الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بارك الله فيكم هذه السائلة من الأردن تقول فضيلة الشيخ نحن نعلم بأن الدار التي تقرأ فيها سورة البقرة لا يدخلها شيطان فهل تقرأ مرة واحدة أم كل ثلاثة أيام وهل تقرأ هذه السورة في الغرفة أم يكتفى أن تقرأ في مكان واحد من البيت
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن البيت إذا قرئت فيه البقرة أول مرة اكتفي بها وأنه لا يشترط أن تقرأ في كل حجرة بل تقرأ في صالة البيت أو في السطح أو في مكان عام من البيت ويكتفى بذلك.
***
ما حكم المداومة على قراءة سورة الكهف في كل جمعة وهل الاستمرار عليها وعدم تركها يعتبر بدعة
.
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستمرار عليها جائز ولا شك فيه لأن في قراءتها كل جمعة فضلاً كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***
ماذا ورد في قراءة سورة يس في كل ليلة وأيضاً سورة الدخان
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا سنة وإنما ورد السنة بقراءة سورة الملك كل ليلة وكذلك قراءة آية الكرسي وقراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (المعوذتين) وأما ما ذكره السائل فلا أعلم له أصلا.
***
يقول ما حكم المداومة على قراءة سور معينة يتخذها الإنسان كورد بجانب تلاوة القران يوميا حيث علمنا من بعض الأحاديث بأن قراءة هذه السور لها فضل عظيم كسورة يس وسورة حم الدخان والفتح والملك وغيرها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لم يرد به النص من قراءة بعض السور أو الآيات فإنه لا يجوز للإنسان أن يقرأه معتقدا أن قراءة هذا الشيء المعين سنة لأنه لو فعل ذلك لشرع في دين الله ما ليس منه وأما ما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أو جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه تثبت به الحجة فإنه لا بأس أن يداوم عليه على الوجه الذي جاء إن كان جاء بالمداومة يكون مداوما وإن كان جاء بغير المداومة يكون غير مداوم والمهم أنه ينبغي بل يجب على العباد وأصحاب الأوراد يجب عليهم أن يتحروا ما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وألا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه فإنه حتى القرآن إذا خص الإنسان منه شيئاً معينا يتخذه دينا بالمداومة عليه أو ما أشبه ذلك وهو لم يرد عن الرسول صلى الله وسلم على وجه يكون حجة فإنه لا يجوز له أن يفعل ذلك بل يكون مبتدعا في دين الله ما ليس منه.
***
يقول السائل سمعت بأن هناك سورا منجيات يوم القيامة مثل الملك والدخان والواقعة ما صحة ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم عن هذا شيئا.
***
سورة الإخلاص يقال إنها تمثل أو تعدل ثلث القرآن فهل صحيح هذا وأن من يقرؤها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره ولكن ليس معنى المعادلة أنها تجزئ عن القرآن فإن المعادلة قد لا تكون مجزئة وانظر إلى ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات يعدل عِتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ومع ذلك لو قال الإنسان هذا الذكر مائة مرة لم يجزئه عن العتق رقبة في كفارة فمعادلة الشيء بالشيء لا تقتضي إجزاء الشيء عن الشيء فنحن نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) لكننا نقول إن قراءتها لا تجزئ عن قراءة القرآن بل لابد من هذا وهذا ولذلك لو أن الإنسان قرأها في صلاته ثلاث مرات ولم يقرأ الفاتحة ما صحت صلاته ولو كانت تجزئ عن القرآن لقلنا إنك إذا قرأتها ثلاث مرات في الصلاة أجزأتك عن الفاتحة ولا قائل بذلك من أهل العلم.
***
الناسخ والمنسوخ
ماهي الآيات الناسخة والمنسوخة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الإحاطة بها، هذه لها مجلس علم لكن هنا مسألة وهي أن بعض أهل العلم رحمهم الله يتساهلون في مسألة النسخ فقد يكون الأمر ليس بنسخ بل هو تخصيص ويقولون إنه نسخ وهذا وإن كان يطلق عليه اسم النسخ في عرف المتقدمين أي إنهم يسمون التخصيص نسخا لكن النسخ بالمعنى المصطلح عليه بعض الناس يتساهل فيه فتجده يعد آيات كثيرة منسوخة وأحاديث كثيرة منسوخة مع إمكان الجمع والأحكام المنسوخة لا تتجاوز عشرة أحكام أو نحوها تزيد قليلا فما يفعله بعض العلماء رحمهم الله من كونه كلما عجز عن الجمع بين النصين قال منسوخ فهذا تهاون في النسخ والتهاون في النسخ ليس بالأمر الهين لأن لازمه إبطال أحد النصين وإبطال النص أمر صعب لا يمكن فالواجب الجمع ما أمكن فإذا تعذر الجمع نظرنا إلى التاريخ ولا بد من علم التاريخ فالمتقدم منسوخ والمتأخر ناسخ.
