاستواء غير مجهول في اللغة العربية، بل هو معلوم، فإن اللغة العربية تدل على أن استوى على الشيء بمعنى علا عليه، والقرآن نزل باللغة العربية، كما قال الله تبارك وتعالى:(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي: صيرناه باللسان العربي من أجل أن تعقلوه وتفهموه. فقوله رحمه الله: الاستواء غير مجهول، أي: معلوم المعنى واضح المعنى. والكيف غير معقول، أي: إن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية استواء الله على عرشه، وهكذا بقية الصفات لا يمكن لعقولنا القاصرة أن تدرك كيفيتها. والإيمان به واجب، أي: الإيمان بالاستواء على ما تقتضيه اللغة العربية واجب؛ لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب علينا قبوله والإيمان به. والسؤال عنه- أي: عن الاستواء، أي: عن كيفيته- بدعة، أي: إنه من ديدن أهل البدع، وهو أيضاً بدعة لكون الصحابة لم يسألوا عنه رسول صلى الله عليه وعلى آله سلم. فالقاعدة العريضة للسلف الصالح وأئمة المسلمين هي: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. واعلم أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم كمال مطلق بكل حال، فهو يوصف الله به وصفاً مطلقاً على كل حال، كالسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام وما أشبهها. وقسم آخر لا يكون كمالاً على كل حال، لكنه كمال في موضعه، كالآيات التي ذكرها السائل، فإن الله لا يوصف بها مطلقاً، أي: على سبيل الإطلاق، وإنما يوصف بها حيث تكون كمالاً، كما سيتبين إن شاء الله من الكلام على كل آية وحدها. فقوله تعالى في الآية الأولى:(الله يستهزئ بهم) أي: المنافقين؛ لأن المنافقين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) أي: مستهزئون بالمؤمنين حيث نقول لهم: إننا آمنا، وهم لم يؤمنوا، فقال الله تعالى:(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . فقابل استهزاءهم بالمؤمنين باستهزائه تبارك وتعالى بهم، وذلك حيث مكن لهم وأمهلهم واستدرجهم من حيث لا يعلمون، فهذا استهزاء في مقابلة استهزاء، واستهزاء الله تعالى أعظم وأكبر من استهزائهم بالمؤمنين. والآية الثانية:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وهذه أيضاً في المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، وفي آية أخرى:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُمْ) . والمخادعة وصف محمود إذا وقع في محله، ولهذا قيل: الحرب خدعة، فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والذين آمنوا ويغرونهم ويرونهم أنهم مؤمنون- وهم غير مؤمنين- خداعاً ومكراً وكيداً، فيقول الله عز وجل: إن الله خادعهم، وذلك بإمهاله لهم واستدراجه لهم وحقن دمائهم ومعاملتهم معاملة المسلمين، لكنه عز وجل سيريهم العذاب الأليم حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، وهذا لا شك خداع بهم، حيث يعاملهم سبحانه وتعالى معاملة الرضا وهم على العكس من ذلك. الآية الثالثة:(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً) . إنهم يعني: المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكيدون للنبي صلى الله عليه كيداً عظيماً، ولكن الله تعالى يكيد بهم كيداً أعظم. وتأمل قوله:(يَكِيدُونَ) حيث أتى بصيغة الجمع (وَأَكِيدُ) حيث أتى بصيغة الإفراد، فإن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت والكيد والمكر متقاربان، ومعناهما: الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، يعني: أن يوقع الإنسان بخصمه من حيث لا يشعر به، وقد كاد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيداً عظيماً، كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وفي الآية الأخيرة:(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هذه أيضاً كقوله: (إنهم يكيدون كيداً. وأكيد كيداً) يعني: أن الكفار يمكرون بأولياء الله عز وجل، ولكن الله تعالى يمكر بهم، فيقابلهم بما هو أعظم وأشد من مكرهم، ولهذا قال:(وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أي: أعظمهم وأشدهم. والمكر- كما قلت آنفاً- هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، فهو دليل على القوة والعلم والقدرة، فيكون في مقابلة الفاعل صفة مدح وكمال، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه ماكر على سبيل الإطلاق، أو بأنه خادع، أو بأنه كائد، أو بأنه مستهزئ على وجه الإطلاق، بل يقال: إنه سبحانه وتعالى ماكر بمن يمكر به، ومستهزئ بمن يستهزئ به، وهكذا.

***

ص: 2

‌الإيمان بالملائكة

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل إبراهيم من الرياض: ما هي أهمية الإيمان بالملائكة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالملائكة أهميته عظيمة؛ لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) . أما كيف نؤمن بهم؟ فنؤمن بأنهم عالم غيبي خلقوا من نور، وجعل الله منهم رسلاً ومنهم عباداً، وهم على قوة عظيمة، ولا سيما جبريل عليه السلام، فقد وصفه الله بأنه ذو قوة فقال:(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) . وهم في وظائفهم أقسام: منهم ملائكة مع الإنسان عن اليمين وعن الشمال يكتبون أعماله الحسنة والسيئة، ومنهم ملائكة يحفظون الإنسان من أمر الله عز وجل يتعاقبون بالليل والنهار، هؤلاء في الليل وهؤلاء في النهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الأموات بعد الدفن. المهم أنهم عالم غيبي عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(أطت السماء وحق لها أن تئط) - والأطيط هو صرير الرحل، رحل البعير، إذا حمِّل وصار البعير يمشي، يكون له أطيط، أي: صرير- يقول: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور الذي في السماء السابعة: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه في اليوم الثاني، بل يأتي غيرهم، إلى يوم القيامة) أو إلى ما بعد ذلك الله أعلم. المهم أنهم جنود لا يعلمهم إلا الله عز وجل، فنؤمن بما عرفنا من أسمائهم، ونؤمن بما عرفنا من أوصافهم، ونؤمن بما عرفنا من وظائفهم، وما عدا ذلك فالله أعلم.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية والذي رمز لاسمه بـ م ل م يقول: فضيلة الشيخ نود أن تعطونا نبذة عن خلق الملائكة، وهل تأتي على صورة حيوان؟ ما صحة ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الملائكة عالم غيبي خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور، وكلفهم بما شاء من العبادات والأوامر، واصطفى منهم رسلاً، كما قال الله تعالى:(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) . فمنهم الرسل الموكلون بالوحي، كجبريل عليه الصلاة والسلام. ومنهم الرسل الموكلون بقبض أراوح بني آدم، كما قال الله تعالى:(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . ومنهم الكتبة الذين يكتبون أعمال بني آدم، ومنهم الحفظة الذين يحفظونهم من أمر الله، ومنهم السياحون الذين يسيحون في الأرض يتلمسون حلق الذكر، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من أعمالهم ووظائفهم. وأما أوصافهم: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبريل وله ستمائة جناح قد سد الأفق، ولكن مع هذا له قدرة بإذن الله عز وجل أن يكون على صورة إنسان، كما جاء جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام على صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأشراطها، وكما جاء إليه بصورة دحية الكلبي، وكما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام في قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك جاء إلى كل واحد منهم وسأله عن أحب ما يكون إليه، ثم بعد أن أنعم الله عليهم بإزالة العيوب وبالمال عاد إليهم الملك بصورة كل واحد منهم قبل أن يزول عنه العيب ويحصل له الغنى، والقصة معروفة مشهورة. ثم إن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قدرة عظيمة، وسرعة عظيمة في الطيران والوصول إلى الغايات، ألم تر إلى قول سليمان عليه الصلاة والسلام:(يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مسلمين) أي: عرش بلقيس، وهو السرير الذي تجلس عليه، وهو عرش عظيم. (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) . قال أهل العلم: إن هذا الرجل دعا الله عز وجل، فحملت الملائكة العرش حتى وضعته عند سليمان عليه الصلاة والسلام. ثم ألم تر إلى الإنسان يموت فتقبض الملائكة روحه، وتصعد بها إلى الله عز وجل إذا كان مؤمناً إلى ما فوق السماوات، وتعاد إليه روحه إذا دفن في قبره؟ وكل هذا يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قوة عظيمة وسرعة عظيمة. ومن أراد أن يقف على شيء من أوصافهم وأحوالهم فليرجع إلى الكتب المصنفة في ذلك، منها كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله.

***

ص: 2

‌المستمعة أشواق تقول: إن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا كراماً كاتبين، يكتبون كل ما نقول ونفعل. السؤال: ما الحكمة من خلقهم؟ مع العلم بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ما نسر وما نعلن

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن نقول: أولا: ً مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك، فإن كثيراً من الأشياء لا نعرف حكمتها، كما قال الله تعالى:(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) . فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه؟ وجعل الخيل على هذا الوجه؟ وجعل الحمير على هذا الوجه؟ وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سُئلنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة العشاء أربعاً؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك، إذ قد يقول قائل: لماذا لم تجعل ثماني أو ستاً؟ ولهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو الأشياء المشروعة إن منّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لم ينقصنا شيئاً. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو: ما الحكمة في أن الله وكل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك بيان أن الله سبحانه وتعالى نظم الأشياء وقدرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى أنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان، وكمال حفظه تبارك وتعالى، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمعة من المدينة المنورة أم عبد الله تقول: فضيلة الشيخ بعض الناس يقومون بوضع البخور في بيوتٍ قديمة، يدعون أنهم يبخرونها للملائكة، ويضعون قطعاً من القماش ويبخرونها. فما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هؤلاء جماعة من الخرافيين السفهاء في عقولهم، الضالين في عملهم؛ لأن الملائكة لا يمكن أن تكون أماكنها الأماكن الخربة، الأماكن الخربة يمكن أن تكون مأوى الجن أو الشياطين، أما الملائكة فإن مأواها في الأرض هي بيوت الله عز وجل، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أكل بصلاً أو ثوماً قال:(فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) ، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وأضل من ذلك أن يبخروا هذه الأماكن، وكذلك يجعلون قطعاً من القماش ويبخرونها، وكل هذا ضلال في الدين وسفه في العقل. والواجب على من علم بذلك أن ينكر على من فعلها، ويبين له أن هذا خطأ عظيم، وأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أجل وأكرم عند الله من أن يجعل مأواهم هذه البيوت الخربة.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل هناك أدلة تدل على أفضلية الملائكة على الصالحين من بني البشر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- وهي: المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من البشر- محل خلاف بين أهل العلم، وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص، ولكن القول الراجح أن يقال: إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية، فإن الله سبحانه وتعالى يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم، بل إن الملائكة في مقرهم- أي: في مقر الصالحين، وهو الجنة- يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، وجبلوا على طاعة الله عز وجل والقوة عليها، كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار:(عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) . وقال عز وجل: (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة. وبعد فإن الخوض فيها، وطلب المفاضلة بين صالح البشر والملائكة، من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به. والله المستعان.

***

ص: 2

‌الجن والشياطين

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً عبد المجيد محمد له هذا السؤال يقول: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الشياطين يكونون من الجن والإنس، كما قال الله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) . بل يكون الشيطان من غير العقلاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الكلب الأسود شيطان) . وأما الجن فإنه من ذرية إبليس، كما قال الله تعالى:(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) .

***

ص: 2

‌هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين يقول: أخوكم في الله ريكان غيلان الضامن من الجمهورية العراقية يقول: نحن نعرف أن إبليس هو أبو الشياطين، فكيف تتكاثر الشياطين وكيف تتناقص

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة سبحانه وتعالى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) . فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته، ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم.

***

ص: 2

‌السائل أنور محمد إبراهيم من العراق محافظة ذي قار يقول: كيف هي حقيقة حياة الجن؟ وهل بينهم تزاوج شرعي؟ وهل هم يعيشون ويموتون مثلنا نحن الإنس؟ وهل لهم تأثير على الإنس

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة حياة الجن الله أعلم بها، ولكننا نعلم أن الجن أجسام لها حقيقة، وأنهم خلقوا من النار، وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون أيضاً، ولهم ذرية، كما قال الله تعالى في الشيطان:(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) . وأنهم مكلفون بالعبادات، فقد أرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام، وحضروا واستمعوا القرآن، كما قال الله تعالى:(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) . وكما قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) إلى آخر الآيات. وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال للجن الذين وفدوا إليه وسألوه الزاد، قال:(لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً) . وهم- يعني: الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم الله على أكله، ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة، وكذلك على الشرب، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وعليه. فإن الجن حقيقة واقعة، وإنكارهم تكذيب للقرآن، وكفر بالله عز وجل، وهم يؤمَرون وينهون، ويدخل كافرهم النار، كما قال الله تعالى:(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنَ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) . ومؤمنهم يدخل الجنة أيضاً لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . والخطاب للجن والإنس، ولقوله تعالى:(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا) . إلى غير ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون، يدخلون الجنة إذا آمنوا، ويدخلون النار إذا لم يؤمنوا.

فضيلة الشيخ: تأثيرهم على الإنس.

فأجاب رحمه الله تعالى: أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضاً، فإنهم يؤثرون على الإنس: إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم، وإما أن يؤثروا عليه بالإيحاش والترويع وما أشبه ذلك.

فضيلة الشيخ: كيف العلاج من تأثيرهم؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية، مثل: قراءة آية الكرسي، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم، المستمعة هناء محمد تقول: سمعت بأنه يوجد جن صالحون وجن شياطين، هل يظهرون للإنسان؟ وكيف نتجنب ظهورهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجن كالإنس فيهم الصالحون، فيهم المسلمون، فيهم الكافرون، فيهم الأولياء الذين آمنوا بالله وكانوا يتقون. ذكر الله تبارك وتعالى في سورة الجن عن الجن أنهم قالوا:(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . وقالوا أيضاً: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) . وفيهم- أي: في الجن- من يحب الصالحين من الإنس، وربما يخاطبهم وينتفع بهم بالنصيحة والتعليم، وفيهم- أي: في الجن- فساق وكفار يحبون الفاسقين والكافرين ويبغضون المؤمنين وأهل الاستقامة، وفي الجن من يحب العدوان على الإنس والأذية، وهم في الأصل عالم غيبي لا يظهرون للإنس، لكن ربما يظهرون أحياناً ويراهم الإنس وربما يتشكلون بأشكال مؤذية مزعجة لأجل أن يروعوا الإنس، ولكن الإنسان إذا تحصن بالأوراد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاه الله شرهم، ومن ذلك قراءة آية الكرسي، وهي قوله تعالى:(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) . فإن هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ولكن لابد أن يكون القارئ مؤمناً بها، مؤمناً بأثرها، مؤمناً بأن الله تعالى يحفظه بها من كل شيطان، أما من قرأها وهو غافل، أو من قرأها مجرباً غير موقن بأثرها فإنه لا ينتفع بها.

***

ص: 2

‌هل الجن قد أسلموا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضاً هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله سبحانه وتعالى، وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في سورة الجن عنهم حيث قالوا:(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) . وقالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) . وقد صرف الله نفراً من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعوا القرآن وآمنوا به، وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى:(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . وهذا يدل على أن الجن كانوا يؤمنون بالرسل السابقين، وأنهم يعلمون كتبهم؛ لقولهم:(إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكرم الوفد، وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم:(لكم كل عظم يذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة فهي علف لدوابكم) .ولهذا (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث، وقال: إن العظام زاد إخوانكم من الجن) .

فضيلة الشيخ: يقول: هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات، ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة، وحجهم يكون كحج الإنس زمناً ومكاناً، وإن كانوا قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم، فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الإنس.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائلة الزهراء ع. م. ن. من البيضاء من الجماهيرية العربية الليبية تقول: هل للجن تأثيرٌ حقيقة على الإنسان؟ كما نسمع من تسلط بعض ذكور الجن على إناث الإنس، وتسلط بعض إناث الجن على رجال من الإنس؟ وكيف التخلص من هذا إن كان هذا وارداً؟ وبأي الطرق يمكن معالجة من به مثل هذه الحالة، دون الرجوع إلى وسائل محرمة ومخالفة للتوحيد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لاشك أن الجن لهم تأثير على الإنس، بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يؤذونه بالإيحاش، أي: يروعونه، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع. وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات- وأظنها غزوة الخندق- وكان شاباً حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك فقالت له: ادخل، فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش، فكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال وفي الزمن أو في اللحظة التي ماتت فيها الحية مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً: الحية أم الرجل؟ فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن قتل الجان التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين) . وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم يؤذونهم. كما أن الواقع شاهد بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت الأخبار بأن الإنسان قد يأتي إلى خربة فينال الحجارة، وهو لا يرى أحداً من الإنس في الخربة، وقد يسمع أصواتاً، وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار، وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به. وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي: إما لعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب. ويشير إلى هذا قوله تعالى:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) . وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن نفس الإنسي ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً ألا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس. وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شره- من شر الجن- أن يستعيذ الإنسان، أو أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم، مثل: آية الكرسي، فإنها آية إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

***

ص: 2

‌يقول السائل: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون، كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى:(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي هي فوق طاقة الإنسان وقدرته؟ أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الجن كما ذكر السائل وعلى ما استدل به من أن فيهم الصالح وفيهم دون ذلك، كما في الآية الكريمة التي ذكرها السائل، وفيهم أيضاً المسلم والكافر، كما قال تعالى:(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) . ومن المعلوم أن الصالح منهم لا يرضى بالفسق ولا يعين عليه، وكذلك المسلم لا يرضى بالكفر ولا يعين عليه، ولهذا قال الله تعالى:(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) . فكافرهم يدخل النار، كما تفيده هذه الآية والآية التي في سورة الجن:(وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) . ومؤمنهم يدخل الجنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . فأخبر أن لمن خاف مقام ربه جنتين، وخاطب بذلك الجن والإنس في قوله:(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . وقد سمى النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين منهم إخوة لنا، حين نهى عن الاستنجاء بالعظام وقال:(إنها طعام إخوانكم أو زاد إخوانكم) يعني: من الجن. وأما الاستعانة بهم: فإني أحيل السائل على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي جمع ابن القاسم صفحة ثلاثمائة وسبع مجلد أحد عشر، وما ذكره رحمه الله في كتابه النبوات صفحة مائتين وستين إلى مائتين وسبع وستين، ففيه كفاية.

***

ص: 2

‌أسمع دائماً من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله سبحانه وتعالى. فهل هذا صحيح أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلاً شاباً من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات يومٍ أو ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحاً فطعنها فماتت هذه الحية، ثم مات الرجل فوراً، فلا يدرى أيهما أسرع موتاً: الرجل أم الحية؟ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين. وهذا يدل على أن هذا كان جناً، وأنه وقد تصور بصورة الحية، والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً بصورة دحية الكلبي، وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتأدب، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة وأشراطها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) . ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أقدرهم على ذلك، فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة، هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة.

***

ص: 2

‌الإيمان بالكتب

ص: 2

‌التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة هل هي منسوخة بالقرآن؟ وما هو الدليل من القرآن إن وجد؟ والسنة المطهرة؟ وما حكم قراءتها بالنسبة للعالم للاطلاع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب السابقة منسوخة بالقرآن الكريم؛ لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) . فكلمة: (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) تقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له، فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب. وأما قراءة الكتب السابقة: فإن كان للاهتداء بها والاسترشاد فهو حرام ولا يجوز؛ لأن ذلك طعن في القرآن والسنة، حيث يعتقد هذا المسترشد أنها- أي: الكتب السابقة- أكمل مما في القرآن والسنة، وإن كان للاطلاع عليها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من خالفوا الإسلام فهذا لا بأس به، وقد يكون واجباً؛ لأن معرفة الداء هي التي يمكن بها تشخيص المرض ومحاولة شفائه، أما من ليس عالماً ولا يريد أن يطلع ليرد فهذا لا يطالعها. إذاً فأقسام الناس فيها ثلاثة: من طالعها للاسترشاد بها فهذا حرام ولا يجوز؛ لأنه طعن في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طالعها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من تمسكوا بها وتركوا الإسلام فهذا جائز، بل قد يكون واجباً، ومن طالعها لمجرد المطالعة فقط، لا ليهتدي بها ولا ليرد بها، فهذا جائز، لكن الأولى التباعد عن ذلك؛ لئلا يخادعه الشيطان بها.

***

ص: 2

‌تقول السائلة: ماحكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته، وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه، إلا كتاباً واحداً وهو القرآن، ولا يحل لأحد أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة، فغضب وقال:(أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب) ؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن صحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا، فلا يوثق أن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله عز وجل، ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن، فلا حاجة لها إطلاقاً. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا، وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئاً أن يحرقه، النصارى عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة صاروا يبثون في الناس الآن ما يدعونه إنجيلاً على شكل المصحف تماماً، مشكل على وجهٍ صحيح، وفيه فواصل كفواصل السور، والذي لا يعرف المصحف- كرجلٍ مسلم ولكنه لا يقرأ- إذا رأى هذا ظن أنه القرآن، كل هذا من خبثهم ودسهم على الإسلام، فإذا رأيت أخي المسلم مثل هذا فبادر بإحراقه يكن لك أجر؛ لأن هذا من باب الدفاع عن الإسلام.

***

ص: 2

‌عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته: عثرت على بعض الكتب المسيحية، فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يريد أنه وجد نسخاً من الإنجيل، وأشكل عليه: هل يحرقها، أو يدفعها للنصارى الذين يدعون أنهم متبعون لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام؟ والذي أرى أنه يجب عليه إحراقها، وأنه لا يحل له أن يعطيها النصارى.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقهلية يقول في رسالته: ما هو الحكم في الذي يقرأ بالإنجيل؟ فهل هو حلال أم حرام، مع العلم أنه يتلو القرآن

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون التالي عالماً بالشريعة، ويتلوها ليقيم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام، فالتلاوة هنا وسيلة إلى أمر محمود فتكون محمودة. والقسم الثاني: أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف الشريعة، ويقصد الاهتداء بهذه الكتب، فهذه حرام عليه، أي: هذه التلاوة حرام عليه؛ لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها، ولا يجوز الاهتداء بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين.

***

ص: 2

‌هذه يا شيخ رسالة وردت من محمد العيسى الحمود الجارياوي يقول في رسالته: إنني قرأت في كتاب وهو كتاب مسيحي، وفيه مكتوب أن المسيح ابن الله تعالى، وأنا أعرف أنه خطأ وكفر بالله، هل يلحقني ذنب في هذه القراءة؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً، رغم أن الكتاب فيه عدة أخطاء وكفر بالله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي قرأت للمسيحي لم تبين أنه الإنجيل أو غيره، وعلى كل حال فإن الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل قراءتها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقرأها للاسترشاد بها والاستفادة منها، فهذا لا يجوز، وذلك لأن في القرآن والسنة ما يغني عنها. ثانياً: أن يقرأها ليعرف ما فيها من حق فيلزم به متبعيها، ويبين خطأهم في مخالفة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا لا بأس به، بل هو مطلوب إما وجوباً وإما استحباباً. الثالث: أن يقرأها لمجرد المطالعة فقط ليعرف ما عندهم، وليس يريد أن يسترشد بها أو يهتدي بها عن القرآن والسنة، ولا أن يرد على متبعيها باطلهم، فالأولى هنا أن لا يفعل؛ لأنه يخشى أن يتأثر بها ويجعلها مصدراً لرشاده وهدايته.

***

ص: 2

‌حنان وسامية من بابلة الأردن المستمعتان تسألان: نحن نعلم بأن القرآن الكريم نزل مفرقاً، وورد بالقرآن أنه نزل في ليلة القدر، هل معنى ذلك بأنه نزل في كل سنة من ليلة القدر؟ نرجو بهذا إفادة يا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا يخفى علينا جميعاً أن القرآن كلام الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي: حتى يسمع القرآن. وليس المعنى أن هذا المستجير يسمع كلام الله نفسه من الله، بل إنما يسمع القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، وأن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى، كما قال الله تعالى:(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) . وكما قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فالقرآن نزل من عند الله عز وجل، ونزوله كان مفرقاً، كما قال تعالى:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) . وقال تعالى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) . ولنزوله مفرقاً فوائد كثيرة، ذكرها أهل العلم في التفسير في أصول التفسير. فأما قوله تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . فقد اختلف المفسرون فيها، فقال بعضهم:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، فيكون القرآن أول ما نزل في ليلة القدر، ثم نزل متتابعاً حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل. وقال بعض العلماء: إنه نزل إلى بيت العزة جميعاً في ليلة القدر، ثم نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً بعد ذلك. لكن الأول أقرب إلى الصواب؛ لأن قوله:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) يقتضي إنزاله إلى منتهى إنزاله، وهو قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً في ليلة واحدة، بل نزل مفرقاً، فيكون المعنى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، ثم صار ينزل مفرقاً حسب ما تقتضيه حكمة الله تبارك وتعالى.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم السائلة أع ن تقول: هل نزول القرآن باللغة العربية يجعل الأعجميين لديهم عذر أو حجة لأن القرآن ليس بلغتهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للأعجميين حجة أو عذر لكون القرآن ليس بلغتهم، بل عليهم أن يتعلموا لغة القرآن؛ لأنه إذا توقف فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تعلم العربية كان تعلم العربية واجباً، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولهذا كان من أئمة اللغة العربية قوم من العجم من فارس وغيرها، وصاروا أئمة في العربية لأنهم عرفوا قدر تعلم اللغة العربية، فتعلموها فصاروا أئمة فيها. وأما تعصب بعض الناس للغتهم، وعدم تحولهم إلى اللغة العربية مع قدرتهم على ذلك، فهذا من حمية الجاهلية، والقرآن ولله الحمد الآن انتشر بين العالم، وترجم معناه إلى لغات متعددة، لغات عالمية حية، ولغات في مناطق معينة، فلا حجة لأحد اليوم في قوله: إن لساني ليس عربيّاً فلا أفهم القرآن.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقاً. فما معنى أن القرآن ليس محدثاً وليس مخلوقاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما من قال: إن القرآن مخلوق، فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، وكلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة، وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك- أي: على من قال: إن القرآن مخلوق- إنكاراً شديداً، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، حتى إن بعضهم- أي: بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال: إن القرآن مخلوق، ولا شك أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد أبطل الأمر والنهي؛ لأنه إذا كان مخلوقاً فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة، فهو كالنقوش في الجدران والورق وشبهها لا يفيد شيئاً، إذ ليس أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً. وأما من قال: إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى:(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) . نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول: إنه محدث، خشية أن يتوهم ما ليس بجائز.

فضيلة الشيخ: لماذا اعتبرت الفرق الضالة بأن القرآن مخلوق وأنه محدث؟ وما هو الغرض من ذلك؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولاً: كما سمعت كلمة محدث لا بأس بها، ما لم نكن نخاطب من يفهم منها الخلق، وأن "محدث" في إزاء مخلوق. وأما المخلوق فإنهم إنما ذهبوا هذا المذهب لشبهات كانت عليهم، مثل قوله تعالى:(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) . ومثل قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) وما أشبه ذلك، فظنوا أن هذا هو الحق، لكنهم بُيِّنَ لهم هذا، وبُيِّنَ لهم الغلط، إلا أنهم أصروا وعاندوا، وصاروا يدعون إلى بدعتهم هذه، وهي بدعة ضلالة.

***

ص: 2

‌ناصر دوارة من الجمهورية العربية السورية يقول: ما الفرق بين النبي والرسول

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن الفرق بينهما: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، هذا هو الفرق عند جمهور أهل العلم. وقيل: إن الفرق أن النبي لم يأت بشرع جديد، وإنما يكون مبلغاً بشرع من قبله، أي: إنه يحكم بشريعة من قبله بدون وحي جديد يوحى به إليه، كما في قوله تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . يحكم بها النبيون الذين أسلموا، وهم يحكمون بما في التوراة. فأما إذا أتى بشرع فحينئذٍ- ولو كان تكميلاً لشرع من قبله- يكون رسولاً، ولا يرد على هذا التعريف إلا آدم، فإن آدم كان نبياً وليس برسول؛ لأن أول رسول نوح، وآدم نبي أوحي اليه بشرع، فعمل به، فأخذت به ذريته الذين كانوا في عهده.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ ما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ وهل توجد كتب غير الكتب الأربعة التي نزلت أو أنزلت على الأنبياء؟ وما هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم؟ نرجو منكم الإجابة

.

فأجاب رحمه الله تعالى: جميع من ذكروا في القرآن من النبيين رسل، حتى وإن ذكروا بوصف النبوة؛ لقول الله تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) . وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) إلى أن قال: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . فكل نبيٌ ذكر في القرآن فإنه رسول، لكن ذكر العلماء رحمهم الله أن النبي هو الذي أوحى الله إليه بالشرع ولم يلزمه بتبليغه، وإنما أوحى الله إليه بالشرع لأجل أن يتعبد به، فيحيي شريعةً قبله أو يجدد شريعةً إذا لم يكن مسبوقاً بشريعةٍ من قبل. فمن الأول قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . ومن الثاني- وهو: أن يكون الوحي الذي أوحي إلى النبي نبوة بلا رسالة- آدم عليه الصلاة والسلام، فإنه كان نبياً ولم يكن رسولاً، ومع ذلك فهو لم يجدد شريعةً قبله، وإنما تعبد لله تعالى بما أوحى إليه من الشرع، فتبعه على ذلك أولاده، فلما كثر الناس واختلفوا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، وأول رسولٍ بعثه الله عز وجل هو نوح عليه الصلاة والسلام، ومعه كتابٌ بلا شك، وآخر الرسل والأنبياء محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل رسول معه كتاب، ولكننا لا نعلم من الكتب السابقة إلا التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وقد اختلف العلماء في صحف موسى هل هي التوراة أم غيرها؟ والله أعلم. هذا هو جواب السؤال.

***

ص: 2

‌الإيمان بالرسل

ص: 2

‌السائل ب م حجازي الخبر المملكة العربية السعودية يقول: أرجو أن تبينوا لنا مشكورين حقيقة الأمر في مسألة عصمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يلتبس الأمر على كثير من الناس في هذا الشأن، كثيراً ما نسمع ما يمكن أن يفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الخطأ، كما يفهم من عموم قوله تعالى:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) . ولكن نرى في بعض ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصيب ويخطئ في بعض الأمور، كالسهو في الصلاة مثلاً. فما حقيقة أمر العصمة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الجوانب التي عصم منها من الخطأ تحديداً والجوانب التي لم يعصم من الخطأ مشكورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإني أسأل هذا السائل: هل يؤمن بأن محمداً رسول الله على كل حال؟ هو يؤمن بهذا لا شك إن شاء الله، إذا كان يؤمن بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله فكفى، وما وقع منه فإنه لا ينافي الرسالة، فالسهو وقع منه في الصلاة، ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) .وعدم العلم وقع منه عليه الصلاة والسلام، فقد (صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلاه، وفي أثناء الصلاة خلع النعلين، فخلع المسلمون نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) . فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في نعليه ولم يعلم أن فيهما قذراً، وهذا أيضاً من طبيعة البشر أن الإنسان جاهل، هذا الأصل في الإنسان، كما قال الله عز وجل:(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يجتهد في أفعاله ولا يكون اجتهاده مصيباً، لكنه حين فعله للشيء الذي صدر منه عن اجتهاد هو مصيب، كما في قول الله تعالى:(عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) . فهذا وقع اجتهاداً من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصرف إلى هؤلاء الكبراء الذين جاؤوا إليه من قريش، يرجو إسلامهم وينتفع بإسلامهم قومهم والمسلمون جميعاً. ومثل قول الله تعالى:(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . فاجتهد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعفا عنهم؛ لمحبته صلى الله عليه وسلم للعفو، وأخذ الناس بظواهرهم، وهو حين عفا عنهم مصيب، لكن بين الله عز وجل له أن الحكمة هي الانتظار، وهذا لا يخدش بالرسالة، النسيان من طبيعة الإنسان، وعدم العلم هو أصل الإنسان أنه لا يعلم حين وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا فإنه والله لا يخدش بالرسالة وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) فالمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق نطقاً صادراً عن هوى، وإنما نطقه إما عن وحي من الله وإما عن اجتهاد، فليس كغيره ممن ينطق عن الهوى ويتكلم بما يهوى، سواء كان الحق أو غير الحق. وإني أنصح هذا السائل وغيره ألا يتعمقوا في مثل هذه الأمور فيلقي الشيطان في قلوبهم شرّاً، فالإنسان غير آمن من الشيطان، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وهو معتكف قام يقلب صفية رضي الله عنها، حين جلست عنده ساعة من الليل في معتكفه، فقام يقلبها عليه الصلاة والسلام أي: يمشي معها- فأبصر به رجلان من الأنصار فأسرعا، أسرعا خوفاً وخجلاً من النبي صلى الله عليه وسلم وحياء، فقال:(علىرسلكما إنها صفية) . فقالا: سبحان الله! قال: (نعم، إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئاً- أو قال: شراً-) . فانظر إلى هذا: خاف أن يلقي الشيطان في قلوبهما ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهما من الصحابة، فالبحث في هذه الأمور والتعمق فيها قد يكون خطراً على الإنسان وهو لا يشعر، وأنا أشكر السائل حيث سأل ليتبين له الأمر، لكني أقول: إن الأولى بالإنسان أن يدع البحث في هذه الأمور، وأن يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أبعد الناس أن يقول عن هوى أو أن يحكم بالهوى، بل هو الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام. ثم إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ما يخل بالإخلاص لله عز وجل، فلم يقع منهم الشرك، معصومون عن كل ما يخل بالمروءة والخلق، فلم يقع منهم ما ينافي ذلك، وأما بعض الذنوب فيقع منهم، لكن من خصائصهم أنهم معصومون من الاستمرار فيها وعدم التوبة، وإذا تاب الإنسان من الذنب فكمن لا ذنب له، بل قد تكون حاله بعد التوبة من الذنب أكمل من حاله قبل أن يفعل الذنب. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن ما ذكر في الإسرائيليات عن داود عليه الصلاة والسلام في قصة الخصمين اللذين اختصما عنده وقال أحدهما:(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) . في بعض الإسرائيليات أن داود عليه الصلاة والسلام كان له أحد الجنود، وكان عند هذا الجندي امرأة أعجبت داود وأرادها، فطلب من هذا الجندي أن يذهب للجهاد لعله يقتل فيأخذ زوجته، هذه قصة كذب ولا يجوز لأحد أن ينقلها إلا إذا بين أنها كذب، ولا يجوز اعتقادها في نبي من أنبياء الله، هذه لا تليق ولا من عامي من الناس فكيف بنبي؟ ولا أستبعد أن هذه من دسائس اليهود التي دسوها على المسلمين ليفسدوا بذلك دينهم. والقضية هي أن هذا الرجل مع خصمه عنده نعجة واحدة، أي: أنثى من الضأن، وكان أخوه- أي: خصمه- عنده تسع وتسعون، فقال له: أنت ليس عندك إلا واحدة لا تغني شيئاً، وأنا عندي تسع وتسعون، باقٍ واحدة وتكتمل المائة، والإنسان ينظر إلى تكميل العدد، فطلب منه هذه الواحدة، وجعل يورد عليه الحجج حتى غلبه في الحجج، فاختصما إلى داود. فإذا قال قائل: ما تقول في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) ؟ فالجواب سهل: داود عليه السلام جعله الله خليفة في الأرض يحكم بين الناس، وكونه يدخل محرابه- أي: متعبده- ثم يغلق الباب خلاف لما كلف به، وهو مجتهد في ذلك لا شك، ثم إنه حكم على الخصم قبل أن يسمع حجة الآخر المحكوم عليه، فلما قال الخصم:(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ) الخ. فحكم قبل أن يسمع حجة الخصم، ولعله من أجل أن يسرع التفرغ للعبادة، فلما جاءت هذه القصة وأخذ بقول الخصم وكان قد أغلق الباب ظن داود عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى أرسل هذين الخصمين اختباراً له (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) . فإن قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهند حين شكت زوجها أبا سفيان أنه رجل شحيح لا يعطيها وولدها ما يكفيهم، فقال:(خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) فحكم لها؟ فالجواب: أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم فتيا وليست قضاء بين خصمين؛ لأن خصمها لم يحضر، فهو أفتاها على صورة القضية بدون محاكمة ومخاصمة.

***

ص: 2

‌هذا السائل يا فضيلة الشيخ من السودان يقول: يا فضيلة الشيخ نعلم أن الرسل معصومون من الخطأ، هل هم معصومون من الخطأ في التشريع فقط، أم في كل الأمور

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله سبحانه وتعالى، وهم معصومون من كل خطأ يخل بصدقهم وأمانتهم، وهذا هو محل الثقة فيهم. وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطئون فيه، فإن نوحاً عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن ينجي ابنه، فقال الله له:(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) . ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهاداً منه، فقال الله له:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) . وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . لكنهم معصومون من الإقرار على الخطأ، يعني لو حصل منهم خطأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه، بخلاف غيرهم فإنهم لا يعصمون من ذلك.

***

ص: 2

‌يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد، ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه، ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصلىها. فهل هذا صحيح؟ وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا باطل قطعاً، فإن سيد الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم لم يزره بلا ريب، وكذلك الأنبياء قبله لا يمكن أن يكونوا قد زاروه؛ لأنه لو قصد بالأنبياء الأنبياء الذين لم يرسلوا فإنهم أربعة وعشرون ألفاً، وإن قصد الرسل فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد زاروا هذا المسجد، وإنما هذا من التزوير الذي يقصد به أكل المال بالباطل وصد الناس عن سبيل الله. والذهاب إلى هذا المسجد بهذه النية محرم ولا يجوز، والواجب على المسلمين أن يتحققوا في هذه الأمور، وأن ينصحوا من مارس القيام بتعظيمها واحترامها، وليس هناك مساجد تشد الرحال إليها إلا ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى. وماعدا ذلك من المشاهد أو المساجد فإنه لا يجوز أن تشد إليها الرحال مطلقاً في أي حال من الأحوال، ثم إن غالب هذه الأمور تكون كذباً مزوّرة، والمؤمن العاقل يعرف أن هذا من التزوير بأول نظرة.

فضيلة الشيخ: لكن ما حكم الصلاة فيه؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في الجواب: إنه لا يجوز قصده للصلاة فيه، وإنه حرام وأما الصلاة فيه كبقعة، مثل: أن يمر به الإنسان مروراً عابراً فيصلى فيه، فإنه لا بأس به.

فضيلة الشيخ: يعني: دون أن يعتقد فيه شيئاً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: دون أن يعتقد ما ذكره السائل؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) . إلا أن يخشى أن يفتتن أحد بصلاته فيه، فإنه يتجنبه ويتقدم عنه، ويصلى في مكان آخر.

***

ص: 2

‌يقول السائل محمد عمر أحمد من السودان: قيل: إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم جاءه ملك وفتح صدره وملأه نوراً، فما مدى صحة هذا الكلام

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام صحيح، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام حين عرج به جاءه جبريل فشق ما بين نحره إلى أسفل بطنه، واستخرج قلبه فملأه حكمة وإيماناً وليس نوراً، ولكن ملأه حكمة وإيماناً، والإيمان والحكمة من النور المعنوي.

***

ص: 2

‌السائلة أم أسامة من مصر أسوان تقول: سمعت من بعض الإخوة يقول بأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا القول صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) .ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) . والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه، وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين. والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضهم عنده تهاون في دينه، واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذر منه. وإن نصيحتي لهؤلاء أن يتلقوا معتقدهم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يعلموا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر مثلنا، كما أمره الله أن يقول ذلك ويعلنه على الملأ:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) . فقد تميز صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وبأنه أتقى الناس لله وأعبد الناس لله، لكنه بشر، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلم أنه بشر مثلنا ينسى كما ننسى فقال:(إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) . انظر التواضع العظيم: أخبر أنه بشر ينسى، ومع ذلك قال:(إذا نسيت فذكروني) . ولن ينقص ذلك من قدره شيئاً، بل هو أكمل الخلق إيماناً وتقوى وزهداً وخلقاً عليه الصلاة والسلام، ومن أراد أن يحشر تحت لوائه يوم القيامة فليكن تحت لواء سنته في الدنيا، ولا يتعدَّ حدود الله ولا يقصر عنها، فلا غلو ولا تحريف، هذا الواجب علينا. ولقد قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . فمن كان صادقاً في دعوى المحبة لله أو المحبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك يقيم بينة على صدق دعواه، وأما أن يدعي أنه متبع للرسول محب للرسول، وهو يقول في الرسول ما ليس حقيقة، ويبتدع في دينه ما لم يشرع، فإن البينة تخالف دعواه.

***

ص: 2

‌يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان، فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه، وتلك الوصايا التي ذكرها له، والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحياناً، كما يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، وما أشبه ذلك.

فضيلة الشيخ: أيضاً يقول: من هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة أم لا؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم، وقولنا: مع العلم، للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم، والصواب أنه ليس من الأنبياء، وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هل الخضر عليه السلام حي إلى يومنا هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه حيّاً فلا، ليس بحي؛ لأنه لو كان حيّاً لوجب عليه أن يؤمن بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يجاهد معه، ولم يكن شيء من ذلك، فالخضر كغيره من البشر مات في وقته فيما يظهر لنا، وكذلك ليس الخضر بنبي، وإنما هو رجل آتاه الله تعالى علماً لا يعلمه موسى عليه الصلاة والسلام؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام قال: إنه لا أحد في الأرض أعلم منه، فأراه الله عز وجل هذه الآية: أن موسى عليه الصلاة والسلام وإن كان لديه علم كثير من شريعة الله فإنه قد يفوته شيء من المعلومات الأخرى.

***

ص: 2

يزعم بعض الناس من المسلمين أن نبي الله الخضر عليه السلام لا يزال حياً يطوف على الأرض، وأنه إذا مر على إنسان وطلب منه الإحسان فقدمه له، إن كان ذلك الإنسان فقيراً صار غنيا، ً ويأتي إلى الناس بهيئة المجانين كي لا يعرفوه، وصار كثير من الناس يقدمون الإحسان لكل من يأتيهم بمثل تلك الهيئة، ظناً منهم أن يكون هو الخضر عليه السلام، فهل هذا الزعم الأسطوري وارد في الحديث الشريف؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على هذا السؤال من وجهين: أولاً: قول السائل: إن نبي الله الخضر، وجزمه بأنه نبي: هذا محل خلاف بين أهل العلم، هل كان الخضر نبياً، أو كان ولياً أعطاه الله سبحانه وتعالى من الكرامات ما علم به مآل ما جرى بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام؟ والراجح أنه ليس بنبي، وأنه ولي من أولياء الله؛ لأدلة ليس هذا موضع بسطها. الوجه الثاني: من حيث بقاء هذا الرجل- أعني: الخضر- إلى الآن: فإن هذا لا يصح إطلاقاً؛ لأنه لو كان الخضر حياً لكان يجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويتبعه لو كان حياً، على فرض أن يكون حياً لكان قد مات أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه في آخر حياته أنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها ذلك اليوم أحد، فلو فرض أن الخضر قد بقي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكان لا يمكن أن يبقى بعد مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن الخضر لا وجود له وليس بموجود. ثم إن هذا الزعم الباطل الذي يقتضي السخرية والاستهزاء به، حيث يقول: إنه يأتي إلى الناس بصورة المجنون لئلا يعرف، وإن من أتاه شيئاً وأهدى إليه شيئاً فإنه يصبح غنياً، فإن هذا باطل من أبطل الباطل. أيضاً والمهم أنه يجب على المؤمن أن يعتقد بأن الخضر ليس بموجود؛ للدليلين اللذين أشرنا إليهما فيما سبق: أنه لو كان موجوداً لم يسعه إلا أن يأتي للنبي عليه الصلاة والسلام ويؤمن به ويتبعه، وأنه لو كان موجوداً لكان يموت قبل أن تأتي مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم يقول السائل: هل هناك خصائص اختصها الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن لغيره من أفراد أمته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليست لأمته كثيرة جدّاً، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أعني بهم: الفقهاء، ذكروا- في كتاب النكاح خصائص كثيرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أحب أن يرجع إليها فليفعل. ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في القرآن حيث قال:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) إلى قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) . فهنا بين الله عز وجل أن النكاح بالهبة لا يحل إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كما أن هذه الأمة خصها الله تعالى بخصائص لم تكن لغيرها من الأمم، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:(أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) وذكر تمام الحديث. فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى يختص من شاء من عباده بأحكام شرعية وغيرها مما لا يكون لغيره.

***

ص: 2

‌محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يسأل عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: نعم تجوز الصلاة على الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، بل تجوز الصلاة أيضاً على غير الأنبياء من المؤمنين: إن كانت تبعاً فبالنص والإجماع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل: كيف نصلى عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍِ، كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) . وآل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة هم المتبعون لشريعته من قرابته وغيرهم، هذا هو القول الراجح، وإن كان أول وأولى من يدخل في هذه- أي: في آل محمد- هم المؤمنون من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلك هي شاملة لكل من تبعه وآمن به؛ لأنه من آله وشيعته. والصلاة على غير الأنبياء تبعاً جائزة بالنص والإجماع، لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أنه يجوزأن يقال لشخص مؤمن: صلى الله عليه، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم) . إلا إذا اتخذت شعاراً لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل: لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا علياً قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعاراً لشخص معين.

***

ص: 2

‌كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي ركعات، وقد صلىت عدداً من الركعات ظنّاً مني أن هذه هي الصلاة عليه، وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة- والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله فما رأيكم جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه أنه يجب على الإنسان ألا يعمل عملاً يتقرب به إلى الله ويتعبد به لله عز وجل حتى يكون على علم بأن هذا من شريعة الله؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة، دليل ذلك قوله تعالى:(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) . فهذا الذي فهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها الركوع والسجود له قد فهم فهماً مخطئاً باطلاً، لكن لكونه مستنداً على أصل يظنه صحيحاً أرجو أن الله تعالى لا يؤاخذه بما فعل، وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما قصر فيه من طلب العلم، ومادام علم الآن أن هذا ليس المقصود بالأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه تبين له أن معنى الصلاة عليه أن تقول: اللهم صل على محمد أو ما يؤدي هذا المعنى، فأرجو الله أن يتجاوز عنه وأن يغفر له.

***

ص: 2

‌السائل حمودة يقول: فضيلة الشيخ منذ سنوات فهمت عن جهلٍ مني بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي مثل الصلاة العادية: ركوع وسجود وخلاف ذلك، وصلىت عدة ركعات ظناً مني بأن الله عز وجل أمرنا بذلك، فهل علي إثمٌ في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا إثم عليك في ذلك لأنك جاهل، ولكن الواجب على المرء أن يسأل أهل العلم إذا كان لا يعلم؛ لقول الله تبارك وتعالى:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . فعملك الذي كنت عملته سابقاً عملٌ مردودٌ باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . لكنك مثابٌ إن شاء الله على نيتك، وقد يكون هناك تقصيرٌ منك بعدم سؤال أهل العلم عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

***

ص: 2

‌المستمع الذي رمز لاسمه بـ: أ. ح. الأردن يقول في رسالته: هل محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق قاطبة، أم أفضل البشر فقط؟ وما الدليل على ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الذي أعلمه من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كما ثبت ذلك عنه، وأما أنه أفضل الخلق على الإطلاق فلا يحضرني الآن دليل في ذلك، لكن بعض أهل العلم صرح بأنه أفضل الخلق على الإطلاق، كما في قول صاحب الأرجوزة:

وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق

والمهم أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الثقلين الإنس والجن هادياً ومبشراً ونذيراً، فعلينا أن نؤمن به تصديقاً لأخباره، وامتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه، هذا هو الذي ينفع الإنسان في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم يا شيخ وبارك فيكم هذا سائل سوداني يقول: فضيلة الشيخ يقولون بأن الرسول مخلوق من نور، هل هذا كلام صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام باطل، فإن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وسلسلة آبائه وأجداده معلومة، وهو نفسه عليه الصلاة والسلام قد صرح بما أمر الله به، فقد قال الله تعالى له:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) . وقال صلى الله عليه وسلم هو عن نفسه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فقد خلق عليه الصلاة والسلام من طين، كما هو شأن بني آدم كلهم، والذين خلقوا من نور هم الملائكة، فإن المخلوقات ثلاثة أقسام: قسم خلقوا من نار وهو إبليس وذريته، وقسم خلقوا من النور وهم الملائكة، وقسم خلقوا من طين وهم آدم وبنوه، وليس هناك قسم رابع، فهذا الحديث أو الأثر أو القولة المشهورة أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور كذب لا أصل له.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ، هناك أناس غلوا في الرسول وتجاوزوا الحد في محبته، وهناك أناس فرطوا وتساهلوا في محبته، كيف نوجه مثل هؤلاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلهم أخطؤوا: الذين فرطوا والذين أفرطوا، والخطر عظيم على الجميع. أما الذين غلوا فيخشى عليهم من الإشراك به، ولهذا ادعى بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم الغيب، وأنه يشفي المريض، وأنه يزيل الكربات، فصاروا يدعونه، فالتحقوا بذلك بالمشركين وهم لا يشعرون. وأما الطرف الثاني فيخشى عليهم من التهاون في الشريعة شيئاً فشيئاً حتى يقضى عليها، ولهذا المحب له حقيقة هو المتبع لسنته بدون غلو ولا تفريط.

***

ص: 2

‌يقول: كيف تحقق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تحقق محبة الرسول ومحبة الله عز وجل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل من كان أتبع لرسول الله كان أحرى بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله، يقول الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سنته فيتبعها، ولا يزيد في ذلك ولا ينقص. وعلى هذا فالذين يبتدعون بدعاً تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، يدَّعون أن ذلك من محبته وتعظيمه، هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه، وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع آثاره، وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه، وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله ورسوله قاصرة بلا شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تتقدم بين يدي الله ورسوله، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .

***

ص: 2

‌يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة:(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا في قولهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: أما كونه صلى الله عليه وسلم يسمع ويرد فليس به غرابة، فقد روى أبو داود في سننه:(أنه ما من رجل يسلِّم على رجل في قبره وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام . فلا غرابة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام. وأما كونه حيّاً في قبره: فالشهداء أحياء عند الله، والله تبارك وتعالى لم يقل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء في قبورهم، بل قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن وصلى عليه صلاة الجنازة وخلفه من خلفه من أصحابه، وليسوا يقدمون له الأكل والشرب، وهم يعلمون أنه مات، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) . وكما قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) . وهذا أمر معلوم بالضرورة من الدين، ولا يماري فيه أحد، وحياة الشهداء عند الله عز وجل ليست كحياة الدنيا، أي: ليست حياة يحتاج فيها الإنسان إلى أكل وشرب أو هواء ويعبد ويدعو، هي حياة برزخية ،الله تعالى أعلم بكيفيتها. وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، يا رسول الله استغفر لي؛ لأن هذا غير ممكن، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، ولا يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وإذا أردت أن تسأل سؤالاً صحيحاً فقل: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، اللهم شفعه فيَّ، وما أشبه ذلك.

***

ص: 2

‌يقول السائل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أعمال العباد تعرض عليه وهو في قبره. هل هذا حديث صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام تعرض عليه، الصلاة عليه، يعني: إذا صلىنا على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تعرض عليه وتبلغه أينما كنا، أما سائر أعمالنا فلا يحضرني الآن هل هو صحيح أو غير صحيح.

***

ص: 2

‌يقول السائل: إذا قام شخص بقراءة القرآن، أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هل عليه إثم في ذلك

؟

الشيخ: ليس عليه إثم في ذلك، فإن مد الرجلين إلى اتجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج فيه، ولا يحتاج أن أقول: بشرط أن لا يكون مستهيناً برسول الله صلى الله عليه وسلم أو محتقراً له؛ لأن هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، فمد الرجلين إلى نحو قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأس به، وهذا يقع كثيراً، كالذين يكونون في الصف الأول في المسجد النبوي فإنهم يستندون إلى الجدار القبلي، وحينئذ تكون أرجلهم إن مدوها ممدودة نحو القبر.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من إبراهيم بن عبد الله من بني مالك يقول: أسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل كان يقرأ أم كان أمياً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً؛ لقول الله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ) . ولقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) . فهو عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فلما نزل عليه القرآن صار يقرأ، ولكن هل كان يكتب؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل عليه الوحي صار يقرأ ويكتب؛ لأن الله إنما قيد انتفاء الكتابة قبل نزول القرآن: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) . وأما بعد ذلك فقد كان يكتب، ومن العلماء من قال: إنه لم يزل عليه الصلاة والسلام غير كاتب حتى توفاه الله.

***

ص: 2

‌هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: آيات الأنبياء هي المعجزات، وسماها بعض المتأخرين معجزات، والصواب أنها آيات؛ لأنها جمعت بين أمرين: بين كون البشر لا يستطيعون مثلها وهذا إعجاز؛ وكونها دليلاً على نبوة هذا النبي ورسالته، وهذه آية علامة، ولهذا ينبغي أن نسمي ما تأتي به الأنبياء من المعجزات نسميها آيات كما سماها الله تعالى في كتابه. هناك معجزات وليست بآيات، لكنها من الشياطين: فالساحر ربما يُرى طائراً في الجو، وهذا معجز لا يستطيع البشر أن يفعلوه، لكنه من فعل الشياطين. وهناك كرامات يكرم الله بها من شاء من عباده الأولياء والصالحين، تكون معجزة لكنها آية على صحة ما كان عليه هذا الولي، وعلى صحة الشريعة التي كان يعمل بها، ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، ولا تزال فيها إلى يوم القيامة: في الأمم السابقة أصحاب الكهف، اعتزلوا قومهم المشركين وأووا إلى الغار، فهيأ الله لهم غاراً، وألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً، وفي هذه المدة لم يتغير منهم شيء، لم يحتاجوا لطعام ولا لشراب ولا لبول ولا لغائط، ولم تَنمُ أظفارهم ولا شعورهم، كأنما ناموا يوماً واحداً، ولهذا لما بعثهم الله عز وجل وأيقظهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) . مما يدل على أنهم لم يصبهم شيء من العوارض البشرية، لا جوع ولا عطش ولا بول ولا غائط، ولا نمو شعور ولا أظفار، حتى صلحت أحوال القرية وماتت سلاطينهم التي تعينهم على الشرك. مريم رضي الله عنها أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقيل لها:(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) . امرأة لتوها ولدت، وما أعلمك بالتعب عند الولادة، أمرت أن تهز جذع النخلة جذع النخلة، لو هزه أي إنسان ما يهز علوه، لكن هي قيل لها:(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ففعلت (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) تسقط الرطب من فوق إلى الأرض ولا تفسد، مع أنها رطب لينة اصطدامها على الأرض يوجب أن تتقطع، لكن تبقى كأنها مجنية، كأن رجلاً خرقها (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) . هذه من الكرامات التي أكرم الله بها من شاء من عباده، في هذه الأمة موجودة: كان سارية بن زنيد أميراً على سرية في العراق، وكان عمر رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، فسمعوه يقول: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! أمير المؤمنين يخطب ثم يقول هذا الكلام، ما هذا؟ فأخبرهم أنه كشف له عن هذا في سريته والعدو محيط به، فناداه عمر: يا سارية الجبل! يعني: ارجع إلى الجبل، فسمع سارية، فهذه ثلاثة أشياء: كشف لعمر فشاهدهم، ناداهم فسمعوه، لجؤوا إلى الجبل بقيادة السلطان وهو على منبر، سبحان الله! كرامة من الله عز وجل. ولهذا كان من مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ولكن الولي من هو؟ هل كل من ادعى الولاية هو ولي؟ ليس كل من ادعى الولاية هو ولياً، قال الله عز وجل:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)(يونس:62- 63) . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

***

ص: 2

‌ع م م س يقول: هل لكم فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا- ولو بشيء من الإيجاز- معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي الآيات الدالة على رسالته صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقاً- كثيرة جداً، وأعظم آية جاء بها هذا القرآن الكريم، كما قال الله تعالى:(وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . فالقرآن الكريم أعظم آية جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنفع آية لمن تدبرها واهتدى بها، فإنها آية باقية إلى يوم القيامة، أما الآيات الأخرى الحسية التي مضت وانقضت فهي كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جملة صالحة منها في آخر كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، هذا الكتاب الذي ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه؛ لأنه بين فيه عوار النصارى الذين بدلوا دين المسيح عليه الصلاة والسلام وخطأهم، أي: بين خطأهم وخطلهم وضلالهم، وأنهم ليسوا على شيء مما كانوا عليه فيما حرفوه وبدلوه وغيروه، والكتاب مطبوع وبإمكان كل إنسان أن يحصل عليه، وفيه فوائد عظيمة، منها ما أشرت إليه: بيان شيء كثير من آيات النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، ذكر كثيراً من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أحب فليرجع إليه.

***

ص: 2

‌إبراهيم محمد من السودان الفاشر يقول: أحاط المسلمون بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بعض الخوارق والمعجزات، أسأل وأقول: ما مدى صحة هذه المعجزات؟ وهل وردت في أحاديث كثيرة؟ ثم ألا ترون أن هذه المعجزات تنزهه عن آدميته؟ نرجو منكم إفادة بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المعجزة عند أهل العلم هي أمر خارق للعادة، يظهره الله سبحانه وتعالى على يد الرسول تأييداً له، وقد سماها أكثر أهل العلم بالمعجزات، والأولى أن تسمى بالآيات التي هي العلامات على صدق الرسول وصحة ما جاء به، كما سماها الله عز وجل بذلك، وهي أبين وأظهر من المعجزات، أي: من هذا اللفظ، فالأولى أن تسمى معجزات الأنبياء بآيات الأنبياء. والآيات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم آيات كثيرة: حسية ومعنوية، أرضية وأفقية، أخلاقية وعملية، فهي متنوعة، وأعظمها وأبينها كتاب الله عز وجل، كما قال الله تعالى:(وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . ومن آيات الرسول عليه الصلاة والسلام الأفقية أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال:(اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . قال أنس وهو راوي الحديث: وما والله في السماء من سحاب ولا قزعة- أي: قطعة غيم- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، وسلع جبل معروف في المدينة تخرج من نحوه السحب. قال أنس: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت ثم أمطرت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر ينزل أسبوعاً كاملاً. َ وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. (فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) . وجعل يشير صلى الله عليه وسلم إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت، فخرج الناس يمشون في الشمس. ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى ما كتبه الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية، وإلى ما ذكره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكتب غيرهما كثير من أهل العلم في هذه الناحية. وآيات الأنبياء فيها ثلاث فوائد: الأولى: الدلالة على ما تقتضيه صفات الله عز وجل من القدرة والحكمة والرحمة وغير ذلك. الثانية: تأييد الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم صادقون فيما جاؤوا به. والثالثة: رحمة الخلق، فإن الخلق لو لم يشاهدوا هذه الآيات من الأنبياء لأنكروا وكذبوا، فتأتي هذه الآيات ليزدادوا طمأنينة، ويقبلوا ما جاءت به الرسل، ويذعنوا وينقادوا له، والله عليم حكيم. وأما قول السائل: أفلا تكون هذه الآيات مجردة له عن الأحوال البشرية؟ فإننا نقول له: لا، هذه الآيات لا تخرجه عن كونه بشراً، ولهذا لما سها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته قال لهم:(إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه بشر، وأنه يلحقه ما يلحق البشر من النسيان وغير النسيان أيضاً، إلا أنه صلى الله عليه وسلم تميز عن البشر بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وبما جبله عليه الله تعالى من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من الصبر والكرم والجود والشجاعة وغير ذلك مما كان به أهلاً للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته. وليُعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولايملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك ذلك لغيره أيضاً، فقد قال الله له:(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إليَّ) . وقال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . وبهذا يتبين أن من دعا الرسول صلى الله عليه وسلم واستنجد به بعد وفاته واستغاث به فإنه على ضلال مبين، قد صرف الأمر إلى غير أهله، فإن الأهل بذلك- أي: بالدعاء والاستغاثة- هو رب العالمين عز وجل، قال الله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فيا أخي المسلم لا تدع غير الله، فما بك من نعمة فمن الله عز وجل، وإذا مسك الضر فلا تلجأ إلا الله عز وجل:(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) . لا والله، لا إله إلا الله الذي يكشف السوء ويجيب المضطر إذا دعاه ويجعل من شاء من عباده خلفاء الأرض، فاتق الله في نفسك، وضع الحق في نصابه، ولا تغل في دينك غير الحق فتكون مشابهاً لأهل الكتاب من اليهود والنصارى.

***

ص: 2

‌ما الرد على من قال: هل كان سلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على الأنبياء وردهم عليه كان بالروح، أم بالجسد، أم بهما معاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال لا ينبغي أن يصاغ على هذه الصفة، بل يقال: هل العروج بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والإسراء به إلى بيت المقدس، هل هو بروحه، أو بروحه وجسده؟ والجواب: أنه بروحه وجسده، أسري به عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناماً بروحه وجسده؛ لأن الله تعالى قال:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولم يقل: بروح عبده وقال الله سبحانه وتعالى في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) إلى آخر الآيات، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به ببدنه يقظان وليس بنائم. ويدل لذلك من الواقع أن قريشاً لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما رأى في تلك الليلة صاحوا عليه وكذبوه، وأنكروا ذلك غاية الإنكار، ولو كانت بروحه أو رؤيا رآها لما أنكروا هذا عليه؛ لأن العرب لا ينكرون المرائي، والإنسان يرى في منامه أنه سافر إلى أبعد مكان، وأنه فعل وفعل وفعل، مع أنه لو كان يقظان ما حصل له ذلك. فالحاصل أن القول الراجح بل المتعين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسري به بروحه وجسده، يقظان وليس بنائم.

***

ص: 2

‌أسأل عن الإسراء والمعراج بمحمد صلى الله عليه وسلم، هل صعد إلى سدرة المنتهى بروحه وجسده أم روحه فقط؟ أفتونا جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المعراج الذي حصل للرسول صلى الله عليه وسلم كان بجسده وروحه، قال الله تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . والعبد- وكذلك الصاحب- لا يكون إلا في الروح والجسد، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات حتى بلغ مستوى بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك بروحه فقط ما أنكرت قريش ذلك، إذ إن المنامات يقع منها شيء كثير من جنس هذا، ولكنه كان صلى الله عليه وسلم قد أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات كذلك.

***

ص: 2

‌السائل ع م د ومقيم بالمملكة يقول: نرجو من فضيلة الشيخ إلقاء الضوء على العبر والمواعظ من الإسراء والمعراج والمشاهد التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم التي تؤثر في القلوب الغافلة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أحيل السائل إلى ما كتبه أهل العلم في ذلك؛ لأن حديث المعراج حديث طويل يحتاج إلى مجالس، ولكن ليرجع إلى ما كتبه ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية في قصة المعراج، وما كتبه العلماء في الحديث على ذلك: كفتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم، وغيرهما من الكتب، إنما نشير إشارة موجزة لقصة المعراج: فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسرى به الله تعالى ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان نائماً في الحجر فأسري به من هناك، والحجر هو الجزء المقتطع من الكعبة والمقوس عليه بالجدار المعروف، أسري به من هناك عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس، وجمع له الأنبياء، وصلى بهم إماماً، ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة. وجد في الأولى آدم، ووجد في السابعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ووصل إلى موضع لم يصله أحد من البشر، وصل إلى موضع سمع فيه صريف الأقلام التي يكتب بها القدر اليومي، إلى سدرة المنتهى، ورأى من آيات الله سبحانه وتعالى ما لو رآه أحد سواه لزاغ بصره ولخبل عقله، لكن الله سبحانه وتعالى ثبت هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حتى رأى من آيات ربه الكبرى. وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وقيض الله موسى عليه الصلاة والسلام حين مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ماذا فرض الله عليه وعلى أمته؟ فأخبره بأن الله تعالى فرض عليه خمسين صلاة في كل يوم. وليلة فقال له: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فما زال نبينا صلوات الله وسلامه عليه يراجع الله، حتى استقرت الفريضة خمس صلوات في كل يوم وليلة بدل خمسين صلاة، لكنها بنعمة الله وفضله كانت خمس صلوات بالفعل وخمسين في الميزان، أي: إذا صلىنا خمس صلوات فكأننا صلىنا خمسين صلاة، والحمد لله رب العالمين وفي قصة فرض الصلوات في هذه الليلة التي هي أعظم ليلة في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنها خمسون صلاة، وأنها فرضت من الله إلى رسوله بدون واسطة، في هذا دليل على عناية الله تعالى بهذه الصلوات ومحبته لها، وأنها أعظم الأعمال البدنية في الإسلام، ولهذا كان تاركها كافراً مرتدّاً خارجاً عن الإسلام. وقد اختلف الناس في ليلة المعراج والإسراء: هل هما في ليلة واحدة، أو في ليلتين؟ وهل كان الإسراء بروحه، أو بدنه وروحه؟ والصواب أنهما في ليلة واحدة، وأنه أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم بروحه. وبدنه ثم انقسم الناس في ليلة المعراج: في أي ليلة هي؟ وفي أي شهر هي؟ وأقرب الأقوال أنها كانت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأنها كانت في ربيع الأول، وليست في رجب. ثم ابتدع الناس في هذه الليلة بدعاً لم تكن معروفة عند السلف، فصاروا يقيمون ليلة السابع والعشرين من رجب احتفالاً بهذه المناسبة، ولكن لم يصح أنها- أعني: ليلة الإسراء والمعراج- كانت في رجب، ولا أنها في ليلة سبع وعشرين منه، فهذه البدعة صارت خطأً على خطأ: خطأً من الناحية التاريخية؛ لأنها لم تصح أنها في سبع وعشرين من رجب، وخطأ من الناحية الدينية؛ لأنها بدعة، فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحتفل بها، ولا الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين من بعدهم.

***

ص: 2

‌الأيمان باليوم الآخر

ص: 2

‌هذا المستمع يقول: ما هو أثر الإيمان باليوم الآخر على عقيدة المسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر) . وأثر الإيمان على قلب المؤمن وعمله كبير: فإن الإنسان إذا آمن باليوم الآخر عمل له، والعمل لليوم الآخر هو فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وإذا فقد الإيمان باليوم الآخر فلا إيمان؛ لأنه أحد أركان الإيمان، ففي فقده فقد ركن من أركان الإيمان، والإيمان لا يتبعض في أركانه، لا بد أن يؤمن الإنسان بجميع أركان الإيمان، وإلا فلا إيمان له. فأثر الإيمان باليوم الآخر عظيمٌ جداً، ولهذا يقرنه الله تبارك وتعالى بالإيمان به في مواضع كثيرة من القرآن؛ لأن الإيمان به هو الذي يحمل الإنسان على العمل، وقد قال الله تعالى مبيناً أن جحده كفر:(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) . فأمر الله نبيه أن يقسم على البعث، وبين تبارك وتعالى أن ذلك يسيرٌ عليه فقال:(وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

***

ص: 2

‌المستمع من مصر سيد عباس يقول: ما هي العلامات الصغرى المتبقية فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يريد علامات الساعة، وفيها ما وقع وفيها ما هو مستقبل. ومن علامات الساعة التي وقعت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه خاتم النبيين؛ لأن كونه خاتم النبيين يؤذن بقرب انتهاء الدنيا، والأمر كذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس ذات يوم في آخر النهار وقال:(إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل ما بقي من يومكم هذا) وكانت الشمس على رؤوس النخل، أي: قريبة من الغروب. ومنها ما أشار إليه النبي عليه الصلاة السلام حين سأله جبريل قال له: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) . ومنها انتشار الربا، وقد وقع وانتشر الربا كثيراً بين الأمة الإسلامية. ومنها فساد أحوال الناس، فإن كثيراً من بلاد المسلمين فيها شر كثير ومعاص معلنة، نسأل الله العافية والسلامة. وقد صنف العلماء رحمهم الله في ذلك كتباً مستقلة أحياناً، وفي ضمن كتاب يشتمل عليها وعلى غيرها أحياناً أخرى، فنرشد السائل إلى مراجعتها.

***

ص: 2

‌تقول السائلة: ما صحة القول بأن أول علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، طلوع الشمس من مغربها متأخر؛ لأن الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى كلها قبل طلوع الشمس من مغربها.

***

ص: 2

‌يقول السائل: أقرأ هذا الدعاء في كل صلاةٍ قبل السلام، وهو: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أريد أن أعرف: من هو المسيح الدجال؟ وما هي فتنته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي أنت تدعو به في صلاتك بقي عليك شيء، وهو أنك تستعيذ من أربع، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . هذه الأربع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها بعد التشهد وقبل السلام. أما المسيح الدجال: فإنه رجل يخرج في آخر الزمان يَدَّعي الربوبية، ويعطيه الله تبارك وتعالى من الآيات ما يكون سبباً للفتنة؛ امتحاناً من الله تعالى واختباراً ،هذا الرجل رجلٌ أعور، ولهذا سُمي المسيح لمسح إحدى عينيه، وهو معه جنةٌ ونار، فمن أطاعه أدخله الجنة، ولكنه لا يجد جنةً وإنما يجد ناراً، ومن عصاه أدخله النار التي معه، ولكنه لا يجدها ناراً وإنما يجدها ماءً عذباً طيباً، أو جنة كما ورد في بعض ألفاظ الحديث. ويمكث في الأرض أربعين يوماً: اليوم الأول بمقدار سنة، والثاني بمقدار شهر، والثالث بمقدار أسبوع، وبقية الأيام كأيامنا، وقد سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا اليوم الذي كسنة: هل تكفي فيه صلاة يوم واحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا اقدروا له قدره) . أي: إن هذا اليوم الأول من أيام الدجال يُصلى فيه صلاة سنةٍ كاملة؛ لأنه عن سنةٍ كاملة، واليوم الثاني يصلى فيه صلاة شهر، واليوم الثالث يُصلى فيه صلاة أسبوع، وبقية الأيام تصلى في كل يوم خمس صلوات. ثم إن هذا الدجال مع ما يحصل من فتنته العظيمة يوفق الله سبحانه وتعالى المؤمنين فيعرفونه بعلامته، فإنه مكتوبٌ بين عينيه: كافر، كاف وفاء وراء يقرؤها كل مؤمن الكاتب وغير الكاتب، ويعمى عنها من ليس بمؤمن ولو كان قارئاً. ثم إنه أيضاً يُؤتى إليه برجل ليفتتن به، فيقول هذا الرجل: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقطعه الدجال قطعتين ثم يمشي بينهما، ثم يقف فيدعوه، يدعو هذا الرجل المقتول المفرق قطعتين، فيقوم هذا الرجل حياً والناس ينظرون إليه، فيقول له: أتشهد أني الله؟ فيقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقطعه مرةً أخرى ثم يعود فيدعوه، فيقوم ويقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيريد أن يقتله كما قتله المرتين الأوليين، ولكنه يعجز عنه، فيأخذ به ويلقيه في النار، ولكنه كما أسلفنا النار التي معه جنةٌ وماءٌ عذب، كما جاء به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونهاية هذا الدجال أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء؛ لأن عيسى بن مريم قد رفعه الله تعالى إلى السماء حياً لم يمت، ثم ينزل في آخر الزمان فيقتل هذا المسيح الدجال وتنتهي فتنته.

***

ص: 2

‌يقول السائل: قرأت في بعض الكتب عن الدجال، هل هو ابن صياد أم لا؟ فما هو الحق في ذلك؟ وكذلك في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يطوف بالبيت وفيه صفات الدجال، فلما سأل عنه قيل: هذا هو الدجال، مع أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة. نرجو الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ابن صياد ليس هو الدجال الذي يبعث في آخر الزمان، وإنما هو دجال من الدجاجلة، يشبه الكهان في تخرصه وتخمينه، ولكنه ليس هو الدجال الذي يبعث يوم تقوم الساعة، فيقتله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. وأما رؤية النبي صلى عليه وسلم من قيل له: إنه هو الدجال يطوف بالبيت، فإن الممتنع إنما هو دخوله في اليقظة، فإنه لا يدخل- أعني: الدجال الذي سيبعث في آخر الزمان، لا يدخل- مكة ولا المدينة وهذا في اليقظة، والأحكام الشرعية تختلف في اليقظة وفي المنام.

***

ص: 2

‌يقول السائل: من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كبيرتان من بني آدم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: (إنه إذا كان يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! فيقول الله تعالى: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعةٌ وتسعون. يعني: هؤلاء كلهم في النار من بني آدم، وواحد في الجنة. فعظم ذلك على الصحابة فقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أبشروا! فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحد ومنهم تسعمائة وتسعةٌ وتسعون) . فهما قبيلتان عظيمتان، لكنهما من أهل الشر والفساد، والدليل على ذلك أمران: أمرٌ سابق، وأمرٌ منتظر. فأما الأمر السابق: فما حكاه الله سبحانه وتعالى عن ذي القرنين أنه لما بلغ السدين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً (94)) إلى آخر ما ذكر الله عز وجل. والشاهد من هذا قولهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)، وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدّاً. وأما الشر والفساد المنتظر: فهو ما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل (أن الله سبحانه وتعالى يوحي إلى عيسى أنه أخرج عباداً لله لا يدان لأحدٍ بقتالهم، وأنهم يعيثون في الأرض فساداً، وأنهم يحصرون عيسى ومن معه في الطور) . وهذا هو الفساد المرتقب منهم، فسيخرجون في آخر الزمان من كل حدبٍ ينسلون، ويعيثون في الأرض فساداً، حتى يدعو عيسى بن مريم ربه عليهم، فيصبحون موتى كنفسٍ واحدة. هؤلاء هم يأجوج ومأجوج، وأما ما يذكر في الإسرائيليات من أن بعضهم طويلٌ طولاً مفرطاً، وأن بعضهم قصيرٌ قصراً مفرطاً، وأن بعضهم لديه آذانٌ يفترش إحدى الأذنين ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فإن كل هذا لا صحة له، بل الصحيح الذي لا شك فيه أنهم كغيرهم من بني آدم، أجسادهم وما يحسون به وما يشعرون به، فهم بشر كسائر البشر، لكنهم أهل شرٍ وفساد.

***

ص: 2

‌ما المقصود بيأجوج ومأجوج؟ وماذا تعرفون عنهم، كما ورد ذكرهما في القرآن الكريم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بيأجوج ومأجوج أنهما قبيلتان من بني آدم، كما جاء في ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وما ورد في بعض الكتب من أن منهم القصير جداً والصغير، ومنهم الكبير، ومنهم الذي يفترش أذناً من أذنيه ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فكل هذه لا أصل لها، وإنما هم من بني آدم وعلى طبيعة بني آدم، لكنهم كانوا في وقت ذي القرنين، كانوا قوماً مفسدين في الأرض، فطلب جيرانهم من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سداً، حتى يمنعهم من الوصول إليهم وإفسادهم في أرضهم، وفعل ذلك وقال:(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(الكهف:96) ففعلوا، فما استطاعوا أن يظهرو وما استطاعوا له نقباً، فكفى الله جيرانهم شرهم. ثم إنهم في آخر الزمان، وبعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام يخرجون على الناس ويبعثون؛يبعثون بمعنى أنهم يخرجون وينتشرون في الأرض، ويحصرون عيسى بن مريم والمؤمنين معه في جبل الطور، ثم يلقي الله تبارك وتعالى في رقابهم دودةً تأكل رقابهم، فيصبحون فرسى- يعني: جمع فريسة، يعني: موتى- كلهم ميتة رجلٍ واحد، ويقي الله سبحانه وتعالى عيسى وأصحابه شرهم.

***

ص: 2

‌السائل ش م م من العراق محافظة صلاح الدين يقول: يقول الله عز وجل في سورة الكهف: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) . فمن هم يأجوج ومأجوج؟ وأين يوجدون

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج ذكرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في قوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) . وفي قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً)(الكهف:94) . وهاتان قبيلتان من بني آدم، كما ثبت به الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن الله يقول يوم القيامة: يا آدم! فيقول لبيك وسعديك! فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. فقال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فشق ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ يعنون: الذي ينجو من النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا! فإنكم في أمتين- أو قال: بين أمتين- ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج) . وهذا دليل واضح على أنهما قبيلتان من بني آدم، وهو كذلك، وهم موجودون الآن، وظاهر الآية الكريمة أنهم في شرق آسيا؛ لأن الله قال:(حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً) . فظاهر سياق الآيات الكريمات أنهم كانوا في الشرق، ولكن هاتان الأمتان سيكون آخر الزمان لهم دور كبير في الخروج عن الناس؛ لما جاء في حديث النواس بن سمعان الذي رواه مسلم في صحيحه:(أن الله تعالى يوحي إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم: يأجوج ومأجوج، فحرِّر عبادي إلى الطور) . فخروجهم الكبير المنتشر الذي يظهر به فسادهم أكثر مما هم عليه الآن سيكون في آخر الزمان، وذلك في وقت نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.

***

ص: 2

‌يقول السائل: كثيراً ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض، ونسمع من جهةٍ ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول: لا إله إلا الله في الأرض، فكيف نوفق بين هذين القولين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما سهل، وهو: أن كل واحدٍ منهما في زمنٍ غير زمن الآخر، فالإسلام يعم الأرض كلها، ثم بعد ذلك يندثر هذا الإسلام ويموت المؤمنون، ولا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.

***

ص: 2

‌ما مدى صحة ما يقال بأن من يموت في رمضان أو يوم الجمعة لا يعذب عذاب القبر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت لكل من يستحقه، سواء مات في يوم الجمعة أو في رمضان أو في أي وقت آخر، ولهذا كان المسلمون يقولون في صلاتهم، في كل صلاة من صلواتهم في التشهد الأخير: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. إلا أن من مات مجاهداً في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان اللذان يسألانه عن دينه وربه ونبيه؛ لأن بارقة السيوف على رأسه أكبر امتحان له واختبار، وأكبر دليل على أنه مؤمن، وإلا لما عرض رقبته لأعداء الله.

***

ص: 2

‌المستمع عدنان من المملكة الأردنية الهاشمية يقول: هل الميت يبصر؟ وما مدى بصيرته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الميت لا يبصر البصر المعروف في الدنيا؛ لأنه قد فقد الإحساس بموته، لكنه يبصر ما يراه في قبره من عالم الآخرة، ويفسح له في قبره مد البصر إن كان مؤمناً، ويرى الملكين يسألانه عن ربه ودينه ونبيه. وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فإنه لا يبصره؛ لأنه قد حجب عن أمور الدنيا بموته.

***

ص: 2

‌إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته، أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة؟ نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكراً لكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما جسم الميت فإنه يبقى في الأرض في المكان الذي دفن فيه إلى يوم القيامة، قال الله تعالى:(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . فهو باقٍ في الأرض. وأما روحه فإنها تكون في الجنة أو تكون في النار، قال الله تبارك وتعالى:(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) . فبين أن هذا القول يكون عند الوفاة، فمعنى ذلك أنهم يدخلون الجنة يوم وفاتهم، وهذا لا يكون إلا للروح، لا يكون للبدن. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الميت في قبره إذا كان مؤمناً يفتح له بابٌ إلى الجنة، ويأتيه من روحها ونعيمها) . وأما الكافر فإن روحه أيضاً يذهب بها إلى العذاب، قال الله تعالى عن آل فرعون:(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وفيها قراءة (وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة ادخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ) . فهذا دليل على أن الميت المؤمن يلقى جزاءه في الجنة من يوم موته، والكافر يلقى عذابه في النار من يوم موته، وهذا بالنسبة للروح، أما البدن فإنه يبقى في الأرض إلى يوم القيامة، وقد تتصل الروح به معذبةً أو منعمة، كما تدل على ذلك الأحاديث.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هل الميت يسمع السلام والكلام ويشعر بما يفعل لديه أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، والسنة فيها قد بينت بعض الأشياء: فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن الرجل إذا دفن في قبره وانصرف الناس عنه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان) فامتحناه. فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أنه يسمع قرع النعال، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه (ما من رجلٍ مسلم يمر بقبر رجلٍ مسلم فيسلم عليه وهو يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام . وهذا الحديث صححه ابن عبد البر، وذكره ابن القيم في كتاب الروح ولم يعقب عليه. وربما يؤيد هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج إلى المقابر قال: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين) . فإنه قد يشعر بأنهم يسمعون ذلك ويردون، من أجل أنه وجه هذا الدعاء إليهم بالخطاب. وعلى كل تقدير مهما قلنا بأن الميت يسمع فإن الميت لا يسمع غيره ولو سمعه، يعني: أنه لا يمكن أن ينفعك الميت إذا دعوت الله عند قبره، كما لا ينفعك إذا دعوته نفسه، ودعاؤك الله عند قبره معتقداً أن في ذلك مزية بدعةٌ من البدع، ودعاؤك إياه شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة. فإن قال قائل: إن بعض الذين يدعون الأموات قد ينتفعون بدعائهم؟ فالجواب على ذلك: أن هذا الانتفاع لم يكن بدعائهم الميت، لكن كان عند دعائهم الميت، وفرق بين حصول الانتفاع بدعاء الميت وحصول الانتفاع عند دعاء الميت؛ لأنك إذا قلت: حصل الانتفاع بدعاء الميت كان دعاء الميت هو السبب في ذلك الانتفاع، وإذا قلت: عنده لم يكن هو السبب ولكن كان قريباً منه في الوقت. فنحن نقول: إن الله قد يبتلي الإنسان الذي يدعو أصحاب القبور بحصول ما يدعو به عند دعائه امتحاناً له واختباراً له، وإلا فنحن نعلم أن كل من دعا غير الله فإنه من أضل الناس، بل قد قال الله تعالى:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . ولا عجب أن يبتلي الله الإنسان بمثل هذه البلوى، فهاهم أصحاب السبت، قومٌ من بني إسرائيل من اليهود كانوا في قريةٍ على شاطئ البحر، وكان عمل صيد الحوت محرماً عليهم يوم السبت، فابتلاهم الله عز وجل، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعاً على سطح الماء كثيرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي الحيتان، فطال عليهم الأمد وقالوا: كيف نحرم من هذه الحيتان؟ وما الحيلة في الحصول عليها؟ فزين لهم الشيطان حيلةً بأن يضعوا شبكاً يوم الجمعة في الماء، فإذا أتت الحيتان يوم السبت وقعت في هذا الشبك ولم تستطع الخروج منه، فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها، تحيلوا على محارم الله بأدنى الحيل، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله تعالى:(وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فقلب الله هؤلاء القوم قردةً خاسئة ذليلة. والمهم من سياق هذه القصة أن الإنسان قد يبتلى بما يكون فتنةً له في دينه إن اتبعه، فهؤلاء الذين يدعون الأموات ربما يفتنون فيحصل لهم المطلوب عند دعائهم الأموات فتنةً لهم، وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن الأموات لا ينفعون أحداً مهما كان الأمر، لو دعاهم بالليل والنهار ما نفعوه، كيف وهم أمواتٌ جثث هامدة؟ ولكن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

***

ص: 2

‌مستمعة من العراق محافظة التأمين أشواق إلياس سليمان تقول: لقد ذكر الله جل شأنه في كتابه العزيز أن أصحاب الكهف ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، وأن العزير أماته الله سبحانه وتعالى مائة، ثم بعثهم وبعثه، وقد علمنا من شأنهم بقية القصة. السؤال: هل الموتى لا يحسون بمدة موتهم إلى أن يحييهم الله يوم القيامة؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً هي ذكرت قصتين قصة أصحاب الكهف، وقصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عزيراً، فهو رجلٌ حصلت له هذه القصة. والعبرة لما في القصة من آيات الله عز وجل: أما أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولكنهم ناموا، ألقى الله عليهم النوم هذه المدة الطويلة التي قال الله عنها:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) . ولما استيقظوا تساءلوا: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ؛ لأن النائم- كما هو مشاهد ومحسوس- لا يحس بالوقت، قد ينام الإنسان يوماً أو يومين وكأنه لم ينم إلا ساعة أو ساعتين، وهذا شيء مشاهد، والظاهر أن الموتى كالنُّوَّم، وهي التي صارت فيها القصة الثانية: فإن هذا الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فاستبعد أو استفهم: كيف يحيي الله الأرض هذه القرية بعد موتها؟ فأراه الله عز وجل هذه الآية العظيمة، أماته الله مائة سنة ثم بعثه من موته، وسأله:(كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ) . ثم أمره عز وجل أن ينظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير، مع أنه بقي مائة سنة، فلم ييبس من شمس ولا رياح، والطعام لم ينتن، بل هو باق كما، كان أما الحمار فإنه قد مات وذهب جلده ولحمه ولم يبق إلا عظامه، فقال الله تعالى:(وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً) . فشاهد العظام ينشز الله بعضها ببعض بواسطة العصب، فلما تكاملت كساها الله لحماً فكان حماراً كاملاً، وهذا من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته، وأنه على كل شيء قدير. والخلاصة أن في هاتين القصتين من آيات الله العظيمة ما هو ظاهر للمعتبر، وأن الجواب على سؤال السائلة- وهو: أن الميت لا يدري عن المدة التي تمر عليه-: أن الظاهر أن الميت كالنائم، ينطوي عليه الوقت ولا يدري عن سرعته.