***
رسالة من الصومال يقول مرسلها عبد علي نور الصومالي تنزانيا، لي سؤال سألته من قبل بعض علماء هذا الوطن لكني لم أجد حتى الآن جواباً مقنعاً أطلب أن تجيبوا لي برسالة وبالإذاعة أيضاً قد قرأت خطبة لعمر بن الخطاب إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى، إلى آخر الخطبة، فبحثت عن آية الرجم فوجدت في كتاب بلوغ المرام ص 271 وهي قوله تعالى الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والعجب أن هذه الآية لا توجد في الكتاب كما قال عمر بن الخطاب في خطبته هذه، والسؤال من الذي خرجها في الكتب، وما السبب، وهل هناك جناح في قراءتها وفي أي سورة كانت وما الآية التي كانت قبلها والآية التي بعدها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره السائل عن عمر رضي الله عنه ثابت عنه في الصحيحين وأن الآية نزلت في كتاب الله وقرأها الصحابة ووعوها وحفظوها وطبقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء بعده، وهي حق بلا شك، لكن هذه الآية مما نسخ لفظه وبقي معناه، وقد ذكر أهل العلم أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر ما وقع في القرآن، والثاني ما نسخ لفظه وبقي حكمه، والثالث ما نسخ لفظه وحكمه، فمثال الأول قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ثم قال بعدها ناسخاً لها (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) فهذا نسخ حكمه وبقي لفظه، بقي لفظه تذكيراً للأمة بما أنعم الله عليهم من التخفيف وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته، أما القسم الثاني وهو ما نسخ لفظه وبقي حكمه فمثل هذه الآية، آية الرجم فإن حكمها باقٍ إلى يوم القيامة وكانت مقروءة وموجودة لكنها نسخ لفظها، والحكمة في نسخ لفظها والله أعلم بيان فضل هذه الأمة على الأمة اليهودية التي كتمت أو حاولت أن تكتم ما كان موجوداً في كتابها وهي آية الرجم حينما جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتونه في قضية اليهوديين حينما زنى رجل بامرأة منهم فجاؤوا بالتوراة ووضع القارئ يده على آية الرجم حتى قال عبد الله بن سلام ارفع يدك، فالأُمَّة اليهودية كان رجم الزاني ثابتاً عندها في التوراة لفظاً وحكماً فحاولوا كتمه وعدم العمل به، هذه الأمة نسخ لفظ التلاوة التي تثبت رجم الزاني لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخاً مما يدل على فضلها وعلى امتثالها لأمر الله عز وجل وعدم تحايلها على إبطال شريعته هذا هو الذي يظهر لي من الحكمة في نسخ لفظها، وإن كان قد روي أن الحكمة هو أن الآية التي أشار إليها الأخ في السؤال وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما لا تطابق الحكم الثابت الآن، لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، والآية إن صحت الشيخ والشيخة تعلق الحكم بالشيخوخة لا بالإحصان، وبينهما فرق فقد يكون الشيخ غير محصن يعني لم يتزوج ومع ذلك لا يرجم ومقتضى الآية أن يرجم لأنه شيخ، وقد يكون المحصن شاباً فيرجم ومقتضى الآية إن صحت أنه لا يرجم، ولذلك هذه الآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم، في القلب من صحتها شيء وإن كانت قد وردت في السنن وفي المسند وفي ابن حبان، لكن في القلب منها شيء لأن حديث عمر رضى الله عنه الذي أشار إلى آية الرجم قال وإن الرجم حق ثابت في كتاب الله على من زنى إذا أحصن، إذا أحصن فمقتضى هذا اللفظ الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، ولهذا يجب التحرز من القول بأن الآية المنسوخة بهذا اللفظ أي بلفظ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة لأن إثبات أن هذه هي الآية المنسوخة معناها إثبات أنها من كلام الله، وكلام الله سبحانه وتعالى حسب الحكم الشرعي الثابت الآن مقيد بالإحصان لا بالشيخوخة وهو في الحديث الذي في الصحيحين عن عمر يدل أيضاً على أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، على كل حال في نفسي وفي قلبي شيء من صحة هذا اللفظ أي لفظ الآية التي كانت منسوخة وهي أن لفظها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم فلا أستطيع أن أجزم بأن هذه هي الآية أي أن هذا هو لفظها، لأنها كما أشرنا إليه لا تطابق الحكم الشرعي الثابت الآن، ولا تطابق أيضاً الحديث الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة على من زنى إذا أحصن، ففي القلب من صحتها شيء، أما قول الأخ أنه لم يجدها فصدق فهي غير موجودة في المصحف آية الرجم، وأما أين السورة التي ذكرت فيها ففي صحيح ابن حبان أنها كانت في سورة الأحزاب، والله أعلم بذلك، هل هي في سورة الأحزاب أو في سورة النور، الله أعلم، لأن الحديث يجب النظر فيه، والخلاصة أن قوله والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وإن كان مشهوراً ومعروفاً في السنن ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان فإن في نفسي من صحته شيئاً أولاً لأنه يخالف الحكم الشرعي الثابت إذ الحكم معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، ثانياً أن لفظ حديث عمر الثابت في الصحيحين ذكر أن الرجم على من زنى إذا أحصن فمقتضى ذلك أن الآية المنسوخة تعلق الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، وهذا مما يدل على ضعف هذا الحديث المروي فيجب التثبت فيه، إذن هذا القسم الثاني من المنسوخ ما نسخ لفظه وبقي حكمه، الثالث ما نسخ لفظه وحكمه، ومثلوا له بحديث عائشة رضى الله عنها الثابت في صحيح مسلم كانت فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن هذه فإن هذا العشر نسخت لفظاً وحكماً ثم استقر الحكم على خمس معلومات.
***
التفسير والمفسرون
هل كل شخص يفسر القرآن برأيه أم الراسخون في العلم فقط وما الدليل على ذلك مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التفسير بالرأي لا يجوز لا لأهل العلم ولا لغيرهم ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومعنى التفسير بالرأي أن الإنسان يحمل معاني كتاب الله عز وجل على ما يراه لا على ما تقتضيه دلالتها وأما التفسير بمقتضى الدلالة فإن كان عند الإنسان قدرة على ذلك بحيث يكون عنده علم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه وقواعد الملة فلا بأس أن يفسر القرآن بما يقتضيه ذلك وإن لم يكن عنده علم فإنه لا يجوز أن يفسره لأن الأمر خطير ومفسر القرآن مترجم عن الله سبحانه وتعالى فليحذر أن يترجم كلام الله بما لا يريده الله فإن الأمر شديد وعظيم.
***
السائل يقول عندما يسألني سائل عن تفسير آية من القرآن وأنا لا أعلم بتفسيرها أقوم بتفسيرها على ضوء نص الآية فهل يجوز ذلك أم أن ذلك يكون من التكلف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كنت طالب علم وعندك شيء من علم اللغة وأفتيته بما تقتضيه اللغة أي فسرت له القرآن بما تقتضيه اللغة فأرجو أن لا يكون في هذا بأس وأما إذا كنت عاميّاً فلا تتحدث عن تفسير القرآن لأنك تكون حينئذ قلت في القرآن برأيك ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
***
أحياناً يسأل أحدنا سؤالاً عن تفسير آية أو كلمة في القرآن فالبعض منا يفسر الآية على ما يغلب عليه ظنه فهل في ذلك بأس
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي فسر الآية على حسب ظنه من أهل اللغة العربية العارفين بها فلا بأس وأما إذا كان يتخرص خرصاً فلا يجوز لأن المفسر للقرآن شاهدٌ على الله تعالى بأنه أراد كذا وكذا وهذا أمرٌ فيه خطورةٌ عظيمة فإن الله تعالى سيسأله يوم القيامة كيف شهدت عليَّ بأني أردت كذا وكذا بدون علم ولهذا جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي وأن من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب أما الإنسان الذي عنده معرفة باللغة العربية وفسر القرآن بمقتضى اللغة العربية فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك يراجع ما قاله المفسرون في تفسير الآية أما إذا كان هذا القول في مناقشةٍ بين طلبة العلم وسيرجعون في النهاية إلى كتب التفسير فهذا لا بأس به لأن هذا ليس قولاً مستقراً لكنه عرض رأيٍ سوف يراجع فيما بعد.
***
بماذا ترشدون من أراد أن يقرأ في كتب التفسير لا سيما وأن بعضها يشتمل على تحريف الصفات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرشده إلى أن يتجنب جميع الكتب التي فيها التحريف ثم إذا ترعرع فيما بعد وأحب أن يطلع ويرى ما ابتلي به بعض الناس من التحريف فلا حرج أما في بداية الأمر فأخشى عليه الضلال إذا طالع الكتب التي فيها التحريف كتحريف (اسْتَوَى) بمعنى استولى (وَجَاءَ رَبُّكَ) بمعنى جاء أمر ربك (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أي نعمتاه وما أشبه ذلك من التحريف الباطل هذا لا يمكن أن يقرأه المبتدئ لأنه يضل ويهلك ونحن نؤمن بأن الله يجيء نفسه لأن الله أضاف الفعل إلى نفسه جاء ربك وأنه استوى على عرشه حقا وبأن له يدين حقيقيتين قال الله عز وجل (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالأمر واضح ولله الحمد الأمر مثل الشمس في رابعة النهار لكني أقول من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
***
أقرأ في بعض التفاسير وأخشى أن يكون بعضهم يخالف قول أهل السنة والجماعة ومذهب أهل السنة فبماذا تنصحونني
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال أقول إن بعض المفسرين ينحون مذهب من يخرج النصوص على ظاهرها فيما يتعلق بصفات الله فيجب الحذر من هذا المذهب لأن حقيقته تحريف الكلم عن مواضعه وليس تأويلاً صحيحاً مراداً لله عز وجل لأن الله تعالى لو خاطب الناس بما يريد منهم خلاف ظاهره لم يكن هذا من البيان الذي التزم الله به في قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وفي قوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ولا يجوز لنا أن نعدل بكلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا في باب العقيدة ولا في باب الأحكام العملية عن ظاهره إلا بدليل لأن الله خاطبنا باللسان العربي المبين فيجب علينا أن نجري اللفظ بمقتضى هذا اللسان العربي المبين إلا إذا جاء دليل من المتكلم به على أنه لا يريد ظاهره فحينئذٍ نفسر كلامه بعضه ببعض وأما مجرد الأوهام والتخيلات التي تكون عند بعض أهل العلم من أن إثبات هذه الصفة يقتضي التمثيل أو التشبيه فإن هذه لا يجوز لنا أن نحكم بها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أوهام ذهب إليها من ذهب ظناً منه أن صفات الله يحذى بها حذو صفات المخلوقين فيكون هذا الذي نفى الصفة يكون ممثلاً أولاً ومعطلاً ثايناً فهو ممثل أولاً بحسب ظنه ووهمه معطلٌ ثانياً لأنه نفى الصفة التي يدل عليها ظاهر كلام الله ورسوله.
***
ما تنصحون بقراءته من كتب التفسير
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير في الواقع كثيرة ومتشعبة والعلماء رحمهم الله كل يأخذ بجهة من جهات القرآن الكريم فمنهم من يغلب عليه تفسير المعاني بقطع النظر عن الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه مسائل الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه استنباطات من الآيات العلمية والعملية فهم يختلفون لكن من خير ما يكون من التفاسير فيما أعلم تفسير ابن كثير رحمه الله فإنه تفسير جيد سلفي لكن يؤخذ عليه أنه يسوق بعض الإسرائيليات في بعض الأحيان ولا يتعقبها وهذا قليل عنده ومن التفاسير الجياد تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر بن سعدي رحمه الله فإنه تفسير سلفي سهل المأخذ ينتفع به حتى العامي ومن التفاسير الجياد تفسير القرطبي رحمه الله ومنها تفسير محمد الأمين الشنقيطي الجكني لا سيما في الجزء الذي أدركه ومن التفاسير الجياد في البلاغة والعربية تفسير الزمخشري لكن احذره في العقيدة فإنه ليس بشيء ومن التفاسير الجياد تفسير ابن جرير الطبري لكنه لا ينتفع به إلا الراقي في العلم هناك تفاسير أخرى لا نعرفها إلا بالنقل عنها لكن الإنسان يجب عليه أنه إذا لم يفهم الآية من التفاسير أن يسأل عنها أهل العلم حتى لا يفسر القرآن بغير مراد الله تعالى به.
***
آداب القرآن وأحكامه (حفظ القرآن وتعاهده)
هل صحيح بأن من حفظ القرآن كاملاً حرمه الله على النار
.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن حفظ القرآن كاملاً أو حفظ بعضه فإن القرآن إما حجة له أو حجة عليه وليس كل من حفظ القرآن يكون القرآن حجة له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجة لك أو عليك) فإن عمل به الإنسان مصدقاً بأخباره متبعاً لأحكامه صار القرآن حجة له وإن تولى وأعرض كان القرآن حجة عليه قال الله تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) ولكن مع ذلك أحث إخواني المسلمين من ذكور وإناث أن يحفظوا كتاب الله لأن كتاب الله تبارك وتعالى ذخر وغنيمة وإذا حفظه الإنسان استطاع أن يقرؤه في كل وقت وفي كل مكان إلا في الأوقات والأماكن التي ينهى عن القراءة فيها فيقرؤه وهو على فراشه يقرأه وهو يسير في سوقه إلى المسجد أو إلى المدرسة أو إلى حلقة الذكر أو إلى البيع والشراء ثم إن القرآن الكريم ليس كغيره فالقرآن الكريم في كل حرف منه حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ثم إن القرآن الكريم كلما تدبره الإنسان ازداد محبة لله تعالى وتعظيماً له وصار القرآن كأنه سليقة له يسر بتلاوته ويحزن بفقده فنصيحتي لإخواني المسلمين عموماً أن يحرصوا على حفظ القرآن ولا سيما الصغار منهم لأن حفظ الصغير له فائدتان الفائدة الأولى أن الصغير أسرع حفظاً من الكبير والثانية أن الصغير أبطأ نسياناً من الكبير فهاتان فائدتان الأولى والثانية نسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته.