***

ص: 2

‌يقول: فضيلة الشيخ إمام وخطيب المسجد الجامع الكبير بعنيزة السلام عليكم، سؤالي ما يلي: كيف يتأذى الميت بدخول إنسان لا يصلى معه في القبر؟ ألم يكن كل واحد ذهب إلى مقعده: إن كان في الجنة فهو في الجنة، والثاني في النار فهو في النار؟ أم كيف يكون التأذي؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا السؤال أن نقول: إنه لا يحل أن يدفن شخص لا يصلى مع شخص مسلم، بل ولا يحل أن يدفن وحده في مقابر المسلمين، والواجب أن يدفن من مات لا يصلى في مكان غير مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم. هذا القول الراجح الذي رجحناه بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وقد سبق لنا مراراً من هذا البرنامج ذكر الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراًَ مخرجاً عن الملة، سواء كان مقراً بفرضيتها أم كان جاحداً بل إذا كان جاحداً، كفر وإن صلى، إلا أن يكون جاهلاً بأحكام الإسلام، كحديث عهد بالإسلام، فإنه يعرف ويبين له، فإن أقر بالوجوب وإلا كان كافراً. المهم أنه لا يجوز أن يدفن من لا يصلى مع شخص مسلم، ولا في مقابر المسلمين، بل إن المشروع ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره. واختلف العلماء رحمهم الله: هل دفن الميت مع ميت آخر محرم لا يجوز إلا للضرورة، أو مكروه يجوز عند الحاجة إليه ولو بدون الضرورة، مع اتفاقهم على أن المشروع أن يدفن كل ميت وحده؟ وأما قول السائل: إنه يتأذى به، فهذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاً من السنة، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا. والله أعلم.

***

ص: 2

‌المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت بكتاب الله وسنة رسوله. أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وفي قوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة، ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين، وهو قول المصلى:(أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . وعذاب القبر في الأصل على الروح، وربما يتصل بالبدن أحياناً، ولا سيما حين سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه، فإن روحه تعاد إلى جسده، لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا، ويسأل الميت عن ربه ونبيه ودينه، فإذا كان كافراً أو منافقاً قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق.

***

ص: 2

‌يقول: إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر فكيف يكون ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى:(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء:36)

***

ص: 2

يقول: تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاث: حياة الدنيا وهي التي نعيشها، ثانيا: ً حياة الآخرة معروفة، ثالثا: ً بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ، فما هي حياة البرزخ؟ وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حياة البرزخ حياةٌ بين حياتين، وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى: فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة للمتقين؛ لأن الإنسان ينعم في قبره، ويفتح له بابٌ إلى الجنة، ويوسع له مد البصر. وحياة الآخرة- وهي الجنة التي هي مأوى المتقين- أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ. وكذلك يقال بالنسبة للكافر، يقال: إن حياته في قبره أشد عذاباً مما يحصل له من عذاب الدنيا، وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد، فحياة البرزخ في الواقع حياةٌ بين حياتين في الزمن وفي الحال، فحال الإنسان فيها بين حالين: دنيا وعليا، وكذلك الزمن كما هو معروف. أما سؤاله: هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟ فهي قطعاً بالروح بلا شك، ثم قد تتصل بالبدن أحياناً إن بقي ولم تأكله الأرض، ولم يحترق ويتطاير في الهواء، وقد لا تتصل. هذا هو القول الراجح في نعيم القبر أو عذابه: أنه في الأصل على الروح، وقد تتصل بالبدن، لكن ما يكون عند الدفن فالظاهر أنه يكون على الروح والبدن جميعاً؛ لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك، من أن الميت يجلس في قبره ويسأل، ويوسع له في قبره، ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وكل هذا يدل على أن النعيم أو العذاب عند الدفن يكون على البدن والروح.

***

ص: 2

‌ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه، وسألاه عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة- جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم- فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المنافق فإنه يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. ثم يبقى المؤمن منعماً في قبره، والمنافق معذباً في قبره. والعذاب يكون في الأصل على الروح، ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع، وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعاً. ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي، ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛ لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال:(إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) . يعني: أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما، بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) . يعني: بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ ليفسد بينهم ويفرق بينهم. فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين، فجعل على كل قبر واحدة، فقالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول؟ الله قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر، وأنه قد ينقطع وقد يخفف. أخذ بعض أهل العلم رحمهم الله من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين، لكن هذا مأخذ ضعيف جدّاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر، لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان، فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر، وأنه الآن يعذب. وثُم هو بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً لسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامّاً في كل شيء، بل فيما ثبت في هذا السبب. ثم هذا السبب ليس أمراً معلوماً، بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة، بل هو مجهول، وهو عذاب القبر، فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛ لأن ذلك كله من البدع، ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه.

***

ص: 2

‌السائل إبراهيم من الرياض يقول: ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: عقيدتهم في الحياة البرزخية ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على أن الإنسان يعذب في قبره وينعم بحسب حاله، قال الله تبارك وتعالى في آل فرعون:(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)(غافر:46) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وقال الله تبارك تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصلىةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) . وهذه الحياة التي يكون فيها النعيم أو العذاب حياة برزخية ليست كحياة الدنيا، فلا يحتاج فيها الحي إلى ماء ولا طعام ولا هواء، ولا وقاية من برد ولا وقاية من حر، حياة لا نعلم كيفيتها، بل هي من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، أو من وصل إليها وحصل له بها حق اليقين. ونحن نقرأ في صلواتنا: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

***

ص: 2

‌السائلة تقول في هذا السؤال: أرجو التحدث عن الحياة البرزخية كما جاء في سورة المؤمنون: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الحياة البرزخية هي الحياة التي تكون بين موت الإنسان وقيام الساعة، والإنسان قد يقبر فيدفن في الأرض، وقد يلقى في البحر فتأكله الحيتان، وقد يلقى في البر فتأكله الطيور والوحوش، ومع ذلك فإن كل واحد من هؤلاء يناله من الحياة البرزخية ما يناله. وهي- أعني: الحياة البرزخية- من عالم الغيب، فلولا أن الله ورسوله أخبرانا بما يكون فيها ما علمنا عنها، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم أخبرنا في سنته بما لا نعلمه عن هذا الأمر، فالحياة البرزخية يكون فيها العذاب ويكون فيها النعيم، إما على الروح وحدها أو تتصل بالبدن أحياناً، لكن هذا العذاب ليس من عالم الشهادة، ولهذا يعذب الإنسان في قبره، ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، أو يفسح له في القبر وينعم فيه، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها ونعيمها، ولو أننا كشفنا القبر لوجدنا الميت كما دفناه بالأمس لم تختلف أضلاعه، ولم نجد رائحة من روائح الجنة ولا شيئاً من هذا؛ لأن هذه الحياة حياة برزخية غير معلومة لنا وليست من عالم الشهادة. وأضرب مثلاً يقرب ذلك بأن الإنسان النائم نائم عندك، وهو يرى في منامه أنه يذهب ويجيء، ويبيع ويشتري، ويصلى، ويزور قريباً له ويعود مريضاً، وهو في منامه مضطجع عندك ما كأنه رأى شيئاً من ذلك، ومع ذلك هو يرى، هكذا أيضاً الحياة البرزخية: الميت يرى فيها ما يرى، وينعم فيها ويعذب، لكن في جانب الحس لا يشاهد شيئاً من هذا، وذلك أن النوم أخو الموت في الواقع، لكن الموت أشد وأعظم عمقاً في مثل هذه الأمور. والنفس لها تعلق بالبدن على وجوه أربعة: الأول: تعلقها بالبدن في حال الحمل، والثاني: تعلقها في حال الحياة الدنيا، وتعلقها في حال الحياة الدنيا يكون في حال اليقظة وفي حال النوم، ويختلف هذا عن هذا، والثالث: تعلقها بالبدن في البرزخ، والرابع: تعلقها بالبدن بعد البعث، وهذا الأخير هو أكمل التعلقات، ولهذا لا تفارق الروح البدن لا بنوم ولا بموت، إذ لا موت بعد البعث ولا نوم، وإنما هي حياة دائمة، حياة يقظة، لكن إما في نعيم دائم- أسأل الله أن يجعلني والمستمعين من هؤلاء- وإما في جحيم دائم والعياذ بالله:(لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) . وأما أهل النعيم فهم في نعيم دائم، فهذه أنواع تعلق الروح بالبدن، ولكل منها خاصية ليست في الأخرى.

***

ص: 2

‌يقول السائل: كيف السؤال في القبر بعد ممات الإنسان

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال أنه يأتيه ملكان فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب أو المنافق فهذا يقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين.

***

ص: 2

‌يقول السائل م. ع: ما حقيقة عالم البرزخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أحيلك على نفسك: إذا كنت في البرزخ فسوف تعرف ما حال الإنسان! ولكن الذي بلغنا من ذلك أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فسألاه عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن- نسأل الله أن يجعلنا منهم- فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. وأما المنافق المرتاب- والعياذ بالله- فإنه إذا سئل قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته- أعاذنا الله وإياكم منهم- فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، أي: يدخل بعضها بعضاً من الضيق، ويفتح له بابٌ إلى النار- أجارنا الله وإياكم منها- ثم يبقى الإنسان على أمرٍ لا ندري عنه بالتفصيل، لكننا نؤمن بعذاب القبر ونعيم القبر.

***

ص: 2

‌السائلة ن ع ع جدة تقول: أرجو أن تبينوا لنا عذاب القبر وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله. وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فقد تم توديعه، وحينئذ يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن أجاب بالصواب فسح له في قبره، وفتح له باب إلى الجنة، ونادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي. وإن توقف وقال: لا أدري، فإنه يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي. ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. والأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة، تنحصر في أن الأسباب الواقية من عذاب القبر هي القيام بطاعة الله، فيفعل ما أمر الله به ويترك ما نهى الله عنه. ومنها- أي: من الأسباب الواقية من عذاب القبر- التعوذ بالله من عذاب القبر، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نتعوذ من عذاب القبر أمراً عامّاً فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، وأمرنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر أمراً خاصّاً بعد التشهد الأخير، حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر- أو قال: الأخير فليستعذ بالله من أربع، فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . ومن أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول- أو قال لا يستنزه من البول-، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة) . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرز في كل قبر واحدة، قالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول الله؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . فبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب عذابهما بأن أحدهما لا يستبريء من البول، وأن الثاني كان يمشي بالنميمة. والنميمة هي نقل كلام الناس فيما بينهم على سبيل الإفساد، فيأتي للشخص ويقول: قال فلان فيك كذا، قال فلان فيك كذا؛ ليلقي العداوة بينهما. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء يفعله بعض الناس: إذا فرغ من دفن الميت وضع عليه غصناً أخضر من جريد النخل أو غيره، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث وضع الجريدة التي شقها نصفين على كل قبر واحدة، فإن هذا الذي يفعله بعض الناس بدعة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله على قبر كل ميت، وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله لسبب، وهو أن أصحاب القبرين يعذبان، فما يدري هذا الرجل أن صاحبه يعذب حتى يضع عليه هذا الغصن الأخضر؟ وأيضاً فإن وضع هذا الغصن الأخضر شهادة بالفعل على أن صاحب القبر يعذب، فيكون في ذلك إساءة ظن بصاحب القبر. لكن بعض الناس لا يتأملون ماذا يتفرع على أفعالهم من المفاسد، فتجدهم يأخذون بظاهر الحال ولا يتأملون حق التأمل، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

***

ص: 2

‌يقول السائل: يقال: إن الكافر عندما يوضع في القبر ويأتيه منكر ونكير، يأتيانه في صورٍ مخيفة ومرعبة، فهل المؤمن يرى منكراً ونكيراً بنفس الصورة التي يراهما فيها الكافر؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لا يستوي المؤمن والكافر فيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وأن المؤمن ينعم في قبره، ويوسع له فيه، وينور له فيه، ويفتح له فيه بابٌ إلى الجنة، وأما الكافر فإنه يعذب في قبره، ويضيق عليه فيه حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، ويفتح له بابٌ إلى النار. وأما المساءلة حين السؤال: فإن الميت يأتيه ملكان يسألانه عن ثلاثة أشياء: عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب فيقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. هذا أكثر ما عندي الآن حول الإجابة على هذا السؤال

***

ص: 2

‌يقول المستمع م. ع. م. من المدينة المنورة: ورد في الحديث الصحيح أن الميت عندما يوضع في قبره يسأل عن ثلاث: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ بينما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينتظر عند الميت بعد دفنه مقدار ما تنحر الجزور. السؤال: الأسئلة المذكورة أعلاه الثلاثة لا تستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق، فهل هناك أسئلة أخرى تستغرق مقدار نحر الجزور؟ آمل إفادتي مشكورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يمكثون عند القبر بمقدار ما تنحر الجزور، وإنما جاء ذلك عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أما الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال:(استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) . فالذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام أن نقف بعد دفن الميت إذا فرغنا من دفنه، أن نقف عليه وأن نقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، ثلاث مرات ثم ننصرف، هذا هو الوارد فليقتصر عليه.

***

ص: 2

‌المستمع مصري الجنسية يعمل بالعراق يقول: قرأت في كتاب يسمى دقائق الأخبار ما يفيد بأن الإنسان بعد الموت يدخل عليه في القبر ملك اسمه دومان، فيقول له: اكتب عملك. فيقول: أين قلمي وحبري وورقي؟ فيمسك سبابة يده اليمنى ويقول: هذا قلمك، ويشير إلى فمه: من هنا حبرك، ويقطع قطعة من جلد يده ويقول: هذا ورقك. وروى الكثير مما يحدث بعد الموت، مثل استئذان الروح من ربها بعد أسبوع وتعود إلى البيت الذي كانت تعيش فيه. هل هذا صحيح؟ وهل هناك ما يثبت ذلك من القرآن والسنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل هو باطل، والأمور الغيبية لا يجوز الاعتماد على شيء لم يثبت فيها عن الله ورسوله؛ لأن الأمور الغيبية لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، أو من أطلعه الله عليه ممن اصطفاه من الرسل، قال الله تعالى:(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)) . وما ذكره مما يكون للإنسان بعد موته فهو باطل لا أصل له. وإني أحذر أخي السائل من قراءة مثل هذه الكتب، وما أكثر أنواعها في الوعظ والترغيب والترهيب، فإن كثيراً من الكتب المصنفة في الوعظ والترغيب والترهيب فيها أحاديث لا زمام لها، وإنما يقصد واضعوها أن يقووا رغبة الناس أو رهبتهم، وهذا خطأ، خطأ أرجو الله أن يعفو عنهم إذا كان صادراً عن حسن النية، والحذر الحذر فالحذر الحذر من مثل هذه الكتب، وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه كفايتنا عن هذه.

***

ص: 2

‌يقول السائل: كيف النجاة من فتنة القبر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام، فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله؛ لأنه إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فسيجيب بالصواب، وحينئذ ينجو، فإن مات على نفاق- نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق- فإنه لن يجيب إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. فهذا لا ينجو من الفتنة، ويعذب في قبره والعياذ بالله.

***

ص: 2

‌يقال: إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون، إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة. ما مدى صحة ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بصحيح، بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم، وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه، ولكن الله تعالى ييسره على المسلم، كما قال الله تعالى:(وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . فاليوم عسير وشديد، وعسره وشدته على الجميع، ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين، ويكون غير شاقٍ عليهم، بخلاف الكافرين.

***

ص: 2

‌كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غرلاً بُهماً. أما حفاةً فمعناه: أنه ليس في أقدامهم نعالٌ ولا خفاف ولا جوارب، وأما عراة فمعناه: أنه ليس عليهم ثياب، العورات بادية، كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، كما قال الله تعالى:(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . غرلاً أي: غير مختونين، أي: إن القلفة التي تقطع في الختان في الدنيا- وهي الجلدة التي على رأس الذكر- تعاد يوم القيامة، حتى يخرج الناس من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم غير مختونين، وأما بُهماً فمعناه: أنه ليس معهم مال يعرفون به، فلا درهم ولا دينار ولا متاع ولا شيء ما هي إلا الأعمال الصالحة، هكذا يخرج الناس من قبورهم لرب العالمين جل وعلا.

***

ص: 2

‌هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدّاً؟ أرجو بهذا إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المؤمن يخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون يسيراً جدّاً، ودليل ذلك في كتاب الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى:(وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . وقال تعالى: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) . وكل هذا يدل أن هذا اليوم يكون يسيراً على المؤمنين، وبقدر ما يكون الإيمان عند العبد يكون اليسر في ذلك اليوم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، نسأل الله أن ييسر علينا وعلى إخواننا المسلمين أهوال ذلك اليوم.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من إحدى اخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى، تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة، تقول: كثيراً ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة، حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل. سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير، يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟ أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال المقدم عن هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت. وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيراً بكونها مؤمنة بالله تعالى، وتحاول جاهدة تصديق الشريعة الإسلامية، وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان أن يتحدث بنعمة الله عز وجل، أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به، وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه عز وجل فإن هذا فيه شيء من المنّة، وقد قال الله تعالى:(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به، لكن الأولى تركه، فالأحوال إذاً في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع: الحال الأولى: أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه من نعمة الإيمان والثبات، الثانية: أنه يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه، فهاتان الحالان محمودتان؛ لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة. الحال الثالثة: أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله عز وجل بما هو عليه من الإيمان والثبات، وهذا غير محمود؛ لما ذكرناه من الآية. الحال الرابعة: أن يريد بذلك مجرد خبر عن نفسه لما هو عليه من الإيمان والثبات، فهذا جائز ولكن الأولى تركه أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها، وهي أن يوم الحساب يوم واحد أو أكثر؟ فجوابها: أن يوم الحساب يوم واحد، ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولافضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد) . وهذا يوم طويل، وهو يوم عسير على الكافرين، كما قال تعالى:(وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيراً على الكافر، أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:(هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم. وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير والعسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك، مع قوله عز وجل:(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) . وقوله في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى، وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئاً وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحض- أي: العرق- وصار يتصبب عرقاً، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه، قال رحمه الله: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير- لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة. وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف الله بها نفسه، من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها، كما أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب الآن: أن اليوم الآخر يوم واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا.

***

ص: 2

محمد عبد الجبار مصطفى من بغداد العراق يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في حكم الطفل الذي يولد متخلفاً عقليا؟ ً وهل ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك؟ وهل هناك تفسير لآياتٍ قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟ وهل يحاسب يوم القيامة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المولود وهو متخلفٌ عقلياً حكمه حكم المجنون ليس عليه تكليف، فلا يحاسب يوم القيامة، ولكنه إذا كان من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم فإن له حكم الوالد المسلم، أي: إن هذا الطفل يكون مسلماً فيدخل الجنة، وأما إذا كان من أبوين كافرين: فإن أرجح الأقوال أنه يمتحن يوم القيامة بما أراد الله عز وجل، فإن أجاب وامتثل أدخل الجنة، وإن عصى أدخل النار. هذا هو القول الراجح في هؤلاء، وهو- أي: هذا القول- منطبق على من لم تبلغهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، كأناسٍ في أماكن بعيدة عن بلاد الإسلام، ولا يسمعون عن الإسلام شيئاً، فهؤلاء إذا كان يوم القيامة امتحنهم الله سبحانه وتعالى بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. قد يقول قائل: كيف يمتحنون وهم في دار الجزاء، وليسوا في دار التكليف؟ فجوابنا على هذا: أولاً: أن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، فله أن يكلف عباده في الآخرة كما كلفهم في الدنيا، ولسنا نحن نحجر على الله عز وجل. ثانياً: أن التكليف في الآخرة ثابت بنص القرآن، كما قال الله تعالى:(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)) . فدل هذا على أن التكليف قد يقع في الآخرة. إذاً هذا الذي ولد متخلفاً عقلياً فحكمه حكم المجانين، وليس عليه تكليف، وحكمه حكم أبويه إن كانا كافرين، وإن كانا مسلمين أو أحدهما فهو مسلم. وبهذا الجواب يتبين حكم هذا المولود المتخلف عقلياً، وما ذكرناه فإنه مقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ.

فضيلة الشيخ: هل هناك تفسير لآيات قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كما قلت قبل قليل والسنة، كلٌ منهما يدل على أن المجنون ومن في حكمه ليس عليه تكليف.

فضيلة الشيخ: في فقرةٍ له يقول: وهل وجود طفل متخلف في العائلة هو عقوبة للوالدين؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المصائب التي تصيب الإنسان تارةً تكون عقوبة، وتارةً تكون امتحاناً، تارةً تكون عقوبة إذا فعل الإنسان محرماً أو ترك واجباً، فقد يعجل الله له العقوبة في الدنيا، ويصيبه بما شاء من مصيبة، وقد يصاب الإنسان بمصيبة لا عقوبة على ترك واجبٍ أو فعل محرم، ولكن من باب الامتحان يمتحن الله بها الإنسان؛ ليعلم عز وجل أيصبر أو لا يصبر؟ وإذا صبر كانت هذه المصيبة منحة لا محنة، يرتقي بها هذا الإنسان إلى المراتب العالية وهي مرتبة الصابرين؛ لأن الصبر لا يحصل إلا بشيءٍ يصبر عليه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوعك- يعني: يمرض- كما يوعك الرجلان منا، أي: يشدد عليه في الوعك؛ لأجل أن ينال بذلك أعلى درجات الصابرين عليه الصلاة والسلام.

***

ص: 2

‌ما مصير الأطفال الذين يموتون دون البلوغ والتكليف، سواءٌ كانوا مسلمين أو غير مسلمين، من ناحية مصيرهم في الآخرة؟ وهل الحديث الذي معناه:(كل مولودٍ يولد على الفطرة) ينطبق حتى على أطفال غير المسلمين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مصير أطفال المؤمنين الجنة؛ لأنهم تبعٌ لآبائهم، قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما أطفال غير المؤمنين، يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين، فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين، فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله أعلم بما كانوا عاملين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(والله أعلم بمآلهم) . هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً، إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا- أعني: أولاد المشركين الذين من أبوين كافرين، أحكامهم في الدنيا- أنهم كالمشركين، بمعنى: أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابرنا.

***

ص: 2

‌ما مصير أطفال المشركين أو الكفار الذين يموتون؟ هل هم في النار أم في الجنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أطفال المشركين والكفار: إذا كان الأم والأب كلاهما كافراً فإن هؤلاء الأولاد لهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين. أما في الآخرة فأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنهم لا يعلم مصيرهم، وأن علمهم إلى الله عز وجل؛ لأنهم ممتحنون في يوم القيامة بما أراده الله، فإن امتثلوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإلا فهم في النار.

***

ص: 2

‌هل التائب من الذنوب لا يحاسب على ذنوبه الماضية إذا تاب توبة صادقة؟ وهل مرتكبو الكبائر إذا تابوا تقبل منهم توبتهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تاب الإنسان توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل منه مهما عظم الذنب دليل ذلك قوله تبارك وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وهذه عامة ليس فيها تفصيل، أن مَنْ تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه، وقال تعالى في التفصيل:(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) . فالذنب مهما عظم إذا تاب الإنسان منه توبة نصوحاً غفره الله عز وجل، فهنا تجد أن الله تعالى ذكر الشرك وقتل النفس بغير حق والزنى، وكلها عدوان عظيم: الأول عدوان في حق الخالق عز وجل، والثاني عدوان على النفس في حق المخلوق، والثالث عدوان على العرض في حق المخلوق، ومع ذلك إذا تاب الإنسان وآمن وعمل عملاً صالحاً بدل الله سيئاته حسنات. ألم تر إلى قوم كانوا مشركين مضادين لدعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهداهم الله وتابوا وصاروا من قادة الأمة الإسلامية؟ ولكن إذا كانت المعصية في حق مخلوق فلابد من إيصال الحق إلى أهله، فلو سرق الإنسان مال شخص وتاب من السرقة تاب الله عليه، لكن لابد أن يعيد المال إلى مالكه؛ لأنها لا تتم التوبة فيما يتعلق بحق المخلوق إلا برد الحق إلى أهله.

***

ص: 2

‌سائل يقول في هذا السؤال: ما الفرق بين الكوثر والحوض

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينهما أن الكوثر نهرٌ في الجنة أعطاه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما الحوض فإنه في عرصات القيامة، يصب عليه ميزابان من الكوثر، هذا الحوض عظيم طوله شهرٌ وعرضه شهر، يرِده المؤمنون من أمة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جعلنا الله وإياكم ممن يرده ويشرب منه، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، وريحه أطيب من ريح المسك، وآنيته كنجوم السماء في حسنها وكثرتها.

***

ص: 2

‌سائل يسأل عن الحوض المورود ما هو

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحوض المورود حوض يكون في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والجمال، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، يصب عليه ميزابان من الكوثر الذي في الجنة الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في قوله تعالى:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) . أما أثره: فمن شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه يا رب العالمين.

***

ص: 2

‌بالنسبة لحديث الحوض والذي يَردِ فيه الناس والذي يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً عليه، من هم هؤلاء الناس الممنوعون من الشرب؟ أهم أصحاب البدع؟ وهل للبدع أنواع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الممنوع من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة كل من أحدث في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. وكلما كان الإنسان أقوى في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام كان وروده أضمن، ولهذا قيل: من ورد على شريعته فشرب ورد على حوضه فشرب، ومن لا فلا، ولكلٍ درجات مما عملوا. وأما قول السائل: هل البدع أنواع؟ فنعم البدع أنواع متعددة كثيرة، منها ما يوصل إلى الكفر، ومنها ما دون ذلك.

***

ص: 2

‌محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق، واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة. والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم: منهم السريع، ومنهم البطيء، على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم ورداً، كما قال الله عز وجل، بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا، فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط. وأول من يجوز بأمته محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

فضيلة الشيخ: ويقول: ما حكم من أنكر وجوده؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده: إن كان جاهلاً فإنه يعلَّم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره- مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به- كان مرتداً كافراً؛ لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما صفة الصراط عند المرور عليه؟ وهل ورد له صفة معينة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط هو جسر يوضع على النار، يعبر منه المؤمنون إلى الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- يمر الناس به على قدر أعمالهم: إما كلمح البصر، أو كالبرق، أو كالريح، أو كالفرس الجواد، أو كالإبل، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يكردس في نار جهنم ويعذب بقدر ذنوبه. أما صفته فقد ورد أنه أحدُّ من السيف وأدق من الشعر، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طريقٌ واسع، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إنه دحض ومزلة) ، وهذا لا بد أن يكون واسعاً يسلكه الناس. وليس المهم أن نعرف هل هو واسع أو ضيق، المهم أن نعرف كيف يسير الناس عليه، ولماذا اختلف سير الناس عليه، فبعضهم كلمح البصر، وبعضهم كالبرق، وبعضهم يزحف، وبعضهم يلقى في النار. والجواب: أن هذا على حسب أعمالهم في الدنيا وتلقيهم لشريعة الله، فمن كان مسرعاً لتلقي شريعة الله مسارعاً في الخيرات كان عبوره على الصراط يسيراً خفيفاً سريعاً، ومن كان متباطئاً في شريعة الله وقبولها صار سيره على الصراط كعمله جزاءً وفاقاً.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ذكر بعض المتحدثين بأن الصراط طوله ثلاثة آلاف سنة، فهل هذا ثابت

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس بثابت.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: من صلى في المسجد النبوي ثمانين صلاة متتابعة، مع الحضور قبل الصلاة ليلحق تكبيرة الإحرام، ويشفع له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فهل هذا صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعرف عن صحته شيئاً، ولكن شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام لها أسبابٌ أخرى كثيرة، منها: أن من أجاب المؤذن، ثم بعد فراغه صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسأل الله له الوسيلة، فإنها تحل له- أو: تجب له- شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

***

ص: 2

‌من السودان السائل أبو محمد يقول: هل الأطفال الذين يموتون وهم صغار يشفعون لوالديهم يوم القيامة؟ أفيدونا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات للإنسان أطفال فصبر واحتسب، فإنهم يكونون له حجاباً من النار وستراً من النار، ويدخل بهم الجنة، أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فإنه سيفوته من الأجر بقدر ما فاته من الصبر.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: هل يشفع الابن الصالح والولد الصالح لوالديه في الآخرة؟ وكيف

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأولاد الصغار الذين ماتوا وهم صغار: فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم يكونون ستراً وحجاباً من النار لوالديهم، وأما البالغون فيشفعون لآبائهم في الحال التي يؤذن لهم فيها، ومن الشفاعة الدعاء للميت، فإن الدعاء للميت شفاعةٌ له؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه) . وهذا يدل على أن الدعاء للغير شفاعةٌ له، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) . فذكر الدعاء؛ لأن الدعاء شفاعةٌ للمدعو له. فأنا أحث إخواننا على كثرة الدعاء لوالديهم أحياءً أم أمواتاً؛ لأن ذلك طريق الأولاد الصالحين الذين امتثلوا قول الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) .

***

ص: 2

‌المستمعة أشواق إلياس سليمان العراق محافظة التأمين تقول: وضعت طفلاً ميتاً بعد رمضان العام الماضي، وقد صمت الشهر كله ولله الحمد. سؤالها تقول: هل يأتي يوم القيامة كبيراً، كما سمعت من بعض النساء؟ هل لي أجر حمله تسعة أشهر وساعات ولادته العسيرة؟ وضحوا لنا ذلك بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الطفل الذي ذكرته السائلة أنه مات، وتسأل: كيف يأتي يوم القيامة؟ جوابي على هذا: أننا لا نعلم كيف يأتي هذا الطفل يوم القيامة، ولكن قد ثبت أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، كما قال الله تعالى:(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . فالحفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف، والعراة ليس عليهم ثياب، والغرل جمع أغرل، وهو الذي لم يختن، أي: إن جلدة الختان تعود يوم القيامة. وأما سؤالها: هل لها أجر على ما حصل لها من المشقة على حمله والتعب في وضعه؟ فجوابه أن نقول: إن لها أجراً في ذلك، فإنه لا يصيب المرأة، بل لا يصيب الإنسان، من هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله عنه، حتى الشوكة إذا أصابته وحصل فيها ألم فإنه يكفر به عنه من سيئاته، وإذا صبر واحتسب الأجر من الله كان له مع تكفير السيئات زيادة في حسناته على صبره، كما قال الله تعالى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .فالمصائب التي تصيب الإنسان تكفير، ومع الصبر عليها واحتساب الأجر تكون مع التكفير زيادة في الحسنات.

***

ص: 2

‌المستمعة حصة. م. أ. الرياض تقول في رسالتها: كما نعلم يا فضيلة الشيخ من القرآن الكريم والسنة المطهرة مآل المشركين في الآخرة، سؤالي هو عن أطفالهم الصغار إذا ما ماتوا، ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ أرجو إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات أطفال الكفار وهم لم يبلغوا سن التمييز فيُسلموا، وكان أبوه وأمه كافرين، فإن حكمه حكم الكفار في الدنيا، أي: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين؛ لأنه كافر بأبويه، هذا في الدنيا. أما في الآخرة: فالله أعلم بما كانوا عاملين، وأصح الأقوال فيهم أن الله سبحانه وتعالى يختبرهم يوم القيامة بما يشاء من تكليف، فإن امتثلوا أدخلهم الله الجنة، وإن أبوا أدخلهم النار. وهكذا نقول في أهل الفترة ومن لم تبلغهم الرسالات: إنهم إذا كانوا لا يدينون بالإسلام حكمهم في الدنيا حكم الكفار، وأما في الآخرة فالله أعلم بما كانوا عاملين، يختبرون ويكلفون بما يشاء الله عز وجل وما تقتضيه حكمته، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار.

***

ص: 2

‌يقول: جاء في بعض الأحاديث أن القرآن يشفع للعبد، يقول: يا رب إلى آخره، فكيف الجمع بين ذلك وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحديث فيه أن القرآن يقول: يا رب

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إذا صح- لأن بعض أهل العلم ضعفه، لكن إذا صح هذا الحديث- فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يكون هذا القرآن الكريم يمثل جزاؤه وأجره، يمثل بشيء يتكلم فيتكلم، كما أن الموت- وهو معنى من المعاني- يمثل يوم القيامة على صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، يشهده أهل الجنة وأهل النار. فالمعنى- الذي هو عمل الإنسان، وهو قراءته، وثواب الإنسان على هذه القراءة- قد يجعله الله شيئاً ينطق ويتكلم ويقول: يا رب، هذا إن صح الحديث.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هل صحيح أن الإنسان الذي يموت يكون إما في سجين وإما في عليين، جزاكم الله خيراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا جاءت به السنة أن الله سبحانه وتعالى يقول في الرجل الفاجر: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السابعة السفلى) . وإذا كان من الأبرار قال: (اكتبوا كتاب عبدي في عليين) . وهكذا في الآخرة: الناس إما في سجين وإما في عليين، إما في الجنة وإما في النار، قال الله تبارك وتعالى:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) . وقال الله تبارك وتعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) . وإنني بهذه المناسبة أنبه على مسألة يقولها بعض الناس وهم لا يشعرون، وهي أنهم إذا تحدثوا عن شخص مات قالوا: ثم نقل إلى مثواه الأخير، يعنون بذلك القبر، وهذا غلط واضح؛ لأن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل المثوى الأخير إما الجنة وإما النار، أما القبر فإن الإنسان يأتيه ثم ينتقل عنه، وما مجيئه في القبر إلا كزائر بقي مدة ثم ارتحل. وقد ذكر أن بعض الأعراب سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى:(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) . فقال هذا الأعرابي: والله لنبعثن؛ لأن الزائر ليس بمقيم. ولهذا يجب الحذر من إطلاق هذه الكلمة- أعني: القول بأنه انتقل إلى مثواه الأخير- لأن مضمونها إنكار البعث وأنه لا بعث، ونحن نعلم أن المسلم إذا قالها لا يريد هذا المضمون، لكنها تجري على لسانه تقليداً لمن قالها من حيث لا يشعر، فالواجب الحذر منها والتحذير منها.

***

ص: 2

‌السائل حميد أحمد من اليمن يقول في هذا السؤال: لدينا طلاب متفقهون في الشرع، ويقولون بأن الله عز وجل سيرى يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ مع الدليل من الكتاب والسنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رؤية الله تعالى يوم القيامة صحيح ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف. فمن أدلة ذلك في كتاب الله قول الله تبارك وتعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فناضرة الأولى بمعنى حسنة، وناظرة الثانية من النظر بالعين، ولهذا أضيف النظر إلى الوجوه التي هي محل الأعين. ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى:(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الحسنى بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل. ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى:(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)(المطففين: 15) يعني في ذلك الفجار، وهذا دليل على أن الأبرار يرون الله عز وجل؛ لأن الله تعالى لما حجب هؤلاء في حال سخط كان المفهوم أن الله تعالى لا يحجب هؤلاء في حال الرضا، أعني: الأبرار. ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى، وهي الآية الرابعة:(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) فإن المزيد ينبغي أن يفسر بما فسرت به الزيادة في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) والذي فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بمراد الله تعالى في كلامه. وأما السنة: فالأحاديث في ذلك متواترة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يرى بالعين يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والصلاة التي قبل طلوع الشمس هي صلاة الفجر، والتي قبل غروبها هي صلاة العصر، وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(من صلى البردين دخل الجنة) . وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى تصريحاً بالغاً من أقوى التصريحات فقال: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة عياناً بأبصاركم، كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) . وأمَّا إجماع السلف: فهو أمر مشهور لا يخفى على أحد. ولهذا صرح بعض العلماء بأن من أنكر رؤية الله في الجنة فهو كافر؛ لأنه كذب القرآن والسنة، وخالف إجماع السلف، وقد قال الله تعالى:(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) . ولولا أننا نفضل الدعاء للمنكرين على الدعاء عليهم لقلنا: نسأل الله تعالى أن يحتجب عن من أنكروا رؤيته في الآخرة، ولكننا لا نفضل ذلك، بل نقول نسأل الله تعالى الهداية لمن التبس عليه الأمر، وأن يقر ويؤمن بما جاء في الكتاب والسنة. والعجب أن من الناس من ينكر رؤية الله في الآخرة بشبه يأتي بها من القرآن والسنة، أو بشبه عقلية لا أساس لها من الصحة. فمنهم من قال: إن رؤية الله تعالى غير ممكنة في الآخرة؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام قال: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . وقرروا دليلهم ذلك بأنّ (لن) تفيد التأبيد والتأبيد، يقتضي أن يكون هذا عامّاً في الدنيا والآخرة، فيكون قوله: لن تراني، أي في الدنيا وفي الآخرة. ولا شك أن هذا لبس وإلباس وتخبيط؛ لأن موسى إنما سأل الله الرؤية في تلك الساعة، بدليل أن الله تعالى قال له:(لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) . وسؤال موسى الرؤية يدل على إمكانها، إذ لو لم تكن ممكنة عقلاً ما سألها موسى عليه الصلاة والسلام، لكن الإنسان في الدنيا لا يستطيع أن يرى الله عز وجل، وذلك لقصوره وضعفه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:(واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) . ويدل لهذا أن الله تعالى لما تجلى للجبل اندك الجبل وهو الحجر الأصم، فكيف يمكن لجسم ابن آدم الضعيف أن يثبت لرؤية الله عز وجل في هذه الدنيا؟ أما في الآخرة فشأنها غير شأن الدنيا، وفي الآخرة من الأمور ما لا يمكن إطلاقاً في الدنيا: دنو الشمس قدر ميل يوم القيامة، لو حدث ذلك في الدنيا لاحترقت الأرض ومن عليها. كون الناس في الموقف يختلفون، يعرقون فيختلفون في العرق: منهم من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، هذا أمر لا يمكن في الدنيا، لكنه في الآخرة ممكن. كون الناس يمشون على الصراط، وهو كما جاء في مسلم بلاغاً (أدق من الشعر وأحد من السيف) أمر لا يمكن في الدنيا، ويمكن في الآخرة. كون الناس يقفون خمسين ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، حفاة عراة غرلاً، هذا لا يمكن في الدنيا وأمكن في الآخرة. فإذا كانت رؤية الله في الدنيا لا تمكن فإنه لا يلزم من ذلك ألا تمكن في الآخرة، وأما دعواهم أن (لن) تفيد التأبيد فدعوى غير صحيحة، فإن الله تعالى قال في أهل النار: إنهم لن يتمنوا الموت أبداً بما قدمت أيديهم، قال ذلك في اليهود، وقال عن أهل النار يوم القيامة:(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) أي: ليهلكنا ويمتنا حتى نستريح، فهنا تمنوا الموت وسألوا الله تعالى أن يقضي عليهم، ولكن لا يتسنى لهم ذلك:(قال إنكم ماكثون) . ولهذا قال ابن مالك رحمه الله في الكافية:

ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا

والمهم أن من العقيدة عند السلف الواجبة أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى يرى يوم القيامة، ولكن متى يرى؟ يرى في الجنة إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، فإن الله تعالى يكشف لهم كما شاء ومتى شاء وكيف شاء، فيرونه في عرصات القيامة، لا يراه الكافرون، يراه المؤمنون والمنافقون، ثم يحتجب الله تعالى عن المنافقين. والخلاصة: أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى يرى يوم القيامة رؤية حق بالعين، فإن قال قائل: وإذا رئي هل يدرك كما يدرك الرائي وجه مرئيه؟ قلنا: لا، لا يمكن أن يدرك؛ لأن الله تعالى قال:(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) . والعجب أن المنكرين لرؤية الله في الآخرة استدلوا بهذه الآية على أنه لا يرى، وهو استدلال غريب، فإن الآية تدل على أنه يرى أكثر مما تدل على أنه لا يرى، بل إنه ليس فيها دلالة إطلاقاً على أنه لا يرى؛ لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك، والإدراك أخص من الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، بل إنما يقتضي وجود الأعم، فنفي الإدراك دليل على وجود أصل الرؤية، ولهذا جعل السلف هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الآخرة، وهو استدلال صحيح واضح.

***

ص: 2

‌السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول: يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف، وجاء في الحديث:(أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) . وأيضاً جاء: (لا يدخل الجنة نمام) . فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص؟ أم كيف يكون الجمع بينها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النصوص وأمثالها من أحاديث أو من نصوص الوعيد هي التي أوجبت بطائفة الخوارج والمعتزلة أن يقولوا بخلود أهل الكبائر في النار؛ لأنهم أخذوا بهذه العمومات ونسوا عمومات أخرى تعارضها، وهي ما ثبت في أدلة كثيرة من أن الموحدين، أو من في قلبه إيمان ولو مثقال حبة من خردل فإنه لا يخلد في النار، كما أن عمومات الأدلة الدالة على الرجاء، وأن المؤمن يدخل الجنة، حملت المرجئة على ألا يعتبروا بنصوص الوعيد، وقالوا: إن المؤمن ولو كان فاسقاً لا يدخل النار، فهؤلاء أخذوا بعمومات هذه الأدلة، وأولئك أخذوا بعمومات أدلة الوعيد، فهدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة، وهو: أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان، وأنه مستحق للعقوبة، ولكن قد يعفو الله عنه فلا يدخله النار، وقد يدعى له فيعفى عن عقوبته، وقد تكفر هذه العقوبة بأسباب أخرى، وإذا قدر أنه لم يحصل شيء يكون سبباً لتكفيرها فإنه يعذب في النار على قدر عمله، ثم يكون في الجنة، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى هذا: فأحاديث الوعيد المطلقة أو العامة كما في الحديثين اللذين أشار إليهما السائل: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ، (لا يدخل الجنة نمام) تحمل على أن المعنى لا يدخلها دخولاً مطلقاً، أي: دخولاً كاملاً بدون تعذيب، بل لابد أن يتقدم ذلك التعذيب، إن لم يوجد ما يمحو ذلك الإثم من عفو الله أو غيره، فيكون معنى (لا يدخلون الجنة) أي: الدخول المطلق الكامل الذي لم يسبق بعذاب، وبهذا تجتمع الأدلة.

***

ص: 2

‌يقول هذا السائل: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملاً، ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟ والذين يبقون في النار خالدين فيها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الناس الذين يبقون في النار خالدين فيها فهؤلاء الكفار الذين ليس لهم حسنات، كما قال الله تبارك وتعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) . وقد ذكر الله تعالى خلود الكافرين الأبدي في القرآن في ثلاثة مواضع: الأول في النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) والثاني في الأحزاب في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) . والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) . وأما أهل المعاصي من المؤمنين فهؤلاء مستحقون لدخول النار والعذاب فيها بقدر ذنوبهم، ولكن قد يغفر الله لهم فلا يدخلون النار، وقد يشفع لهم فلا يدخلون النار. وهناك أناس يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:(لا يَسْتَرْقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) .

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على هذا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وردت كثيراً بأن عصاة المؤمنين يدخلون النار، يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة، ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار، فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام: قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب، ولكن يكون له الشفاعة، فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول السائل: هل يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار؛ لأن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، والذي يخلد به الإنسان في النار- أعاذنا الله منها- هو الشرك الأكبر؛ لقول الله تبارك وتعالى:(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ولكن هل يكون الشرك الأصغر داخلاً تحت المشيئة كسائر الذنوب، أو لابد فيه من توبة؟ هذا يحتمل أن يكون قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) عامّاً للشرك الأصغر والأكبر، أي إنه لا يغفر، لكن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار. ويحتمل أن يقال: إن المراد بالشرك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك الأكبر، فيكون الشرك الأصغر داخلاً تحت قوله:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وفضل الله سبحانه وتعالى أوسع مما نتصور، فنرجو أن يكون الشرك الأصغر داخلاً تحت المشيئة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة حول هذه الآية، أعني قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فإن بعض المتهاونين بالمعاصي إذا نهوا عن المعصية قال: إن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . فجميع المعاصي داخلة تحت مشيئته، فيتهاون بالمعصية من أجل هذا الذي ذكره الله تعالى فيما دون الشرك. فنقول له: أنت على كل حال مخاطر، فهل تعلم أن الله تعالى يشاء أن يغفر لك؟ إنك لا تدري، فربما تكون من الذين لا يشاء الله أن يغفر لهم، فأنت مخاطر، والخطر أمر منهي عنه. ثم إن هناك أدلة أخرى محكمة ليس فيها اشتباه، وهي: وجوب التوبة إلى الله عز وجل، فقد قال الله تبارك وتعالى:(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله العتيبي الطائف الحوية يقول: فضيلة الشيخ هل أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يخلدون في النار أم لا؟ وهل تحل لهم الشفاعة أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟ أرجو منكم الإفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكبائر التي دون الكفر لا يخلدون في النار؛ لقول الله تبارك تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وهم من أهل الشفاعة الذين يشفع فيهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وهذا لا يعني أن الإنسان يتهاون بالكبائر، فإن الكبائر ربما توجب انطماس القلب حتى تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة المطففين:(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين َ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّين ِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . فهذا يشير إلى أن القلوب قد يران عليها فترى الحق باطلاً، كما ترى الباطل حقّاً. فعلى الإنسان أن يستعتب من كبائر ذنوبه قبل ألا يتمكن من ذلك، وأن يتوب إلى الله عز وجل.

***

ص: 2

‌المستمعة من الرياض تقول: هل المسلم إذا دخل الجنة يتعرف على أقاربه الذين في الجنة؟ وهل يذكر أهله بعد موته ويعرف أحوالهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشق الأول من السؤال، وهو: إذا دخل أحد الجنة هل يتعرف على أقاربه؟ فجوابه: نعم يتعرف على أقاربه وغيرهم من كل ما يأتيه سرور قلبه؛ لقول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . بل إن الإنسان يجتمع بذريته في منزلةٍ واحدة إذا كانت الذرية دون منزلته، كما قال تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما الشق الثاني من السؤال، وهو: معرفة الميت ما يصنعه أهله في الدنيا؟ فإنني لا أعلم في ذلك أثراً صحيحاً يعتمد عليه، ولكن بعض الوقائع تدل على أن الإنسان قد يعرف ما يجري على أهله، فقد حدثني شخص أنه بعد موت أبيه أضاع وثيقةً له، وصار يطلبها ويسأل عنها، فرأى في المنام أن أباه يكلمه من نافذة المجلس ويقول له: إن الوثيقة مكتوبة في أول صفحة من الدفتر الفلاني، لكن الورقة لاصقةٌ بجلدةٍ في الدفتر، فافتح الورقة تجد الوثيقة في ذلك المكان. ففعل الرجل ورآها كما ذكر أبوه، وهذا يدل على أن الإنسان قد يكون له علم بما يصنعه أهله من بعده.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هذا سائل عبد المنعم عثمان من السودان يقول: هل الرجل يتعرف على أولاده في يوم القيامة إذا كانوا سعداء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأولاد سعداء والأب من السعداء فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يعني: أن الإنسان إذا كان له ذرية، وكانوا من أهل الجنة، فإنهم يتبعون آباءهم وإن نزلت درجتهم عن الآباء، ولهذا قال:(وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي: ما نقصنا الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بل الآباء بقي ثوابهم موفراً، ورفعت الذرية إلى مكان آبائها، هذا ما لم يخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم وأهليهم، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ولا يلحقون بآبائهم؛ لأننا لو قلنا: كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج أوكان منفرداً بنفسه، لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة؛ لأن كل واحد من ذريته من فوقه، لكن المراد بالذرية الذين كانوا معه ولم ينفردوا بأنفسهم وأزواجهم وأولادهم، هؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ولا ينقص الآباء من عملهم من شيء.

***

ص: 2

‌حفظكم الله هذه رسالة وصلت من مستمع للبرنامج لم يذكر الاسم، في حالة دخول الزوجين الجنة هل يلتقيان مرة ثانية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا دخل الرجل وزوجته الجنة فهي زوجته لا تتعداه، وهو أيضاً لا يتعداها إلا فيما أعطاه الله تعالى من الحور العين، أو من نساء الجنة اللاتي ليس لهن أزواج في الدنيا. وإذا كان للمرأة زوجان ودخلا الجنة فإنها تخير بينهما، فمن اختارت فهو زوجها، وفي الحديث أنها تختار أحسنهما خلقاً.

***

ص: 2

‌رسالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح أنه إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له، قال الله تعالى:(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً، ويلحق الله بهما ذريتهما، وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهذا من كمال النعيم كما قلت.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حوراً عيناً، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ ألهن أزواجٌ أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تبارك وتعالى في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)) . ويقول تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة، يزوجها بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا، كما قال الله تعالى:(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس قاصراً على الذكور، وإنما هو للذكور وللإناث، ومن جملة النعيم الزواج. ولكن قد يقول قائل: إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات، ولم يذكر للنساء أزواجاً؟ فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج، بل لهن أزاج من بني آدم.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل أحمد صالح يقول: هل المرأة الصالحة في الدنيا تكون من الحور العين في الآخرة؟ أرجو منكم الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الصالحة في الدنيا- يعني: الزوجة- تكون خيراً من الحور العين في الآخرة، وأطيب وأرغب لزوجها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن أول زمرة تدخل الجنة على مثل صورة القمر ليلة البدر.

فضيلة الشيخ: هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا في القرآن؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكن خيراً من الحور العين حتى في الصفات الظاهرة والله أعلم، ونحن نقول لأخينا السائل: هذه أسئلة لا وجه لها، أنت إذا كنت من أهل الجنة ودخلت الجنة فستجد فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ستجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهذه التساؤلات في أمور الغيب هي من التنطع في دين الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . اصبر يا أخي حتى تدخل الجنة، فستجد ما لا يخطر لك على بال.

***

ص: 2

‌تقول السائلة ر ق ع في هذا السؤال: ما منزلة المرأة في الجنة مع وجود الحور العين؟ وماذا بالنسبة لزوجها؟ وهل المرأة تصبح زوجة للشهداء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الزوجات يكن مع أزواجهن في الآخرة، يقول الله عز وجل في دعاء الملائكة للمؤمنين:(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . ولا شك أن الزوجة مع زوجها في الجنة لها مقام عظيم عالٍ، حتى إن بعض العلماء قال في دعاء الميت:(وأبدلها زوجاً خيراً من زوجها) أن المعنى: أبدلها زوجاً خيراً من زوجها، أي: اجعل زوجها لها في الجنة خيراً مما هو عليه في الحياة الدنيا. ثم إن قول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) شامل لكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فليس فيها كدر ولا نصب، ولا هم ولا غم، فلتبشر النساء بالخير، ولتعلم أن الجنة ليس فيها ما في الدنيا من الغيرة والتأذي.

***

ص: 2

‌وعد الله عز وجل الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم الجنة والحور العين، أرجو أن تعرفونا هل هذا خاص للرجال فقط بالنسبة للحور العين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين للرجال وللنساء، وليقرأ السائل قول الله تعالى في سورة الأحزاب:(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) إلى قوله تبارك وتعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) .وقوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) . فما ثبت للرجال من الأجور على الأعمال الصالحة فهو ثابت للنساء، وما ثبت من الأوزار على الرجال فهو ثابت للنساء، لكن هناك أحكام تختص بالرجال وأحكام تختص بالنساء بدليل من الكتاب والسنة، فإذا كان هناك دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم أو اختصاص النساء بالحكم فليكن هذا على مقتضى الدليل.

***

ص: 2

‌السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول: نحن نعلم بأن الله سبحانه وتعالى قد أعد الحور العين لعباده المؤمنين يوم القيامة في الجنة، فإذا كانت هنالك امرأة مؤمنة وأدخلها الله سبحانه وتعالى الجنة برحمته، أما زوجها فلسوء سعيه في الدنيا لم يدخل الجنة، فمن يكون زوجها يومئذٍ؟ أفيدونا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: وعلى السائل السلام ورحمة الله وبركاته. والجواب على سؤاله هذا يؤخذ من عموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)) . ومن قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج،؟ أو كان زوجها ليس من أهل الجنة، فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، وهم- أعني: من لم يتزوجوا من الرجال- لهم زوجات من الحور، ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاؤوا وشغل ذلك أنفسهم، وكذلك نقول، بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكن زوجها لم يدخل مع أهل الجنة: إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه؛ لعموم هذه الآيات، ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة. والعلم عند الله تعالى.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع سالم غانم عاشور العراق الموصل يقول: قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الشفاعة، فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم، حين يقول الله تعالى: فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي، فيخرج من النار أقواماً لم يعملوا حسنة قط، فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات، ويسمون عتقاء الله عز وجل. فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معناه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث متفق عليه بمعناه، يعني: أنه قد روى البخاري ومسلم معنى هذا الحديث، إلا أن فيه كلمة منكرة في هذا السياق الذي ذكره الأخ، وهي قوله:(فتبقى شفاعتي) . فإن هذه اللفظة منكرة، واللفظ الذي ورد في الصحيحين:(ولم يبق إلا أرحم الراحمين) . وإنما كانت اللفظة التي ذكرها السائل منكرة لأن قوله: (وتبقى شفاعتي) عند من يشفع؟ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يشفع إليه، وليس يشفع إلى أحد سبحانه وتعالى:(وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) .ومعنى هذا الحديث: أن الله سبحانه وتعالى يأذن للرسل والملائكة والنبيين، وكذلك لصالح الخلق، أن يشفعوا في إخراج من شاء من أهل النار، فيخرج من أهل النار من شاء الله، حتى إذا لم يبق أحد تبلغه شفاعة هؤلاء، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، أخرج الله سبحانه وتعالى بهذه الرحمة من شاء، وجعل في رقابهم خواتم على أنهم عتقاء الله سبحانه وتعالى، فيدخلون الجنة، ومعنى قوله:(لم يعملوا حسنةً قط) أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل، آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط، وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً، فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة، وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل، فماتوا فور إيمانهم، فما عملوا خيراً قط، وإما أن يكون هذا عامّاً، ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة، فإنه لابد أن يصلى الإنسان، فمن لم يصل فهو كافر، لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار.

***

ص: 2

‌الشياطين مخلوقة من نار، أي: نار السموم، وعدهم الله بنار الحميم، فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم، ولا فرق بينهما، والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء، أرأيت نفسك أيها السائل: خلقت من طين، فهل أنت طين؟ من المعلوم أن الجواب: لا، ليس الإنسان بطين، هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست ناراً، وإذا لم تكن ناراً فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها، وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار.

***

ص: 2

‌القضاء والقدر

ص: 2

‌إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر إذا اجتمعا فلكل واحد معناه. وأما إذا أفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، فإذا قيل: قضاء وقدر، فالقضاء: ما قضاه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ. والقدر: ما قدره الله فوقع. فأما إذا قيل: قضاء فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً، أو قيل: قدر فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً.

***

ص: 2

‌هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القضاء والقدر بمعنى واحد إذا أفرد أحدهما عن الآخر، فيقال مثلاً: يؤمن بقدر الله، أو: يؤمن بقضاء الله. وأما إذا جمعا فالقضاء: ما كتبه الله في الأزل، والقدر: ما قدر الله وجوده، أو بالعكس، يعني: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا، ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملاً للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملاً للقضاء والقدر أيضاً. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعاً صار القضاء: ما يقضي به الله عز وجل من أفعاله أو أفعال الخلق، والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلاً. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه سبحانه وتعالى في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي: من الكلمتين- معنى.

***

ص: 2

‌تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ماذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء هو القدر إذا ذكر وحده، والقدر هو القضاء إذا ذكر وحده. فإن اجتمعا وقيل: القضاء والقدر صار القضاء: ما يفعله الله عز وجل، والقدر ما كتبه في الأزل. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الإيمان بالقدر له مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل، بأن يؤمن العبد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه عالمٌ بما كان وما يكون، وأنه ما وقع شيء إلا بعلمه. والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتابة، أي: إن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال اكتب ما هو كائنٌ. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله العامة، وأن كل شيءٍ واقع بمشيئته سبحانه وتعالى، لا فرق في ذلك بين ما يحصل من فعله جل وعلا، وما يحصل من أفعال مخلوقاته. أما دليل الأول- وهو: ما يحصل من فعله- فهو قول الله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) . وأما الثاني- وهو: ما وقع من أفعال خلقه- فدليله قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) فكل شيء يقع في السماوات أو في الأرض فإنه واقعٌ بمشيئته تبارك وتعالى. وأما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بخلق الله، وأن كل كائن فهو مخلوق لله عز وجل، لا خالق غيره ولا رب سواه. ودليل هذا قوله تعالى:(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه المراتب الأربع ومن المعلوم أن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .

***

ص: 2

‌عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة

.

فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنى واحد، وإن اجتمعا فالقضاء: ما يقضي به الله، أي يحكم به، أي: بوقوعه. والقدر: ما كتبه الله تعالى في الأزل. وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) . والقضاء الكوني: يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) . والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . فحقيقته: أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما دفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب. ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواباً لجبريل عندما قال: أخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل شيءٍ علماً، لا يخفى عليه شيء الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. ودليل هذين الأمرين قول الله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله عز وجل. قال الله تعالى:(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العالمين) . وقال تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى:(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، حتى أعمال العبد مخلوقة لله تعالى؛ لقوله تعالى:(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . ووجه كون فعل العبد مخلوقاً لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجاً عن إرادةٍ وقدرة وهما مخلوقتان لله؛ صار فعل العبد مخلوقاً لله عز وجل. فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله، كتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ ،مشيئة الله ،خلق الله. وفي هذا يقول الناظم:

علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين

***

ص: 2

‌هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقدر واجب، ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ لأن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان فقال:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .والقدر هو: تقدير الله تبارك وتعالى في الأزل، أي تقديره تبارك وتعالى ما كان وما يكون، فإنه سبحانه وتعالى (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله- كالمطر والنبات والحياة والموت- أو من أفعال العباد- كالاستقامة والانحراف- فإنه مكتوب، مكتوب في الأزل عند الله تبارك وتعالى. فيجب علينا أن نؤمن بذلك: أن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله تبارك وتعالى هو بنفسه، وما يفعله عباده. قال العلماء: وللإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي، وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يضل الرب عز وجل ولا ينسى. لما سأل فرعون موسى عليه الصلاة والسلام:(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) سبحانه وتعالى. فيجب أن نؤمن بعلم الله عز وجل أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً فالجملة مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والتفصيل مثل قوله تعالى:(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وكذلك قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وكذلك قوله تعالى:(علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) ، (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ) ، والأمثلة على هذا كثيرة، هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر. المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدل ولا يتغير. ودليل ذلك قوله تعالى:(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . والحديث الذي ذكرناه آنفاً: (أن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . المرتبة الثالثة: أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله، يعني: إلا وقد شاءه الله، سواء كان من فعله تبارك وتعالى أم من أفعال خلقه. فحركات الإنسان وسكنات الإنسان، وطوله وقصره، وبياضه وسواده، ورضاه وغضبه، واستقامته وانحرافه، كل ذلك بمشيئة الله، لا يشذ عن مشيئة الله شيء، حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله. دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللهُ ما اقتَتَلُوا وَلَكنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ)، وقال الله تعالى:(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. أما المرتبة الرابعة فهي الخلق: أن تؤمن بأن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، كما قال الله تعالى:(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، وقال تعالى:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) . وقد ذكر الله تعالى الخلق عاماً كما في هاتين الآيتين، وذكره خاصاً مثل قوله:(فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) ، وقوله:(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فكل شيء سوى الله فهو مخلوق، خلقه الله عز وجل، سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف. فالآدمي له جثة، له جسد، من خلق هذا؟ الله عز وجل، الآدمي طويل وقصير، وأبيض وأسود، من قدر هذا؟ الله عز وجل، الآدمي له عمل وحركة، صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله عز وجل؛ لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان، والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة. ودليل ذلك ما ذكرته الآن:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع: علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خَلْقُ الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون. فالمعدوم يوجده الله، والموجود يعدمه الله. وقد اختلف بنو آدم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه، فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط. فالغالي في إثبات القدر قال: إن الإنسان مجبور على عمله، ليس له فيه اختيار، إن عمل صالحاً فإكراهاً عليه، إن عمل سيئاً فإكراهاً عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر؛ لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون. وآخرون قصروا في هذا قالوا: إن الله يشاء كل شيء، ويخلق كل شيء، إلا أفعال الإنسان، فليس له فيها تصرف، وهؤلاء قصروا في الربوبية. وتوسط آخرون فقالوا: الإنسان يفعل باختياره، ويفرق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره. وهذا هو الواقع: أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك. هذا أمر لا ينكر، ولا يشعر أحدٌ أبداً أنه أكره على هذا الفعل. ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم، إن أكره على محرم أو على ترك واجب، حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها، وصار لا يحمد على فعل الخير ولا يذم على فعل الشر، فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا: إنه مجبر، بهذا. أما الذين قالوا: إنه مستقل، فنقول: سبحان الله! الإنسان في ملك، الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله، فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله؟ هي مخلوقة لله، وهي في ملك الله، لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية، فإذا زنى أو سرق أو شرب الخمر قال: والله هذا بقدر الله. نقول: هل الله أجبرك؟ هل تعلم أن الله قدر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم، ونحن لا نعلم أن الله قدر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع، فإذا وقعت علمنا أنه أرادها، أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدر الله، كما قال تعالى:(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً) . فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره، ولم يعلم أن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع. ولهذا لا ترى أحداً يعذر أحداً إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب: لم ضربتني؟ قال: والله هذا بقدر الله، لا تجد أحداً يقبل هذه الحجة. يذكر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال له: مهلاً يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله. قال: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانه عليهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله، ومعصيته لله ظلم لنفسه، ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه، مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبل منه، لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته، ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال:(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) قال تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) . وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم؛ لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله. والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر، وأن كل شيء فهو من الله، وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله. ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه فقال:(ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) .إذاً نحن مأمورون بالعمل، وإذا عملنا ما يرضي الله يسر الله لنا. ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنقول: آمِنْ بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك. ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروهاً للعبد، كالمصائب في بدنه، في أهله، في ماله، في أصحابه، في مجتمعه. لا يخلو الإنسان من مصيبة؛ لأن الله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم. هذه المصائب إذا حصلت اِرضَ بها، اِرضَ بقضاء الله،فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالحك. كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب، إذا أراد الله سبحانه وتعالى هداية الإنسان، كما أنها بالعكس في أناس آخرين، قال الله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) . يعني: إذا أوذي في دينه وضيق عليه في دينه جعلها كالعذاب، فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله. فالمهم أن الإيمان بالقدر يهون عليك المصائب؛ لأنك تعلم أنها من عند الله، وأن الله مالك كل شيء، وأنت من جملة من يملكه الله عز وجل، أنت عبد لله يفعل بك ما شاء فلا تجزع. قال الله تعالى:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) . قال علقمة في معنى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال: (إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) . لو أن رجلاً أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض، لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى؛ لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجراً وثواباً:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

***

ص: 2

‌أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل، وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر. والمصائب على نوعين: النوع الأول: أن تكون تكفيراً لسيئات وقعت من المرء وإصلاحاً لحاله، كما في قوله تبارك وتعالى:(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقوله تعالى:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) . والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء، ولكن لزيادة رفعة في درجاته، وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام، حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا- أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه: فهو أعلى الناس صبراً على طاعة الله، وأعلى الناس صبراً عن محارم الله، وأعلى الناس صبراً على أقدار الله المؤلمة. وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره، وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى، إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء. وانظر إلى الكرم والفضل: أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء، ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب. قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربعة: التسخط، والصبر، والرضا، والشكر. أما التسخط فحرام، سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح. فالتسخط في القلب: أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة، وأنه ليس أهلاً لأن يصاب، وهذا على خطر عظيم، كما قال الله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل: واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله. وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب. وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال:(ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود ودعا بدعوى الجاهلية) . فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب، والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه. المقام الثاني: مقام الصبر، وهو: حبس النفس عن التسخط. وهو ثقيل على النفس، لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب، فيكون الصبر واجباً. ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته- التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً تدعوه للحضور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(مرها فلتصبر ولتحتسب) . المقام الثالث: هو الرضا، يعني: يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضاً تاماً. وقد اختلف العلماء في وجوبه، والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة. والفرق بين الصبر والرضا: أن المرء يكون في الصبر كارهاً لما وقع، لا يحب أنه وقع، لكنه قد حبس نفسه عن التسخط؛ وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع، بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راضٍ رضاً تامّاً عن فعل الله، فهو يقول: أنا عبده وهو ربي، إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر. فالأحوال عنده متساوية. وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر، وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثواباً لا عقاباً، فيتساوى عنده الألم والثواب. وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية- فيما أظن-: أنها أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء، فقيل لها في ذلك فقالت:(إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . المقام الرابع: مقام الشكر: أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة. وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك، لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة، وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون، أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت، أو يزول قبل الممات، والأجر والثواب الحاصل يبقى، فيشكر الله تعالى على ذلك. مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة، فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم، فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر، ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ، وهلم جرّاً. ثم يقول أيضاً. هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت، وإما أن أموت، فلها أجل محتوم مقدر، لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين، فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سبباً لما هو أبقى وأفضل وأخير. إذاً فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات.

***

ص: 2

‌يقول السائل: البعض من المرضى يتذمر ويكثر من الشكوى ويتسخط مما فيه من مرض، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء وذلك بالاحتساب والصبر؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لإخواني هؤلاء المرضى ومن أصابهم مصائب في أموالهم وأهليهم: أن يصبروا ويحتسبوا، ويعلموا أن هذه المصائب ابتلاءٌ من الله سبحانه وتعالى واختبار، كما قال الله تبارك وتعالى:(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . وإذا كان الله تعالى يبتلي العبد بالنعم ليختبره أيشكر أم يكفر، فكذلك يبتلي عبده بما يضاد ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع ويتسخط. ويعين المرء على الصبر على هذه الأمور أمور: الأمر الأول: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى رب كل شيء ومليكه، وأن الخلق كلهم خلقه وعبيده، يتصرف فيهم كيف يشاء، لحكمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، فلا اعتراض عليه سبحانه وتعالى فيما فعل في ملكه:(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) . الثاني: أن يؤمن بأن هذه المصائب التي تصيبه تكفير لسيئاته، تحط عنه الخطايا ويغفر له بها الذنوب، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولقد أصيبت امرأةٌ من العابدات في أصبعها، ولكنها لم تتسخط ولم يظهر عليها أثر التشكي، فقيل لها في ذلك فقالت:(إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . ومن المعلوم أن الصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر الإنسان عليه حتى يكون من الصابرين، و (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

ثالثاً: أن يتسلى بما يصيب الناس سواه، فإنه ليس وحده الذي يصاب بهذه المصائب، بل في الناس من يصاب بأكثر من مصيبته. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم- وهو أشرف الخلق عند الله- يصاب بالمصائب العظيمة، حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، ومع ذلك يصبر ويحتسب. وفي التسلي بالغير تهوينٌ عن المصاعب. رابعاً: ان يحتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على هذه المصيبة، فإنه إذا احتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على هذه المصيبة فإنه- مع تكفير السيئات به- يرفع الله له بذلك الدرجات، بناءً على احتسابه الأجر على الله سبحانه وتعالى. ومن المعلوم أن كثيراً من الناس منغمرٌ في سيئاته، فإذا جاءت مثل هذه المصائب: المرض، أو فقدان الأهل أو المال أو الأصدقاء، أو ما أشبه ذلك هان عليه الشيء بالنظر إلى ما له من الأجر والثواب على الصبر عليه، واحتساب الأجر من الله، وكلما عظم المصاب كثر الثواب. خامساً: أن يعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم، فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلاً وإن آجلا، ً لكن كلَّما ما امتدت ازداد الأجر والثواب. وينبغي في هذه الحال أن نتذكر قول الله تبارك وتعالى:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، وأن نتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) سادساً: أن يكون لديه أمل قوي في زوال هذه المصيبة، فإن فتح الآمال يوجب نشاط النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وإن الإنسان كلما مضى عليه ساعة رأى أنه أقرب إلى الفرج وزوال هذه المصائب كان في ذلك منشطاً نفسه حتى ينسى ما حل به، ولا شك أن الإنسان الذي ينسى ما حل به أو يتناساه لا يحس به، فإن هذا أمرٌ مشاهد: إذا غفل الإنسان عما في نفسه من مرضٍ أو جرح أو غيره يجد نفسه نشيطاً وينسى ولا يحس بالألم، بخلاف ما إذا ركز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم فإنه سوف يزداد. وأضرب لذلك مثلاً بالعمال: تجد العامل في حال عمله ربما يسقط عليه حجرٌ يجرح قدمه، أو تصيبه زجاجة تجرح يده أو ما أشبه ذلك، وهو مستمرٌ في عمله ولا يحس بما أصابه، لكن إذا فرغ من عمله ثم توجهت نفسه إلى هذا الذي أصابه حينئذٍ يحس به. ولهذا لما شكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الوساوس التي يجدها الإنسان في نفسه قال عليه الصلاة والسلام:(إذا أحس بذلك فليستعذ بالله، أو: إذا وجد ذلك فليستعذ بالله ثم لينتهِ)، يعني: ليعرض عن هذا ويتغافل عنه فإنه يزول، وهذا شيء مشاهد ومجرب، ففي هذه الأمور الستة يحصل للمريض الطمأنينة والخير الكثير. الأمر السابع: أن يؤمن بأن الجزع والتسخط لا يزيل الشيء، بل يزيده شدة وحسرة في القلب، كما هو ألمٌ في الجسد. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الناس تجاه المصائب التي تقع بهم ينقسمون إلى أربعة أقسام: القسم الأول: من جزع وتسخط ولم يصبر، بل دعا بالويل والثبور، وشق الجيوب ولطم الخدود ونتف الشعور، وصار قلبه مملوءًا غيظاً على ربه عز وجل، فهذا خاسرٌ في الدنيا والآخرة؛ لأن فعله هذا حرام، والألم لا يزول به، فيكون بذلك خسر الدنيا والآخرة، وربما يؤدي ذلك إلى الكفر بالله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . الحال الثانية: الصبر، بمعنى أن هذا المصاب لا يحب أن تقع المصيبة، بل يكرهها ويحزن لها، لكنه يصبر: فيمنع قلبه عن التسخط، ولسانه عن الكلام، وجوارحه عن الفعال، ولكنه يتجرع مرارة الصبر ولا يحب أن ذلك وقع، فهذا أتى بالواجب وسلم ونجا. الحال الثالثة: أن يقابل هذه المصيبة بالرضا وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى كأنه لم يصب بها؛ لقوة رضاه بالله عز وجل. فالفرق بينه وبين الأول الذي قبله: أن الأول عنده كراهة لما وقع ويتجرع مرارة الصبر عليه، أما هذا فلا، ليس عنده كراهة ولا في نفسه مرارة، يقول: أنا عبد والرب رب، ولم يقدر لي هذا إلا لحكمة، فيرضى تماماً. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الرضا: هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه مستحب؛ لأنه صبرٌ وزيادة، والصبر سبق أنه واجب، وأما ما زاد على الصبر فإنه مستحب، فالراضي أكمل من الصابر. الحال الرابعة: الشكر لله عز وجل على ما حصل، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه المصيبة. ولكن قد يقول قائل: إن هذا أمرٌ لا يمكن بحسب الفطرة والطبيعة أن يشكر الإنسان ربه على مصيبة تقع عليه. فيقال: نعم، لو نظرنا إلى مطلق المصيبة لكانت الفطرة تأبى أن يشكر الله على ذلك، ولكن إذا نظر الإنسان إلى ما يترتب على هذه المصيبة: من مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات شكر الله سبحانه وتعالى أن ادخر له من الأجر والثواب خيراً مما جرى عليه من هذه المصيبة، فيكون بذلك شاكراً لله سبحانه وتعالى. وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أصابه ما يسره قال:(الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا أصابه خلاف ذلك قال:(الحمد لله على كل حال) . وهذا هو الذي ينبغي أن يقوله الإنسان. أما ما اشتهر على لسان كثيرٍ من الناس حيث يقول إذا أصيب بمصيبة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهي عبارةٌ بشعة، ولا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ لأن هذا يعلن إعلاناً صريحاً بأنه كارهٌ لما قدر الله عليه، وفيه شيء من التسخط وإن كان غير صريح، ولهذا نقول: ينبغي لك أن تقول ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وهو:(الحمد لله على كل حال) . وفي النهاية أوصي إخواني المرضى ومن أصيبوا بمصيبة أن يصبروا على ذلك، وأن يحتسبوا الأجر من الله عز وجل، والله تعالى مع الصابرين، و:(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) .

***

ص: 2

‌المستمعة من حفر الباطن تقول: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت بعد أن يصطدم بأشياء وأمور لا تجوز في هذه الدنيا الفانية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا، لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضرٍ نزل به، بل الواجب عليه أن يصبر ويحتسب ويكابد، ويستعين بالله عز وجل في درء هذه المحظورات أو المحرمات بنصح إخوانه وإرشادهم، ولعل بقاءه من أجل النصح والإرشاد والدعوة إلى الله خيرٌ من أن يموت وينقطع عمله، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله، وإذا بقي في الدنيا وهو مؤمن فإن أمره كله خير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) . وعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى، ويعلم أن دوام الحال من المحال، وأن الأمور لا بد أن تنفرج، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) .

***

ص: 2

‌سائلة تقول: واجهت في حياتي عدة مشكلات جعلتني أكره الحياة، فكنت كلما تضطجرت توجهت إلى الله تعالى بأن يأخذ عمري بأقرب وقت، وهذه أمنيتي حتى الآن؛ لأنني لم أر حلاً لمشكلاتي سوى الموت هو وحده يخلصني من هذا العذاب، فهل هذا حرام علي؟ أرشدوني أفادكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: أن تمني الإنسان الموت لضر نزل به وقوع فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام:(لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) . فلا يحل لأحد نزل به ضر أو ضائقة أو مشكلة أن يتمنى الموت، بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى، وينتظر الفرج منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . وليعلم المصاب بأي مصيبة أن هذه المصائب كفارة لما حصل له من الذنوب، فإنه لا يصيب المرء المؤمن هم ولاغم ولا أذى إلا كفر الله به عنه، حتى الشوكة يشاكها. ومع الصبر والاحتساب ينال منزلة الصابرين، تلك المنزلة العالية التي قال الله تعالى في أهلها:(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) . وكون هذه المرأة لا ترى حلاً لمشكلاتها إلا بالموت أعتبر أن ذلك نظر مخطئ، فإن الموت لا تنحل به المشكلات بل ربما تزداد به المصائب، فكم من إنسان مات وهو مصاب بالمشكلات والأذايا، ولكنه كان مسرفاً على نفسه، لم يستعتب من ذنبه ولم يتب إلى الله عز وجل، فكان في موته إسراع لعقوبته، ولو أنه بقي على الحياة ووفقه الله تعالى للتوبة والاستغفار والصبر وتحمل المشاق وانتظار الفرج لكان في ذلك خيرٌ كثير له. فعليك أيتها السائلة أن تصبري وتحتسبي وتنتظري الفرج من الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:(فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما صح عنه: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . والله المستعان.

***

ص: 2

‌من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري. إذاً فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك: فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك، ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلاً أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلاً والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع، ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلماً والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) ، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) . والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا، ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبداً؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلاً عن الشرع. ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟ والجواب: لا، إنك ما أردت شيئاً إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى:(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . فإذا أراد الإنسان أن يأكل فأكل علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته أن يريد الأكل فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري واشترى وباع علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرّاً فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة، ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئاً إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة على العاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك. لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة مسير أو مخير ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبداً لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير:(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، وكفر الإنسان باختياره وإيمانه باختياره، وليس المعنى بالاختيار يعني أنك إن شيءت فآمن وإن شيءت فاكفر، لا، المعنى: أن وقوع الكفر باختيارك ووقوع الإيمان باختيارك. وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئاً وفعله فهو بإرادة الله السابقة عليه. نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلاً وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملاً ناسياً هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار.

***

ص: 2

‌علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في ذلك أن نقول للإنسان: ارجع إلى نفسك لا تسأل أحداً غيرك: هل أنت تفعل ما تفعله مكرهاً عليه أم تفعل ما تفعله باختيارك؟ هل إذا توضأت في بيتك وخرجت إلى الصلاة وصلىت مع الجماعة هل أنت مكره على هذا أو فعلته باختيارك؟ هل أنت إذا خرجت إلى سوقك وفتحت متجرك وبعت واشتريت هل أنت مجبر على ذلك أو فاعله باختيارك؟ هل أنت إذا أردت أن تقرأ في مدرسة معينة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعية أو أعلى من ذلك دراسات عليا هل أنت تفعل ذلك باختيارك أو تفعله مجبراً على هذا؟ إني أتعجب أن يرد هذا السؤال من شخص يعلم نفسه ويعلم تصرفه ثم يقول: هو مسير أو مخير؟ كل يعلم الفرق بين ما يفعله الإنسان باختياره وإرادته وطوعه وبين ما يكره عليه. والمكره على الفعل لا ينسب إليه الفعل ولا يلحقه به إثم، كما قال الله تعالى:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو كان الإنسان مكرهاً على عمله لكانت عقوبة العاصي ظلماً؛ لأنه يقول: يا رب أنا مكره ليس لي اختيار. ولو كان الإنسان مجبراً على عمله لكانت كتابة حسناته عبثاً؛ لأنه يثاب على شيء ليس من فعله ولا من اختياره. فعلى أخي السائل وغيره من المسلمين أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يعلموا أنهم غير مجبرين على الفعل، بل هم يفعلون الشيء باختيارهم من غير أن يكرهوا عليه. ولكن فليعلم أن ما يقع منا من فعل فإنه بقضاء وقدر سابق من الله عز وجل، وبمشيئة الله سبحانه وتعالى واقع، فالقدر قدر الله ومشيئته لا يعلم تحققهما إلا بعد فعل العبد. هذا وقد ذكر علماء أهل السنة أن للقدر مراتب: أولها: العلم، بأن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شي جملة وتفصيلاً أزلاً وأبداً، فلا يضل ربي ولا ينسى، ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء. والثاني: الكتابة: أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. والثالث: المشيئة أن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى. والمرتبة الرابعة: الخلق: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا الله خالقه جل وعلا. والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها رسول الله صلى عليه وآله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) .

***

ص: 2

هذا السائل من السودان يقول: فضيلة الشيخ ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيراً، مثلاً في قوله تعالى:(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) . والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيباً أو خبيثا؟ ً أرجو بهذا توجيهاً مأجورين.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم جداً، وذلك لأنه سأل عن الهداية المذكورة في قوله تعالى:(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) . وسأل: هل الإنسان مخير أو مسير؟ وهل له إرادة أن يفعل؟ أو لا يفعل والجواب على الأول: أن الهداية المذكورة في القرآن تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وبيان، وهداية توفيق وإرشاد. فأما الهداية الأولى فهي مثل الآية التي ساقها السائل، وهي قوله تعالى:(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) . يعني: إنا بينا للإنسان السبيل والطريق، سواءٌ كان شاكراً أو كان كفوراً، فالكل بين له الحق، لكن من الناس من منّ الله عليه فشكر والتزم بالحق، ومن الناس من كان على خلاف ذلك. ومن أمثلة الهداية التي يراد بها الدلالة قوله تبارك وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي: لتدل إلى الصراط المستقيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن وعلَّم أمته الصراط المستقيم، وترك أمته على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها. أما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإرشاد، ومن أمثلتها قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فالمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك أن يهدي أحداً هداية توفيق يوفقه بها إلى الإيمان والعمل الصالح. وهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهدى، ولكن لم يوفق لذلك، فأنزل الله هذه الآية تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . وقد يراد بالهداية الهدايتان جميعاً، أي: هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإن هذه الآية تشمل هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد. والقارئ إذا قال:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) . يريد بذلك المعنيين جميعاً: يريد أن يعلمه الله عز وجل، ويريد أن يوفقه الله تعالى لسلوك الحق. هذا هو الجواب عن الجزء الأول في سؤاله. أما الجزء الثاني، وهو: هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر، بمعنى: أن له الاختيار وإن كان ليس سواء: لا يستوي الكفر والإيمان، لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم: فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر، وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن، بل الكافر كفر باختياره، والمؤمن آمن باختياره. كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره، ويرجع إليه باختياره، وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره، ويدخل الجامعة الفلانية باختياره، وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه، ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر. نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان:كحوادث تحدث للإنسان: من انقلاب سيارة، أو صدام، أو سقوط بيتٍ عليه، أو احتراق، أو ما أشبه هذا، هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه، بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر. ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم؛ لأنهم كفروا باختيارهم، ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا. ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفراً، أو على القول ولو كان كفراً فإنه لا يعاقب عليه؛ لأنه بغير اختيارٍ منه؟ ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر، وقد يرى نفسه ساجداً لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا؛ لأن ذلك بغير اختياره؟ فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه، فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل؛ لأنه فعل السيئ باختياره. وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة؛ فإن هذا لا حجة فيه، وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى، إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق، فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً، وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً، فالإنسان الذي يصلى لا يعلم أن الله كتب له أن يصلى إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة، ولم يجبر المصلى على الصلاة بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره. ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه (ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل؟ قال لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) . فأمر بالعمل، والعمل اختياري وليس اضطرارياً ولا إجبارياً، فإذا كان يقول عليه الصلاة والسلام:(اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) نقول للإنسان: اعمل يا أخي صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحاً وإن شاء عمل عملاً سيئاً. ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول: هذا أمرٌ مكتوب علي، يترك الصلاة مع الجماعة ويقول: هذا أمر مكتوب علي، يشرب الخمر ويقول: هذا أمر كتب علي، يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول: هذا أمرٌ مكتوبٌ علي. ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته أنت؟ لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة؟ وأما قول السائل: هل للإنسان إرادة؟ نقول: نعم له إرادة بلا شك، قال الله تبارك وتعالى:(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)، وقال تعالى:(وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وقال تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) . والآيات في هذا معروفة، وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة. ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه، قال الله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله: قد فعلت. وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة، والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول إلى الحق. وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك، وإلا فالأمر واضح ولله الحمد.

***

ص: 2

من الرياض طالب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول: سؤالي هو أنه وقع بيني وبين أخي خلافٌ عقائدي حيث قلت له: إن الإنسان مسير وليس مخيراً. فقال: هذا ليس بصحيح، بل الإنسان مسير ومخير أيضا. ً وطال الجدال، فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟ وجزيتم خيراً.

فأجاب رحمه الله تعالى: القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير، وأن له اختياراً كما يريد، كما قال الله تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) . وقال عز وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) . وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة: فأنت الآن عندما قدمت لنا هذا الكتاب هل قدمته على وجه الإكراه، وأنك تشعر بأن أحداً أكرهك على تقديمه، أو أنك قدمته على سبيل الاختيار، فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب أو أرسلت الكتاب؟ لا شك في أن هذا هو الواقع. ولكننا نقول: كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله عز وجل معلومٌ عنده، أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير، وأن نهرب عن فعل الشر، وليس في هذا إشكالٌ أبداً: نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلاً أو إلى الجامعة، فمنهم من يختار كلية الشريعة، ومنهم من يختار كلية أصول الدين، ومنهم من يختار كلية السنة، ومنهم من يختار كلية اللغة، ومنهم من يختار كلية الطب. المهم أن كلاً منهم يختار شيئاً، ولا يرى أن أحداً يكرهه على هذا الاختيار، كيف نقول: مسير ومخير؟ لو كان الإنسان مجبراً على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلماً، والله عز وجل منزهٌ عن الظلم بلا شك، فالإنسان يفعل باختياره بلا شك، لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مقدر عليه من قبل، لكنه لم يعلم بأنه مقدر إلا بعد وقوعه. ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال:(اعملوا) فأثبت لهم عملاً مراداً (فكلٌ ميسرٌ لما خلق له) : أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ مخير، ومعنى مخير: أن له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله، وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب.

***

ص: 2

‌السائل محمد من مكة المكرمة يقول: هل الإنسان مسير أم مخير

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن أقول له: اسأل نفسك: هل أنت حينما كتبت هذه الورقة وفيها السؤال هل أنت فعلت ذلك باختيارك أو أن أحداً أجبرك؟ إنني أجزم جزماً أنه سيقول: كتبتها باختياري. ولكن ليعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق في الإنسان الإرادة، الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه أمرين كلاهما سبب الوجود، الأمر الأول: الإرادة، فالله تعالى جعل الإنسان مريدا. ً والأمر الثاني: القدرة، جعله الله تعالى قادراً. فإذا فعل شيئاً فإنما يفعله بإرادته وقدرته، والذي خلق فيه الإرادة هو الله عز وجل، وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل. وهذه الكلمة: مخير ومسير هي كلمة حادثة لا أعلمها في كلام السابقين، وعلى هذا فنقول: إن الإنسان مخير يفعل الشيء باختياره وإرادته، ولكن هذا الاختيار والإرادة كلاهما مخلوقان لله عز وجل.