***
ما هو الدعاء المفضل لحفظ القرآن الكريم وما الطريقة التي تنصحون به لحفظ كتاب الله ولكم جزيل الشكر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف دعاءً يحفظ به القرآن الكريم ولكن الطريق إلى حفظه هو أن يواظب الإنسان على تحفظه وللناس في تحفظه طريقان
أحدهما أن يحفظه آية آية أو آيتين آيتين أو ثلاثا ثلاثا حسب طول الآية وقصرها.
والثاني أن يتحفظه صفحة، صفحة والناس يختلفون منهم من يفضل أن يتحفظه صفحة صفحة يعني يقرأ ويرددها ويرددها حتى يحفظها ومنهم من يفضل أن يحفظ الآية ثم يرددها حتى يحفظها ثم يحفظ آية أخرى كذلك وهكذا حتى يتمم ثم إنه أيضاً ينبغي سواءً حفظ بالطريقة الأولى أو بالثانية أن لا يتجاوز شيئاً حتى يكون قد أتقنه لئلا يبني على غير أساس وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم خصوصاً في الصباح فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درساً جديداً.
***
ما هو السن المناسب في تحفيظ الأبناء للقرآن الكريم وما رأيكم أيضا في الأناشيد الإسلامية من أجل تحفيظها للأطفال وتعويدهم على ترديدها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى من السؤال وهي السن التي ينبغي أن يبتدأ فيها بتحفيظ الطفل كتاب الله عز وجل فإن الغالب أن سن السابعة يكون فيه الطفل مستعدا لحفظ ما يلقى إليه ولهذا كانت السابعة عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء هي سن التمييز ويوجد بعض الأطفال يكون عنده تمييز قبل سن السابعة ويوجد بعض الأطفال لا يكون عنده تمييز إلا في الثامنة فما فوق فالمهم أن هذا يرجع إلى استعداد الطفل لحفظ القرآن وغالب ذلك سبع سنوات أما الأناشيد الإسلامية فتحتاج إلى أن نسمعها لأن بعض الأناشيد الإسلامية تسمى إسلامية لكن فيها بعض الأخطاء هذا إذا كانت مجردة عن الموسيقى والطبول والدفوف أما إذا صحبها شيء من آلات المعازف فهي حرام لما صحبها منها من آلات العزف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وهذا نص صريح في أن المعازف حرام.
***
المستمع خضر يقول أسأل عن آداب تلاوة القرآن الكريم وأرجو أن ترشدوني لبعض الأدعية المستجابة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن الكريم أن يكون الإنسان عند قراءة القرآن متطهراً وأن يكون متخشعاً وأن يكون متدبراً لكلام الله عز وجل وأن يكون مستحضراً لكون القرآن كلام الله حروفه ومعانيه حتى يحصل له من تعظيم الله عز وجل حال قراءة القرآن ما لا يحصل له لو كان غافلاً وينبغي للإنسان أن يجعل له في كل يوم حزباً معيناً يحافظ عليه حتى لا تضيع عليه الأوقات لأن الإنسان إذا ضاعت عليه الأوقات فإنه لا يتمكن من العمل الذي يرضى به عن نفسه أي أن الإنسان إذا أهمل نفسه بدون تقيد ضاعت عليه أوقاته وخسر وقتاً كبيراً بخلاف ما إذا ما وقت لنفسه وضبط نفسه فإنه يحصل على خير.
***
ما حكم الشرع في نظركم في الطالب الذي يقرأ القرآن ثم يحفظه ثم ينساه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حفظ الإنسان القرآن ثم نسيه فإن كان عن هجر للقرآن ورغبة عنه فإنه قد عرض نفسه لإثم عظيم وإن كان بمقتضى السجية والطبيعة البشرية أو أتاه ما يشغله عن تعهده فإنه لا يأثم بذلك لأن النسيان من طبيعة الإنسان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) فإذا كان النسيان بمقتضى طبيعة البشرية أو من أجل أنه تشاغل بأمور واجبة أوجبت نسيان شيء من القرآن فإن ذلك لا يكون سبباً لإثمه.
***
لقد كنت أحفظ من القرآن الكريم ما يقارب من عشرة أجزاء ومنذ ثلاث سنوات نسيت ما كنت أحفظه إلا قليلاً وذلك بسبب دراستي فهل علي إثم في ذلك وهل أدخل في قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدخل في هذه الآية لأن قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) المراد فتركتها يعني فتركت العمل بها ولم ترفع بها رأسا ولم تر في مخالفتها بأسا هذا معنى النسيان هنا والنسيان يأتي بمعنى الترك كما في قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركهم لأن الرب عز وجل لا ينسى النسيان الذي هو ضد الذكر ولكن لا ينبغي لمن من الله عليه بحفظ القرآن أن يهمله حتى ينساه بل يحافظ عليه ويتعهده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك فقال (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) فإذا أمكنك الآن وأرجو أن يمكنك أن تعيد ما مضى فإن استعادته سهلة فاستعن بالله والتفت إلى القرآن واستذكر ما نسيت واسأل الله أن يفتح عليك وأن يذكرك ما نسيت.
***
سالم محمد سالم مصري يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وهل ينطبق معناها على من حفظ شيئاً من القرآن ثم نسيه بسبب الإهمال وقلة الفراغ وعدم المداومة على قراءته
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) أن كل من أعرض عن ذكر الله وهذا يشمل الإعراض عن ذكره الذي هو القرآن والوحي الذي أنزله على أنبيائه ورسله ويشمل الذكر الذي هو ذكر الله تعالى بالقلب وباللسان وبالجوارح فمن أعرض عن هذا وهذا فإنه يعاقب بهذه العقوبة العظيمة فإن له معيشةً ضنكا وهذه المعيشة الضنك قيل إن المراد بها تضييق القبر عليه بعد موته وقيل إن المراد بها ما هو أعم وحتى وإن بقي في دنياه فإنه لا يكون منشرح الصدر ولا يكون مطمئن القلب وذلك لأنه لا عيش أنعم ولا أطيب من عيش من آمن بالله وعمل صالحاً كما قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال بعض السلف لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف لأن الإيمان مع العمل الصالح يوجب للإنسان الانشراح والطمأنينة ويكون في قلبه نور ويكون راضياً بقضاء الله وقدره في المكاره والمحاب فلا يوجد أحدٌ أنعم منه وهذا القول أقرب إلى الصواب أن المعيشة الضنك تشمل هذا وهذا في القبر وكذلك في الدنيا أما بعد الحشر فإنه يحشر والعياذ بالله يوم القيامة أعمى كما قال الله تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) وحينئذٍ يسأل لا سؤال استعتاب ولكن سؤال استظهار لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا وهذا لأجل إقامة الحجة عليه وخزيه والعياذ بالله يوم القيامة فيقول الله له (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ) .
***
يقول السائل إنني مواظب على قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ولكنني كثيراً ما أنسى ولا أستطيع أن أحفظ هل علي إثم في هذا أفيدوني بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن من نعمة الله على العبد أن يوفقه الله تعالى لحفظ كتابه عن ظهر قلب لما في ذلك من المصالح العظيمة فإن الإنسان إذا كان حافظاً لكتاب الله عن ظهر قلب أمكنه أن يتلوه على كل حال إلا في المواضع التي لا ينبغي فيها تلاوة القرآن أو في الأحوال التي لا يمكن فيها قراءة القرآن كحال الجنابة وإذا كان حافظاً للقرآن عن ظهر قلب أمكنه أن يتدبر معانيه وأن يتفكر فيه كل وقت ولهذا ينبغي للإنسان أن يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ما استطاع وإذا حرص على ذلك ولكنه نسي شيئاً منه بغير تفريط فإن ذلك لا حرج عليه فيه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم بل ذات ليلة فقرأ وأسقط آية من القرآن نسيها فذكره أبي بن كعب بها بعد سلامه فقال (هلا كنت ذكرتنيها) فإذا نسي الإنسان شيئاً مما حفظ من كتاب الله دون استهانة به فإن ذلك لا حرج عليه فيه لأنه من طبيعة البشر أعني أن نسيان الإنسان لما حفظه أمر طبيعي لا يلام الإنسان عليه إلا ما كان من استهانة وعدم مبالاة فهذا له حال أخرى.
***
المستمعة أختكم في الله غ ح م المملكة تقول في رسالتها لقد سمعت حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم معناه أن من حفظ سورة أو آية من القرآن الكريم ونسيها بعد ذلك بأنه قد ارتكب ذنباً ما مدى صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي عليه الصلاة والسلام من الوعيد الشديد على من حفظ آية من كتاب الله ثم نسيها وهذا الحديث إن صح فالمراد به من نسي هذه الآية تهاوناً وإعراضاً عن كتاب الله عز وجل وعدم مبالاة به وأما من نسيها بمقتضى الطبيعة أو بانشغاله بما يجب عليه من شؤون حياته وحياة أهله فإنه لا إثم عليه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نسي آية في صلاة فذكره بها أبي بن كعب رضي الله عنه بعد أن سلم فقال هلا كنت ذكرتنيها يعني من قبل وثبت عنه أنه مر برجل يقرأ في بيته فقال (رحم الله فلاناً لقد ذكرني آية كنت نسيتها) والنسيان من طبيعة البشر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) والعجيب أن بعض الناس لتهيبه من عقوبة الله عز وجل لعب به الهوى حتى قال لن أحفظ شيئاًَ من كتاب الله أخشى أن أحفظه فأنساه فمنع نفسه من الخير بهذه الحجة التي لا أساس لها من الصحة ونحن نقول احفظ كتاب الله عز وجل وتعهده ما استطعت كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أمر بتعهد القرآن وقال (إنه أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فأنت احفظ القرآن وتعهده وإذا نسيت بمقتضى الطبيعة لا للإعراض عن كتاب الله ولا للتهاون به فإن ذلك لا يضرك وليس عليك إثم.
***
يقول السائل قرأت في يوم من الأيام حديثاً معناه أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ القرآن ونسيه يأتي يوم القيامة وهو أجذم) وأنا في الحقيقة إنسان أنسى بسرعة ولا أتذكر شيئاً إلا بشق الأنفس وهذا ما يخيفني وحاولت العلاج وعرضت نفسي على عدد من الأطباء فبماذا تنصحونني بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن نسيان القرآن ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون سببه إعراض القارئ وإهماله وتفريطه فهذا قد يكون آثماً لكونه أهدر نعمة الله عليه بحفظ كتابه حتى أضاعه ونسيه
وأما القسم الثاني فهو أن يكون نسيانه عن غير إعراض وغفلة ولكنه بآفة كسرعة النسيان أو لكونه ينشغل بأمور لا بدّ له منها في دينه ودنياه فينسى بذلك فهذا لا يضر ولا يؤثر وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بأصحابه فقرأ بهم ونسي آية من القرآن فلما انصرف ذكره بها أبي بن كعب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هلا كنت ذكرتنيها) يعني في الصلاة ومر بقاريء يقرأ ليلاً فقال (رحم الله فلاناً لقد ذكرني آية كنت أُنسيتها) فالنسيان الذي يأتي بمقتضى طبيعة البشر لا يلام الإنسان عليه.
***
السائلة تقول تركت قراءة القرآن علماً بأنني أقرؤه بشكل مستمر في شهر رمضان وذلك لانشغالي فما حكم ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء عليك إذا كان هذا الانشغال لا تتمكنين فيه من قراءة القرآن ومن المعلوم أن المؤمن لا يمكن أن يدع قراءة القرآن لأنه سوف يقرأ القرآن في الصلاة يقرأ الفاتحة وما تيسر ويقرأ الأوراد من الآيات الكريمة كآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وآيتين من آخر سورة البقرة وما أشبه ذلك لكن مع هذا ينبغي أن تحافظي ولو على نصف جزء في اليوم وهذا أمر لا يشق فقراءة نصف الجزء في عشر دقائق لا تشغل الإنسان شغلاً كثيراً فلتستعيني بالله عز وجل ولتحافظي على ورد معين تقرئينه كل يوم ولو عند النوم.