***

ص: 2

‌مجموعة من السائلات يقلن: يا فضيلة الشيخ نحن السائلات من المدرسة الثانوية بجدة لنا هذا السؤال: هل يؤاخذ الإنسان ويعاقب على الأخطاء والمعاصي وقد قدرها الله عز وجل عليه في اللوح المحفوظ؟ نرجو بهذا إفادة مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، المعاصي يعاقب عليها الإنسان، إلا إذا كانت دون الشرك، فإنها داخلةٌ تحت مشيئة الله عز وجل. وهذه المعاصي لا شك أنها واقعة بعلم الله ومشيئة الله، وأنها مكتوبة على العبد في اللوح المحفوظ، ومكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، ولكن هذه الكتابة ليست معلومة حتى يكون الإنسان بنى عمله عليها، لو كان يعلمها فبنى عمله عليها لقلنا: إن له حجة، لكنه لم يعلمها، فمن يعلم أن الله تعالى قدر له أن يعصي الله وهو لم يعصه حتى الآن؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً) . ولهذا يكون إقدام العاصي على المعصية إقداماً بلا علمٍ أن الله قدرها عليه حتى تقع منه، والحجة لا تكون حجة حتى تكون سابقة على العمل الذي احتج بها عليه. ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سرٌ مكتوم، لا يعلم حتى يقع. وهذا صحيح: من يعلم أن الله قدر أن ينزل المطر غداً، حتى ينزل غداً فنعلم أن الله قدره؟ من يعلم أن فلاناً يعصي الله غداً، حتى يعصي الله هذا الرجل فنعلم أن الله قدره؟ ولهذا لا حجة للإنسان العاصي بقدر الله على شرع الله، فالشرع لا يحتج عليه بالقدر أبداً، ولهذا قال الله تعالى مبطلاً هذه الدعوى، أي: دعوى القدر: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) ولو كانت الحجة صحيحة لم يستحقوا أن يذوقوا بأس الله. وقال الله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولو كان القدر حجة لم يرفعها إرسال الرسل. ولما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من أحدٍ إلا وكتب مقعده من الجنة أو من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له. ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنحن نقول للإنسان: القدر علمه عند الله عز وجل، وهو سرٌ مكتوم، وأنت مأمورٌ بأن تعمل العمل الصالح، وأن تتجنب العمل السيئ، فقم بما أمرت به: اعمل عملاً صالحاً، واجتنب العمل السيئ، وهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

***

ص: 2

‌هل يكتب الله عز وجل طريقة الموت على الإنسان، أي: كيف يموت بمرض أم حادث؟ أرجو بهذا إفادة

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، يكتب الله ذلك كله، وما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو مكتوب عند الله، قال الله تعالى:(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . وكل شيء فإنه مكتوب عند الله عز وجل، حتى الشوكة تصيب الإنسان هي مكتوبة عند الله.

***

ص: 2

‌من أريتيريا عثمان محمد عبد الله يسأل ويقول بأنه دخل في عدة طرق من الطرق المتعددة وخرج منها. سؤاله يقول: هل ما ضاع من عمري في هذه الفترة والسيئات التي وقعت فيها محسوبة عليّ أم تنفى عني بتوبتي؟ ثانياً يقول: وهل كل ما حصل عليّ في هذه الطرق الباطلة قبل هذا كان مكتوباً علي؟ إن كان مكتوباً عليّ من الأزل وكان الله عالماً بهذا؟ نرجو بهذا إفادة

.

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أهنىء الأخ الذي منّ الله عليه بالاستقامة ولزوم الصراط المستقيم، بعد أن كان منحرفاً في متاهات البدع والضلال، فإن هذا من نعم الله، بل هو أكبر نعمة ينعم الله بها على العبد: أن يتوب الله عليه فيتوب إلى ربه، ويقلع عن غيه إلى رشده، يقول الله عز وجل ممتنّاً على المؤمنين بمثل ذلك:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) . ويقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . ويقول جل وعلا: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) . فالهداية للإيمان من أكبر النعم بل هي أكبر نعمة أنعم الله بها على العبد، فأسأل الله أن يثبتني وإخواني المسلمين على دينه المستقيم، إنه جواد كريم. أما بالنسبة للجواب على سؤاله فإني أقول له: إذا تاب الإنسان من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه، ويمحو عنه سيئاته؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تجُّب ما قبلها. قال الله عز وجل:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وقال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) . والنصوص في هذا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلها تدل على أن الله إذا منّ على العبد بالتوبة النصوح فإن الله يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، إذا تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فكل ما جرى عليك من اعتناق الطرق والمذاهب الهدامة والزيغ والضلال فإنه يمحى برجوعك إلى الحق. وأما الفقرة الثانية في السؤال، وهي: أن هذا الذي عمله هل كان مكتوباً عليه في الأزل، وبعلم من الله عز وجل؟ فنقول: نعم، هو مكتوب عليه في الأزل، مكتوب عليه العمل السيئ السابق، ومكتوب له التوبة الأخيرة التي منّ الله بها عليه، وكل ذلك بعلم من الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل:(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ويقول جل ذكره: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . فعلم الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين والحمد لله، وهو إحدى مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، فإن الإيمان بالقضاء والقدر مراتب أربع: الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، بمعنى: أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً ما كان وما لم يكن. والمرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول:(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) .

أما المرتبة الثالثة فهي: الإيمان بعموم مشيئة الله، فهي أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو واقع بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء لا من فعله ولا من فعل عباده، والنصوص في هذا كثيرة، ومنها قوله تعالى:(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . فبين الله عز وجل أن اقتتال هؤلاء المختلفين كان بمشيئته. وقال سبحانه وتعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فما في الكون شيء يحدث عدماًَ أو وجوداً إلا وهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى. أما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بعموم خلق الله، أي: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو مخلوق لله عز وجل في أعيانه وفي أوصافه، كما قال الله تعالى:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) . وقال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . حتى العبد مخلوق لله تعالى بعينه وشخصه، وبأوصافه وقواه الظاهرة والباطنة، وبما ينشأ عن تلك القوى، فأفعال العبد مثلاً مخلوقة لله، باعتبار أن هذه الأفعال ناشيءة عن قدرة في العبد وإرادة، والقدرة والإرادة من صفات العبد، والعبد مخلوق لله، فأوصافه كذلك مخلوقة له أي لله. فكما أن الأوصاف الخَلْقية الظاهرة مخلوقة لله، فكذلك الأوصاف الخُلُقية والفكرية الباطنة مخلوقة لله كذلك. وهذه المراتب الأربع يؤمن بها أهل السنة والجماعة جميعها، فعلينا أن نؤمن بها ونصدق، لكن مع ذلك نعلم علم اليقين أن للإنسان إرادة وقدرة، فهو يريد الشيء فعلاً وتركاً أي: يريد أن يفعل فيفعل إذا كان له قدرة، ويريد أن يترك فيترك، ولكن خالق القدرة وخالق الإرادة هو الله عز وجل، فهو يُنْسَبْ- أي: فعل العبد- إلى الله تعالى خلقاً وإرادة، وإلى العبد فعلاً وكسباً، مع أنه داخل تحت إرادة العبد وقدرته، فلولا أن الله تعالى أقدر العبد على الفعل ما فعل؛ لعجزه عنه، ولولا أن الله خلق فيه الإرادة ما فعل؛ لعدم وجود الإرادة.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل الكفار مكتوب لهم من الأزل أنهم كفار؟ ولماذا يعذبون في المكتوب قديماً إذا كان كل شيء يجري على ما سبق في الأزل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: نعم الكفار كذلك مكتوب عملهم في الأزل، ويكتب كذلك عمل الإنسان عند تكوينه في بطن أمه، كما دل على ذلك الحديث الصحيح لابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) .فأعمال الكفار مكتوبة عند الله عز وجل، والشقي شقي عند الله عز وجل في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل. ولكن يقول قائل- كما أورد هذا السائل-: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟ فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة، وبين لهم الطريق: فأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال، ورغبوا في سلوك طريق الهدى، وحذروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات ولهم اختيارات. ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضاً يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا تجد أحداً منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه ويقول: إن هذا مكتوب عليّ، أبداً، كل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا أيضاً لما فيه منفعتهم في أمور دينهم، كما يسعون لما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما، بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام أكثر وأعظم من بيان الأمور الضارة في أمور الدنيا، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم، دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم. نقول: إن هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أن أحداًَ أكرهه، وإنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على هذا الكفر هل كان عالماً بما كتب الله له؟ والجواب: لا، لأنا نحن لا نعلم بأن الشيء قد كتب إلا بعد أن يقع، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب؛ لأنه من علم الغيب. فنقول لهذا الكافر: لماذا لم تقدر أن الله سبحانه وتعالى كتب لك السعادة وتؤمن؟ فأنت الآن قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان: هداية وضلال، فلماذا لا تسلك طريق الهداية مقدراً أن الله تعالى كتبه لك؟ لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسلكه تحتج بأن الله تعالى كتبه؟ نقول لك: قبل أن تدخل في هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك؟ سيقول: لا، ولا يمكن أن يقول: نعم، فإذا قال: لا، قلنا: إذاً لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى كتب لك ذلك؟ ولهذا يقول الله عز وجل: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، ويقول عز وجل:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بأنه (ما من أحدٍ إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . هذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل، وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال، وهو عجب منهم؛ لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبداً، بل تجدهم يسوقون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم، ولا يمكن لأحد أن يقال له: هذا الطريق الذي أمامك طريق وعر صعب فيه لصوص وفيه سباع، وهذا الطريق الثاني طريق سهل آمن لا يمكن لأحد أن يسلك الطريق الأول ويدع الطريق الثاني، مع أن هذا نظير الطريقين: طريق النار وطريق الجنة، فالرسول بين طريق الجنة وقال: هو هذا، وبين طريق النار وقال: هو هذا، وحذر من الثاني ورغب في الأول، ومع ذلك فإن هؤلاء العصاة يحتجون بقضاء الله وقدره- وهم لا يعلمونه- على معاصيهم.

***

ص: 2

‌عوض عبد الوهاب يقول: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ وهل مكتوب مثلاً أتزوج فلانة بعينها مسبقاً؟ وهل الرزق محدد مهما كد الشخص وتعب؟ وما الدليل على ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كل شيء يجري منذ أن خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب، مكتوب في اللوح المحفوظ؛ لأن الله سبحانه وتعالى (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين في بطن أمه إذا مضى أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً ينفخ فيه الروح، ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. والرزق أيضاً مكتوب لا يزيد ولا ينقص، ولكن الله سبحانه وتعالى قد جعل له أسباباًَ يزيد بها وينقص، فمن الأسباب: أن يعمل الإنسان بطلب الرزق، كما قال تعالى:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ومن الأسباب أيضاً صلة الرحم من بر الوالدين وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) . ومن الأسباب تقوى الله عز وجل، كما قال الله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدود ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه، فإن هذا من العجز، والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك. قال النبي عليه الصلاة والسلام:(الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) .

***

ص: 2

‌يقول السائل: إذا كان قضاء الله وقدره سابقاً على الإنسان بالسعادة أو الشقاوة فما حكم تركه الأخذ بالأسباب والعمل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حكم ترك الأسباب والعمل سفه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأشياء بأسبابها، فلحكمته جل وعلا صار لكل شيء سببٌ كل شيء يكون فإنه لابد له من سبب، إما معلوم لنا وإما مجهول لنا. وقد بين الله لنا أسباب السعادة وأسباب الشقاوة، وأمرنا بأن نعمل في أسباب السعادة، فقال جل وعلا:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر له لما خلق له) . ثم قرأ هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فهذا ما دل عليه الشرع: أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وكذلك دل عليه العقل: فإن الإنسان لو قال: أنا لا أتزوج، ولكن إن كان الله قد كتب لي أولاداً فسيأتون، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء. وكذلك لو قال: أنا لن أسعى لطلب الرزق، ولو قدر الله سبحانه وتعالى لي أن أشبع وأن أروى فسأشبع وأروى، لعد ذلك من أسفه السفه. فلابد من فعل الأسباب، ولا يتم التوكل ولا الاعتماد إلا بامتثال أمر الله عز وجل بفعل الأسباب النافعة التي تؤدي إلى المقصود.

***

ص: 2

هذه الرسالة وردتنا من المستمع، يقول الباحث عن الحقيقة من الجمهورية العراقية مدينة كركوك يقول في رسالته: هناك نوعان من الحياة: الحياة السعيدة، ولا أقصد السعادة بالمال والجاه، وإنما أقصد تلك السعادة التي تأتي من النفس، أي أن يكون الإنسان مرتاحاً من الناحية النفسية. ثانيا: ً الحياة الذليلة، وأقصد به الذل النفسي، أي أن يكون الإنسان ذليلاً من الناحية النفسية. والسؤال: لماذا يخلق الإنسان ذليلاً في أمة الإسلام، حيث قال الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وذكر عدة آيات منها قوله تعالى:(وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ) وعدة آيات يقول: هل نستطيع أن نعتبر أن الذين خلقهم الله أذلاء من الناحية النفسية لم تشملهم هذه الرحمة الواسعة، ولا تزال قلوبهم ونفوسهم تعيش في الظلمات ولم تر النور، ونعتبر هذا ظلماً لهم من الله سبحانه وتعالى؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي سأل عنه الأخ يتعلق بمسألة عظيمة وهي مسألة القضاء والقدر التي ينقسم الناس فيها إلى قسمين: منهم من وفق للاستقامة، ومنهم من وفق للضلالة. وهذا هو محط الإشكال عند كثير من الناس: كيف يكون هذا ضالاً وكيف يكون هذا مهتدياً؟ ولكننا ننبه على نقطة مهمة في هذا الباب، وهي: أن من كان ضالاً فإن سبب ضلاله هو نفسه؛ لقول الله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، ولقوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث أصحابه: (مامن أحد إلاوقد كتب مقعده من الجنة والنار. فقالوا: أفلا نتكل يا رسول الله على الكتاب ونترك العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم تلا هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وعلى هذا فنقول: هؤلاء الذين وصفهم السائل بأنهم أذلاء إنما أذلتهم المعصية ولم يكتب لهم الهدى بسبب أنهم هم الذين تسببوا للضلالة، حيث لم تكن إرادتهم صادقة في طلب الحق والوصول إليه وفي العمل به بعد وضوحه وبيانه، ولو أنهم كانوا أحسنوا النية وصدقوا العزيمة لوفقوا للحق؛ لأن الحق بين ميسر:(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . فالذي أنصح به هذا الأخ ومن على شاكلته وممن أشكل عليهم هذا الأمر أن يرجعوا إلى أنفسهم أولاً ويحسنوا نيتهم ويصححوا عزيمتهم، حتى تكون النية سليمة والعزيمة صادقة في طلب الحق، وحينئذ فأنا ضامن أن يوفقوا له؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وعد بذلك:(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وتأمل أن الآية جاءت بالسين الدالة على قرب مدخولها وعلى تحقق مدخولها أيضاً، لأن السين كما هو معلوم تدل على هذين المعنيين: قرب مدخولها وتحققه ولكن البلاء من أنفسنا. وأتلو الآن أيضاً قول الله تبارك وتعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) ، فإن هذا النسيان يشمل الذهول الذي هو ذهول القلب عن المعلوم، النسيان هو: ذهول القلب عن المعلوم، وكذلك النسيان الذي بمعنى الترك، فهم تسلب علومهم ولا يوفقون إلى العمل الصالح بسبب نقض الميثاق.

فضيلة الشيخ: لكن هؤلاء أذلتهم المعصية، وأيضاً ذكرتم الآية الأخيرة والتي نزلت فيما أعتقد في بني يهود الذين قال الله تعالى فيهم:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) نجد الآن من الذين ينتسبون إلى الأمة الإسلامية أذل من الذين جاهروا بالكفر وانتهجوا هذا المنهج؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صحيح مثل هذا، وذلك أن الحق عليهم في الاستقامة أوكد من الحق على أولئك، ومعلوم أن من تدنس بالأرجاس وهو من أهل الولاية أشد ممن تدنس بها وليس من أهل الولاية، فإن حق الله على المسلمين أعظم من حقه على أولئك الكافرين، ولهذا يلزمون بشرائع الإسلام، فإنه إذا تمرد كان أشد وأعظم، ولهذا إذا تمت النعمة على العبد صارت مخالفته أشد وأعظم. ومن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ومنهم: الأشيمط الزاني؛ لأنه لا داعي له للزنى، وهو إلى الاتعاظ والبعد عن هذا أولى، فلذلك عظم إثمه. فهؤلاء الأذلة من المسلمين لأنهم يجب عليهم من حق الله سبحانه وتعالى والاستقامة أكثر مما يجب على أولئك، ولهذا كانت مخالفتهم أعظم من مخالفة أولئك، وكان الذل إليهم أقرب. وقد مثل بعض العلماء شبيه هذه المسألة بحاشية الملك والبعيدين عنه، فقال: إن مخالفة حاشية الملك للملك أشد وأعظم وقعاً من مخالفة الأباعد، هكذا المسلمون: مخالفاتهم تكون أعظم من غيرهم، فلذلك كان جزاؤهم أشد من غيرهم.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل الإصابة بالعين حقيقة؟ نرجو توضيح ذلك، وكيف نعالج هذه الإصابة بالآيات القرآنية؟ وما هذه الآيات؟ وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين حقيقة دل عليها القرآن والسنة: أما القرآن فإنه قد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قول الله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أن المراد بها العين، وكذلك أيضاً قول الله تعالى:(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ذهب كثير من أهل العلم أن المراد بها العين. وأما السنة فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (العين حق، ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) . فهذا نص صريح، ثم إن الواقع يشهد لذلك أيضاً، ولا حاجة إلى سرد الوقائع المعلومة لنا في هذا المقام، لكنها معلومة عند جميع الناس. وخير وقاية منها نوعان: أحدهما وقاية دافعة، والثاني وقاية رافعة. أما الوقاية الدافعة فهو: أن الإنسان يستعمل الأوراد الواقية من العين وغيرها، مثل آية الكرسي، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيها:(من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل ألا يظهر لمن اتُهم بالعين بمظهر يُخشى منه أن يثير هذا العائن. وأما الأسباب الرافعة فمنها: أن يؤمر العائن بالاغتسال، ويؤخذ ما تناثر من الأعضاء، أو بالوضوء ويؤخذ ما تناثر من أعضائه، فيُصب على رأس المصاب وعلى ظهره، ويشرب منه، وحينئذ تزول العين بإذن الله تبارك وتعالى.

فضيلة الشيخ: هو يسأل عن آيات قرآنية، هل هناك آيات قرآنية خاصة يرقى بها من أصابته العين؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف في هذا شيئاً، ولكن كما قلت: آية الكرسي واقية، نعم وينبغي قبل أن نختم الجواب ينبغي لمن عرف من نفسه أنه عائن ينبغي أن يكثر التبريك إذا رأى ما يسره، فيقول إذا رأى ما يسره: تبارك الله ما شاء الله، وما أشبه هذا؛ لأن ذلك من أسباب الوقاية.

***

ص: 2

‌العين حق فكيف يتقي الإنسان من العين يا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العين حق ولا شك فيها، ولكن للعين أشياء تقي منها دافعة ورافعة. أما الأشياء الدافعة: فأن يكثر الإنسان من الأوراد التي جاءت بها السنة، مثل قراءة آية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. ومنها: إذا رأى أحداً يخاف عينه يقول: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. ومنها: إذا كان الإنسان من الذين يؤذون الناس بعينهم، أي: إذا كان عائناً، فإنه إذا رأى ما يعجبه يبرك عليه فيقول: تبارك الله عليك، وما أشبه ذلك. أما معالجة العين بعد وقوعها- وهو دفعها- فله أسباب، منها: القراءة على الشخص المصاب بالعين، ومنها: أن يؤمر العائن بأن يتوضأ، ويؤخذ مما يتناثر من وضوئه، فيصب على المصاب، ويشرب منه، فإن هذا من أسباب ارتفاع أثر العين عن المصاب.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما العلاج الشرعي للمصاب بالعين؟ وبعض الناس يكون عنده وسواس ويخشى الإصابة بالعين، ودائماً يطلب من الناس أن يذكروا الله، فهل عمله هذا صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إنه من الواضح جداً في عهدنا القريب أن الناس كثر فيهم الأوهام والوساوس، فإذا أصيبوا بشيءٍ عادي قالوا: هذا جن، أو: هذه عين، أو: هذا سحر. ونحن لا ننكر أن الجن قد يسلط على الإنسي ويتلبس به، ولا ننكر أن الإنسان قد يصاب بالعين، ولا ننكر أن الإنسان يسحر. ولكننا نريد أن لا يكون هذا وهماً بين الناس، فإذا قدر أن أحداً أصيب بذلك- نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية- فإنه يبحث عن العلاج، علاج السحر نقضه، علاج السحر أن ينقض: بأن يعثر عليه ثم يتلف. علاج العين أن يطلب من العائن أن يغتسل، ويؤخذ الماء الذي يتناثر من غسله ويعطى المريض شرباً ورشاً على بدنه، وهذا من العلاج. علاج الجن قراءة الآيات التي يطرد بها الجن، مثل آية الكرسي، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، ومثل بعض آيات سورة الجن، مع الاستعانة بالله عز وجل، والتوكل عليه، والاعتماد عليه، والاعتقاد أن كلامه جل وعلا شفاء لما في الصدور. نسأل الله لنا ولإخواننا السلامة من شر أنفسنا ومن شر ما خلق.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل هناك رقية شرعية تعمل لمن أصيب بالعين؟ وهل يجوز التداوي من العين بطرق أخرى يعملها بعض الناس وهم يزعمون بأنها تشفي

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين دواؤها أن يؤمر العائن بأن يغتسل، وما تناقط من الماء الذي اغتسل به يستشفي به المصاب، أو يتوضأ ويغسل مغابنه، وما تناثر منه يؤخذ إلى المصاب بالعين ويستشفي به. هذا المعروف، فإذا فعله الإنسان فإنه بإذن الله يبرأ من إصابة العين.

***

ص: 2

‌ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلاً الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) ، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة. هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين، أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه العائن: أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه، ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى. وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعاً، فإن كان واقعاً حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعاً فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره. لكن بعض الناس- والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم ويأبى يقول: أنا عائن؟! أنا نحوت؟! كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، انفع أخاك: إن كانت العين منك فتكون قد تخلصت منها وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك، يعني: إذا لم تكن منك لم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك بريء من العين.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق) ؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث صحيح، والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو- أي: العائن- شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله عز وجل. والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن: أن يبرك على من رآه متنعماً الله فيقول: اللهم بارك على فلان، وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد. وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك: أن يكثر من قراءة الأوراد صباحاً ومساء، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، وغيرها مما جاءت به السنة. هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة، أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله. فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب، أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين.

فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد؛ لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك ألا يقع من هذا المشاهد عين تصيب المشهود؛ لأن النفوس قد يقع منها ما لا يجوز، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلَاّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى.

***

ص: 2

‌الكفر والتكفير

ص: 2

‌يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية. فما أطلق الشارع عليه الكفر نظرنا: إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة كلية حسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس مناقضاً على وجه الإطلاق. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام:(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) إذا نظرنا إلى قوله: (قتاله كفر) فيقول قائل: من قاتل المسلم فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:(قتاله كفر) أي: إن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى:(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة: المقاتلة الباغية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فيكون هذا الناقض ليس ناقضاً بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر، وليس هو الكفر المطلق. وإذا نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:(بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضة كلية، وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلاً بائناً عن الطرف الآخر، لا يجتمع معه في شيء؛ لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وكذلك قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام. فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى، وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، والنواقض الصغرى، وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلة من خصال الكفر.

***

ص: 2

‌يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالاً أو أعمالاً أو اعتقاداً، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة، وهي: أن الذي يخرج من الملة هو يدور على أمرين: إما الإنكار، وإما الاستكبار. يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئاً أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكماً من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها. أو الاستكبار، وهو: أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله. فتارك الصلاة مثلاً كافر مع أنه يؤمن بالله ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، ليس بلازم، بل إذا تركها متهاوناً بلا عذر، ولا جهل منه إذا كان بعيداً عن المدن الإسلامية فإنه في الحقيقة مستكبر. فجميع أنواع الردة تعود إلى هذا: إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جداً، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد. أما أحسن كتاب في التوحيد: فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل. ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم إذا ترقى الإنسان شيئاً فالعقيدة التدمرية، ثم إذا ترقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لابن القيم رحمه الله وغير ذلك. والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤاله عن نواقض الإسلام فنواقض الإسلام بمعناها الإجمالي: كل ما أوجب الردة فهو ناقضٌ للإسلام، يعني: كل شيء من قولٍ أو فعل أو عقيدة يكون به الإنسان مرتداً فهو ناقضٌ للإسلام، وهو لا يحصر في الواقع، يعني: أفراده لا تحصر لا بعشرة ولا بعشرين ولا بأكثر، لكن الضابط: أن كل ما كان مقتضياً للردة فهو من نواقض الإسلام. فمثلاً: كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به، مثل أن يجحد- والعياذ بالله- وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضاً من نواقض الإسلام. لو جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنى، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام. كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء: لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، قال الله تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . كذلك لو استكبر عما يكون الاستكبار عنه ردة، كما لو ترك الصلاة وصار لا يصلى لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد. والحاصل: أن نواقض الإسلام لا تحصر بعدد، وإنما تذكر بحد، وهو: كل ما أوجب الردة- أي: كل ما كان ردة- فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل.

***

ص: 2

‌عبد الرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه. فأما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان- والعياذ بالله- عن دين الله ومات على الكفر يحبط جميع عمله؛ لقوله تعالى:(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام فإن عمله لا يحبط، ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة، وهو يصلى كما يصلى الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام، ثم أتاه وقت ارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة، ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام فأقام الصلاة وقام بشعائر الإسلام، فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟ فنقول: لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة، هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات. أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه: فالوضوء مثلاً يبطله الحدث، والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه، والصدقة يبطلها المن والأذى، والصوم يبطله الأكل والشرب، والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول. فالمهم: أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها.

***

ص: 2

‌هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وقوله:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، نعم ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله عز وجل فإنه يكون مؤمناً ومع المؤمنين؛ لقوله تعالى:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .

***

ص: 2

‌هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولاً إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المرتد ليس كالكافر الأصلى، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلى، بل هو أشد منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:(من بدل دينه فاقتلوه) . فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلى، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفراً، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه. وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلماً، وإما أن يقتل.

***

ص: 2

‌ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي، أما معناها اللغوي فهو الميل عن طاعة الله سبحانه وتعالى بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم؛ لقوله تعالى:(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) . وعلى هذا فكل عاصٍ لله سبحانه وتعالى يكون ملحداً، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة، وهو: ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة، وهو: ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العرفي، فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو: إنكار الألوهية، يعني: إنكار وجود الله- والعياذ بالله- أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه. والصواب: أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلماً فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافراً كفراً أصلىاً أو كان مرتداً فإنه يكون ملحداً؛ لأنه- والعياذ بالله- الكفر وإن كان دركات بعضها أسفل من بعض، لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام.

***

ص: 2

‌ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحداً في أسماء الله وصفاته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه سمي الحفر في طرف القبر لحداً لأنه مائل إلى جهة منه. أما في الاصطلاح فهو: الميل عن ما يجب اعتقاده أو عمله. وهذا تعريف عام: كل من مال عن ما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر وإلحاد أصغر. فالإلحاد التام الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ضاهاهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال، كقوله تعالى:(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم. أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها إنكاراً كليّاً؟، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعله غلاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم. الثاني: إلحاد في الأسماء فقط، بأن يثبتها لله عز وجل لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من الصفات. ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالة على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماء يثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، ويقول: إن لله تعالى علماً لكن علمه مماثل لعلم المخلوق. وكذلك من يمثل في الصفات وهو ملحد فيها، كالذي يقول: إن لله تعالى وجهاً لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء والصفات هذا من الإلحاد. ومن الإلحاد أيضاً أن نسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه، فيسميه الصانع والساخر وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماء من عنده فإن هذا إلحاد، وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد. ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإنّ هذا من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض. من الناس من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريد متكلم لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضاً: إن الله تعالى ليس له رحمة، لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق أو إرادة إحسانه إليهم، وما أشبه ذلك، هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته. ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام ويشتق للأصنام أسماء من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، أخذوا الأول من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى.

***

ص: 2

‌إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كافر، إذا كذب إنسان بالبعث بعد الموت فإنه كافر خارج عن الإسلام؛ لقول الله تبارك وتعالى:(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ، ولأن المكذب بالبعث مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ورجل هذا شأنه لا شك في كفره، فإذا رأينا أحداً يكذب بالبعث فالواجب علينا نصيحته بقدر الإمكان، إن من قال هذا فلا شك في كفره وارتداده، وينصح، فإن لم يتب وجب رفعه إلى الجهات المسؤولة، والجهات المسؤولة تنفذ فيه أحكام الردة، حتى لو سولت له نفسه أنه يتدين بدين مقبول فإنه خاسر. هذا كلام ربنا الخالق المنزل للشرائع؛ لأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على النبيين عموماً أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ، فاستشهد بعضهم على بعض وشهد جلَّ وعلا بأنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، ومن الرسول المصدق لما معهم؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا كان هذا مأخوذاً على رسلهم فإنهم إن كانوا مؤمنين برسلهم حقاً أخذوا به تبعاً لرسلهم، وها هو عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين محمد رسول قال لبني إسرائيل:(إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) هذا الرسول السابق (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) الرسول اللاحق (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والتبشير بالرسول يعني يجب اتباعه لأنه لو لم يجب اتباعه؛ لم يكن في بشارته به فائدة (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ) أي هذا الرسول المبشر به لما جاءهم (بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . ولقد شهد علماء اليهود والنصارى على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي بشرت به الأنبياء وهو (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . النجاشي لما ذكروا له قصة الوحي ورآهم يفعلون تلك الأفعال آمن وشهد بأن الرسول حق، وهو من أئمة النصارى. عبد الله بن سلام رضي الله عنه من أحبار اليهود شهد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه رسول الله حقاً، لكن أهل الكتاب كما قال الله عنهم:(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ) . فالخلاصة: أنني أنصح وأحذر إخواني المسلمين من هذا الرأي القبيح المنكر وهو ما يسمى بتوحيد الأديان، فإن هذا أمر لا يمكن إطلاقاً، كيف توحد الأديان ودين منها حق ودين منسوخ؟ هذا غير ممكن إلا أن يمكن الجمع بين النار والماء، فلا ينخدع المسلمون بهذه الدعوى الباطلة المنكرة القبيحة المنافية للإسلام.

***

ص: 2

‌المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين

.

إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى:(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) يعني تبعثون (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) . فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين، فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقراراً صادقاً يقر به ظاهراً وباطناً- يعني: ظاهراً مع الناس وباطناً فيما بينه وبين نفسه ومع أهله- فهو من نعمة الله عليه، ويكون رجوعاً للإسلام بعد الكفر، وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله، وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة، فهذا حكم من أنكر البعث. ثم إن إنكار البعث- مع كونه كفراً وتكذيباً لله ورسوله وإجماع المسلمين- هو نقصٌ في العقل، إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة، ويرسل إليها الرسل، وينزل من أجلها الكتب، ويأمر بجهاد من عارض شرعه، ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة تراباً لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون؟ لو وقع هذا لكان من أسفه السفه، فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين؟ فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم، ولهذا نقول: من أنكر البعث فهو كافر، وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله، والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث.

***

ص: 2

محمد أحمد من البحرين يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن رجلٍ إذا ذكرته في أمور الآخرة مثل البعث والجنة والنار يكذب بها ويقول: نحن إذا متنا نصير تراباً ولا نبعث. وأنا لا أدري هل يقول هذا الكلام اعتقاداً منه أو مازحا، ً علماً بأنه يصلى.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا قال هذا فإنه كافر، قال الله تبارك وتعالى:(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من تكلم بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ كان جاداً أم مازحاً. فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله، وأن يؤمن بالبعث، وأن يسأل الله تعالى الثبات على ذلك، وأن يسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلبه بعد إذ هداه، فإن القلوب بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. نسأل الله للجميع الثبات على الحق والوفاة عليه، إنه على كل شيءٍ قدير.

***

ص: 2

‌بماذا نحكم على من أنكر المعراج أو أوّل في تفسيره له

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نحكم على من أنكر المعراج: بأنه إن كان قد تبين له الحق وعلم ما جاء به من النصوص من السنة الصريحة ومن ظاهر القرآن الكريم فإنه يكون بذلك كافراً؛ لأنه يكون مكذباً لله ورسوله. وإن كان لديه شبهات في هذا الأمر فإنه يجب أن ترفع عنه الشبهة حتى يتبين له الحق، ثم إذا أصر بعد زوال الشبهة حكم بكفره أيضاً؛ لأن المعراج حق ثابت أشار الله تعالى إليه في قوله:(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) إلى أن قال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) . وأما الإسراء فهو أيضاً ثابت بنص القرآن في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقد تضافرت الأحاديث الكثيرة في قصة المعراج وأنه حق ثابت، ولهذا أدخله كثير من أهل العلم في كتب العقائد وجعله من عقيدة أهل السنة والجماعة. ولكن بهذه المناسبة أود أن أبين أن المعراج دخل فيه أشياء كذب وموضوعة على الرسول عليه الصلاة والسلام، مثل الكتاب الذي ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما في روايته، وهو كتاب متداول عند بعض الناس، فيه أشياء منكرة موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يكون محترزاً منه مبتعداً عنه.

***

ص: 2

‌يقول السائل: الذي لا يصلى ولا يزكي هل يعتبر كافراً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان مراد السائل الذي لا يصلى ولا يزكي أي إنه جمع بين ترك الصلاة وترك الزكاة فنعم فهو كافر، فإن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم قد دلت على أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة. وإن كان مراده لا يصلى ولا يزكي أي إنه يترك الصلاة مع كونه يزكي، أو يترك الزكاة مع كونه يصلى فهذا فيه تفصيل: فإن كان مراده أنه يترك الصلاة ويزكي فنقول له: إنه إذا ترك الصلاة وزكى فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ولا ينفعه إيتاء الزكاة؛ لأنه كافر، قال الله تعالى:(وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وإن كان قصده أنه ترك الزكاة مع الصلاة، أي إنه يصلى ولكنه لا يزكي فالصحيح أنه لا يخرج من الإسلام، لكنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تبارك وتعالى:(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . وقال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعاً أقرع - أي حية عظيمة قرعاء - ليس على رأسها زغب لكثرة سمها قد تمزق شعرها يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول: أنا مالك أنا كنزك) . وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) . وهذا أيضاً وعيد شديد عظيم، لكنه لا يكفر؛ لقوله في هذا الحديث:(ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ، وذلك لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة، ولأن عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المعروفين (قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . والخلاصة في الجواب على سؤال الرجل: أن من لا يصلى ولا يزكي كافر مرتد عن الإسلام؛ لأنه لا يصلى، وعدم زكاته يكون ظلماً على ظلم، وإن كان لا يزكي ولكنه يصلى فقد أتى كبيرة عظيمة لكنه ليس بكافر.

***

ص: 2

‌يقول السائل: إننا نرى إذا أقبل شهر رمضان المبارك نرى البعض من الناس يهرعون إلى الصلاة حتى يصوموا شهر رمضان،وإذا انقضى رمضان نراهم يتركون الصلاة ولا يصلون إلا في شهر رمضان، ويعللون ذلك ويقولون: نحن نصلى في هذا الشهر حتى يقبل صومنا. هل يقبل منهم مثل هذا الصيام؟ وهل تقبل الصلاة في هذا الشهر، مع العلم بأنهم لا يقضون ما فاتهم من صلاة؟ أفيدونا أفادكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يفعلون ذلك معتقدين أنه لا صلاة واجبة إلا في رمضان فهؤلاء كفار كفر اعتقاد كفراً مخرجاً عن الملة؛ لأن من أنكر وجوب شيء من الصلوات الخمس وهو في بلاد المسلمين فإنه يكون كافراً؛ لأن الأمة كلها مجمعة على وجوب الصلوات الخمس، فلا عذر لأحد في تركها لتأويل أو غير تأويل. وأما إذا كان فعلهم هذا ليس عن اعتقاد، أي: إنهم يعتقدون وجوب الصلوات الخمس، لكنهم يتهاونون بها، ولا يفعلون ذلك إلا في رمضان، فأنا أتوقف في كفر هؤلاء.

***

ص: 2

‌من العراق محافظة بابل أ. ف. ي. د. تقول: يزورنا في البيت من الأقارب من لا يصلون ولا يؤدون الواجبات ويشركون بالله- والعياذ بالله- ومنهم من يقول لي: ندعو الأولياء والصالحين. عجزت من نصحهم هل يجوز مجالستهم؟ وعندما أتحدث عن الدين يضحكون مني ويسخرون ويهزؤون ويقولون لي: هذه عابدة اتركوها، وعندما يقولون هذا أتضايق كثيراً وأقول: يسامحهم الله. وعندما أقول لوالدتي: يا أماه لا تشركي بالله لا تعيرني أي اهتمام، وإذا استمعت إلى برنامجكم نور على الدرب تقول: بأنك لن تدخلي الجنة على عملك هذا، وإذا استمررت على سماع هذا البرنامج أو غيره من البرامج الدينية فسوف تصابين بالجنون. وأقول لها: إنني لست مجنونة ولكن الله هداني. ماذا أفعل لكي أرضي الله سبحانه وتعالى ثم أرضي أمي والناس؟ نصيحتكم يا شيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا أولاً نوجهها إلى هؤلاء الجماعة الذين وصفتهم بأنهم لا يصلون وبأنهم يشركون بالله ويسخرون من الدين ومن يتمسك به، فإن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم، وأن يعلموا أن دين الله حق، وهو الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أركانه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذا الكفر والشرك البالغ غايته، وعليك أيضاً أن تحرصي على مناصحتهم ما أمكن، ولا تيأسي من صلاحهم، فإن الله سبحانه وتعالى مقلب القلوب، فربما مع كثرة البيان والنصح والإرشاد يهديهم الله عز وجل. وإذا تعذر إصلاحهم فإن الواجب هجرهم والبعد عنهم وعدم الجلوس إليهم؛ لأنهم حينئذ مرتدون عن دين الإسلام والعياذ بالله. وأما قول بعضهم لك: إنك إذا استمعت إلى برنامج نور على الدرب أو غيره من الكلمات النافعة تصابين بالجنون، فإن هذا خطأ منهم خطأ عظيم، وهو كقول المكذبين للرسل: إنهم- أي الرسل- مجانين وكهان وشعراء وما أشبه ذلك من الكلمات المشوهة التي يقصد بها التنفير عن الحق وأهل الحق، فاستمري أنت على هداية الله عز وجل، وعلى الاستماع لكل ما ينفع، وعلى القيام بطاعة الله سبحانه وتعالى، واعلمي أن العاقبة للمتقين.

***

ص: 2

‌يقول السائل: هل يعتبر التحاكم إلى غير شرع الله كفراً مع العلم بأنه يعتقد اعتقاداً منافياً للشك بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي أفضل من الأحكام الوضعية؟ نرجو بهذا التوجيه مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتبين بالآتي: أولاً: أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته، خلق الجن والإنس ليعبدوه، كما قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ) . وعبادة الله سبحانه وتعالى هي التذلل له حباً وتعظيماً بإقامة شرائعه القلبية واللفظية والعملية. ثانياً: يقول الله عز وجل: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فلا حاكم بين العباد إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يحل لأحد أن يفصل هذه القضية عما وجهنا الله فيه نحوها: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله لا إلى غيره. ثالثاً: يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) . فتأمل هذه الآية الكريمة تجد أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ورسوله وليست مستقلة، ولهذا قال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل: أطيعوا أولي، الأمر وهذا يدل دلالة ظاهرة على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ولا يمكن أن تكون مستقلة، كما أن الله تعالى يقول:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) . لم يقل: ردوه إلى القانون الفلاني أو القانون الفلاني أو الرأي الفلاني أو النظرية الفلانية أو ما أشبه ذلك، بل لا مرد إلا إلى الله ورسوله، إلى الله إلى كتابه وإلى رسوله إلى سنته صلى الله عليه وسلم، فإن كان حياً فإليه نفسه، وإن كان ميتاً فإلى ما حفظ من سنته صلى الله عليه وسلم. رابعاً: قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) . فأقسم الله سبحانه وتعالى بربوبيته لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ربوبيةٌ خاصة لا تساويها أي ربوبية بالنسبة للعباد؛ لأنه كلما كان الإنسان أعبد لله كانت ربوبيه الله له أخص، ومن المعلوم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أعبد الناس لله، وعلى هذا فإن الله أقسم بهذه الربوبية الخاصة المضافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن أحد إلا بهذه الشروط: الشرط الأول: (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) لا يحكموا غيرك. الشرط الثاني: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) بل تتسع صدورهم لذلك وتنشرح صدورهم به، فلا يجدوا حرجاً وضيقاً مما قضيت. والثالث:(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ينقادوا انقياداً تاماً، وبهذا أكد الفعل بالمصدر بقوله:(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) إذا عرفت هذه الأمور الأربعة تبين لك أن خروج الإنسان عن التحاكم إلى الله ورسوله خلاف ما خلق الله العباد من أجله، وخلاف ما أرشد الله أن يكون التحاكم إليه، وخلاف ما جعل الله تعالى لولاة الأمور من الطاعة، وخلاف تحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال الله تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) .

***

ص: 2

‌يقول السائل: أسأل عن الآية الكريمة في قوله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) على من تنطبق هذه الآية الكريمة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية قيل: إنها نزلت في اليهود، واستدل هؤلاء بأنها كانت في سياق توبيخ اليهود، قال الله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) . وقيل: إنها عامة لليهود وغيرهم، وهو الصحيح؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن ما نوع هذا الكفر؟ قال بعضهم: إنه كفر دون كفر. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ، وهذا كفر دون كفر، بدليل قول الله تعالى:(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ِإنمَّاَ المؤمنونَ ِإخوةٌ) . فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة، وهذا قتال مؤمن لمؤمن، فهو كفر، لكنه كفر دون كفر. وقيل: إن هذا- يعني قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) - ينطبق على رجل حكم بغير ما أنزل الله بدون تأويل مع علمه بحكم الله عز وجل، لكنه حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أنه مثل ما أنزل الله أو خير منه، وهذا كفر؛ لأنه استبدل بدين الله غيره.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما حكم سب الدين الإسلامي

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: سب الدين الإسلامي كفر؛ لأن سب الدين الإسلامي سب للرسول عليه الصلاة والسلام ولله سبحانه وتعالى، إذ إن الدين الإسلامي هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وهو الذي رضيه لعباده ديناً، فإذا سبه المرء فقد سب الله سبحانه وتعالى وطعن في حكمته واختياره، وكذلك سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صاحب الرسالة وصاحب هذا الدين، فهو كفر والعياذ بالله.

***

ص: 2

‌حسن سعيد سوداني ومقيم بالعراق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين بحالة غضب؟ هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ حيث إنني سمعت من أهل العلم يقولون بأنك خرجت عن الإسلام بقولك هذا، وأيضاً يقولون بأن زوجتك حرمت عليك. أفيدونا بهذا الموضوع

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: الحكم فيمن سب الدين، الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام، وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله تعالى عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به، فقال تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة فإن الله تعالى يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة أو خوفاً من المخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا، فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله تعالى فيها. والشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى، ويراه أمراً كبيراً يوجب عليه أن يتخلص منه. والأمر الثالث أو الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه، فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن، وإن كان ذنبه بفعل محرم أقلع عنه وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها. الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد أن لا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها. والشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل. وفوات وقت القبول عام وخاص: أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعده أي بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل؛ لقول الله تعالى:(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) . وأما الخاص فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) . أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ما تقول ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول الله تعالى في الأيمان:(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) . ويقول تعالى في آية أخرى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته، ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال: يا رسول الله أوصني. فقال: (لا تغضب) فردد مراراً قال: (لا تغضب) . فْليُحكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب عنه غضبه، وما أكثر الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان.

***

ص: 2

‌يقول: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامداً بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ؟ وإن لم يكن داخلاً فما معنى هذه الآية إذاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جاداً أو مازحاً، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمناً بالله عز وجل وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين؟ كيف يكون مؤمناً وهو يسب ديناً قال الله فيه:(وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) ؟ وقال الله تعالى فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ؟ وقال الله فيه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ؟ كيف يكون مؤمناً من سب هذا الدين ولو كان مازحاً؟ إذا كان قد قصد الكلام فإن من سب دين الإسلام جاداً أو مازحاً فإنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل. وسب الدين مازحاً أشد من سبه جاداً وأعظم، ذلك لأن من سب شيئاً جاداً وكان هذا السب واقعاً على هذا الشيء فإنه قد لا يكون عند الناس مثل الذي سبه مازحاً مستهزئاً وإن كان فيه هذا الشيء، والدين الإسلامي والحمد لله دينٌ كامل كما قال الله عز وجل:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) . وهو أعظم منةٍ منَّ الله بها على عباده كما قال: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) . فإذا سبه أحد ولو مازحاً فإنه يكفر، فعليه أن يتوب إلى الله ويقلع عما صنع، وأن يعظم دين الله عز وجل في قلبه حتى يدين الله به وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين. أما شيءٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍ بدون قصد بل سبقاً على اللسان فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصداً وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإن هذا لا يضر، ولهذا ثبت في الصحيح في قصة (الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح) فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام. الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحٌ غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافراً؛ لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقاً، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى:(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله وبلى والله، يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد فإنه لا يعتبر له حكم. وقد يقال: إن الإنسان قد قال في حديثه: لا والله وبلى والله إنه قصد اللفظ لكن ما قصد عقد اليمين، فإذا كان هذا فإنه يفرق بين حكم اليمين وبين الكفر، فالكفر ولو كان غير قاصدٍ للسب يكفر ما دام قصد الكلام واللفظ.

***

ص: 2

‌ما حكم من يسب الدين أي يشتم الإنسان بلعن دينه؟ وماذا عليه إن كان متزوجاً؟ وإذا سألته عن ذلك يقول: هذا لغو ولم أقصد سب الدين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم سب الدين كفر ولعن الدين كفرٌ أيضاً؛ لأن سب الشيء ولعنه يدل على بغضه وكراهته، وقد قال الله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالردة؛ لقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمهم أن هذا الذي يسب الدين لا شك في كفره، وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعب وأنه ما قصد هذا لا ينفي كفره، كما قال الله تعالى عن المنافقين:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . ثم نقول له: إذا كنت صادقاً في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى الله، فإذا تبت قبلنا توبتك، تب إلى الله وقل: أستغفر الله مما جرى، وارجع إلى ربك، وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة.

***

ص: 2

‌تقول السائلة من الجزائر: يا شيخ هل سب الدين في حالة الغضب من الكفر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان الغضب شديداً بحيث لا يملك الإنسان نفسه فإنه لا يخرج بذلك من الدين؛ لأنه لا يعي ما يقول، وأما إذا كان يملك نفسه فسب الدين كفر وردة، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يجدد إسلامه.

***

ص: 2

‌هناك بعض الشباب يمزح ويقول كلاماً على الله وعلى رسوله من أجل أن يضحك زملاءه، وحينما ننصحه يقول: أنا أمزح. فبماذا تردون عليه؟ وهل إذا كان مازحاً يجوز له أن يمزح بكلام عن الدين أو الله أو الرسول أو المؤمنين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو برسوله أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ولو كان على سبيل إضحاك القوم نقول: إن هذا كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء. يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنزلت فيهم هذه الآية:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) لأنهم جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: يا رسول الله إنما كنا نتحدث حديثاً لنقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ما أمره الله به:(أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه، لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل وكتبه ورسله وشرعه، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع؛ لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما حكم من يستهزئ بالحجاب ولا يأمر أهله به؟ فنرجو منكم التوجيه والنصح مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب هو عبارة عن ستر الوجه وما تكون به الفتنة من بقية الأعضاء، هذا هو الحجاب الشرعي، خلافاً لما يظنه بعض الناس من أن الحجاب الشرعي أن تستر المرأة كل بدنها إلا الوجه والكفين، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها، ولنا في ذلك رسالة أسميناها الحجاب، ولغيرنا في ذلك أيضاً رسائل، وقد ألفت في هذا مؤلفات كثيرة والحمد لله. ومن استهزأ بالحجاب فإن كان قصده الاستهزاء به كشرعيةٍ وسنةٍ من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه على خطرٍ عظيم، ويخشى أن يكون هذا ردةً عن دين الله؛ لأن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، كما قال الله تبارك وتعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . وأما إن كان يستهزئ به لا على أنه شريعة لكن على أنه قول اختاره من يفعله ويتحجب فهذا لا يكفر، لكنه أخطأ خطأً عظيماً؛ لأن الاستهزاء بقول غيرك من أهل العلم وإن كنت عالماً لا يحل، ما دامت المسألة مبنية على الاجتهاد، فإنه ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر، وليس اجتهاده أولى بالصواب من اجتهادك، والصواب من اجتهاديكما ما وافق الكتاب والسنة، ونحن نعلم أن الخير كل الخير بستر الوجه عن الرجال الأجانب، بقطع النظر عن دلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح على وجوب ستر الوجه، لكن هو من الناحية العقلية أن ستره لا شك أحفظ للمرأة وأبعد للفتنة، والإنسان العاقل إذا رأى ما وقعت فيه المجتمعات التي لا تستر الوجه من الشر يعرف أن الخير كل الخير في ستر الوجه، وأنه واجبٌ عقلاً وإن قدر أنه ليس فيه أدلةٌ شرعيةٌ تدل على الوجوب، مع أن فيه أدلةً شرعيةً تدل على الوجوب لا شك عندنا في ذلك. وانظر إلى تلك المجتمعات: هل اقتصر نساؤها على كشف الوجه فقط والكفين فقط؟ لا، كشفوا الوجوه والنحور والشعور والأذرعة والأقدام والسيقان، وحصل بذلك شرٌ كثير، لكن انظر إلى المرأة المختمرة المغطية لوجهها تجد أنها في سلامة وفي أمان وفي حشمة ووقار، لا يطمع فيها الطامعون ولا يحوم حولها السافلون، واختر لنفسك ما شيءت. ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وأن يلزم أهله من بنات وأخوات وزوجات بما تدل عليه الأدلة الشرعية من ستر الوجه، حتى تسلم نساؤه ويسلم دينه، ويكون قد رعاهن حق الرعاية، فإن الإنسان مسؤولٌ عن أهله يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته) .

***

ص: 2

‌ما حكم الاستهزاء بالملتزمين؟ هل هو كفر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان هذا الاستهزاء بما التزموا به فهذا كفر، يعني: لو استهزأ بالصلاة التي التزموا بها أو الشرائع التي التزموا بها فهذا كفر لا شك فيه، وأما إذا استهزأ بالرجل نفسه فهذا لا يصل إلى حد الكفر، لكنه لا شك أنه آثم باستهزائه برجل ممن تمسكوا بدينهم.

***

ص: 2

‌يقول السائل: ما حكم من يستعمل ألفاظاً غير لائقة في القرآن أو عبارات أو جملاً وهذا من باب المزاح، كذكر كلمة من القرآن وربطها بكلمةٍ عامية، فما رأيكم بما يفعل في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الكفر لا فرق فيه بين المازح والجاد، فمتى أتى الإنسان بما يوجب الكفر فهو كافر والعياذ بالله، ومن أعظم ذلك أن يأتي بشيء يفيد السخرية بالقرآن أو الاستهزاء بالقرآن، فإن هذا كفر نسأل الله العافية، كما قال الله عز وجل في المنافقين الذين كانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، يعنون بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. فأنزل الله فيهم:(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فمن أتى بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ أتى بها جاداً أم لاعباً مازحاً أم غير مازح، فعلى من فعل ذلك أن يتوب لله عز وجل وأن يعتبر نفسه داخلاً في دين الإسلام بعد أن خرج منه، ويجب على المؤمن أن يعظم كلام الله عز وجل، وأن يعظم كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عليه أن يعظم الله سبحانه وتعالى وأن يعظم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يليق به ولا يكون غلواً فيه. وأما السخرية بالقرآن وربط الكلمات القرآنية وهي كلام رب العالمين بكلامٍ عاميٍ مسخرة فهذا أمرٌ خطيرٌ جدّاً نسأل الله العافية، قد يخرج به الإنسان من الإسلام وهو لا يشعر.

***

ص: 2

‌سالم سليم من شمال سيناء يقول: عندنا جماعة يقولون بأن الله في كل مكان بذاته. ونقول لهم: إن الأمر ليس كذلك، إن الله في السماء. ونقول لهم: الرحمن على العرش استوى. ولم يقتنعوا بقولنا، ومصرون على ما هم عليه. السؤال: هل هم كفار؟ وهل يلحق بهم من اتبعهم وهم على جهل؟ أم ماذا يقال عنهم؟ أنا قرأت في بعض الكتب بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: أنا لو قلت بمقالتكم كنت كافراً، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال. فما القول الصحيح في هؤلاء مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في هذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله إذا كانوا جهالاً فإنهم لا يكفرون، وأما إذا كانوا عالمين بأن الله في السماء ولكنهم استكبروا وأبوا إلا أن يقولوا: إنه في الأرض فهم كفار، ولا يخفى أنه يلزم على هذا القول لوازم باطلة جداً جداً؛ لأنك إذا قلت: إن الله في كل مكان لزم من هذا أن يكون في المراحيض والعياذ بالله والحشوش والمواضئ والأماكن القذرة ومن يصف ربه بهذا؟ لا يمكن لمؤمن أن يصف ربه بهذا أبداً. وأما ما يوجد من بعض الناس في هذه المسألة الواجب أن يجادل بالتي هي أحسن كما قال الله عز وجل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .

***

ص: 2

‌إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) . فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله تبارك وتعالى فيهم:(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء رحمهم الله هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحاً، ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) . أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) . وقال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) . فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . وأما الوفاء بالوعد فإن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) . وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق.

***

ص: 2

‌هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء رحمهم الله إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة. وعللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله تبارك وتعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفراً ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب.

***

ص: 2

‌يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك. مثال الأكبر قول الله تبارك وتعالى في سورة ألم تنزيل السجدة:(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) . هذا الفسق بمعنى الكفر فسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر ومثله قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) . فذكر الكفر وحده والفسوق وحده والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده. وقول الفقهاء رحمهم الله في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق، يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر.

***

ص: 2

‌السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبداً، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال:(أجعلتني لله ندّاً بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلاً عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها، الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه:(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) ؟ فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان.

***

ص: 2

‌من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم، هل يكون مشركاً شركاً أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركاً أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبداً وتقرباً وتعظيماً لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، يستحق عليه قول الله تبارك وتعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .

***

ص: 2

‌من كان ينطبق عليه حكم الكفر هل يجوز مناداته بالكفر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن لا ينادى بالكفر؛ لأن هذا يوجب الفتنة والشر، لكن يقال: أنت إذا لم تتب إلى الله فإنك كافر، يبين له هذا الكلام، وأما مناداته بياكافر وما أشبه ذلك مما يثير الفتنة فهذا لا أراه. والحمد لله مادمنا في غنىً عن هذا الأمر وبإمكاننا أن نمسكه ونقول له: إن هذا الأمر كفر وارجع إلى ربك وارجع إلى دينك وننصحه.

***

ص: 2

‌يقول السائل: قلت لأخي: يا كافر لأنه لا يصلى أثناء شجارٍ وقع بيني وبينه، فما حكم ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي لا يصلى كافر كفراً مخرجاً عن الملة، فإذا مات على الكفر وإذا كان يوم القيامة صار مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف. ولكن لا يقال للشخص المعين: يا كافر حتى تقام عليه الحجة، ويتبين له أن فعله كفر، وهذا الذي حصل بينه وبين أخيه شجار وقال له: يا كافر لأنه لا يصلى نقول له: إن هذا لا ينبغي منك، ولكن عندما تحادثه وتتكلم معه كلاماً عادياً بين له أن ترك الصلاة كفر، وأنه إن أصر على ذلك فهو كافر، وأما أن تصفه بالكفر حين المنابزة والمخاصمة فهذا أمرٌ لا ينبغي منك. وخلاصة القول: أن تارك الصلاة كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه إن مات على ذلك فإنه ليس من المؤمنين، ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، ولكن لا ينبغي لنا عند المنابزة أن نصفه بالكفر فنقول: يا كافر، بل نبين له في الكلام العادي أن ترك الصلاة كفر، وأنه إذا أصر على تركها فهو كافر، لعل الله يهديه ويرجع إلى دينه.

***

ص: 2

‌من المستمع عبد الحميد البربري مصري ومقيم في الرياض يقول في رسالته: هل المسيحي يعد في عداد الكفرة، علماً بأنه من أهل الكتاب، ومن هم أهل الكتاب؟ أفيدونا بارك الله فيكم

.

فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى الذين تسموا بالمسيحيين، هؤلاء هم أهل الكتاب، وإنما سموا أهل كتاب لأن الله تعالى أنزل كتباً على رسله: فأنزل على موسى عليه الصلاة والسلام التوارة التي يدين بها اليهود، وأنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام الإنجيل الذي يدين به النصارى. والذين يسمون أنفسهم الآن بالمسيحيين ودين اليهود منسوخ بدين النصارى، أي: إنه يجب على اليهود أن يتبعوا النصارى في دينهم حين كان دين النصارى قائماً، ودين النصارى وغيره من الأديان نسخ بدين الإسلام الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان دين الإسلام ناسخاً لجميع الأديان، فلا دين مقبول عند الله إلا الإسلام، قال الله تعالى:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) وهذه الصيغة تقتضي الحصر وأنه لا دين عند الله سوى الإسلام. وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وهذا دليل على أن جميع الأديان غير الإسلام غير مقبولة عند الله، وأن أصحابها في الآخرة خاسرون لا حظ لهم فيها في الآخرة، وهذا لا يكون إلا للكافرين. وعلى هذا فإن النصارى واليهود كلهم ليسوا على دين مقبول عند الله، وإذا كانوا ليسوا على دين مقبول عند الله كانوا كفاراً، ويزول كفرهم بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، وهم إذا آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا هو مقتضى ما تدل عليه كتبهم، كما قال الله تعالى:(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . فدلت هاتان الآيتان على أن النبي صلى الله عليه وسلم معروف في التوراة والإنجيل، وأنه يجب عليهم الإيمان به واتباعه، وقد قال عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لقومه:(يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . فبشارة عيسى عليه الصلاةوالسلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم تدل على أنه يجب على أتباعه أن يتبعوه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان لبشارته به فائدة، بل إن الإنسان لا يبشر إلا بما يعود إليه بالخير، فكل من كفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وغيرهم فإنه كافر بالله؛ لأن الله تعالى أمر جميع العباد أن يؤمنوا به وبرسوله النبي الأمي، وبين أن هذا هو سبيل الفلاح والهدى والرشاد، وأن ما سوى ذلك فإنه ضلال نسأل الله العافية والهداية.

***

ص: 2

‌وردتنا من منطقة خريسان من الجمهورية العراقية محافظة ديانا بهز أو قرية أبو خميس بعث بها المرسل أخوكم في الإسلام علوان منصور جسام القريشي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الفضيلة العلماء المحترمين قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، وقال:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) . فهل معظم سكان البشرية غير المسلمين هم في الآخرة مطرودون من رحمة الله، حتى ولو كانوا ينتمون إلى أديان سماوية أخرى مثل الديانة اليهودية والمسيحية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن خير الكلام وأصدقه وأحكمه كلام الله عز وجل، والسائل قد صدر سؤاله بكلامٍ محكمٍ صدق وهو قوله تعالى:(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) . فهذه الآية فيها عموم في قوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ) فإن من شرطية وأسماء الشرط للعموم، وكذلك قوله:(دِيناً) نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، يعني: أي دين، فأي إنسانٍ يبتغي أي دينٍ من الأديان غير الإسلام فإنه لا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام هو ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسلام عند الله ما بعث به رسله، ومن المعلوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل كلهم، وأنه هو الذي جاء بالإسلام، وأن ما سوى ذلك فهو كفر، وعلى هذا فكل من دان بغير الإسلام- سواءٌ دان بكتابٍ سماويٍ نسخ، أو اتبع رسولاً نسخت رسالته، كاليهود والنصارى، أو لم يكن على دينٍ سماوي- فكل هؤلاء أعمالهم حابطة وسعيهم ضائع، وهم في الآخرة من الخاسرين. ولا تستغرب أيها السائل أن يكون عامة البشر من أهل هذا الوصف، فإنه قد ثبت في الصحيح:(إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول أخرجْ من ذريتك بعثاً إلى النار. فيقول: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) . يعني في الألف واحد من أهل الجنة والباقون كلهم من أهل النار، فعلى هذا فلا يبقى في المسألة شكٌ ولا ارتياب بأن كل من ليس على دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فإنهم خاسرون، خاسرون دنياهم وآخرتهم، وأنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدون، ثم إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يتبع ما جئت به إلا كان من أهل النار) .

فضيلة الشيخ: لكن هل هذا الواحد الذي يؤخذ من الألف في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل سنة أم أنه يزيد وينقص تبعاً للعصور وتبع قوة المسلمين؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أنت إذا عرفت النسبة ليس هو بالنسبة يعني لأمة محمدٍ فقط، بالنسبة لكل بني آدم، كل بني آدم من أولهم إلى آخرهم ما يدخل الجنة منهم إلا واحدٌ في الألف، هذا الواحد قد يكون غالبهم من هذه الأمة وهو الأظهر؛ لأن أكثر الأمم اتباعاً هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هم أكثر الأمم اتباعاً للوحي وقبولاً له، فعلى هذا تكون هذه النسبة واحدٌ من الألف أكثرها من هذه الأمة ولله الحمد.

***

ص: 2

‌يوجد عندنا بعض الناس يزعمون أنهم فقهاء، ليسوا فقهاء علماً، بل يزعمون أنهم يضرون وينفعون من يشاؤون، بحجة أن لهم شرهة يصيبون بها من يريدون، ويكررون هذا القول في كثير من المناسبات فهل ذلك صحيح أم خرافات جاهلية؟ وكيف نتخلص من ذلك؟ علماً بأن بعض الناس يصدقونهم فيما يقولون مثل كبار السن والجهال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الذين يدعون أنهم ينفعون أو يضرون هؤلاء كذبة، لا يجوز لأحد أن يصدقهم ولا أن يسألهم عن هذه الأشياء، ويجب على من علم بهم أن يبلغ أمرهم إلى ولاة الأمور ليتخذوا اللازم، فلا أحد يملك النفع والضرر إلا الله وحده لا شريك له، حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال الله له:(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) . وأمره الله أن يقول: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ) . ومن زعم أن أحداً يملك الضرر أو النفع بغير أسباب حسية معلومة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وإني أقول لهؤلاء الذين يتوهمون صدق ما قاله هؤلاء الدجاجلة أقول لهم: اثبتوا على إيمانكم ودينكم، واعلموا أنه لا يملك أحد الضرر والنفع إلا الله وحده لا شريك له. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس قال له:(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . وفي القرآن الكريم لما ذكر الله السحرة قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ) . فالمهم أن هؤلاء كذبة فيما يدعون من كونهم يملكون النفع والضرر، فإن ذلك إلى الله وحده لا شريك له، وعليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يعترفوا بقصورهم وبتقصيرهم، وأنهم ضعفاء أمام قدرة الله، وأنهم لا يملكون دفع الضرر عن أنفسهم هم فضلاً عن غيرهم، كما لا يملكون لأنفسهم جلب نفع فضلاً عن جلبه لغيرهم إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى، وعلى من حولهم ممن يتوهمون صدقهم أن يتوبوا إلى الله تعالى في تصديقهم، وأن يعلموا أنهم كذبة، ولا حق لهم ولا حظ لهم أيضاً في مثل هذه الأمور.

***

ص: 2

‌جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد حفظكم الله هذا السائل يقول: لقد خاب وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، متى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العذر للجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضاً، وهو مقتضى حكمة الله عز وجل ورحمته، يقول الله تبارك وتعالى:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . ويقول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إِلَى قوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . ويقول الله تبارك وتعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) . ويقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . والآيات في هذا عديدة، كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ إن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله عز وجل وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها- على شيء لم يعلمه؟ فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضاً، فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافراً عند الله عز وجل. يدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأضلها- أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت وهو آيس منها، فإذا براحلته عنده فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) . وهذا خطأ عظيم هو في نفسه كفر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافراً؛ لأنه لم يقصد ما يقول. وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (عن رجل كان مسرفاً على نفسه، وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم، ظنّاً منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعده وسأله: لم فعل هذا؟ قال: يا ربي خوفاً منك. فغفر الله له) ، مع أنه كان شاكّاً في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه. وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء، الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده، كما قال تعالى:(وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) . فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله تبارك وتعالى، وأعني بالعصمة: يعني الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير. وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله) يكون هو الكافر وهو عدو الله. فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوّاً لله ورسوله، وليحبس لسانه فإن اللسان آفة الآفات. ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له عليه الصلاة والسلام:(ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله. فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا، كف عليك هذا) . يعني: لا تطلقه، احبسه قيده. فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني: هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) ؟ ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عن ما حرم الله، وأن لا يقول إذا قال إلا خيراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر، حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله. ولا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم، ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام رحمه في فتاويه وفي كتبه المستقلة، فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه- وأقولها شهادة عند الله- أوفى ما رأيت كلاماً في هذه المسألة العظيمة.

***

ص: 2

‌متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مهم سؤال عظيم لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصراً في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، ومن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت) . وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وقال الله تبارك تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) . وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) . والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك في السنة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . ولكن قد يكون الإنسان مقصراً بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبراً عما بلغه من الحق، فيبين له الحق ولكنه يقول:(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . كما يوجد من كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك، يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، فالمسألة مسألة خطيرة عظيمة يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاءً عامّاً بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غايتهم في الجهل: منهم الجاهل مطلقاً جهلاً مطبقاً لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكنه عنده استكبار عن الحق، ومنهم من هو بين ذلك. فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال.

***

ص: 2

‌أسأل وأنا أعتقد بأن علي إثماً في هذا السؤال، وهو: أن لدينا ناساً يقولون: إن عبد الله أبا محمد صلى الله عليه وسلم هو في النار، وناس يقولون: لا بل هو في الجنة؛ لأنه أبو نبي، أفيدونا جزاكم الله خيراً، وهل عليّ إثم في هذا السؤال، وإذا كان علي إثم فهل له كفارة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً ودمتم

.

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ليس عليك إثم في هذا السؤال، لكن هذا السؤال ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها؛ لأنه لا فائدة منها إطلاقاً، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب فيقال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم مات على الكفر وهو في النار، كما ثبت في الصحيح (أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما انصرف دعاه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: أبي وأبوك في النار) . وهذا نص في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون أبو النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من الكفار فيكون في النار، والأخ السائل يقول: إن بعض الناس يقولون: ليس في النار؛ لأنه أبو نبي، وهذا لا يمنع إذا كان أبا نبي أن يكون في النار، فهذا آزر أبو إبراهيم كان كافراً وكان في النار، ولهذا لما استغفر إبراهيم لأبيه قال الله تعالى:(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) .

***

ص: 2

‌السحر

ص: 2

‌ما حكم فعل السحر وتعلمه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله تبارك وتعالى:(وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . والنوع الثاني يكون فسقاً، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(حد الساحرضربة بالسيف) . ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً- أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.

***

ص: 2

‌حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى:(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) . فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى:(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا، هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها.

***

ص: 2

‌ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله تبارك وتعالى:(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . وإنما كان ذلك كفراً لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .

***

ص: 2

‌المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى:(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) . وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) . وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى:(مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى:(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال:(هي من عمل الشيطان) ، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) ، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتباً يكتب كتاباً يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجباً عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير.

***

ص: 2

‌ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً.

***

ص: 2

‌هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء رحمهم الله لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله عز وجل يقول:(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصاً، وإن كان بتمريض نظر في أمره، وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءاً لفساده وإفساده.

***

ص: 2

‌ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى السحرة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة:(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) . فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالاً ربما تكون أموالاً طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله.

***

ص: 2

‌سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الآيات الخاصة بهذا مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ؛ لأنه ما تعوذ أحد بمثلهما. والأدعية الخاصة بأن يدعو الإنسان ربه بالشفاء: اللهم اشفني من هذا الداء، أو كذلك يدعو له من يقرأ عليه بمثل هذا الدعاء المناسب.

***

ص: 2

‌بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله عز وجل ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له.

***

ص: 2

‌امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذا أن نقول: إن حل السحر ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بوسائل محرمة، كأن يُحل بالسحر، مثلما يستعمله بعض البادية من صب الرصاص في الماء على رأس المسحور حتى يعلم بذلك من سحره، فهذا لا يجوز. فإذا كان حل السحر بوسائل محرمة فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال:(هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بسندٍ جيد. والقسم الثاني: أن يكون حل السحر بالطرق المباحة كالأدعية والقراءة على المريض والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به ولا حرج.

***

ص: 2

‌المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله عز وجل:(سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول:(فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) . فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله.

***

ص: 2

‌ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفراً، قال الله عز وجل:(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان:(إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، وأما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرّاً كبيراً على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة والأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله عز وجل وتوكل عليه.

***

ص: 2

‌هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله عز وجل، بأن يقرأ على المصاب:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل:(مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله:(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة.

***

ص: 2

‌ما هو العلاج الشرعي للسحر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي يكون بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وما جاءت به السنة من الأدعية، وكذلك بالأدعية المباحة التي يدعو بها الإنسان ربه، هذا هو العلاج الشرعي للسحر.

***

ص: 2

‌أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال:(هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) .

***

ص: 2

‌المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحداً وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات، بل هو من الكفر إذا كان الساحر يستعين بالأحوال الشيطانية على سحره أو يتوصل به إلى الشرك، وقد قال الله تبارك وتعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فهذا دليل على أن تعلم السحر كفر، السحر متلقى من الشياطين، وعلى هذا فيجب الحذر منه والبعد عنه، حتى لا يقع الإنسان في الكفر المخرج عن الملة والعياذ بالله. وأما حل السحر عن المسحور فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن، فهذا جائز لا بأس به، ومن أحسن ما يقرأ به على المسحور: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما. وتارة يكون حل السحر بسحر، وهذا مختلف فيه سلفاً وخلفاً، فمن العلماء من رخص فيه لما فيه من إزالة الشر عن هذا المسحور، ومنهم من منعه وقال: إنه لا يحل السحر إلا ساحر، وهذا أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال:(هي من عمل الشيطان) ، وعمل الشيطان هو ما كان بالسحر، أما ما كان بالقرآن أو بالأدعية المباحة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه. وعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يصبر وأن يكثر من القراءة والأدعية المباحة حتى يشفيه الله تعالى من ذلك.

فضيلة الشيخ: الشخص الذي يستخدم السحر أو يزاول السحر ماذا عليه؟

فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلنا: إذا كان سحره بواسطة الشياطين أو لا يتوصل إليه إلا بالشرك فإن هذا شرك مخرج عن الملة.

فضيلة الشيخ: والتصديق به؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التصديق بالسحر نوعان: أحدهما: أن يصدق بأثره أن له تأثيراً، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الواقع. والثاني: أن يصدق به إقراراً، أي: مقراً له وراضياً به، فهذا محرم ولا يجوز.

***

ص: 2

‌يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال:(هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) . وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر.

***

ص: 2

‌هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . وقسم العلماء رحمهم الله النشرة إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة، أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها. والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله:(هي من عمل الشيطان) .

***

ص: 2

‌أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحراً فهل يجوز له ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السحر لا شك أنه داء عضال، وأنه جناية من الساحر عظيمة، والساحر الذي يستعين بالأرواح الشيطانية أو بالشياطين أو بالجن كافر- والعياذ بالله -كفراً مخرجاً عن الملة وإن صام وصلى؛ لقول الله تبارك وتعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . فالساحر الذي يستعين بالشياطين والأرواح الشيطانية والجن كافر عليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إليه، وأن يقلع عن ما يفعل. أما المسحور فقد ابتلي ببلية ابتلاه الله بها على يد هذا الساحر، وله أن يسعى بقدر ما يستطيع لفك السحر عنه، وأحسن ما يكون في فك السحر كتاب الله عز وجل والآيات القرآنية التي جاءت بفك السحر، مثل: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، والآيتين في آخر سورة البقرة. فإذا قرأها قارئ مخلص مؤمن بها وكان المصاب بالسحر متقبلاً لها معتقداً نفعها فإنها تنفعه بإذن الله عز وجل، ويوجد ولله الحمد من يقوم بهذا بكثرة، وفي هذا غنى عن الذهاب إلى السحرة. نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين السلامة من الآفات، وأن يقينا شر عباده.

***

ص: 2

‌إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا لا يجوز، لو كان هذا الرجل الشيخ يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه لكان هذا مما ورد عن السلف وكان هذا جائزاً وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهاناً للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله عز وجل حساً ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق؛ لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء، وبالآيات القرآنية، ومنها:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما.

***

ص: 2

‌من السودان الطيب م. م. يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن يترددون على الكهان والسحرة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، أو قال: أربعين ليلة) . وهذا الأسلوب من أساليب التحريم؛ لأن منع قبول صلاته أربعين ليلة يدل على أنه أتى إثماً، وكذلك من أتى كاهناً، فإن إتيان الكاهن من جنس إتيان العراف، على أن بعض أهل العلم يقولون: إن العراف اسم لكل من يدعي معرفة الأمور عن طريق الغيب. فإن أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه إذا سأله عن أمر من أمور الغيب فصدقه به، فقد كذّب قول الله تعالى:(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . فلا أحد يعلم المستقبل أبداً، ومن ادعى علمه فقد كذب هذه الآية.

***

ص: 2

‌ف. ع. البارقي تقول: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ يقول مثل هذا القول: لولا تحزين الناس لأخبرت كل إنسان باليوم الذي يموت فيه هذا الرجل. تقول: بأن والدي يصدق هذا الرجل ويقول بأنه عالم ولم يأتِ بعده أعلم منه، علماً بأن هذا الرجل قد مات، ولكن والدي لم ينس هذا الرجل، فما حكم الشرع في نظركم في هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إنه إذا صدق هذا الرجل فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه صدق بأمرٍ يناقض قول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ) . ومعلومٌ أن وقت موت الإنسان غيبي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فمن ادعى علمه فهو كاذب، فالرجل الذي يدعي أنه يعلم متى يموت الناس كاذبٌ بلا شك، ومن يصدقه كافرٌ؛ لقوله تعالى:(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ) . فنصيحتي لوالدك أن يتوب إلى الله عز وجل من تصديق هذا الرجل، وأن يعتقد أنه رجلٌ كذاب خرافي، لا يجوز أن يصدق بما يدعيه من علم الغيب.

***

ص: 2

‌المستمع أحمد الرفاعي له سؤال يقول فيه بالنسبة للشعوذة والدجل توجدان رغم ثقافة المواطنين بكثرة، وما زال الناس يرزحون تحت وطأتها، والإيمان بها عند ضعاف العقول. هل من نصيحة أو توجيه حول هذا السؤال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة هو أن نلتزم بما دلت عليه السنة النبوية التي صدرت عن أنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بما ينفع الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهانة وحذر من إتيان الكهان وقال:(من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، ومن أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .ونهى عن الطيرة، وهي: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان. ونهى عن السحر وقال: (ليس منا من تكهن أوتكهن له، أو سحر أو سحر له) . كل هذا من أجل أن يسير الناس في حياتهم على حياة الجد وعدم التعلق بالمخلوقين، وأن يكلوا أمرهم إلى الله عز وجل، وأن يكون تعلقهم به وحده حتى يكونوا في سيرهم راشدين مرشدين. والله الموفق.

***

ص: 2

‌المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصاً يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التحضير لأرواح الموتى لا يصح ولا يمكن أن يكون ثابتاً، وإذا قدر أن أحداً زعم أنه حضر روح فلان وخاطبها وخاطبته فإن هذا شيطان يخاطبه بصوت ذلك الميت، فإن الأرواح بعد الموت محفوظة، كما قال الله تعالى:(وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة.حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . أي: لا يفرطون في حفظ هذه الروح. ثم إن الأرواح تكون بعد الموت في مقرها، ولا يمكن أن تحضر إلى الدنيا بأي حال من الأحوال. وتعاطي مثل هذا العمل محرم؛ لما فيه من الكذب والدجل وغش الناس وأكل المال بالباطل، فالواجب الحذر منه والتحذير أيضاً؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة العظيمة.

***

ص: 2

‌رسالة من الأخوين يونس ومحمد ابني صالح بن سالم التوبي من سلطنة عمان يقولان: نحن نعلم علم اليقين أن الإسلام حرم الشعوذة وحاربها، ولكن يحدث أحياناً أن يصاب شخص ما بأحد الأمراض فيراجع كل الأطباء المختصين بذلك المرض ولكن دون جدوى، وأخيراً يقال له: إننا لم نعرف هذا الداء من قبل وليس عندنا له دواء، إلى أن يزداد عليه المرض أكثر فأكثر، وأخيراً يقرر أن يذهب لأحد المنجمين مع أنه يعلم أن ذلك حرام، ففعلاً ذهب وما هي إلا أيام حتى بَرَأَ بحمد الله. فما رأيكم في مثل هذه الأحوال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذه الأحوال أن السائل حكم على نفسه بأنه فعل محرماً؛ لأنه ذكر أنه يعلم أنه حرام، وأن الإتيان إلى الكهان والمنجمين محرم، وإذا كان محرماً فإنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إليهم؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، والواجب على هذا الذي فعل ما فعل، الواجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا العمل، وأن يكثر من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح لعل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه. ومن أصيب بمثل هذه الأمور فإن له طريقاً مفيداً جداً بل هو أفيد الأشياء لمن وفق له، وهو: القراءة على هذا المصاب بالآيات القرآنية، وبما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث النبوية التي يستشفى بها، ففيها الشفاء وفيها الكفاية وفيها العافية.

***

ص: 2

‌أسمع كثيراً عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديماً في باطن الأرض وعليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعاً من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلاً يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن، هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة

.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصاً، ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا نحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوي باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا بأن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم. والله الموفق.

***

ص: 2

رسالة وردتنا من شخص من اليمن وهو مقيم بالسعودية في الدمام يقول المرسل محمد بن علي الجبلي: في مدينة عمران باليمن امرأة تدعى السندية لها عشرون عاما ً تسلب أموال الناس، ويقصدها الكثير من الجهال يسألونها عن المغتربين ما بهم ومتى يأتون؟ ويقصدها المرضى للشفاء. وإذا حضروا عندها جاءت بغطاء ووضعته على نفسها ثم تقول بصوت متغير: فلان يأتي بعد كذا يوم أو شهر أو لا يأتي، والمريض فلان يشفى وهذا حرز له أو لا يفيد معه الحرز، وتخبر النساء عن ما يكنه لهن الأزواج، حتى إن زوجتي ذهبت لها وقالت لها: إن زوجك يفكر في الزواج فأرسلت لي زوجتي ورقة تطلب طلاقها، فأرسلتها لها وفيها الخلوع بالثلاث هل هذا الطلاق صحيح أم باطل؟ علماً أن له ستة شهور ولا أعلم ما السبب. وهذه المرأة تدعي أن معها أشرافاً يخبرونها، وكثيراً ما تقول للرجال: إن لزوجاتكم رجالاً غيركم لتوقع بين الزوجات وأزواجهن. فهل في الجن أشراف يعلمون الغيب؟ أفيدونا بدقة عن هذا الموضوع.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة من الكهان؛ لأنها تدعي أنها تعلم عن المستقبل، وكل من يدعي أنه يعلم المستقبل فإنه كاهن كاذب لا يجوز الإتيان إليه ولا يجوز تصديقه، بل إن تصديقه تكذيب للقرآن، فإن الله تعالى يقول:(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . والغيب ما غاب عن الإنسان من الأمور المستقبلة فلا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذه المرأة التي تدعيه هي أيضاً مكذبةٌ للقرآن، فيجب على ولاة الأمور أن يمنعوا مثل هذه الأمور في بلادهم، حتى لا يوقعوا الناس فيما يخالف عقيدتهم وفيما يكذب كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما ما تدعيه هذه المرأة من علم الغيب فإنه لا يجوز تصديقه أبداً، وإذا قدر أن ما تخبر به يقع منه شيء فإنما ذلك عن مصادفة أو عن أمر استمع من السماع وتضيف هي إليه عدة كذبات لتموه على باطلها. وأما بالنسبة لما تدعيه من مكالمة الأشراف من الجن لها فهذا أيضاً دعوى كاذبة؛ لأن الكاهن بجميع ما يقول وجميع ما يذكر من مؤثرات لكهانته يجب تكذيبه، والجن لا يعلم الغيب بنص القرآن، يقول الله تعالى:(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ "يعني: سليمان" مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ "يعني: عصاه" فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) . فلا أحد يعلم الغيب لا من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ) . وقال سبحانه وتعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) . وأما بالنسبة لقوله: إنه خالع زوجته ثلاثاً فهذه مسألة الطلاق الثلاث، وإذا كان يريد الرجوع إلى زوجته فإنه موضع خلاف بين أهل العلم، هل له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه المرأة أو ليس له أن يراجعها؟ والراجح أنه يجوز له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه الطلقة، فإن في صحيح مسلم حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر قال: كان الطلاق الثلاث واحدةً، فلما تتابع الناس في هذا قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ وهذا نص صريح بأن إمضاء الثلاث على البينونة أمر اجتهادي من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وكما أن هذا مقتضى النص فهو أيضاً مقتضى النظر، فإن الطلاق الثلاث أمره إلى الشرع لا إلى الإنسان. والإنسان لو قال: أستغفر الله ثلاثاً سبحان الله ثلاثاً لو قال دبر الصلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم قال بعده: ثلاثاً وثلاثين ما كتب له ثلاث وثلاثون. فإذا كان هذا لا يحصل في الأمور المرغوبة المحبوبة إلى الله عز وجل وهو: الإثابة على ذكره وطاعته- فكيف يكون في الأمور التي غاية ما هي أنها من الأمور المباحة كالطلاق؟ فإن النظر والقياس الصحيح يقتضي أن طلاق الثلاثة واحدة، فيكون مؤيداً بالنص وبالنظر. كما أن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) فطلقوهن لعدتهن، والطلاق للعدة لا يكون إلا والمرأة عند زوجها أي غير مطلقة؛ لأنها إذا طلقت بعد أن طلقت في نفس العدة لم تكن مطلقةً للعدة. ولهذا يقول العلماء رحمهم الله: لو أن الرجل طلق امرأته اليوم وبعد أن حاضت مرتين أردفها بطلقةٍ ثانية فإنها لا تستأنف العدة بهذه الطلقة الثانية. دل ذلك على أنها طلقة لغير العدة، وإذا كانت طلقة لغير العدة صارت غير مأمور بها؛ لأن الله يقول (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن الطلاق الثلاث ولو بكلماتٍ متفرقة لا يقع إلا واحدة فقط، إلا إذا تخلله رجعة أو عقد نكاح جديد.

***

ص: 2

‌ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئاً من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علماً أنه مقصر في دينه كثيراً: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحاً فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى وهي من أهمها: ذهابها إلى الكهان، ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله عز وجل، وهذا هو الواجب على من فعل محرماً أن يبادر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل.

والمسألة الثانية: تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها. والجواب على هذه المسألة أن نقول: إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها، ولو منعها من ذلك فإنه ظالم، وهو ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل.

المسألة الثالثة: البقاء معه أو طلب الفراق. فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه؛ لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكلات بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها، وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله عز وجل وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق؟ ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركاً للصلاة، فإن كان تاركاً للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح. والله أعلم.

***

ص: 2

‌من كان به مرضٌ ودُلّ على شخصٍ يتلو على المريض ويعطي له دواء على حسب ما يراه حيث يقول: إن فلاناً به كذا وعُمِل له كذا، أو طاح على مكانٍ به جنٌ فما هو الحكم في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل الذي ذهب إليه من الصالحين المعروفين بالاستقامة والثبات والأمانة فإنه لا بأس أن يذهب إليه ليقرأ عليه الأدعية المشروعة ويعطيه من الأدوية المباحة ما ينتفع به. وأما إخباره بما جرى على الشخص فهذا لا بأس به أيضاً، إذا كان الرجل المخبر من المعروفين بالصدق والإيمان والتقوى؛ لأنه قد يكون له صاحبٌ من الجن يخبره بما حصل. والشيء المحرم الذي لا يجوز تصديقه إذا أخبر بشيءٍ مستقبل، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكهانة، والكهانة حرام التصديق بها: (ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . فالشيء الماضي ليس غيباً؛ لأنه مشاهدٌ معلوم، ولكنه قد يكون غيباً بالنسبة لأحدٍ دون أحد، ولا يمتنع أن يعلم به أحدٌ من الجن فيخبر به صاحبه هذا.

***

ص: 2

‌الشرك

ص: 2

‌ما هو الشرك وما هي أنواعه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكاً في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. ففي الربوبية: أن يجعل خالقاً مع الله عز وجل لهذا الكون، أو يجعل معيناً لله تعالى في خلق هذا الكون. وفي الألوهية: أن يتخذ إلهاً مع الله يعبده، إما ولي أو نبي، أو أمير أو وزير، أو حجر أو شجر، أو شمس أو قمر. وأما في الأسماء والصفات: فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين، ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق. وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر، والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة. وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائماً مستعيناً به.

***

ص: 2

‌هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك الأكبر هو الشرك المخرج عن الملة، مثل أن يعتقد الإنسان أن مع الله إلهاً آخر يدبر الكون، أو أن مع الله إلهاً آخر خلق شيئاً من الكون، أو أن مع الله أحداً يعينه ويؤازره، فهذا كله شركٌ أكبر، وهذا الشرك يتعلق بالربوبية. أو أن يعبد مع الله إلهاً آخر، مثل أن يصلى لصاحب قبر، أو يتقرب إليه بالذبح له تعظيماً له أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشرك في الألوهية. فالشرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملة. وأما الشرك الأصغر فهو كل عملٍ أطلق الشرع عليه اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله فإنه من الشرك الأصغر، كأن يقول قائل: والنبي محمدٍ ما فعلت كذا، أو: والنبي محمدٍ لأفعلن كذا، أو يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة المعظمة ما فعلت كذا، أو: والكعبة المعظمة لأفعلن كذا أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن الحلف بغير الله من الشرك، لكنه شركٌ أصغر لا يخرج به الإنسان من الملة. والدليل على أنه من الشرك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . إلا أنه إذا اعتقد أن لهذا المحلوف به من التعظيم مثل ما لله عز وجل من التعظيم فهنا يكون مشركاً شركاً أكبر لأنه ساوى المخلوق بالخالق، فيكون بذلك مشركاً شركاً أكبر وليعلم أن الشرك لا يغفره الله عز وجل، سواءٌ كان أصغر أم أكبر لعموم قول الله تبارك وتعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) . هذا في آية، وفي آية أخرى:(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) .