***
هل تجوز قراءة القرآن بدون معلم علما بأننا بحثنا في المدينة التي أسكن فيها ولم أجد من يعلمنا أحكام القرآن أو حفظ القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ومن تمام حفظه لكتابه العزيز أن قيض للمسلمين هذه المصاحف التي كتب فيها القرآن وطبع فيها القرآن على وجه معرب تمام الإعراب في الحركات والسكنات والمدات وغير ذلك وهذا داخل في قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فإذا كان الإنسان باستطاعته أن يقرأ القرآن من هذه الصحف المعربة المشكولة ولو شق عليه ذلك ولو تتعتع فيه فإنه يجوز له أن يفعل وإن لم يكن له قارئ يقرئه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) فأنت أخي السائل اقرأ القرآن وتهجه حرفا حرفا وكلمة كلمة مع إتقان الحركات والسكنات وهذا كافٍ وفيه خير عظيم ولك مع المشقة أجران كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قراءة القرآن على وجه التجويد المعروف فإن ذلك ليس بواجب لأن التجويد إنما يراد به تحسين القراءة فقط وليس أمرا واجبا حتما يأثم الإنسان بتركه بل الواجب الحتم أن يقيم الحركات والسكنات ويبرز الحروف.
***
احترام المصحف
المستمع زكي عبد الله مصري يقول كيف يكون تعاهد القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعاهد القرآن يكون بمداومة تلاوته حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة فقد يكون الإنسان ضعيفاً في حفظه في كتاب الله وهذا نقول له أكثر من تلاوته ومعاهدته لئلا يضيع منه شيء وتارة يكون حفظه لكتاب الله قوياً وهذا لا نلزمه من المعاهدة والمحافظة كما نلزم الأول فهي تكون بحسب الحال أي بحسب حال حافظ القرآن وضابطها أن يتعاهد القرآن على وجه يأمن فيه من نسيانه ويختلف هذا باختلاف الناس.
***
هل نسيان القرآن فضيلة الشيخ من كبائر الذنوب مع الدليل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي عليه الصلاة والسلام ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس تعهداً لكتاب الله عز وجل والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتاً ثبوتاً يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثماً فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير.
***
يقول السائل هل نسيان القرآن من كبائر الذنوب مع الدليل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي عليه الصلاة والسلام ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس تعهداً لكتاب الله عز وجل والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتاً ثبوتاً يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثماً فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير.
***
ما حكم وضع المصحف على الأرض فوق فرش المسجد فقد أفتى بعضهم بأن وضعه يؤدي إلى الكفر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به ولا حرج فيه إذا وضعه على وجه ليس فيه إهانة مثل أن يضعه بين يديه أو إلى جنبه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس بكفر أما لو وضعه بين قدميه وحاشا لأحد أن يفعل ذلك وهو مؤمن فهذا لا شك أنه إهانة لكلام الله عز وجل وإنني بهذه المناسبة أحذر من أن يفتي الإنسان بغير علم لأن الفتوى بغير علم قول على الله بغير علم وقد قرن الله القول عليه بغير علم بالشرك فقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وجاء في الحديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) ولا يحل لأحد أن يتكلم عن شريعة الله إلا بعلم يعلم به أن هذا من شريعة الله أو أن هذا مخالف لشريعة الله ولا يحل لأحد أيضاً إذا كان جريئاً أن يجرؤ على التكفير إلا بدليل واضح صريح لأن التكفير معناه إخراج الرجل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر فالأمر عظيم وإذا كان ليس بإمكان أحد أن يقول عن الشيء الحلال إنه حرام أو عن الشيء الحرام إنه حلال فليس بإمكان أحد أن يقول للشخص المسلم إنه كافر بل قد يكون هذا أعظم لأنه يترتب على القول بالكفر مسائل كبيرة عظيمة فالكافر مثلاً لا يزوج ولا يكون ولياً في زواج ولا يكون ولياً على أولاده وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يورث عند أكثر أهل العلم فالأمر ليس بالهين فالتكفير صعب فعلى كل حال نصيحتي لإخواني أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم فلا يقولوا على الله ما لا يعلمون ولا يتكلمون بشيء لا طاقة لهم به وإذا كانوا يستعجلون الرئاسة في العلم والإمامة في الدين فقد أخطؤوا فإن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه بل ينظروا ويصبروا حتى يكونوا أهلاً للإمامة في دين الله وحينئذٍ يفتون الناس ثم إني أحذر أيضاً العامة أن يستفتوا إلا من علم بأنه أهل للفتيا لأنهم إذا استفتوا من لا يعلمون أنه أهل للفتيا فقد يضلون بما أفتوا به من الضلال وإذا كان الإنسان لو مرض لم يذهب إلى أي واحد ليطلب العلاج عنده وإنما يذهب إلى الأطباء المعروفين فكذلك في دين الله إذا أشكل عليه شيء لا يذهب إلى أي واحد من الناس ويستفتيه وما أكثر ما يُعرض من الفتاوى الخاطئة فأحذر إخواني هؤلاء وأقول أسأل الله أن يجعلكم أئمة في الدين وأنتم تستحقون الإمامة واحرصوا على أن تتعلموا أولاً ثم تعلموا ثانياً وتفتوا الناس فتكونوا أئمة للناس في دينهم وفي صلواتهم وكذلك أيضاً أحذر إخواني الذين منّ الله عليهم بشيء من العلم ولكنهم ما زالوا في الطلب وفي أول الدرجة أحذرهم ألا يتعجلوا في الفتيا فيضلوا الناس بغير علم ويندموا هم بأنفسهم إذا كبروا ورأوا أنهم قد ضلوا فسوف يندمون وحينئذٍ لا ينفع الندم لأن الفتيا إذا انتشرت صعب جداً أن تختفي وقد يقول من وافقت الفتيا هواه قد يقول بأني لا أرجع عن هذه الفتيا ولو رجع المفتي بها لأنني لا أدري الصواب في أول قوليه أو في آخرهما فالأمر خطير للغاية فنسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنه جواد كريم.
***
ما حكم وضع القرآن الكريم على الأرض في حال الصلاة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مما لا شك فيه أن القرآن كلام الله عز وجل تكلَّم به سبحانه وتعالى ونزل به جبريل الأمين على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ولهذا لا يجوز للمسلم أن يمسَّ القرآن إلا وهو طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولا يجوز أن يوضع القرآن في مكانٍ يكون فيه إهانةٌ له وأما وضع القرآن على الأرض أثناء السجود للمصلى فلا بأس بذلك لأنه ليس فيه إهانة لكنه يجب أن يبعد عن ما يقرب من القدمين بمعنى أنه لا ينبغي بل لا يجوز أن يضعه الإنسان عند قدمه وهو قائم مثلاً وإنما يجعله بين يديه أو قدّام موضع سجوده كذلك أيضاً لا يجوز أن يوضع بين النعال كما لو كان الناس يضعون نعالهم في مكان فيأتي هذا الإنسان ويضعه بين النعال فإن هذا لا يجوز لأنه إهانةٌ للقرآن الكريم.