***

ص: 2

‌هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركاً، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك المخرج عن الملة هو: أن يتخذ الإنسان إلهاً مع الله يعبده ويتقرب إليه بالركوع والسجود والذبح والصوم وما أشبه ذلك، أو يتخذ مع الله ربّاً يستغيث به ويستنصر به ويستنجد به. فالأول شرك في الألوهية، والثاني شرك في الربوبية. فمن فعل شيئاً من ذلك فهو مشرك، هذا هو الأصل، لكن قد يقوم بالشخص مانع يمنع من الحكم عليه بالشرك، مثل: أن يكون الإنسان جاهلاً لا يدري، رأى الناس يفعلون شيئاً ففعله، فإذا نبهناه ترك ما هو عليه واهتدى، فإن هذا لا يكون مشركاً مخلداً في النار؛ لأنه جاهل، إلا أنه ربما يكون غير معذور بهذا الجهل، مثل أن يفرط في طلب العلم، فيقال له مثلاً: هذا من الشرك ولا يجوز، ولكنه يتهاون ولا يسأل، فإن هذا ليس بمعذور في جهله؛ لأنه مفرط ومتهاون.

***

ص: 2

‌المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي: أما الشرك الأكبر فمثل أن يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل، ومن العبادة الدعاء، فإذا دعا الإنسان غير الله، كما لو دعا نبياً أو ولياً أو ملكاً من الملائكة، أو دعا الشمس أو القمر، لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركاً بالله شركاً أكبر، وكذلك لو سجد لصنم، أو للشمس أو للقمر، أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحداً يشارك الله تعالى في خلقه، أو يكون قادراً على ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإنه يكون مشركاً شركاً أكبر. أما الشرك الأصغر فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل: أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله عز وجل، فيحلف بغير الله تعالى تعظيماً له- أي: المحلوف به- ولكنه يعتقد أنه دون الله عز وجل في التعظيم، فهذا يكون شركاً أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، فإنه حرام عليه، ويكون به مشركاً شركاً أصغر. وأما الشرك الخفي فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر وإما أن يكون أصغر: فإذا أشرك في قلبه مع الله أحداً يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركاً شركاً أكبر، وإن كان لا يظهر للناس شركه فهو شرك خفي على الناس، لكنه أكبر فيما بينه وبين الله عز وجل، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركاً شركاً خفياً؛ لخفائه على الناس، لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام.

فضيلة الشيخ: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلى الله عز وجل والتزام أوامره فعلاً والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعصمه الله تعالى من الشرك.

***

ص: 2

‌يقول:نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الرياء أن يعمل العبد عملاً صالحاً ليراه الناس فيمدحوه به ويقولوا: هذا رجل عابد، هذا رجل صالح وما أشبه ذلك، وهو مبطل للعمل إذا شاركه من أوله، مثل أن يقوم الإنسان ليصلى أمام الناس ليمدحوه بصلاته، فصلاته هذه باطلة لا يقبلها الله عز وجل، وهو نوع من الشرك. قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . ولا شك أن المرائي مشرك مع الله؛ لأنه يريد بذلك ثناء الله عليه وثواب الله ويريد أيضاً ثناء الخلق، فالمرائي في الحقيقة خاسر؛ لأن عمله غير مقبول، ولأن الناس لا ينفعونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . ومن أخلص عمله لله ولم يراع الناس به فإن الله تعالى يعطف القلوب عليه ويثنى عليه من حيث لا يشعر، فأوصي إخواني المسلمين بالبعد عن الرياء في عباداتهم البدنية كالصلاة والصيام، والمالية كالصدقة والإنفاق، والجاهية كالتظاهر بأنه مدافع عن الناس قائم بمصالحهم وما أشبه ذلك. ولكن لو قال قائل: إنه يتصدق من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا، لا من أجل أن يراه الناس فيمدحوه، فهل هذا خير؟ فالجواب: نعم هذا خير، ويكون هذا داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في السر وفي العلانية: في السر في موضع السر، وفي العلانية في موضع العلانية.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص النية في العمل هو أن يتناسى الإنسان كل ما سوى الله، وأن لا يكون الحامل له على هذه العبادة إلا امتثال أمر الله عز وجل وإرادة ثوابه وابتغاء وجهه عز وجل، وأن يتناسى كل شيءٍ يتعلق بالدنيا في هذه العبادة، فلا يهتم بالناس أرأوه أم لم يروه، أسمعوه أم لم يسمعوه، ولا يبالي بهم أثنوا عليه أم قدحوا فيه. وكذلك أيضاً من أسباب الإخلاص أن يكون الإنسان حين قيامه بالعبادة مستحضراً لأمر الله عز وجل بها، ومستحضراً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها. مثال ذلك: رجل قام يتوضأ للصلاة، فهنا نقول: أولاً استحضر أنك إنما توضأت امتثالاً لأمر الله عز وجل، كأنك الآن تقرأ قول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) . وكأنك لوضوئك تقول: سمعاً وطاعة، تجد في هذا حلاوة ولذة وحباً للطهارة؛ لأن الله أمرك بها، ثم استحضر أنك في هذا العمل متبعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامك وأنت تتبعه في هذا الوضوء، وبهذا يتحقق لك الثواب والأجر للإخلاص والمتابعة، وبذلك تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله عز وجل، وأن ذلك من أساس الاعتقاد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) . وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) . وفي الحديث الصحيح القدسي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) . فلا تقبل العبادة- حجاً كانت أم غيره- إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي: يقوم بها من أجل أن يراه الناس فيقولوا: ما أتقى فلاناً، ما أعبد فلاناً لله، وما أشبه هذا. ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن أو رؤية الناس أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يؤمون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله عز وجل، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي أو أن يتجروا أو أن يقال: فلان يحج كل سنة وما أشبه ذلك، ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة وهو آمٌّ للبيت الحرام؛ لقول الله تبارك وتعالى:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) . وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل أو نقصانه نقصاً شديداً، قال الله تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) .

***

ص: 2

‌تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلاً: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علماً بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الشعور بالرياء من الشيطان ليصد الإنسان عن طاعة الله عز وجل، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ وإن رأى معه ضعفاً في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلى رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يوماً ويفطر يوماً، إلا أنه دائماً يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جدّاً! فإن هذا الإمام- الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن ظاهر حاله الاستقامة- قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله عز وجل شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول عليه الصلاة والسلام أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل، فإذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر، أو غير عبد القادر والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضرّاً قال الله تعالى آمراً له:(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) . وقال آمراً له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال تعالى آمراً له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . بل قال الله تعالى آمراً له: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) . فإذا كان الرسول صلى الله وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله عز وجل؛ لقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وصاحبه في النار، لقوله تعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ونصيحتي لهذا الإمام أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الأمر المحبط للعمل، فإن الشرك يفقد العمل، قال الله تعالى:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وقال تعالى: (ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فليتب إلى الله من هذا، وليتعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع من أذكار وعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه البدع بل إلى هذه الأمور الشركية، وليتفكر دائماً في قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .

فضيلة الشيخ: يقول: إنه أيضاً هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله يزعم أن الله يوحي إليه. فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقّاً أنه ولي؟

فأجاب رحمه الله: علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فهذه هي علامات الولاية. وشروطها: الإيمان بالله، وتقوى الله عز وجل. فمن كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً، أما من أشرك به فليس بولي لله وهو عدو لله كما قال الله تعالى:(مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) . فأي رجل أو امرأة يدعو غير الله ويستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية.

فضيلة الشيخ: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟

فأجاب رحمه الله: إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنه لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى ما دام يشرك بالله سبحانه وتعالى، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة فيما مضى من صلاتهم.

***

ص: 2

‌عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الشرك إذا كانوا يغطونها بهذا الليف خوفاً من العين، فإن هذا ليس من الشرك؛ لأن أعين الحاسدين إنما تنصب على الشيء الفائق، فإذا أخفي هذا الشيء لم يكن فائقاً في أعينهم، فيكون سبباً لمنع العين. والسبب إذا كان مشروعاً أو محسوساً فإن ممارسته لا تعد من الشرك؛ لأن الأمور التي جعلها الله أسباباً بما أوحى من شرعه أو بما علم الناس من قدره فإنها تكون أسباباً شرعية، وممارستها ليست شركاً، وعلى هذا فالصلاة خلف هؤلاء ليس فيها بأس.

***

ص: 2

‌هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله: الدعاء لا يكون إلا لله عز وجل، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركاً، ودليل ذلك قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين: الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله:(لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسراً في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضاً غير عاقل، بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . أي لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام لأنه أبلغ من النفي المحض، حيث يكون مشرباً معنى التحدي. وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة- أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله، وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركاً يستحق ما قال الله تعالى فيه:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) .

***

ص: 2

‌هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز إلا فيما جاءت به السنة، وقد جاءت السنة بقول المُسلِّم عليه:(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) . وأما قول القائل: يا سيدي يا رسول الله فأقل ما يقال فيه: إنه بدعة، فإن ناداه هذا النداء ليستغيث به ويستعين به على أمر كان شركاً، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: إذا قال: يا سيدي يا رسول الله، إن كان يريد أن يستغيث به أو يستعين به فهذا شرك ودعاء لغير الله عز وجل، وإن قال: يا سيدي يا رسول الله السلام عليك فهذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى كل حال فعلى القائل مثل هذا القول أن يتوب إلى الله، وألا يعود إليه.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا بد أن ننظر هل القبر سابقٌ على المسجد أم المسجد سابقٌ على القبر؟ فإن كان القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أن القبر كان متقدماً فبنوا عليه مسجداً، فالمسجد هنا لا تصح فيه الصلاة على كل حال؛ لأنه مسجد يجب هدمه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبنى على القبور، لا سيما إذا كان المبني مسجداً، وإنما قلنا: يجب هدمه؛ لأنه يشبه مسجد الضرار الذي يجب هدمه، ومسجد الضرار هو المسجد يبنى بقرب مسجدٍ آخر فيؤثر على أهل المسجد الأول ويفرقهم، فهذا مسجد ضرار فيهدم على كل حال. وأما إذا كان المسجد سابقاً ودفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس. أما من تبرك بهؤلاء، أي: بأهل القبور، سواءٌ في المسجد أو في غير المسجد: فإن كان يدعوهم أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يطلب منهم الحوائج فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وإن كان لا يدعوهم ولكن يتبرك بترابهم ونحوه فهذا شركٌ أصغر لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، إلا إذا اعتقد أن بركته يحصل بها الخير من دون الله فهذا مشركٌ شركاً أكبر.

***

ص: 2

‌بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا

؟

فأجاب رحمه الله: أما فعلهم الأول- وهو: ذبحهم للقبور تقرباً بهذا الذبح إلى صاحب القبر- فإنه من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، وذلك لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك أكبر. وأما الثاني- وهو: تعليقهم أنياب الذئاب في أعناق أولادهم من أجل دفع الجن- فإن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنهم أثبتوا سبباً لم يجعله الله سبحانه وتعالى سبباً لا حسَّاً ولا شرعاً، وهذا نوع من الشرك الأصغر. فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وأن يزيلوا ما في أعناق أولادهم من هذه الأنياب، ولا يدفع شر الجن إلا ما جعله الله سبحانه وتعالى سبباً للدفع، مثل قراءة آية الكرسي، (فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل أن يقول الإنسان إذا نزل منزلاً: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) .

***

ص: 2

‌هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله

؟

فأجاب رحمه الله: نعم، أما قوله: توكلت على الله فهذه ليست شركاً لأن الله تعالى هو المتوكَّل عليه، قال الله تعالى:(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) . وأما قوله: ورسوله فهذا شرك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميت في قبره، لا يملك أن يدعو لأحد ولا أن ينفع أحداً ولا أن يضر أحداً عليه الصلاة والسلام، فالتوكل عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرك، وعلى غيره من باب أولى: لو توكل على قبر من يدعي أنه ولي فهو مشرك، والواجب علينا أن نتبرأ من الشرك كله بأي أحد، قال الله تعالى:(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال: (وَعَلَى اللَّهِ) قدمها على عاملها، قال أهل العلم: وتقديم ما حقه التأخير يدل على الاختصاص والحصر، أي: وعلى الله لا غيره فتوكلوا إن كنتم مؤمنين.

***

ص: 2

‌أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، ويمكثون أياماً عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله: الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعاً سفه عقلاً؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله:(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن:(وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) . والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسباباً، فالشفاء بها من شفاء الله عز وجل، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقاً وشافياً، وهذا شرك في ربوبية الله سبحانه وتعالى. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سبباً للشفاء من هذا المرض. وأخيراً أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور)، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) . وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله عز وجل، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله عز وجل، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله تبارك وتعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى:(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . نسأل الله لنا ولهم الهداية.

***

ص: 2

‌في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء

؟

فأجاب رحمه الله: رأينا في هذا أنه يجب أن تهدم هذه القبة أو هذه الحجرة وأن تزال معالمها؛ لأنها معالم شرك والعياذ بالله. ثم نقول لهؤلاء الذين يذهبون إلى هذه الحجرة يذبحون عندها القربان، ويسألونها دفع الضرر وجلب النفع، نقول: هؤلاء مشركون في الربوبية والألوهية؛ لأنهم تعبدوا لهذا القبر بالذبح له، ولأنهم اعتقدوا أن صاحبه ينفع أو يضر وليس الأمر كذلك، ولأنهم دعوا صاحب هذا القبر، والدعاء من العبادة، فقد أشركوا بالربوبية والألوهية شركاً أكبر. وعلى علماء المسلمين أن يبينوا لهؤلاء العوام بأن هذا من الشرك، وأن يحذروهم، وإن السكوت على مثل هذا في بلاد تكثر فيها القباب على القبور والذبح لها والسفر إليها، السكوت على هذا لاشك أنه مسؤولية كبيرة على أولئك العلماء، ومن المعلوم أن العامة يثقون بأقوال علمائهم أكثر مما يثقون بأقوال علماء بلاد أخرى كما هو ظاهر. فالواجب على علماء المسلمين في جميع أقطار المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبينوا لعوامهم خطر هذه الأمور، وأنها من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، والذي أوجب الله لصاحبه الخلود في النار:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهؤلاء العامة الذين يحذرون من هذا الولي تحذيرهم ليس بصحيح وليس بواقع، وليجرب الناس هذا الأمر، يجربوا ويحذروا من هذا العمل المحرم الشركي، وينظروا هل يصيبهم شيء أم لا؟ فكل هذا تحذير باطل، وإنما هو من الشيطان، ولا يجوز التصديق به؛ لأنه كذب وزور، ثم إن المصدق به يصدق بما ليس له حقيقة أصلاً.

***

ص: 2

‌هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله: هؤلاء مشركون شركاً أكبر؛ لأنهم دعوا أصحاب القبور واستغاثوا بهم، واستنجدوا بهم ورأوا أنهم يجلبون إليهم النفع ويدفعون عنهم الضرر وينذرون لهم، وكل هذه من حقوق الله التي لا تصلح لغيره، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يرجعوا إلى توحيدهم وإخلاصهم قبل أن يموتوا على هذا فيستحقوا ما أخبر الله به عن المشركين في قوله:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . فإن قال قائل: إن هؤلاء قد يملى لهم، وقد يبتلون فيدعون أصحاب القبور ثم يحصل لهم ما دعوا به؟ فنقول: هذه فتنة بلا شك، والذي حصل لم يحصل بهؤلاء المقبورين، وإنما حصل عند دعائهم وليس بدعائهم، وإلا فنحن نؤمن ونجزم جزمنا بالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب أن هؤلاء المقبورين لن يستجيبوا لهم أبداً؛ لقوله تبارك وتعالى:(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى دين الله وتوحيد الله، وأن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين واستباح دماءهم وأموالهم وذرياتهم من أجل شركهم، وهؤلاء شركهم من جنس شرك المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم على شركهم.

***

ص: 2

‌ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقاداً جيداً أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه

؟

فأجاب رحمه الله: تسمية هذا الرجل الذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته مسلماً جهل من المسمي، ففي الحقيقة أن هذا ليس بمسلم؛ لأنه مشرك، قال الله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالدعاء لا يجوز إلا لله وحده، فهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع:(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) . فهذا وإن صلى وصام وزكى وهو يدعو غير الله ويعبده وينذر له فإنه مشرك قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار.

***

ص: 2

‌بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم

.

فأجاب رحمه الله: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن ما يدعى بأنه قبر فلان أو فلان من الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة بعدهم قد لا يكون صحيحاً، فليس كل ما ادعي يكون مقبولاً وصحيحاً، بل قد يكون هذا من تزوير المزورين، أما على فرض أن يكون في هذا المكان قبر صحابي أو قبر إمام من الأئمة فإن المشروع للإنسان إذا زار المقبرة أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من السلام عليهم يقول:(السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فالزائر للمقبرة زائر معتبر داع للموتى وليس داعياً عندهم، وأما الذين يزورنها على سبيل التبرك بترابها، أو أقبح من ذلك أن يدعو الأموات بكشف الضر وجلب النفع أو ما أشبه هذا فإن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، قال الله تعالى:(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الذي يدعو من دون الله أو يدعو مع الله إلهاً آخر أنه كافر، وأنه ليس بمفلح، أي لن يحصل له مطلوبه ولن ينجو من مرهوبه. وقال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالمشرك الداعي لغير الله عز وجل غير مفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو أيضاً سفيه لا أحد أضل منه. فنصيحتي لهؤلاء الذين يزورون هذه المقابر أن تكون زيارتهم على الوجه المشروع: بأن يتعظوا بهذه الزيارة ويتذكروا الآخرة، وأنهم الآن على ظهر الأرض أحياء يأكلون ويشربون ويلبسون ويتمتعون، وعما قريب سوف يكونون في بطن الأرض مرتهنين بأعمالهم، كما كان هؤلاء المقبورون مثلهم بالأمس وهذه حالهم اليوم، ثم يدعون لإخوانهم بما شرع لهم مما ذكرناه آنفاً، وأما أن يتبركوا بالتراب أو أن يدعوا هؤلاء الموتى فهذا ضلال لا أصل له.

***

ص: 2

‌المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله: هذه المسألة خطيرة جداً لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك، شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعياً لغير الله عز وجل، فكان مشركاً في دينه وضالاً في عقله: أما كونه مشركاً في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله عز وجل:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فإذا دعا أحداً غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركاً كافراً، وقال عز وجل:(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهاً آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحاناً من الله عز وجل وفتنة واستدراجاً. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالاً في عقله فلأن الله تعالى يقول:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وفي الآية هذه دليل أيضاً على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيراً جدياً في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيراً لغيره ولا يدفع ضرّاً عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئاً، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله عز وجل، فيدعون الله عز وجل في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه سبحانه وتعالى هو الذي قال في كتابه:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) . فلماذا لا يدعون الله عز وجل؟ فليرجعوا عن هذا العمل- أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعوا الله سبحانه تعالى وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعوا الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية، وبعث بها المستمع لبرنامج نور على الدرب سليمان عبد الغفار عبد المجيد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على النفس والكفار والمشركين. أما بعد فأنا أشكركم على برنامج نور على الدرب، وأتمنى لكم أعظم أجر من الله العزيز الحكيم. يقول: إنني أتوجه إلى الشيوخ الأفاضل بهذه الأسئلة: إننا يوجد عندنا أغلب الناس يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويقولون: لا إله إلا الله، ولكن- والعياذ بالله- يجعلون قبور الصالحين واسطة بينهم وبين الله، ويقول: إنهم يشدون لهم الرحال، ويعملون حفلات فوق القبور، ويأخذون الأطفال والنساء، ويذبحون الكثير من الغنم والماعز، ويحلفون بهذه الأوثان. فهل نأكل من هذه الذبائح وهم يذكرون الله عليها؟ نرجو التوجيه منكم لنا ولهم وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله: هذه الذبائح إذا كان المقصود بها التقرب إلى هؤلاء الأموات فهي مما ذبح لغير الله، فلا يحل أكلها ولو ذكروا اسم الله عليها؛ لأنها داخلة في قوله تعالى:(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ، فحرام عليكم أن تأكلوا منها شيئاً. أما بالنسبة لهم فإن عملهم هذا إشراك بالله عز وجل؛ لأن التقرب بالذبح من خصائص الله سبحانه وتعالى، أي: من الأمور المختصة به لا يجوز صرفها لغيره؛ لأنها من العبادة، كما قال الله تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . وعلى هذا فيجب على العلماء أن ينصحوا أولئك الجهال، وأن يبينوا لهم أن هذا من الشرك بالله، وأن الشرك بالله لا يقبل الله معه عملاً؛ لأن الله تعالى قال:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . ولا يجوز للعلماء العالمين بأحوال هؤلاء، العالمين بأحكام ما يفعلونه، لا يجوز لهم السكوت؛ لأن السكوت في مثل هذه الحال إقرار لهم على هذا الشرك، والعامة متعلقون بالعلماء، والعلماء مسؤولون عنهم، وهم- أعني: العلماء- ورثة الأنبياء في العلم والعمل والدعوة إلى الله عز وجل، وسيسألهم الله عز وجل يوم القيامة عما علموا:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . فالحاصل أنه إذا كان الأمر كما وصف السائل شائعاً كثيراً بين الناس فما ذلك إلا لتقصير أهل العلم في بيان الحق، وإلا فلو أن أهل العلم بينوا للعامة حكم صنيعهم هذا لكان العامة أقرب شيء إلى الامتثال والانقياد ونسأل الله تعالى لنا ولهم التوفيق، وأن يعيننا على أداء ما حملنا بمنه وكرمه.

***

ص: 2

‌كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع، فما هو أصلها؟ وما موقف التشريع الإسلامي منها؟ أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها

؟

فأجاب رحمه الله: لست أعلم ما يريد بالنذور، فأخشى أنه يريد بالنذور ما يُنذر للأموات، فإن كان يريد ذلك فإن النذور للأموات من الشرك الأكبر؛ لأن النذر خاص لله عز وجل. فإذا قال قائل: لصاحب هذا القبر عَلَّي نذر أن أذبح له، أو: لصاحب هذا القبر نذر أن أصلى له أو ما أشبه ذلك من العبادات التي تُنذر لأصحاب القبور فإن هذا بلا شك شرك مخرج عن الملة. أما إن أراد بالنذر النذر لله عز وجل فهذا فيه تفصيل كثير: إن كان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً بشرط. فإذا قال قائل مثلاً: لله علي نذر أن أصوم غداً وجب عليه أن يصوم ،لله علي نذر أن أصلى ركعتين وجب عليه أن يصلى ركعتين، لله علي نذر أن أحج وجب عليه أن يحج ،لله علي نذر أن أعتمر وجب عليه أن يعتمر، لله علي نذر أن أصلى في المسجد النبوي وجب عليه أن يصلى في المسجد النبوي. إلا أنه إذا نذر شيئاً فله أن ينتقل إلى ما هو خير منه: لو نذر أن يصلى في المسجد النبوي فله أن يصلى بدلاً من ذلك في المسجد الحرام؛ لأنه ثبت أن رجلاً قال يوم الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلِّ ها هنا) . فأعاد عليه الرجل مرتين، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:(شأنك إذاً) فهذا دليل على أنه إذا نذر شيئاً وفعل ما هو خير منه من جنسه فإنه يكون جائزاً وموفياً بنذره، هذا في نذر الطاعة، سواءً كان مطلقاً كما مثلنا أو كان معلقاً بشرط كما في هذا الحديث: إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. ومثل النذور المعلقة أيضاً ما يفعله كثير من الناس: يكون عندهم المريض فيقول: إن شفا الله هذا المريض فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من أمور الخير، فيجب عليه إذا شُفي هذا المريض أن يوفي بما نذر من طاعة الله. ومثله أيضاً ما يفعله بعض الطلبة يقول: إن نجحت فلله علي كذا من أمور الطاعة لله، علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو عشرة أيام، أو يوم الاثنين والخميس من هذا الشهر أو ما أشبه ذلك، فكل هذا يجب الوفاء به؛ لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ومع هذا فإني أنصح إخواننا المسلمين أنصحهم ألا ينذروا على أنفسهم؛ لأن النذر أقل أحواله الكراهة، بل إن بعض العلماء حرمه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال:(إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) . ولأن الناذر ألزم نفسه بأمر هو في عافية منه، ولأن الناذر قد يتراخى ويتساهل في الوفاء بالنذر وهذا أمر خطير، واستمعوا إلى قول الله تعالى:(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) . فإذا تساهل الإنسان فيما نذر لله على شرط فإنه يوشك أن يُعاقب بهذه العقوبة العظيمة: يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى أن يموت، نسأل الله السلامة والعافية. ثم إن النذر في هذه الحال كأن الناذر يقول: إن الله لا يعطيني ما أريد إلا إذا شرطتُ له، وهذا في الحقيقة سوء ظن بالله عز وجل، فالله تبارك وتعالى يتفضل على عباده بدون أن يشترطوا له شرطاً أو شيئاً، فأنت إذا حصل لك مكروه أو أردت مرغوباً فاسأل الله وادعه، هذه طريقة الرسل، كما قال الله تعالى عنهم، عن الذين أُصيبوا ببلاء أنهم يناجون الله عز وجل ويدعونه فيستجيب لهم:(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) . وهل أيوب نذر لله نذراً إن عافاه الله؟ لا، بل دعا ربه. وهكذا أيضاً سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين: إذا أرادوا من الله ما يرغبون توجهوا إليه بالرغبة والدعاء أن يعطيهم ذلك، وإذا أرادوا من الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنهم ما يكرهون دعوه سبحانه وتعالى ولجؤوا إليه بأن يصرف عنهم ما يكرهون، هذه سبيل المرسلين من الأولين والآخرين، آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يخرج الإنسان عن طريقتهم؟ فالمهم أننا ننصح إخواننا بالبعد عن هذا الأمر، وكثيراً ما يسأل الناس الذين نذروا، على أنفسهم نذوراً يسألون يريدون أن يجدوا من أهل العلم من يخلصهم منها فلا يجدون من يخلصهم.

***

ص: 2

‌المستمع ع. ع. ب. أيضاً من جمهورية مصر العربية يقول إنه يوجد لدينا في أرياف مصر من يقومون بالنذر للمشايخ ببعض الأطعمة مثل الزبد والألبان واللحوم وغيرها إذا كانت لديهم بعض من البهائم مريضة أو غير ذلك، وبعد شفائها يقومون بأداء النذر لهذا الشيخ. فهلا أرشدتم العباد فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله: نعم النذر للشيخ عند حدوث المصائب إذا زالت المصائب محرم؛ لأن هذا الشيخ لا أثر له في حصول المصلحة أو دفع المضرة أو شفاء المريض أو غير ذلك، بل قد يصل هذا إلى حد الشرك الأكبر إذا اعتقد أن الشيخ بيده نفعٌ أو ضرر دون الله. فالواجب أولاً على المشايخ أن يتنزهوا عن هذا الأمر، وأن لا يوهموا العامة بأن لديهم سراً يستطيعون به شفاء المريض، وأن يعلموا أن الدنيا دار غرور فلا تغرنهم الحياة الدنيا، وأن الشيطان ربما يخدعهم ويزين لهم سوء أعمالهم، فإن الشيطان كما وصفه الله عز وجل في قوله:(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) . وعلى العامة أن يبتعدوا عن هؤلاء المشايخ، وأن لا يعتقدوا بهم، وأن يعلموا أنهم دجالون كذابون ليس لديهم من الأمر شيء. وها هو النبي عليه الصلاة السلام أشرف خلق الله وأعظمهم ولاية وجاهاً عند الله يقول الله تعالى:(لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) . فكيف بهؤلاء الدجالين الكذابين؟ فإنني أوجه النصيحة أولاً إلى هؤلاء المشايخ أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي عباد الله، ثم ثانياً إلى الناس عموماً أن لا يغتروا بأمثال هؤلاء، وأن يعلموا أنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فكيف يملكون لغيرهم؟ وإذا أراد الإنسان أن يشفى مريضه أو يحصل له مطلوبٌ أو يرتفع عنه مكروب فليتوجه إلى الله عز وجل، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو الذي بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، ليصدقوا مع الله حتى ينالوا جزاء الصادقين، كما قال الله تعالى:(لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) ، وحتى يكون لهم قدم صدقٍ عند الله عز وجل، وليعلموا أنهم إذا لجؤوا إلى الله واتقوا الله عز وجل يسر لهم الأمور وكشف عنهم الكروب. قال الله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) . (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . أما التعلق ببشرٍ مثلهم فهو سفهٌ في العقل وضلال في الدين.

***

ص: 2

‌487-هذا المستمع بعيضة فضيل من الجزائر يقول: في القرية التي أقيم فيها بعض العادات توشك أن توقعنا في خطر كبير، منها زيارة بعض أشخاص قد ماتوا قديماً يدعي أجدادنا أنهم من الأولياء الصالحين، وزيادة على هذا فإنهم يسألونهم الخيرات والرزق مثل الأولاد دون أن يسألوا الله العلي القدير، ويلقون إليهم بالنذور كأن يقول الواحد منا: إن نجحت في الامتحان لأذبحن كبشاً وأقدمه قرباناً إلى ذلك الولي الصالح، ويسميه باسمه الشخصي، وفعلاً فهم يوفون بالنذر. فهل يجوز هذا أم لا؟ وما هي نصيحتكم لهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره، فهذه القبور التي يزعم أن فيها أولياء تحتاج إثبات أنها قبورٌ أولاً، قد يضع شيئاً ويقال: هذا قبر فلان كما ثبت ذلك. ثانياً: إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله؛ لأننا لا ندري هل هم أولياء لله أم أولياء للشياطين؟ ثالثاً: وإذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم أو دعائهم أو الاستغاثة بهم والاستعانة بهم في هذه الأمور، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للدعاء لهم فقط، على أنه إذا كان في زيارتهم فتنة فإنه لا تجوز زيارتهم، لو كان في زيارتهم مثلاً خوف فتنة بالغلو فيهم فإنه لا تجوز زيارتهم، دفعاً للمحظور ودرءاً للمفاسد. فأنت يا أخي حكم عقلك هذه الأمور الثلاثة التي ذكرت لابد أن تتحقق: ثبوت القبر، ثبوت أنه ولي، ثالثاً الزيارة لا لأجل الاستعانة بهم ولكن لأجل الدعاء لهم؛ لأنهم الآن في حاجة، مهما كانوا فهم في حاجة إلى الدعاء لهم، أما هم فهم أموات جثث لا ينفعون ولا يضرون. ثم إن قلنا: إن ازيارتهم لأجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محذوراً، فإن استلزمت محذوراً بحيث يغتر بهم فإن زيارتهم لا تجوز، أما من زارهم على الوصف الذي ذكره السائل ليستغيث بهم أو نذر لهم فذبح لهم فإن هذا شرك أكبر مخرج من الملة، يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار.

***

ص: 2

‌488- من سلطنة عمان المنطقة الجنوبية عامر بن أحمد يقول: هل يجوز النحر للميت؟ أفيدونا أفادكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: لا ندري ماذا يريد من النحر للميت إن أراد بالنحر للميت؟ التقرب إلى الميت بالذبح له فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، ومن فعله فعليه أن يتوب إلى الله من شركه، فإن لم يفعل ومات على ذلك فإن الله يقول:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وأما إن أراد بالنحر للميت أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها عن الميت فهذا جائز؛ لأن الصدقة عن الميت باللحم أو بطعام آخر أو بالدراهم جائزة. فينظر في مراد السائل هل أراد النحر للميت تقرباً إليه وتعظيماً؟ فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بتوبة، وإن أراد بذلك أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها فهذا لا بأس به.

***

ص: 2

‌عدنان عبد القادر من السودان كسلا يقول: بعض الناس هداهم الله يحلفون بالأولياء ويطلبون منهم العون، فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال هو أن طلب الحوائج من الأولياء الأموات أو الأحياء الذين لا يستطيعون مباشرة قضاء الحاجة شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وفاعله مخلدٌ في نار جهنم، قال الله تعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وأما إذا كان الولي حاضراً وطلب منه الإنسان ما يقدر عليه: كإعانته على إخراج عفشه من البيت، أو بتحميله في السيارة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن طلب قضاء الحاجة من الحي الحاضر القادر لا بأس به؛ لأنه من الاستعانة بأخيه المسلم على قضاء حاجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما الحلف بالأولياء فهو أيضاً شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولكن إن كان يرى أن هذا الولي يستحق من التعظيم ما يستحقه الله عز وجل فإنه شركٌ أكبر، وإن كان لا يرى ذلك ولكن حلف بهذا الولي إجلالاً وتعظيماً له دون أن يرى أنه يستحق من التعظيم ما يستحقه الرب العظيم فإن هذا يكون شركاً أصغر. وعلى كل حال فيجب الحذر من هذا وأن لا يحلف إلا بالله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .

***

ص: 2

‌قرأت في كتيب بعنوان صيغة الصلاة على سيدنا محمد فيها فوائد عظيمة لقضاء الحاجات، والصيغة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد سر حياة الوجود، والسبب العظيم لكل موجود، الحبيب المحبوب، شافي العلل ومفرج الكروب. ما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا الدعاء أنه منكر، ولا يجوز للإنسان أن يدعو به؛ لأنه وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه سر الوجود، وأنه شافي العلل، وهذا شرك: فالشافي هو الله تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه يقول في الدعاء على المريض:(واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك) . فكيف يدعي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو شافي العلل؟ فعلى من رأى هذا الدعاء أن يمزقه وأن يحذر منه. وإنني بهذه المناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين عن ما يتداوله الناس أحياناً من ورقات يوزعها أناس مجهولون، فيها أنواع من الأدعية كلها أسجاع غريبة تصد الناس عن الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو التي ذكرها الله تعالى في القرآن، فتجد الناس- لحسن أسلوب هذه الأدعية التي توزع أحياناً، ولكون الشيطان يزينها في قلوبهم- يكبون عليها ويعرضون عما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية النافعة الجامعة، وأنصح كل من وقع في يده شيء من هذا أن يعرضه على أهل العلم قبل أن يتعبد لله به. هؤلاء الذين يوزعون هذه المناشير إما جاهلون فهم تحت عفو الله عز وجل، على أني أخشى ألا يعفى عنهم؛ لأن الواجب على الإنسان في هذه الأمور أن يسأل أهل العلم قبل أن يوزعها؛ وإما متعمدون لصد الناس عن الأدعية الواردة المشروعة إلى هذه الأدعية المصنوعة المسجوعة؛ ليبعدوا الناس عن ما جاء في الكتاب والسنة، ولا شك أن الأدعية الواردة في الكتاب والسنة خير ما يكون من الأدعية؛ لأنها من عند الله عز وجل علمها عباده، ومن عند النبي صلى الله عليه وسلم علمها أمته، فالحذار الحذار أيها الإخوة من التمسك بهذه المنشورات. وكما ترد هذه المنشورات في الأدعية ترد أيضاً في مسائل أخرى: فتوزع أحياناً منشورات فنها أحاديث مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . وقال: (من حدث عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين، أو الكاذِبَيْن) . فليحذر عباد الله من هذه المنشورات توزيعاً أو طباعة، أو شراءً أو بيعاً، أو هدية أو استعمالاً. والعلماء والحمد لله موجودون في البلاد، يتمكن الإنسان من الوصول إليهم مشافهة ومباصرة، أو مشافهة عن طريق الهاتف.

***

ص: 2

‌491-هذا سائل للبرنامج يقول: أرجو التكرم من فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين بالإجابة على أسئلتي. يقول: يوجد في قريتنا إمام مسجد يدعو الناس إلى الاستغاثة بغير الله من الأموات، ويعتقد ذلك من الأمور التي تقرب الناس إلى الله تعالى. فما حكم الإسلام في نظركم في هذا الرجل؟ وما حكم الصلاة خلف هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هذا الرجل الذي يدعو إلى الاستغاثة بغير الله مشرك داع إلى الشرك، ولا يصح أن يكون إماماً للمسلمين، ولا يصلى خلفه، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل قبل أن يدركه الموت. الاستغاثة لا تكون إلا بالله وحده، وتكون الاستغاثة بحي قادر على أن ينقذ من استغاث به من الشدة، كما في قول الله تبارك وتعالى:(فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) . أما أن يستغيث بالأموات فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وإنني من هذا المنبر أدعو هذا الرجل إلى أن يتوب إلى الله عز وجل، ويعلم أن الاستغاثة بالأموات لا تقرب إلى الله بل هي تبعد من الله عز وجل، ومن استغاث بالأموات فهو داخل في قول الله تعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .

***

ص: 2

‌492- نحن في بلاد غير إسلامية يكثر فيها غير المسلمين، وكان بينهم وبين المسلمين مناظرات، وفي هذه المناظرات أثيرت شبهة، وهي أن أهل الكتاب قالوا: إنكم أيها المسلمون تشركون بالله؛ لأنكم تطوفون بالكعبة ومن ضمنها الحجر الأسود، وهذا يعني أن المسلمين يشركون بالله. والسؤال: كيف نرد على هذه الشبهة؟ علماً بأنهم رفضوا قبول النصوص بتاتاً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هذه الشبهة بأننا ندور على الكعبة لا تعظيماً للكعبة لذاتها ولكن تعظيماً لله عز وجل؛ لأنه رب البيت؛ وقد قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) . والذين يطوفون بالبيت ليسوا يسألون البيت يقولون يا أيتها الكعبة اقضيِ حوائجنا، اغفري ذنوبنا، ارحمينا، أبداً، بل هم يدعون الله عز وجل ويذكرون الله ويسألون الله المغفرة والرحمة، بخلاف النصارى عابدي الصلبان الذين يعبدون الصلىب ويركعون له ويسجدون له ويدعونه، ومن سفههم أن الصلىب كما يدعون هو الذي صلب عليه المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، فكيف يعظمون ما كان المقصود به تعذيب نبيهم عليه الصلاة والسلام وكيف يعظمونه؟ ولكن هذا من جملة ضياع النصارى وسفاهتهم، على أننا نحن المسلمين لا نرى أن عيسى عليه الصلاة والسلام قتل أو صلب؛ لأن ربنا عز وجل يقول:(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) . وهات أي واحد من المسلمين حقاً يقول: إنه يطوف بالكعبة من أجل أن تكشف ضره أو تحصل ما يطلب، لن تجد أحداً كذلك.

***

ص: 2

‌المستمع محمد الطرشان دمشق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم فيما لو ذبح الإنسان خروفاً وقال: اللهم اجعل ثوابه في صحيفة الشيخ فلان بن فلان؟ هل في ذلك شيء من البدع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ذبح الإنسان خروفاً أو غيره من بهيمة الأنعام ليتصدق به عن شخص ميت فهذا لا بأس به، وإن ذبح ذلك تعظيماً لهذا الميت وتقرباً إلى هذا الميت كان شركاً أكبر، وذلك لأن الذبح عبادة وقربة، والعبادة والقربة لا تكون إلا لله، كما قال الله تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . فيجب التفريق بين المقصدين: فإذا قصد بالذبح أن يتصدق بلحمه ليكون ثوابه لهذا الميت فهذا لا بأس به، وإن كان الأولى والأحسن أن يدعو للميت إذا كان أهلاً للدعاء بأن كان مسلماً، وتكون الصدقة للإنسان نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى أن يتصدقوا عن أمواتهم بشيء، وإنما قال:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ولم يقل: يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلى عنه، فدل هذا على أن الدعاء أفضل وأحسن. وأنت أيها الحي محتاج إلى العمل، فاجعل العمل لك واجعل لأخيك الميت الدعاء. وأما إذا كان قصده بالذبح لفلان التقرب إليه وتعظيمه فهو شركٌ أكبر؛ لأنه صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى.

***

ص: 2

‌يقول بعض الناس: إذا سكن منزل جديد لا بد وأن يذبح بداخله ذبيحة أو ذبيحتان خوفاً من مس الجن اعتقاداً منهم بذلك. نرجو بهذا إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ذبح الإنسان عند نزوله للمنزل أول مرة اتقاء الجن وحذراً منهم محرم لا يجوز، بل أخاف أن يكون من الشرك الأكبر، ولا يزيد الإنسان إلا شراً ورعباً ورهباً، قال الله تعالى:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) . والإنسان إذا نزل منزلاً ينبغي أن يقول ما جاءت به السنة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فإن من نزل منزلاً وقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لن يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. أما إذا ذبح الذبائح ودعا الأقارب والجيران والأصحاب من باب إظهار الفرح والسرور بهذا المنزل الجديد فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه، وله أن يدعو من شاء ممن يرى أنهم يفرحون بفرحه ويسرون بسروره.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليك يا شيخ من شمال سيناء مصر السائل أبو محمد يقول: فضيلة الشيخ عندنا أناس يذبحون للأولياء والصالحين، ويذبحون عند شراء السيارة الجديدة حتى لا يحصل لها حادث، ويذبحون للبيت الجديد حتى لا تسكن فيه الجان، ويذبحون لخزان المياه حتى لا يغرق فيه أحد. أفيدونا بالحكم عن هذه المسائل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذبح للأولياء أو غيرهم من المخلوقين فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة، وقد قال الله تبارك وتعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . وهؤلاء لا تنفعهم صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا حج ولا غيرها من الأعمال الصالحة؛ لأن الكافر لا يقبل منه أي عمل صالح؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل من ذلك، وأن يستقيموا على الإخلاص، ومن تاب من الذنب تاب الله عليه، قال الله تبارك وتعالى:(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) . وأما الذبح عند نزول البيت أو بناء الخزان أو ما أشبه ذلك فهذا سفه وخطأ، لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وعليهم أن يكفوا عن هذا العمل؛ لأن ذلك ليس وسيلة إلى حفظ البيت أو الخزان أو ما أشبه ذلك، فهو يشبه التمائم والتعويذات التي ليست بمشروعة.

***

ص: 2

‌المستمع أبو سالم من العراق يقول: بعض الناس عندنا يذبحون الذبائح لغير الله، للإمام علي رضي الله عنه مثلاً، أو للشيخ عبد القادر، وأحياناً يكلفني بعضهم بأن أذبح له بتلك النية، ولكني في داخل نفسي أقول: هي لله تعالى؛ لعلمي أن ذلك لا يجوز. فهل في هذا شيء؟ وهل يلحقني شيء من الإثم؟ وهل يجوز الأكل من لحوم تلك الذبائح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذبح لغير الله شرك؛ لأن الذبح عبادة، كما أمر الله به في قوله:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ) . فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة والعياذ بالله، سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة أو رسول من الرسل أو نبي من الأنبياء أو لخليفة من الخلفاء أو لولي من الأولياء أو لعالم من العلماء، كل ذلك شرك بالله عز وجل ومخرج عن الملة، والواجب على المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه، وألا يطيع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله تعالى فيه:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . ولا يحل لك أنت أن تذبح له هذه الذبيحة وأنت تعلم أنه يؤمن بذلك: ذبحها لغير الله عز وجل، فإن فعلت فقد شاركته في الإثم حتى ولو فيما أُهلَّ لله به، فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الاعتبار بنية صاحبها الذي وكلك، فلا تفعل هذا. وأما الأكل من لحوم هذه الذبيحة فإنه محرم؛ لأنها أُهِلَّ لغير الله بها، وكل شيء أهِلَّ لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم، كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) فهي من قسم المحرمات، لا يحل أكلها لا لذابحها ولا لك ولا لغيركما.

***

ص: 2

‌الحلف

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، لكنه ليس شركاً أكبر مخرجاً من الملة، بل هو شرك أصغر، إلا أن يقع في قلب الحالف بغير الله أن منزلة هذا المحلوف به كمنزلة الله، فحينئذ يكون شركاً أكبر بناء على ما حصل في قلبه من هذه العقيدة، وإلا فمجرد الحلف بغير الله شرك أصغر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وبهذه المناسبة أود أن أحذر مما وقع فيه كثير من الناس اليوم حيث كانوا يحلفون بالطلاق، فتجد الواحد منهم يقول: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو ما أشبه ذلك. وهذا خلاف الصواب، وأكثر أهل العلم من هذه الأمة من الأئمة وأتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق لا يكفر، ويقولون: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعل فإنها تطلق، ولو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلت فإنها تطلق، سواء نوى التهديد أو نوى الطلاق. هذا هو الذي عليه جمهور الأمة وأئمة الأمة، فالمسألة خطيرة، والتهاون بها إلى هذا الحد: لو أن رجلاً قدم لشخص فنجاناً من الشاي قال: علي الطلاق ما أشربه، ويقول الثاني: علي الطلاق أن تشرب وما أشبه ذلك. لماذا هذا التلاعب بدين الله عز وجل؟ ولو أن أحداً من العلماء الذين يرون أن الطلاق يقع يميناً ويقع طلاقاً- أعني: الطلاق المعلق- لو أن أحداً من أهل العلم قال: أنا أريد أن ألزم الناس بذلك أي بالطلاق؛ لأن الناس تتابعوا فيه فألزمهم كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث، لو فعل ذلك لكان له وجه؛ لأن الناس كثر منهم هذا، كثر كثرة عظيمة، لو أن العالم الذي يستفتى قارن بين ما يستفتى عنه في مسائل الدين وبين ما يستفتى عنه في هذا الطلاق المعلق لوجد أن استفتاءه في هذا الطلاق المعلق أكثر بكثير من استفتائه في أمور تتعلق بالدين، وأنا أحذر الأزواج من أن يسهل على ألسنتهم هذا الطلاق أو هذا الحلف بالطلاق.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله محرم ونوع من الشرك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:(لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وكان من عادتهم في الجاهلية أنهم يحلفون بآبائهم، ولهذا قال:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله) تحقيقاً لتوحيده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: واللات- يعني: حلف بهذا الصنم- فليقل: لا إله إلا الله) يعني من حلف بها فليقل: لا إله إلا الله، (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق) ؛ لأن المقامرة حرام من الميسر وأكل المال بالباطل، فليتصدق فليداوِ الداء بما يوافقه من دواء.

***

ص: 2

‌يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الصدقات:(وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، وهو من الشرك. وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلاً والنبي، عليك الشيخ فلان مثلاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . بل قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الشرك حيث قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا الحلف بالولي، ولا الحلف بالملك، ولا الحلف بالوطن، ولا الحلف بالقومية، ولا بأي مخلوقٍ كان، إنما يحلف بالله عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى، فيقال: والله العلي العظيم، والله الرحمن الرحيم، ورب الكعبة. أو يقال: وعزة الله، وقدرة الله وما أشبه ذلك من صفاته، فإنه يجوز الحلف به، ومع هذا فإنه لا ينبغي إكثار الحلف؛ لقوله تعالى:(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن معناها على أحد الأقوال أي: لا تكثروا الحلف بالله، ولا سيما إذا كان الحلف عن كذب فإن الأمر في ذلك خطير، فإن الكذب في اليمين إن تضمن أكل مال الغير بغير حق- ومعلومٌ أن الكذب ليس فيه حق- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) . وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار والعياذ بالله. وينبغي أن يعلم أن الحالف بالله إذا قرن يمينه بمشيئة الله فإنه لا كفارة عليه إذا حنث، مثل أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإنه إن لم يفعله فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . لذا ينبغي لكل إنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بالمشيئة، فإنه يستفيد في ذلك فائدتين: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر وحصول المقصود، والفائدة الثانية: أن لا تلزمه الكفارة فيما لو حنث. ودليل الأمر الأول- أي: تسهيل الأمور إذا قرن الإنسان يمينه بالمشيئة- ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان عليه الصلاة والسلام قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٍ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، لم يقل ذلك لقوة عزيمته عليه الصلاة والسلام، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان) ، ليبين الله عز وجل له ولغيره أن الأمر بيده سبحانه وتعالى، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يتألى على الله عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:(لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله) . وأما الثانية- وهي: أنه إذا قال: إن شاء الله فحنث فلا كفارة عليه- فهو ما سُقته آنفاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمينه فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) .

***

ص: 2

‌هل يجوز الحلف بغير الله سبحانه وتعالى؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم، وهو نوع من الشرك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وثبت عنه أنه قال: (من قال: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) . وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله سبحانه وتعالى، لا بالكعبة، ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل ولا بميكائيل، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف ولا بالقومية ولا بالوطنية، كل حلف بغير الله محرم وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله. وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، تكلم الله به حقيقة في لفظه مريداً لمعناه، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالكلام، فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفاً بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهو جائز. وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى:(والليل إذا يغشى) ، (والشمس وضحاها) وما أشبهها فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله سبحانه وتعالى فيعارضون به المحكم، فهذا الحلف ربنا سبحانه وتعالى هو الذي حلف به، ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، وهو سبحانه وتعالى قد نهانا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نحلف بغيره، فعلينا أن نمتثل الأمر وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به، فإن الله يفعل ما يشاء.

***

ص: 2

‌المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيراً من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف بغير الله فقد أشرك) . لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونوع من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف، على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان، من الحلف؛ لقول الله تعالى:(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من أحد معانيها: أي لا تكثروا الحلف بالله عز وجل، ولكن ما يجري على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لقول الله تعالى:(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . وقوله في آية أخرى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم) وعلى من حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره، وألا يعود إلى مثل ما جرى منه.

***

ص: 2

‌من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بحياة الله حلفٌ صحيح؛ لأن الحلف يكون بالله أو بأي اسمٍ من أسماء الله أو بصفةٍ من صفات الله، والحياة صفةٌ من صفات الله، فإذا قال: وحياة الله لأفعلن كذا وكذا كان يميناً منعقدةً جائزة. وأما إذا حلف بحياة النبي أو بحياة الولي أو بحياة الخليفة أو بحياة أي معظم سوى الله عز وجل فإن ذلك من الشرك، وفيه معصية لله عز وجل ورسوله، وفيه إثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .وإنا نسمع كثيراً من الناس يقول: والنبي لأفعلن كذا، وحياة النبي لأفعلن كذا، ويدعي أن هذا مما يجري على لسانه بلا قصد. فنقول: حتى في هذه الحال عود لسانك أن لا تحلف إلا بالله عز وجل، واحبس نفسك عن الحلف بغير الله. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أبين لإخواني المستمعين أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الأيمان؛ لأن بعض أهل العلم فسر قول الله تعالى:(واحفظوا أيمانكم) بأن المراد لا تكثروا الحلف، وإذا قدر أن الإنسان حلف على شيء مستقبل فليقل: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله كان في ذلك فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن هذا من أسباب تيسير الأمر الذي حلف عليه وحصول مقصوده، والثانية: أنه لو لم يفعل فلا كفارة عليه. ودليل ذلك قصة سليمان النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٌ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل اعتماداً على ما في نفسه من اليقين، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدةٌ منهن شق إنسان، أي: نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته) . وأما الفائدة الثانية- وهي: أنه لو لم يفعل لم يحنث، يعني لو حلف أن يفعل شيئاً فلم يفعل وقد قال: إن شاء الله- فإنه لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) .

***

ص: 2

‌هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نوعٌ من الشرك؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكرِ معظم، فكأن الحالف يقول: أؤكد هذا الشيء كما أعظم هذا المحلوف به، ولذلك كان القسم خاصاً بالله عز وجل، فلا يجوز أن تحلفوا بالنبي ولا بجبريل ولا بالأولاد ولا بغير ذلك من مخلوقات الله تبارك وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . الحلف بالأمانة كذلك لا يجوز؛ لأنه حلفٌ بغير الله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من حلف بالأمانة فليس منا) . لكن أحياناً يقول الإنسان: بأمانتي، ويقصد بذلك العهد والذمة ولا يقصد اليمين، فيقول: بأمانتي لأوفين لك، أو: بذمتي لأوفين لك، والمقصود بذلك الالتزام لا تعظيم الأمانة ولا تعظيم الذمة، فهذا لا ينهى عنه إلا احتياطاً، خوفاً من أن يقتدي به من يحلف بالأمانة أو الذمة. والذي أعرف من أصل العوام في قولهم: بذمتي لأفعلن كذا، أنهم يريدون بذلك العهد لا الحلف بالذمة.

***

ص: 2

‌هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان: والنبي لأفعلن كذا، أو: والنبي لقد كان كذا، فهذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو محرم، بل هو من الشرك الأصغر، بل من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم أن للنبي صلى الله عليه وسلم منزلة كمنزلة الرب عز وجل، فإنه في هذا يكون مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة. فالواجب الحذر من الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والبعد عنه؛ لأن هذا- أعني: البعد عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم هو عنوان تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بمعصية الرسول، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بأن يبتدع الإنسان في دين الله ما ليس منه، إن تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام هو أن يلتزم العبد شريعته اتباعاً للمأمور، وتركاً للمحظور، أما أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، أما أن يأتي بما فيه معصية الرسول عليه الصلاة والسلام فقد كَذَبَ فيما ادعاه من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، كذب لأنه خالف الرسول، والمحب للرسول لا يخالفه، قال الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

***

ص: 2

‌بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله عز وجل، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله عز وجل في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله سبحانه وتعالى. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول:(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائماً محترزاً من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبراً من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئاً إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله. ثم إني أيضاً أنصح من أراد الحلف بالله عز وجل أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يوماً: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتماداً على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركاً لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله) . فانظر كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك.

***

ص: 2

‌المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عادياً، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء، فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك، فإذا أقسم أحد بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: والنبي، أو: والرسول، أو أقسم بالكعبة، أو أقسم بجبريل أو بإسرافيل، أو أقسم بغير هؤلاء فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت) . وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وقول الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، جوابه أن نقول: هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وبين أنه نوع من الشرك، فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عنه؛ لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، بل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما أن امتثال أمره واجتناب نهيه يدل على محبته صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادَّعوا محبة الله:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . فإذا أردت أن تعظم النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه عليه الصلاة والسلام فامتثل أمره واجتنب نهيه في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله سبحانه وتعالى، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(من كان حالفاً فليحلف بالله) ،وابتغاء مرضاة الله، واتقاء من الوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) .

***

ص: 2

‌القبور

ص: 2

‌هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت) . والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبراً خاصّاً من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له تبارك وتعالى، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضاً دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقاً، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقاً، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وقال:(إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبداً مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً، إذا كان هذا الميت لو كان حيّاً ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حياً لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتاً؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله عز وجل في كتابه:(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) .

***

ص: 2

‌يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البدعة التي ذكرها السائل- وهي: الدعاء عند القبور، أو طلب أصحاب القبور قضاء الحاجات- بدعةٌ عظيمة منكرة. أما الدعاء عند القبور فإنها بدعة، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إذا كان الإنسان يدعو الله عز وجل لكن يعتقد أن دعاءه في هذا المكان أفضل من غيره. وأما دعاء أصحاب القبور وطلب الحوائج منهم فهذا كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فيجب على الطائفتين- أي: التي تدعو الأموات، أو التي تدعو الله عند قبور الأموات- أن يكفوا عن هذا الأمر، وأفضل مكان للدعاء هو المساجد، وكذلك أفضل حالاتٍ للدعاء أن يكون الإنسان ساجداً، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الدعاء حال السجود، فقال عليه الصلاة والسلام:(ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) .

***

ص: 2

‌هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقداً أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة الأضرحة يعني القبور سنة، لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور، أولاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظاً وتذكراً بالآخرة، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن، الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر، وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم إذا زارهم:(السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها، سواء كان ذلك في النهار أو في الليل. وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض. ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة، وأقرب إلى إجابة الدعاء، وإلى حضور القلب وخشوعه.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ندعي هذا السائل بصحة دعواه، أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، الوعي العقلي قلَّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، إلا الهمج الرعاع هؤلاء من الأصل. فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية، فالشرك في القبور وشبهها في ظني بأنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر، وهو: محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) . فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبداً لها، فهي معبودةٌ له، أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا، حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جداً إلى الدنيا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) . هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية: وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا. فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال، سواءٌ من أجل الدنيا أو من أجل الدين الصحيح.

***

ص: 2

‌يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن بناء المساجد على القبور محرم لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، لعن ذلك وهو في النزع عليه الصلاة والسلام حيث قال:(لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله تبارك وتعالى، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور. وكذلك أيضاً لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين. والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر، ولا يجوز أيضاً أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعاً يجب هدمها والقضاء عليها. ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عموماً أن يقوموا لله تبارك وتعالى مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين.

***

ص: 2

‌يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه هو أنه يجب عليك مناصحتهم وبيان أن هذا ليس فيه خير وليس فيه بركة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيه بركةً يتبرك بها الناس. وليعلم أن الإنسان قد يفتتن، أو قد يفتنه الله عز وجل، فيأخذ من هذا التراب ويسقيه المريض أو يدهنه به فيشفى بإذن الله، فتنةً لهذا الفاعل، ويكون الشفاء عند هذا الفعل وليس بهذا الفعل، أي ليس الفعل سبباً ولكن حصل الشفاء عنده بإذن الله تعالى فتنةً واختباراً، فإن الله سبحانه وتعالى قد يفتن الإنسان بما يجعله يفعل المعصية؛ ليعلم عز وجل من الصادق في إيمانه ومن المتبع لهواه. والمهم أن عليك أن تنصح أهلك عما يفعلونه، وأن تبين لهم أن هذا أمرٌ لا حقيقة له، وأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تراب الأموات يتبرك به.

***

ص: 2

‌هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضاً إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها باباً من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: المساجد التي فيها قبور لا يخلو أمرها من حالين: الحال الأولى: أن تكون المساجد سابقة على القبر، بمعنى: أن المسجد قد بني ثم يدفن فيه ميت بعد بنائه، فهذا يجب أن ينبش القبر ويدفن الميت خارج المسجد في المقابر. والحال الثانية: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أنه يكون قبراً ثم يبنى عليه مسجد، وفي هذه الحال يجب أن يهدم المسجد؛ لأنه محرم في هذه الحال، وما كان محرماً فإنه لا يجوز إقراره، فيجب أن يهدم المسجد ويبقى القبر في مكانه، لكن لا يجوز أن يكون القبر على ما وصف السائل مرفوعاً مزخرفاً مبنياً بالإسمنت؛ لأن هذا من تعظيم القبور وإشرافها، وقد قال علي لأبي الهياج الأسدي:(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) . وكذلك أيضاً من المنكر أن يصب عليه الطين، أو توضع عليه الزهور، أو يتبرك بترابه، أو نحو ذلك من الأمور المنكرة التي تكون وسيلة إلى الشرك، فإن وسائل الأمور تلحق بغاياتها، بمعنى: أنها تكون محرمة، وإن كانت لا تساويها في مقدار الإثم وفي الحكم، لكنه لا شك أن وسائل المحرم محرمة يجب البعد عنها. والله أعلم.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح عليه السلام والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلاً، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه بدعة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إضاءة المقامات- يعني: مقامات الأولياء والأنبياء كالتي يريد بها السائل قبورهم- هذه الإضاءة محرمة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعليه، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور لا في ليالي الاثنين ولا في غيرها، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم فإن نذره محرم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) . فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر، ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ محل خلاف بين أهل العلم، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر. وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء، مثل: قبر صالح وموسى فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء، إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قبر موسى:(إنه كان عند الكثيب الأحمر قريباً من البلاد المقدسة. قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه) . وليس معلوماً مكانه الآن، وكذلك قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن مكان قبره معلوم: دفن في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها. وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر، وأقبح من ذلك الذبح عندها، فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها، لا سيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر، فإنه إذا قصد ذلك صار مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيراً

فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال من ناحيتين: الناحية الأولى: إثبات أن هؤلاء المقبورين من أولياء الله، فإنه لا يعلم هل هم من أولياء الله أو من أولياء الشيطان؟ لأن أولياء الله وصفهم الله تعالى بوصف من خرج عنه فليس من أولياء الله، فقال الله سبحانه وتعالى:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فلا نعلم حال هؤلاء المقبورين أهم متصفون بالإيمان والتقوى أم ليسوا متصفين بذلك؟ هذه واحدة، وعلى فرض أن يكونوا من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فإنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، بل هم جثث هامدة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم هوام القبور فضلاً عن أن يدفعوا عن غيرهم المكاره والشرور، أو يجلبوا لغيرهم الخيرات والسرور، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه:(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وإذا كان أشرف الخلق وإمام الأولياء والمتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) .فنقول لهؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات ويستغيثون بهم: إنكم ضالون ولا أحد أضل منكم؛ لأنكم تدعون من دون الله من لا يستجيب لكم إلى يوم القيامة، ونقول لهم: إنكم بدعائكم هؤلاء الأموات- وإن كانوا أولياء في اعتقادكم- أشركتم بالله عز وجل، فإن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لايقدر عليه فإنه يكون مشركاً بالله عز وجل، وهؤلاء الذين في القبور لا يقدرون أن يغيثوكم بشيء، ولا يقدرون أن يدفعوا عنكم شراً، ولا أن يجلبوا لكم نفعاً، فعلى هؤلاء الذين يذهبون إلى القبور أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى ربهم، وأن ينزّلوا حاجاتهم بالله، فإن الله تعالى هو الذي قال في كتابه:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالله تعالى هو المرجو لكشف السوء، وهو المدعو لطلب الخير، قال الله تعالى:(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) . فلا يقدر أحد على كشف السوء ولا على إجابة الداعي إلا الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فنصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يقلعوا عما هم عليه من دعوة الأموات والاستغاثة بهم، حتى يحققوا بذلك التوحيد، وليعلموا أن من أشرك بالله فإن الله تعالى لا يغفر له ذنبه، كما قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .

***

ص: 2

‌جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بواضح، هل هذا الولي حي؟ أو المراد قبر ولي؟ فإن كان المراد قبر ولي فلا شك أن عملهم هذا منكر، وأن الميت لا يفيد أحداً شيئاً، ويجب عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يطلبوا الشفاء منه لا من أصحاب القبور. وأما إذا كان حياً وأُوتي إليه بشيء يقرأ فيه ويدهن به المريض أو يشربه إن كان مما يشرب فإن هذا لا بأس به، ولكن يجب علينا أن نفهم من هو الولي؟ الولي من كان مؤمناً بالله متقياً لمحارم الله؛ لقوله تعالى:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ولا تُنال الولاية بالدعوى والتمسكن والتطامن كما يدعيه بعض الناس الذين يغرون العامة، فيتظاهرون بمظهر الأولياء وقد يكونون من الأعداء، وتعينهم الشياطين على مرادهم، فيظن العامة أن ما حصل كرامة وهو في الحقيقة إهانة. لذلك يجب علينا أن نحذر أمثال هؤلاء الأدعياء، وألا نغتر بظاهرهم وتمسكنهم؛ لأنهم يخدعون العامة بهذا المظهر.

***

ص: 2

‌المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء

.

فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيراً مما صنعوا، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد، سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها، فإن فعلوا بأن بنوا مسجداً على قبر من يرونه ولياً أو صالحاً فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه مسجد محرم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد. أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولاً ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المسجد تعيَّن للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة، هذا هو الحكم في هذه المسألة. وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل، وهو قوله: ما حكم الشرع في كذا وكذا؟ فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب؛ لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل، ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال: ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم؟ وما أشبه ذلك، أو يقول صيغة ثانية: ما رأيكم في كذا وكذا؟ حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله عز وجل، وهذا يرد كثيراً في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم، ويرد أحياناً في الكتب المؤلفة، فتجد الكاتب يقول: نظر الشرع كذا وكذا، حكم الإسلام كذا وكذا، مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأ، أما إذا كان الأمر أو إذا كان الحكم حكماً منصوصاً عليه في القرآن واضحاً فلا حرج أن تقول: حكم الشرع الحكم كذا وكذا، كما لو قلت: حكم الإسلام في الميتة أنها حرام؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) . حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وما أشبه ذلك. وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم، وعند كتابة الأحكام في المؤلفات، وكذلك في الخطب والمواعظ: أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصاً عليه نصاً صريحاً بيناً، وإلا فيقالُ: فيما أرى، أو يقول: يحرم كذا مثلاً، أو: يجوز كذا بدون أن يقول: إن هذا حكم الإسلام؛ لأنه قد يخطئ فيه. ولهذا كان بعض أهل العلم، بل كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه، وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، يقول: أكره هذا، أو لا يعجبني، أو: لا أراه، أو: هو قبيح، أو ما أشبه ذلك، تحرزاً من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح.

***

ص: 2

‌هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركاً بالله هذا أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجداً على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجداً على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهوماً لا محققاً، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي رضي الله عنه، فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدري كيف كان الحسين رضي الله عنه رجلاً واحداً ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء ليس بمعقول، فالحسين بن علي رضي الله عنه الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مُخفَىً خوفاً عليه من الأعداء، كما أخفي قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة، خوفاً من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال: إنها مبنية على قبور بعض الأولياء، نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيداً عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور، وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سبباً لقبول صلاتهم وكثرة ثوابهم فإن هذا وهْمٌ خاطئ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور فقال:(لا تصلوا إلى القبور) . وكذلك قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) . فالقبور ليست مكاناً للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبداً إلا صلاة القبر على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر، على كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك، وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له، وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان، حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد: فإن كان الإنسان يعتقد أنها وَهْم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبراً، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر.

***

ص: 2

‌يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء

.

فأجاب رحمه الله تعالى: حكمها أنها محرمة، ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته.

***

ص: 2

‌محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من صيغة السؤال أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد جاء في القرآن؛ لأنه قال: إن الله يخاطب المؤمنين بتجنب، فظاهر سؤاله أن ذلك في القرآن، والأمر ليس كما ظن إن كان قد ظنه، فهذا ليس في القرآن، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين القبور مساجد، فجاء ذلك في السنة. ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد من كبائر الذنوب، ولكن إذا وجد قبر في مسجد: فإذا كان المسجد مبنياً على القبر وجب هدمه وإزالته، وإن كان القبر موضوعاً في المسجد بعد بنائه وجب إخراجه من المسجد، فإذاً الحكم للأول منهما إن كان الأول هو المسجد فإنه يزال القبر، وإن كان الأول القبر فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يرد على هذا ما استشكله كثير من الناس بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه الموجودين في المسجد النبوي، وذلك لأن المسجد لم يُبنَ عليهما، المسجد كان مستقلاً، وهذه كانت حجرة لعائشة رضي الله عنها دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قبض، واختار أبو بكر أن يدفن معه، وكذلك عمر رضي الله عنهما، وقصة عمر في مراجعة عائشة في ذلك مشهورة. أقول: لا يرد على ذلك؛ لأن هذه الحجرة كانت منفصلة متميزة عن المسجد، ولم يقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا صاحباه في المسجد، ولم يُبنَ عليهما أيضاً، لكن في زمن الوليد وفوق التسعين من الهجرة احتاج المسجد إلى زيادة، فرأى الولاة في ذلك الوقت أن يضاف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ومن جملتها حجرة عائشة رضي الله عنها، إلا أن الحجرة بقيت منفصلة متميزة عن المسجد ببنايتها. على أن من الناس في ذلك الوقت من كره هذا الأمر ونازع فيه ولم يوافق عليه، وقد ذكر أهل العلم أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت في المدينة، وأن الموجود من الصحابة في ذلك الوقت كانوا نازحين في البلاد الإسلامية التي فتحت، وعلى هذا فالمسالة- أي: إدخال الحجرة في المسجد- ليست موضع اتفاق من الناس في ذلك الوقت، إلا أنها بقيت ولم تغير؛ لأن تغييرها صعب، فلذلك أبقوها كما هي والحمد لله منفصلة عن المسجد، ولم توضع القبور داخل المسجد، ولا المسجد بني عليها.

***

ص: 2

‌يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجداً على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان خارجاً عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلىن، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة- بكونه أي: المسجد حول المقبرة- فهذا لا بأس به، فأما إذا بني في جانب منها أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل فهذا لا يجوز.

***

ص: 2

‌التصوير

ص: 2

‌ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علماً بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز، وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن، هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف، لكن الجمهور على أنها جائزة. أما ما لا يمتهن، سواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها فإنه لا يجوز، ولا يحل للمرء اقتناؤه، فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم وغيرها أو غيرها هذه لا تجوز، ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيباً له أو صديقاً له في يومٍ من الأيام قد يكون يوماً من الأيام بغيضاً لك، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض، وقد قيل: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما. على كل حال هذه الذكرى لا تنبغي، والإنسان عبارة عن ابن وقته، والأحوال تختلف وتتغير، فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور، بل ولا يجوز أن يحتفظ بها. وأما التصوير فنوعان: أحدهما: أن يكون باليد بتخطيط اليد، بمعنى: أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلاً من وجهٍ ويدين إلى آخره، فهذا لا يجوز، وهو الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذاباً. وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم، وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويراً فعلياً من المصور في الحقيقة، بل هو ناقلٌ للصورة وليس مصوراً، وليس كالمصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله عز وجل وتصوير الله، وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوَّره الله سبحانه وتعالى بواسطة الضوء فبينهما فرق. ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: انقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصوراً والكتابة هذه كتابتي. لكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فالكتابة كتابة الأول، كتابة صاحب الخط الأول، ليست كتابة الذي صور بالآلة المصورة، فهذا مثله تماماً. وهذا هو الذي نرجحه: أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية، فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به، يعني: لا بأس بالتصوير للتابعية وشبهها، ومع هذا- مع قولنا بالجواز، أو مع ترجيحنا للجواز- نرى أن اللائق للمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع؛ لما في ذلك من الشبهة، فإن بعض أهل العلم يرون أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية يرون أنه حرام، وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة.

***

ص: 2

‌أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلاً إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: البصمة الإحاطة بها صعبة جداً؛ لأنه لا يعرفها إلا أفرادٌ من الناس، وبشرط أن توضع البصمة على قدرٍ معين من الحبر أو شبهه؛ لأنه إذا زاد لم تنضبط العلامة، وإذا نقص كذلك لم تنضبط. فمن أجل هذا نرى أن استعمال البصمة بدلاً من الصورة قد تكون أعظم وأشق؛ لأن الإنسان ربما يضرب على الورقة ببصماته عدة مرات فلا يمكن ضبطها، ثم هي عرضة أيضاً لأن تطرأ عليها حكٌ أو شبهه، فإذا تغيرت أدنى تغير لم يحصل بها فائدة. فلا نرى أن مثل هذه الوسيلة تكفي عن وسيلة التصوير.

***

ص: 2

‌تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذان سؤالان، السؤال الأول البكاء على الميت: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين: قسم بمقتضى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه، فهذا لا يعذب به الميت. وقسم آخر يكون متكلفاً ويرخي الإنسان لنفسه العنان في الاستمرار في البكاء، فهذا يعذب به الميت في قبره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) ، لكن هذا التعذيب ليس عقوبة، وإنما هو بمعنى التألم والتوجع؛ لأن العذاب قد يطلق على هذا، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن السفر قطعة من العذاب) . وأما الاحتفاظ بصور الميت فلا يجوز، بل الواجب إحراقها من حين أن يموت؛ لأن تعلق النفس بالميت أشد من تعلقها بالحي، ويخشى أن الرجل يذهب يطالع صورة الميت ليتجدد حزنه وأسفه عليه، وإن كان معظماً فربما يعلق صورته في الجدار فيحصل بذلك ضرر ومفسدة، لهذا أرى أنه من حين أن يموت الميت يجب أن تحرق صوره كلها ولا تبقى.

***

ص: 2

‌رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور التي تحفظ كما يقولون للذكرى نرى أن الاحتفاظ بها حرام، لا سيما إذا كانت صور أموات، وأن الواجب إحراقها وإزالتها؛ لأنها صورة حقيقة، وإذا كانت صوراً حقيقة فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة يراد به التحذير من اقتناء هذه الصور. فنصيحتي لهؤلاء الأخوات السائلات أن يحرقن ما عندهن من هذه الصور، وألا يعدن لأمثال ذلك.

***

ص: 2

‌من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة، أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المصورين)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضاً أن الله تعالى قال:(ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) . وفيه أيضاً في الحديث الصحيح: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ، والأدلة في هذا كثيرة. ومن التصوير- على القول الراجح- المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه، وهو كبيرة من كبائر الذنوب. أما التصوير بالآلة الفوتغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير، وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا فنرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا: ما أجود هذا المصور وما أحذقه لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صور فقالوا: ما أحسن هذا ما أحذق هذا! فدل ذلك على الفرق بين من يرسم الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية. ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتاباً بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة، وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون يتولى هذا رجلٌ أعمى، أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط الرجل الآخر فجاء يقلد آخر حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقاً للرسم. ومن هذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويراً ينسب إلى الفاعل ولا يقال إن هذا مضاهئٌ لخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئاً والقول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمراً محرماً؛ لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شي محرم كانت حراماً؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمثلاً لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون؛ لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) .

***

ص: 2

‌ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علماً بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها أي طمس وجوهها ورؤوسها فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس: حقيقة الإنسان تعرف برأسه، عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه، فعلى هذا فالواجب أن يطمس الرأس والوجه، هذا إذا تمكن، أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة، فلهذا نرى أنه لا بأس به إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها.

***

ص: 2

‌رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقاً فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال، نعم تعليقنا عليها أن الصور لا تجوز إلا إذا كانت في أمور ممتهنة كالمخاد والفرش وشبهها، وإلا فلا يجوز اقتناؤها لا في الرسائل ولا في تعليقها على الجدران ولا في حفظها في ألبوم الذي يسمونه ألبوم، ولا غير ذلك.

***

ص: 2

‌ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها مادامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولاً أو أسوداً أو جمالاً أو غير ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) ، وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه، فعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته. وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم، وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه، وأنه لا ينبغي لعاقل فضلاً عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته. والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها، فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثماً، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) . فلا يجوز استيرادها ولا إيرادها، ولا بيعها ولاشراؤها، ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض؛ لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول لعباده:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وكذلك أيضاً يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها؛ لأن تعليق الصور رفع من شأنها، فيدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) . وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافاً بين أهل العلم هل يحرم أو لا؟ وجمهور أهل العلم على حله، فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشاً ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن، ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس.

***

ص: 2

‌يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح فهي محرمة لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه لعن المصورين، وثبت أيضاً عنه أنه قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) ؟ وهذا محرم. أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس بها وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح.

***

ص: 2

‌المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك. ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يرسم صور الشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها مما خلق الله عز وجل، ويجوز أن يحرص على دقة تصويرها حتى تكون كأنها منظر طبيعي، لكن بشرط أن لا يكون فيها صور من ذوات الأرواح كالإنسان والبهائم، وذلك لأن تصوير الإنسان والبهائم محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المصورين، وأخبر أن من صور صورة فإنه يُجعل له بها نفس يعذب بها في جهنم) . وقال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله) . وأخبر صلى الله عليه وسلم (أنه يقال لهم -تحدياً وتعجيزاً-: أحيوا ما خلقتم) . فلا يجوز للإنسان أن يصور ما فيه روح من بشر أو غيره، سواء صورها مستقلة أو صورها داخل هذه المناظر التي ذكرتها السائلة، وهي من كبائر الذنوب- أعني: التصوير لذوات الأرواح من كبائر الذنوب-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه اللعنة، ومن فعل من ذلك شيئاً فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يمزق أو يحرق ما صوره حتى لا يبوء بإثمه، وأما ما ليس فيه روح فلا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح، وإذا جاز أن يصور ما ليس فيه روح من الأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال والبيوت وما أشبهها جاز أن يعلقها على بيته وينظر إليها ويهديها إلى غيره، لكن ينبغي أن لا يسرف في هذا فيصرف الأموال الكثيرة في شراء مثل هذه المناظر وتعليقها على الجدر أو إهدائها إلى غيره، فإن الإسراف حرام؛ لقول الله تعالى:(وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .

***

ص: 2

‌المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في تحنيط الطيور- بعد أن تذبح ذبحاً شرعياً، الأصل- أنه جائز، لكن إذا كان في ذلك إضاعة للمال فإنه قد يمنع منه من هذه الناحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) ، وإضاعة المال صرفه في غير فائدة. أما إذا كان هناك فائدة مثل إطلاع الناس على مخلوقات الله عز وجل التي تدل على تمام قدرته سبحانه وتعالى وكمال حكمته فإن هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة، وأخشى أن بعض الناس يشتري هذه الحيوانات المحنطة بثمن كثير باهظ مع أنه قد يقصر على أهله ومن تلزمه نفقتهم، فيدع أمراً واجباً لأمر ليس بواجب، بل لأمر ليس فيه إلا إضاعة المال.

***

ص: 2

‌هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث، لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة، وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي وهذا في الصور المرسومة، وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم وإن كان الجسم أكثر؛ لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي. ويدل على ذلك على العموم، وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيماً أو كان تلويناً عموماً، لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين، فعموم لعنه للمصورين يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة، والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط. ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن: أن يكون بعيداً عن الشبه. ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص، لا في اتباع الأشد؟ نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد، لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا فالأحوط الأخذ بعمومه، وهذا ينطبق تماماً على أحاديث التصوير، فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنساناً ولا حيواناً آخر؛ لأنه داخلٌ في لعن المصورين.

***

ص: 2

‌السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تحرق جميع الصور التي تحتفظ بها الآن؛ لأنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى، فعليك أن تحرقها من حين أن تسمع كلامي هذا. وأسأل الله لي ولك الهداية والعصمة مما يكره.

***

ص: 2

‌بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتباً فيها صور فما الحكم في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذاكر في المسجد أن يذاكر الدروس التي ليس فيها صور، وذلك لأنه إذا أحضر صورة إلى المسجد فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، لكن هذه الصور التي تكون في المقررات غالبها يكون قد أغلق عليه الكتاب، فهو غير ظاهر ولا بارز، ثم إن بعضاً منها يكون فيه صورة الرأس فقط دون بقية الجسم، والصورة التي تحرم إنما هي ما يعرف أنها صورة لوجود الجسم كله أو غالبه.

***

ص: 2

‌المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكوراً بالإجابة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم، فإن عائشة رضي الله عنها (كان لها بنات- أي: لعب تلعب بهن- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة، وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه ولا حرج فيه، والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة، فتجعل لها فراشاً ووسادة، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها، وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات، وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية، ولا شك أن هذا يعطيها تعليماً لتربية الأولاد في المستقبل، ويعطيها أيضاً حناناً على من يكون طفلاً لها حقيقة، ويعطيها تسلية وفرحاً وسروراً، ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل، فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه. أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة، لها رأس وأنف وعين، وربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك، فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة، بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه، ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية. ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلاً بعموم الحالات لا بعموم اللفظ؛ لأنه ليس هناك لفظ عام؛ لأن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة، ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها.

***

ص: 2

‌يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الصور المجسمة للحيوانات التحريم، وأنه لا يجوز اقتناؤها لا للصغار ولا للكبار، وإذا لم يجز اقتناؤها لم يجز بيعها وشراؤها؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، لكن بعض أهل العلم رخص في لعب البنات الصغيرة تتخذ للبنت الصغيرة، من أجل أن تتعود على تربية البنات فيما لو رزقها الله تعالى بنتاً، فمنهم من قال: إن هذه الصور المرخص فيها يجب أن لا تكون على شكل الصورة الحقيقية فلا يكون لها عينان ولا أنف ولا شفتان ولا وجهٌ إلا مطموساً كالظل، ومنهم من قال: إنه لا بأس أن تكون الصورة التي ستلعب بها البنت على شكل الصورة الحقيقية؛ لأن المقصود حاصل بهذا وبهذا. وأنا لا أشدد في هذه المسألة، فأقول: إن تمكن أولياء البنت الصغيرة أن يأتوا لها بلعبٍ ليس لها وجه بين فهي كالظل فهو أولى وأحسن، أما صور الحيوانات الأخرى كالخيل والطيور وما أشبهها فالأصل منعها وعدم جوازها، جواز اقتنائها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها وشراؤها.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تماماً حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيراً فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثماً؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيراً في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل.

***

ص: 2

‌هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصور التي ليس لها رأس فلا بأس بإلباس الصبي منها، أي من الثياب التي فيها هذه الصور، وكذلك الرأس بلا جسم، إلا إذا كان الرأس من المعظمين في الكفر أو في الفسوق أو في الفجور، فإنه لا يجوز تعظيم هؤلاء ولا إحياء ذكراهم؛ لأنهم من دعاة الشر. لكن إذا كانت رأس إنسان مجهول لا يعلم من هو وليس فيه فتنة فلا بأس به بإلباس الصبي ثياباً من هذا النوع. وأما الصور الكاملة فإنه لا يجوز إلباس الصبي من الثياب التي فيها هذه الصور، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ. أما كيف التخلص منها؟ التخلص سهل: أن لا يشتريها الإنسان، أن يقاطعها الناس، وإذا قاطعها الناس لن ترد على بلادنا؛ لأنها لم ترد إلا حين شغف الناس بها وصاروا يستعملونها، فلو هجرت ولم تستعمل ما وردت إلى البلاد. فإذا قيل: لا نجد في السوق ثياباً جاهزة إلا وفيها هذه الصور؟ قلنا: لكن يوجد والحمد لله في السوق قطع من القماش لم تفصل بعد، فيشتري الإنسان قطعة ويفصلها عند الخياط على قدر الحجم الذي يريده.

***

ص: 2

‌ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل حقيقة في هذا السؤال، المسألة الأولى: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟ فهذه محل نظر: فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار- كما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صغيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينهها- قال: إن أخذها بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيراً من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. أما المسألة الثانية فهي: تعليق هذه أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) . فعلى المرء أن يتقي ربه، وأن يبعد عن هذه السفاسف. ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء مَن نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان، حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الأرفف للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رؤوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها. أما المسألة الثالثة فهو: بيع هذه الصورة المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام، وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضياً إلى محرم فإنه محرم، كما أنه هي- يعني: وجودها في المكان، ولو لعرضها للبيع والشراء- يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة.

فضيلة الشيخ: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسمى بالعرائس مثلاً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يدخل في ذلك، كما ذكرت لك أن العلماء اختلفوا في جوازها نظراً لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقال بعضهم: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية تمنع من إلحاقها بالبنات التي كانت تلعب بها عائشة، ومادامت المسألة في هذه الحال فإننا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع.

***

ص: 2

‌السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علماً بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذه الصور لا تمنع دخول الملائكة، وذلك لأنها غير مقصودة ولا مأبوه بها، والإنسان لا يهتم بها ولا بالنظر إليها، ووجودها وعدمها عنده سواء. فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي هي فيه؛ لأن امتناع دخول الملائكة فيه نوع عقوبة على صاحب البيت، ولا عقوبة على شيء لا يحرم عليه. ومع ذلك فالتنزه عنها أولى والبعد عنها أولى، ولكننا لا نقول: إن ذلك حرام- أي: إن بقاءها في البيت حرام- لما أشرنا إليه آنفاً من أنها غير مقصودة، والتحرز منها فيه مشقة على الناس، ودخول الملائكة البيت إذا لم توجد فيه هذه الصور لا إشكال فيه، لكن إذا وجدت فيه هذه الصور ففيه إشكال، ولكن الظاهر والله أعلم أنها لا تمتنع من دخوله؛ لأن اقتناءها على هذا الوجه ليس مقصوداً به الصورة.

***

ص: 2

‌وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التقاط الصور التذكارية إذا كانت صور آدميين فإنه لا يجوز، أو حيوانات كالإبل مثلاً فإنه لا يجوز؛ لأن فيه اقتناءً للصور، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، إلا ما استثني من الصور، وهو: ما اتخذ فراشاً ومخدة وما أشبه ذلك مما يمتهن، وأما هذه الصور التذكارية للحيوانات والإنسان فإنها لا يجوز اقتناؤها في كل حال. وأما إذا كانت الصور التذكارية للكعبة مثلاً أو لجبال منى أو لجبل عرفة أو لمسجد نمرة أو لمسجد المزدلفة أو لمسجد الخيف في منى فإن هذا لا بأس به، ما لم يؤد ذلك إلى محظورٍ شرعي، فإن أدى ذلك إلى محظور شرعي فإنه لا يجوز، وإلا فالأصل الإباحة.

فضيلة الشيخ: هل مثل الصور لهذه المساجد لابد أن يكون فيها رجال أو نساء أو مخلوقات؛ لأنها لا يتصور أن تخلو من الناس؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من الممكن إذا ظهرت الصورة وفيها صور آدمي أن يطمس وجوهها، وحينئذ تبقى سليمة.