***
يقول السائل ماحكم كتابة القرآن على الجدار أو تعليق آيات من القرآن الكريم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تعليق القرآن أو كتابته على الجدران فليس من هدي السلف رضي الله عنهم وهذا الذي كتبه يسأل لماذا كتبته أتريد أن يقرأ فإن من المعلوم أن الجالس لا يقرؤه إلا على سبيل الفرجة فقط لا يقرؤه تعبداً
وهل هو على سبيل التبرك فالتبرك على هذا الوجه بدعة
وهل هو على سبيل الحماية على أنه ورد فكذلك أيضاً لم يرد الاحتماء بالقرآن على هذا الوجه
وهل هو على سبيل النصيحة فإن الغالب أن الناس لا يهتمون بذلك ولنضرب لهذا مثلاً لو كتب آية (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) هل الجالس إذا قرأ الآية تهيب عن الغيبة ووقف ثم هل كل مجلس يكون فيه غيبة إذا كان بعض المجالس ليس فيها غيبة فما الفائدة من كتابة الآية إذا كان أهل المجلس لا يهتمون بالغيبة فإن هذه الآية المكتوبة أو المعلقة لم تنفعهم على كل حال يكفينا في هذا أن نقول تعليق القرآن الكريم على الجدران أو كتابته على الجدران ليس من هدي السلف الصالح ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
***
ماحكم كتابة البسملة على السبورة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتابة البسملة على السبورة إن كان سيُكتب على السبورة شيء فحسن أما إذا لم يكتب على السبورة شيء فلا فائدة منها وغالب السبورات تكون وراء المدرس إذا قام يدرس.
***
هل يجوز كتابة آية كريمة على شكل رجل يصلى كما يحصل من بعض من يجيدون الخط
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أنه لا يجوز وأن هذا من التعمق والتنطع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) ثم إن الكتابة العربية بالحروف العربية لا بد أن يحصل فيها تغيير إذا هي عُصفت حتى تكون على هيئة مصلٍّ ثم إن هيئة المصلى قد يكون فيها أو من جملة الهيئات أن يكون ساجداً وحينئذٍ يكون أعلى القرآن أو أعلى الصحيفة وأسفلها مختلفاً ويكون القرآن معبراً عن ساجدٍ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) فكل شيء يوهم أن هذا القرآن في منزلةٍ أسفل فإنه منهيٌ عنه وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقرأ الإنسان القرآن راكعاً أو ساجداً لأن هيئته هيئة ذلٍ بالغ والقرآن ينبغي أن يكون في محل القيام الذي يكون محل انتصابٍ وارتفاع فالحاصل أن هذه الكتابة نرى أنها لا تجوز ثم إن من المغالاة أن يدعى الناس إلى شريعة الله بمثل هذه الأمور وبهذه المناسبة أود أن أنبه أيضاً إلى ما يُعلَّق من بعض الآيات في المجالس فإنه هذا أيضاً من الأمور المبتدعة المحدثة التي وإن كان فاعلوها يقصدون إما التبرك وإما التذكير فهذا لا ينبغي لأن التبرك على هذا الوجه بالقرآن الكريم لم يرد وأما التذكير فإنها في الحقيقة لا تذكر في الغالب بل إنك تجد في هذا المجلس الذي عُلِّقت فيه هذه الآيات تجد فيه من السباب واللغو والشتم أو من الأفعال المنكرة من شرب دخان أو من استماع إلى ما لا يجوز الاستماع إليه أو ما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه يكون كالاستهزاء بآيات الله تعالى حيث تكون آيات الله تعالى فوق رؤوس الناس الجالسين وهم ينابذون الله تعالى بالمعاصي وبالسباب والشتم والغيبة ونحو ذلك فلهذا نرى أن للمسلمين غنىً عن هذه الأمور التي تلقيت عن غير روية ومن غير تأمل وخير هدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الصالح والذي أنصح به إخواني المسلمين أن لا يعلقوا مثل هذه الآيات في بيوتهم لأن فيها من المفاسد ما اشرنا إليه آنفاً والحمد لله في المصاحف غنىً عن هذا ومن أراد كلام الله والتمتع بتلاوته أو التدبر لآياته وجده مكتوباً في المصاحف والله الموفق.
***
هل يجوز جعل أحد قصص القرآن الكريم مثل قصة يوسف على شكل شعر أفيدونا ولكم جزيل الشكر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القران الكريم كلام الله عز وجل ويجب أن يعظم بأنه كلام الله وهو قرآن مجيد وقرآن عظيم وقرآن كريم فلا يجوز أن يعدل به عن الطريقة التي أنزله الله تعالى عليها لا سيما تحويله إلى شعر فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم الجرأة على الله عز وجل والقرآن إنما نزل للاتعاظ والتذكر ولم ينزل لأن يجعل أغاني وشعراً فمحاولة هذا الشيء من أعظم الجرأة على الله تعالى وأعظم المنكرات وهي حرام بلا شك.
***
سعيد محمود هل يجوز حمل القرآن الكريم إلى مكان بعيد لتلاوته وما حكم ذلك وفقكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لعله يريد بالمكان البعيد بلاد الكفر فنقول لا بأس أن يحمل الإنسان القرآن إلى بلاد غير إسلامية لأن أهل العلم إنما ذكر بعضهم تحريم السفر بالقرآن إلى دار الحرب التي يخشى أن يستولي هؤلاء الأعداء على هذا المصحف فيهينوه وأما بلاد بينها وبين بلدك معاهدة كما هو الجاري المعروف الآن بين الدول فإنه لا حرج أن يستصحب الإنسان كتاب الله ليقرأ به وليقرئه غيره من المسلمين هناك فيحصل النفع للجميع والله الموفق.
***
بارك الله فيكم المستمعة تقول ما حكم الاستناد على المصحف عند الكتابة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستناد يعني الاتكاء على المصحف عند الكتابة لا بأس به إذا لم يقصد بذلك الإهانة والغالب أن الكاتب لا يقصد الإهانة لكن خير من ذلك أن يجعل المصحف أمامه بين يديه ويكتب عليه إذا كان يريد أن ينقل من المصحف شيئاً أما إذا كان يريد أن يكون المصحف متكأً للورقة التي يريد أن يكتب عليها فإننا نقول لا تفعل لأن في هذا استخداماً للمصحف قد يكون مشتملاً على شيء من الإهانة وليأت الإنسان بشيء آخر يتكئ عليه عند الكتابة.