***

ص: 2

‌البدعة

ص: 2

‌المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة الشرعية- أعني: التي تكلم عنها الشرع- هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، هذه هي البدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب في الناس يوم الجمعة:(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها) ، فدل هذا على أن المحدثة كل ما خالف السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذاً البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. مثاله في العقيدة: ما ذهب إليه أهل التعطيل الذين أنكروا كثيراً من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، مثاله قول الله تبارك وتعالى:(وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) قالوا: نحن لا نتعبد لله بأن الله يجيء بنفسه، ولا نعتقد بذلك، بل عقيدتنا أن الذي يجيء أمره، فيفسرون قول الله تعالى:(وَجَاءَ رَبُّكَ) بأن المراد جاء أمر ربك، ويعتقدون أن الجائي هو أمر الله لا الله، هذه بدعة؛ لأن الله تعالى لما خاطبنا بقوله:(وَجَاءَ رَبُّكَ) وكان القرآن نزل بلسان عربي مبين فإن مقتضى هذه العبارة في اللسان العربي المبين أن يكون الجائي هو الله لا غيره، ويكون المشروع لنا أن نؤمن بأن الله يجيء هو بنفسه، فإذا اعتقدنا أن الذي يجيء أمره، وأن معنى (وَجَاءَ رَبُّكَ) : وجاء أمر ربك، هذا بدعة بلا شك، وكل بدعة ضلالة. كذلك قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) معناها: علا العرش كما يليق بعظمته وجلاله، وذلك أن هذا الفعل استوى إذا عدي بعلى صار معناه العلو على الشيء، كما قال الله تعالى لنوح:(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ركبت عليه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنِ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي لتعلوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا علوتم عليه. وقال الله تعالى: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) يعني سفينة نوح، أي: استقرت عليه، على الجبل المعروف بالجودي. هذا معنى هذه الكلمة في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية بلسان عربي مبين:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي صيرناه باللغة العربية حتى تعقلوه، ولو تكلم الله به باللغة الفارسية وهو يخاطب العرب لكان هذا خلاف البيان، فقد قال الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى) أي: على العرش علا، لكنه ليس كعلونا على ظهور بهيمة الأنعام أو على الفلك، أو كعلو السفينة على الجودي، لا؛ لأنه استواء مضاف إلى الله عز وجل، فيكون استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل استواء المخلوق على المخلوق، يعني الله قال:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . فيأتي الإنسان ويقول: أنا لا أعتقد أن الله استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولكني أقول: استوى على العرش أي استولى عليه، فأنا أومن بأنه مستولٍ على العرش لا مستوٍ عليه. فنقول: هذا بدعة؛ لأن الله تعالى لم يخاطبك لتؤمن بأنه مستولٍ على العرش، إنما خاطبك لتؤمن أنه مستوٍ عليه، فقد تعبدت لله بما لم يشرعه، واعتقدت في الله ما لم يرد بهذه الآية الكريمة. هذان مثالان من البدعة، والأمثلة عن هذا كثيرة: كل من خالف ظاهر الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله أو فيما يتعلق بأمور الغيب عامة بدون دليل شرعي فإنه مبتدع. وأما البدعة في الأقوال فحدث ولا حرج: كثير من الناس يبتدع أقوالاً لم تكن مشروعة، إما في القدر، أو في الجنس، أو في الوقت، أو في السبب. وذلك لأن العمل لا يكون عبادة حتى يوافق الشرع في أمور ستة: في جنس العمل، وفي قدره، وفي كيفيته، وفي سببه، وفي زمانه، وفي مكانه. حتى لو ذكرت الله عز وجل في غير موضع مشروع فيه الذكر لكنت مبتدعاً، لو كنت إذا أردت أن تأكل قلت: لا إله إلا الله، تتعبد لله بها كما يتعبد الآكل بقوله: باسم الله لقلنا لك: أنت مبتدع. قلت: كيف أكون مبتدعاً وأنا أذكر الله؟ لا إله إلا الله كلمة الإخلاص. نقول: نعم ليس هذا مكانها، فأنت لم توافق الشرع في مكان العبادة هذه فتكون مبتدعاً. لو أن الإنسان ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى قبل الصلاة متعبداً لله بذلك، مع علمه بأن المشروع في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالعبادة في غير وقتها. ولو وقف بعرفة في غير يوم عرفة متعبداً لله بهذا الوقوف لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالوقوف في غير زمنه. ولو حبس الإنسان نفسه على طاعة الله لكن في حجرة من بيته يريد بذلك الاعتكاف قلنا: هذا مبتدع؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في المساجد؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) . وكذلك الأفعال البدع فيها كثيرة حدث ولا حرج، لهذا نقول: القاعدة العامة في البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، فإذا قال قائل: هل كل البدع مذمومة؟ نقول: نعم كل البدع مذمومة؛ لقول أعلم الخلق وأصدق الخلق وأنصح الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعة ضلالة) ، كل بدعة هذه جملة من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ، صادرة ممن هو أعلم الخلق بشرع الله وأصدق الخلق فيما يقول وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق في نطقه قال:(كل بدعة ضلالة) ، ولم يقسمها إلى بدعة حسنة ولا بدعة سيئة، كل بدعة ضلالة، والضلالة سوء بلا شك، وأعتقد أنه لو كتبت هذه الجملة في كتاب وكتب في كتاب آخر: البدعة نوعان أو ثلاثة أنواع، لكان الذي يحكي الأقوال سيقول: قال فلان: كل بدعة ضلالة، وقسمها فلان إلى أقسام فجعل القول الأول مقابلاً للقول الثاني، ولم يجعل الثاني تقسيماً للأول، بل جعله قسيماً له. فإذا كان هذا يحصل في كلام العلماء بعضهم مع بعض أن من قال: كل بدعة ضلالة، فليس هو كقول من قال: إن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، بل هو قول مقابل له قسيم له، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- وهو الحاكم على كل قول من البشر- قال:(كل بدعة ضلالة) بدون تفصيل ولا تقسيم. ولهذا نقول فيمن قسم البدعة إلى قسمين: حسنة وسيئة، نقول: هذا التقسيم خطأ؛ لأنه مصادم للنص، وما صادم النص فهو فاسد مردود على صاحبه. ولهذا قال العلماء: إن القياس إذا خالف النص فهو فاسد الاعتبار. ثم نقول لهذا الذي قسم البدعة إلى قسمين أو أكثر: إما أن يكون ما ذكرته ليس ببدعة، فينتفي عنه وصف البدعة، ثم قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً؛ وإما أن يكون بدعة ولكنه ليس بحسن، وظنك أنه حسن ظن خاطئ؛ لأنه مصادم للنص. فإن قال قائل: أليس قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه حين وجد الناس في رمضان في القيام على إمام واحد خرج ذات ليلة فقال: (نعمت البدعة هذه) ؟ قلنا: بلى صح ذلك عن عمر، ولكن عمر رضي الله عنه سماها بدعة باعتبار ما سبقها من تفرق الناس، وإلا فهي سنة، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه جماعة في رمضان ثلاث ليال، ثم تركها وقال: خشيت أن تفرض عليكم. فلما زال هذا المحظور- وهو: أن تفرض علينا- صارت إعادتها سنة، فهو في الحقيقة تجديد سنة ليس إحداث سنة، فهي بدعة إذاً باعتبار ما سبق من كون الناس يصلون أوزاعاً. فإن قال قائل: لماذا غفل عنها أبو بكر وعمر في أول خلافته؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أبو بكر رضي الله عنه مدة خلافته قصيرة، هي سنتان وأربعة أشهر وأيام، وكان رضي الله عنه مشغولاً بشؤون المسلمين التي هي أكبر من هذا، أكبر من أن يجتمعوا في رمضان على إمام واحد؛ لأن أصل قيام رمضان سنة، ثم الاجتماع عليه سنة، فهو سنة في سنة، وأبو بكر مشغول بأمور المسلمين العامة داخل المدينة وخارج المدينة، فلا غرابة ألا تطرأ هذه على باله لا في خلافته ولا في خلافة عمر، وبهذا بطل تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) ؟ فنقول: البدعة داخلة في قوله: ومن سن في الإسلام سنة سيئة، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(كل بدعة ضلالة) . إذاً فمن ابتدع في الدين شيئاً فقد أساء، فيدخل في الجملة الثانية:(ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)،أما الجملة الأولى:(من سن في الإسلام سنة حسنة) فيراد بها أمران: الأمر الأول: أي من بادر إلى فعلها، فيكون السن هنا بمعنى الامتثال؛ لأن الإنسان إذا امتثل فتح الطريق للناس، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك حين حث المسلمين على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عليه الصلاة والسلام:(من سن في الإسلام سنة حسنة) . وهذا واضح في أن المراد من ابتدأ العمل بأمر مشروع فإنه يعتبر سانّاً له، أي قد سن الطريق للناس أن يقتدوا به، وهذا معروف بالفطرة والعادة: أن الإنسان يتأسى بغيره، وإذا رأى فلاناً فعل فعل مثله، أي يحمل على أن المراد: من سن في الإسلام سنة حسنة أي: من سن شيئاً من الوسائل التي يكون فيها تحقيقٌ للمصالح الشرعية، فهذه سنة لا شك. مثلاً سن تأليف الكتب، وتأليف الكتب غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، نفس القرآن ليس مكتوباً على هيئته اليوم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذ من صدور الرجال ومما كتب في عسب النخل واللخاف- وهي: الحجارة الخفيفة- وما أشبه ذلك، لكن جمع في مصحف في عهد عثمان في مصحف واحد، هذه سنة حسنة؛ لأنها وسيلة لاجتماع الناس على أمر مشروع. بناء المدارس غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه الصفة لفقراء المهاجرين، لكن على الشكل المعهود؟ لا، هذه من السنة الحسنة؛ لأنها وسيلة من باب الوسائل إلى تحصيل أمر مشروع، فهذا هو الذي يحمل عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولا يمكن أن يراد بها: من شرع شريعة لم يشرعها الله ورسوله؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لكان يناقض قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة) ، وكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفسر بعضه بعضاً. وإنما أطلت في جواب هذا السؤال لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس قد تشتبه عليه بعض النصوص وكيفية الجمع بينها، فكان لابد من الإيضاح. ثم إني في ختام هذا الجواب أقول لإخواني- وأخص بذلك طلبة العلم-: إذا جاءتهم نصوص مشتبهة تحتمل معانيَ متعددة، سواء كانت من القرآن أو من السنة فإن الواجب حملها على المحكم الواضح الذي لا اشتباه فيه، فتحمل على الاحتمال الذي يوافق ذلك المحكم وتلغى الاحتمالات الأخرى، حتى ولو كان احتمال هذا النص المشتبه لهذه الاحتمالات على حد سواء، فإن النصوص المحكمة ترجح أحد الاحتمالات وهو ما وافق النصوص المحكمة. وهذه الطريقة- أعني: رد المتشابه إلى المحكم- هي طريقة الراسخين في العلم المؤمنين بالله وكتبه، يقول الله عز وجل:(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) منه: أي بعضه، فمن هنا للتبعيض، آيات محكمات: أي لا اشتباه فيها، هن أم الكتاب: أي مرجع الكتاب الذي يجب أن يرد إليه ما تشابه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فيها احتمالات. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ويأتون بالمتشابه ليضربوا القرآن بعضه ببعض فيجعلوه متشابهاً. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يعني وأما (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكماً (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعني: فلا تناقض فيه (ومَا يذكرُ إلا أولوا الألباب) ، فهناك آيات مشتبهة تشتبه على القارىء، قد تشتبه على طالب العلم الذي لم يدرك، لكن الواجب رد هذه المتشابهات إلى المحكم لتكون محكمة. ولا حاجة أن أذكر شيئاً من الأمثلة على ذلك، أخشى أن يطول بنا الوقت أكثر مما ينبغي أن يستوعبه السامع، وأسأل الله أن يميتنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فضيلة الشيخ: متى ظهرت البدعة ومتى عرفت؟

فأجاب رحمه الله تعالى: البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم، لكنها تجدها بدعاً في مسائل معينة، ثم انتشرت حتى وصلت إلى العقيدة في الله عز وجل. ظهر في عهد الصحابة رضي الله عنهم بدعة القدر، وهو: إنكار قدر الله عز وجل فيما يتعلق بأعمال المخلوق، وجاءت بدعة الإرجاء، ثم جاءت بدعة جهمية: إنكار الصفات أو بعضها. ومن أراد أن يستزيد من ذلك فليرجع إلى مظانه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم.

***

ص: 2

‌ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة: كل شيء يأتي به الإنسان لم يسبقه إليه أحد. هذه البدعة، هذا في اللغة، سواءٌ كان في العادات أو في المعاملات أو في العبادات. ولكن البدعة الشرعية المذمومة هي البدعة في العبادات، بأن يتعبد الإنسان لله عز وجل بما لم يشرعه، سواءٌ كانت هذه العبادة تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح. فالبدعة شرعاً هي التعبد لله بما لم يشرعه. هذه البدعة شرعاً. وبناءً على ذلك فنقول: إذا كان الشيء يفعل لا على سبيل التعبد، وإنما هو من العادات، ولم يرد نهيٌ عنه فالأصل فيه الإباحة، وأما ما قصد الإنسان به التعبد والتقرب إلى الله فإن هذا لا يجوز إلا إذا ثبت أنه مشروع. هذه هي القاعدة في البدعة. وأما تقسيم بعض العلماء رحمهم الله البدعة إلى أقسام فإن هذا التقسيم لا يرد على البدعة الشرعية؛ لأن البدعة الشرعية ليس فيها تقسيم إطلاقاً، بل هي قسمٌ واحد حدده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال:(كل بدعةٍ ضلالة) . وجميع من يعرف اللغة العربية وأساليبها يعلم أن هذه الجملة جملةٌ عامة شاملة لا يستثنى منها شيء، كل بدعةٍ ضلالة، والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من قواعد الشريعة. ولكن إذا ظن ظانٌ أن هذه بدعة وأنها حسنة فهو مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنها ليست ببدعة وهو يظن أنها بدعة، كما لو قال: تصنيف السنة وتبويبها هذا بدعة لكنه بدعةٌ حسنة، أو قال: بناء المدارس بدعة لكنه بدعةٌ حسنة أو ما أشبه ذلك، نقول: أنت أخطأت في تسمية ذلك بدعة؛ لأن فاعل ذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بنفس الفعل، لكن يتقرب إلى الله بكونه وسيلةً إلى تحقيق أمرٍ مشروع. فتصنيف الكتب مثلاً وسيلة إلى تقريب السنة وتقريب العلم، فالمقصود أولاً وآخراً هو السنة وتقريبها للناس، وهذا التصنيف وسيلة إلى قربها إلى الناس فلا يكون بدعةً شرعاً؛ لأنك لو سألت المصنف قلت: تصنف هذا الكتاب على أبواب وفصول تتعبد إلى الله بهذا التصنيف، بحيث ترى أن من خالفه خالف الشريعة؟ أو تتقرب إلى الله تعالى بكونه وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي، وهو: تقريب السنة للأمة؟ سيقول: إني أقصد الثاني لا أقصد الأول. وبناءً على هذا نقول: إن تصنيف الكتب ليس ببدعةٍ شرعية، كذلك أيضاً بناء المدارس للطلاب هذا أيضاً ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه وسيلةٌ إلى أمرٍ مقصودٍ للشرع، وهو: القيام بمعونة للطالب ليتفرغ للعلم، فهو ليس في ذاته عبادة ولكنه وسيلة. ولهذا تجد الناس يختلفون في بناء المدارس: بعضهم يبنيها على هذه الكيفية، وبعضهم يبنيها على هذه الكيفية، ولا يرى أحد الطرفين أن الآخر مبتدعٌ لكونه أتى بها على وجه مخالف للمدرسة الأخرى؛ لأن الكل يعتقد أن هذه وسيلة ليست مقصودةً لذاتها، إذاً هذا ليس ببدعة لكنه وسيلةٌ إلى عملٍ مشروع. ولو قال قائل: أنا أريد أن أحدث في الليلة التي يزعمون أنها الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدث صلوات على الرسول عليه الصلاة والسلام وثناءً عليه وأحتفل بهذه الليلة؛ لأن الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه عبادة لا شك، فأفعل هذا إحياءً لذكراه، وهذا حسن إحياء ذكرى الرسول في القلوب حسن، فتكون هذه بدعة حسنة. فنقول: هذه بدعة؛ لأنها نفسها قربة، فالصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام قربة، والثناء عليه قربة، وإحياء ذكراه في القلوب قربة؛ لكن تخصيصها في هذا الوقت المعين بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعله ولم يسنه لأمته، لا بقوله ولا بإقراره ولا بفعله، وكذلك الخلفاء الراشدون، ولم تحدث بدعة الاحتفال بالمولد إلا في القرن الرابع بعد مضي ثلاثمائة سنة من الهجرة، وعلى هذا فإذا قال لنا هذا الرجل: هذه بدعة حسنة. قلنا: صدقت في قولك: إنها بدعة، ولكنها ليست بحسنة؛ لأنها عبادةٌ على غير ما شرع الله ورسوله. وبهذا علمنا أن من قال: إن من البدع ما هو حسن فإنه مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنه ليس ببدعة وهو حسن كما مثلنا في تصنيف الكتب وبناء المدارس وما أشبه ذلك، هو حسن لكنه ليس ببدعة؛ لأن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بهذا الشيء. وإما أنه بدعة لكنه ليس بحسن، كالاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بالثناء الحسن بدون غلوٍ لا شك أنه قربى إلى الله عز وجل، سواءٌ فعل في تلك الليلة أم في غيرها، فتخصيصه في تلك الليلة يكون بدعة، وهو غير حسن؛ لأنه لم يكن مشروعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين، مع أن الشريعة انقطعت بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، أي انقطع التغيير والتجديد فيها والحذف بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا ما كان داخلاً تحت القواعد الشرعية فهذا يكون قد أتت به الشريعة من قبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فلا تقسيم للبدعة، كل بدعةٍ في الدين فإنها ضلالة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومن المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لعباد الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق في بيانه وبلاغته عليه الصلاة والسلام، إذا كان كلامه صادراً عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول: إن من البدع ما هو حسن، وهو قد قال:(كل بدعةٍ ضلالة) ؟ وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد، أولها: العلم، وثانيها: الصدق، وثالثها: الإرادة، ورابعها: البلاغة. هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم، وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عن إرادة خير، كما قال الله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) . وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق:(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) . وكلام الله ورسوله أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فأفصح الكلام وأبلغه كلام الله، وأفصح كلام الخلق وأبلغه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 2

‌السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة: أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله عز وجل أو في صفاته وأفعاله، فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوته أو قدرته أو نعمته كان مبتدعاً، أي: قال قولاً بدعياً، وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبداً، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها. وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية، وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرؤون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه. وكذلك قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فإن معناه إذا تعدت بعلى: العلو على الشيء علواً خاصاً، فيكون استواء الله على عرشه علوه عز وجل عليه على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح، ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله عز وجل بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره، وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل القرآن بها، كما قال الله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسانٍ عربي مبين) . فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون بدعة، سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضاً أفعال ابتدعها من؟ ابتدعها الناس، أحدثوا شيئاً لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذاً فضابط البدعة بالخط العريض هو: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله، إما بعقيدته أو قوله أو فعله، هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبداً، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كل بدعة ضلالة) ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه، ولا يمكن أن يقول لأمته:(كل بدعة ضلالة) وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة، أبداً؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة وهو يريد أن البدع منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة كان ملبساً على الناس غير مبين لهم، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) . فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربعة ولا إلى خمسة، بل جعلها قسماً واحداً محاطاً بالكلية العامة:(كل بدعة ضلالة) . وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعاً، وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن، فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الْحُسْن، أَمَّا أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) . فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثنى على البدعة في قوله- حين أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصلىا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم، أي: الناس مجتمعون على إمامهم فقال-: (نعمت البدعة هذه) ؟ قلنا: بلى، لكن هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فعله هذا خالف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا لم يخالف، بل أحياها بعد أن كانت متروكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربعاً، ثم تخلف وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا وحي بعد موته عليه الصلاة والسلام، لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يصلون أوزاعاً: الرجلان جميعاً، والثلاثة جميعاً، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشتغلاً بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك، لكن عمر رضي الله عنه طالت به المدة وتفرغ لصغار الأمور وكبارها رضي الله عنه، وأتى بكل ما يحمد عليه جزاه الله عن أمة محمد خيراً، فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السُّنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفاً من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي: بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر رضي الله عنه. لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة، وهي: الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود والغاية ما كان مشروعاً، فما كان وسيلة للمشروع فهو منه، والمشروع قد أراد الله ورسوله مِنَّا أن نفعله بأي وسيلة كانت إذا لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها. فمثلاً تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام على تعريف الرجال، وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيراً من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به. فمثلاً استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:(من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له: أنصت فقد لغا) . فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟ لا نقول هذا، بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلاً؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، وإنَّ (كل بدعة ضلالة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ، وإن الوسائل لأمور مشروعة ليست من البدع، وإنما هي وسائل يتوصل بها إلى أمر مشروع.

***

ص: 2

‌يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أعوذ بالله! أبداً ما فيه بدعة حسنة، وقد قال أعلم الخلق بالشريعة وأفصح الخلق بالنطق وأنصح الخلق للخلق قال:(كل بدعة ضلالة) . و (كل) من ألفاظ صيغ العموم، بل هي أقوى صيغ العموم قال:(كل بدعة ضلالة) ولم يستثن شيئاً. وما فعله الإنسان وظنه بدعة حسنة: فإما ألا يكون بدعة لكن هو سماه بدعة، وإما ألا يكون حسنة وهو ظنها حسنة. أما أن يتفق أنها بدعة وحسنة فهذا مستحيل، ولذلك ننكر على أولئك القوم الذين رتبوا أذكاراً معينة يقولونها في الصباح أو المساء فرادى أو جماعة، ننكر عليهم حيث رتبوا أشياء لم ترد بها السنة، مع أنهم يستحسنونها ويرون أنها فاضلة.

***

ص: 2

‌يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كل بدعةٍ ضلالة) ؟ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول:(كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبياً وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال:(نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذاً فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفاً من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال:(نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة رضي الله عنه فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها.

***

ص: 2

‌يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنة أبداً، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كل بدعةٍ ضلالة) . فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة) - صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة:(كل بدعةٍ ضلالة) . فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئاً يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئاً وهو بدعة يظنه حسناً وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسناً فهذا لا يمكن أبداً. فمثلاً قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصوداً في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفراداً أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعاً، فجمعهم عمر رضي الله عنه على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال:(نعمت البدعة هذه) . فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال:(خشيت أن تفرض عليكم) . فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفراداً وأوزاعاً إلى عهد عمر رضي الله عنه، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديداً. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر رضي الله عنه أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل بدعةٍ ضلالة) ، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسناً وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ.

***

ص: 2

‌المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول. وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو الحق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص يجب أن تكون مطرحة، وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن البدعة: إنها حسنة فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه لم يعلم أنها ليست بدعة، وإما أن لا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة، أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة فإن هذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:(كل بدعة ضلالة) ، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيها حسن أبداً بل كلها سوء وكلها جهل، فمن ظن أن بدعة من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالين اللتين ذكرناهما آنفاً، وهما: إما ألا تكون بدعة وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة. فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري، وأمرهما أن يصلىا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون فقال-:(نعمت البدعة هذه)، فسماها عمر بدعة وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة؟ فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تأخر عليه الصلاة والسلام في الليلة الرابعة وقال:(إني خشيت أن تفرض عليكم) ، ومقتضى هذا أنها سنة، لكن تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها. وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعة في المساجد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطاب.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة العربية فعلة من البدع، وهو اختراع الشيء على غير مثال سَبَقَ، ومنه قوله تعالى:(بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعهما؛ لأنه سبحانه وتعالى خلقهما على غير مثال سَبَقَ. هذا معنى البدعة في اللغة العربية. أما البدعة في الشرع فإنها: كل عقيدة أو قول أو عمل يتعبد به الإنسان لله عز وجل وليس مما جاء في شريعة الله سبحانه وتعالى. أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد، بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:(إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة، لا تنقسم إلى أكثر من ذلك، وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل هي مردودة على صاحبها غير مقبولة منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث عائشة:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . إذاً فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام ولا إلى أكثر ولا إلى أقل، إلا أنها قسم واحد بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن التعقيد، وليس فيه شيء من التعقيد، وهو بيِّن واضح. وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كالعز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعاً، وهو في الحقيقة ليس من الشرع؛ لدخوله في عمومات أخرى، وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة وليس بدعة من حيث الشرع. وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل فهم منه بعض الناس فهماً سيئاً، حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه، بحجة أن هذا من البدعة الحسنة، وحرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إن معنى قوله: (كل بدعة ضلالة) : أي كل بدعة سيئة فهي ضلالة، وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستلزم نقصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن للحديث فائدة إطلاقاً؛ لأن السيئة سيئة وضلالة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، كالزنى مثلاً معروف في الشرع أنه محرم، وتحريمه ليس ببدعة، ومع ذلك نقول: إنه من الضلال وإنه من العدوان. فالذين يقدرون في الحديث: كل بدعة سيئة ضلالة، هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقصوا بيانه عليه الصلاة والسلام، ولا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس بياناً وأفصحهم مقالاً وأنصحهم قصداً وإرادة، وليس في كلامه عي، وليس في كلامه خفاء، أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم أوجب إلى أن يفهم فهماً سيئاً من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم، ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة، ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام، بل كلها شر وضلالة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث فيما رواه النسائي:(وكل ضلالة في النار) . فعلى المرء أن يكون متأدباً مع الله ورسوله، لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يشرع لنفسه مالا يرضاه؛ لأن الله يقول:(وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) . فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله فإنه ليس من دين الله، وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر- أعني: شر البدع- ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا- أعني: سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظوراً عظيماً في دين الله، وهو: أن يكون الدين ناقصاً؛ لأن هذه البدع معناها أنها تكميل لدين الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولا شك أنها نقص في دين الإنسان، وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. والله الموفق.

***

ص: 2

‌ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام، أو تستلزم القدح في الإسلام فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة. فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة، ولكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة. وأما البدع المكفرة التي تسلتزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة رضي الله عنهم فإن هذه بدع مكفرة. والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: معاملة هذا المبتدع الذي يبتدع في الدين ما ليس منه ليرضي عباد الله: أن ينصحه عن هذا العمل؛ لأنه عمل محرم، والله سبحانه وتعالى يقول:(فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) . ولا يمكن أن يداهن عباد الله في أمر لم يشرعه الله، فالواجب عليه التوبة إلى الله من هذا الأمر، وأن يسير على دين الله سبحانه وتعالى، وعلى الهدي الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، سواء رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. لكن الأمور المجهولة لدى الناس من السنة ينبغي للإنسان أن يمهد لها تمهيداً يتألف به الناس قبل أن يظهرها لهم ويفعلها ولا يدعها، ولكنه إذا خاف من نفور الناس فإنه يمهد لذلك ويدعوهم بالحكمة حتى يطمئنوا بها وتنشرح بها صدورهم. وأما ترك السنة مراعاة لهم فهذا لا ينبغي، أو ابتداع شيء في دين الله مراعاة لهم فهذا أمر لا يجوز.

***

ص: 2

‌هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجازى على حسن نيته، ولكن إن تبينت له السنة وجب عليه اتباعها. والدليل على أنه يجازى على حسن نيته قصة الرجلين اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحضرت الصلاة فلم يجدا الماء، فتيمما وصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة والثاني لم يتوضأ ولم يعد الصلاة. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبراه قال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فحكم للآخر بالأجر على فعل الأول والثاني مع أنه خلاف السنة، والله تبارك وتعالى يقول:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني العدل، فيعطى الإنسان على حسب نيته وعمله، فإذا كان جاهلاً وفعل شيئاً يعتقده عبادة وليس بعبادة أثيب على نيته، لكن إذا بانت له السنة يجب عليه اتباعها.

***

ص: 2

‌عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . وإذا كان كذلك فإن البدعة سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها؛ لأنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (في النار)، أعني: أن الضلالة هذه تكون سبباً للتعذيب في النار، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام حذر أمته من البدع فمعنى ذلك أنها مفسدة محضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم ولم يخص، قال:(كل بدعة ضلالة) . ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم، وعليه فنقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والواجب الحذر من البدع كلها، وأن لا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون إمامه حقيقة، أي: ليكون الرسول صلى الله عليه وسلم إمامه حقيقة؛ لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إماماً له في هذه البدعة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 2

‌من الأردن إربد هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ حفظكم الله أطلب منكم أيها الشيخ أن تضربوا لنا أمثلة من واقع الحياة المعيشة على البدع والتي قد لا نتوقع أن تكون بدعة، مع التوضيح ما هي البدعة؟ وما أضرارها على الأمة الإسلامية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه تفصيلاً؛ لأن الإنسان ليس محيطاً بكل شيء، لكن سأعطي السائل قاعدة: كل من تعبد لله بشيء عقيدة بالقلب أو نطقاً باللسان أو عملاً بالجوارح فإننا نقول له: إنك مبتدع حتى تأتي لنا بدليل على أن هذا مشروع. هذه القاعدة خذها معك أيها السائل: كل إنسان يتعبد لله بشيء عقيدة بقلبه أو نطقاً بلسانه أو عملاً بجوارحه ويقول: هذه شريعة، نقول: أنت مبتدع حتى تأتينا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال الصحابة أو إجماع الأمة على أن هذا مشروع؛ لأن الأصل في الدين هو الشرع، والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة. ولهذا أعطانا إمامنا وأسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة في هذا، قال:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . وأعطانا قاعدة أخرى فقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود على صاحبه لأنه بدعة. فإذا قال لك قائل: من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة ألف صلاة كتب له كذا وكذا. قلنا: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة كتب له كذا وكذا. نقول: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. فإذا قال: الصلاة على الرسول مشروعة كل وقت. قلنا: صدقت، لكن لماذا تقيدها بألف، أين الدليل لك؟ وإذا قال: قل هو الله أحد ثلث القرآن قراءتها مشروعة. قلنا: صدقت، لكن من حددها بألف؟ وهلم جرّاً. هذه القاعدة والحمد لله مريحة وواضحة بينة. وما نجده في بعض الكتب التي تنشر أو في الملفات التي تنشر أو ما ينشر في بعض الأحيان في أوراق من ذكر أشياء لا حقيقة لها، مثل: من ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة خصلة، فهذا كذب موضوع على الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم بقصة الفتاة التي كانت مريضة وترددت على كل المستشفيات، ورأت في المنام زينب وحصل ما حصل منها، هذه أيضاً كذب. أشياء كثيرة يروجها الجهال أو الضُّلال الذين يريدون أن يضلوا الناس، ولذلك أحذر إخواني أن يتلقوا كل منشور وكل مكتوب بالقبول، حتى يعرضوه على أهل العلم؛ لأن الدعاة إلى الضلال كثيرون الآن، إما لقصد الإفساد والإضلال وإما لحسن نية، فليحذر الإنسان من مثل هذا حتى يعرضه على أهل العلم. والخلاصة: أن القاعدة في البدعة أنها: كل ما يتعبد به الإنسان وليس بمشروع من عقيدة أو قول أو عمل، ولهذا باستطاعتك أن تقول لشخص يصلى ركعتين: تعال، من قال لك: إن هذا مشروع؟ هات الدليل. فإذا أتى بالدليل فعلى العين والرأس، وإذا لم يأت بالدليل قلنا: هذا مردود عليك. لو قال مثلاً: كلما برق البرق صلىت ركعتين. من قال لك هذا؟ قال: الركعتان سنة في كل وقت. قلنا: نعم الركعتان سنة في كل وقت إلا في أوقات النهي، لكن من قال لك: عند البرق يسن أن يصلى ركعتين؟ أو: عند نزول المطر يسن أن يصلى ركعتين مثلاً؟ ولهذا يدعي بعض الناس- الذين فتنوا بالاحتفال بما يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يدعون- أنهم لم يفعلوا شيئاً، إنما اجتمعوا يذكرون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، تلك السيرة العطرة المحببة للنفوس التي تزيد الإنسان إيماناً ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون: هذا شيء مشروع. نقول: نعم، كل شيء يحبب الرسول إلى الناس أمر مشروع، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فريضة، ويجب أن تقدم محبته على محبة النفس وعلى الولد والوالد، لكن من قال: إنه يشرع في هذه الليلة- التي لم يثبت أنها ليلة الميلاد- من قال: إنه يشرع فيها الاجتماع والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر سيرته؟ والأمر لم يقتصر على هذا: صاروا يأتون بالقصائد والمدائح النبوية التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحذر منها، وفيها من الغلو ما ينافي العبودية، كان بعضهم يردد قول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا أكرم الخلق- وصدق أنه أكرم الخلق- لكن يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم. إذا حدث الحادث العام المدلهم الذي يشمل الناس كلهم ما لي من ألوذ به إلا أنت يا رسول الله. أعوذ بالله! نسي الله، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره الله أن يقول:(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) . بل: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) . يعني: بل أمره أن يقول: إني لن يجيرني من الله أحد لو أراد بي شيئاً، فكيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الملاذ عند حلول الحادث العمم؟ ويقول:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

من جوده الدنيا وضرتها وليست كل جوده، من جوده، سبحان الله! ومن علومك علم اللوح والقلم، وليست كل علومك، عندك ما هو أبلغ من ذلك. هل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضى أن يوصف بهذا؟ لا والذي فطر الخلق ما يرضى بهذا، بل لما قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا. قال: (قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان) . فالمهم أن العبادات المطلقة إذا قيدت بشيء معين زماناً أو مكاناً أو عدداً أو هيئة صارت بدعة من هذا الوجه، فيجب اجتنابها وإن كانت في أصلها مشروعة. فانتبه أيها الأخ السائل، ولينتبه كل من يسمع كلامنا هذا لهذه النقطة التي يموه بها أهل البدع والحوادث، فيقولون: هذا شيء مشروع، هذا شيء لا نهي فيه، فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) .

***

ص: 2

‌المستمع محمد محمد حسن سوداني مقيم بالباحة يقول: لقد سمعت كثيراً أن الذكر الجماعي بدعة ولا يجوز، ولكن حسب علمي المتواضع اطلعت على بعض الأحاديث التي تفيد أنه لا حرج في ذلك، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم بما معناه: أنه ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. وأعتقد أن السيوطي أشار لهذا الحديث في كتابه الحاوي للفتاوي، وبناء عليه قال بجواز الذكر الجماعي. ثم الحديث الآخر والذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على جماعة من أصحابه فقال لهم: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. فلم ينكر عليهم ذلك. وواضح بأن الذكر هنا مطلق، علماً بأن كل ذلك يتعارض ويتناقض مع ما جاء في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى:(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) . نرجو أن توضحوا لنا الصواب في هذا الموضوع وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذا الموضوع أن الحديث الذي أشار إليه السائل بل الحديثين في الذين يتدارسون كتاب الله ويتلونه، وكذلك في القوم الذين يذكرون الله: أن هذا مطلق، فيحمل على المقيد المتعارف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكن من المتعارف بينهم أنهم يذكرون الله تعالى بلفظ جماعي، أو يقرؤون القرآن بلفظ جماعي. وفي قوله: ويتدارسونه بينهم يدل على أن هذه المدارسة تكون بالتناوب: إما أن يقرأ واحد فإذا أتم قراءته قرأ الثاني ما قرأ الأول وهكذا، وإما أن يكون كل واحد منهم يقرأ جزءاً ثم يقرأ الآخر مما وقف عليه، الأول هذا هو ظاهر الحديث. وأما الحديث الآخر الذي فيه أنهم يذكرون الله تعالى فإنا نقول: هذا مطلق، فيحمل على ما كان متعارفاً عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكن متعارفاً بينهم أن يجتمعوا وأن يذكروا بذكر واحد جماعة. ويدلك على هذا أن الصحابة رضوان الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كان منهم المكبر ومنهم المهلل ومنهم الملبي، فكل إنسان يذكر الله تعالى بنفسه. وأما قوله تعالى:(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) فهذا مراد به الذكر الخاص للمرء، وهو أيضاً مخصوص بما دلت عليه السنة من الجهر به، فإنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يشرع الجهر بالذكر بعد الصلاة المكتوبة؛ لأن هذا هو المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قول بعض أهل العلم: إن الإسرار به أفضل، وإجابتهم عن حديث ابن عباس بأن ذلك للتعليم فإن فيه نظراً، وذلك لأن التعليم يحصل بدون هذا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد علم فقراء المهاجرين ماذا يقولونه دبر الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام:(تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) . ثم إن التعليم يحصل بالمرة الواحدة، لا بأن يحافظ عليه النبي عليه الصلاة والسلام في كل صلاة، أو يحافظون عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في كل صلاة. ثم نقول: سلمنا أنه للتعليم، فهو في التعليم في أصل الذكر وفي صفته، بمعنى: أن الرسول يعلمهم ما هو الذكر الذي يقال في أدبار الصلوات، وما كيفية تلاوة هذا الذكر والإتيان به أنه يكون جهراً، وهذا هو القول الذي يؤيده حديث ابن عباس المذكور، وهو في صحيح البخاري.

***

ص: 2

‌سائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئاً لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو: أن يتلو الإنسان قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: (اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي) . ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر ورداً آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مئة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيراً في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور. فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست بصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها، بل ولا أن يفعلها تعبداً لله؛ لأنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) . والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيراً من الكتب، ولا سيما كتب الأذكار والأوراد. الذي أنصحها به أن تتحرز كثيراً؛ لأنه كتب في الأذكار البدعية والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيراً في المسلمين، ورواجها قد يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين من بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع، وفي الكتب الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، في الكتب الصحيحة ما يغني عن ذلك، فالرجوع إليها هو الواجب، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية، طرحها والتحذير منها هو الواجب على المسلمين، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات. واللهَ أسألُ أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، إنه جواد كريم.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم هذا السائل من السودان يقول: عندنا جماعة وفي الجامع الذي نصلى فيه عندما يصلون يأمرهم إمام المسجد بأن يقولوا جميعاً: يا لطيف مائة وتسعاً وعشرين مرة ويرددون ذلك، فهل يجب علينا أن نردد ذلك؟ أم نترك هذا الإمام وهذا المسجد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أنا أوجه نصيحتي إلى هذا الإمام أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي إخوانه المسلمين، فمن أين أتى بهذه البدعة؟ هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعلها؟ أم كان أبو بكر أم عمر أم عثمان أم علي أم ابن مسعود أم غيرهم هل كانوا يأمرون الناس أن يقولوا هذا؟ فليتق الله تعالى في نفسه، وليعلم أنه مؤاخذ على ذلك ومعاقب عليه، وأنه بذلك ضال، وأمره الناس بذلك يكون به مضلاًّ، فهو ضال مضل، وعليه أن يتوب إلى الله قبل أن يفجأه الموت. أما أهل المسجد فإنهم ينصحونه، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإلا فليزيلوه بكل ما يستطيعون، ومعنى قولي: بكل ما يستطيعون أن يذهبوا إلى الجهات المسؤولة التي بيدها عزل الأئمة ونصبهم، ويطلبوا منها أن يعزلوه عن هذا المنصب العظيم منصب الإمامة، فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا يصلون معه؛ لأن هذا مبتدع مصر على بدعته.

***

ص: 2

‌السائلة ع. ع. ف. من السودان تقول: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم. فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر؟ أو ماذا يقولون؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلاً على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن كان صحيحاً لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته، ولا أظنه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه. وأما الذكر فإن الاجتماع أيضاً على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية: يجتمعون جميعاً ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو يجتمعون على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا، مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه.

***

ص: 2

‌ما حكم الغلو في محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الغلو في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى: أن يتجاوز الإنسان الحدود ويقول: إن ذلك من محبة الرسول- محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه. ثم إن الذي يغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام ويرفعه فوق منزلته التي أنزله الله عز وجل مدعياً أنه يحبه قد كذب نفسه؛ لأن المحب يأخذ بنصائح حبيبه ويتبع حبيبه ولا يخالف حبيبه، والغالي في الرسول عليه الصلاة والسلام مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يدعي حب الرسول؟ وهو يعصي الرسول ولهذا نقول: من كان للرسول أشد اتباعاً فهو أصدق محبة، ومن خالف الرسول عليه الصلاة والسلام فقد نقص من محبته الرسول بقدر ما خالف فيه الرسول. ولا تغتر بهؤلاء الغلاة الذين يغلون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينتحلون أحاديث لا زمام لها، بل هي مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أنها موضوعة مكذوبة، لا تغتر بهؤلاء، وقل لهم كما قال الله عز وجل:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وأما إنشاد القصائد الحزينة وهز الرؤوس عندها، والتصفيق والخفة بزعم أن هذا من تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام فكل هذا مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام، مخالف لهديه. فإن كنت صادقاً في محبته صلوات الله وسلامه عليه فعليك باتباعه، لا تتقاصر عنه ولا تتجاوزه، فكل خير في الاتباع، وكل شر في الابتداع. وإذا أردت أن تزن عملك بميزان قسط فانظر إلى الصحابة رضي الله عنهم الذين هم أقرب إلى الحق من غيرهم، وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرهم، حيث عايشوه وناصروه وشرفهم الله تعالى بصحبته، هل عملوا هذا العمل؟ إذا كانوا عملوه فهم على حق، وإذا لم يعملوه فهو باطل؛ لأنه لا يمكن لخلف الأمة أن يكونوا خيراً من سلف الأمة، وكيف يمكن ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ؟ وإياك وما أحدث في دين الله من البدع التي مضمونها الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استحضر قول الله تعالى:(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فرضا الله عن الأتباع لا يكون إلا إذا اتبعوا بإحسان والاتباع بإحسان، هو ألا يقصر الإنسان عن هديهم ولا يتجاوز هديهم.

***

ص: 2

‌المستمع ع. م. جمهورية مصر العربية يقول: فضيلة الشيخ هل ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بشكلٍ جماعي في أيامٍ محددة جائز؟ أرجو منكم التوجيه مأجورين

.

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على ما سنذكره الآن إن شاء الله تعالى في هذا الموضوع، فنقول: إن العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه مبنيةٌ على أصلىن: الأصل الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد الإنسان بتعبده لله التقرب إلى الله تعالى والوصول إلى باب كرامته، لا يقصد بذلك مالاً ولا جاهاً ولا رئاسةً ولا غير ذلك من أمور الدنيا، بل لا يقصد إلا التقرب إلى الله والوصول إلى دار كرامته، ودليل هذا من الكتاب والسنة قال الله تبارك وتعالى:(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) . وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقال الله تبارك وتعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) . والآيات في هذا كثيرة. وأما السنة ففيها أحاديث، منها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . فإن فقد الإخلاص من العبادة بأن شاركها الرياء، وهو: أن يعمل العمل الصالح لله لكن يظهره للناس ليمدحوه على ذلك، فإن العبادة تكون باطلةً مردودة؛ لأن الإنسان أشرك فيها مع الله عز وجل حيث راءى الناس بها، ومع كونها باطلة مردودة فهو آثم بذلك مشركٌ بالله، إلا أن هذا الشرك شركٌ أصغر ليس مخرجاً من الملة، والشرك وإن كان أصغر فإن الله تعالى لا يغفره؛ لعموم قول الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وقال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة، لكن الذي يظهر القول الأول، وأنه لا يغفر لكن صاحبه لا يخلد في النار؛ لأنه شركٌ أصغر. إذاً لا بد في كل عبادة من الإخلاص لله تعالى فيها، فمن أشرك مع الله فيها غيره فإنه يأثم بذلك وتبطل عبادته. الأصل الثاني الذي تنبني عليه العبادات: اتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدل لهذا الأصل قوله تبارك وتعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) . وقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وقول الله تبارك وتعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ولا يمكن أن تتم المتابعة والموافقة للرسول عليه الصلاة والسلام إلا إذا وافقت العبادة أو وافق العمل الشرع في أمورٍ ستة: الأول: السبب، يعني: أن يكون سبب هذه العبادة ثابتاً بالشرع. والثاني: الجنس، بأن يكون جنس هذه العبادة ثابتاً بالشرع. والثالث: القدر، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على القدر الذي جاءت به الشريعة. والرابع: الكيفية، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على الوجه الذي جاءت به الشريعة. والخامس: الزمان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في الزمن الذي حدده الشرع لها. والسادس: المكان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في المكان الذي حدده الشارع لها. فإذا اختل واحدٌ من هذه الأمور الستة لم تتحقق المتابعة، وصار هذا من البدع. فأما الأول وهو السبب: فإنه لا بد أن يكون السبب الذي بنينا عليه هذه العبادة ثابتاً بالشرع، فإن لم يكن ثابتاً بالشرع فإن ما بني على ما ليس بثابتٍ شرعاً فإنه ليس بمشروع، ومن ذلك ما يحدثه الناس في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، حيث يحدثون احتفالاً زعماً منهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به في هذه الليلة ليلة سبعٍ وعشرين، وهذا لا أصل له في التاريخ، وأيضاً لا أصل له في الشرع، فإن الذي يظهر من التاريخ أن الإسراء والمعراج كان في ربيعٍ الأول، وأما من الشرع فلا أصل له أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفاءه الراشدين والصحابة أجمعين لم يرد عنهم أنهم كانوا يحتفلون في الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلومٌ أن الشرع لا يأتي إلا من طريقهم. قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . فمن أحدث احتفالاً ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لهذه المناسبة فإنه بناها على سببٍ لم يثبت شرعاً، بل ولم يثبت تاريخياً كما ذكرنا. الأمر الثاني: أن تكون العبادة موافقة للشرع في الجنس، فإن أتى بعبادة من غير الجنس الذي وردت به الشريعة فإن عبادته مردودة عليه ولا تقبل منه، مثال ذلك: أن يضحي الإنسان بالخيل، بأن يذبح فرساً يوم عيد الأضحى يتقرب به إلى الله عز وجل، كما يتقرب بذبح البقرة، فإن هذه العبادة لا تقبل منه ولا تكون أضحية؛ لأنها من غير الجنس الذي وردت به الشريعة، فإن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم. الثالث: أن تكون العبادة موافقة للشرع في قدرها، فإن لم تكن موافقة للشرع في قدرها بأن نقصت أو زادت فإنها لا تقبل، وبهذا لو صلى الإنسان صلاة الظهر خمس ركعات لم تقبل منه؛ لأنه زاد على القدر الذي جاءت به الشريعة، ولو أنه صلاها ثلاث ركعات لم تقبل منه أيضاً؛ لأنه نقص عن القدر الذي جاءت به الشريعة. الرابع: أن تكون موافقة للشرع في كيفيتها، بأن يأتي بها على الكيفية التي أتت بها الشريعة، فلو صلى الإنسان أربع ركعات لكنه كان يأتي بالسجود قبل الركوع فإن الصلاة لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها على كيفيةٍ لم ترد بها الشريعة، فكانت مردودة عليه لعدم تحقق الاتباع في حقه. الخامس: أن تكون موافقةً للشرع في زمانها، فإن لم تكن موافقة الشرع في زمانها فإنها لا تقبل، فلو صام في شهر رجب بدلاً عن رمضان فإن ذلك لا يقبل منه ولا يجزئه عن رمضان، وذلك لأن رمضان خص الصيام فيه دون غيره من الشهور، فمن أتى به في زمن آخر لم يكن أتى بهذه العبادة في الوقت الذي حدده الشرع. وكذلك لو صلى الظهر قبل زوال الشمس فإنها لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها في غير الزمن الذي حدده الشارع لها. السادس: أن تكون موافقة للشرع في مكانها، فلو أن الإنسان اعتكف في بيته في العشر الأواخر من رمضان بدلاً من أن يعتكف في المساجد فإن هذا الاعتكاف لا يصح منه؛ لأنه في غير المكان الذي حدده الشارع للاعتكاف. وليعلم أن مخالفة الشريعة في هذه الأمور الستة أو في واحدٍ منها يترتب عليه أمران: الأمر الأول: الإثم إذا كان عامداً، والأمر الثاني: البطلان. فإن كان جاهلاً فإنه يسقط عنه الإثم، ولكن العبادة تبقى باطلة، فإن كانت مما يقضى إذا بطل وجب عليه قضاؤها، وإن كانت مما لا يقضى سقطت عنه. بناءً على ذلك نقول في إجابة هذا السؤال: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير الأوقات التي ورد فيها ذكره ليس بمشروع، فلو أن الإنسان أراد أن يأتي بقول: أشهد أن محمداً رسول الله التي تقال في الأذان وفي غير الأذان أيضاً، أتى بها في الضحى بناءً على أنه يريد بها الأذان فإنه لا يقبل منه ذلك؛ لأن الأذان له وقتٌ معين، وهو: ما إذا دخل وقت الصلاة وأراد أن يصلى. أما إن ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أنه من أجلِّ العبادات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفضل الأعمال، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فالإكثار من الصلاة عليه بلا عدد وبدون زمنٍ معين وبدون مكانٍ معين هذا خيرٌ من أن يجعل الإنسان لهذه الصلاة وقتاً معيناً وعدداً معيناً وصفةً معينة؛ لأن كل شيء يسنه الإنسان لنفسه ولو كان أصله مشروعاً يكون من البدع ويكون من البدع، في كيفيته أو زمانه أو مكانه حسب ما فصلنا آنفاً. والإنسان إذا استغنى بالسنة عن غيرها كفت وحصل بها الخير الكثير، وإن كان الإنسان قد يتقال السنة بعض الأحيان ويقول: أنا أريد أن أعمل أكثر من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على الذين تقالوا سنته وهديه وأرادوا أن يزيدوا على ذلك، حيث اجتمع نفرٌ فقال بعضهم لبعض- حين سألوا عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في السر، أي: فيما ما لا يبدو للناس، فكأنهم تقالوا هذا العمل وقالوا-: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني: ونحن لم يحصل لنا ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنكر عليهم وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) . فاتباع السنة خير حتى وإن كان الإنسان يظن أنه عملٌ قليل، فإن ما وافق السنة وإن كان أقل فهو خيرٌ مما لم يوافق السنة وإن كان أكثر. ولهذا لو أن الإنسان أراد أن يطيل ركعتي الفجر- أي: سنة الفجر، أراد أن يطيلها- وقال: أنا أحب أن أزداد من قراءة القرآن، أحب أن أزداد من التسبيح، أحب أن أزداد من الدعاء، فأحب أن أطيل ركعتي الفجر. فإننا نقول له: هذا ليس بصحيح، ومنهجك هذا غير صحيح؛ لأن السنة في سنة الفجر التخفيف، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يخففها، حتى تقول عائشة: حتى إني أقول: أَقَرَأَ بأم القرآن؟ فلو كان عندنا رجلان أحدهما صلى سنة الفجر على وجهٍ خفيف لكنه محافظ على الطمأنينة، والثاني صلاها على وجهٍ أطول قلنا: إن الأول أفضل من الثاني من أجل موافقة السنة. ثم إنه يبين ذلك أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل رجلين في حاجة فلم يجدا الماء، فتيمما فصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والآخر لم يعد الصلاة. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي لم يعد الصلاة قال له: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فصوب الأول ولم يصوب الثاني ولكنه جعل له الأجر مرتين؛ لأنه فعل ما يعتقده عبادة متأولاً، ظاناً أن هذا هو الذي يجب عليه، فأثيب على هذا الاجتهاد وإن كانت السنة في خلافه. كذلك أيضاً اجتماع الناس على الذكر جماعياً بأن يقولوا بصوتٍ واحد: الله أكبر، أو: الحمد لله، أو: لا إله إلا الله، أو: اللهم صلِّ على محمد أو ما أشبه ذلك، هذا لا نعلم له أصلاً في سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل كان الصحابة يذكرون الله تعالى ويثنون عليه كلٌ على نفسه، وهاهم في حجة الوداع مع النبي عليه الصلاة والسلام منهم المهل ومنهم المكبر، ولا أحدٌ يتبع أحداً في ذلك ولم يجتمعوا على التلبية، وإنما كان كل إنسانٍ يلبي لنفسه، فهذا هو المشروع. أما ما وردت به السنة من الاجتماع على الدعاء أو على الذكر فهذا يتبع فيه السنة، فالاجتماع على دعاء القنوت في الوتر في صلاة التراويح وما أشبه ذلك فهذا يتبع فيه السنة.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من إسحاق محمد نور حامد الحاج من جمهورية السودان يقول فيها: يستدل بعض الناس بالحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) إلى آخره، وكذلك بأن حسان بن ثابت كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فيستدلون بهذا على جواز المدح. نرجو أن تفتونا في ذلك وفقكم الله

.

فأجاب رحمه الله تعالى: مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما مدحه الله به من الصفات الكاملة والآداب العالية والأخلاق المثلى هذا أمر مشروع، وأما مدحه صلى الله عليه وسلم بما يصل إلى الغلو فإنه أمر محرم، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو، فلا يجوز للمرء أن يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر يصل إلى الغلو، بحيث يجعله شريكاً مع الله تبارك وتعالى في الخلق والتدبير والقدرة وما أشبه ذلك، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشيءت. فقال صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده) . ولكن هذا المدح الذي ذكرنا أنه جائز لا يمكن أن يجعل حدثاً في دين الله، بحيث يكون مقيداً بوقت أو مكان، يتكرر كلما ما تكرر ذلك الوقت وكلما جاء الإنسان إلى ذلك المكان، وذلك أن تقييد العبادات المطلقة بزمن أو مكان معين هو من البدع؛ لأن العبادات يجب أن تكون مفعولة على حسب ما جاءت عليه من هيئة وزمن ومكان، فالعبادات المطلقة لا يجوز للمرء أن يحددها بزمن أو مكان أو حال مادامت جاءت مطلقة؛ لأن هذا هو كمال التعبد. وأما استدلال بعض المبتدعين في هذه الأمور بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قيد ذلك بقوله: (من سن في الإسلام)، وما كان من البدع فليس من الإسلام في شيء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) . وهذا عام لكل ما ابتدع في دين الله فإنه ضلال، وما كان ضلالاً فلا يمكن أن يكون ديناً وإسلاماً. فإذا قال قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) أي كل بدعة سيئة ضلالة؟ قلنا: هذا مردود؛ لأن السيئة سيئة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، فالزنى مثلاً ضلالة وهو ليس ببدعة؛ لورود الشريعة به وبيان حكمه. ولو قلنا: إن معنى الحديث: كل بدعة سيئة لم يكن لوصف البدعة فائدة إطلاقاً؛ أو لم يكن لذكر البدعة فائدة إطلاقاً، لأن السيئة سيئة سواء ابتدع أم لم يبتدع، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(كل بدعة ضلالة) ، فكل من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ضال بهذه البدعة. هذا حاصل الجواب.

***

ص: 2

‌ما حكم مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده؟ وهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه بصفاته الحميدة والأخلاق الفاضلة أمر مطلوب مشروع، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ولكن اتخاذ ذلك في ليلة معينة أو يوم معين بلا دليل من الشرع يعتبر بدعة؛ لأن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة إذا لم يصل إلى حد الغلو، والعبادة لابد أن يكون فيها إذن من الشرع، وما علمنا أن الشرع خص يوماً أو ليلة معينة ليمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا يوم الجمعة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:(أكثروا فيه من الصلاة علي، فإن صلاتكم معروضة) .والاحتفال بليلة مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية الشرعية: أما من الناحية التاريخية فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أو في ليلته، وقد حقق بعض الفلكيين العصريين أنه ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول. وأما من الناحية الشرعية فلو كان في الاحتفال بمولده أجر وثواب لكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يفعل ذلك؛ لأنه لن يفوت فرصة فيها أجر وثواب إلا قام بها صلوات الله وسلامه عليه، أو لأرشد أمته إلى ذلك بقوله، وعلى فرض أن الأمر لم يكن في عهده فلم يكن في عهد الخلفاء الراشدين- أعني: الاحتفال بمولده- ولا فيمن بعدهم. وأول ما حدث في القرن الرابع الهجري، أحدثه بعض ولاة إربل فتبعه الناس على ذلك، لكن لم يتبعه أحد ممن ينتمي إلى السلف الصالح فيما نعلم، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا الاحتفال قربة يتقرب بها إلى الله، أو بدعة لا تزيد العبد إلا ضلالة. فإن قلنا بالأول- بأنه قربة يتقرب بها إلى الله- فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها؟ وأين الخلفاء الراشدون؟ وأين الصحابة؟ فإما أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جهلها ولم يعلم شرع الله فيها، وإما أن يقال: إنه علمها ولكنه كتمها. وكلا الأمرين خطر عظيم، سواء قلنا: إنه جهلها ولم يعلم، أو قلنا: إنه علمها ولكن كتم. وكيف تكون من شريعة الله وقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ؟ أين الكمال إذا كانت مشروعة ولم تذكر في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وإذا قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم علمها ولكن كتمها عن الناس، فما أعظمها من فادحة؛ لأنه يكون الرسول عليه الصلاة والسلام توفي ولم يبلغ شيئاً مما أنزل الله عليه من الحق. ولهذا لو تأمل الإنسان هذه البدعة وغيرها من البدع لوجد أن البدعة أمرها عظيم وخطرها جسيم، وأنه لولا حسن النية من بعض محدثيها لكان شأنهم شأناً خطيراً جداً. لذلك ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يَدَعوا هذه البدعة، وأن يكتفوا بما شرع الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وما ادعاه محدثوها من أنها إحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: إنه إحياء حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إياكم ومحدثات الأمور) . ثم نقول أيضاً: في الشريعة الإسلامية غنى عن هذا الإحياء، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُذكر في الأذان، ويذكر في الصلاة، ففي الأذان: أشهد أن محمداً رسول الله، وفي الصلاة في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، بل نقول: إن من كان حيّاً فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها؛ لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عابد فلابد أن يخلص لله ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه ذكرى، وفي هذه الذكريات العظيمة في هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها. ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة، ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد التي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم، الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم، تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به إن لم تكن آخذاً يوم الميعاد يدي فإن من جودك الدنيا وضرتها

سواك عند حلول الحادث العمم عفواً وإلا فقل يا زلة القدم ومن علومك علم اللوح والقلم

هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير، لكن الكلام على المضمون لا على الشكل، كالذي يقول للرسول عليه الصلاة والسلام مخاطباً له: إن من جودك الدنيا وضرتها، وضرة الدنيا هي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم، قد ألحقه- أي: ألحق النبي صلى الله عليه وسلم بمقام الربوبية ولم يبق لله شيئاً، إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها فما الذي بقي لله؟ ثم نقول: هذا من أكبر الكذب أن تكون من جوده الدنيا وضرتها، لماذا؟ لأن الرسول خُلق في آخر الدنيا كيف تكون الدنيا من جوده؟ ثم إننا نسمع أنه يحصل في هذا الاحتفال من الاختلاط بين الرجال والنساء وبين الكبار والمراهقين والمردان، ويحصل في هذا شر كبير. ثم إنه يظهر في هذا الاحتفال من شعائر الأعياد كالفرح والسرور وتقديم الحلوى وما أشبه ذلك ما يجعله ابتداعاً في دين الله؛ لأن الأعياد الشرعية هي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الجمعة. ثم إنه يحصل في هذا الاحتفال بذل أموال كثيرة في غير فائدة بل في مضرة، وكل هذا يوجب للإنسان الناصح لنفسه أن يبتعد عنه. فهذه نصيحة من أخ مخلص لإخوانه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لها آذاناً صاغية وقلوباً واعية.

***

ص: 2

‌السؤال: ما هو رأي الدين في هذه الأشياء والدليل من الكتاب والسنة؟ -القصائد التي تمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتمجده، وإلقائها في المناسبات الدينية وذلك بإحياء الليالي بها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التعبير- وهو: ما رأي الدين؟ أو: ما هو رأي الإسلام؟ أو ما أشبه ذلك- لا أحب أن يعرض في سؤال، أولا: ً كلمة رأي الدين، الدين في الحقيقة ليس رأياً، والدين ليس فكراً، إنما الدين عقيدة وشريعة من الله عز وجل لا مجال للرأي فيه ولا مجال للفكر فيه، ولهذا نحن ننتقد هؤلاء الذين يقولون: هذا فكر إسلامي وما أشبه ذلك، الإسلام ليس فكراً وليس رأياً من الأفكار والآراء، إنما هو شريعة من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى. نعم لنا أن نقول: إن المفكر مسلم وما أشبه ذلك؛ لأن الرجل له فكر ويفكر كما أمر الله تعالى بالتفكير في خلق السماوات والأرض، لكن كوننا نعبر عن الدين بأنه فكر أو بأنه رأي وما أشبه ذلك هذا خطأ. هذا من جهة، من جهة أخرى لا أحب أن يوجه لشخص قابل للخطأ والصواب يوجه إليه سؤال عما هو حكم الإسلام ويقال: ما حكم الإسلام في كذا؟ وهو موجه إلى فرد يخطىء ويصيب؛ لأن الفرد إذا أجاب وكان خطأًلم يكن ذلك حكم الإسلام. فالذي ينبغي أن يقال مثلاً: ما هو الحكم؟ أو ما رأيك في كذا؟ وما أشبه ذلك، ثم يجيب على حسب ما يراه، معتمداً في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. بالنسبة للقصائد التي يمدح فيها الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي- مستحق لكل مدحٍ وتعظيمٍ يليق به على أنه نبي مرسل من الله سبحانه وتعالى، وهو خاتم النبيين وآخر المرسلين وسيد الخلق أجمعين، فهو مستحق لكل ما يقال من وصف يليق به صلى الله عليه وسلم، سواء قيل ذلك نظماً أم نثراً. ولكن القصائد التي تخرجه عما ينبغي أن يكون له من الغلو المفرط الزائد الذي نعلم أنه هو عليه الصلاة والسلام يكرهه ولا يرضاه، كما نهى عن ذلك، فإننا نرى أنه لا يجوز لإنسان أن يتلوها أو يعتقد ما فيها من هذا الغلو. ومن ذلك على ضرب المثل ما جاء في قصيدة البوصيري البردة التي يقول فيها يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

لا شك أن هذا شرك بل هو من أعظم الشرك، حيث إنه جعل ما يختص بالرب جعله للنبي صلى الله عليه وسلم وسلب حق الله فيه، فإذا كان من جود الرسول عليه الصلاة والسلام الدنيا وضرتها وهي الآخرة فما بقي لله تعالى من شيء، وإذا كان من علومه- أي: بعض العلوم التي يعلمها- علم اللوح والقلم فما بقي لله تعالى علم ومثل هذه المقالات التي تبلغ إلى هذا الحد أو إلى ما دونه مما لا يليق للمسلم أن يقوله في نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز لأحد أن يتكلم به لا نظماً ولا نثراً، أما القصائد التي تبين صفاته الحميدة وشريعته الكاملة وما أشبه ذلك فإنها لا بأس بها، بل إننا نقول: إن تلاوتها تكون من العبادة؛ لما في ذلك من كونها تغذي محبة النبي صلى الله عليه وسلم في القلب وتعظيمه وتعزيره كما أمر الله به: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) إنْ جعلنا اللام للأمر وإلا فللتعليل، ومعنى ذلك: أن هذا أمر مقصود للشرع، ومعنى تعزروه: أي تعظموه لكن بما يليق به وأيضاً بشرط أن لا تجعل هذه القصائد في مناسبة خاصة تعود كل سنة، كما يفعله من يفعله في ليلة عيد المولد التي ابتدعوها في شريعة الله وفي دينه، وهي بدعة لا أصل لها في الشرع- أعني: ليلة عيد المولد واتخاذها عيداً يتكرر كل عام، يذكر فيه مدائح النبي صلى الله عليه وسلم، ويبتدع فيه صفات وصيغ من الصلوات عليه ما جاءت في هديه ولا شريعته ولا هدي أصحابه- ولهذا كانت هذه البدعة أعني: بدعة عيد الميلاد من المنكرات التي يجب على المسلمين أن يحذروا منها وأن يبتعدوا عنها، ولو كان فيها خيرٌ لسبق إليها من هو أحب ومن هو أولى منا كالصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، فإنهم لم يفعلوا هذه الليلة أي ليلة عيد المولد، لم يفعلوها ولم يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد، ولاشك أن الذين يشرعونها والذين ابتدعوها هم في الحقيقة متنقصون لشريعة النبي عليه الصلاة والسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم يريدون بها التقرب إلى الله عز وجل، والتقرب إلى الله عز وجل عبادة ، والدين كمل من جميع الوجوه في عباداته القولية والفعلية كما قال الله عز وجل:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) . فأي رجل يبتدع من العبادات ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أم في العمل لاشك أنه حقيقة أمره ولسان حاله يقول: إن الدين لم يكمل، وأنا كملته بما أحدثته من هذه العبادة التي أتقرب بها إلى الله عز وجل. لهذا يجب على كل من ابتدع شيئاً يتقرب به إلى الله من ذكر قولي أو فعلي أو مدح للرسول عليه الصلاة والسلام أو غيره، يجب عليه أن ينظر في الأمر مرة ثانية، وأن يعرف أنه بابتداعه هذا طعن في دين الله يراه ناقصاً ويحتاج إلى تكميل بما أحدثه فيه، وأسال الله أن يجعلنا وإخواننا المسلمين لله مخلصين ولنبيه صلى الله عليه وسلم متبعين.

***

ص: 2

‌هل يجوز مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصائد؟ وبتخصيص ليلة الجمعة وليلة الاثنين؟ وإن كان هذا يباح فما هو الثواب؟ وإن كان لا يجوز ما هو المدح الذي يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أو لا يجوز إطلاقاً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه من الخصال الحميدة والمناقب العظيمة والأخلاق الكاملة هذا أمر مشروع ومحمود؛ لما فيه من الدعوة إلى دين الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام ومحبته، وكل هذا من الأمور المقصودة شرعاً. وأما مدحه بالغلو الذي كان ينهى عنه صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز بكل حال، كما لو مدحه بقول القائل:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

فإن مثل هذا الغلو لا يجوز وهو محرم. وعلى الوجه الجائز لا يتخذ ذلك في ليلة معينة أو في يوم معين، بحيث كلما أتت هذه الليلة وهذا اليوم قيلت هذه القصائد والمدائح، فإن تخصيص الشيء بزمن لم يخصصه به الشرع أو بمكان لم يخصصه به الشرع هذا من البدع التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 2

‌ما حكم من جعل المديح بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحين تجارة له يكتسب منها معيشته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا محرم. ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون مدحاً فيما يستحقه صلى الله عليه وسلم بدون أن يصل إلى درجة الغلو، فهذا لا بأس به، أي: لا بأس أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو أهله من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه صلى الله عليه وسلم. والقسم الثاني من مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) . فمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غياث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين وأنه مالك الدنيا والآخرة وأنه يعلم الغيب، أو بمثل ما قال البوصيري:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة. فلا يجوز أن يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام بما يصل إلى درجة الغلو؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضاً: إن هذا حرام ولا يجوز؛ لأن مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بما يستحق وبما هو أهل له صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة والهدي المستقيم، مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله، وما كان عبادة فإنه لا يجوز أن يتخذ وسيلة إلى الدنيا؛ لقول الله تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه الرسالة وصلت من أخيكم في الله ص. من جمهورية مصر العربية محافظة شمال سيناء يقول: أرجو من فضيلة الشيخ أن يجيب على هذا السؤال: يوجد في بلدي أناس يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، ولكن في كل ليلة اثنين وليلة جمعة بعد صلاة العشاء يعملون دائرة وهم وقوف، وهي ما تسمى بالحضرة، ويعملون فيها أربعة أشواط، وبين كل شوطين يقوم رجل منهم يمدح الرسول. والشوط الأول يقولون فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الشوط الثاني يقولون فيه: الله دائم باقي حي. الثالث يقولون فيه: صل وسلم يا الله على النبي ومن والاه. والرابع يقولون فيه: يا لطيف الطف بنا. فما حكم الإسلام في ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء مبتدعون ضالون فيما يحدثونه كل ليلة اثنين وجمعة؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به عمل منكر لم يكن عليه الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون لهم بإحسان، فإذا كانوا يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليهم ويحضرهم كان هذا أشد ضلالاً، وإن اعتقدوا في طوافهم هذا أنهم يطوفون على كعبة فهذا أشد وأنكر؛ لأنه لا طواف إلا على بيت الله الحرام في مكة. والواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن يأخذوا بما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من محدثات الأمور، أي: ما يحدثه الإنسان يتعبد به لله، ومحدثات الأمور هي: كل عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل لم يكن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أو في العمل. وقولي: كل عبادة هذا باعتبار المبتدع حيث يظنها عبادة، وإلا فإنها ليست بعبادة؛ لأن البدعة ضلالة ليست عبادة.

***

ص: 2

‌مستمع للبرنامج محروس إبراهيم من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرة يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في أناس يمدحون الرسول أقصد الشيوخ الذين يمدحون الرسول وهم يستعملون المزمار والعود والطبلة؟ وأيضاً ماحكم المقرئين الذين يشترطون على عائلة المتوفى من أجرهم؟ وهل هناك فصال في كتاب الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا السؤال تضمن مسألتين: المسألة الأولى: أولئك الشيوخ الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحاً مقروناً بآلات اللهو، فنقول في الجواب على هذا: أولاً هذه المدائح هل هي مدائح حق لا تخرج إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو هي مدائح تتضمن الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينزل فوق منزلته التي أنزلها الله إياه، كالمدائح التي تجعل للنبي صلى الله عليه وسلم حظاً من التصرف في الكون، بل ربما تجعل الكون كله عائداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقول بعضهم: فإن من جودك الدنيا- يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

فإن هذه المدائح وأمثالها كفر بالله عز وجل، سواء اقترنت بآلة لهو أم لم تقترن، ولا يحل لمؤمن أن يقولها في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لتطهير الناس من مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى شرك المخلوق بالخالق فيما يستحقه سبحانه وتعالى. ثانياً إذا كانت هذه المدائح مدائح حق لا غلو فيها ولكنهم جعلوها مصحوبة بهذه المزامير وآلات اللهو فإن هذا محرم؛ لأنها اقترنت بما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن المعازف وآلات اللهو كلها حرام، إلا ما استثني منها من الدفوف في الأوقات التي أبيحت فيها، ويدل لتحريمها ما رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) . والمعازف هي آلات اللهو كما ذكر ذلك أهل العلم، وفي قرنها بالزنى وشرب الخمر دليل على قبحها وتأكد تحريمها، فهؤلاء الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدائح المقرونة بآلات اللهو كأنما يسخرون به صلى الله عليه وسلم، حيث مدحوه وعظموه بما حرمه على أمته ومنعهم منه. أما المسألة الثانية مما تضمنه هذا السؤال فهو قراءة القراء القرآن للأموات بعد موتهم، وأخذهم الأجرة على ذلك، فإن هذا أيضاً من الابتداع في دين الله عز وجل، وقراءة القارىء الذي لا يقرأ إلا بأجرة ليس فيها ثواب؛ لأن قراءة القرآن عمل صالح، وإذا أريد بالعمل الصالح الدنيا حبط وبطل أجره كما قال الله تعالى:(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . وإذا بطل أجره- أي: أجر هذا القارىء بالأجرة- لم يحصل للميت انتفاع من قراءته، وحينئذٍ يكون هؤلاء الذين استأجروا القارىء ليقرأ القرآن لميتهم قد خسروا في الدنيا والآخرة: أما خسارتهم في الدنيا فهي بذل المال في أمر لا ينفع الميت، وأما خسارتهم في الآخرة فلأنهم استأجروا هذا الرجل أن يقرأ كتاب الله بعوض من الدنيا فأعانوه على الإثم، ومن يعين على الإثم آثم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:(وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وإن نصيحتي لهذين الصنفين من الناس- الصنف الأول: أولئك المداحون الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نهاهم عنه من الغلو فيه، أو الذين يمدحونه مدحاً مقتصدين فيه ولكنهم يقرنونه بما نهى الله عنه. وكذلك الصنف الثاني: الذين يقرؤون القرآن في المآتم للأموات بالأجرة- أنصحهم جميعاً أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكونوا في عباداتهم القولية والفعلية والاعتقادية متمشين على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي التمسك بها خير وفلاح في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر وإن كان قد يشق عليهم، بل وإن كان الشيطان قد يريهم أن ذلك شاق عليهم، وأنهم يطلبون به بما يطلبونه من المال والجاه فليصبروا على ذلك وليحتسبوا ثواب الله عز وجل الذي لا حصر له ولا نهاية (إِنَما يُوفى الصَّابرون أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابْ) . وليصبروا على ترك هذه الأمور المحرمة حتى يكونوا أئمة يهدون بأمر الله وكانوا بآيات الله يوقنون.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم رسالة وصلت من مستمع إلى البرنامج يقول: يقام في بلدنا كل يوم خميس حلقات دينية في بيوت المشايخ: يقوم صاحب الزاوية أو الشيخ الذي تقام في داره الحلقة بتعليم الناس الذين يأتون لحضور هذه الحلقة، ويقومون بمدح الرسول والصحابة والشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي وغيرهم، كما يضربون على الدفوف، ويتحركون حركات هادئة تشبه الركوع ولكنها كثيرة وسريعة. ماذا تقولون في مثل هؤلاء بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في مثل هؤلاء: إن عملهم هذا بدعة، وربما يكون فيه مدائح تصل إلى الكفر، فإن أصحاب المدائح النبوية أحياناً يصلون بمدائحهم إلى درجةٍ يجعلون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الله سبحانه وتعالى، بل ربما يرتقون فوق ذلك. منهم من يردد قول القائل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، فهو الذي يدعى عند حلول الحادث العمم، ويلاذ به عز وجل، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجيب دعوة المضطرين. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يملك مثل ذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام يسأل ربه ويستغيثه ويستعينه، وهو أعبد الناس لربه في هذا المقام. ولهذا لما دخل الرجل إليه والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس شكا إليه قلة المطر، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء يدعو الله يقول:(اللهم أغثنا) . فهو عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك ذلك لغيره؟ إنما هو عليه الصلاة والسلام هادٍ يهدي إلى صراط الله عز وجل، مثل هذه الأبيات التي أنشدتها لا شك أنها لم تجعل لله تعالى شيئاً؛ لأنه إذا كان من جود النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا وضرتها وهي الآخرة فإنه لم يبقَ لله شيء، فأقول: هذا العمل الذي يعمله هؤلاء القوم عند هذا الشيخ عملٌ بدعيٌ، وقد يتضمن أشياء منكرةً نكارةً عظيمة، وقد يشتمل على أشياء تكون كفراً وشركاً أكبر. ولو أن هذا الشيخ جمعهم على العلم، على تعلم كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان هذا خيراً وأفضل وأكمل، حتى ينتفع وينفع. كذلك ذكر السائل أنهم كانوا يركعون ويسجدون بصفةٍ ويضربون الدفوف بصفةٍ خفيفة سريعة، وهذا أيضاً منكر، لا يجوز لأحدٍ أن يتعبد به لله عز وجل، فإن العبادة مبناها على التوقيف وليست على الذوق ولا على الهوى، ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه ولا عن أحدٍ من سلف الأمة وأئمتها أن يتعبدوا لله تعالى بمثل هذه العبادة، بل هذا منكرٌ بنفسه فضلاً عن أن يكون عبادة.

***

ص: 2

‌هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يصاحبها النقر على الطبلة، مع القيام بحركات تشبه الرقص. هل هذا جائز شرعاً في نظركم يا فضيلة الشيخ؟ وما هي آداب الذكر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أقدم مقدمة تلقي الضوء على جواب هذا السؤال، وذلك أن الله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، كما قال عز وجل:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ) . والعبادة التي خلقنا الله من أجلها لا تصح إلا بشرطين أساسين: أحدهما: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما الإخلاص لله فمعناه: أن يكون العابد قاصداً بعبادته وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بذلك عرضاً من الدنيا لا مالاً ولا جاهاً ولا تقرباً إلى أحد من المخلوقين، وإنما يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة، كما قال الله تعالى عن محمد رسول الله وأصحابه قال عز وجل:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) . وقال عز وجل: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) . وأما الأصل الثاني فهو المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل هذين الأمرين قوله تعالى:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، وقوله:(وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان العمل موافقاً للشرع في أمور ستة السبب والجنس والقدر والكيفية والزمان والمكان، فإذا لم يكن العمل موافقاً للشرع في هذه الأمور الستة فإن المتابعة فيه تتخلف. أما السبب: فلا بد أن يكون لهذا العمل سبب شرعي اقتضى أن يفعل، فلو تعبد الإنسان لله تعالى عبادة قرنها بسبب لم يرد به الشرع لم تقبل منه؛ لأنها غير موافقة للشرع، فلا تتحقق فيها المتابعة، ومثال ذلك أن يتعبد الإنسان لله عز وجل بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم كلما دخل بيته، فإننا نقول: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يوافق الشرع في سببه، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أسباب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دخول البيت. ولو أن الإنسان ضحى بفرس لم تقبل أضحيته؛ لأنها لم توافق الشرع في جنسها، إذ إن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم. ولو أن الإنسان صلى الرباعية خمساً أو الثلاثية أربعاً أو الثنائية ثلاثاً لم يقبل منه؛ لأن ذلك غير موافق للشرع في عدد العبادة. ولو أن الإنسان صلى فقدم السجود على الركوع لم تصح صلاته؛ لأنها غير موافقة للشرع في صفتها وهيئتها. ولو أن الإنسان ضحى قبل صلاة العيد عيد الأضحى لم تقبل أضحيته؛ لأنها غير موافقة للشرع في وقتها. ولو أن الإنسان اعتكف في بيته اعتكافاً يقصد به التقرب إلى الله عز وجل كما يعتكف الناس في المساجد لم يقبل اعتكافه؛ لأنه غير موافق للشرع في مكان العبادة. فإذا علمت هذه المقدمة النافعة، وهي: أن العبادة لا تصح إلا أن تبنى على هذين الأساسين العظيمين، وهما: الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ تبين لك حكم هؤلاء الذين ذكرهم السائل، الذين يجتمعون على ذكر الله عز وجل ويجعلون عندهم طبولاً ينقرونها عند كل جملة يذكرون الله بها، ويعملون أعمالاً تشبه الرقص، فهؤلاء مردود عليهم ذكرهم، ويكون ذكرهم الذي تعبدوا به لله على هذا الوجه بدعة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع، وأخبر أن كل بدعة ضلالة بدون استثناء، وأتى بـ (كل) الدالة على العموم، ومن المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشريعة الله، وأنه أنصح الخلق لعباد الله، وأنه أفصح الخلق في تعبيره وبلاغه، فإذا قال:(كل بدعة ضلالة) فإنه لا يمكن أن نقسم بعد ذلك البدع إلى أقسام، بل نقول: إن البدع كلها ضلالة مهما كانت. ومن ظن أن شيئاً من البدع يكون حسناً فإنه قد توهم من أحد وجهين: إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة شرعاً، ولكن ظنه بدعة فسماه بدعة. وإما أن يكون الشيء بدعة لكنه ليس بحسن، بل توهم مبتدعه أنه أحسن في ذلك وهو لم يحسن. وأما أن تتحقق البدعة فإنه لا يمكن أن تتحقق أنها حسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كل بدعة ضلالة) . فهؤلاء المبتدعة الذين أحدثوا في ذكر الله عز وجل ما ليس منه عملهم مردود عليهم، ولا يزيدهم من الله إلا بعداً، وهو خلاف طريق الذين أنعم الله عليهم والذين يقولون في كل صلواتهم:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) . فإن كل مبتدع فهو ضال فيما ابتدع في دين الله، وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذا الذكر، بل أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذه الكيفية التي أحدثوها في ذكر الله، هذا إذا كان الذكر الذي يذكرون الله به موافقاً للشرع في صيغته، أما إذا كان مخالفاً للشرع في صيغته فإنه يكون قبحاً على قبح، كما لو جعلوا أذكارهم هو هو هو وما أشبه ذلك مما يتخذه الصوفية ونحوهم ذكراً لله عز وجل، والرب سبحانه وتعالى قد بين لنا الطريق وأوضحه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إما في كتاب الله وإما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) . وقال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . وقال سبحانه وتعالى: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فإذا كان الله تعالى قد بين لنا البيان التام فإن كل عمل يقربنا إليه ويرضيه عنا فإنه قد بينه ووضحه، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والدين كامل من جميع الوجوه، واتل قول الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) . وحقيقة حال المبتدع أنه يعترض على شريعة الله كأنما يقول: هذه من الشريعة ولكن لم تكن واردة، فالشرع إذاً ناقص؛ لأنه لابد أن يكون الأمر هكذا: إما أن يكون الشرع ناقصاً وهذه البدعة أكملته، وإما أن يكون الشرع تاماً فهذه البدعة زيادة ما أنزل الله بها من سلطان. ولا يحل لنا أن نتقرب إلى الله إلا بما شرع على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فنصيحتي لهؤلاء القوم، نصيحتي لهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله عز وجل في عباد الله الذين يتبعونهم ويقتدون بهم، وليرجعوا إلى ما كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، فإنه الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

***

ص: 2

‌أثابكم الله يا شيخ محمد رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين عطية من المدينة المنورة يقول: لقد سمعت حلقة من برنامج نور على الدرب يوم الخميس الموافق 14 / 6 / 1407 هـ وسمعت إجابة السؤال الأول من البرنامج والذي قال فيه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بأن كل بدعة ضلالة وذكر الحديث، وقال: ليس هناك بدعة غير ضلالة وليس هناك بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة. سؤالي: هل السَبْحَةْ تعتبر بدعة؟ وهل هي بدعة حسنة أم بدعة ضلالة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السَبْحَةْ ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله أو التهليل أو التحميد أو التكبير، فهي وسيلة وليست مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله، أي: بأصابعه؛ لأنهنّ مستنطقات كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيراً من أولئك الذين يستعملون المسبحة فنجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك؛ لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه أو تهليله وتحميده وتكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب يلتفت يميناًَ وشمالاً، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحفظ لقلبه غالباً. الشيء الثالث: أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيراً من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات، وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا لكنه يخشى منه. فهذه ثلاثة أمور كلها تقضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمِسْبحة، وأن يسبح الله سبحانه وتعالى بأنامله. ثم إن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه) ، واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلاًَ على الأيسر، ونهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله، وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) . وقال: (لا يأكلنّ أحدكم بشماله ولا يشربنّ بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) . فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعاً للسنة وأخذاً باليمين، فقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) . وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدعة في الدين، والتسبيح بالمسبحة إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع.

***

ص: 2

‌المستمع عبد الرحمن إبراهيم أحمد من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: في يوم الجمعة عندنا يقوم بعض الناس بالتسبيح ويقولون: الصلاة وألف سلام يا سيدي يا رسول الله، ويستدلون لهذا بقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً..) الخ الآية. فكيف نرد على مثل هؤلاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لهؤلاء: ما ذكرتم من الآية (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ما ذكرتموه من الآية دليل عليكم وليس دليلاً؛ لكم لأن الله عز وجل أمر بالصلاة والسلام على نبيه كل وقت، ولم يخص ذلك بيوم الجمعة، وأنتم جعلتم هذا في يوم الجمعة فقط. ثم إن الله عز وجل لم يأمر بأن نصلى ونسلم عليه مجتمعين، وأنتم جعلتم الصلاة والسلام عليه مجتمعين، فخالفتم الآية حيث خصصتموها بيوم معين وبصفة معينة، والواجب علينا أن نطلق ما أطلقه الله وأن نقيد ما قيده الله، وأن لا نتجاوز ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة. ونصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يتقيدوا بما جاء به الشرع من العبادات كمية وكيفية ونوعاً ووقتاً ومكاناً؛ لأن من شرط صحة العبادة وقبولها أن تضمن أمرين: الأمر الأول: الإخلاص لله عز وجل، والأمر الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. دليل الأمر الأول قوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وقوله:(وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) . ودليل الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد)، أو:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن تكون العبادة موافقة للشرع في أمور ستة: في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها، فإذا خالفت الشرع في هذه الأمور الستة لم تتحقق فيها المتابعة وكانت باطلة.

***

ص: 2

‌أحد الإخوة المستمعين سليمان من قرية المقروبة بجمهورية مصر العربية يقول: في قريتنا البعض من الناس يذكرون الله بصوت مرتفع وهم وقوف، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعلون ذلك في ليلة الاثنين والجمعة. نصحتهم بذلك وقلت لهم بأن ذلك بدعة في الدين، سخروا مني وقالوا لي: إننا على صواب وأنت الذي على خطأ. وإني رفضت هذا الكلام ولا أبالي، الرجاء من فضيلتكم النصح لمثل هؤلاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن نصيحتنا لمثل هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم، وأن يعرفوا قدر أنفسهم، وأن يعلموا أنه لا يحل لهم أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وأنه ليس لهم الحق أن يشرعوا في دين الله ما ليس منه، فالدين دين الله عز وجل، وهو الذي يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته مما فيه مصلحتهم في الحاضر والمستقبل، وهم يعلمون- شاؤوا أم أبوا- أن الدين دين الله وأن الشرع شرعه، ولكني أريد منهم أن يطبقوا هذا العلم، بحيث لا يتجاوزون شرع الله فيتعبدون له بما لم يشرعه. وليعلم هؤلاء أن كل عمل قولي أو فعلي أو عقدي يقومون به تقرباً إلى الله عز وجل فإنه لا يزيدهم من الله إلا بعداً إذا لم يكن مشروعاً بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الجمعة:(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث الذي يعلنه في خطبة الجمعة، أخبرنا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فما خالف هديه فهو شر، وأخبرنا أيضاً أن كل بدعة في دين الله، ضلالة وأن كل ضلالة في النار. فليعلم هؤلاء أن هذا العمل عناء وعقاب، عناء في الدنيا ومشقة وتعب ونصب، وعقاب يوم القيامة. ولا أخص هؤلاء بما ابتدعوه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الكيفية التي ذكرها السائل، ولكني أتكلم على بدعتهم هذه وعلى جميع ما ابتدع في دين الله تعالى من عقيدة أو قول أو عمل، فعلى المرء أن يكون عبداً لله عز وجل بمعنى هذه العبودية، فلا يتقدم بين يديه ولا يدخل في دينه ما لم يشرعه.

***

ص: 2

‌ما حكم سماع الموالدي الذي يمدح الرسول في الليالي ومعه طائفةٌ من الإخوان يرددون المدح والتهليل بمكبر الصوت

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه من البدع، فإنه لم يكن معروفاً عند الصحابة: أن يقوموا بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم في الأسواق جهراً أو في المساجد جهراً أو يعلنون ذلك على الملأ، وإنما كانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الواردة عنه، ويصفونه صلى الله عليه وسلم بما يستحقه من صفات بدون مغالاة؛ لأنهم يعلمون رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو فيه، فهذه الصفة بمجردها بدعةٌ منهي عنها. ثم إن كان في تلك المدائح أوصاف لا تصح إلا لله تبارك وتعالى فإنها لا تجوز، وتكون أيضاً مذمومةً من ناحية أخرى وهي: الشرك، مثل قول القائل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العممِ

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدمِ

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ

فإن هذا لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرضاه غيره من المؤمنين؛ لأن هذه الأوصاف لا تليق إلا لله عز وجل، بل إن قوله إن من جودك الدنيا وضرتها جعل هذا أعظم من الله عز وجل، ومن علومك علم اللوح والقلم هذا والعياذ بالله منكرٌ عظيم وشرك بالله تبارك وتعالى. فالمهم أن هذه المدائح بمجرد صفتها التي ذكرها السائل هي بدعة، ثم إن كانت مشتملة على ما لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى: على ما لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو- فإنها تزداد قبحاً على قبحها.

ص: 2

‌يافضيلة الشيخ: هذا بالنسبة لمن يقوم بها ويتحلق عليها، لكن حكم من يسمعها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاستماع إليها فهذا لا يجوز؛ لأن الاستماع إلى المنكر منكر. وأما سماعها والإنسان عابرٌ مار، أو سماعها والإنسان في بيته بدون قصد الاستماع فهذا لا يضر، ولكنه يجب عليه أن ينصحهم وينهاهم عن ذلك إن انتهوا، وإلا فلا شيء عليه منهم.

***

ص: 2

‌وصلتنا رسالة من المستمع م. ع. ص. من جمهورية مصر العربية يقول: ما حكم الشرع في نظركم في أعياد الميلاد والاحتفال بذكرى المولد للرسول صلى الله عليه وسلم؟ لأنها تنتشر عندنا بكثرة، أفيدونا بارك الله فيكم

فأجاب رحمه الله تعالى: نظرنا في هذه المسألة أن نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الخلق أجمعين، وإنه يجب على جميع الخلق أن يؤمنوا به ويتبعوه، وإنه يجب علينا مع ذلك أن نحبه أعظم من محبتنا لأنفسنا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونرى أن من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة محبته أن لا نتقدم بين يديه بأمر لم يشرعه لنا؛ لأن ذلك من التقدم عليه وقد قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ?. وإقامة عيد لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لا تخلو من أحوال ثلاث: إما أن يفعلها الإنسان حباً وتعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أن يفعلها لهواً ولعباً، وإما أن يفعلها مشابهةً للنصارى الذين يحتفلون بميلاد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. فعلى الأول: إذا كان يفعلها حباً وتعظيماً للرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها في هذه الحال تكون ديناً وعبادة؛ لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من الدين، قال الله تعالى: ?إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً? لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا?. وإذا كان ذلك من الدين فإنه لا يمكن لنا ولا يسوغ لنا أن نشرع في دين النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، إذ إن ذلك- أي: شرعنا في دين النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه- يستلزم أحد أمرين باطلين: فإما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بأن هذا من شريعته، وحينئذٍ يكون جاهلاً بالشرع الذي كلف بتبليغه، ويكون من بعده ممن أقاموا هذه الاحتفالات أعلم بدين الله من رسوله، وهذا أمر لا يمكن أن يتفوه به عاقل فضلاً عن مؤمن. وإما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم، وأن هذا أمر مشروع، ولكنه كتم ذلك عن أمته، وهذا أقبح من الأول، إذ إنه يستلزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كتم بعض ما أنزل الله عليه وأخفاه على الأمة، وهذا من الخيانة العظيمة، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتم شيئاً مما أنزل الله عليه. قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً مما أنزل الله عليه لكتم قول الله تعالى (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . وبهذا بطلت إقامة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل محبته وتعظيمه.

وأما الأمر الثاني، وهو: أن تكون إقامة هذه الاحتفالات على سبيل اللهو واللعب، فمن المعلوم أنه من أقبح الأشياء أن يفعل فعل يظهر منه إرادة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو للعب واللهو، فإن هذا نوع من السخرية والاستهزاء، وإذا كان لهواً ولعباً فكيف يتخذ ديناً يعظم به النبي صلى الله عليه وسلم؟

وأما الأمر الثالث، وهو: أن يتخذ ذلك مضاهاة للنصارى في احتفالاتهم بميلاد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فإن تشبهنا بالنصارى في أمر كهذا يكون حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من تشبه بقوم فهو منهم) . ثم نقول: إن هذا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعون لهم بإحسان، ولا تابعو التابعين، وإنما حدث في القرن الرابع الهجري، فأين سلف الأمة عن هذا الأمر الذي يراه فاعلوه من دين الله؟ هل هم أقل محبة وتعظيماً منا لرسول الله؟ أم هل هم أجهل منا بما يجب للنبي صلى الله عليه وسلم من التعظيم والحقوق؟ أم ماذا؟ إن أي إنسان يقيم هذا الاحتفال يزعم أنه معظم للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ادعى لنفسه أنه أشد تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوى محبة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، ولا ريب أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه إنما يكون باتباع سنته صلى الله عليه وسلم؛ لأن اتباع سنته أقوى علامة تدل على أن الإنسان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويعظمه، أما التقدم بين يديه وإحداث شيء في دينه لم يشرعه فإن هذا لا يدل على كمال محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه. قد يقول قائل: نحن لا نقيمه إلا من باب الذكرى فقط. فنقول: يا سبحان الله! تكون لكم الذكرى في شيء لم يشرعه النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم؟ مع أن لديكم من الذكرى ما هو قائم ثابت بإجماع المسلمين، وأعظم من هذا وأدوم: فكل المسلمين يقولون في أذان الصلوات الخمس: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وكل المسلمين يقولون في صلاتهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وكل المسلمين يقولون عند الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. بل إن ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم تكون في كل عبادة يفعلها المرء؛ لأن العبادة من شرطها الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الإنسان مستحضراً ذلك عند فعل العبادة فلا بد أن يستحضر أن النبي صلى الله عليه وسلم إمامه في هذا الفعل، وهذا تذكر. وعلى كل حال فإن فيما شرعه الله ورسوله من علامات المحبة والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كفاية عما أحدثه الناس في دينه مما لم يشرعه الله ولا رسوله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير. على أن هذه الاحتفالات فيما نسمع يكون فيها من الغلو والإطراء ما قد يخرج الإنسان من الدين، ويكون فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء ما تخشى منه الفتنة والفساد، والله أسأل أن يهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشداً، وأن يوفقها لما فيه صلاح دينها ودنياها وعزتها وكرامتها، إنه جواد كريم.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وصلت من مكة المكرمة يقول فيها السائل: كثير من الناس يقول بأن المولد ليس ببدعة؛ لأن فيه ذكراً للرسول صلى الله عليه وسلم وتمجيداً لذكره، وليس فيها لهو من غناء وغيره، بل هو ذكر فقط في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ما الحكم إذا كان المولد بهذه الصورة؟ أريد جواباً شافياً وواضحاً لهذا الموضوع؛ لأن الكثير من الناس يرون أنه ليس فيه شيء من البدع لأنه ذكر فقط

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، ولا شك أن له حقوقاً علينا أكثر من حقوق أمهاتنا وآبائنا، ولا شك أنه يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ولا شك أن له من المناقب والفضائل ما لم يكن لغيره، وهذا أمر مسلم. وإذا كان هذا يسأل عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نبحث في هذه المسألة من ناحيتين: أولاً: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت أن ولادته كانت في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، ولا كانت يوم الثاني عشر من ربيع الأول، بل حقق بعض المعاصرين من الفلكيين أن ولادته كانت في اليوم التاسع من ربيع الأول، وعلى هذا فلا صحة لكون المولد يوم الثاني عشر أو ليلة الثاني عشر من الناحية التاريخية. أما من الناحية التعبدية فإننا نقول: الاحتفال بالمولد ماذا يريد به المحتفلون؟ أيريدون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ إن كانوا يريدون هذا فإظهار محبته بإظهار شريعته عليه الصلاة والسلام والالتزام بها، والذود عنها وحمايتها من كل بدعة. أم يريدون ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصلة فيما هو مشروع كل يوم: فالمؤذنون يعلنون على المنائر أشهد أن محمداً رسول الله، والمصلون في كل صلاة يقول المصلى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقول: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد بل كل عبادة فهي ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن العبادة مبنية على أمرين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الذكرى في القلب. أم يريد هؤلاء أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإظهار مناقبه؟ فنقول: نعم هذه الإرادة ونحن معهم نحث على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحث على إظهار مناقبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمته؛ لأن ذلك يؤدي إلى كمال محبته وتعظيمه واتباع شريعته. ولكن هل ورد هذا مقيداً بذلك اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم إنه عام في كل وقت وحين؟ فالجواب بالثاني. ثم نقول: اقرأ قول الله عز وجل: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فهل نحن متبعون للمهاجرين والأنصار في إقامة هذا المولد، بل في إقامة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فالجواب: لا؛ لأن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم لم يقيموا هذا الاحتفال ولم يندبوا إليه أبداً، أفنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم؟ أم هم غافلون مفرطون في إقامة هذا الحق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم هم جاهلون به لا يدرون عنه؟ كل هذا لم يكن؛ لأن وجود السبب مع عدم المانع لابد أن يحصل مقتضاه، والصحابة لا مانع لهم من أن يقيموا هذا الاحتفال، لكنهم يعلمون أنه بدعة، وأن صدق محبة الرسول عليه الصلاة والسلام في كمال اتباعه، لا أن يبتدع الإنسان في دينه ما ليس منه، فإذا كان الإنسان صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي اعتقاده أنه سيد البشر فليكن ملتزماً بشريعته: ما وجد في شريعته قام به، وما لم يوجد أعرض عنه، هذا خالص المحبة وهذا كامل المحبة. ثم إن هذه الموالد يحصل فيها من الاختلاط والكلمات الزائدة في الغلو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى أنهم يترنمون بالبردة المضافة إلى البوصيري وفيها يقول:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

كيف يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العظيم؟ هل هذا صحيح؟ هذا يعني أن هذا الذي أصيب بالحادث لا يرجع إلى الله عز وجل ولا يلوذ بالله عز وجل، وهذا شرك، ثم يقول:

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم

فهل الرسول عليه الصلاة والسلام ينقذ الناس يوم المعاد؟ إن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك اليوم: اللهم سلم اللهم سلم عند عبور الصراط. ويقول أيضاً في هذه القصيدة وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإن من جودك الدنيا وضرتها) الدنيا وضرتها هي الآخرة من جود الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل جوده، بل هي من جوده، وجوده أجود من هذا، فإذا جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا بقي لله تعالى في الدنيا والآخرة؟ لن يبقى شيء، كل هاتين الدارين من جود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويقول أيضاً:(ومن علومك علم اللوح والقلم) - سبحان الله! - من علومه- وليست كل علومه- أن يعلم ما في اللوح المحفوظ، مع أن الله تعالى أمر نبيه أمراً خاصّاً أن يقول:(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) . فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم ما غاب عنه في الدنيا فكيف يقال: إنه يعلم علم اللوح والقلم؟ بل إن علم اللوح والقلم من علومه، وهذا غلو لا يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام، بل ينكره وينهى عنه. ثم إنه يحصل بهذا الاحتفال بالمولد أشياء تشبه حال المجانين: سمعنا أنهم بينما هم جلوس إذا بهم يفزون ويقومون قيام رجل واحد، ويدَّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في هذا المجلس وأنهم قاموا احتراماً له، وهذا لا يقع من عاقل فضلاً عن مؤمن، أشبه ما به جنون! فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره لا يخرج إلى يوم البعث، كما قال الله عز وجل:(وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . والخلاصة أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح من الناحية التاريخية ولا يحل من الناحية الشرعية، وأنه بدعة، وقد قال أصدق الخلق وأعلم الخلق بشريعة الله:(كل بدعة ضلالة) . وإني أدعو إخواني المسلمين إلى تركه والإقبال على الله عز وجل، وتعظيم سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشريعته، وألا يحدث الإنسان في دين الله ما ليس من شريعة الله. وأنصحهم أن يحفظوا أوقاتهم وعقولهم وأفكارهم وأجسامهم وأموالهم من إضاعتها في هذا الاحتفال البدعي، وأسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق وإصلاح الحال، إنه على كل شيء قدير.

فضيلة الشيخ: متى ظهرت بدعة المولد؟

فأجاب رحمه الله تعالى: في القرن الرابع، يعني: مضت الثلاثة القرون المفضلة ولم يقمها أحد، في القرن الرابع وجدت، وفي القرن السابع كثرت وانتشرت وتوغلت. وقد أُلف في ذلك والحمد لله مؤلفات تبين أول هذه البدعة وأساسها ومكانتها من الشرع، وأنها لا أصل لها في شريعة الله.

فضيلة الشيخ: يزعم أناس بأنهم يحبون الرسول فأتوا بالمولد فاحتفلوا بالمولد وأتوا بالمدائح، فما حكم الاحتفال بالمولد حيث يزعمون بأنه حب للرسول؟

فأجاب رحمه الله تعالى: على القاعدة التي ذكرت لك: من أحب الرسول فليتبع سنته، من أحب الرسول فلا يبتدع في دينه ما ليس منه، ولنا ولغيرنا كتابات في هذا الموضوع وبيانات، والذي نسأل الله تعالى إياه أن يهدي إخواننا للصراط المستقيم. ويا سبحان الله! أين أبو بكر؟ أين عمر؟ أين عثمان؟ أين علي؟ أين الصحابة؟ أين الأئمة عن هذا؟ أجهلوه أم فرطوا فيه؟ لا يخلو الأمر من أحد أمرين: إما أنهم جاهلون بحق الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يقيموا الاحتفال لمولده، أو أنهم مفرطون تذهب القرون الثلاثة كلها لا تعلم بهذه البدعة، ونقول: إنها مشروعة، إنها محبوبة إلى الله ورسوله، إنها نافعة لمن قام بها؟ هذا لا يمكن. ثم إنه يحدث في هذه الموالد من المنكرات العظيمة والغلو بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيء كثير، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الاتباع، نسأل الله تعالى إيماناً لا كفر معه، ويقيناً لا شك معه، وإخلاصاً لا شرك معه، واتباعاً لا ابتداع معه.

***

ص: 2

‌هذا السائل طاهري محمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ هل احتفل الرسول صلى الله عليه وسلم بميلاده كما يفعل البعض أم لا؟ أرجو منكم التوجيه والنصح في هذا الموضوع مأجورين

فأجاب رحمه الله تعالى: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بذكرى ميلاده، ولم يحتفل بذلك أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يحتفل بذلك التابعون لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولا تابعو التابعين ولا أئمة المسلمين، وإنما ابتدع هذا الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في أثناء المائة الرابعة، أي: بعد ثلاثمائة سنة من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولا شك أن الحامل لهذا الاحتفال ممن أسسه، لا شك أنه إن شاء الله تعالى حب الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن حب الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما يتبين حقيقةً باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فمن كان للرسول أحب كان له أتبع بلا شك، ومن كان للرسول أتبع كان ذلك أدل على محبته لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا يقول المبتدعون لأهل السنة المتمسكين بها يقولون: إن هؤلاء لا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونقول: سبحان الله! أيهما أقرب إلى حب الرسول عليه الصلاة والسلام: من شرع في دينه ما ليس منه، أو من تمسك بهديه وسنته؟ الجواب لا شك أنه الثاني: أن من تمسك بهديه وسنته فهو أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن ابتدع في شريعته ما لم يشرعه عليه الصلاة والسلام، بل إن البدعة الشرعية في دين الله مضمونها القدح برسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن المبتدع يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهل بمشروعية هذه البدعة، أو: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عالم بمشروعيتها لكن كتمها عن أمته. وكلا الأمرين قدحٌ واضح في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلو تأمل المبتدع ما تتضمنه بدعته من اللوازم الفاسدة لاستغفر الله منها، ولعاد إلى السنة فوراً بدون أي واعظ. وخلاصة القول في الجواب على هذا السؤال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بذكرى ميلاده أبداً، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابة ولا التابعون، ولا تابعو التابعين، ولا أئمة المسلمين، وإنما حدث ذلك من بعض الولاة واستمر الناس عليه إلى يومنا هذا، ولكني واثقٌ بإذن الله عز وجل أن هذه الصحوة المباركة التي في شباب الأمة الإسلامية سوف تقضي على هذه البدعة، وسوف تزول شيئاً فشيئاً كما تبين ذلك في بعض البلاد الإسلامية، ممن تذكروا حين ذكروا واتعظوا حين وعظوا ولم يعودوا إلى هذه البدعة. قد يقول المبتدع: أنا لم أحدث شيئاً: أنا أصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكره بالخير، وأثني عليه، وأحيي ذكراه في القلوب. نقول: هذا حسن: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محمودة، والثناء عليه بما هو يستحق محمود، وكذلك إحياء ذكراه محمود، ولكن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته ما تحصل به الذكرى والمحبة على غير هذا الوجه: نحن نذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل عبادة، هذا هو الذي ينبغي لنا أن نفعله، أي: أن نذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في كل عبادة، وذلك لأن كل عبادة مبنية على أمرين: على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وحينما تشعر بأنك في عبادتك متبعٌ لرسول الله سيكون هذا ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كذلك أيضاً نحن نذكر النبي عليه الصلاة والسلام ونرفع شأنه وذكراه في أعلى الأمكنة في كل يومٍ وليلة خمس مرات، في الأذان، نقول في كل أذان: أشهد أن محمداً رسول الله، وهذا إحياءٌ لذكراه وإعلاءٌ لشأنه من على المنارات بالأصوات المرتفعة، ونقول أيضاً مرةً ثانية عند القيام للصلاة في الإقامة أشهد أن محمداً رسول الله، أي ذكرى أعظم من هذه الذكرى؟ كذلك إذا فرغنا من الوضوء نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كذلك في الصلاة في التشهد نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. في كل أحوالنا، في كل عباداتنا نحن نذكر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن العبادة إخلاصٌ واتباع، إخلاصٌ لرب العالمين واتباعٌ لرسول رب العالمين، فهي إحياء الذكرى، فلا حاجة أن نبتدع في شريعة الله ما ليس منها من أجل إحياء الذكرى. ثم إنه- كما قال بعض أهل العلم- إحياء ذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة يوجب أن ينسى ذكر الرسول في غير هذه الليلة، وأن يترقب هؤلاء مجيء هذه الليلة ليحيوا ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. لهذا نوجه إخواننا المسلمين من على هذا المنبر- ألا وهو: منبر نورٌ على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية، نوجه جميع إخواننا المسلمين- إلى أن يتدبروا الأمر وينظروا فيه، ويحرصوا على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع الخلفاء الراشدين حيث أمرنا باتباعهم، قال الله تعالى:(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) وانتبه لهذا القيد "اتبعوهم بإحسان" والإحسان اتباع آثارهم حقيقةً فعلاً وتركاً، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فليتدبر إخواننا المسلين في بقاع الأرض، ليتدبروا هذه المسألة، وليقولوا في أنفسهم: أنحن خيرٌ أم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولو كان خيراً لسبقونا إليه. أنحن أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه؟ أنحن أشد حرصاً على الطاعات من أصحابه؟ كل هذا الجواب فيه لا وإذا كان الجواب فيه: لا، فليكن أيضاً الجواب في الاحتفال بذكرى مولده: لا، وليعلموا أنهم إذا تركوا ذلك لله عز وجل وتحقيقاً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فسيجعل الله في قلوبهم من الإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ما لم يكن فيها عند وجود هذه الاحتفالات التي يدَّعون أنها ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

***

579-

بعث بهذه الرسالة إبراهيم محمد عبد الله قدس بالسودان مدينة السوكي يقول: الاحتفال في ليلة الإسراء والمعراج، وهنا في السودان نحتفل أو يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج في كل عام. هل هذا الاحتفال له أصل من كتاب الله ومن سنة رسوله الطاهرة، أو في عهد خلفائه الراشدين، أو في زمن التابعين؟ أفيدوني وأنا في حيرة وشكراً لكم جزيلاً

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لهذا الاحتفال أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وإنما الأصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يردُّ هذه البدعة؛ لأن الله تبارك وتعالى أنكر على الذين يتخذون من يشرعون لهم ديناً سوى دين الله عز وجل وجعل ذلك من الشرك، كما قال تعالى:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) . ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . والاحتفال بليلة المعراج ليس عليه أمر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً أمته، يقوله في كل خطبة جمعة على المنبر:(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . وكلمة: (كل بدعة) هذه جملة عامة ظاهرة العموم؛ لأنها مصدَّرة بـ (كل) التي هي من صيغ العموم، التي هي من أقوى الصيغ:(كل بدعة) ، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من البدع، بل قال:(كل بدعة ضلالة) .والاحتفال بليلة المعراج من البدع التي لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عنها، وأن يعتنوا باللب دون القشور، إذا كانوا حقيقة معظمين لرسول صلى الله عليه وسلم فإن تعظيمه بالتزام شرعه وبالأدب معه، حيث لا يتقربون إلى الله تبارك وتعالى من طريق غير طريقه صلى الله عليه وسلم، فإن من كمال الأدب وكمال الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتزم المؤمن شريعته، وأن لا يتقرب إلى الله بشيء لم يثبت في شريعته صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فنقول: إن الاحتفال بدعة يجب التحذير منها والابتعاد عنها، ثم إننا نقول أيضاً: إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي، بل إن أقرب الأقوال في ذلك- على ما في هذا من النظر- أنها في ربيع الأول، وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذاً لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لم تصح تاريخياً كما أنها لم تصح شرعاً، والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام.

فضيلة الشيخ: طيب ربما يقال: ما الذي ينبغي للمسلم أن يفعله إذا وافق هذه الليلة مثلاً في أول الربيع أو في رجب؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يفعل شيئاً؛ لأن من هم أحرص منا على الخير وأشد منا تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون شيئاً عند مرورها، ولهذا لو كانت هذه الليلة مشهورة عندهم ومعلومة لكانت مما ينقل نقلاً متواتراً لا يمتري فيه أحد، ولكانت لا يحصل فيها هذا الخلاف التاريخي الذي اختلف فيه الناس واضطربوا فيه، ومن المعلوم أن المحققين قالوا: إنه لا أصل لهذه الليلة التي يزعم أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين، ليس لها أصل شرعي ولا تاريخي.

فضيلة الشيخ: إذاً الاختلاف في وقتها دليل على عدم الاحتفاء بها؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.

***

ص: 2

‌المرسلة ل. م. ن. تقول في رسالتها: نحن كل سنة يقام عيد خاص يسمى عيد الأم، وهو في واحد وعشرين آذار يحتفل فيه جميع الناس، فهل هذا حرام أو حلال؟ وعلينا الاحتفال به أم لا وتقديم الهدايا؟ أفيدونا بذلك مشكورين

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ما كانت معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى. والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز العيد الذي ذكرته السائلة والذي سمته عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله ورسوله في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه. والذي ينبغي للمسلم أيضاً أن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن تكون شخصيته بمقتضى شريعة الله سبحانه وتعالى، حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وحتى يكون أسوة لا متأسياً؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه، كما قال الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) . والأم أحق من أن يحتفل بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها وأن يعتنوا بها وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان وفي كل مكان.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: ما حكم تبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء في مناسبات أعياد الميلاد وعيد الزواج

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشطر الأول من السؤال فلا أدري هل يريد بذلك- في الأعياد- أعياد الميلاد النصرانية، أو أنه يريد بأعياد الميلاد أعياد الميلاد النبوية التي يفعلها من يفعلها في مناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فإن كان يريد الأول: فالتهادي في هذه الأعياد والاحتفال بها واعتقاد أنها أيام فرح وسرور مشاركة للمشركين في أعيادهم، وهو محرمٌ بالاتفاق، كما نقله ابن القيم وغيره، ولا يجوز بذل الهدايا لا للمسلمين ولا للنصارى في أعياد ميلادهم؛ لأن بذل ذلك رضاً بما هم عليه من الملة الشركية الكفرية، والإنسان فيها على خطرٍ عظيم. وأما إذا كان المراد بالأعياد أعياد الميلاد أعياد ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام التي ابتدعها من ابتدعها: فالتهادي فيها حكمه حكم اتخاذها عيداً، واتخاذ أيام ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام عيداً الصحيح من الأقوال أنه غير مشروع؛ لأنه لم يحدث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة بعدهم، ولا عهد التابعين ولا عهد تابعي التابعين، وأول ما حدث عام ثلاثمائةٍ وواحد وستين من الهجرة، فصار الناس فيه ثلاثة أقسام: قسمٌ مؤيد، وقسمٌ مفند، وقسمٌ مفصل. أما المؤيد فيقول: إن هذا من باب إظهار فرحنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمنا له، حتى لا يقول النصارى: إن المسلمين لا يحتفلون بنبيهم ولا يهتمون به، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم"، فيكون استحسان ذلك من باب دفع اللوم عن الأمة الإسلامية. ومنهم من علل بأن هذا الاحتفال ليس إلا صلاةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثناءً عليه، وإحياءً لذكره، وهذا أمرٌ مطلوب على وجه العموم، وما كان مطلوباً على وجه العموم فلا مانع من أن نقوم به عند مناسبته. وأما المفندون له فقالوا: إنه ما من شك في أن محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة، وأنه يجب علينا أن نقدم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وأنه يجب علينا أن نعظمه ما يستحق من التعظيم، ولكن المحبة تستلزم أن لا نتجاوز طريق المحبوب، والتعظيم يستلزم أن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نسيء الأدب معه، بل نلتزم بما شرع لنا من الشرائع، ولا نحدث في دينه ما ليس منه. ولا ريب أن الاحتفاء أو الاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا ريب أن فاعله إنما يقصد من ذلك التقرب إلى الله عز وجل، والتقرب إلى الله تعالى عبادة، والعبادة لا بد فيها من أن تثبت بدليلٍ شرعي؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا ما قام الدليل عليه، وادعاء أن هذا من باب إحياء ذكره وتعظيمه ودفع اللوم عن المسلمين منقوض ومدفوعٌ: بأن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلب كل مؤمن في كل عبادةٍ يفعلها، فإن العبادة لا بد فيها من الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ فإن كل عابدٍ يريد أن يحقق العبادة فسيكون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلبه عند فعل كل عبادة، من أجل أنه يشعر بأنه متبعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. وأيضاً فإن ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يشرعه ليست بحميدة، وفي ذكراه بما شرعه ما يغني عن ذلك وأكثر، فالمسلمون يعلنون في كل يومٍ خمس مرات ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم على الأماكن العالية، وفي كل صلاة وعند كل صلاة، فلم يغب ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولله الحمد عن المسلمين في كل وقت لا في الليل ولا في النهار، وهم في غنىً عن هذا الأمر الذي أحدث ولم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم. وأما المفصلون فقالوا: إن اقتصر الاحتفال بالمولد على مجرد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله وصفاته والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فهذا لا بأس به؛ لأنه عبادةٌ شرع جنسها، ولا مانع من أن تخصص بوقتٍ مناسب. أما إذا كان في هذا الاحتفال ما يناقض ذلك من الغلو برسول الله صلى الله عليه وسلم وإنشاد القصائد التي قد تخرج الإنسان من الملة بالشرك الأكبر، أو بالخرافات التي يقوم بها من يحتفلون بهذا المولد من الصفق والصراخ والزعيق، واعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حضر ثم يقومون له- زعموا- تبجيلاً وتعظيماً وما أشبه ذلك، فهذا حرام. ولكن على القول الراجح تفنيد هذا الاحتفال مطلقاً، سواءٌ اشتمل على ما فيه الغلو والخرافات أم لم يشتمل، وكفى بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، كفى به غنية عما سواه. ونحن نقول: إذا دار الأمر بين أن يكون فعلك هذا قربة أو بدعة فالسلامة أسلم، وما دام الله عز وجل لم يكلفك به ولم يأمرك به فاحمد الله على العافية، وجانب ما قد يكون ضرراً عليك، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.

***

ص: 2

‌السائل أبو معاذ من الرياض يقول: يحتفل الزوجان فيما بينهما بيوم زواجهما، ويجعلان لذلك اليوم خاصية عن الأيام الأخرى وذلك للذكرى، فيتبادلان الهدايا بينهما. فما الحكم في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن ذلك لا يجوز؛ لأنهم يتخذون هذا عيداً: كلما جاء ذلك اليوم اتخذوه عيداً يتبادلون فيه الهدايا والفرح وما أشبه ذلك، لكن لو فعلوا هذا عند الزواج ليلة الزفاف أو في أيام الزواج فلا بأس، أما أن يجعلوه كلما مر هذا اليوم من كل سنة فعلوا هذا الاحتفال فلا يجوز؛ لأن الأعياد الشرعية ثلاثة: عيد الفطر، وعيد النحر، وعيد الأسبوع.

***

ص: 2

‌هذه أختكم في الله م. م. أ. الدوحة قطر تقول: لقد اعتدنا في نصف شهر شعبان كل سنة توزيع بعض الأطعمة والمأكولات على الجيران تصدقاً، فهل هذا العمل بدعة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل بدعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكل ما يتقرب به العبد مما ليس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور) . حتى لو فرض أن الإنسان قال: أنا لا أقصد بذلك التقرب إلى الله، ولكنها عادة اعتدناها. نقول: تخصيص العادة بيوم معين يتكرر كل سنة يجعل هذا اليوم بمنزلة العيد، ومن المعلوم أنه ليس هناك عيد في الشريعة الإسلامية إلا ما ثبت في الشريعة، كعيد الفطر، وعيد الأضحى، وكذلك يوم الجمعة هو عيد للأسبوع، وأما النصف من شعبان فلم يثبت في الشريعة الإسلامية أنه عيد، فإذا اتخذ عيداً توزع فيه الصدقات أو تهدى فيه الهدايا على الجيران كان هذا من اتخاذه عيداً.

***

ص: 2

‌هذه مستمعة أم عبيد من جمهورية مصر العربية محافظة الشرقية تقول: في بلدنا بعض العادات التي وجدناها في بعض المناسبات، يعني: في عيد الفطر يعملون الكعك والبسكويت، وأيضاً في السابع والعشرين من رجب يحضرون اللحوم والفاكهة والخبز، كذلك في النصف من شعبان، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم يحضرون الحلوى والعرائس وغيرها، في شم النسيم يحضرون البيض والبرتقال والبلح، وكذلك في عاشوراء يحضرون اللحم والخبز والخضروات وغيرها. ما حكم الشرع يا شيخ محمد في هذا العمل في نظركم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ظهور الفرح والسرور في أيام العيد عيد الفطر أو عيد الأضحى فإنه لا بأس به إذا كانت بالحدود الشرعية، ومن ذلك أن يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ، يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى. وكذلك في العيد أيضاً الناس يضحون ويأكلون من ضحاياهم ويتمتعون بنعم الله عليهم، وكذلك في عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور ما لم يتجاوز الحد الشرعي. أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب أو في ليلة النصف من شعبان أو في يوم عاشوراء فإنه لا أصل له، وينهى عنه ولا يحضر إذا دعي الإنسان إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها إلى الله عز وجل، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل. ثم على تقدير ثبوت أن تلك الليلة ليلة السابع والعشرين فإنه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من شعائر الأعياد أو شيء من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان لم يثبت عن من عرج به، ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به وهم أشد الناس حرصاً على سنته واتباع شريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ وأما ليلة النصف من شعبان فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيمها شيء ولا في إحيائها، وإنما أحياها بعض التابعين بالصلاة والذكر، لا بالأكل والفرح وشعائر الأعياد. وأما يوم عاشوراء فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صومه فقال:(يكفر السنة الماضية التي قبله) . وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد، وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضاً، فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صومه، مع أنه عليه الصلاة والسلام أمر أن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده.

***

ص: 2

‌المستمع من جمهورية اليمن الشمالية يقول: عندنا في اليمن مسجد بني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند، يأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء، هل هذا مسنون؟ وما نصيحتكم لهؤلاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مسنون، أولاً: ً لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن اختط مسجداً له هناك، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة وكل دعوى بغير بينة، فإنها غير مقبولة. ثانياً: لو ثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه اختط مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة: مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) . ثالثاً: أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضاً؛ لأن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات، لا بصوم ولا بصلاة، وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى، والأشهر الحرم هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذه هي الأشهر الحرم التي قال الله عنها في كتابه:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) . لم يثبت أن شهر رجب خص من بينها بشيء لا بصيام ولا بقيام، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبتدعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . فنصيحتي لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل بالحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه مسجد معاذ في اليمن ألا يتعبوا أنفسهم، ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بعداً، ونصيحتي لهم أن يصرفوا هممهم إلى ما ثبتت مشروعيته في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف للمؤمن.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع من محافظة إبين اليمن يقول: هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن عند المقابر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن تجوز قراءته في كل وقت وفي كل مكان؛ لأنه من ذكر الله، وقد قالت عائشة رضي الله عنها:(قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) . إلا أن أهل العلم استثنوا ما إذا كان الإنسان قاعداً على قضاء حاجته من بول أو غائط فإنه لا يقرأ القرآن؛ لأن هذه الحال غير مناسبة لقراءة القرآن. وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وهو في المقبرة، وهو في السوق يمشي، وهو في المسجد، ويجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وحوله امرأة حائض، بل قد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجر أم المؤمنين عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض) . لكن تقصد الخروج إلى المقابر والقراءة هناك هذا هو البدعة، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خصوصية لقراءة القرآن في المقبرة حتى يذهب الإنسان إلى المقبرة ليقرأ فيها، فقراءة القرآن في المقابر: إن كان الإنسان خرج إلى المقبرة من أجل أن يقرأ القرآن هناك فهو بدعة، وإن كان خرج إلى المقبرة للسلام على أهل القبور، أو في تشييع جنازة وهو يقرأ القرآن هناك فإنه لا بأس به.

***

ص: 2

‌تقول أم مصعب: هل يجوز التلفظ بالنية في صيام الفريضة أو صلاة التطوع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التلفظ بالنية في جميع العبادات بدعة، فلا يقول الإنسان عند الوضوء: اللهم إني نويت أن أتوضأ، ولا عند الصلاة: نويت أن أصلى، ولا عند الصدقة: نويت أن أتصدق، ولا عند الصيام: نويت أن أصوم، ولا عند الحج: نويت أن أحج. فالتلفظ بالنية في جميع العبادات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولماذا تتلفظ بالنية؟ أليس النية محلها القلب؟ أليس الله عز وجل يقول:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ؟ بلى يقول هذا، فالله عالم بالنية، كيف تعلم ربك بأنك ناوٍ قد يقول: أقول هذا لإظهار الإخلاص لله، فنقول: الإخلاص محله القلب أيضاً، محله القلب، يكفي النية في القلب.

***

ص: 2

‌السؤال بارك الله فيكم يقول السائل محمد صلاح مقيم بالكويت: هل الدعاء بعد صلاة الفرض بدعة أم مكروه؟ أفيدونا بذلك

فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء بعد صلاة الفريضة بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله، وكل من تعبد لله تعالى بشيء لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أمر به ولا ثبت أنه من شريعته فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كل محدثة بدعة) . وقد أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى وقت الدعاء في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم:(أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) . وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن مسعود حين علمه التشهد، قال:(ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)، يعني: قبل أن ينصرف من صلاته، وكما أن هذا- أعني: كون الدعاء في الصلاة قبل السلام- هو ما دلت عليه النصوص الشرعية فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح؛ لأن الإنسان ما دام في صلاته فإنه يناجي ربه وهو بين يديه، فكيف يؤخر الدعاء حتى يُسلِّم وينصرف ويقطع الصلة بينه وبين الله تعالى في صلاته؟ هذا خلاف النظر الصحيح، وعلى هذا فنقول: صلاة الفريضة يسن بعدها الذكر، والدعاء قبل السلام؛ لقول الله تبارك وتعالى:(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)(النساء: من الآية103) . وأما الدعاء بعد النافلة فهو أيضاً خلاف السنة، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يدعو بعد صلاة النافلة. ونقول: إذا أحببت الدعاء فادع الله تعالى قبل أن تسلم من الصلاة، لما ذكرنا في صلاة الفريضة. فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل: (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك) وهذا دعاء؟ قلنا: هذا صحيح، هو دعاء وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، ولكن ما هو دبر الصلاة؟ هل هو ما بعد السلام أو هو آخر الصلاة؟ يجيب على هذا السؤال مقتضى النصوص الشرعية، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد محلّاً للدعاء، وفي القرآن الكريم جعل الله تعالى ما بعد السلام ذكراً فقال:(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)(النساء: من الآية103) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) . وفي هذا البيان يتبين أن الدعاء الذي أمر به رسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إنما هو بعد التشهد وقبل السلام، بناء على دلالة القرآن والسنة التي ذكرت آنفاً. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال:(إن دبر كل شيء منه كدبر الحيوان) . وعلى هذا فدبر الصلاة جزء منها ولكنه آخرها، فالدعاء بقول: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك يكون قبل السلام لا بعده. فإن قال: قائل أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام وهذا دعاء؟ فالجواب: أن هذا دعاء خاص متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان بعد سلامه من الصلاة من أجل أنه قد لا يكون أتم صلاته، بل أخل فيها إما بحركة أو انصراف قلب أو ما أشبه ذلك، فكان هذا الدعاء بالمغفرة لاصقاً بالصلاة متمماً، وليس دعاء مطلقاً مجرداً.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع فلاح من العراق يقول في سؤاله هذا: في يوم الخميس وقبل صلاة العشاء يقوم المؤذن في المسجد بعمل المديح للرسول والدعاء، وغالباً ما يكون في هذا المديح من شعائر الصوفية كقولهم: يا حبيب الخلق ما لي سواك. ما التوجيه؟ جزاك الله خيراً ونفع بعلمكم

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا شك أنه بدعة منكرة يجب النهي عنها والبعد عنها، وذلك لأنها لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سنة الخلفاء الراشدين، وما عدا ذلك فهو بدعة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ونحن نعلم ونشهد الله عز وجل أننا لسنا أشد حرصاً من الصحابة على عبادة الله عز وجل، ولسنا أعلم بما يحبه الله من الصحابة رضي الله عنهم، ولسنا أشد تعظيماً لله من الصحابة رضي الله عنهم، وهذه أمور مسلمة لا يمتري فيها أحد، وإذا كانت هذه الأمور مسلمة ولم يحصل من الصحابة عمل سوى ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا بأن الخير في اتباعهم، كما قال الله عز وجل:(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فالواجب على جميع المسلمين أن يتحروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيتبعوها، وأن يبتعدوا عن البدع التي لا تزيدهم من الله إلا بعداً، مع ما فيها من العناء والمشقة وإفساد القلوب. ثم إن في هذا القصيد الذي أشار إليه السائل ما هو شرك لله عز وجل، بل نسيان لله عز وجل، كما في قوله: يا حبيب الخلق ما لي سواك، فأين الله؟ إن هذا الرجل الذي يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بأنه ليس له سواه يعني أنه نسي الله عز وجل، وأن الله تعالى في نظره لم يكن شيئاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ينفع ويضر وهو الذي يُدعى ويُستغاث به، وهذا بلا شك من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، فمن قاله معتقداً مدلوله فإنه لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج وعمله مردود عليه حتى يتوب إلى الله، ويجب على المسلمين أن يعرفوا الأمر على حقيقته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ رسولٌ، وأشرف أوصافه أن يكون عبداً رسولاً، وأنه لا حق له في شيء من خصائص الربوبية، بل قد قال الله آمراً إياه:(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فأمره الله أن ينفي ذلك عن نفسه، وأن يبين أنه عبد مأمور مؤتمر:(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال الله تعالى له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً? قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً? إِلَاّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . فأمره الله أن يقول: إنه لا يملك لأحد ضرّاً ولارشداً، بل هو نفسه لا يملك أن يدافع عن نفسه:(قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً) . وأن يبين للناس أنه ليس إلا رسولاً يبلغ رسالة ربه: (إِلَاّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . والاستثناء هنا منقطع، فـ (إِلَاّ) فيه بمعنى لكن. وقال الله عز وجل آمراً إياه أيضاً:(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والحوادث الواقعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، التي تدل على أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا يعلم الغيب كثيرة أيضاً، فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم وأن يعلم أن هذا الغلو الذي يغلو فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يكرهها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقرها، بل ينهى عنها عليه الصلاة والسلام، وإذا كان صادقاً في محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم على ما جاء من شرعه دون تجاوز أو تقصير، يقول الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وإن الإنسان ليأسف إذا سمع ما يحدث في كثير من البلاد الإسلامية من الغلو برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك ينبئ عن أحد أمرين لا مناص منهما: إما قصور في علم من عندهم من أهل العلم، وإما تقصير من أهل العلم في إبلاغ الحق لهؤلاء العوام الذين يقعون في الشرك الأكبر وربما لا يشعرون. فالواجب على أهل العلم الذين حملَّهم الله إياه وأخذ عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وأن يدعوا الناس إلى الحق، وأن لا يداهنوا في دين الله، وأن لا يراعوا ضمائر الناس الجهال الذين لا يعلمون عن الحق شيئاً، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا مانع من أن يتبعوا الطريق التي يكون بها حصول المقصود ولو على الزمن الطويل، بل قد تتعين هذه إذا لم تكن وسيلة أقرب منها، وأما السكوت، وترك العامة على ما هم عليه بموافقتهم ومصاحبتهم في هذا الأمر فهو أمر يؤسف له. ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة حتى تعود- بل في الأصح: حتى تتقدم- إلى ما كان عليه السلف الصالح من تحقيق عبادة الله عز وجل والإخلاص له، وتحقيق متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل الصلاح.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من اليمن السائل أحمد يقول: فضيلة الشيخ أرجو منكم أن توضحوا لنا هذه المسألة وهي كالتالي: عندنا في بلادنا في معظم المساجد بعد الأذان يدعون بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الانتهاء منه يقولون: الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا العمل صحيح أم بدعة؟ وجهونا للصواب وجزاكم الله خيراً

فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يدعون الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان على رؤوس المنارات فهذا ليس بسنة إذا جهروا به، أما سرّاً فهو سنة، سواء كنت في المنارة أو في الأرض. وأما قولهم: اقرؤوا الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو بدعة منكرة، لا يقال بعد أذان الفجر ولا بعد الأذان الآخر ولا بعد الصلوات ولا في أي مكان. وقراءة الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وسلم بدعة لوجهين: الوجه الأول: أنها سفه؛ لأن من قرأ الفاتحة على روحه أراد أن يثاب النبي صلى الله عليه وسلم ثواب القراءة، ومعلوم أن قراءتنا للفاتحة يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما نؤجر عليه، أي إنه يكتب له مثل أجورنا، وإذا كان يكتب له مثل أجورنا فلا حاجة أن نقول: إنها على روح النبي؛ لأنه قد حصل على الثواب، ويكون قولنا: على روحه أننا حرمنا أنفسنا من ثوابها فقط، هذا من وجه. الوجه الثاني: أن التصدق بالأعمال الصالحة الفاتحة وغيرها على النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم أشد حبّاً منا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أشد منا حبّاً لما فيه الخير له، وإذا كانوا لم يفعلوه فلنا فيهم أسوة. وعلى هذا فينهى أن يجعل الإنسان أي عمل صالح يعمله لروح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو يقول: اللهم اجعل ثوابه لنبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للوجهين الذين ذكرناهما. وإني أنصح هذا السائل بأن يتصل بإخوانه المؤذنين فيقول لهم: إن هذا أمر بدعة وسفه من القول.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم، المستمع عبد الله محمد من اليمن بعث برسالة يقول فيها: يوجد في قريتنا بعض العادات القديمة التي تحمل الكثير من البدع المدخلة في الشرك والعياذ بالله، مثل: عندما يذكر شخص ميتاً عزيزاً عليه يقوم على الفور بإيقاد النار ووضع البخور عند قبره وتعطيره وإضاءته بالسرج، وكذلك البعض يقوم بذبح الذبائح في القبور، وعندما يمرض مريض يحضر له تراب من قبور أحد الأولياء. وقد وجهت لهم البعض من النصائح وبينت لهم بأن هذا لا يجوز وبأن هذه أباطيل لا يقرها الدين، فلم يستجيبوا لنصحي. نرجو النصح يا فضيلة الشيخ والتوجيه جزاكم الله خيراً

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إن فتنة القبور فتنة عظيمة كانت من قديم الزمان، وهذه الأفعال التي ذكرها السائل عن قومه منها ما يصل إلى حد الشرك الأكبر المخرج من الملة، كالذبح لأصحاب القبور؛ لأن الذبح عبادة من أجل العبادات، قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله تعالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، فصرفها لغير الله شرك أكبر؛ لأن كل من صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك، ولا يخفى على أكثر المسلمين أن المشرك مخلد في النار حابط عمله، قال الله تعالى:(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال تعالى:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، وأما التبرك بترابهم واعتقاد أن الدعاء- أي: دعاء الله عز وجل عند قبورهم أفضل فهذا لا يصل إلى حد الشرك، إلا أن يصحبه عقيدة تؤدي إلى الشرك فهذا يكون شركاً، وكذلك إيقاد النار وصب الطيب على قبورهم، كل هذا من الأمور المنكرة التي يجب على كل مسلم أن يتجنبها. ثم يجب على هؤلاء أن يعلموا أن الميت هو الذي كان حياً يعرفونه، ويعرفون أنه مثلهم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، وهو في قبره لا يستطيع أن يدعو لأحد أيضاً، ولا أن يشفع لأحد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ودعاؤه عمل، وبمقتضى هذا الحديث أنه انقطع بموته، ولا يمكن أن يشفع أيضاً؛ لأن الله يقول:(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ) . فتعلق الناس بأصحاب القبور لا شك أنه ضلال، وعلى المرء إذا أصابته المصائب أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) . فلا يلجأ المسلم عند المصائب إلا إلى الله عز وجل، فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يتوبوا مما وقع منهم، وأن يحذروا إخوانهم من الوقوع فيه، وأن يلجؤوا إلى ربهم سبحانه وتعالى في جميع أحوالهم، فإن من يتوكل على الله فهو حسبه.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل أنور مصري يقول في هذا السؤال: يا فضيلة الشيخ ما حكم وضع المصحف في السيارة من أجل التبرك والحفظ من العين، وأيضاً خشية أن تصدم؟ فأرجو من فضيلة الشيخ إجابة في ذلك مأجورين

فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع المصحف في السيارة دفعاً للعين أو توقياً للخطر بدعة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يحملون المصاحف على إبلهم دفعاً للخطر أو للعين، وإذا كان بدعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار) .

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع محمد أ. أيقول: فضيلة الشيخ ما حكم الهلال على المآذن، فقد سمعت بأن هذا أمر مبتدع

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أود أن أقرأ سؤالاً وجه إلي وأجبت عنه، يقول السائل: إننا تساءلنا مع بعض العمال القادمين إلى بلادنا في موضوع الأهلة التي توضع على المآذن كيف وضعها في بلادكم؟ فأجابونا قائلين: إنها توضع في بلادنا على معابد النصارى وقباب الأمور المعظمة، أفتونا جزاكم الله خيراً والحالة هذه عن وضعها على مآذن مساجد المسلمين؟ فأجبته: أما وضع الهلال على القبور المعظمة فقد ذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الجزء الأول 243من الدرر السنية ما نصه: (وعمار مشاهد القبور يخشون غير الله ويرجون غير الله، حتى إن طائفة من أرباب الكبائر الذين لا يتحاشون في ما يفعلونه من القبائح إذا رأى أحدهم قبة الميت أو الهلال الذي على رأس القبة خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه: ويحك هذا هلال القبة، فيخشون المدفون ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض وجعل أهلة السماء مواقيت للناس والحج. قلت وأما وضع الهلال على معابد النصارى فليس ببعيد، لكن قد قيل: إنهم يضعون على معابدهم الصلبان والله أعلم. ووضع الأهلة على المنائر كان حادثاً في أكثر أنحاء المملكة، وقد قيل: إن بعض المسلمين الذين قلدوا غيرهم في ما يضعونه على معابدهم وضعوا الهلال بإزاء وضع النصارى الصلىب على معابدهم، كما سموا دور الإسعاف بالهلال الأحمر بإزاء تسمية النصارى لها بالصلىب الأحمر، وعلى هذا فلا ينبغي وضع الأهلة على رؤوس المنارات من أجل هذه الشبهة، ومن أجل ما فيها من إضاعة المال والوقت. صدرت هذه الفتوى في الرابع من رمضان عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف) ، وأعتقد أنها كافية في جواب سؤال السائل.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردت من العيون من الأحساء من المرسل سعد صالح الفجري يقول: مما لا شك فيه أن عدة من توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرآن الكريم، يفعلون أشياء تخالف الدين عندهم، يقول: وعند انتهاء العدة عندنا عادة، وهي في الليلة الحادية عشرة بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشرة الأيام تخرج هذه المرأة ومعها بعض النساء إلى أحد المساجد، ومعها مجمرة مدخنة أي بخور طيب، وبعد أن تؤدي ركعتين في المسجد تخرج وعندها عدة أحجار ترميها- أي: ترمي هذه الأحجار- في عدة طرق، ويقولون: إن الذي تصيبه هذه الحجارة يموت إلى آخره، هذا ما يحدث نرجو التوضيح أثابكم الله

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا شك أنه من البدع، وهو شبيه بما يصنعه النساء في الجاهلية: فإن المرأة كانت ترمي بالبعرة على رأس الحول، ولا يجوز للمرأة أن تفعل مثل هذا الفعل. وإذا انتهت عدة الوفاة- سواء كان بالأشهر الأربعة وعشرة أيام، أو كانت بوضع الحمل إن كانت حاملاً- فإن معنى ذلك أن حكم الإحداد انتهى فقط، وليست مأمورة أن تخرج أو تفعل مثل ما ذكر هذا السائل، أو أن تتصدق بطعام تحمله معها إذا خرجت أول مرة تعطيه أول من تصادفه، كل هذه من الأمور ليست من الشرع. وإنما معنى ذلك: إذا انتهت العدة جاز لها ما كانت ممنوعة منه قبل انتهاء العدة، فيجوز لها أن تخلع ثيابها تلبس الثياب التي تشاؤها، وأن تتطيب وتلبس الحلي، وتفعل ما كانت ممنوعة منه في حال الإحداد. وقولنا: تفعل ليس معناه مطلوب منها أن تفعل ذلك، ولكن نبيح لها أن تفعل ذلك.

***

ص: 2

‌يقول أيضاً: ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة، ومسح الخدود عليها، ولحسها باللسان، ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع التي لا تنبغي، وهي إلى التحريم أقرب؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد في مثل هذا الأمر هو الالتزام، بحيث يضع الإنسان صدره وخده ويديه على الكعبة فيما بين الحجر الأسود والباب، لا في جميع جوانب الكعبة كما يفعله جهال الحجاج اليوم، وأما اللحس باللسان أو التمسح بالكعبة ثم مسح الصدر به أو الجسد فهذه بدعة بكل حال؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظر الحجاج إلى أن المقصود بمسح الحجر الأسود والركن اليماني هو التعبد لله تعالى بمسحهما، لا التبرك بمسحهما، خلافاً لما يظنه الجهلة، حيث يظنون أن المقصود هو التبرك، ولهذا ترى بعضهم يمسح الركن اليماني أو الحجر الأسود ثم يمسح بيده على صدره أو على وجهه أو على صدر طفله أو على وجهه، وهذا ليس بمشروع، وهو اعتقاد لا أصل له، ففرق بين التعبد والتبرك. ويدل على أن المقصود التعبد المحض دون التبرك أن عمر رضي الله عنه قال وهو عند الحجر:(إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أُبين أن ما يفعله كثير من الجهلة: يتمسحون بجميع جدران الكعبة وجميع أركانها فإن هذا لا أصل له، وهو بدعة ينهى عنها. ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية رضي الله عنه يستلم الأركان كلها أنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً! فأجابه ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين، فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما. فدل هذا على أن مسح الكعبة أو التعبد لله تعالى بمسحها أو مسح أركانها إنما هو عبادة يجب أن تُتبع فيها آثار النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

***

ص: 2

‌هل الأفضل تقبيل القرآن الكريم أم الحجر الأسود؟ مع العلم بأن الحجر لا ينفع ولا يضر والقرآن ينفع ويضر، وأنا أجد راحة نفسية في تقبيل القرآن الكريم، فهو كلام الله تعالى، علماً بأن القرآن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مجموعاً في مصحف واحد بل كان موزعاً ، فماذا تقولون في هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في هذا: إن تقبيل المصحف بدعة ليس بسنة، والفاعل لذلك إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة فضلاً عن الأجر، فمقبل المصحف لا أجر له، لكن هل عليه إثم أو لا؟ نقول: أما نيته تعظيم كلام الله فلاشك أنه مأجور عليها، لكن التقبيل بدعة، لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم. وأما قول السائل: إنه لم يجمع في مصحف، فنعم لكنه موجود مكتوباً في اللخاف وعسب النخل وغيرها، ولم يرد أن الرسول كان يقبل ما كتبت فيه الآية، ولا أن الصحابة يفعلون ذلك في عهده، ولا فعلوه بعد جمع القرآن أيضاً، فدل ذلك على أنه من البدع، حتى لو استراحت نفسك إلى تقبيله فإن ذلك لا يعني أنه مشروع وسنة، ولو رجعنا إلى أذواق الناس وارتياحهم في مشروعية العبادة لكان الدين أوزاعاً وفرقاً، ولكن المرجع في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما المقارنة بينه وبين الحجر الأسود فهذه المقارنة بين سنة وبدعة، فالحجر الأسود قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه كان يقبله في طوافه، وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال حين قبل الحجر:(والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . إذاً فتقبيلنا للحجر الأسود ليس لأنه ينفعنا الحجر أو يضرنا، ولكن اتباعاً للسنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولو قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر وجميع الأركان لفعلنا، لكنه لم يقبل إلا الحجر، ولهذا لا يوجد شيء في الدنيا يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود فقط، كما جاء ذلك في الطواف عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: إن الحجر لا يضر ولا ينفع والقرآن يضر وينفع، فهذا غلط أيضاً، نفسه- نفس الحروف، أو نفس المصحف الذي كتبت به الحروف- لا يضر ولا ينفع، الذي يضر وينفع هو العمل بالقرآن. تصديقاً للأخبار، وامتثالاً للأوامر، واجتناباً للنواهي.

كذلك الحجر هو نفسه لا ينفع ولا يضر، لكن تقبيلنا إياه عبادة يحصل لنا بها ثواب، وهذا انتفاع.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً يقول السائل: أرى قلة من المصلىن بعد الانتهاء من الصلاة وعند الخروج يمسحون أيديهم بالجدار المحيط ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمسحون صدورهم ووجوههم. هل هذا من البدع؟ وإذا كان من البدع أرجو النصح لمثل هؤلاء، جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع بلا شك؛ لأنه لا يشرع مسح شيء في الدنيا من البنايات إلا مسح ركنين: الأول الحجر الأسود، والثاني: الركن اليماني، وكلاهما في الكعبة المشرفة، ولقد رأى ابن عباس رضي الله عنهما معاوية رضي الله عنه وهو يمسح جميع الأركان فأنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً! فقال ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح من الأركان إلا الركنين- يعني بذلك: الحجر الأسود والركن اليماني-، فكف معاوية رضي الله عنه عن مسح جميع الأركان. فتجد ابن عباس رضي الله عنهما أنكر على معاوية رضي الله عنه مسح جوانب الكعبة التي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسحها، فما بالك بجدران أخرى؟ والحكمة من كون الركنين اليمانيين في الكعبة يمسحان دون الركنين الآخرين: أن الركنين الآخرين ليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن الكعبة كانت أكثر امتداداً نحو الشمال مما كانت عليه الآن، ولكن قريشاً لما أرادوا أن يعمروها قصرت بهم النفقة، فرأوا أن يبنوا هذا الجزء وأن يدعوا الجزء الآخر، واختاروا أن يكون المتروك الجزء الشمالي لأنه ليس فيه الحجر. وبذلك نعرف أن الحِجر الموجود الآن ليس كما يزعم العامة حِجر إسماعيل، فإن هذا الحِجر إنما أحدث أخيراً في عهد الجاهلية، فكيف يكون حِجراً لإسماعيل؟ لكنه يسمى الحجر والحطيم، ولا يضاف إلى إسماعيل إطلاقاً. ونصيحتي لهؤلاء القوم الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعبدوا الله بما شرعه لا بأهوائهم، فإن الله تعالى يقول:(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) . وكل إنسان يعبد على خلاف شريعته فإنه عمل مردود عليه، وهو آثم به إن كان عالماً بأنه مخالف للشريعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما صح عنه:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي لفظ:(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً هذا السائل من الأردن يقول: فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكم في أن كثيراً من الناس يعملون البدع، وعندما ننهاهم عن ذلك العمل ونرشدهم إلى الأدلة الصحيحة يقولون: يا أخي نحن نمقت هذا الكلام، وأنتم تريدون التضييق علينا، نحن راضون بعملنا هذا. وجهونا جزاكم الله خيراً

.

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانوا يمقتون هذا الكلام لأنه صدر من المتكلم لا لأنه شريعة الله فالأمر في هذا هين، أما إذا كان يكرهون هذا الكلام لأنه من شريعة الله فهم على خطر عظيم، فإن الله تعالى قال في كتابه:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . ثم على الاحتمال الأول أنهم كرهوا قول هذا القائل نقول لهم: لماذا تكرهونه؟ أليس عنده دليل؟ ويجب على المؤمن إذا بان له الدليل أن يترك ما كان عليه إذا ما دل عليه الدليل؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) . فلا يجوز لأحد أن يعارض شريعة الله بعادات قومه؛ لأن من عارض شريعة الله بعادات قومه صار مشابهاً لقول أولئك القوم الذين دعتهم الرسل إلى التوحيد فقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) .

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من جدة من المستمع أحمد قايد يقول في رسالته: بعد السلام نرجو التكرم بإفادتنا من الناحية الإسلامية والشريعة حول ما هو وارد في الخطاب المرفق، حيث إنها أصبحت ظاهرة غريبة في جميع أنحاء جدة، والجميع يروون هذا الكلام ويعملون هذه الأوراد، ونريد أن نعرف رأي الإسلام في هذا الشأن مع الإسراع لنا بالإجابة وفقكم الله. الورقة التي أرسلها ذكر فيها بعض آيات يقول فيها:(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) وآيات بعدها يقول: ثم ترسل هذه الآيات الكريمة لتكون مجذبة خير وحسن طالع وفلاح.. الخ. ويقول فيها أيضاً: فعليك أن ترسل نسخاً من هذه الرسالة لمن هو في حاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل معتذراً، وإياك أن تحتفظ بهذه الرسالة، يجب أن ترسلها وتتخلى عنها بعد ست وتسعين ساعة بعد قراءتك لها، سبق وأن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوفق إلى كذا وكذا الخ. يقول: ما حكم هذه الرسالة؟ أو كيف نعمل بهذه الرسالة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الرسالة كذب محض، فإن كون هذه الآيات التي ساقها سبب للسعادة والفلاح، وعدم تداولها سبب للشقاء والهلاك هذا أمر يتوقف على وحي، ولم يكن في ذلك وحي لا في القرآن ولا في السنة، فهي كذب محض. ثانياً: اعتقاد أن ذلك صحيح طعن في الدين؛ لأن هذا لو كان صحيحاً لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، وكان مما يجب على النبي صلى الله عليه وسلم تبليغه، ولم يُنقل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فدل هذا على أنه لم يبلغه، وإذا لم يبلغه فادعى إنسان أنه سبب لكذا وكذا من الأمور التي يذكرها فإن ذلك طعن في الإسلام، حيث كان الإسلام ناقصاً وجاء هذا الرجل فأكمله. الأمر الثالث أن نقول: إن كان هذا الذي قاله هذا القائل في هذه الآيات حقاً فأين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه؟ وإن كان باطلاً فإنه لا يجوز نشره ولا العمل به ولا تصديقه، بل يجب رده. الأمر الرابع: أن الواقع يكذب ما جاء في هذه الرسالة والآيات، فهو عندكم فيما أظن له أكثر من أربعة، أيام وقد ذكر فيه- لأني قرأته قبل أن تقرأه أنت- أن الإنسان إذا لم يعمل به خلال أربعة أيام فإنه يصاب بكوارث، والحمد لله أنك لم تصب بكوارث، وهو أيضاً قد جاءنا في القصيم قبل نحو خمس سنوات وشاع بين الناس، وأخذناه نحن ومزقناه على المنبر في الجمعة، تكلمنا عنه في الجمعة على المنبر، وأخذت منه كمية بيدي ومزقتها أمام المصلىن، ولم أصب ولله الحمد بكوارث. فإذاً هذه الأدلة كلها تدل على أن هذا كذب، وأنه خزعبلات ممن تكلم به وأشاعه بين الناس. والذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يلتفتوا إلى مثل ما يروجه هؤلاء الكذابون، بل يرجعوا إلى كتاب الله وإلى صحيح السنة الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهما الكفاية، أما مثل هذه الأمور وما يوجد في كتب الوعظ من الأمور المخالفة للشريعة فإنه لا يجوز الاعتماد عليها، بل ولا يجوز لأئمة المساجد أن يقرؤوا بمثل هذه الكتب أو يروجوا مثل هذه المنشورات؛ لما في ذلك من الضلال، وفي كتاب الله تعالى وفيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم كفاية. وأنا أقول للأخ السائل: جزاه الله خيراً على إرسال هذه إلى هذا البرنامج، لعله يكون فيه بيان للناس ونور يهتدون به في مثل هذه الأمور. كما أنه قبل سنوات أيضاً وردت رسالة من رجل يسمي نفسه أحمد خادم المسجد النبوي، ذكر فيها أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه أوصاه بوصايا لا تحضرني الآن، وهذه الرسالة المكذوبة أو الرؤيا المكذوبة تكلم عنها الشيخ محمد رشيد رضا منذ نحو ثمانين سنة، وبين أنها قد شاعت وذاعت، وأنها كذب لا أصل لها، وهو صادق فإنها كذب لا أصل لها. فعلى كل حال مثل هذه المنشورات التي يروجها هؤلاء الكذابون الوضاعون الذين لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله ولا يدينون لله تعالى دين الحق؛ لأنهم لو دانوا لله دين الحق لتأدبوا بين يدي الله ورسوله، ولم يتخذوا وسيلة لهداية الناس إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء المروجون نرجو من الله تعالى أن يهديهم بسلطان الوحي حتى يتعظوا ويتذكروا ويرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أن يهديهم بسلطان الولاية والأخذ على أيديهم بالتتبع لهولاء حتى يرجعوا، وحتى يكون الناس في أمن من شرهم ومنشوراتهم.

***

ص: 2

‌سمعت أو قرأت عن تلك الوصية التي تلقاها الشيخ أحمد حارس الحرم النبوي الشريف وهو نائم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بها تنبيه المسلمين في تقليل الفساد واتباع الطريق القويم إلى آخره، ثم قرأت كتاباً صادراً عن مؤسسة في المملكة العربية يُكذِّب تلك الوصية، فما هي الحقيقة أصلاً؟ وفقكم الله

فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أصلاً أن هذه الرؤيا المنامية كانت تُشاع وتُذاع من قبل أكثر من مائة سنة، وقد تكلم عليها الشيخ محمد رشيد رحمه الله، وبين أنها مكذوبة وباطلة، وكذلك أيضاً في المملكة العربية السعودية تكلم علماؤها على هذه الوصية، وبينوا أنها باطلة ومكذوبة، وهذا هو الحق. وإذا كان لابد لقبول الخبر من معرفة المُخْبر به وكونه عدلاً غير متهم فكذلك هذه المسألة، فمن هو الشيخ أحمد خادم الحرم؟ وما هو حاله؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟ ثم إن هذه الوصية تقتضي أن يكون الدين غير كامل، والنبي عليه الصلاة والسلام ما توفاه الله حتى أتم به الدين، وحتى كانت المواعظ الموجودة في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كافية للأمة، مقوِّمة لعقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم ومناهجهم في حياتهم، فليسوا بحاجةٍ إلى مثل هذه الرؤيا المنامية المجهول صاحبها عيناً وحالاً. ولهذا لا يجوز للمسلم أن يعتبرها صحيحةً، ولا أن يُشيعها بين الناس، بل عليه أن يمزقها ويحرقها، سواء أتت إليه أو رآها عند غيره إذا تمكن من ذلك، وإلا فلينصحه بإحراقها وإتلافها.

فضيلة الشيخ: هل ما جاء فيها حصل فعلاً أم لا؟ لأنه ذكر أنها ستقوم الساعة وكذا وكذا إلى آخره؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أنا ما يحضرني ما الذي جاء فيها، لكن نتكلم عنها أصلاً لم تصح، فإذا كانت لم تصح أصلاً لم تصح جملة وتفصيلاً.

***

ص: 2

‌المستمع من حضرموت اليمن الجنوبي م. س. ع. يقول عندنا رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يعلمه كلمات ويدعو بها، فلما أصبح قام بطبع هذا الدعاء ووزعه على الناس ما الحكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا يؤخذ منه حكم شرعي، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بل شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم كملت قبل موته صلوات الله وسلامه عليه، فلا تشريع بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، والإنسان إذا رأى شخصاً ووقع في نفسه أنه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون الرسول، بل لا بد أن يكون هذا الشخص الذي رآه الإنسان مطابقاً لما نقله أهل العلم في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مجرد أن يقع في نفس النائم أن هذا رسول الله فهذا ليس دليلاً على أنه رسول الله حقاً. ثم إن هذا الدعاء الذي ادعاه هذا المدعي إن كانت قد جاءت به السنة فهو سنةٌ من قبل، وإن كانت السنة لم تأتِ به من قبل فإنه لا يجوز أن يطبعه ويوزعه؛ لأنه لا تشريع بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

***

ص: 2

‌التوسل

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً هل هناك توسل جائز

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أنواع التوسل الجائزة كثيرة شرعية، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه على سبيل العموم، ومنه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم:(أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أوعلمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهذا توسل إلى الله تعالى بأسمائه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم. والثاني: التوسل إلى الله تعالى باسم خاص يكون مناسباً للمطلوب، كقول القائل: اللهم يا غفور يا رحيم يا كريم اغفر لي وارحمني وتكرم علي، وما أشبه ذلك، وهذا مما جاء في السنة، فإن أبا بكر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، فهنا دعاء وتوسل:(اغفر لي مغفرة من عندك وارحمني) دعاء و (إنك أنت الغفور الرحيم) توسل إلى الله تعالى بهذين الاسمين المناسبين لما دعا به الداعي، وهو أيضاً توسل إلى الله تعالى بصفته، أي بصفة من صفاته في قوله:(ولا يغفر الذنوب إلا أنت) . الثالث: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بصفة من صفاته، كما في حديث الاستخارة:(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخره، وكما في القراءة على المريض:(أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، وكما في قوله:(اللهم برحمتك أستغيث) وما أشبه ذلك. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، أن يتوسل إلى الله تعالى في طلب حاجة من الحاجات بفعلٍ فعله سبحانه وتعالى نظير ما طلب، ومنه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الخامس: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حال الداعي، وأنه محتاج ومضطر إلى الله، كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ، فهنا سأل الله تبارك وتعالى بوصف حاله، وأنه محتاج مفتقر إلى الله تبارك وتعالى. السادس: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بدعاء من ترجى إجابته، أي: أن يدعو لك من ترجى إجابته، ومنه توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ذكرناه آنفاً، ومنه قول عمر رضي الله عنه حين استسقى:(اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيقوم العباس فيدعو فيسقون) . هذه أنواع كلها جائزة.

***

ص: 2

‌مصري يعمل بالدمام يقول: ما هي أنواع التوسل؟ وهل يجوز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل نوعان: نوع جائز ونوع ممنوع، بل نوع مشروع ونوع ممنوع. فمن التوسل المشروع: أن يتوسل الإنسان بأسماء الله وصفاته، فيقول: يا غفور يا رحيم اغفر لي وارحمني، أو يقول: اللهم اغفرلي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، أو ما أشبه ذلك. والتوسل الممنوع: أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي: بجاهه أو بذاته فإن هذا ممنوع، وبدعة لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك، ثم إنه توسل بوسيلة لا تنفعك؛ لأن جاه النبي عليه الصلاة والسلام أو ذات النبي لا تتعدى إلى غيره، ولكن لو توسل بالإيمان بالرسول أو بمحبة الرسول كان ذلك جائزاً.

***

ص: 2

‌صلاح عبد الله من السودان بعث برسالة يقول فيها: كيف أدعو بالأسماء الحسنى؟ هل أدعو بالتسعة والتسعين؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة

فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وليس المعنى أن ندعوه بجميع هذه الأسماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله بأسمائه من غير أن يجمعها كلها. وكيفية الدعاء بالأسماء: أن تقدمها بين يدي دعائك متوسلاً بها إلى الله، أو أن تختم بها دعاءك، مثال الأول أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك، ومثال الثاني أن تقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وقد طلب أبو بكر الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) . وكما يجوز التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عند الدعاء فإنه يجوز أن يتوسل الإنسان بصفات الله عند الدعاء، كما في الحديث الصحيح:(اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بعلمه وقدرته. وكذلك قول القائل في دعاء الاستخارة:(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) . فالتوسل إلى الله تعالى في الدعاء بأسمائه أو بصفاته- سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص- هو من الأمور المطلوبة، وقد عرفت الأمثلة في ذلك، ومن التوسل بأسماء الله على سبيل العموم ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم:(اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي. فإنه ما دعا به داعٍ مهموم أو مغموم إلا فرج الله به عنه) . ففيه التوسل بأسماء الله عامة: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، لكنه لم يعددها.

***

ص: 2

‌السائل سيد محمد من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز؟ نرجو أن توضحوا لنا ذلك يا فضيلة الشيخ مع الدليل الواضح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل إلى الله سبحانه وتعالى هو أن يذكر ما يوصله إلى مقصوده، فإن ذكر ما لا أثر له في ذلك متوسلاً به إلى الله فإن هذا التوسل بدعة. وبناءً على هذا نقول: التوسل بالأنبياء إن كان المراد التوسل باتباعهم ومحبتهم والإيمان بهم فهذا لا بأس به وهو أمر مشروع، ولكنه لا ينبغي للمتوسل أن يقول: أتوسل إليك بنبيك أو بأنبيائك أو ما أشبه ذلك، بل يقول: أتوسل إليك بمحبة أنبيائك واتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحذف المضاف بل يذكره؛ لأنه إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك فقد يظن الظان أنه توسل بدعي، والتوسل البدعي هو يتوسل بذوات الأنبياء فيقول: أسألك بنبيك أسألك بأنبيائك أسألك بجاه نبيك أسألك بجاه أنبيائك وما أشبه ذلك، فإن هذا التوسل بدعي، وذلك لأن هذا التوسل لا يوصل إلى المقصود، إذ إن جاه النبي لا ينفعك فلا يصح أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك، وجاه الأنبياء إنما يختص بهم فقط. وعلى هذا فمن سمعته يقول: أتوسل إليك بالأنبياء فلا تحكم عليه ببدعة ولا سنة، قل: ماذا تريد؟ إذا قال: أنا أريد أن أتوسل بذات الأنبياء وأشخاصهم فقل: هذا بدعة، وإذا قال: أريد أن أتوسل إليه بجاه الأنبياء؛ لأن لهم جاهاً عند الله قل: هذا بدعة أيضاً؛ لأن هذا ليس بوسيلة ولا ينفعك. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بحبي لهم فهذا حق؛ لأن محبة الأنبياء عبادة توصل إلى المقصود وتؤثر في إجابة الدعوة. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بالإيمان بهم فهذا حقيقة؛ لأنه عبادة، كما قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم

) إلى آخره. إذا قال: أتوسل إليك باتباع الأنبياء نقول: هنا يجب التوقف؛ لأن الأنبياء السابقين لا يلزم اتباعهم فيما يخالف شرعنا، ولكن قل: أتوسل إليك باتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذٍ يكون صحيحاً وإني بهذه المناسبة أود أن أبين أن التوسل منه ممنوع ومنه جائز. فالممنوع: أن يتوسل بما ليس بوسيلة؛ لأن التوسل بما ليس بوسيلة إما بدعة وإما شرك، والتوسل الجائز: أن يتوسل بما هو وسيلة، وهو أنواع: النوع الأول: أن يتوسل إلى الله بأسمائه فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، فهذا جائز؛ لقول الله تعالى:(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والحزن أن يقول:(اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك......) إلى آخره.

الثاني: هو التوسل إلى الله بصفاته، فهذا أيضاً جائز مشروع مثل:(اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أن تحييني ما علمت الحياة خيراً لي، وأن تتوفاني ما علمت أن الوفاة خير لي) ، فهذا توسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قول القائل: يا رحمان برحمتك أستغيث. الثالث: أن يتوسل إلى الله بأفعاله بأفعال الله فتقول: اللهم كما أنعمت علي بالمال فأنعم علي بالعلم، أو تقول: اللهم كما أنعمت علي بالعلم فأنعم علي بالمال الذي يكفيني عن خلقك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) فإنه هنا توسل إلى الله بفعله السابق الذي أنعم به على إبراهيم وآل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: أن يتوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قول أولي الألباب:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به. الخامس: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح، ومنه قوله تعالى:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) . ومنه حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين أووا إليه، فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عن دفعها، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم بالبر التام، وتوسل الثاني بالعفة التامة، وتوسل الثالث بالأمانة، ففرج الله عنهم. السادس: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بذكر حاله، وأنه فقير ظالم لنفسه محتاج لربه، ومنه قول موسى عليه الصلاة السلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومنه قول الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بحال الداعي. السابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، مثل قول الرجل الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ودعا، وهذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفع عام للمسلمين. وأما سؤال الرجل من يعتقد فيه صلاحاً أن يدعو له هو بنفسه فالأفضل تركه؛ لأن هذا فيه نوع من السؤال الذي يوجب ذل السائل أمام المسؤول، وربما يكون فيه اغترار للمسؤول، حيث يرى نفسه أنه رجل صالح يسأل الدعاء، وفيه أيضاً أن الإنسان قد يتكل على طلبه من هذا الرجل الصالح أن يدعو له فلا يدعو هو لنفسه. وأما ما يذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب:(لا تنسنا يا أخي من دعائك) فهذا ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما جاء في الحديث من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم -من أدرك أويساً القرني أن يطلب منه الدعاء- فهذا خاص به، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً أن يطلب من صالح من الصحابة أن يدعو له، والصحابة أفضل من أويس القرني كأبي بكر، عمر، عثمان، علي، ابن مسعود، ابن عباس وغيرهم من الصحابة أفضل من أويس بلا شك، ومع ذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام لأحد من الناس: من لقي أبا بكر فليطلب منه الدعاء أو نحو ذلك، فهذه أنواع التوسل الجائزة، وينبغي للإنسان إذا توسل بأسماء الله أن يتوسل بها عموماً مثل: أسألك بكل اسمٍ هو لك، فأما إذا أراد أن يتوسل باسم خاص فليكن هذا الاسم مطابقاً للسؤال، فإذا كان يريد المغفرة فيقول: اللهم يا غفور اغفر لي، أو يقول: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، حتى تكون الوسيلة مطابقة للمطلوب. ولا يليق إطلاقاً أن يقول قائل: اللهم يا شديد العقاب اغفر لي واعف عني وما أشبه ذلك؛ لما في ذلك من التضاد بين الوسيلة والمطلوب. وقد قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، وهذا جمع بين وسائل متعددة: منها ذكر حال الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)، ومنها: الثناء على الله عز وجل بصفة من صفاته: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت)، ومنها: التوسل بالأسماء في قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم) .

***

ص: 2

‌الله يحييك يا فضيلة الشيخ هذه رسالة وصلت من المستمع أبي حمزة من المدينة المنورة يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك التوسل بالأنبياء والصالحين، وأسأل عن الفرق بين التوسل بالأحياء وبين التوسل بالأموات، وما هو التوسل الجائز

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا السؤال كما ذكرت سؤال مهم ينبغي البسط في الإجابة عليه. فأقول: التوسل هو: اتخاذ وسيلة لبلوغ الغاية المقصودة، وهو قريب من معنى التوصل، يعني: أن الوسيلة للشيء الذي يوصل إلى المقصود، ولا بد أن تكون الوسيلة موصلة إلى المقصود حساً أو شرعاً، فإن لم تكن كذلك كان التشاغل بها من العبث. ثم إن كانت في مقام التعبد كانت بدعة، وإلا كانت لغواً وعبثاً، والتوسل إلى الله عز وجل كله من باب العبادة؛ لأن المقصود الوصول إلى الله عز وجل وإلى مرضاته، وما كان وسيلة لهذا فهو عبادة، وإذا كان عبادة فإنه يتوقف على ما جاءت به الشريعة، ولا يجوز أن نحدث وسيلة لم تأت بها الشريعة- أي: لا يجوز أن نحدث وسيلة إلى الله عز جل لم تأت بها الشريعة- وعلى هذا نقول: التوسل نوعان: توسل ممنوع، وتوسل جائز مشروع. فأما التوسل الممنوع فضابطه: أن يتوسل الإنسان إلى الله بما لم يثبت شرعاً أنه وسيلة، فمن ذلك التوسل بالأموات، فإنه محرم، وربما يكون شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، ومن ذلك أيضاً أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم على القول الراجح، وذلك لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الجاهات عند الله عز وجل، فإذا كان موسى وعيسى من الوجهاء عند الله فمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل وأولى بالجاه من غيره، ولكن الجاه لا ينتفع به إلا من استحقه، وأما الداعي فلا ينتفع به لأنه لا يستفيد منه شيئاً، والنبي عليه الصلاة والسلام منزلته عند الله إنما تكون نافعة له وحده، أما غيره فلا ينفعه عند الله إلا الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وما كان وسيلة شرعية. وأما النوع الثاني وهو التوسل الجائز فإنه أقسام: الأول: التوسل إلى الله بأسمائه، مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي مثلاً، فهذا جائز، قال الله تعالى:(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وفي حديث ابن مسعود المشهور في دفع الهم والغم: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) إلى آخره، فهنا قال:(أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث. فالتوسل إلى الله بأسمائه توسل صحيح مشروع، سواء توسلت بأسمائه عموماً مثل أن تقول: أسألك بأسمائك الحسنى، أسألك بكل اسم هو لك، أو باسم معين من أسمائه كما لو قلت: اللهم أنت الغفور الرحيم فاغفر لي وارحمني. الثاني: التوسل إلى الله بصفاته، كما جاء في الحديث:(اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) . فهنا سأل الله بصفة من صفاته: بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق. ومنه توسل الاستخارة:(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) . الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، بأن تتوسل بفعل من أفعال الله تعالى فعله في غيرك ليجعل لك مثل ما فعل في غيرك، ومن ذلك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فهنا توسلنا إلى الله بفعل من أفعاله، وهو: صلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قوله تعالى:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . فتقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك أن تغفر لي، وأن تؤمنني من الفزع الأكبر يوم الدين، وما أشبه ذلك. الخامس: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، بأن يتوسل الإنسان بعمله الصالح إلى الله عز وجل ليعطيه ما أراد، ومن ذلك قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة وهم في الغار ولم يستطيعوا زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم ببر والديه، وتوسل الثاني بعفته عن الزنى، وتوسل الثالث بوفائه بأجر صاحبه أي بأجرة صاحبه، فقبل الله منهم وانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. السادس: التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الصالحين، ومن ذلك طلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، مثل طلب الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فأغاثهم الله. وكذلك قول عكاشة بن محصن- حين تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال:- يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (أنت منهم) . هذا هو التوسل المشروع بالنسبة للصالحين: أن تتوسل إلى الله بدعائهم، أما أن تتوسل إلى الله بذواتهم فهذا من التوسل غير المشروع، بل من التوسل الممنوع. والسابع: أن يتوسل إلى الله عز وجل بذكر حاله، وهذا هو التعطف والتحنن- أي: طلب العطف وطلب الحنان- ومن ذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . فتقول: اللهم إني فقير عاجز معدم ضعيف وما أشبه ذلك، فتشكو حالك إلى الله، فهذه الشكاية تعتبر وسيلة إلى رحمة الله ومغفرته ومنته. هذه هي الأقسام المشروعة في التوسل، وأما التوسل بغير ما ورد فإنه من التوسل الممنوع. والله أعلم.

***

ص: 2

‌السائل ع م ك تركونه ليبيا يقول: ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند الدعاء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء: إذا كان المتوسل قصده التوسل بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو التوسل بمحبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا لا بأس به. أما إذا كان قصده التوسل بذاته فلا يجوز؛ لأن التوسل بذاته لا ينفع المتوسل، فيكون قد دعا الله تعالى بما ليس سبباً للإجابة، وهذا نوع من الاستهزاء. واعلم أن التوسل أنواع، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، فهذا مشروع، مثل أن تقول: أسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي، فهذا مشروع؛ لقول الله تعالى:(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، فهذا أيضاً مشروع، كما جاء في الحديث:(اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) . الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، كما يقول المصلى: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فإن قوله: كما صلىت للتعليل، يعني: كما مننت بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصلِّ على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، كما في قوله تعالى:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)(آل عمران: 53)، وكما في قوله تعالى:(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا)(آل عمران: من الآية16)، وكما في قوله تعالى:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)(آل عمران: 193) . الخامس: التوسل بالعمل الصالح، كما في قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فأنجاهم الله وانفرجت الصخرة. السادس: التوسل إلى الله بحال الداعي، كأن يقول: اللهم إني فقير فأغنني، أو يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي، وكما في قول موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . السابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، كما كان الصحابة يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستجاب الله له، هذه سبعة أنواع من التوسل الجائز. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن طلب الدعاء من الشخص الصالح إذا كان يخشى منه أن يغتر هذا الرجل بنفسه وأن يقول: إنه من أولياء الله فهنا تحصل مفسدة فلا يسأل، كما أن الأولى بالإنسان مطلقاً أن لا يطلب من أحد أن يدعو الله له، بل يدعو هو نفسه، يدعو الله تعالى مباشرة. أما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات، وقد يصل إلى حد الشرك الأكبر، وكذلك التوسل بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء، أو التوسل بجاه الصالحين، كل هذا ممنوع لا ينفع.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم المستمع حميد السمرائي أيضاً يا شيخ محمد يقول: ماحكم الدعاء بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذتان مسألتان. المسألة الأولى: الدعاء بالقرآن الكريم، فالدعاء بالقرآن الكريم- يعني: أن يسأل الإنسان ربه بكلامه- وهذا على القاعدة المعروفة عند أهل العلم جائز؛ لأن هذا من باب التوسل بصفات الله عز وجل، والتوسل بصفات الله عز وجل جائز جاءت به الشريعة، والقرآن صفة من صفات الله عز وجل، فإنه كلام الله تكلم به حقيقة لفظاً وأراده معنى، فهو كلامه عز وجل لفظاً ومعنىً، ليس كلام الله ألفاظاً دون المعاني ولا المعاني دون الألفاظ، وإذا كان صفة من صفاته فالتوسل به جائز. وأما التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وهي المسألة الثانية فالراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بجائز، وأنه يحرم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم أسألك بجاه نبيك كذا وكذا، ذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود، وجاه النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود، وإذا لم يكن له أثر لم يكن سبباً صحيحاً، والله عز وجل لا يدعى إلا بما يكون سبباً صحيحاً له أثرٌ في حصول المطلوب، فجاه النبي صلى الله عليه وسلم هو مما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وهو مما يكون منقبة له وحده، أما نحن فلسنا ننتفع بذلك، وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال: اللهم إني أسالك بإيماني بك وبرسولك كذا وكذا، بدلاً من أن يقول: أسألك بجاه نبيك. ومن نعمة الله عز وجل علينا ورحمته بنا أنه لا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة، ولهذا ينبغي للداعي إلى الله عز وجل إذا ذكر للناس باباً مسدوداً في الشرع أن يبين لهم الباب المفتوح الذي أتت به الشريعة، حتى لا يسد على الناس الطرق ويبقيهم في عمه وحيرة، وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك في كتابه، وأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته. فقال الله تعالى في القرآن الكريم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا) فنهاهم عن قول وفتح لهم باب قول آخر: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا. وقال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي جاءه بتمر طيب، وأخبره بأنه يشتري هذا الطيب الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تفعل) فنهاه أن يشتري صاعاً من التمر الطيب بصاعين من التمر الرديء، نهاه عن ذلك لأن هذا رباً وقال له:(بع الجمع- يعني: الرديء- بالدراهم، ثم اشترِ به- يعني: ثم اشترِ بالدراهم- تمراً طيباً) فلما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن محرم بين له الحلال، وهكذا ينبغي لكل داعية يدعو الناس إلى شيء فيحذرهم من فعل أو قول أن يذكر لهم بدلاً منه من الأقوال والأفعال المباحة. وخلاصة القول: أن سؤال الله تعالى بكلامه كالقرآن مثلاً جائز، وأن سؤال الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ليس بجائز، على ما بينا من الحكمة والتعليل.

***

ص: 2

‌هذه رسالة من السائل يوسف سيد أحمد من ليبيا يقول: هل يجوز ذكر السيادة للرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه سواء في التشهد أو خلافه؟ وما هو الأفضل ذكرها أم تركها؟ وهل يجوز التوسل به صلى الله عليه وسلم أم لا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن السؤال الذي عرض علينا في هذه الحلقة، وهو: تسويد الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصلاة عليه، فإننا نقول: لا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد الخلق، سيد ولد آدم، وأنه له السيادة المطلقة عليهم، لكنها السيادة البشرية، سيادة بشر على بشر، أما السيادة المطلقة فإنها لله عز وجل، فالرسول عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وهو إمامهم عليه الصلاة والسلام، ويجب على المؤمن أن يعتقد ذلك في رسوله صلى الله عليه وسلم. أما زيادة سيدنا في الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها إن أردنا الألفاظ التي ورد بها النص لا ينبغي ذكرها إذا كانت لم تذكر؛ لأن الصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة عليه هي أحسن الصيغ وأولاها بالاتباع، أما إذا كان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مطلقة فإنه لا بأس أن يقول: صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مثلاً، لا بأس أن يقولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم له السيادة على البشر، ولكننا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد لا نزيدها؛ لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا نقول: السلام عليك سيدنا أيها النبي، ونقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ولا نقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، بل ولا نقول: اللهم صلِّ على نبينا محمد، بل نقول: اللهم صلِّ على محمد كما جاء به النص، هذا هو الأولى والأفضل. أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن التوسل به أقسام: أحدها: أن يتوسل بالإيمان به، وهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، هذا لا بأس به وهو صحيح، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في قوله:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) . ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً. ثانياً: أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، أي: بأن يدعو للمشفوع له، وهذا أيضاً جائز وثابت، لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال:(اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ، وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا، فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه هذا جائز ولا بأس به. القسم الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته أو بعد مماته، فهذا توسل بدعي لا يجوز، وذلك لأن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أنت بالنسبة إليك فإنك لا تنتفع به؛ لأنه ليس من عملك، وشيء ليس من عملك لا ينفعك، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو أن ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء، فلابد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء، وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع. وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته. أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر. القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز، لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله. فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟ قلنا: لا يجوز. فإذا قال: أليس الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) ؟ قلنا: بلى إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفاً للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إذ ظلموا، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) ، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) . فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.

فضيلة الشيخ: أثابكم الله إذاً على هذا لا يكون التوسل إلا مثلاً بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لكن هل نقيس عليه التوسل بأي عبادة من العبادات، كالتوسل مثلاً بصلاة الإنسان أو بصومه أو بعمل من أعماله الصالحة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يتوسل به نعم لا بأس به، يقول مثلاً: ً اللهم لك صلىت لك صمت لك حججت وما أشبه ذلك فاغفر لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه الأعمال من أسباب المغفرة.

***

ص: 2

‌هذا السائل محمد الشتيلي المملكة العربية السعودية الزلفي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بالصالحين مع التفصيل؟ جزاكم الله خيراً

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل معناه اتخاذ الوسيلة الموصلة إلى المقصود، ومن المعلوم أن الوسيلة لابد أن تكون صحيحة في إيصالها إلى المقصود، وأما ما لم يكن صحيحاً في إيصاله إلى المقصود فإنه باطل لا يجوز فعله؛ لأن ما بني على الباطل باطل. وبناء على هذه القاعدة نعرف حكم التوسل بالصالحين، فالتوسل بالصالحين بعد موتهم لا يجوز؛ لأنهم لن ينفعوا من يتوسل بهم، ولن يستطيعوا أن يدعوا له ولا أن يشفعوا له عند الله إلا بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . أما التوسل بالصالحين الأحياء فهذا على نوعين: النوع الأول: أن يتوسل بأعمالهم الصالحة، أو بجاههم عند الله أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام، مثال هذا أن يقول: أسألك اللهم بصلاة فلان لك أن تغفر لي، فإن هذا التوسل الممنوع محرم؛ لأن صلاة فلان لا تنفع إلا فلاناً ولا مصلحة لك منها، وليس منك عمل حتى تقول: إنه ينفعني عند الله، وكذلك التوسل بذات الرجل الصالح أو بجاهه فإنه ممنوع ومحرم؛ لأن ذاته لا تفيدك شيئاً وجاهه لا يفيدك شيئاً؛ فلو قلت: أسألك اللهم بفلان وهو حي أو ميت أيضاً فإنه لا ينفعك، ولا يحل لك التوسل به، وكذلك لو قلت: أسألك بجاه فلان حيّاً كان أم ميتاً فإنه لا يحل لك أن تتوسل بجاهه؛ لأن جاهه ليس وسيلة يوصلك إلى مقصودك ،جاهه ينتفع به هو ولا تنتفع به أنت. النوع الثاني: أن يتوسل بالصالحين الأحياء بدعائهم، فهذا لا بأس به، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بدعاء فلان لي أن تقبل دعوته، يعني: أن تقبل دعاءه، ثم يطلب منه أن يدعو له، فهذا لا بأس به، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي بدعائه، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. فأنشأ الله السحاب، ورعد وبرق وأمطر، فما نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته. وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا. فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانجلت الغيوم عن المدينة وصار ما حولها ممطراً) . فهذا التوسل من التوسل الجائز. ولكن هل ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له؟ الجواب على هذا أن نقول: لا ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له لأمرين: الأمر الأول: أن في ذلك نوعاً من التذلل للمطلوب منه الدعاء. والأمر الثاني: أن المطلوب منه الدعاء قد يلحقه الغرور والإعجاب بالنفس ويقول: أنا من أنا؟ أنا الذي يتوسل الناس إلى ربهم بدعائي لهم فيهلك، ولا شك أن كون الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه خير من كونه يطلب من غيره أن يدعو الله له، أولاً: لأن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه فقد امتثل أمر الله تعالى في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . ثانياً: أنه إذا دعا ربه بنفسه استفاد من ذلك قربة إلى الله تعالى؛ لأن الدعاء من العبادة، والعبادة تقرب إلى الله. ثالثاً: أنه إذا دعا ربه بنفسه أحس بالضرورة إلى الله تعالى والافتقار إليه، وأنه سبحانه وتعالى ملجؤه دون خلقه. رابعاً: أنه إذا دعا ربه بنفسه فإنه يدعو الله تعالى بما يشاء جملة وتفصيلاً، فيحصل بذلك الانبساط في الدعاء والتوسع فيه والإلحاح فيه على الله. خامساً: أنه إذا دعا ربه بنفسه صار معتمداً على الله متوكلاً عليه، لا يلجأ إلا لله تعالى، وهذا لا شك أن له تأثيراً في إصلاح القلب وصلاحه. سادساً: أنه إذا دعا ربه بنفسه سلم من أن يمن عليه مَنْ طلب منه أن يدعو له. والمهم أن الذي ينبغي للإنسان أن يدعو ربه بنفسه في قضاء حاجاته للأسباب التي ذكرناها، وربما يكون هناك أسباب أخرى عزبت عنا في هذا المكان، هذا هو حكم التوسل بالصالحين. وأما ما يظنه بعض الناس توسلاً بالصالحين وهو عبادة لهم في الحقيقة فإنه لا يسمى توسلاً، بل هو شرك، مثل أن يقول عند صاحب القبر: يا فلان أغثني من الشدة، يا فلان يسر لي الأمر، وما أشبه ذلك مما يصنعه الجاهلون ويظنون أنه من باب التوسل، وهو حقيقة شرك يشبه قول المشركين الذين قال الله عنهم:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) . فعلى المؤمن أن يكون دائماً متعلقاً بربه، سائلاً ربه بنفسه، لا يفتقر إلى أحد ولا يلجأ إلى أحد. والله الموفق.

***

ص: 2

‌جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ما ضابط التوسل المشروع يا شيخ محمد؟ وما حكم من يتبركون بالصالحين بحجة أن الصحابة يتبركون بشعر الرسول صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل المشروع أنواع منها أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: يا غفور اغفر لي، أو يقول: يا ذا المغفرة والرحمة اغفر لي، أو يقول: اللهم برحمتك أستغيث أو ما أشبه ذلك. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بأفعاله، مثل ما جاء في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فهذا توسل إلى الله تعالى بأفعاله التي منّ بها على من شاء من عباده فيما سبق. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح، كقول أولي الألباب:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله بذكر حاجته وافتقاره إلى ربه، كقول موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حين يأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يسألونه أن يدعو الله لهم، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع يديه إلى السماء وقال:(اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . فأمطرت السماء، وبقي المطر ينزل أسبوعاً كاملا، ً ثم دخل الرجل أو رجلٌ آخر وقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع يديه وقال:(اللهم حوالينا ولا علينا) . وليس من التوسل أن يتبرك بالإنسان بلباسه أو شعره أو عرقه أو ما أشبه ذلك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة كانوا يتبركون بآثاره عليه الصلاة والسلام، لكن لم يتبرك أحد منهم بالآخر، فما تبركوا نحو هذا التبرك بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي.

***

ص: 2

‌إيمان من بغداد تقول هل عند قيام المسلم بالدعاء والسؤال من الله عز وجل وقوله مثلاً: اللهم اغفر لي بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل هذا حرام ويعاقب الله المؤمن عليه؟ مع شكري لأسرة البرنامج وللشيخ المجيب

فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن الدعاء من عبادة الله عز وجل، وإذا كان الدعاء من العبادة فإنه ليس لنا أن نحدث من وسائل الدعاء ما لم ترد به الشريعة، والتوسل إلى الله تبارك وتعالى حال الدعاء يكون بأمور: أولاً: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ لقوله: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، مثل أن يقول الإنسان: اللهم يا رزاق ارزقني، ويا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ومثل أن يقول: أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، فيتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا مما جاءت به الشريعة. الوسيلة الثانية: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، كما ذكر الله تعالى عن أولي الألباب الذين يقولون:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) ، فإن الفاء هنا للسببية، تدل أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي: بسبب إيماننا بهذا المنادي فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. والوسيلة الثالثة: أن يتوسل الإنسان بحاجته إلى الله عز وجل، أي: بذكر حاله وفقره، كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ، فهذا خبر لكنه يتضمن الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حال الداعي، وتارة يكون التوسل إلى الله تعالى بكل هذه الأسباب، كما في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر يدعو به في صلاته:(اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، فإن هذا توسل إلى الله تعالى بذكر حال العبد:(اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)، وبالثناء على الله تعالى بصفاته في قوله:(إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا من الإيمان بالله:(فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم) . هذه هي الوسائل الشرعية الصحيحة التي يتوسل بها المرء إلى الله تعالى لإجابة دعائه. أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه: فإن كان توسلاً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمتوسل فهذا لا بأس به، ولكن هذا لا يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قول عمر رضي الله عنه:(اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ، ثم يأمر العباس بن عبد المطلب فيدعو الله عز وجل، كما دخل الأعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم وقال:(اللهم أغثنا) ثلاث مرات، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، فهذا توسل بنفس الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو للمرء الذي توسل به إلى الله عز وجل. وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فهذا لا يجوز، ومنه أن يتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام فإن هذا من البدع، لم يرد عن الصحابة أنهم توسلوا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أن هذا مقتضى الأثر: ألا نتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم وروده، فكذلك أيضاً هو مقتضى النظر، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس من فعلنا حتى نتوسل به إلى الله، كالتوسل بإيماننا وعملنا، وليس هو أيضاً نافعاً لنا حتى نتوسل إلى الله تعالى به، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ينتفع به الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، فليس وسيلة لإجابة الدعاء. وإذا كان مقتضى الأثر والنظر ألا نتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام فلنتوسل إلى الله تعالى بما هو أحسن منه، وهو: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما حكى الله سبحانه وتعالى عن أولي الألباب، فهذه الطريق الواردة الحسنة القيمة- وهي: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نسلكها؟ ما لنا نسلك طريقاً وهي محرمة وبدعة، وَنَدَعُ هذا الطريق؟ فمادام الله تعالى قد فتح لنا طرقاً مشروعة سليمة فلنكن من الذين يسلكونها، حتى نكون ممن قال الله تعالى عنهم:(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) .

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً هذا السائل يقول: ما الحكم في أشخاص يتوسلون بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟ بعد دعاء الرجل يقول: بجاه سيدنا محمد، وجهونا في ضوء هذا السؤال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نوجهكم إلى أن تَدَعُوا التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك من البدع، ولأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفعك، والله تبارك وتعالى إنما يتوسل إليه بما يكون سبباً ووسيلة لحصول المقصود، وجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار الداعي لا يفيده، ونحن لا نشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأن له جاهاً عظيماً عند الله عز وجل كسائر إخوانه من المرسلين، ولكن جاهه عند الله إنما ينتفع به هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما نحن فلا، وقد أبدلنا الله تعالى عن التوسل المحرم بتوسل مباح، فلماذا نعدل عن التوسل المباح المشروع إلى توسل لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، وليس أيضاً هو سبباً لحصول المقصود؟ فمن التوسل في الدعاء: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه عموماً مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري.. الخ) ، أو يتوسل باسم خاص من أسماء الله مناسب لما يدعو به، مثل أن يقول: اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي، أو: يا رحيم ارحمني، أو يقول: اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وما أشبه ذلك، ومنه حديث:(اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) . أو يتوسل إلى الله تعالى بصفاته، أي بصفة من صفاته، مثل:(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخر دعاء الاستخارة المشروع. أو يتوسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله، مثل قوله: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أو يقول: اللهم كما مننت على فلان بالعلم والعمل أنعم علي بمثل ذلك. أو يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، مثل قوله تعالى (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ومثل قوله تعالى:(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) ، ومن ذلك توسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة عجزوا عن إزالتها عن باب الغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، والحديث في ذلك مشهور معلوم. أو يتوسل إلى الله عز وجل بحاله، أي: بحال الداعي، مثل أن يقول: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، أو يقول: اللهم إني فقير فأغنني، وكقول موسى عليه الصلاة والسلام:(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . أو يتوسل إلى الله تبارك تعالى بدعاء العبد الصالح الذي ترجى إجابته، مثل قول عكاشة بن محصن- لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب- قال: ادع الله أن يجعلني منهم. فهذه الأنواع من التوسل أنواع مشروعة، وفيها الكفاية عن التوسل إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، فالتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم توسل بدعي ممنوع، وفي التوسل المشروع المباح غُنية عنه.

***

ص: 2

‌خديجة صالح من العراق تقول قسم من الناس عندما يدعون الله يقولون ربنا بجاههم عندك، أي جاه الأولياء والصالحين هل يعتبر واسطة هذا الدعاء بين العبد وربه

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن نعرف أن الوسيلة إنما تتخذ وسيلة إذا كانت وسيلة حقيقية سواء ثبت كونها حقيقية بالشرع أو بالواقع، أما اتخاذ وسيلة لم يثبت أنها وسيلة في الشرع ولا في الواقع فإن هذا من اللغو بل نوع من الشرك لأن إثبات أن هذا الشيء سبب والله تعالى لم يجعله سبباً معناه، تشريك مع الله تعالى في قضائه أو شرعه فكل من أثبت سبباً لم يثبت كونه سبباً لا باعتبار الواقع ولا باعتبار الشرع فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى حيث جعل ما ليس سبباً جعله سبباً، ننظر الوسيلة أو التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بجاه الأولياء والأنبياء والصالحين هل جاء في الشرع أنها وسيلة؟ الجواب لا، ونحن نقول لكل من يسمع إذا كان لديه دليل من الشرع من النبي عليه الصلاة والسلام أو من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان على أن التوسل بالجاه مشروع فليأت به على هذا العنوان نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية، ونحن نعاهد الله سبحانه وتعالى ونسأله العون على أنه متى جاءنا دليل شرعي ثابت فإننا سنتبعه، لأن ذلك هو الفرض علينا فإذا كان عند أحد من الناس أن التوسل بالجاه مشروع فليتفضل به فإننا به آخذون ولما أسداه إلينا شاكرون، وإذا لم يكن دليل من الشرع والأمر كذلك فإنني لا أعلم أبداً أن التوسل بالجاه أمر مشروع، فهل يكون الجاه وسيلة بحسب الواقع؟ الجواب لا، لأن الجاه عند الله إنما ينتفع به من له جاه فقط، أما غيره فأي نفع له، فإذا كان هذا الرجل له جاه عند الله سبحانه وتعالى فالذي ينتفع بهذا الجاه هو نفس الرجل، أما أنا فأي نفع لي بجاهه هو، لذلك ليس الجاه وسيلة بحسب الواقع أيضاً، فإذا لم يكن الجاه وسيلة لا بحسب الشرع ولا بحسب الواقع لم يجز أن يتخذ وسيلة، وعلى هذا فيحرم على الإنسان أن يقول اللهم إني أسألك بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه فلان أو فلان ممن يزعمونهم أولياء لأن ذلك ليس سبباً شرعياً ولا سبباً واقعياً وإذا كان غير سبب شرعي ولا واقعي فإن إثبات كونه سبباً نوع من الإشراك بالله عز وجل، ولكن بدلاً من أن يقول أسألك بجاه النبي أو بجاه الولي يقول اللهم إني أسألك برحمتك، أسألك بفضلك، أسألك بإحسانك، هذا أفضل لأن فضل الله وإحسانه ورحمته أشمل وأعم وأنفع للإنسان من جاه رجل عند الله عز وجل، فكونك تسأل بفضل الله ورحمته وما أشبه ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى التي تتوسل بها إليه هذا أفضل بلا شك وأنفع للنفس وأقرب إلى الإجابة.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة الأولى التي بين أيدينا وردتنا من الأخ في الله عماد إبراهيم أبو الدهب من جمهورية مصر العربية المستمع قد استمع إلى حلقةٍ كما أشار إليها في يوم السبت الموافق 22/10/1401هـ ويسأل عن ردكم على إحدى المستمعات التي تقول هل يجوز الدعاء لله عز وجل والتوسل إليه بجاه الأنبياء أو بجاه عباده الصالحين بمعنى أن نقول اللهم إنا نسألك بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم أن تغفر لنا ذنوبنا وخلاف ذلك من الدعاء ويقول إنكم قد أشرتم في إجابتكم أنه إذا وجد حديث يخالف عدم الجواز فيرسل إلينا وإنه وجد حديثاً في بلوغ المرام يقول فيه الحديث عن أنسٍ رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون رواه البخاري يقول فما رأي فضيلة أستاذنا الجليل في ذلك هل له من صحة أم من الأحاديث الضعيفة الزائدة والله الموفق

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أولاً أشكر الأخ على تعاونه مع إخوانه لأن هذا من التعاون على البر والتقوى فإن الإنسان بشر يخطئ ويصيب ويذهل عن الشيء ويغيب والشريعة ليست محصورةً على أحدٍ معينٍ من الناس بل كل من آتاه الله تعالى علماً وفهماً وإخلاصاً فإن له الحق في أن يتكلم بما آتاه الله تعالى من علمٍ وفهمٍ وإخلاص وهذا هو واجب كل مسلم في هذا الباب وغيره أن يكون ناصحاً لإخوانه حريصاً على حفظ شريعة الله إذا تكلم أحدٌ فيها بخطأ حاول إصلاح الخطأ على وجه الحكمة والصواب وأما بالنسبة لسؤاله هذا الحديث الذي أشار إليه هو حديثٌ صحيح رواه البخاري ولكن من تأمله وجد أنه دليلٌ على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره وذلك أن التوسل هو اتخاذ الوسيلة والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المطلوب والوسيلة المذكورة في هذا الحديث نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعائه لأن عمر قال للعباس قم يا عباس فادع الله فدعا ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل العباس لأنه بلا شك جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله أعظم من جاه العباس وغيره فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم دون جاه العباس بن عبد المطلب والحاصل أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وكذلك أيضاً عمر توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حريٌ بالإجابة بكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه حرياً معروفاًُ بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب بشرط أن لا يحصل في ذلك غرورٌ لهذا الشخص الذي طلب منه ذلك الدعاء فإن حصل منه غرورٌ بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه لأن ذلك يضره كما أنني أيضاً أقول إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله لأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية كما أنني أيضاً أرغب في أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه أي إلى هذا الداعي دون دفع حاجة هذا المدعو له لا لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم وأما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء مثل ما هو معروف صار هذا أولى وأحسن.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم السائل يقول من السودان هل يجوز التوسل إلى الله بهذه الصيغة اللهم صل على محمد وبارك على نبينا محمد صلاة تفرج بها همي وتنفس بها كربتي وتوسع بها رزقي إلى آخره نرجو الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنصح هذا السائل وغيره من الإخوان أن يحافظوا على الصيغ الواردة في القرآن والسنة في الدعاء وذلك لأن الدعاء عبادة يتقرب به الإنسان إلى ربه وليس مجرد طلب يحصل به الإنسان على ما يريد بل هو نفسه عبادة لقول الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فأنصح هذا السائل وغيره من إخواننا المسلمين أن يحافظوا على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية ثم أقول إن هذه الصيغ التي ذكرها السائل لا يرغب فيها ولا ينبغي أن تكون وسيلة بل توسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته المناسبة لمطلوبك فقل يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، يا عزيز أعزني بطاعتك وما أشبه ذلك حتى تكون متوسلاً بوسيلة ليس فيها شبهة.

***

ص: 2

‌هل يجوز أن نقول في دعائنا اللهمَ شفِّع فينا محمداً صلى الله عليه وسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول القائل اللهم شفع في رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا بأس به ولهذا أمرنا أن نقول خلف الأذان إذا تابعنا المؤذن أمرنا أن نقول اللهم صلِّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد أمرنا أن نقول ذلك لأن من قاله حلت له شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن مأمورون أن نفعل جميع الأسباب التي تكون بها شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك الدعاء فإن الدعاء من أكبر الأسباب لحصول المقصود كما قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فإذا سألت الله عز وجل أن يجعل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم شافعاً لك فإنه لا حرج في هذا.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد يقول لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي كان من الصالحين الأموات

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن سؤال الله سبحانه وتعالى ودعاءه بوسيلة من الوسائل لا يجوز إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعاً أنها وسيلة وذلك لأن الدعاء عبادة والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع فسؤال الله تبارك وتعالى بالوسيلة ينقسم إلى قسمين أحدهما أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع كالتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته مثل أن تقول اللهم يا غفور اغفر لي ويا رزاق ارزقني ويا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بإيمانه به وبرسله مثل أن يقول اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي كما حكى الله تبارك وتعالى عن أولي الألباب الذين يقولون (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة لورود الشرع بها وكذلك أيضاً من هذا القسم إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه كما فعل عمر رضي الله عنه حين استسقى فقال (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي إليك بعم نبينا) يعني العباس فقال للعباس ادع الله فقام فدعا القسم الثاني من الوسائل أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع فهذه لا يجوز أن يُدعى اللهُ بها لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله تبارك وتعالى ما لم يكن سبباً للوصول إليه وهذا يشبه الاستهزاء ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه مثل أن تأتي برجل من سوقة الناس وتقول اشفع لي عند الملك فإن هذا يعتبر كالاستهزاء به والسخرية كذلك إذا توسلت إلى الله تبارك وتعالى بما لم يكن سبباً فإنه كالاستهزاء به وبآياته تبارك وتعالى ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاهاً النبي صلى الله عليه وسلم وحرمته وما أشبه ذلك فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط أما غيره فإنه لا ينتفع به بمجرد أن للرسول صلى الله عليه وسلم جاه عند الله وحرمة هذا لا ينفعه ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلاً للرحمة والمغفرة بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة ما ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه لم يجعله الله تبارك وتعالى وسيلة لإجابة الداعي وكذلك أيضاً هو في الحقيقة ليس وسيلة لأنه كما أسلفنا آنفاً لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه فحرمة الرسول عند الله ليست سبباً لقضاء حاجتك أنت، وما وجه السبب؟ السبب إما فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته والنبي عليه الصلاة والسلام ليس هو الذي يجيب حتى نقول إن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك فالرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول إن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه أختكم أم عبادة من الأردن أختكم في الله تقول في هذا السؤال ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والراوي عثمان بن حميد أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلِق فتوضأ ثم صلِّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ ما صحة هذا مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من أنكره وقال إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال إنه صحيح وعلى تقدير صحته فإنه ليس من باب التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه من باب التوسل بدعائه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر ولكن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى ركعتين تمهيداً وتوطئة لاستجابة الله سبحانه وتعالى لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأنه كلما تحقق الإيمان في الشخص كان أقرب إلى نيل شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا في هذا الحديث يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فإن قوله يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حاضراً وأن هذا طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع فيه إلى الله عز وجل ثم سأل الله عز وجل أن يقبل هذه الشفاعة وقال اللهم شفعه فيَّ وهذا لا يكون دليلاً على التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وسلم وإني بهذه المناسبة أقول إن التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء على نوعين نوع جائز ونوع ممنوع والجائز على عدة وجوه الوجه الأول أن نتوجه إلى الله تعالى بأسمائه والثاني أن نتوجه إلى الله تعالى بصفاته والثالث أن نتوجه إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله والرابع أن يتوجه إلى الله تعالى بالعمل الصالح والخامس أن يتوجه إلى الله تعالى بذكر حاله وفقره إلى ربه والسادس أن يتوجه إلى الله عز وجل بدعاء من ترجى إجابته أما الأول وهو التوجه إلى الله تعالى بأسمائه فقد يكون باسمٍ خاص وقد يكون بالأسماء عموماً ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه الحديث المشهور (أسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا من التوسل بالأسماء على سبيل العموم وقول السائل اللهم إني أسألك أن تغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم هذا من التوسل بالاسم الخاص المناسب لما تدعو الله به وهو داخلٌ في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأما التوسل بالصفات بصفات الله فقد يكون بصفاتٍ معينة وقد يكون بالصفات عموماً فتقول اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن تغفر لي وقد يكون بصفةٍ خاصة مثل قولك (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي) فتوسلت إلى الله بعلمه وقدرته وهما صفتان خاصتان والتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ومثال التوسل بالعمل الصالح توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا أن يزحزحوا الصخرة التي سدت عليهم الباب فتوسل أحدهم إلى الله تعالى بكمال بره والثاني بكمال عفته والثالث بكمال وفائه بالعقد والقصة مشهورة ومثال التوسل بحال الداعي مثل أن تقول اللهم إني فقير إليك ذليل بين يديك وما أشبه ذلك ومنه قول موسى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ومثال التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته توسل الصحابة رضي الله عنهم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس أن رجلاً دخل يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس رضي الله عنه فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزع يعني ما في السماء سحابٌ واسع ولا قزع من الغيم وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار فخرجت من ورائه سحابةٌ مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه ثم بقي المطر أسبوعاً كاملاً فدخل الرجل أو رجلٌ آخر في الجمعة الأخرى والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير إلى النواحي عليه الصلاة والسلام وما يشير إلى ناحيةٍ إلا انفرج السحاب عنها وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا من التوسل بدعاء من ترجى إجابته وفي الصحيح أيضاً من حديث عمر رضي الله عنه أنه استسقى فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا ، قم ياعباس ادع الله) فيدعو الله فيسقون هذه أصناف التوسل الجائز أما التوسل الممنوع فأن نتوسل بشيء ليس وسيلةً وليس سبباً في حصول المقصود مثل أن يتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فإن التوسل بذاته أو بجاهه ليس سبباً في حصول المقصود لأنك إذا لم يكن لديك سببٌ يوصل إلى حصول المقصود لم ينفعك جاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه لأن جاهه إنما ينفعه هو صلوات الله وسلامه عليه ولهذا لم ينتفع أبو لهب بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ولا بذاته لأنه ليس لديه وسيلة تمنعه من عذاب الله وكذلك توسل أصحاب الأوثان بأوثانهم الذين قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) فإن هذا التوسل لا ينفعهم بشيء لأنهم مشركون وإنني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على اتباع الآثار فيما يتوسلون به إلى الله وما أحسن الامتثال لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا خير ما يتوسل به المرء أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الدالة على صفاته العظيمة وعلى ذاته فهذا خير متوسَّل به.

***

ص: 2

‌الولاء والبراء

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل ف. م. ع. ش. يقول فضيلة الشيخ كيف تكون المحبة في الله أرجو منكم إفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: تكون المحبة في الله بأن تحب الرجل لكونه عابداً صالحاً لا لأنه قريبك ولا لأن عنده مالاً ولا لأنه يعجبك فيه خلقه ومنظره وما أشبه ذلك لا تحبه إلا لدينه وتقواه هذه المحبة في الله وفي هذه الحال تجد أن كل واحدٍ منكما يعين الآخر على طاعة الله وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) والشاهد هنا قوله (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ولكني أحذر غاية التحذير ولا سيما النساء من أن تكون هذه المحبة في الله محبةً مع الله لأن بعض الناس يغرم بمحبة أخيه في الله أو تغرم المرأة بمحبة أختها في الله حتى تكون محبة هذا الإنسان في قلبها أو في قلب الرجل أشد من محبة الله لأنه يكون دائماً هو الذي في قلبه وهو الذي على ذكره إن نام نام على ذكره وإن استيقظ استيقظ على ذكره وإن ذهب أو رجع فهو على ذكره فينسيه ذكره ذكر الله عز وجل وهذا شركٌ في المحبة قال الله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وفعلاً تحصل الشكوى من هذا الأمر أن تحب المرأة زميلتها أو معلمتها محبةً شديدةً تستولي على قلبها وفكرها وعقلها حتى تكون هي التي على بالها دائماً وتنسى بذكرها ذكر الله وهذا خطأ وخطر والواجب على المرء إذا وقع في هذا الداء أن يحاول الدواء ما استطاع ولكن كيف الدواء وقد وصلت الحال إلى هذه المنزلة الدواء أن يذكر أولاً أن محبة الله تعالى فوق كل شيء ويصرف قلبه لمحبة الله ومما يقوي محبة الله في قلب العبد دوام ذكر الله وكثرة قراءة القرآن وكثرة الأعمال الصالحة والإعراض عن شهوات النفس وهوى النفس ثانياً أن يبتعد بعض الشيء عن هذا الذي وقع في قلبه محبته إلى هذه المنزلة يبتعد عنه بعض الشيء ويتلهى بأمرٍ آخر فإن لم ينفع فليجتنبه نهائياً يقطع الصلة بينه وبينه حتى يهدأ هذا الحب وتزول هذه الحرارة وتسكن ثم يعود إلى محبته المحبة العادية ومن أجل كثرة الشكوى من هذا أحببت أن أنبه عليه أن لا تكون المحبة في الله ترتقي إلى أن تكون محبةً مع الله لأن هذا نوعٌ من الشرك في المحبة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم السائل من تونس يقول كيف يكون الحب في الله والبغض في الله أرجو منكم الإفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الحب في الله أن ترى شخصا صاحب دين وعلم صاحب عبادة صاحب خلق صاحب حسن معاملة فتحبه لما في قلبه لما قام به من طاعة الله والإيمان به فهذه هي المحبة في الله والبغض في الله أن ترى شخصا عاصيا متهاونا بدينه لا يبالي فتكرهه وتبغضه لما هو عليه من التهاون بدين الله عز وجل والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرا الإيمان ولهذا يجب علينا أن يكون حبنا وبغضنا لله عز وجل لا نحب إلا من أحبه الله ولا نبغض إلا من أبغضه الله نحب من أحبه الله وإن كنا لا نميل إليه ميلا طبيعيا ونكره من يكرهه الله وإن كنا نميل إليه ميلاً طبيعياً حتى يحصل لنا التمسك بأوثق عرا الإيمان.

***

ص: 2

‌الحب في الله والبغض في الله كيف يكون فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحب في الله يعني أنك لا تحب الرجل إلا لله بأن تراه كثير العبادة كثير الصدقة يحب الخير يكره الشر فتحبه لذلك لا لكونه قريبا لك أو صديقا لك أو غنيا أو فقيرا أو ما أشبه ذلك وكذلك البغض لله أن تبغضه لكونه عاصياً لله عز وجل غير مستقيم على أمر الله لا لعداوة شخصية بينك وبينه ولكن لأنه قد فرط في حق الله.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمعة تقول هل تعد زيارة المسلمة لأهلها الكفار موالاةً لمن حاد الله ورسوله وهل يعتبر الأب أجنبياً يجب عدم الكشف له

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: صلة الرحم لا تعتبر موالاةً بل الموالاة شيء والصلة شيء آخر ولهذا جمع الله تعالى بين الصلة وبين النهي عن اتخاذ الولاية في سورةٍ واحدة فقال تعالى في سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال في نفس السورة (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) فصلة الرحم أمرٌ منفصل عن الولاية فعلى هذا يجب على الإنسان أن يصل رحمه ولو كانوا كفاراً لكن بدون موالاةٍ ومناصرة ومعاضدة على ما هم عليه من الكفر وكذلك يجوز أن يدعوهم إلى بيته مثلاً ولكن مع ذلك ينبغي أن يحرص على عرض الإسلام عليهم ونصحهم وإرشادهم لعل الله أن يهديهم بسببه.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليك يا شيخ هل يأثم الإنسان إذا عاش مع أناس لا يصلون ولكنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لكنه لا يستطيع أن يهجرهم لأنهم إخوان وأقارب

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا كانوا لا يصلون فالواجب عليه نصيحتهم حيناً بعد حين فإن أصروا على ترك الصلاة فهم كفرة مرتدون عن دين الإسلام مستوجبون للخلود في النار والعياذ بالله وعليه أن يهجرهم فلا يجيب دعوتهم ولا يسلم عليهم ولا يدعوهم إلا إذا رجا ولو رجاءً بعيداً أن يهديهم الله عز وجل بالمناصحة فلا ييأس من رحمة الله.

***

ص: 2

‌هل يجوز مؤاكلة المشركين من طبق واحد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى للمسلم أن يتجنب مجالس السوء ومنها مجالس المشركين واليهود والنصارى فليبتعد عنهم بقدر الإمكان لكن إذا ألجأته الحاجة أو الضرورة لمؤاكلتهم فإنه يعذر في ذلك كما يوجد اليوم في كثير من المؤسسات تجمع بين عمال كفار وعمال مسلمين ولا يستطيع المسلم أن يتخلص من الاجتماع بهؤلاء ولكني أقول إن من الخير أن يعرض المسلم على هؤلاء الكفار محاسن الإسلام وأن يدعوهم إلى الإسلام فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهديهم به فينال هذا الأجر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين وجهه إلى خيبر قال له (ادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وحمر النعم هي الإبل الحمراء وكانت من أنفس الأموال وأغلاها عند العرب.

***

ص: 2

‌هذا السائل مصري ومقيم بالطائف علي بن كمال يقول في هذا السؤال أسأل عن حكم زيارة النصراني إذا كان مريضاً وعن اتباع جنازته

.

فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة النصراني أو غيره من الكفار إذا كان مريضاً وتسمى في الحقيقة عيادة لا زيارة لأن المريض يعاد مرة بعد أخرى فإذا كان في ذلك مصلحة كدعوته إلى الإسلام فهذا خير ويطلب من الإنسان أن يعوده وإن لم يكن فيها مصلحة فإن كان هناك سبب يقتضي ذلك مثل كونه قريبا أو جارا أو ما أشبه ذلك فلا بأس أيضا وإلا فالخير في ترك عيادته وأما اتباع جنازته فإن كان فيها شيء محرم كالناقوس وإشعال النيران والصلبان فإنه لا يجوز وإن لم يكن فيها شيء محرم فينظر إلى المصلحة في ذلك والله أعلم.

***

ص: 2

‌هل يجوز السفر للبلاد الكافرة والعمل بها في الأعمال المباحة مع المحافظة على العقيدة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يسافر إلى هذه البلاد مخاطر بدينه لأنها بلاد كفر والمرء إذا عاش في بيئة فإنه يتأثر بها إلا من عصم الله قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وكيف تطيب نفس مؤمن أن يعيش في بلاد لا يسمع إلا أجراس النواقيس وأصوات الأبواق ولا يسمع فيها قول الله أكبر حي على الصلاة المؤمن ينبغي له أن يبتعد مهما أمكن عن بلاد الكفر ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكان عنده علم يدفع به شبهات المنصرين وكان عنده عبادة تمنعه من الزيغ والميل بهذه الشروط الثلاثة نرى أنه لا بأس أن يسافر إلى الخارج بالشروط الثلاثة أعيدها أولاً الحاجة إلى ذلك بأن يكون مسافراً لتخصصات لا توجد في بلاده وثانياً أن يكون لديه علم يدفع به شبهات المضللين المنصرين وغير المنصرين الشرط الثالث أن يكون عنده عبادة قوية تمنعه من الزيغ والانحلال فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس أن يسافر وإذا تخلف واحد منها فنرى أنه لا يجوز السفر لا سيما لصغار السن والنشء فإنهم على خطر وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يقرب منه وأمره بأن يبعد عنه وأخبر بأن الرجل يأتي إليه وهو يرى أنه لا يصده ثم لا يزال به حتى يصده عن دينه وهذا أمر واقع فإن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر غالبهم يرجع بغير ما سافر به من دين وخلق نسأل الله السلامة والعافية.

***

ص: 2

‌أيضاً يقول ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للترفيه مع العلم أن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته والله الموفق

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن السفر إلى بلاد الكفار خطر على الإنسان مهما كان في التقوى والالتزام والمحافظة فهو إما مكروه أو محرم إلا لحاجة والنزهة ليست بحاجة ففي بلاد الإسلام ولله الحمد من المنتزهات الكثيرة ما هو كفيل بإشباع رغبة الإنسان على الوجه المباح ولا حاجة به إلى بلاد الكفر ثم إن النفس أمارة بالسوء قد تسول له نفسه أن يفعل ما لا يحل له شرعاً في تلك البلاد التي لا تحل حلالاً ولا تحرم حراماً ثم إنه قد يألف ذلك سنة بعد سنة حتى يرغب في أولئك القوم وَيحلُو له ما يفعلون من عادات وغيرها مخالفة للشرع وحينئذٍ يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه.

***

ص: 2

‌المستمعة تغريد تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا كان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلاً إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلاً وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضاً هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير مسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير مسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير مسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (طعامهم: ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية وأجاب يهودياً على إهالة سنخة وخبز شعير وأقر عبد الله بن مغفل على أخذ الجراب من الشحم الذي رمي به في فتح خيبر فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر يعني أنهم جديدو الإسلام ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم فقال (سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعاباً كثيراً لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوباًَ أو مسروقاً ومن الجائز أن يكون ثمنه حراماً ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فعل على وجه تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال من المسألة الثانية أو السؤال الثاني وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد الله عز وجل (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ من الحق) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر فهو عدو الله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله عز وجل وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول أنا مقيم في الأردن في منزل معظم سكانه من الإخوة المسيحيين نأكل ونشرب مع بعضهم فهل صلاتي وعيشي معهم باطل أرجو من الشيخ إفادة حول هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أود أن أذكر له ملاحظة أرجو أن تكون جرت على لسانه بلا قصد وهي قوله أعيش مع الإخوة المسيحيين فإنه لا أُخوة بين المسلمين وبين النصارى أبداً الأُخوة هي الأُخوة الإيمانية كما قال الله عز وجل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإذا كانت قرابة النسب تنفى مع اختلاف الدين فكيف تثبت الأُخوة مع اختلاف الدين وعدم القرابة قال الله عز وجل عن نوح وابنه لما قال نوح عليه الصلاة والسلام (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فلا أخوة بين المؤمن والكافر أبداً بل الواجب على المؤمن أن لا يتخذ الكافر ولياً كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) فمن هم أعداء الله أعداء الله هم الكافرون قال الله (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) وقال سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فلا يحل للمسلم أن يصف الكافر أياً كان نوع كفره سواء كان نصرانياً أم يهودياً أم مجوسياً أم ملحداً دهرياً لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبداً فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير ولا يعني ذلك حينما نقول هذا أنه لو كان أخاً لك في النسب حقيقة أن أخوته تنتفي أعني أخوته النسبية بل إن أخوته النسبية ثابتة إذا كان أخاً لك مثل أن يكون من أولاد أمك أو أولاد أبيك لكن أخوة تكون أخوة ربط بينك وبينه هذه لا تجوز أبداً وأما الجواب على سؤاله فإن الذي ينبغي للإنسان أن يبتعد عن مخالطة غير المسلمين يبتعد عنهم لأن مخالطتهم تزيل الغيرة الدينية من قلبه وربما تؤدي إلى مودتهم ومحبتهم وقد قال الله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .

***

ص: 2

‌المستمع ع ن من السودان يقول ظروف العمل قد تجمعنا مع هؤلاء الآتية صفاتهم أولهم رجلٌ يدين بدين المجوسية مطلقاً لا علاقة له بالإسلام وثانيهم يدين بأحد الأديان السماوية المنسوخة بالإسلام وثالثهم ناكرٌ للأديان ورابعهم يدين بالإسلام ويؤمن به ولكنه في نفس الوقت لا يطبق قواعد الإسلام الخمسة عملياً مع القدرة على العمل ويترك ذلك تلقائياً بغير عذرٍ شرعي زد على ذلك أنه يستغيث ويستعين بغير الله وسؤالي هو أننا بحكم ظروف العمل الموحد في مصلحةٍ واحدة يبادروننا بالسلام مرةً وتارةً نبادرهم نحن وأيضاً قد يموت واحدٌ من هؤلاء ويلزمنا من ناحيةٍ إنسانية بحكم الزمالة أن نحضر مراسم العزاء من صلاةٍ ودفن وتعزية فما حكم الإسلام في كل هذا أفيدونا أفادكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نحن ننصح هذا الأخ ونقول له ينبغي لك أن تطلب عملاً ليس فيه أحدٌ من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام فإذا تيسر فهذا هو الواجب وهذا هو الذي ينبغي وإن لم يتيسر فلا حرج عليك لأنك أنت في عملك وهم في عملهم ولكن بشرط أن لا يكون في قلبك مودةٌ لهم ومحبة وموالاة وأن تلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا كذلك أيضاً لا تشيع جنائزهم ولا تحضرها إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما لو لم يوجد أحد يقوم بدفنهم فلا حرج عليك في هذه الحال أن تقوم بدفنهم وأما مع وجود أحد من أوليائهم يقوم بذلك فإنك لا تشهد جنائزهم لأن المؤمن يجب أن يراعي ما يرضي الله ورسوله (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) .

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل لدي أخٌ لا يصلى إلا قليلاً وهو عاقٌ لوالديه كما أنه يشرب الدخان وهو بذيء اللسان بالإضافة إلى أعمال أخرى يقوم بها فما الحكم في هذا الشخص هل لنا أن نجلس معه في المجلس الذي يكون فيه وهل نأكل معه من طبقٍ واحد أم يأخذ حكم تارك الصلاة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأخذ حكم تارك الصلاة لأن بينه وبين تارك الصلاة فرقاً فتارك الصلاة كافرٌ مرتد وليس من المسلمين وهذا مسلم لكنه ناقص الإيمان فأرى أن تنظروا للمصلحة إن كانت مشاركتكم إياه في الأكل والشرب والجلوس تؤدي إلى رقة قلبه وميوله إليكم فافعلوا، وهذا وإن كان لا يحصل في أول مرة أو ثاني مرة لكن ما دمنا نعرف أن الرجل له نوع من الميل إلى الاستقامة فلنجلس معه ونتحدث إليه ولنباسطه، أما إذا عرفتم أن الرجل معاندٌ مكابر وأن هجره في هذه الأحوال يؤدي إلى خفة استكباره وإلى رجوعه إلى الحق فافعلوا أي جانبوه في الأكل والشرب والجلوس والتحدث.

***

ص: 2

‌العريان الباجي أحمد من جمهورية مصر العربية يقول أنا مقيم بالعراق يقول في رسالته أصلى وأصوم شهر رمضان وكان معي جماعة من المسيحيين وسكنت معهم في المسكن وكنت آكل وأشرب معهم هل صلاتي صحيحة وأكلي وشربي معهم صحيح أم لا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل يقول إن معه جماعة من النصارى وإنه يأكل معهم ويشرب معهم ويصلى فهل هذا الفعل صحيح أم لا فنقول له في الجواب على ذلك أما صلاتك فصحيحة لأنه لم يكن فيها شيء يوجب بطلانها وربما تكون صلاتك داعية لهم إلى الإسلام مرغبة لهم فيها إذا رأوا أنك تذهب وتدع العمل لتقوم بما أوجب الله عليك من الصلاة وتقوم في آخر الليل تتوضأ ولا سيما في الليالي الباردة لتؤدي ما فرض الله عليك فربما يكون ذلك سبباً لرغبتهم في الإسلام ودخولهم فيه وأما معاشرتك إياهم وأكلك وشربك معهم فإن هذا لا ينبغي بل الذي ينبغي لك أن تختار أصحاباً من المسلمين ليكونوا لك عوناً على طاعة الله سبحانه وتعالى وتبتعد عن قوم ليسوا بمسلمين لأن ذلك أعني مخالطتك غير المسلمين قد يؤدي إلى محبتك إياهم ومودتك لهم وقد يكون لك معهم مجاملة ومصانعة لاتحل لك وقد قال الله سبحانه وتعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)

***

ص: 2

‌يقول لي أخ في بلاد كفار مثل الاتحاد السوفيتي وغيرها من البلاد الكافرة الذين يُعدون دار حرب فما هو الجواب حيال هذا الأخ في معاملته ومراسلاته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ الذي يكون في بلاد الكفار سواء كانت حربية أم ذات عهد يجب على المرء أن يراسله ليناصحه ويدعوه إلى القدوم إلى بلاد الإسلام لأن ذلك أسلم لدينه وأبرأ من براثن الشرك والكفر وأما تركه وهجره فهذا قد لا يزيده إلا شراً وسوءاً وتمسكاً بما هو عليه فالذي ينبغي لهذا أن يراسل أخاه ويدعوه إلى الدين ويرغبه فيه ثم إلى الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام إلا إذا كانت إقامته هناك لمصلحة تعود إلى الإسلام مثل أن يكون داعية هنالك موفقاً في دعوته فهنا الإقامة من أجل هذا الغرض لا بأس بها بل قد تكون واجبة عليه.

***

ص: 2

‌يقول لي صديق لا يصلى ولا يصوم وهو في العشرين من العمر وأنا أحبه وأقدره لأنه زميل مخلص لي وأنا أحافظ على الصلوات والحمد لله فما حكم زمالتي له

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولا ما دام صديقاً لك فله حق عليك أن تناصحه وأن تؤكد عليه أن يصلى وأن تخوفه من عقوبة الله عز وجل إذا لم يصلِّ وأن تصطحبه معك إلى المسجد وإلى مجالس الذكر ومجالس الإيمان من الأصحاب والخلان لعل الله يهديه على يدك فتكون أهديت له أهم هدية فإن حصل هذا المطلوب فهو المطلوب وإن لم يحصل فلا أرى أن تصاحبه ولا أن تماشيه لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة هو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

***

ص: 2

‌الأخت مليحة صالح عَبَد من العراق بغداد حي الفردوس تقول إنني أعمل في دائرة وهذه يكثر فيها النصارى جداً ونحن نتعامل معهم ونودهم أحياناً أكثر من المسلمين وأنا سمعت وقرأت أن هذا لا يجوز على الرغم من أنني أصوم وأصلى وأرتدي الحجاب الشرعي وأخاف الله وأحياناً أجادلهم إلى درجة الخصومة ولكن دون جدوى وأحياناً أو كثيراً ما يكذبون ما أقول ولكن بعد يوم أعود وأتكلم معهم طمعاً في إسلامهم لأنهم يودونني كثيراً وأنا أظل في حيرة من هذه الصداقة وخصوصاً مع إحداهن فهي لا تؤذيني ولا تسيء إلي ولكني أخاف الله تعالى وأخشى أن يكون علي إثم في صداقتي لها وإخلاصي لها ولكن يعلم الله أنني أطمع كثيراً في دخولها ورفاقها في الإسلام ولذلك حافظت على علاقتي بها فهل علي شيء في هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله وأن يتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وعلى هذا فلا يحل لك أن يقع في قلبك محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء لك في الواقع قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) أما كونك تعاملينهم باللين والرفق طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا أيست منهم فعامليهم بما يستحقون أن تعامليهم به.

فضيلة الشيخ: ماذا عن مودتهم أكثر من المسلمين أو عن مدحهم أو ربما يكون مدحهم بصفة عامة كمن يقول مثلاً إن المسيحيين يعني غير المسلمين قد يكونون أفضل من المسلمين في بعض المعاملات أو في شيء بصفة عامة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يوادهم أكثر من المسلمين أن هذا فَعَل محرماً عظيماً فإنه يجب عليه أن يحب المؤمنين وأن يحب لهم ما يحب لنفسه أما أن يواد أعداء الله أكثر من المسلمين فهذا خطر عليه عظيم وحرام عليه بل لا يجوز أن يودهم ولو أقل من المسلمين كما سمعت من الآية (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وكذلك أيضاً من أثنى عليهم ومدحهم وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد فعل إثماً وأساء الظن بإخوانه المسلمين وأحسن الظن بمن ليس أهلاً لإحسان الظن والواجب على المؤمن أن يقدم المسلمين على غيرهم في جميع الشؤون في الأعمال وفي غيرها وإذا حصل من المسلمين تقصير فالواجب عليه أن ينصحهم وأن يحذرهم وأن يبين لهم مغبة الظلم لعل الله أنْ يهديهم على يده.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من الجزائر السائل محمد أ. أ. يقول فضيلة الشيخ أنا مسلم وأحمد الله على ذلك متبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن لي زملاء عندهم بعض البدع فهل لي أن أتركهم وأهجرهم أفيدوني وانصحوني مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من كان له قرناء فيهم بدعة أن ينصحهم ويبين لهم أن ما هم عليه بدعة لعل الله أن يهديهم على يديه حتى ينال أجرهم فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) فإن أصروا على ما هم عليه من البدعة فإن كانت البدعة مكفرة وجب عليه هجرهم والبعد عنهم وإن لم تكن مكفرة فلينظر هل في هجرهم مصلحة إن كان في هجرهم مصلحة هجرهم وإن لم يكن في هجرهم مصلحة فلا يهجرهم وذلك لأن الهجر دواء إن كان يرجى نفعه فليفعل وإن لم يرجَ نفعه فلا يفعل لأن الأصل أن هجر المؤمن محرم والعاصي من المؤمنين لا يرتفع عنه اسم الإيمان فيكون هجره في الأصل محرما لكن إذا كان في هجره مصلحة لكونه يستقيم ويدع ما يوجب فسقه فإنه يهجر وإلا فلا هذا هو الضابط في الهجر الذي تجتمع فيه الأدلة وخلاصته أن هجر الكافر المرتد واجب إذا لم يفد فيه النصيحة هجر الفاسق ليس بجائز إلا إذا كان في هجره مصلحة ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إلا إذا كان في هجره مصلحة فيهجر كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ نحن نعلم والحمد لله بأن زيارة القبور بهدف الاستعانة والاستغاثة بها محرم وشرك ولكن ماذا أفعل وأهلي ينذرون الذبائح كل عام لأصحاب القبور بهدف التقرب إليهم ونصحناهم كثيراً لكن دون فائدة قائلين بأنهم أولياء لله وصالحون فقلت لهم إذا كانوا صالحين فهم صالحون لأنفسهم وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم وسؤالي هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنهم يصلون وهل صلاتهم هذه مقبولة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نحن معك في نصيحة أهلك عن هذا العمل المشين الذي هو من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي قال الله تعالى عنه (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وإني أقول لأهلك اتقوا الله في أنفسكم فإنكم إن متم على ذلك صرتم من أصحاب النار وأنتم خالدون فيها مخلدون وحرم الله عليكم الجنة والعياذ بالله وهم مشركون مخلدون في النار ولو كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وصلاتهم غير مقبولة وحجهم غير مقبول وصدقاتهم غير مقبولة لأنهم كفار والعياذ بالله فنصيحتي لهؤلاء الأهل أن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان أن يتوبوا إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل فإن التوبة بعد حلول الأجل لا تقبل قال الله تبارك وتعالى (وليست التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) إذاً قولي لأهلك أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار وهؤلاء الموتى الذين تزورونهم أولاً هل تشهدون عليهم بأنهم أولياءٌ لله قد يكونون أولياء لله بحسب الظاهر وباطنهم خراب لا ندري وإذا أحسنا الظن إلى أبعد الحدود فليكونوا من أولياء الله ولكن إذا كانوا من أولياء الله فإنهم جثث هامدة لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يملكون لغيرهم نفعاً ولا ضراً قال الله تعالى (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقال الله تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وقال الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وليعلم أهلك وغيرهم ممن يدعون الأموات أن هؤلاء الأموات لا يستجيبون ولا ينفعون ولا يضرون وأنهم هم بأنفسهم محتاجون لمن يدعو لهم أسأل الله أن ينير قلوبنا بالتوحيد والإخلاص والإيمان إنه على كل شيء قدير.

***

ص: 2

‌تذكر أنها فتاة وبحكم علا قتها بالأسرة والعائلة والأقارب العديد منهم لا يصلى فكيف يكون التعامل معهم علما بأنهم يعلمون أن الصلاة واجبة إنما هو تكاسل فكيف تكون العلاقة معهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: العلاقة مع هؤلاء الذين لا يصلون بتاتاً المناصحة قبل كل شيء بالكلام وبالرسائل وبالأشرطة الدينية فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وإن أبوا إلا أن يكونوا على ما هم عليه وجب هجرهم والبعد عنهم لأنهم في هذه الحال لا حق لهم إذ أن تارك الصلاة مرتد خارج عن الإسلام ليس له حق كما قال الله عز وجل لنوح عليه الصلاة والسلام لما قال (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وكان ابن نوح كافرا قال (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) فهذه الحال هي التي يجب أن تعاملي بها هؤلاء الأقربين.

***

ص: 2

‌يا فضيلة الشيخ ليس في مقدور العائلة ولو كانوا يعرفون أن ابنهم هذا لا يصلى أو لا يأتي بشيء من شعائر الدين لا يستطيعون أن يرموه مثلاً في حفرة أو يذهبوا به من دون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه لأن هذا يحرجهم جداً

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: سبحان الله وما الذي يمنع ما السبب؟ لأن الواجب على العائلة إذا كان من أبنائهم من هو بهذه الصفة، الواجب عليهم أن لا يحبوه، لأنهم إذا أحبوه فقد أحبوا أعداء الله لأن الكافر عدو لله فقد قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فأصلاً يعني العطف أو المودة أو المحبة لمثل هذا الذي هو عدو لله هذا لا يجوز، وهو ينافي الإيمان، وكيف يدعي محبة الله من يحب أعداء الله، هذا لا يمكن.

***

ص: 2

‌ألفاظ وعبارات

ص: 2

‌ما هي العبارة الصحيحة فيما يأتي اللهم أعوذ بك من علمٍ لا ينفع والثاني يقول ناقل الكفر ليس بكافر

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع علم مقيد بهذا أن لا يكون نافعاً وذلك لأن العلم إما نافعٌ وإما ضار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (القرآن حجةٌ لك أو عليك) فالعلم بالشريعة لا يمكن أن يخرج عن أحد هذين الأمرين إما نافعٌ لصاحبه إذا عمل به عملاً وتعليماً ودعوة وإما ضارٌ له إذا لم يقم بواحدٍ من هذه الأمور الثلاثة فقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع كقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ يضر.

فضيلة الشيخ: أيضاً يقول ناقل الكفر ليس بكافر هل هذا صحيح أم لا؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هو إن قصد أنه حديث فليس بحديث وإن قصد أنه كلام لأهل العلم فهذا صحيح أن ناقل الكفر ليس بكافر بمعنى أن الإنسان الذي يحكي قول الكفار لا يكفر وهذا أمرٌ معلوم لأهل العلم وحسب النظر أيضاً فإنك إذا قلت قال فلانٌ إن الله ثالث ثلاثة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يعد ذلك كفراً منك لأنك إنما تحكي قول غيرك.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم ما حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به أيضاً لا بأس به، أي لا بأس به أن يقول فلان غفر الله له إن شاء الله وذلك لأن هذه الجملة تفيد الرجاء وليست خبراً إذ أن الخبر بهذه الصيغة لا يجوز لأنه خبر عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله فلا يجوز الإخبار بأن الله غفر لفلان أو رحم فلاناً أو ما أشبه ذلك لأن هذا لا يعلم إلا بطريق الوحي ولا وحي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هذه الجملة يقصد بها الرجاء أي أرجو إن شاء الله أن يغفر الله لفلان هذا هو معناها عند كل من يتكلم بها.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم من المنطقة الشرقية السائل عبد الرحمن الرويلي يقول كثير من الناس يقولون اللهم إننا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه فما الحكم في ذلك جزاكم الله خيرا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا نرى الدعاء هذا بل نرى أنه محرم وأنه أعظم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت) وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء كما جاء في الحديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع فيكون قاضيا بالشيء وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء والذي يرد القضاء هو الله عز وجل فمثلا الإنسان المريض هل يقول اللهم إني لا أسألك الشفاء ولكني أسألك أن تهون المرض لا بل يقول اللهم إنا نسألك الشفاء فيجزم بطلب المحبوب إليه دون أن يقول يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي فيه خطأ هل الله عز وجل إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة وأن الواجب أن نقول اللهم إني أسألك أن تعافيني أن تشفيني أن ترد علي غائبي وما أشبه ذلك.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول المستمع هذا السؤال ما رأيكم فضيلة الشيخ بقول الداعي في دعائه اللهم لا تعاملنا بعدلك بل عاملنا بعفوك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقول اللهم عاملنا بعفوك وفضلك وأن يدع قوله اللهم لا تعاملنا بعدلك لأنه لا داعي لها وإلا فمن المعلوم لو أن الله عامل الناس بعدله لأهلكهم جميعاً قال الله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) ثم إن الله تعالى لو عامل الإنسان بعدله لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع أعماله التي عملها بل لكانت أعماله الصالحة التي عملها نعمة من الله تستحق المكافأة والشكر كما قيل:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واختصر العمر

فلا داعي أن يقول الداعي اللهم لا تعاملنا بعدلك ولكن عاملنا بفضلك بل نقول قل اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بسوء أفعالنا فإنك ذو الفضل العظيم ونحن ذوو الإساءة ونستغفرك اللهم ونتوب إليك.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل يقول ن. س القحطاني هل من سأل الله عز وجل بقوله اللهم إني أسألك بحق نبيك الذي أرسلت وبحق كتابك الذي أنزلت هل هذا الدعاء صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء غير صحيح لأن حق النبي عليه الصلاة والسلام هل المراد حق النبي عليَّ أو حق النبي على الله أم ماذا لا ندري فهو مبهم فحق النبي على الله عز وجل بل حق كل مسلم موحد أن لا يعذب من لا يشرك بالله شيئا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ (حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) وحق النبي علينا هو توقيره واحترامه وتصديق أخباره وامتثال أمره واجتناب نهيه وكل هذا لا يصح أن يكون وسيلة للعبد لكن يقول اللهم إني أسألك بأني آمنت برسولك واتبعته أن تغفر لي أو ما أشبه ذلك كقول المؤمنين (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) وبهذه المناسبة أود من إخواني المسلمين عموما أن يحرصوا على الأدعية الواردة في القرآن والسنة فإنها خير وهي جامعة ولا يعتري الإنسان فيها شك ولا شك أنها خير من جميع الأدعية التي صنفت بعد والتي تعتمد على السجع وما يثير النفس من البكاء وغيره ويكون بها الإعراض عن الأدعية المشروعة التي جاءت في الكتاب والسنة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج أختكم ن. ع. الأردن عمان تقول دعاء بعض العامة بقولهم الله لا يمتحنا أو الله لا يبتلينا وضحوا لنا ذلك في حكمه مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المحنة والابتلاء معناهما متقارب وتكون في الخير وتكون في الشر قال الله تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ولكن دعاء الناس بقولهم اللهم لا تمتحنا أو لا تبلنا إنما يريدون بذلك الامتحان في الشر والابتلاء في الشر، ولا حرج أن يقول الإنسان اللهم لا تمتحنا بهذا المعنى أو اللهم لا تبلنا بهذا المعنى لأن الإنسان يسأل الله أن لا يبتليه بالشر خوفاً مما إذا وقع الشر لم يستطع الخلاص منه.

***

ص: 2

‌بعض الناس يقولون يا شيخ فلان يا شيخ فلان والشيخ هذا ميت وحينما نقول لهم بأن هذا لا يجوز يقولون نحن لا نقصد دعاء ذلك فما حكم هذا القول مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ما معنى يا شيخ فلان إلا أقول ليس معناه إلا النداء فلا يحل لأحد أن يقول يا شيخ فلان نعم لو أن أحداً أثنى عليه بشيء وقال القائل رحمك الله يا شيخ مثلاً هذا لا بأس به وأما أن يدعوه ويقول يا شيخ أنجني من كذا يا شيخ أعطني كذا فهذا شركٌ أكبر والعياذ بالله.

***

ص: 2

‌أحسن الله إليكم في الآية يقول (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يقول هذا بعض الناس عند سماع خبر أو حادث محزن أو شيء مستغرب هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ

.

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مناسب لأن هذا مما يقال لأهل الجنة لكن إذا سمع حادثاً أو شيئاً مفزعاً فليقل اللهم اجعله سلاماً اللهم الطف بنا في قضائك أو كلمات نحوها.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ هل تصح كلمة المرحوم للأموات مثلاً أن نقول المرحوم فلان أرجو بهذا إفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال قائل وهو يتحدث عن الميت المرحوم أو المغفور له أو ما أشبه ذلك إذا قالها خبراً فإنه لا يجوز لأنه لا يدري هل حصلت له الرحمة أم لم تحصل له والشيء المجهول لا يجوز للإنسان الجزم به ولأن هذا شهادةٌ له بالرحمة أو المغفرة من غير علم والشهادة من غير علم محرمة وأما إذا قال ذلك على وجه الدعاء والرجاء بأن الله تعالى يغفر له ويرحمه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه ولا فرق بين أن تقول المرحوم أو فلانٌ رحمه الله لأن كلتا الكلمتين صالحتان للخبر وصالحتان للدعاء فهو على حسب نية القائل ولا شك أن الذين يقولون فلانٌ مرحوم أو فلانٌ مغفور له لا يريدون بذلك الخبر والشهادة بأن فلانٌ مرحوم ومغفور له وإنما يريدون بذلك الرجاء والتفاؤل والدعاء ولهذا تكون هذه الكلمة ليس فيها حرجٌ ولا بأس.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ حكم الشرع في نظركم في عبارة بالرفاء والبنين للعروسين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا عدول عما جاءت به السنة في التهنئة بالزواج فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رق إنساناً تزوج قال له (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) فلا ينبغي للإنسان العدول عما جاءت به السنة إلى ما كان الناس عليه في الجاهلية وعلى هذا فنقول لمن رق متزوجاً بهذه العبارة بالرفاء والبنين لقد أخطأت حين عدلت عما جاءت به السنة إلى ما كان عليه أهل الجاهلية.

***

ص: 2

‌هل يجوز أن يسمى الإنسان بالعزيز والحكيم والعادل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يسمى الإنسان بهذه الأسماء بشرط أن لا يلاحظ فيها المعنى الذي اشتقت منه بأن تكون مجرد علم فقط ومن أسماء الصحابة الحكم وحكيم بن حزام وكذلك اشتهر بين الناس اسم عادل وليس بمنكر أما إذا لوحظ فيه المعنى الذي اشتقت منه هذه الأسماء فإن الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم أبي الحكم الذي تكنى به لكون قومه يتحاكمون إليه وقال صلى الله عليه وسلم إن الله هو الحكم وإليه الحكم ثم كناه بأكبر أولاده شريح وقال له أنت أبو شريح وذلك أن هذه الكنية التي تكنى بها هذا الرجل لوحظ فيها معنى الاسم فكان هذا مماثلاً لأسماء الله سبحانه وتعالى لأن أسماء الله عز وجل ليست مجرد أعلام بل هي أعلام من حيث دلالاتها على ذات الله سبحانه وتعالى وأوصاف من حيث دلالاتها على المعنى الذي تتضمنه وأما أسماء غيره فإنها مجرد أعلام إلا أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فإنها أعلام وأوصاف وكذلك أسماء كتب الله عز وجل فهي أعلام وأوصاف أيضاً.

***

ص: 2

‌المستمع أيضاً من جمهورية مصر العربية يقول أرى بعضاً من الناس يكتب في خطاباته لأخيه مثلاً أو لوالده فيقول مثلاً والدي العزيز أو أخي القدير أو أختي الكريمة وغير ذلك من أسماء الله الحسنى هل هذا العمل فيه شيء

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا ليس فيه شيء ليس فيه شيء بل هو من الجائز قال الله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف) فهذا دليل على أن مثل هذه الأوصاف تصح لله ولغيره لكن اتصاف الله بها لا يماثله شيء من اتصاف المخلوق بها فإن صفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به وقول القائل لأبيه أو أمه أو صديقه العزيز يعني أنك عزيز عليّ غال عندي وما أشبه ذلك ولا يقصد بها أبداً الصفة التي تكون لله وهي العزة التي لا يقر بها أحد وإنما يريد أنك عزيز عليّ وغالٍ عليّ وما أشبه هذا.

***

ص: 2

‌يقول اسمي محسن وهو من أسماء الله الحسنى وكل من يعرفني يناديني يا محسن ولم أستطع تغييره لأنه مسجل بأوراق رسمية فهل هذا حرام أم مكروه وعلى من يقع الذنب في هذا على من سماني بهذا الاسم أم علي أفيدوني أفادكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المحسن من صفات الله سبحانه وتعالى ولا أعلم أنه ورد من أسمائه فالإحسان صفة فعل الله سبحانه وبحمده ولا يحرم التسمي به ما دام الإنسان قصد مجرد العلمية فإن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يعرف بحكيم ،وحكيم من أسماء الله ومع ذلك ما غيرها النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان هذا الاسم الذي تسميت به أو سميت به مجرد علم فلا حرج عليك في الاستمرار في التسمية به.

***

ص: 2

‌يقول في أحد أسئلته قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك مع أن الله هو الحارث

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: إن التسمي بعبد الحارث فيه نسبة العبودية إلى غير الله عز وجل فإن الحارث هو الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم حارث وكلكم همام) فإذا أضاف الإنسان العبودية إلى المخلوق كان هذا نوعاً من الشرك لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر ولهذا لو سمي رجل بهذا الاسم لوجب أن يغير فيضاف إلى اسم الله سبحانه وتعالى أو يسمى باسم آخر غير مضاف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن واشتهر عند العامة قولهم (خير الأسماء ما حمد وعبد) ونسبتهم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس ذلك بصحيح أي ليست نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ وإنما ورد (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وأما قول السائل في سؤاله مع أن الله هو الحارث فلا أعلم اسماً لله تعالى بهذا اللفظ وإنما يوصف عز وجل بأنه زارع كما في قوله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) .

***

ص: 2

‌المستمعة من السودان تقول قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بعبد الحارث من باب إضافة العبودية للمخلوق لأن الحارث من أوصاف المخلوق قال الله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أصدق الأسماء حارث وهمام) والتعبيد لغير الله تعالى شرك لأن العبودية لا تكون إلا لله وحده فلا يجوز للإنسان أن يسمي ولده معبداً لغير الله قال ابن حزم رحمه الله أجمعوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب يعني فإنهم مختلفون فيه والصحيح أنه لا يجوز التعبيد ولا لعبد المطلب وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنا بن عبد المطلب أنا النبي لا كذب) هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية ولهذا لو قدر أن أحداً له والد معبد لغير الله وكان هذا الوالد لا يمكن تغيير اسمه فإنه يصح أن يقال هو فلان بن عبد فلان أو بن عبد الشيء الفلاني لأن هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية والمعروف عند أهل العلم أن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء.

***

ص: 2

‌هناك أناس يسمون الممرضات ملائكة الرحمة ما حكم هذه التسمية يا شيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه التسمية حرام لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أكرم من أن تطلق أسماؤهم على أسماء نساء ممرضات ثم إن هذا الوصف لا ينطبق على كل ممرضة كم من ممرضة سيئة التمريض لا ترحم مريضا ولا تخاف الخالق عز وجل فالمهم أن إطلاق ملائكة الرحمة على الممرضات محرم لا يجوز بل ولا على الممرضين أيضا أن يطلق عليهم ملائكة الرحمة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول في هذا السؤال هل قول العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية فيه شيء فقد ذكر لي أحد الزملاء بأن ذلك لا يجوز لأنه يخالف السنة والتوحيد ولماذا لا يقال عقيدة المسلمين أو عقيدة أهل السنة مثلا أرجو توضيح ذلك بالتفصيل مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج أن يقال العقيدة الواسطية أو العقيدة الطحاوية لأنها من باب نسبة المصنف إلى مصنفه وليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي أو عقيدة ابن تيمية رحمه الله المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي والعقيدة التي كتبها شيخ الإسلام رحمه الله إجابة لأحد قضاة واسط ولا حرج في ذلك ونظيرها سورة البقرة مثلا ما هي سورة البقرة هي سورة ذكرت فيها البقرة ولهذا لما كان الحجاج يقول السورة التي يقال فيها التي تذكر فيها البقرة السورة التي تذكر فيها النساء بدلا عن سورة البقرة والنساء ردوا عليه فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم سماها سورة البقرة وكذلك سماها الصحابة وسموها سورة النساء وما أشبه ذلك المهم أنه ليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي وهي عقيدة المسلمين وكذلك العقيدة الواسطية.

***

ص: 2

‌هذه رسالة وردتنا من صلاح عبد الرحمن آل عبد الله من الرياض يقول كلمة الأديان السماوية هل يجوز إطلاق هذه الكلمة علماً أننا إذا أطلقناها فقد أقررنا بأن هناك أديان أرضية وهل تدخل هذه الكلمة في باب البدع لأنها لم تؤثر عن المصطفى عليه الصلاة والسلام

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول الأديان السماوية لأن هناك أدياناً أرضية لأن الدين مادان به العبد ربه سواء كان من شريعة الله سبحانه وتعالى أم من شرائع البشر ومن المعلوم أن هناك أناسا يدينون بغير دين شرعي يعتقدون ديانة أن يسجدوا للبقر وأن يسجدوا للصنم وغير ذلك والله تعالى لم يشرع هذا في أي كتاب كان ولا على لسان أي رسول كان وعلى هذا فهذه الديانة التي يدينون بها ليست من شريعة الله فليست سماوية وأما الأديان السماوية فهي التي شرعها الله عز وجل لأنها نزلت من السماء إلا أنه يجب أن يعلم السائل وغيره أن جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي وأنها الآن ليست مما يدان به لله عز وجل لأن الذي شرعها ووضعها ديناً هو الذي نسخها بدين محمد صلى الله عليه وسلم وكما أن النصارى مُقرُّون بأن دين المسيح قد نَسَخَ شيئاً كثيراً من دين موسى عليه الصلاة والسلام وأنه يجب على أتباع موسى عليه الصلاة والسلام أن يتبعوا عيسى فإننا كذلك أيضاً نقول إن الإسلام ملزم للنصارى أن يدينوا به ولجميع الأمم أن يدينوا بالإسلام لأن العبرة للمتأخر فالمتأخر من شريعة الله وقد قال الله تعالى عن عيسى إنه قال لقومه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وهذه البشارة من عيسى عليه الصلاة والسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم تدل على أنه يجب على بني إسرائيل من النصارى واليهود وغيرهم أن يتبعوه إذ أنه لو لم تكن الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم شاملة لهم لم يكن لبشراهم بها فائدة فلولا أنهم ينتفعون من هذه الرسالة باتباعها ما كان لهم فيها فائدة إطلاقاً والمهم أنني أقول يجب أن يعلم السائل وغيره أننا وإن عَبَّرنا بالأديان السماوية فليس معنى ذلك أننا نقر بأنها باقية بل نقول إنها منسوخة بدين واحد فقط هو دين الإسلام وأن الدين القائم الذي يرضى الله تعالى أن يدين به العباد له إنما هو دين الإسلام وحده فقط قال الله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) والله الموفق.

فضيلة الشيخ: على هذه يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية ولكن ليس على أنها الآن ثابتة، إطلاق هذه الكلمة يجوز لكن إذا كان يفهم منها أن هذه الأديان باقية وأنها مرضية عند الله فإنه لا يجوز إطلاقها إلا مقرونة ببيان الحال بأن يقال معنى أنها سماوية يعني أنها مما أنزله الله تعالى على الرسل لكنه نسخ - ماعدا الإسلام - بالإسلام.

فضيلة الشيخ: ولكن هذه الأرضية على غير حق؟

فأجاب رحمه الله تعالى: وحتى الأديان السماوية التي كانت في وقتها حقاً هي الآن منسوخة بالإسلام.

***

ص: 2

‌بعض الناس يسمي مكة المكرمة ببلد الديانات السماوية هل هذا التعبير صحيح

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعبير باطل لأن أنبياء بني إسرائيل الذين من جملتهم موسى وعيسى إنما كانوا في الشام وليسوا في مكة لكن مكة بلد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمدينة مهجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيها أسست الدولة الإسلامية وفيها أقيم علم الجهاد وفيها توطد الدين الإسلامي فمكة مبتدأ البعث والمدينة منتهى البعث يعني منتهى الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا السائل يقول فضيلة الشيخ من الواجب علينا بأنه إذا مر ذكر الصحابي أثناء قراءتنا أننا نقول رضي الله عنه ولكن إذا مر تابعي أو من السلف وقلنا أيضاً رضي الله عنه هل في ذلك حرج

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من الواجب علينا أن نقول كلما مر بنا ذكر صحابيٍ رضي الله عنه هذا ليس من الواجب لكن من حق الصحابة علينا أن ندعو الله لهم كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) أما أن نترضى عنهم كلما ذكر اسم واحدٍ منهم فهذا ليس بواجب والترضي يكون عن الصحابة ويكون عن التابعين ويكون عن تابعي التابعين ويكون عمن كان عابداً لله على الوجه الذي يرضاه إلى يوم القيامة ودليل ذلك قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ذلك لمن خشي ربه إلى يوم القيامة لكن جرت عادة المحدثين رحمهم الله أن يخصوا الصحابة بالترضي عنهم ومن بعدهم بالترحم عليهم فيقولوا في الصحابي رضي الله عنه ويقولون فيمن بعد الصحابة رحمه الله ولكن لو أنك قلت للصحابي رحمه الله وفي غيره رضي الله عنه فلا حرج عليك إلا إذا خشيت أن يتوهم السامع بأن التابعي صحابيٌ والصحابي تابعي فهنا لا بد أن تبين فتقول قال عبد الله بن مسعودٍ وهو من الصحابة رحمه الله أو قال مجاهد وهو من التابعين رضي الله عنه حتى لا يتوهم أحدٌ أن ابن مسعودٍ من التابعين ومجاهداً من الصحابة.

***

ص: 2

‌علي إبراهيم يقول نحن نقول للصحابة رضي الله عنهم لكن التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم هل نقول رضي الله عنهم أو رحمهم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نقول رضي الله عن كل مؤمن كما قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن المعروف عند أهل العلم تخصيص الصحابة رضي الله عنهم بقولهم فيهم رضي الله عنهم وأما من بعد الصحابة من التابعين إلى زمننا هذا يقولون فيهم رحمه الله وإن كان بعض العلماء قد يقول رضي الله عنه في الأئمة الكبار كالإمام أحمد قال الإمام أحمد رضي الله عنه قال الإمام الشافعي رضي الله عنه قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه قال الإمام مالك رضي الله عنه لكن عامة المعروف بين أهل العلم أن الترضي يكون للصحابة والترحم يكون لمن بعدهم وإذا كان هذا هو المعروف المصطلح عليه عند عامة العلماء فإن الإنسان إذا ترضى عن شخص من غير الصحابة أوهم السامع بأن هذا الشخص من الصحابة فينبغي أن نتجنب ذلك أو أن يقول قال فلان وهو من التابعين رضي الله عنه قال فلان وهو من تابعي التابعين رضي الله عنه حتى لا يظن أحد أن هذا من الصحابة.

***

ص: 2

‌يقول هذا السائل هل يجوز أن نقول رضي الله عنه لأي مسلمٍ أم هي خاصة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا هي عامة لكل أحد نسأل الله له الرضا قال الله عز وجل (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن جرى الاصطلاح العرفي بين العلماء أن الترضي يكون على الصحابة فقط والترحم على من بعدهم فيقال عن عمر رضي الله عنه ويقال لعمر بن عبد العزيز رحمه الله ولا يقال رضي الله عنه هذا في الاصطلاح عند العلماء وهو اصطلاحٌ عرفي ليس اصطلاحاً شرعياً بمعنى أنه ليس من إرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقول للصحابة رضي الله عنهم ولغيرهم رحمهم الله بل هذا شيء جرى عليه الناس فلا ينبغي أن يخرج الإنسان عن المألوف لأنه لو قال مثلاً عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لفهم السامع أنه صحابي بناءً على العرف المطرد.

***

ص: 2

‌جزاكم الله خيراً السائلة ف. ق. القحطاني المنطقة الجنوبية تسأل عن بعض العبارات العامية التي تتردد على بعض الألسنة وهل يجوز التلفظ بها مثل (عليك وجه الله أن تعطيني هذا)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز أن تقول عليك وجه الله لأنها تستشفع بالله على خلق الله والله تعالى أعظم وأجل من أن يستشفع به على خلقه فلا يحل لها هذا اللفظ.

فضيلة الشيخ: قول (الله لا يستحي منك) .

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أيضاً فإنه قد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا) نعم إذا قالت إن الله لا يستحي من الحق فهذا حق ولا بأس به.

فضيلة الشيخ: قول (يا وجه الله) عند التعب والنصب والغضب.

فأجاب رحمه الله تعالى: ما يجوز يجب أن تقول يا ألله لا يا وجه الله يعني إذا قال يا وجه الله فمعنى هذا أنها دعت الصفة منفردةً عن موصوفها وهذا حرام.

فضيلة الشيخ: تقول السائلة وكذلك أقول عند الغضب من والدي (حسبي الله) .

فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان إذا ظلم أن يقول حسبي الله كما قال الله عز وجل (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يردد بعض العامة (يا هادي)(يا دليل)(لا سمح الله)(لا قدر الله) فما الحكم أيضاً في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما (يا هادي يا دليل) فهذه من أوصاف الله عز وجل فهو يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم وهداية الله تعالى نوعان هداية دلالة وهداية توفيق فإذا قال يا هادي يا دليل فالمعنى متقارب أو واحد وهو ينادي الله تعالى بوصفه لا باسمه وأما (لا سمح الله) فهي كلمةٌ لا ينبغي أن تقال لأن ظاهرها يقتضي أن الله سبحانه وتعالى له مكره على أن يسمح أو لا يسمح وأما قوله (لا قدر الله) فهي عبارةٌ صحيحة ومعناها الدعاء يعني أن الإنسان يسأل أن لا يقدر الله ذلك ولو أن الذين يستعملون لا سمح الله يجعلون بدلها لا قدر الله لكان ذلك جائزاً ولا شبهة فيه ولا كراهة فيه لكن لا سمح الله ينبغي أن يعدل عنها لأنها توهم معنىً لا يليق بالله سبحانه وتعالى فيعدل عنها إلى قوله لا قدر الله.

***

ص: 2

‌يقول بأنه يسمع من الإخوة في الندوات الطيبة الدينية قولهم الحمد لله وكفى فأرجو التكرم بتوضيح هذه العبارة عن كلمة (وكفى) مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قولهم الحمد لله وكفى يعني أن الله تعالى كافٍ عبده كما قال الله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه شؤونه وأموره فالفاعل في قوله وكفى هو الله عز وجل وليس معنى قوله وكفى أي كفى قولي بل المعنى الحمد لله وكفى الله أي إن الله تعالى كافٍ عبده كما في الآيات التي قال الله فيها (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) .

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يقول عبارة (حمل إلى مثواه الأخير) هل في هذه العبارة شيء يا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه فيها الشيء الكثير لو كان الناس يفهمون معناها وأرادوها، لأن قول القائل إنه حمل إلى مثواه الأخير يفيد أن القبر هو آخر مرحلة وآخر منزلةٍ للإنسان وليس الأمر كذلك بل إن القبر يعتبر ممراً ومزاراً والمثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار وهذه العبارة لو أخذنا بظاهرها لكانت تتضمن إنكار البعث وإنكار البعث كفر لأن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره لكن غالب الناس يطلقها وهو لا يدري ما معناها أو يريد ما يفهمه المسلمون كلهم من أن هذه القبور ممرٌ وزيارة وليست مثوىً أخيرا ولذلك نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يطلقها حتى وإن كان يريد بها ما يعلمه المؤمنون بالضرورة من الدين وهو أنه لا بد من البعث ولا بد من الخروج من هذه المقابر وأنا قلت إن المقابر مزار لقول الله تبارك وتعالى (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يذكر أن أعرابيا سمع قارئاً يقرأ بهذه الآية يقول (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فقال الأعرابي والله ما الزائر بمقيم والله إن هناك شيئاً وراء هذه المقابر.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردتنا من الجمهورية العراقية محافظة التأميم بعث بها أحد السادة من هناك يقول إنني عسكري وموجود عندنا كلمة سيدي للعسكري الضابط تتكرر في اليوم عدة مرات فهل يوجد سيد عدا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وهل يمُّسنا ذنب أم لا نرجو التوضيح وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: السيد على سبيل الإطلاق هو الله عز وجل وأما السيد مضافاً فإنه يصح لأنه يكون سيادة خاصة بشرط أن يكون المقول له ذلك أهلاً للسيادة فيجوز مثلاً أن يقول الإنسان لأبيه هذا سيدي ولأخيه الكبير هذا سيدي ويقول العبد لمالكه هذا سيدي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (وليقل سيدي ومولاي) وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام للأوس حين أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه (قوموا إلى سيدكم) فالمهم أن الإنسان يجوز له أن يصف من هو أهل للسيادة بأنه سيده أما إذا كان هذا المقول له ليس أهلاً للسيادة لكونه فاسقاً أو كافراً فإنه لا يستحق ولا ينبغي للمسلم أن يقول له سيدي لأن هذا إذلال للمسلم والمسلم يعلو بإسلامه على غيره من بني البشر.

***

ص: 2

‌هذا مستمع للبرنامج سعيد صالح يقول في هذا السؤال درج على كثير من ألسنة الناس عبارة (شورك وهداية الله) تقال هذه العبارة عندما يتشاور بعض الناس في شيء ماذا تقولون في هذا فضيلة الشيخ

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أقول في هذا إن مقصود السائل أنه يستشير هذا الرجل ويسأل الله الهداية فكأنه قال أنا أنتظر مشورتك وآمل هداية الله عز وجل وهذا المعنى لا بأس فيه ولا حرج فيه فالإنسان يستهدي ربه ويسأله الهداية ويشاور إخوانه بما يشكل عليه ولكن الذي ينبغي أن يبدأ بهداية الله أولاً فيقول هداية الله وشورك أي مشورتك وإن فصل بثم فهو أولى وأحسن فيقول هُدى الله ثم مشورتك.

***

ص: 2

‌حفظكم الله هذه السائلة جواهر س. م. م. من الأفلاج تقول هل يجوز أن نقول كلمة شكراً لمن عمل لصاحبه معروفاً أم أنها من خصائص الله عز وجل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن نقول لمن أسدى إلينا معروفاً شكراً أو شكر الله إليك أو ما أشبه ذلك قال الله تعالى (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فأثبت الله الشكر له وللوالدين لكن خيرٌ منها أن تقول له جزاك الله خيراً لأن هذا الذي وردت به السنة وشكراً ماذا يستفيد منها الذي أسدى المعروف لا يستفيد شيئاً إلا أن الذي حصل له المعروف يتشكر من هذا فقط لكن إذا قال جزاك الله خيراً أو جزاك عني خيراً صارت في هذا فائدة للطرفين للمسدي المعروف وللمسدى إليه.

***

ص: 2

‌يقول بعض العامة عساك تبارك ما حكم هذه العبارة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما يريدون بها والعامة إذا قالوا عساك تبارك معناه أنهم يسألون الله تعالى أن ينزل فيه البركة وليسوا يقصدون بها المعنى الذي اختص الله به في قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً)(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) وما أشبهها إنما يريدون بذلك سؤال الله أن ينزل في هذا البركة.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم هذا المستمع محمد أ. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذه العبارات (من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا) ثانياً (رب صدفة خير من ميعاد) وثالثاً (هذا اليوم نحس) نرجو بهذا إفادة مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما العبارة الأولى وهي قول القائل من حسن الطالع كذا وكذا فإن هذا يعبر به أصحاب النجوم الذين يعتمدون في تقدير النحس والخير للمرء على طوالع النجوم وهي عبارة لا ينبغي للإنسان أن يقولها بل هي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة وأما قول القائل ورب صدفة خير من ميعاد فلا بأس بها لأن وصف الشيء بالصدفة إذا كان من فعل الإنسان لا بأس به لأن الإنسان تأتيه الأمور بالمصادفة لا يقدر لها تقديراً ولا يحسب لها حسباناً وأما بالنسبة لفعل الله فإنه لا يجوز إضافة الصدفة إلى فعل الله لأن الله تعالى يعلم ما يفعله جل وعلا من قبل أن يفعله وهو على صراط مستقيم في كل ما يفعله سبحانه وتعالى فصارت الصدفة إن أضيفت إلى فعل العبد وحال العبد فلا بأس بها وإن أضيفت إلى الله عز وجل فإنها لا تجوز وأما العبارة الثالثة وهي هذا يوم النحس فلا بأس به إذا لم يقصد السب والعيب وإنما قصد الإخبار لقول لوط عليه الصلاة والسلام لما جاءته الملائكة (وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) فوصف الأيام بما تستحقه من وصف إذا لم يكن على سبيل الذم والتقبيح لا بأس به لأن هذا خبر والخبر عن الواقع حق، لعل الاقرب منه الاستشهاد بقوله تعالى:(إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر) ] القمر:19 [

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ هذا المستمع فهد بن علي الصعب يقول في هذا السؤال يوجد أناس يقولون بعض الكلمات ولا نعلم عن جوازها وحرمتها مثلاً شخص يبحث عن زميل له فلما وجده قال له (ما صدقت على الله إني أجدك)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكلمة لا بأس بها لأن معناها ما ظننت أنني أجدك ولم يقل إني ما صدقت الله بل يقول ما صدقت على الله أي إنني ما ظننت أن هذا يقع ومادام هذا هو المراد فإن التعبير إذا لم يكن فيه محذور شرعي بنفسه يكون جائزاً فالذي نرى أن هذه العبارة لا بأس بها ولا حرج فيها لأن المقصود منها واضح وهي في تركيبها لا تدل على معنى فاسد

***

ص: 2

‌ما هي صلاة الإشراق وما حكم قول البعض (ما صدقت على الله إني حصلت كذا وكذا)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإشراق هي التي يصلىها الإنسان إذا أشرقت الشمس يعني ارتفعت وبرزت وظهرت وهي ما يعرف بصلاة الضحى ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح ويساوي اثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة بعد طلوع الشمس إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق كل هذا وقت صلاة الاشراق أو صلاة الضحى وأما قول القائل ما صدقت على الله كذا وكذا فالمعنى ما ظننت أن الله تعالى يقدره وهي كلمة لا بأس بها لأن المقصود باللفظ هو المعنى وهذا اللفظ نعلم من استعمال الناس له أنهم لا يريدون أنهم لم يصدقوا الله أبداً والله تعالى لم يخبر بشيء حتى يقولوا صدقوه أو لم يصدقوه ولكن يظن أن الله لا يقدر هذا الشيء فيقول ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا أي ما ظننت أن الله يقدر هذا الشيء والعبرة في الألفاظ بمعانيها ومقاصدها.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم يسأل عن عبارة (أنا على باب الله)

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العبارة يطلقها بعض الناس يريد أن يبين أنه ليس عنده شيء من هذا الذي سئل عنه مثل أن يقال له هل عندك مال فيقول أنا على باب الله أو هل تعرف كذا أو هل أنت طالب علم فيقول أنا على باب الله هل أنت متزوج فيقول أنا على باب الله يعني ليس عندي شيء ولكني أسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي هذا، هذا هو معنى العبارة عند الناس وليس فيها شيء.

***

ص: 2

‌مستمع للبرنامج يقول بعض الناس فضيلة الشيخ يلزمون الضيف لوجه الله مثل (عليك وجه الله أن تأخذ واجبك عندي) إلى غير ذلك ما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه الأقوال

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان في معاملته إخوانه أن لا يحرجهم فيما يريد أن يكرمهم به فإن إكرام المرء حقيقة أن تيسِّر له الأمر وأن تمهله وألا تثقل عليه بالتلزيم أو بالإلزام والمبالغة في الإكرام إهانة وكم من إنسان حصل له مثل هذه الحال أي أنه ألزم أو لزم عليه بالشيء يفعله أو يدعه فيقع في حرج وربما تضرر بموافقة صاحبه الذي ألزمه أو لزم عليه ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يحرج أخاه فيوقعه في الحرج بمثل هذه الأمور بل يعرض عليه الأمر عرضاً فإن وافق فذاك وإن لم يوافق فهو أدرى بنفسه وأعلم ،وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن الرجل إذا علم أن المهدي أو الواهب له قد أهداه أو وهبه شيئاًَ حياء وخجلاً لا مروءة وطوعاً فإنه يحرم عليه قبول هديته أو هبته فكذلك هذا الرجل الذي ألزم صاحبه أو لزم عليه قد يكون أثم بإحراج أخيه وشر من ذلك بما يقع من بعض الناس بطريقة التلزيم أو الإلزام حيث يحلف بالطلاق فيقول علي الطلاق أن تفعل كذا أو أن لا تفعل كذا أو ما أشبه ذلك وحينئذ يقع في حرج في نفسه وإحراج لغيره فقد يمتنع صاحبه عن موافقته فيقع هذا الذي حلف بالطلاق في حرج وربما يفتى بما عليه جمهور أهل العلم من أن زوجته تطلق إذا تخلف الشرط وربما تكون هذه الطلقة هي آخر ثلاث تطليقات فتبين بها المرأة والمهم أن الذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يشقوا على غيرهم ويوقعوهم في الحرج بل يعرضوا الإكرام عرضاً فإن وفقوا فذاك وإلا فليدعوا الإنسان في سعة أما بالنسبة للسؤال بوجه الله عز وجل فإن وجه الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله عز وجل كوسيلة يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال أي لا يقول وجه الله عليك أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك.

***

ص: 2

‌أنا أحب مشاهدة المصارعة الحرة لأنها ترفه عني وتذهب الملل عن نفسي وكنا سابقاً نقضي بعض الوقت في السباق والرحلات والصيد وقد تعقدت الآن أمور المعيشة فأصبحنا لا نملك الوقت الكافي للعمل واللهو المباح ونظراً إلى أني لا أملك جهاز تلفاز فإني أذهب في وقت المصارعة إلى أحد المنتزهات أو المقاهي لمشاهدتها وذات مرة جاء أحد المصارعين بحركات مثيرة لجمهور المشاهدين فأخذوا يتصايحون تشجيعاً لهم فإذا بأحدهم يقول يا حبيب النبي استر عليه يا رب يا رب خليه وسؤالي هو هل يجوز إطلاق كلمة يا حبيب النبي لشخص غير مسلم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة قبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن ننصح الأخ وغيره من المستمعين إلى أن يعرفوا أن الوقت ثمين وأن الإنسان إنما خلق لعبادة الله عز وجل ولا ينبغي أن يضيع وقته في مثل هذه المشاهدات التي لا تعينه على طاعة الله ولا تكسبه مصلحةً في دنياه وإنما هي مضيعة وقت لا سيما إذا كانت في منتزهاتٍ عامة فإن الغالب أن هذه المنتزهات العامة لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم هذا حسب ما نظن أنها لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم من أغاني وكلامٍ فاحش بذيء ومن شرب دخانٍ أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يجوز للإنسان الجلوس للمتلبسين بها فننصحه أن يراجع الكتب النافعة القيمة ما دام إنسانا صاحب جدٍ وعمل وكذلك يراجع بعض الصحف التي تبحث في أمورٍ نافعة أو التي فيها أخبار يطلع الإنسان فيها على أحوال المسلمين وما أشبه ذلك وأما إطلاق حبيب النبي على رجلٍ لا يعرف أهو مسلمٌ أو كافر فإنه لا ينبغي إذا علم أنه كافر لا يجوز إطلاقاً وإذا عرف أنه مسلم فهذا يجوز إذا كان هذا المسلم ملتزماً بإسلامه حقيقةً وإذا كان مشكوكاً فيه والغالب أن الذين يتصارعون هذه المصارعة الحرة الغالب أنهم يكونون غير مسلمين فلا ينبغي إطلاق هذا في قومٍ تجهل حالهم لأن حبيب النبي من كان حبيباً لله عز وجل والله تعالى إنما يحب المؤمنين والمتقين والمحسنين وغيرهم ممن علق الله محبته بما يتصفون به من صفاتٍ يحبها الله.

ص: 2

‌فرق وملل

ص: 2

‌هذا السائل أبو عبد الله يقول نعرف أن هناك بدعاً منحرفة مثل الخوارج والمعتزلة فما هو الضابط الذي نعرف به الفرقة الخارجة عن الإسلام

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: البدع أنواع منها ما يخرج من الإسلام ومنها مالا يخرج والضابط الرجوع إلى الكتاب والسنة فما دل القرآن والسنة على أنه بدعة مكفرة كالذي يعتقد أن من أوليائه من يدبر الكون وينزل المطر ويدخل الجنة وينجي من النار وما أشبه ذلك هذا بدعته مكفرة ولا ينفعه إلا أن يتوب منها قبل أن يموت وبعض البدع لا تصل إلى حد الكفر بل تكون شركاً أصغراً أو كبيرة من كبائر الذنوب أو معصية من المعاصي لكن البدع خطيرة كلها.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ من هم المعتزلة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: المعتزلة هم طائفة مبتدعة يقولون في الله وفي كلام الله وفي أفعال الله ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة ورئيسهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وسموا معتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري حيث كان يقرر أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فاعتزلوا هذا المجلس مجلس الحسن البصري وقالوا بقولتهم المشهورة إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين فليس مؤمنا وليس كافرا لكنه مع ذلك مخلد في النار فهم يلتقون بالخوارج في القول بأن فاعل الكبيرة مخلد في النار لكن الخوارج يصرحون بأنه كافر خارج عن الإسلام وهؤلاء يصرحون بأنه خارج عن الإسلام لكنهم لا يجرؤون أن يقولوا إنه كافر بل يقولون إنه في منزلة بين منزلتين فأثبتوا هذه المنزلة المخالفة لكلام الله عز وجل حيث قال تبارك وتعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وليس هناك قسم ثالث ليس بكافر ولا مؤمن إلا على قول هؤلاء المعتزلة الذين ابتدعوا في دين الله وشريعته ما ليس منها.

***

ص: 2

‌أسعد أ. أسوريا يقول من هم الصابئة هل هم الذين خرجوا عن دين الله أو من دين الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف فيهم العلماء رحمهم الله قيل إن الصابئة على دين خرجوا عن دين قومهم وقيل إن الصابئة من لا دين لهم ولم يتحرَ عندي أي القولين أصح فالله أعلم.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائل م. ح. ج. يقول فضيلة الشيخ نقرأ ونسمع عن أهل الكلام والمتفلسفة عن كثيرٍ من العلماء فمن هم هؤلاء وما هو الكلام المنسوب إليهم أرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرا

فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في هذا أن أهل الكلام هم الذين اعتمدوا في إثبات العقيدة على العقل وقالوا إن ما اقتضى العقل إثباته من صفات الله عز وجل والعقيدة فهو ثابت وما لم يقتضِ العقل إثباته فإنه لا يثبت ويسلكون في ذلك إحدى طريقين فإن كان يمكنهم الطعن في هذا الدليل أي في ثبوت هذا الدليل طعنوا فيه فلو كان هناك حديث يدل على صفةٍ من صفات الله وهم لا يثبتونها حاولوا أن يطعنوا في الحديث حتى يقولوا إنه غير صحيح ولا يعتمد على غير الصحيح والطريق الثاني إذا صح الدليل من حيث الثبوت حاولوا إنكاره من حيث التأويل فأولوه بأنواعٍ من التأويلات الباردة التي لا تغني من الحق شيئاً فمثلاً هناك مبتدعة لا يثبتون أن الله تعالى موصوفٌ بالرحمة ومعلومٌ أن القرآن مملوءٌ من هذه الصفة لله عز وجل مثل قوله تعالى (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) ومثل قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) والآيات في هذا كثيرة فيقولون أن الله تعالى ليس له رحمة ولا يجوز أن يوصف بالرحمة والمراد برحمة الله تعالى إحسانه إلى الخلق فقط فيفسرون هذه الصفة بآثارها دون اتصاف الله تعالى بها أو يقولون المراد بالرحمة إرادة الإحسان إلى الخلق ومعلومٌ أن إرادة الإحسان ثمرةٌ من ثمرات الرحمة فهؤلاء لا يمكنهم إنكار رحمته من حيث الثبوت لكن انكروها من حيث التأويل وقالوا المراد بها كذا وكذا وكذلك قالوا في قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ) أن المراد جاء أمر الله لأن الله تعالى لا يمكن أن يأتي فلا يمكنهم أن يردوا هذا الدليل من حيث الثبوت لأنه في القرآن لكنهم حاولوا رده من حيث التأويل وقالوا (وَجَاءَ رَبُّكَ) أي جاء أمر ربك ولا شك أن التأويل الذي لا دليل عليه يسمى تحريفاً هذا هو الأحق به لأنه صرف كلام الله ورسوله إلى غير ما أراد الله ورسوله فيكون ذلك تحريفاً للكلم عن مواضعه فالمتكلمون هم الذي أثبتوا عقائدهم فيما يتعلق بالله تعالى وفي أمور الغيب بالعقول لا بالمنقول أما المتفلسفة فهم الذين انتحلوا ملة الفلسفة الموروثة عن اليونان والفرس ونحوهم وهي أيضاً بعيدةً من الحق لكن ما وافق الحق منها فهو حق ولا ينبغي أن ينسب إلى آراء هؤلاء المتفلسفة بل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وما كان منها باطلاً فلا خير فيه.

***

ص: 2

‌المستمع أحمد محمد حسن مصري أرسل برسالة يقول فيها نسأل عن الناس الذين يعطون الناس العهود مثل الطرق الشاذلية والصوفية والرفاعية والبيومية ويقيمون الأذكار في موالد أولياء الله الصالحين مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي والكثير من أولياء الله الصالحين فما حكم الشرع في نظركم في ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه الطرق وغيرها من الطرق والنحل والمذاهب أنه يجب تعرض على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان منها حقاً قبل وما كان منها باطلاً وجب رده وعدم الاعتماد عليه والتمسك به وهذه الطرق التي عددها السائل تنبني على ما أشرنا إليه من وجوب عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا اشتملت هذه الطرق على دعاء الأولياء وتقديم محبتهم على محبة الله ورسوله والتعلق بهم ودعائهم كان ذلك داخلاً في الشرك وقد يكون شركاًَ أكبر مخرجاً عن الملة فلا ينتفعون بهذه الطرق وإن نصيحتي لهم ولغيرهم أن يرجعوا في أمرهم وشؤون دينهم إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن ذلك هو الخير وهو الذي ينفعهم عند الله وأما هذه الأمور التي يتعلقون بها فإنها لا أصل لها.

***

ص: 2

‌ماهو موقف الإسلام من الصوفية

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الصوفية كلمة قيل إنها مشتقة من الصفا وقيل إنها مشتقة من الصفوة وقيل إنها مشتقة من الصوف وهو الأقرب لأنهم كانوا إبان ظهورهم يرتدون الألبسة من الصوف تقشفاً وتزهداً والصوفية لها طرق متعددة تصل بهم أحياناً إلى الكفر الصريح حيث إنهم يصلون إلى القول بوحدة الوجود وأنهم لا يشاهدون إلا الرب ويعتقدون أن كل شيء مشاهد من آيات الله تبارك وتعالى فإنه هو الله ولا شك أن هذا كفر صريح ومنهم من يشذ عن الإسلام دون ذلك وهم على درجات متفاوتة وأنا أنصح السائل أن يقرأ كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله لأنه بين في هذا الكتاب ما كان عليه الصوفية الذين يدَّعون أنهم أهل الصفاء والمعرفة بالله عز وجل وهم في الحقيقة أجهل الناس بالله لأن أعلم الناس بالله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه الراشدون في هذه الأمة ثم التابعون لهم بإحسان هؤلاء هم أعرف الناس وكل من سلك سبيلاً غير سبيلهم فإن فيه من الجهل بالله بمقدار ما نأى به عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

***

ص: 2

‌بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها عندنا الكثير من كتب التصوف فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في التصوف كغيره مما ابتدع في الإسلام ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فالتصوف المخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة وضلالة يجب على المسلم أن يبتعد عنها وأن يأخذ طريق سيره إلى الله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها، ومن المعلوم أن النظر في كتب الصوفية وغيرها من البدع من أجل أن يعرف الإنسان ما عندهم حتى يرد عليهم، من المعلوم أن هذا أمر مرغوب فيه إذا أمن الإنسان على نفسه من أن ينحرف من هذه الكتب.

***

ص: 2

‌المستمع نظام الدين باكستاني يقول ما قولكم فضيلة الشيخ في التصوف والصوفية مع العلم أن التاريخ الإسلامي قد حفظ لنا من خريجي التصوف من غير حصرٍ رجالاً لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وهذه حقيقة لا تحتاج إلى مزيدٍ من البحث فنرجو منكم الإجابة حول هذا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: (فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار) لعل هذه الخطبة كافيةٌ في الجواب عن هذا السؤال وذلك أن الطريق الصوفي طريقٌ مبتدع ما أنزل الله به من سلطان فليس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة المهديون وهو أي الطريق الصوفي على درجاتٍ متفاوتة منها ما يوصل إلى الكفر الصريح ومنها ما يوصل إلى الفسق ومع ذلك فهو يتفاوت تفاوتاً كبيراً ولا يمكن أن نحكم عليه حكماً عاماً يشمل جميع درجاته ولكني أقول بدلاً من أن يتعب الإنسان نفسه في هذا الطريق الصوفي وتصوره والعمل بمصطلحاته ليتعب نفسه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والأئمة المهديين حتى يتبين له الحق ويتبعه ويعبد الله على علم وبصيرة لأن الطريقة الصوفية مبنية إما على جهل بالشريعة فتكون عماً وضلالاً وإما على إصرارٍ وعناد فتكون استكباراً واستنكافاً فكل ذلك لا يرضاه المسلم في دينه وإنني أشير بل أنصح أخي السائل أن يتجنب هذا الطريق وأن ينظر إلى الطريق السليم المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفيه كفاية وهداية وما سواه من الطرق فإنه ضلالٌ وعماية نسأل الله السلامة.

***

ص: 2

‌يا شيخنا الفاضل كثرت الفرق الضالة في زماننا هذا ومن هذه الفرق الضالة الصوفية والتجانية حيث أن لها أنصاراً يدعون أنهم على طريقة صحيحة وأنهم على حق نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة هذه الطرق الباطلة وإبانة الحق لأولئك المنخدعين والمغرورين بهذه الطرق الضالة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن الجواب على هذا السؤال مأخوذ مما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته أعني خطبة الجمعةكان يقول في خطبته (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وللنسائي (وكل ضلالة في النار) . فهذه الطرق التي أشار إليها السائل وغيرها من الطرق الأخرى هل تنطبق على هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو لا تنطبق فإن كانت منطبقة فهي صحيحة وهي خير الهدي وهي الطريق الموصل إلى الله عز وجل وهي الهدى والشفاء والصلاح والإصلاح والاستقامة وإن كانت مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فهي ضلال وشقاء على أصحابها وعذاب عليهم لا يستفيدون منها إلا التعب في الدنيا والعذاب في الآخرة وكلما كانت أشد مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر ضلالاً وقد تصل بعض هذه الطرق إلى الكفر البواح مثل أولئك الذين يقولون إنهم:وصلوا إلى حد يعلمون به الغيب أو أن أولياءهم يعلمون الغيب أو أن فلانا ينجي من الشدائد أو يجلب الخير أو ينزل الغيث أو ما أشبه ذلك ما يدعى لهؤلاء الذين يزعمون أنهم أولياؤهم وأئمتهم فإن الله عز وجل يقول في كتابه (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ) فمن ادعى أن أحداً يعلم الغيب فقد كذب هذه الآية الكريمة فمن ادعى أنه يعلم الغيب أو أن أحداً من الناس يعلم الغيب فقد كذب بهذه الآية الكريمة ويقول الله تعالى آمراً نبيه أن يعلن للملأ أن يقول (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وفي قوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) دليل على أنه صلى الله عليه وسلم عبد مأمور وقد كان صلى الله عليه وسلم كذلك أنه أعظم الناس عبودية لله وأتقاهم له وأقومهم بدين الله صلوات الله وسلامه عليه ويقول الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم آمراً إياه (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) فإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن دونه من الخلق بل ما بالك بمن ادعى أنهم أولياء وأنهم هداة وهم في الحقيقة أعداء وضلال وطغاة وبغاة فنصيحتي لهؤلاء ولغيرهم ممن خرجوا ببدعهم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي هي تفسير للقرآن وبيان له وليرجعوا إلى هديه صلوات الله وسلامه عليه الذي هو تطبيق لشريعة الله تماماً وإلى هدي الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أما هذه الطرق وهذه البدع المخالفة لدين الله فإنها ضلال مهما اطمأن إليها قلب الإنسان ومهما انشرح صدره بها ومهما زينت له فإن العمل السيئ قد يزين للإنسان كما قال الله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وقد ينشرح الصدر للكفر كما قال الله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فلا يقولن أصحاب هذه البدع إن صدورنا تنشرح بهذه البدع وإن قلوبنا تطمئن لأن هذا ليس بمقياس ولكن المقياس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه الراشدون من الحق والهدى ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتبعه وأن نتبع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فقال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) وهم أعني أصحاب هذه البدع سواء كانت في الطرق والمنهاج أم في العقيدة هم إذا رجعوا إلى الحق سيجدون سروراً للنفس ونعيماً للقلب وسلوكاً جامعاً بين القيام بحق الله وحق النفس وحق العباد أفضل مما هم عليه بكثير وسيتبين لهم أن ما كانوا عليه من قبل شر وضلال ومحنة وعذاب.

***

ص: 2

‌لقد زعم بعض الصوفية أن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ) الآية وقالوا أيضاً لولا أن أباهما كان صالحاً ما خرج الكنز وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته فضيلة الشيخ أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ونرجو الرد ورد دعوى الصوفية الباطلة التي أضلت العباد شيخ محمد أيضاً في ملحوظة في نهاية رسالته يقول نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ وبرنامجكم هذا له الدور العظيم في الإنقاذ وكثيراً من الأسر اتجهت إليه نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله عز وجل فنقول إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير ولكنه مفتقر لإخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم والقسم الثاني من أصحاب القبور من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدَّعون أنهم أولياء ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك ومعروفون أنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء العباد بأصحاب هذه القبور وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله عز وجل فإنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ولا يكشف السوء إلا الله قال الله (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ونصيحتي لهم أيضاً ألا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله تعالى في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً لقول الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليعلم أن الله عز وجل قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور قد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله عز وجل لهذا الرجل لأننا نعلم بأن هذا القبر لا يجيب الدعاء وإن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع، نعلم ذلك لقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً ونقول إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء وبين حصول الشيء عند الشيء لأننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً في جلب النفع أو دفع الضرر في الآيات الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه ولكن قد يحصل هذا الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً والله تعالى قد يبتلي إنساناً بأسباب المعصية ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا نجعل شبكة نضعها في يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله تعالى قردة خاسئين قال الله تعالى (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وقال عز وجل (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الأسباب أو كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها ولكنهم والعياذ بالله لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله فلننظر لما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم رضي الله عنهم لم يجرؤوا على شيء منها فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كانت الصيود العادية الطائرة في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله عز وجل فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود وهكذا يجب على المرء إذا هيأ الله له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عز وجل وألا يقدم على هذا الفعل المحرم وأن يعلم أن تيسير الله له أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين.

***

ص: 2

‌يقول الصوفية في زعمهم أن الأولياء تنكشف عنهم الحجب ويتلقون علماً مباشراً من الله يسمونه العلم اللدني وعندما عارضناهم استشهدوا بما رآه عمر بن الخطاب وهو على المنبر من بعض سراياه وهو في ميدان القتال وحذرهم من الجبل الذي كان خلفهم وأن العلم الإلهي الذي يأتيهم هو مما يختص الله بعض عباده به

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول كل إنسانٍ يدعي علم الغيب فإنه كافر وكل إنسان يصدقه في ذلك فإنه كافر لأن الله تعالى يقول (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وغيب الله تبارك وتعالى لم يطلع عليه أحداً إلا من ارتضى من رسول كما قال الله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَاّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) وهؤلاء الأولياء الذين يزعمون ليسوا برسل وليسوا أيضاً بأولياء لله ما داموا يَّدعون ما يكون فيه تكذيبٌ للقرآن لأن ولي الله هو من جمع الوصفين اللذين ذكرهما الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء الذين يسمونهم أولياء إذا ادعوا علم الغيب فليسوا بأولياء بل هم أعداءٌ لله لأنهم مكذبون له ولما ثبت من شريعة رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأما احتجاجهم بما أكرم الله به أمير المؤمنين رضي الله عنه فهذه ليست من أمور الغيب لأن هذا أمرٌ محسوس مشاهد لكنه بعيدٌ عن مكان عمر فكشفه الله له فليس هذا من باب علم الغيب لكنه من باب الأمور التي يُطلْع الله عليها من يشاء وهي أمورٌ واقعة ثم إن أمير المؤمنين رضي الله عنه لا شك أنه من أولياء الله لاجتماع الوصفين فيه الإيمان والتقوى لكن هؤلاء الأولياء الذين يدعون الولاية وهم منها براء هؤلاء لا يُصّدقون ثم إن قُدّر أنهم أخبروا بخبر ووقع الأمر كما أخبروا به فإنما هم من أخوان الكهان إن لم يكونوا كهاناً تنزل عليهم الشياطين فيخبرونهم بالخبر ويكذبون معه ما شاؤوا من الكذبات.

***

ص: 2

‌فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة وردتنا من السودان من المرسل عمر عثمان بود مدني تاجر بالسوق يقول أولاً مسألة الطرق وكثرة مشايخها مما تجعل الإنسان يعيش في حيرةٍ من أمره فهل لهذه الطرق داع أو أن الإنسان إذا كان على مذهبٍ من المذاهب الأربعة لا يلزمه الاهتمام بهذه الطرق أفتونا جزاكم الله عنا خيرا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نحمد الله تعالى أننا لا نعيش مع هذه الطرق ومشايخها ونسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين الثبات على الحق أما فيما يتعلق بسؤال الأخ فإني أتلو عليه آية من القرآن تبين صحة هذه الطرق أو بطلانها يقول الله تبارك وتعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) صراطٌ واحد؛ (صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) والسبل جمع سبيل بمعنى طريق والمراد بها كل ما خالف طريق الله عز وجل فإنه طريقٌ منهيٌ عنه داخلٌ في عموم قوله السبل ثم قال (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه الطرق التي يشير إليها السائل يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين فإن وافقتها فهي حق وإن خالفتها فهي باطلٌ يجب ردها مهما كان الشيخ الذي يقول بها ومهما كانت شعبيته ومهما كان أتباعه ولا تغتر أيها السائل بكثرة التابعين لهؤلاء المشايخ لأن الله يقول (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ) وقولك إنه يلزم واحداً من المذاهب الأربعة الحقيقة أن الإسلام مذهبٌ واحد وأن هذه المذاهب الأربعة التي إئتم بها من إئتم من الناس هي عبارة عن أقوال مجتهدين يتحرّون بذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليست طرقاً مستقلةً عن الدين الإسلامي إذ لو كانت كذلك لم يكن بينها وبين أصحاب الطرق الذين ذكرت عنهم فَرْق ولكنهم يتحرون موافقة الكتاب والسنة ويدعون إلى اتباع الكتاب والسنة وإن خالف ذلك أقوالهم فأنت يجب عليك إذا أردت النصح لنفسك وإستقامة دينك أن تبحث عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وأن تقيس ما عليه هؤلاء المشايخ وما عليه غيرهم أيضاً تقيسه بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

***

ص: 2

‌أنا أسلك طريقة صوفية ولا أعتقد في الشيخ أي اعتقاد يخالف الشريعة وكل الأمر أنني أرى في الشيخ أستاذاً يهدي لطريق الشرع اتفاقاً مع الشريعة الغراء فقط ولكنه ينظم أذكارا شرعية فيها الخير ولا يقول بغير ما جاءت به السنة أو جاء به الكتاب فما رأيكم في إتباعها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن المؤمن يجب عليه أن يجعل متبوعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإذا كان هذا هو الهدف وهو الأصل عند هذا الرجل وكان لا يستطيع أن يصل إلى الحق بنفسه لقصور علمه أو فهمه واعتمد على شخص يدله على الشرع وعلى الخير فإن ذلك لا بأس به ولكن من غير أن يكون هذا الشخص منتميا إلى طريقة معينة من الطرق بل يكون منتميا إلى مذهب السلف وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والأذكار المنظمة التي ينظمها بعض العباد هذه الأذكار إن كانت مما ورد على هذا الوجه الذي يفعلونه المنظم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هؤلاء وإن كانت على خلاف ما ورد فإنها بدعة وإن كان أصل الذكر مشروعا لكن تنظيمه على وجه معين يعتبر من البدع ولذلك نقول إن العبادة تفتقر إلى دليل في سببها وفي جنسها وفي نوعها وفي قدرها وفي وقتها وفي مكانها فلابد من أن تكون العبادة التي يفعلها العبد مطابقة للشرع في هذه الأمور أن يكون سببها معلوماً بالشرع وأن يكون جنسها معلوماً بالشرع وأن يكون نوعها معلوماً بالشرع وأن يكون قدرها معلوماً بالشرع وأن يكون زمانها معلوماً بالشرع وأن يكون مكانها معلوماً بالشرع فإذا اختلفت هذه الأمور الستة فإن العبادة يكون فيها بدعة حسب ما خرجت به عن السنة فعليك يا أخي باتباع السلف الصالح والحرص على منهاجهم ودع الطرق التي أحدثت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) .

***

ص: 2

‌هذه الرسالة بعث بها المستمع يقول من العراق محافظة الأنبار نايف عبيد سابر يقول في رسالته أهدي أجمل تحياتي واحترامي إلى برنامجكم الموقر والذي أفادنا وأفاد المسلمين كافة من إفتاء المعلومات الدينية والاجتماعية وعلى هذا الأساس أرسلت رسالتي هذه وفيها بعض الأسئلة أرجو عرضها على أصحاب الفضيلة والعلماء لديكم وأرجو الإجابة منهم مع الشكر أنا شخصٌ أنعم الله عليه بالهداية وسلكت الطريق الصحيح للإسلام وطبقت جميع الشروط من صلاةٍ وصوم

الخ والتزمت أكثر من اللازم حيث التجأت إلى أحد الشيوخ الصوفية وأصبحت تلميذاً من تلاميذه حيث أمرني بالحضور لحلقة الذكر يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وأن أصلى وأسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم ألف مرة يومياً وتسابيح أخرى فأرجو إرشادي على أن طريقة الصوفية هل صحيحة في الشريعة الإسلامية وتعاليمها أم غير صحيحة أفيدونا أفادكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول اعلم أن الطرق صوفيةً كانت أم غير صوفية يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما كان موافقاً لهما فهو حق وما كان مخالفاً فهو باطل والغالب في الطرق الصوفية أنها طرقٌ مبتدعة وربما يصل بعضها إلى الكفر وبعضها دون ذلك ومن هذا الابتداع ما ذكرت عن شيخك أنه كان يأمرك بأن تصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كل يومٍ ألف صلاة وبتسابيح أخرى فهذه التسابيح الأخرى التي ذكرت لا ندري ما هي حتى نحكم بأنها حقٌ أم باطل وأما الأمر بأن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كل يومٍ ألف صلاة فهذا بلا شكٍ بدعة لا أصل له في سنة النبي صلى الله عليه وسلم والذي أنصحك به أن تتطلب عالماً من علماء السنة المعروفين باتباع السلف الصالح وتأخذ دينك منه وتدع الطرق التي تشير إليها من صوفيةٍ أو غيرها.

***

ص: 2

‌المستمع أبو حذيفة من مكة المكرمة بعث بهذا السؤال يقول فيه نرى كثيراً من علماء السوء والضلال الذين لا همَّ لهم سوى أكل أموال الناس بالباطل وهم الذين أوقعوا الناس في شرك يلبسون العمائم الخضر ويتسمون بسمات أهل الصلاح ولكنهم لا يصلون وإذا سئلوا لماذا لا تصلون يقولون نحن نصلى في المسجد الحرام بمكة ويأتي من المريدين من أتباعهم فيزكونهم ويقولون إنكم لا ترونه عندما يذهب إلى مكة لأنه من أهل الخطوة ولأن بينكم وبينه حجاباً فلا ترونه وإذا سئلوا عن الصيام قالوا هذا من فضل الله علينا فنحن لسنا بحاجة إلى الصيام لأننا من أصحاب الأموال والصيام هو للفقراء الذين لا يملكون المال وإذا سئلوا عن الحج قالوا هذا أيضاً من فضل الله ويعتذرون ويقولون إن مكة بلد حارة وكلها جبال ولا يوجد أشجار أو ظلال وفي المقابل نرى البعض من الناس ممن يتبعون لهم عندما يؤدون العمرة أو الحج نراهم يطوفون لهم ويدعون لهم ويودون الصلاة لهم في كل جزء من المسجد الحرام فما حكم فعل هؤلاء وما حكم تصديقهم فيما يقولون وهل أعمالهم مقبولة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أوجه نصيحة إلى أولئك الشيوخ الذين وصفهم هذا السائل بما وصفهم به أقول أيها الشيوخ إن الواجب عليكم التوبة إلى الله عز وجل والرجوع عما أنتم عليه مما وصف فيكم وأن تلتزموا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن تقوموا بما أمركم الله به من العبادات الظاهرة والباطنة حتى تكونوا أئمة هدى وصلاح وإصلاح وأما بقاؤكم على ما أنتم عليه مما وصف السائل فهو خسارة لكم في دينكم ودنياكم وهو ضلال وكفر بالله عز وجل ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور لا يغركم أن السُّذَّج من الخلق يأتون إليكم يقبلون أيديكم وأرجلكم ويتمسحون بثيابكم وعمائمكم إن هذا غرور من الشيطان يبعث إليكم هؤلاء السذج من أجل أن تستمرئوا ما أنتم عليه وتستمروا على هذه الطريقة الباطلة فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في عباد الله واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً واعلموا أن من دعا إلى ضلالة كان عليه إثم هذه الدعوة وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة وباب التوبة مفتوح إن عليكم أن ترجعوا إلى الله وأن تبينوا أن طريقتكم الأولى التي أنتم عليها طريقة ضلال وأنكم خاطئون فيها ولكنكم تتوبون إلى الله تعالى منها أما بالنسبة لما ذكره السائل من أحوالهم فإن إنكارهم الصوم وقولهم إن الصوم إنما يجب على الفقراء هذا كفر وردة ،كفر وردة عن الإسلام لأن الصوم واجب على كل مكلف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فمن أنكر وجوب الصيام على الأغنياء وقال إنه واجب على الفقراء فقط فقد كفر بالقرآن وكفر بالسنة وكذب إجماع المسلمين وهو كافر بلا شك وكذلك من استكبر عن الحج وقال إن مكة حارة وفيها جبال وليس فيها أشجار فإنه كافر مستكبر عن عبادة الله عز وجل لأنه كره ما أنزل الله بهذا من فريضة الحج على عباده وتعليله هذا كالمستهزئ بشريعة الله سبحانه وتعالى والله عز وجل فرض الحج على عباده على المستطيع منهم وهو يعلم حال هذه البلاد التي فرض الحج إليها كما قال الله عن إبراهيم خليله (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) والمغرور بهؤلاء الشيوخ الذين هذه صفتهم والذين هم يصدون عن الإسلام المغرور بهم مخدوع فلا يجوز لأحد أن يدعوا الله لهم إلا بالهداية وأما أن يحج لهم أو يعتمر لهم أو يأخذ بقولهم ويصدقهم فيما يقولون ويتبعهم فيما إليه يذهبون فإنه كافر لأن كل من صدق أن الصوم لا يجب إلا على الفقراء فقط أو أن تكليف الناس الحج تكليف لهم بما لا يطاق لأن مكة جبال وحارة فإنه يعتبر كافراً لاعتراضه على حكم الله وحكمته وإنكاره ما فرض الله تعالى على عباده من الصوم إلا أن يكون جاهلاً لا يعرف وإنما سقط في أحضان هؤلاء وضللوه ولم يهيأ له من يقول له إن هذا كذب وباطل فهذا ينظر في أمره وأما من صدقهم وهو يعرف ما المسلمون عليه فإنه يكون كافراًَ بتصديقهم لأنه صدقهم في إنكارهم فرض الصيام كذلك زعمهم أي زعم هؤلاء الشيوخ إذا أمروا بالصلاة أنهم يصلون في المسجد الحرام زعم كاذب باطل فكيف يصلى في المسجد الحرام من كان في إفريقيا أو شرق آسيا أو ما أشبه ذلك هذا أمر لا يمكن ولكنهم يغرون العامة بمثل هذه الكلمات فهم لا يصلون في المسجد الحرام وإنما يريدون التملص والتخلص من الاعتراض عليهم وعلى كل حال فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بأمثال هؤلاء وأدعوهم إلى نبذ هؤلاء وإلى البعد عنهم ولكن لا يمنع ذلك من مناصحتهم والكتابة إليهم لعلهم يرجعون إلى الحق.

***

ص: 2

‌رسالة من المستمع صالح الحموي من دمشق سوريا بعث برسالةٍ يقول فيها إنني أقوم بتدريس مجموعةٍ من الناس الفقه الحنفي والتصوف ونقوم بممارسة الذكر الحضرة ودليلنا على هذا هو أن النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما هاجر إلى المدينة المنورة استقبله الناس بالإنشاد وضرب الدفوف فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم وكذلك ورد في القرآن قوله تعالى (قُلْ اللَّهُ) وكذلك فإنني أعلم تلامذتي ضرورة طاعة الشيخ ومحبته وعدم الاتجاه إلى شيخٍ غيره عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من لا شيخ له فشيخه الشيطان) ولكن أحد تلامذتي قد أخذ يجادلني مؤخراً في هذه الأمور وينكر علي ذلك بحجة أنها بدع وأنها تخالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام فقد أصبحت في حيرةٍ من أمري ولما سألت عن تصرفاته تلك قيل لي إن الشاب الذي يجادلني متأثرٌ بالوهابية وقالوا بأن هذه الفكرة الوهابية بدعةٌ تدعو إلى التطرف وتحرم المدائح النبوية والمولد وتقول عن كثيرٍ من الأمور المستحسنة إنها من البدع فقد أشكل عليّ الأمر أرجو إرشادكم وتوضيح هذه الحقيقة لي وفقكم الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن هذا السؤال سؤالٌ عظيم اشتمل على مسائل في أصول الدين ومسائل تأريخية ومسائل عملية أما المسائل العملية فإنه ذكر أنه يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها فإن إجماعهم على حكم مسألةٍ من المسائل ليس إجماعاً للأمة والأئمة أنفسهم رحمهم الله ما جعلهم الله تعالى أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلاً للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقاً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلةٌ لأن تكون خطأ أو صواباً فإن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فإنه لا حرج عليه أن يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة بشرط إذا تبين له الدليل في خلافه تبع الدليل وتركه ووضح لطلبته أن هذا هو الحق وأن هذا هو الواجب عليهم أما ما يتعلق بمسألة الصوفية وغنائهم ومديحهم وضربهم بالدف والغبيراء وما أشبهها، الغبيراء التي يضربون الفراش ونحوه بالسوط فما كان أكثر غباراً فهو أشد صدقاً في الطلب وما أشبه ذلك مما يفعلونه فإن هذا من البدع المحرمة التي يجب عليه أن يقلع عنها وينهى أصحابه عنها وذلك لأن خير القرون وهم القرن الذين بعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتعبدوا لله بهذا التعبد ولأن هذا التعبد لا يورث القلب إنابةً إلى الله ولا انكساراً لديه ولا خشوعاً لديه وإنما يورثه انفعالاتٍ نفسية يتأثر بها الإنسان من مثل هذا العمل كالصراخ وعدم الانضباط والحركة الثائرة وما أشبه ذلك وكل هذا يدل على أن هذا التعبد باطل وأنه ليس بنافعٍ للعبد وهو دليلٌ واقعي غير الدليل الأثري الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة) فهذا من الضلال المبين الذي يجب على المرء أن يقلع عنه وأن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه الراشدون فإن هديهم أكمل هدي وطريقهم أحسن طريق قال الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ولا يكون العمل صالحاً إلا بأمرين الإخلاص لله والموافقة لرسوله صلى الله عليه وسلم وأما استدلاله باستقبال أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدف والأناشيد فهذا إن صح فإنهم ما اتخذوا ذلك عبادة وإنما اتخذوا ذلك فرحاً بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وليس من هذا الباب في شيء وأما ما ذكره من مجادلة الطالب له وقول بعضهم إنه رجلٌ وهابي وأن الوهابية لا يقرون المدائح النبوية وما إلى ذلك فإننا نخبره وغيره بأن الوهابية ولله الحمد كانوا من أشد الناس تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته ويدلك على هذا أنهم كانوا حريصين دائماً على اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام والتقيد بها وإنكار ما خالفها من عقيدةٍ أو عمل قوليٍ أو فعلي ويدلك على هذا أنهم جعلوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها فهل بعد هذا من شكٍ لتعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أيضاً إنما قالوا بأنها ركن من أركان الصلاة لأن ذلك هو مقتضى الدليل عندهم فهم متبعون للدليل لا يغلون بالنبي عليه الصلاة والسلام في أمرٍ لم يشرعه الله ورسوله ثم إن حقيقة الأمر أن إنكارهم للمدائح النبوية المشتملة على الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر أن هذا هو التعظيم لرسول الله عليه الصلاة والسلام وهو سلوك الأدب بين يدي الله ورسوله حيث لم يقدموا بين يدي الله ورسوله فلم يغلوا لأن الله نهاهم عن ذلك فقال النبي عليه الصلاة والسلام (أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يغرنكم الشيطان) وهو عليه الصلاة والسلام نهى عن الغلو فيه كما غلت النصارى في المسيح بن مريم نعم قال (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) والمهم أن طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه وهو الإمام المجدد طريقته هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمن تتبعها بعلمٍ وإنصاف وأما من قال بجهل أو بظلمٍ وجور فإنه لا يمكن أن يكون لأقواله منتهى فإن الجائر أو الجاهل يقول كل ما يمكنه أن يقول من حقٍ وباطل ولا انضباط لقوله وإذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليقرأ ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحفاده والعلماء حتى يتبين له الحق إذا كان منصفاً ومريداً للحق ثم إن المدائح النبوية التي يشير إليها الأخ مدائح لا شك أن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يرضى بها بل إنما جاء بالنهي عنها والتحذير منها فمن المدائح التي يحرصون عليها ويتغنون بها ما قاله الشاعر

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

وأشباه ذلك مما هو معلوم ومثل هذا بلا شك كفرٌ بالرسول صلى الله عليه وسلم وإشراكٌ بالله عز وجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله عز وجل والدنيا وضرتها وهي الآخرة ليست من جود رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي من خلق الله عز وجل هو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو الذي جاد فيهما بما جاد على عباده سبحانه وتعالى وكذلك علم اللوح والقلم ليس من علوم الرسول عليه الصلاة والسلام بل إن علم اللوح والقلم إلى الله عز وجل ولا يعلم منه رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا ما أطلعه الله عليه هذا هو حقيقة الأمر وهذا وأمثاله هي المدائح التي يتغنى بها هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العجائب أن هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله عليه الصلاة والسلام تجدهم معظمين له كما زعموا في مثل هذه الأمور وهم في كثيرٍ من سنته فاترون معرضون والعياذ بالله فأنصح هذا الأخ الذي يسأل هذا السؤال أنصحه بأن يعود إلى الله عز وجل وأن لا يطري رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وأن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يمتاز عن غيره بالوحي الذي أوحاه الله إليه وبما خصه الله به من المناقب الحميدة والأخلاق العالية ولكنه ليس له من المتصرف في الكون شيء وإنما التصرف في الكون والذي يدعى ويرجى ويُؤَلَّه هو الله عز وجل وحده لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون.

***

ص: 2

‌المستمع عبد الحكيم علي محمد مصري يعمل بالعراق يقول ومن خلال متابعتي الدائمة لبرنامجكم الكريم وخلال إجابة الأسئلة الخاصة بالتصوف سمعت إجابات مختلفة من أساتذة أفاضل وقد أجمعوا تقريباً على ذم هذا الأمر بدون استثناء وإني لأعجب أشد العجب من ذلك لأن في اعتقادي والله أعلم أن الأحكام في ديننا العظيم لا تأتي على التعميم في أمور الدين فمثلاً إذا كان هناك شخص سوء في مكان مّا، لا يمكن أن أحكم على جميع من فيه بأنهم أشرار فعندما نحكم على التصوف بأنه سيئ هل معنى ذلك أن التصوف كمبدأ سيئ أم هناك من يدعي الصوفية وهو ليس من أهلها وإذا كان التصوف كذلك فماذا نقول عن أئمة التصوف والذين أفادونا في الدين أعظم إفادة من خلال علمهم وعملهم أمثال الإمام الغزالي وكذلك ابن عطاء الله وعبد القادر الجيلاني والشيخ السنوسي وزواياهم معروفة وفي العصر الحديث الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله وماذا يقول الدين عن التصوف في أبسط معانيه والتي نفهمها وهو يتمثل في الزهد في الدنيا مع عدم ترك ما أحل الله لعباده وإخلاص العمل والنية لله تعالى وذكره كثيراً واستغفاره وحمده مع نبذ كل ما يلتصق بالدين والتصوف من خرافات وبدع وأشياء تؤدي إلى الكفر أعوذ بالله من ذلك

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول متداخل وفيه شيء يحتاج إلى تصنيف فالذين سمعهم يذمون التصوف ويطلقون إنما يريدون أن إثبات طريقة على نحو معين تنفرد عن طريقة أهل السنة والجماعة هذا من حيث هو مذموم بلا شك فالذي ينبغي لجميع المسلمين أن يكونوا طائفة واحدة ألا وهي طائفة السلف الصالح أهل السنة والجماعة سواء كان ذلك في العقيدة أو كان ذلك في الأعمال الظاهرة أعمال الجوارح فالذي يذم مطلقاً أن تحدث طريقة معينة يقال لها هذه طريقة القوم إذ أن كل طريق أو كل طريقة تخالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مذمومة مهما كانت أما بالنسبة للأعمال التي تحدثها هذه الطائفة فإنه ينظر إن وافقت ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام فهي حق لكن لا ينبغي أن يقال إنها من طريق الصوفية أو من صنع الصوفية أو من تنظيم الصوفية أو ما أشبه ذلك بل يقال هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تنسب إلى هذه الطائفة بعينها وحينئذ يخرج من اللقب الذي قد يوجب الذم وأما ما يتعلق بالزهد في الدنيا فلا ريب أن الزهد بالدنيا الذي لا يتضمن ترك ما أحل الله عز وجل أو لا يتضمن ترك ما ينفع في الآخرة لا ريب أنه محمود وأن الإنسان ينبغي له أن تكون الدنيا وسيلة إلى الآخرة لا يكون كل همه وقصده بالدنيا والإنسان إذا أراد الدنيا فقط فإنه قد يضيع الدنيا والآخرة لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) وأما الأذكار والأوراد التي أحدثها أهل التصوف فإنه لاشك أن ما خالف الشرع منها بكيفيته أو وقته أو عدده أو سببه فإنه بدعة ينكر على صاحبه لأنه لا تكون العبادة عبادة حتى يقوم دليل شرعي على الأمور التالية على سببها وجنسها ونوعها وهيئتها وزمانها ومكانها وقدرها فإذا لم يكن دليل على هذه الأمور فإنها تكون بدعة ويكون فيها من البدع أو من البدعية بحسب ما فارقت السنة فيه.

***

ص: 2

‌هذه الرسالة وردت من الخليفة مهدي عبد الستار من العراق محافظة صلاح الدين يقول فيها إني مهدي عبد الستار أحد خلفاء الطريقة الرفاعية سؤالي حول موضوع الطرائق الصوفية إني سمعت من فضيلة العلماء أنهم يشكون في الطرائق في برنامجكم هذا ويقول بعض العلماء إن الطريقة بدعة حيث أنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أني أخذت الطريقة عن شيخي وأن شيخي أخذ الطريقة عن أبيه وأبوه عن جده وهكذا إلى سيدنا الكبير سيد أحمد الرفاعي أما السيد أحمد الرفاعي فهو ابن السيد سلطان بن علي وستة أظهر ينتسب إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الذي له الطريقة الرفاعية وتنسب إليه وهو الذي أسس ضرب الحراب والسيوف والدخول في النار وعمل الرفاعي كيف تنكرون هذا وقال الله سبحانه وتعالى (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقد خص الله سيد أحمد الرفاعي بالكرامات والشواهد التي جاءت بها الكتب الصوفية مثل قوله أمام حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم يا مصطفى أنت من أسرار منزلها إلى أخره فمد يدك أو فمد يمينك لأقبلها لكي تحظى بها شفتي وظهرت يد الرسول فقبلها سيد أحمد الرفاعي هل هذا حق أفتونا فيها وشكراً لكم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة عظيمة وهي مسألة الطرق التي ابتدعها من ابتدعها بواسطة الدعاية له إما من جهة النسب ودعواه أنه يتصل بنسب شريف وإما من جهة ما يدعيه من الكرامات التي اختصه الله بها فيلبس بذلك على عامة الناس ويبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه ونحن نذكر جملة عامة أمام الطريقة الرفاعية وغيرها فنقول إن الله تبارك وتعالى جعل المشرعين في دين الله تعالى ما ليس منه جعلهم بمنزلة الأصنام اللاتي تتخذ من دون الله تعالى شركاء فقال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) واليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله لأنهم تابعوهم في تشريع ما يخالف شريعة الله سبحانه وتعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من البدع تحذيراً بالغاً حتى إنه في خطبة الجمعة يحذر منها ويقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وهذه الطرق التي يبتدعها أهلها ليتقربوا بها إلى الله ولم تكن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم نقول عنها إنها بدع محرمة وإنها لا تزيدهم من الله إلا بعداً وأن ما يدعّونه من نسب شريف أو من كرامات يختصهم الله بها فإنه لا أساس لها من الصحة ماداموا مخالفين في ذلك لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الكرامات لا تكون إلا لأولياء الله سبحانه وتعالى وأولياء الله تبارك وتعالى بينهم الله سبحانه في كتابه في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فنحن نعرض حال هذا الرجل الذي يدعي الكرامات نعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ومن أعظم التقوى أن يتقي الإنسان البدعة في دين الله أن يشرع في دين الله ما ليس منه فإذا علم أن الرفاعي أو غيرهم من زعماء البدع ابتدعوا طريقة ليس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون عُلم أنها طريقة بدعية ضالة وأنه لا يجوز التمسك بها وأن ما يدّعون من كرامات فليست كرامات في الحقيقة وإنما هي أشياء يموهون بها على العامة يتخذونها بطرق حسية لا بطرق إلهية غيبية ويدّعون أنها الكرامات فالدخول في النار مثلاً هناك أشياء يستعملها الإنسان فيدهن بها ويدخل بها النار ولا يحترق فيأتي هذا الرجل الذي يدعي أنه ولي وأنه يدخل في النار ولا تضره كما دخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام النار ألقى فيها ولم تضره يدهن بهذه الأشياء المضادة للاحتراق لكنه لا يدهن بها أمام هذه العوام بل يدهن بها خفية ثم يأتي أمام الناس ويدخل في النار ويزعم أنه ولي لم يحترق بالنار إلى غير ذلك مما يفعله المشعوذون فإذا قال هذا الرجل إن ما حصل من كرامة من الله عز وجل فإنما يجب أن ننظر حاله إن كان مؤمناً تقياً فإن ما ادعاه من الكرامات قد يكون حقاً وإن كان ليس بمؤمن تقي بل هو صاحب بدعة وخرافة وتشريعات لم يأذن به الله عز وجل علمنا أنه كاذب وأنه ليس من أولياء الله بل هو من أبعد الناس عن ولاية الله سبحانه وتعالى هذه جملة عامة أزفها للرفاعية ولغيرهم من أهل البدع وإنني أناشدهم الله عز وجل أن يرجعوا إلى دين النبي صلى الله عليه وسلم وإلى شريعته وأن يعلموا أن دين الله تعالى كامل وأن الله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) وليعلم كل مبتدع أنه مع تحريم سلوكه وابتداعه هو متنقص لدين الله عز وجل حيث زعم أن ما ابتدعه مما تدعوا الحاجة إليه في دين الله عز وجل وهذا معناه أن دين الله تعالى ناقص ويكون بهذا مكذباً لقول الله عز وجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) فكل ما خالف هذا الدين الذي أكمله الله على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يرضاه فإن الله يقول (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) فقط وقال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) فكل بدعة فإنها ليست من الإسلام بشيء فأناشد هؤلاء الذين يسلكون هذه الطرق من الرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرهم أناشدهم الله عز وجل أن يرجعوا إلى دين الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يعلموا أنهم ملاقو الله عز وجل ومحاسبهم على ذلك (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) وليتأملوا كثيراً قول الله عز وجل (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) إلى أن قال (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولو أن المسلمين اجتمعوا على السنة ولم يتفرقوا شيعاً في عقائدهم ومناهجهم وسلوكهم لو أنهم اجتمعوا على ذلك لحصل للأمة الإسلامية من النصر والتأييد والعز والتمكين ما لم يكن كما هم عليه اليوم من الوضع المشين وذلك بسبب بعدهم عن دينهم وتمسكهم به والله أسأل أن يصلح المسلمين وولاة أمورهم وبطانتهم إنه جواد كريم.

فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة لرؤية يد الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر هذا الشخص وتُرى مثلاً واضحة أيضاً أمام الحضور هذا أيضاً نريد التعليق عليه؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول إن هذه القصة بل وكل قصة وكل خبر فإنه لا يغني ثبوته إلا إذا وصل إلينا من طريق العدول ثم إذا وصل إلى غاية السند فإننا ننظر أيضاً من هو هذا الرجل الذي تحدث بأنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو مقبول الخبر أو غير مقبول الخبر ثم كذلك أيضا ننظر كيف رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو شيئاً من جسمه عليه الصلاة والسلام هل هو على الوصف المعروف الذي ثبت من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا لأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه حقاً ومن رآه حقاً فإنما يكون على حسب ما هو عليه في الحياة الدنيا صلى الله عليه وسلم ثم إن من رأى يداً قيل له أو وقع في نفسه أنها يد الرسول عليه الصلاة والسلام فليس بِمُسلِّم أن تكون هي يد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا رئي فإنما يرى على الوصف الذي هو عليه وهذه القصة كما قلت أولاً يشك في خبرها ويشك في المَخْبِر بها ويشك أيضاً فيما رآه فليست بمُسلّمة إطلاقاً.

***

ص: 2

‌الأولياء

ص: 2

‌‌

‌السائلة أم مصعب تقول ما هي صفات الأولياء أولياء الله وكيف يكون المسلم ولياً لله عز وجل

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولياء الله تبارك وتعالى هم الذين تولوا أمره وقاموا بشريعته وآمنوا به جل وعلا وكانوا من أنصار دينه وقد بين الله ذلك في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)(يونس: 62) فهؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره آمنوا إيماناً تاماً ويقيناً صادقاً وكانوا يتقون يتقون معاصي الله فيقومون بالواجب ويَدَعون المحرم فهم صالحون ظاهراً وباطناً وما أجمل العبارة التي قالها شيخ الإسلام رحمه الله (من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً) ومن ولاية الله الحب في الله والبغض في الله بأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ويبغض المرء لا يبغضه إلا لله وأما ما يذكره بعض الناس الذين يدّعون أنهم أولياء وهم فسقة فجرة فهذا كذب وخداع وقد يُجري الله على أيدي هؤلاء من خوارق العادات ما يكون به فتنة والخوارق هذه التي تأتي لغير الأولياء إنما هي من الشياطين تأتي للمرء بأخبار الناس أو تحمله في الهواء أو ما أشبه ذلك ويقول هذا من ولاية الله وكل من ادعى ولاية الله ودعا الناس إلى تعظيمه وتبجيله فليس من أولياء الله لأن هذا تزكية للنفس وإعجاب بها وتزكية النفس من المحرمات قال الله تبارك وتعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى)(النجم: من الآية32) أي لا تدّعوا زكاءها قد يدعي الإنسان أنه زكي أو يتصور أنه زكي وهو ليس كذلك وأما قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فليس المراد من زكاها بلسانه وقال إنه زكي أو اعتقد زكاءه بقلبه وإنما المراد بقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) أي فعل ما به تزكو نفسه وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني الذين عندهم من يدعي الولاية وهو أبعد الناس عنها لمحادته الله ورسوله فليحذر إخواني من هؤلاء وأمثالهم أهل الشعبذة واللعب بعقول الناس فإنهم لا ولاية لهم عند الله عز وجل.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم فضيلة الشيخ في هذا الزمن كثر من يدعي أنه من أولياء الله بحقٍ أو بغير حق فهل هناك تحديدٌ أو صفاتٌ معينة بأولياء الله لكي نفرق بين الولي والدجال نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك تحديدٌ لا تحديد أوضح منه ولا أبين منه وهو ما ذكره الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء هم أولياء الله الذين جمعوا بين الإيمان الحقيقي في قلوبهم والتقوى الحقيقية في ظواهرهم فهم أصلحوا البواطن والظواهر فإذا رأيت الإنسان مؤمناً بالله والإيمان له علامات ظاهرة متقياً الله فهذا هو الولي وإذا رأيته دجالاً كذاباً فهذا ليس بولي وإن ادعى الولاية.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم السائل من المغرب فضيلة الشيخ يقول أسمع عن الأولياء وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك مأجورين

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم من هم أولياء الله فنقول أولياء الله تعالى من ذكرهم الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً سواءٌ أشهره العامة وزعموه ولياً أم كان خفياً على الناس لا يحب أن يظهر فالولي هو المؤمن التقي هذه واحدة ثانياً هل لكل وليٍ كرامة والجواب لا ليس لكل وليٍ كرامة بل من الأولياء من يعطيه الله تعالى كرامة محسوسة يشهدها بنفسه ويشهدها الناس ومن الناس من يجعل الله كرامته زيادة إيمانه وتقواه وهذه الكرامة أعظم من الكرامة الأولى الحسية لأن هذه الكرامة أنفع للعبد من الكرامة الأولى إذ أن الكرامة الأولى سببٌ لزيادة الإيمان والتقوى وأما زيادة الإيمان والتقوى فهي الغاية ولهذا نجد أن الصحابة رضي الله عنهم تقل فيهم الكرامات بالنسبة للتابعين لأن كرامات الصحابة في زيادة إيمانهم وتقواهم والتابعون ليسوا مثل الصحابة في ذلك ولهذا كثرت الكرامات في عهدهم أكثر من الكرامات في عهد الصحابة رضي الله عنهم والكرامات إما أن تكون في العلوم والمكاشفات وإما أن تكون في ظهور التأثيرات والقدرات فأما الأول فكأن يكشف للإنسان عن شيء لا يعلمه غيره كما ذكر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمعه الناس يقول الجبل يا سارية الجبل يا سارية فتعجبوا من ذلك فكان الأمر أن أحد القواد حوصر في مواجهةٍ بينه وبين أعدائه فكشف لعمر رضي الله عنه، عنه وهو على المنبر فخاطبه يقول الجبل يا سارية فسمعه القائد فانحاز إلى الجبل فهذا توجيه من القائد الأعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد السرية أو الجيش من مكانٍ بعيد وسمعه وليس في ذلك الوقت تلفونات هوائية ولاسلكية ولكنها قدرة الله عز وجل هذه كرامة في المكاشفات كشف الله له ما لم يكن لغيره ومن ذلك أيضاً الكرامة في القدرة بأن يجعل الله تعالى للإنسان قدرةً لم تكن لغيره ومن ذلك ما يذكر في غزوات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يغزو الفرس فيفتح الله عليه بلادهم بلداً بعد بلد حتى وصل إلى نهر دجلة فلما وصل إلى النهر وجد أن الفرس قد أغرقوا السفن وكسروا الجسور وهربوا إلى الجانب الشرقي من النهر فتوقف سعد رضي الله عنه ماذا يصنع فدعا سلمان الفارسي رضي الله عنه وكان ذا خبرة في أحوال الفرس وما يصنعونه عند القتال فاستشاره أي أن سعداً استشار سلمان الفارسي ماذا يصنع فقال له يا سعد ليس هناك شيء يمكن أن نصنعه إلا أن ننظر في الجيش هل عندهم من الإيمان والتقوى ما يؤهلهم للنصر أو لا، فدعني أسبر القوم وأنظر حالهم فأمهله سعد فجعل يذهب إلى الجيش ويتفقد أحوالهم وينظر أعمالهم فوجدهم رضي الله عنهم بالليل يبيتون لربهم سجداً وقياماً وفي النهار يصلحون أحوالهم ويستعدون للقتال فرجع بعد ثلاثٍ إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره الخبر وقال إن قوم موسى ليسوا أحق بالنصر منا فقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من فرعون وقومه ونحن سوف نعبر هذا النهر بإذن الله فأذّن سعدٌ رضي الله عنه بالرحيل والتقدم إلى النهر وقال إني مكبرٌ ثلاثاً فإذا كبرت الثالثة فسموا واعبروا ففعلوا فجعلوا يدخلون الماء كأنما يمشون على الصفا خيلهم ورجلهم وإبلهم حتى عبروا النهر وهو يجري يقذف بزبده فلما رآهم الفرس قال بعضهم لبعض إنكم لا تقاتلون إنساً وإنما تقاتلون جناً فهربوا من المدائن وهي عاصمتهم حتى دخلها المسلمون وفتح الله عليهم هذه كرامة قدروا على أمرٍ لا يقدر عليه البشر بمقتضى قدراتهم حيث خاضوا الماء والنهر يمشي هكذا ذكر المؤرخون هذه القصة هذه كرامة في القدرة وقصة عمر كرامة في المكاشفات أن الله يكشف له ما لا يدركه غيره، وتكون الكرامة في العلم بأن يفتح الله على الإنسان من العلم ما لا يفتحه على غيره ومن هؤلاء فيما نظن ما فتح الله به على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من العلم العظيم العلم بالنقل والعلم بالعقل حتى إنك لتكاد أن تشك في هذه القدرة العظيمة التي أقدره الله عليها وفتح الله عليه من العلم ،ومن الكرامات ما حصل لمريم عليها السلام حين حملت بعيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجلست إلى هذا الجذع وقالت (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) قال هزي إليك وهي امرأة ماخض تهز بجذع النخلة فيهتز فرعها ومن المعلوم أن الهز بجذع النخلة حسب العادة لا يمكن أن يهتز به فرع النخلة لكن اهتز فرع النخلة وتساقط منه الرطب والنخلة لا شك أنها فوق قامة الإنسان لأنها لو كانت بقدر القامة لتناولت الرطب بيدها هذا من آيات الله وهو من كرامة مريم عليها السلام.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم يسري حامد من جمهورية مصر العربية طنطا يقول فضيلة الشيخ نسمع عن الكرامات لبعض الناس ونسمع كثيرا في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين فما حكم ذلك أيضا

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الكرامات خوارق للعادة يجريها الله عز وجل على يد الرجل الصالح تكريما له أو إقامة دليل على أن ما عليه فهو حق فالكرامات إما لمصلحة الشخص نفسه أو لمصلحة الدين ولكنها لا تكون إلا للأولياء المتقين قال الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهذا هو الولي الذي قد يظهر الله على يديه من الكرامات ما يدل على صدقه وصحة منهجه وهذه الكرامات موجودة في الأمم السابقة وموجودة في هذه الأمة ولاتزال موجودة فيها إلى يوم القيامة فمن الكرامات للأمم السابقة ما جرى لمريم بنت عمران حينما حملت بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) فأنت ترى هذه الكرامة امرأة في فلاة من الأرض حامل أتاها المخاض يسر الله لها هذا الطعام والشراب (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً) وفي الطعام قال (هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) امرأة نفساء والمرأة ضعيفة تؤمر بأن تهز بجذع النخلة لا في رأسها والهز بالجذع لا يحرك النخلة لكن كرامة لها تحركت النخلة ثم لما تحركت تساقط الرطب رطبا جنيا لم يتأثر بسقوطه على الأرض مع أن الغالب أن الرطب إذا سقط من أعلى فإنه يفسد يتمزق بسقوطه على الأرض لكن هذا الرطب الذي تساقط على مريم تساقط عليها رطبا جنيا لم يتأثر بالأرض ولم يتمزق بها (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) يعني كلي واشربي قريرة العين من غير خوف ولا حزن هذا من الكرامة، ومن الكرامات في الأمم السابقة ما جرى لأصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم كرهوا ما عليه قومهم من الشرك بالله عز وجل خرجوا عن البلد فآووا إلى غار وناموا به أتدري كم ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم نيام لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب ولا إلى بول ولا إلى غائط ولم تتمزق ثيابهم ولم تنم شعورهم ولا أظفارهم بل بقوا على ما هم عليه كل هذه المدة يقلبهم الله تعالى ذات اليمين وذات الشمال لئلا يتحجر الدم على اليمين إن بقوا على اليمين دائما أو على اليسار إن بقوا على اليسار دائما ثم إنهم في كهف (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فلا تدخل عليهم الشمس فلا يسخنون لا يفسدون من الحر ولا البرد وهذه آية من آيات الله عز وجل كرامة من كرامات الله ومن الكرامة كرامات هذه الأمة ما يذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل سرية إلى العراق وعليها رجل يقال له سارية بن الجمير فحصره العدو فكشف لعمر بن الخطاب وهو يخطب الناس يوم الجمعة عن حال هذا القائد فسمعه الناس يقولون الجبل يا سارية الجبل يا سارية فسمع ذلك سارية فانحاز بالناس إلى الجبل فسلم وصارت العاقبة للمسلمين يقول: فأنت ترى الآن كرامة واضحة بالنسبة لعمر وبالنسبة لسارية، عمر رضي الله عنه كلم الرجل سارية وسارية سمع كلامه وليس هناك هاتف ولا برقية ولكنها قدرة الله عز وجل وإذا أردت أن تعرف هذه الكرامات فراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الكتاب المسمى الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وليعلم أن كثيرا ممن يدعي الولاية اليوم تكون دعواه كذباً لأنك إذا فتشت عن حاله وجدته من أعداء الله لا من أولياء الله فكيف يدعي أنه وليٌ لله ونراه يجري على يديه الكرامات فإن قال قائل نعم إنه تجري على أيديهم خوارق قلنا هذا من أعمال الشياطين تعمل لهم الخوارق من أجل أن يضل الناس بغير علم بل من أجل أن يضل الناس عن علم ولهذا نقول إن الكرامة لا تكون إلا لولي والولي بينه الله عز وجل في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فأنت إذا أردت أن تزن الرجل وهل هو ولي أو عدو فعليك بهذه الآية (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فإذا كان مؤمنا تقيا فهو ولي وإلا فهو دعي وليس بولي.

***

ص: 2

‌‌

‌رسالة وردت من أحد الاخوة المستمعين يقول سؤالي عن الكرامات والولاية أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الولاية لا يصح إطلاقها إلا على حسب الوصف الذي جاء في كتاب الله عز وجل وقد بين الله تعالى في كتابه حيث يقول (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فبين الله سبحانه وتعالى أن ولايته لا تنال إلا بهذين الوصفين أولهما الإيمان بما يجب الإيمان به وثانيهما التقوى ففي الوصف الأول صلاح القلب وفي الوصف الثاني صلاح الجسد فمن ادعى ولاية الله عز وجل وقد فاته الوصفان أو أحدهما فإنه كاذب فلو وجدنا شخصا يجيز لنفسه أن يركع الناس له وأن يسجد الناس له أو يجيز لنفسه أن يستخدم الشياطين بأنواع من الشرك ثم يدعي بعد هذا أنه ولي لله فإننا نقول له إنك كاذب لأن أعمالك هذه تنافي الإيمان والتقوى وما يحصل على يديه من خوارق العادات فإن ذلك لخدمة الشياطين له لأن الشياطين تقوى على ما لا يقوى عليه البشر فيستخدم الشياطين لينال مأربه في إضلال عباد الله عن سبيل الله وعلى هذا فمن ادعى الولاية ولم يكن متصفا بالوصفين اللذين ذكرهما الله عز وجل وهما الإيمان والتقوى فإنه كاذب في دعواه.

فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم النقطة الثانية في رسالة المستمع يقول يا فضيلة الشيخ من يطلق عليهم الأولياء اليوم عند الصوفية وما ينسب إليهم من الكرامات الباطلة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه فقرة بينها جواب الفقرة التي قبلها فما ينسب إليهم من الكرامات وهم على ضلال فإنها إهانات في الحقيقة وليست بكرامات لأنها استدراج من الله عز وجل لهم وهي في الحقيقة ليست كرامة بل هي مما يخدمهم بها الشياطين من أجل إضلال عباد الله.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم المستمع ع. أ. أ. سوداني مقيم بالرياض يقول يوجد لدينا في السودان فئة من الناس تسمي نفسها أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الفئة تقوم بأعمال لا أصل لها في الشرع حيث أنهم يزعمون أنهم أولياء صالحون ومن وقت لآخر يطوفون في ربوع أرجاء ال

وطن ويستقبلون من العامة بالهتافات والترحيب فيقدمون لهم الهدايا والقرابين مع العلم أنهم في أشد الحاجة إليها معتقدين أنها تعود عليهم بالبركة والخير من هذه الفئة فهل يوجد في زماننا هذا بقية لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهل هذه الأعمال التي يقومون بها جائزة وكذلك المظاهر التي يقابلون بها

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: بكل بساطة أن نقول لهؤلاء المدعين أنهم من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكدوا لنا ذلك ببرهان قاطع من الناحية التاريخية ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق له أولاد بلغوا وتزوجوا وأنجبوا وإنما أولاده الذين ينسبون إليه ليسوا من أولاده لصلبه وعلى هذا فنقول لكل من ادعى أنه من آل البيت من هؤلاء أكدوا لنا ذلك من الناحية التاريخية فإن عجزوا عن الإثبات تبين بطلان قولهم وكذبهم وإن ثبت ذلك من الناحية التاريخية فإننا نقول ليس كونكم من الذرية أو من آل النبي صلى الله عليه وسلم بِمُجدٍ عنكم شيئاً إذا لم تكونوا على شريعته فإن المهم أن تكونوا على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كنتم على شريعته حقاً فإن لكم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجرد القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغني شيئاً فهذا أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبيه لم يغن عنه قربه من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بل أنزل الله تعالى سورة كاملة من القرآن في فضيحته إلى يوم القيامة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) والحاصل أننا نحتاج في هذه الدعوى إلى إثباتها من الناحية التاريخية ثم إذا ثبتت ننظر إلى حال هؤلاء فإن كانوا صالحين حقاً يتمشون على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً فإن لهم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يكونوا كذلك فإنهم دجالون ولا يستحقون شيئا ولا بركة في أعمالهم ولا في أحوالهم والظاهر مادام هؤلاء الجماعة يمشون على القرى وعلى السُّذَّج من الناس ويدعون ما يدعون الظاهر أنهم كاذبون فيما ادعوا لأنهم غير مستقيمين أيضاً على ما ينبغي منهم في شريعة الله سبحانه وتعالى وحينئذ فلا يستحقون شيئاً من التعظيم أو الإكبار أو إتحافهم بالهدايا وغيرها.

***

ص: 2

‌‌

‌هذا السائل أبو أحمد يقول هل صحيح أن الصالحين والأولياء تنكشف لهم من أسرار القرآن ما لا ينكشف لغيرهم وما ليس بموجود في كتب التفاسير

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك أحد مخصوص في فهم القرآن بل فهم القرآن يكون لكل أحد لكن كل من كان بالله أعلم وله أتقى كان أقرب إلى فهم القرآن لقول الله تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) ولما قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء يعني من جهة الخلافة قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله تعالى أحداً من عباده في كتاب الله وما في هذه الصحيفة قالوا وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل المسلم بالكافر لكن هناك أناس يدعون أنهم أولياء وأنه يفتح لهم في القرآن معانٍ باطنة لا يعرفها أحد ويجعلون ألفاظ القرآن رموزاً وإشارات لمعانٍ لا تفهم من ألفاظ القرآن بمقتضى اللغة العربية ولا بمقتضى الحقيقة الشرعية وهم الذين يسمون أنفسهم أهل العلم بالباطن فهؤلاء لا يقبل قولهم في تفسير القرآن لأنه كذب على الله تبارك وتعالى هل فسروا كلامه بما لا يدل عليه باللسان الذي نزل به وهو اللغة العربية قال الله تبارك وتعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسان عربي مبين) أي بلغة عربية فصيحة وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني ولا سيما طلبة العلم على الحرص على فهم معاني القرآن الكريم لأن القرآن الكريم نزل للتعبد بتلاوته ولتدبر معناه والعمل به قال الله تبارك وتعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وكثير من طلاب العلم حريصون على فهم السنة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحثاً وتدقيقاً ومراجعة لكلام العلماء ولكنهم مقصرون في تفسير القرآن وفهمه وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا قرؤوا عشر آيات من كتاب الله لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً إني أكرر الوصية لإخواني طلاب العلم أن يعتنوا بفهم القرآن الكريم وأن يراجعوا عليه كلام العلماء في تفاسيرهم وأعني بالعلماء العلماء الموثوق بهم كتفسير ابن جرير وابن كثير والقرطبي والشوكاني وما أشبههم وكذلك تفسير شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وإن كان يوجد في مثل تفسير القرطبي بعض الشيء الذي ليس على ما ينبغي وكذلك يوجد في تفسير ابن جرير آثار ضعيفة لكن البصير يعرف كيف يتصرف.

***

ص: 2

‌‌

‌هل إذا مات شخص صالح ولي هل ينفع أو يضر بعد موته يعني موت هذا الشخص الولي إذا توفي هل ينفع الناس أو يضرهم أو ماذا يكون بعد وفاته

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن أحق الناس بالولاية وأعظمهم ولاية هو النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله له آمراً إياه أن يبلغ الأمة بأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله وقد قال تبارك وتعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) وأمره كذلك أن يقول للناس بأنه لا يملك لهم مثل ذلك فقال (قل إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) فإذا كان هذا في أعظم الناس ولاية وأقربهم من الله تبارك وتعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن دونه من الأولياء فكل ولي أو نبي أو ملك فإنه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله والذي يملك ذلك ويدبر الخلق هو الله عز وجل فإذا كان الولي لا يملك الضرر ولا النفع في حياته فكذلك أيضاً لا يملك النفع ولا الضرر بعد موته من باب أولى، لهذا الأولياء ليس لهم حق في تدبير الكون ولا في نفع الخلق ولا في ضرر الخلق والواجب على الإنسان أن يعلق ذلك بالله عز وجل وحده لأنه هو المالك له ثم إنني أقول لهذا الأخ ولغيره أنه يجب التحقق من انطباق وصف الولاية على من يوصف بها فقد يقال هذا ولي لله وهو عدو لله عز وجل لأنه يضل الناس ويصدهم عن دين الله الحق ويغريهم بما يكون على يديه من الخرافات والخزعبلات وغيرها وميزان الولاية هو ما ذكره الله تعالى بقوله:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله وليّاً فإذا قيل عن شخص ما إنه ولي نظرنا في إيمانه وفي تقواه لله عز وجل وهل هو مستقيم على شريعة الله عز وجل حريص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم منفذ لشرع الله تعالى في قوله وفعله وإلا فإنه ليس لله بولي وإن زعم أنه ولي فإذا كان يأتي بأمور محدثه في العبادة أوفي العقيدة ويزعم أنه ولي فهو كاذب في زعمه هذا لأنه ليس بتقي والولي هو المؤمن التقي.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الإعتقاد باطل لأن الذي بيده النفع والضرر وكشف الكربات هو الله عز وجل وليس الأولياء فالأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فضلا عن غيرهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا وإنما الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء هو الله عز وجل فإذا كان الأنبياء وهم سادات الأولياء وفوق مرتبة الأولياء إذا كانوا هم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فما بالك بغيرهم قال الله تعالى عن نوح (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وقال له (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً. إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) وقال تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالأولياء لا يملكون لأحد شيئا لا نفعا ولا ضرا سواء كانوا أحياء أو أمواتا فلا يملكون أن يهدوا ضالا ولا أن يغنوا فقيرا ولا أن يشفوا مريضا وإنما ذلك إلى الله عز وجل هم بأنفسهم إذا أصابهم الضرر لا يملكون دفعه ولا يملكون رفعه بل هم عاجزون عن ذلك فكيف يملكون لغيرهم ذلك.

***

ص: 2

‌‌

‌ماحكم الشرع في نظركم في زيارة قبور الأولياء والصالحين هل هو محرم وهل يجوز لنا أن نزورهم

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعرف من هو الولي الولي بينه الله عز وجل في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً وهذه نقطة يجب أن يعرفها كل أحد وذلك لأن بعض الناس يستغفلون العامة ويدعون أنهم أولياء وربما يؤيدون دعواهم بخدمة الشياطين لهم فيظن العامة أن هذا من باب الكرامات وهو في الحقيقة من باب الإهانات ثانياً بالنسبة لزيارة القبور زيارة القبور عموماً مستحبة فعلها النبي عليه الصلاة والسلام وأمر بها وأخبر عن فائدتها فقال (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة) والإنسان إذا زار القبر بل إذا زار القبور تذكر الآخرة حيث يتذكر أن هذا هو مثواه وأنه لا بد أن يحله كما حله من قبله ويتذكر أن هؤلاء الذين صاروا مرتهنين في قبورهم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يمشون عليها ويتمتعون بما فيها من نعم الله كما يمشي عليها هو الآن ويتمتع بما فيها من نعم الله فيتذكر ويخاف ويعمل لهذا اليوم المحتوم الذي لا بد منه ولهذا كانت زيارة القبور سنة مستحبة ولكن يجب أن نعلم أن زيارة القبور ليس من أجل أن ننتفع بزيارتهم انتفاعاً مادياً من كشف الكربات وإغاثة اللهفات وانتفاء المضرات ولكن من أجل أن ندعو الله لهم لأننا نقول عند زيارة القبور السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم وأما دعاء أصحاب القبور فهو شرك أكبر مخرج عن الملة لأن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا لغيرهم وأما التبرك بترابهم أو التمسح بقبورهم فإنه بدعة منكرة وقد تصل إلى حد الكفر بحسب اعتقاد الفاعل وزيارة القبور سنة بالنسبة للرجال فقط أما النساء فلا يسن لهن زيارة القبور بل إن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) ولا يرد على هذا ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلى آخره) فإن المراد بذلك من مرت بمقبرة بدون قصد الزيارة فإنه لا حرج عليها أن تسلم على أهل القبور وتدعو لهم والشأن فيمن خرجت من بيتها إلى زيارة المقبرة فإن هذا حرام عليها بل من كبائر الذنوب (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور) .

***

ص: 2

‌‌

‌هذا مستمع من المملكة المغربية يقول في هذا السؤال هل زيارة الأولياء تجوز أم لا وإذا كانت تجوز كيف الزيارة وكيف يكون لنا أن نترحم عليهم

؟

فأجاب رحمه الله: نعم أولاً لا بد أن نعلم من هم الأولياء هل الولي من أطال الشعر وكبَّر العمامة وزاد في حبات المسبحة أو ما أشبه ذلك مما يصطنعه من يدعون أنهم أولياء أم ماذا؟ الجواب على هذا أن نقول إن الولي قد بينه الله عز وجل في كتابه فقال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فالولي حقيقةً هو المؤمن بالله عز وجل المؤمن بكل ما يجب الإيمان به المتقي لله والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فإذا علمنا أن رجلاً بهذا الوصف فهو متق وزيارته إن كان حياً لا بأس بها بل قد تكون مطلوبة لما في الجلوس معه من الخير فإن الولي المؤمن التقي جليسٌ صالح وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على الجلوس معه فقال عليه الصلاة والسلام (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحةً طيبة) وأما زيارة قبورهم فإن كان الإنسان يزورها على سبيل التبرك بها فإن ذلك بدعة وذريعةٌ إلى الشرك وإن كان يزورها ليدعو لهم فهذا لا بأس به فإن زيارة القبور للدعاء لأهل القبور جائزة وهي من الإحسان إليهم وإن كان يزورها أي يزور قبور الأولياء ليدعو الأولياء ويستغيث بهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لا يقبل من صاحبه صيامٌ ولا صلاةٌ ولا صدقة ولا حج لأنه مشركٌ شركاً أكبر فإن الله عز وجل يقول (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ويقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) ويقول عز وجل (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على التحذير من دعاء غير الله وعلى أنه كفرٌ وشرك مخرجٌ من الملة فصارت زيارة هؤلاء الأولياء على ثلاثة وجوه زيارة للدعاء لهم والاتعاظ بأحوالهم وهذه جائزة بل مطلوبة ،زيارة للتبرك بهم وهذه وسيلة إلى الشرك، زيارة لدعائهم والاستغاثة بهم وهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة ثم إن القسم الثاني وهو التبرك بهم إن كان يعتقد أن هؤلاء يجعلون البركة في سعيه وفي أهله وفي ماله من أجل زيارتهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لأن هؤلاء لا يقدرون على هذا، أمواتٌ غير أحياء فلا يقدرون على أن ينفعوا أحداً في دنياه بكشف الضر أو جلب النفع.

***

ص: 2

‌‌

‌بارك الله فيكم في سؤال المستمع محمد الطيب يقول ما حكم زيارة الأولياء سواءٌ كانوا أحياء أم أمواتاً نرجو الإفادة

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الأولياء لا ينبغي أن نطلقها إلا على من تحققت فيه الولاية التي بينها الله عز وجل في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليست الولاية بالدعاية أو بملابس معينة أو بهيئةٍ معينة ولكنها بالإيمان والتقوى وكثيرٌ ممن يدعي الولاية يكون دجالاً كذاباً يدعو إلى تعظيم نفسه وإلى سيطرته على عقول الخلق بغير الحق فمثل هذا لا يستحق أن يزار ولا أن تلبى دعوته حتى يستقيم على أمر الله ويرجع إلى دين الله ويسلم الناس من شره ودجله وإذا عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذي لا يزكي نفسه ولا يدعي الولاية كان له حق على إخوانه المسلمين أن يحبوه في الله وأن يحترموه الاحترام اللائق به حتى يكون ذلك تشجيعاً له على مضيه فيما هو عليه من الإيمان والتقوى وحثاً لغيره أن يكون مثله في إيمانه وتقواه وأما زيارة الأولياء بعد الموت كما قال السائل فإن الأولياء الصادقين المتصفين بالإيمان والتقوى إذا ماتوا كانت زيارتهم كغيرهم لا تختلف عن غيرهم لأنهم هم محتاجون إلى الدعاء لهم كما أن غيرهم من المسلمين محتاجٌ إلى الدعاء له وليس في زيارة قبورهم مزيةٌ على زيارة غيرهم من حيث النفع أو الضرر لأنهم هم بأنفسهم محتاجون إلى عفو الله ومغفرته وليس لهم من الأمر شيء وما يفعله بعض العامة الجهلة من التردد على قبور من يسمونهم أولياء أو يعتقدونهم أولياء للاستشفاء بتراب القبر أو التبرك بالدعوة عنده أو ما أشبه ذلك فكل هذا من البدع بل قد تكون وسيلةً إلى الشرك بهم ودعائهم مع الله عز وجل.

***

ص: 2

‌‌

‌أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلا وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت وهذ

ا يحدث لي كثيرا ولا أقول بأني أعلم الغيب حاشا فلا يعلم الغيب إلا الله عز وجل ولكن هل تعتبر هذه مكرمة لي من الله

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ليست مكرمة وليست علم غيب ولكنها ظن يقع في قلب الإنسان أن يكون كذا وكذا فيكون ولا سيما إذا كان هذا الإمام قد اعتاد أنه إذا قرأ خواتيم سورة البقرة قرأ خواتيم سورة التوبة فإن سامعه يتوقع أنه بعد قراءته لخواتيم سورة البقرة أن يقرأ خواتيم سورة التوبة وليس كل ظن يقع كما ظنه الظان يكون كرامة للإنسان أو علم غيب لأن الكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله تبارك وتعالى على يد ولي من أوليائه وهذا الظن الذي يستفاد من القرائن ليس بأمر خارق للعادة.

***

ص: 2

‌الصحابة

ص: 2

‌‌

‌جزاكم الله خيراً يقول هذا السائل في سؤاله يا فضيلة الشيخ ما الواجب علينا نحو الصحابة الكرام

؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب علينا محبتهم واحترامهم والذود عن أعراضهم والسكوت عمّا جرى بينهم من القتال واتهام من سبهم بالنفاق وذلك بأنه لا أحد يجرؤ على سب الصحابة رضي الله عنهم إلا من غمسه النفاق والعياذ بالله وإلا فكيف يسب الصحابة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقال (لا تسبوا أصحابي) ثم إن سب الصحابة قدح في الصحابة وقدح في الشريعة وقدح في الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقدح في حكمة الله عز وجل أما كونه قدحاً للصحابة فواضح وأما كونه قدحاً في الشريعة فلأن الذين نقلوا إلينا الشريعة هم الصحابة وإذا كان ناقلو الشريعة على الوصف الذي يسبهم به من سبهم لم يبق للناس ثقة بشريعة الله لأن بعضهم والعياذ بالله يصفهم بالفجور والكفر والفسوق ولا يبالي أن يسب هذا السب على أشرف الصحابة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأما كونه قدح برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن الصاحب على حسب حال صاحبه بالنسبة لاعتباره ومعرفة قدره ولذلك تجد الناس إذا رأوا هذا الشخص صاحبا لفاسق نقص اعتباره عندهم وفي الحكمة المشهورة بل وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وفي الحكمة المشهورة المنظومة:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

وأما كونه طعناً في حكمة الله فهل من الحكمة أن يختار الله لأشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأصحاب الفجرة الكفرة الفسقة والله ليس من الحكمة.

***

ص: 2