***
هل يجوز رمي الأشرطة التي تحمل تسجيلات لبعض الآيات القرآنية الكريمة وبعض الأحاديث الشريفة في سلة المهملات وإذا كان ذلك لا يجوز فماذا يجب أن نفعل بعد تلفها أفيدونا بذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الأشرطة التي تتضمن شيئاً من الآيات الكريمة أو من الأحاديث النبوية لا يظهر فيها أثر بالنسبة للآيات ولا للأحاديث أي لا يظهر للآيات ولا للأحاديث صورة بهذا الشريط وإنما هي حبيبات ٌ أو نبرات إذا مرت بالبكرات التي في المسجل حصل منها هذا الصوت فلا يثبت لها أحكام الورق الذي يكتب فيه شيء من القرآن أو من الأحاديث النبوية فإذا رماها الإنسان في أي مكان بشرط أن لا يقصد إهانتها فإنه لا حرج عليه في ذلك كما أنه لو دخل فيها مكان قضاء الحاجة فإنه ليس في ذلك بأس لأن الآيات أو الأحاديث لا تظهر في هذه الأشرطة.
***
بارك الله فيكم المستمع عبد الله العربي يقول نرى في بعض من التجار وأصحاب الأعمال يستعملون أجزاء غير مكتملة من الآيات ويضعونها على مداخل الأبواب مثل صاحب الطعام يكتب (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) صاحب الشراب (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) صاحب المكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) إلى آخر هذه الاستعمالات والتي تبدو أحياناً تجاوزت الحد الكثير نرجو بهذا التوجيه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تعليق هذه الآيات ينقسم إلى قسمين فتارةً يقصد بها التحرز والتحصن مثل الذين يعلقون آية الكرسي أو المعوذات أو نحو ذلك وهذا لا شك أنه غير مشروع وأنه أمرٌ لا ينبغي لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه يوجب للإنسان أن يعتمد عليه ويدع قراءة هذه الآيات التي يكون بها التحصن اعتماداً على ما علق وتارةً يقصد بها التنبيه كما ذكر السائل يكتب أمام الداخل على مكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) وما أشبه ذلك وهذا قد يقول قائل إنه غير مشروع لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه قد ينتفع به وقد لا ينتفع وكثيراً ما يعلق آية من القرآن تنهى عن شيء ويكون الجالسون في هذا المكان يفعلون نفس الشيء الذي نهي عنه كما لو كتب في المجلس (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فإن الجالسين هل ينتفعون بما كتب قد ينتفعون وقد لا ينتفعون ربما يغتابون الناس وكلام الله عز وجل فوق رؤوسهم يقول الله فيه (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فلا ينتفعون بهذا المكتوب وتارةً يعلق القرآن لكونه مكتوباً على وجهٍ مطرز وكأنه نقوش ووشم حتى إن بعضهم يكتب على هيئة قصر وعلى هيئة منارة وما أشبه ذلك فهذا أشبه ما يكون باللعب بكتاب الله عز وجل والعلماء رحمهم الله اختلفوا هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني أي على حسب القواعد المعروفة أو لا يجوز على ثلاثة أقوال فمنهم من منعه مطلقاً ومنهم من أجازه مطلقا ومنهم من فصل وقال إذا كتبناه لمن يجيد قراءة القرآن بالرسم العثماني فلا بأس وإذا كتبناه بالرسم العثماني لشخصٍ يخشى أن ينطق بالقرآن على حسب الحروف المكتوبة فإننا لا نكتبه مثلاً (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) مكتوبة بالواو فإذا كتبناها بالواو لشخصٍ لا يعرف النطق بالقرآن ربما يقول وحرم الربو الصلاة كذلك مكتوبة بالواو ربما إذا كتبناها بالرسم العثماني بالواو لشخصٍ لا يحسن التلاوة لفظاً ربما يقول الصلوة وهكذا المهم أن بعض العلماء فصل في هذا المقام وقال إن كتب لشخصٍ لا يخشى منه تحريف القرآن تبعاً للحروف فإنه يجب أن يبقى على الرسم العثماني وإن كتب لشخص يخشى أن يحرف القرآن بناءً على كتابة الحروف فإنه يكتب بالقاعدة المعروفة بين الناس فإذا كان العلماء اختلفوا في الخروج عن الرسم العثماني فكيف نجوز لشخص أن يكتب كلام الله عز وجل على صفة قصور أو منارات أو ما أشبه ذلك هذا لا شك في تحريمه والواجب على من عنده شيء مكتوبٌ على هذا الوجه أن يطمسه وأن يحوله إلى كتابةٍ على حسب الرسم العثماني هذا إذا قلنا بجواز تعليق الآيات على الجدران
القسم الرابع من يعلق آياتٍ لا علاقة لها بالموضوع والسلامة من تعليق الآيات على الجدر أسلم وأبرأ للذمة وأحوط للإنسان فهو في غنىً عن تعليق الآيات على الجدر أما تعليق بعض الحكم على الجدران فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.
***
يستشهد بعض الناس فضيلة الشيخ ببعض الآيات والأحاديث في أمورهم الدنيوية مثلا (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) وحولها نونون وما أشبه ذلك نرجو الفتوى في مثل هذه الأمور
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يستشهد بالقرآن على الحادثة لا أن يجعل القرآن بدلا من الكلام فمثلا إذا قام يلاعب أولاده أو صار يتاجر في ماله فقال (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فلا بأس بذلك لأنه يستشهد بالآية على ما نزلت فيه وأما إذا جعلها بدلا من الكلام بحيث يعبر بالقرآن عن المعنى الذي يريده فإن هذا لا يجوز كهذا الرجل الذي قال اذكرني عند ربك فإن الآية لم تنزل بهذا ولا يحل له أن يجعلها بدلا عن كلامه بل يقول له اذكرني عند فلان أو نبه على فلان أو ما أشبه ذلك فهذا هو التفصيل في هذه المسألة إن جعل القرآن بدلا عن الكلام يعني أنه نوى شيئا أن يتكلم فيه فجعل القرآن بدلا عنه فهذا حرام وأما إن استشهد بالقرآن على حادثة وقعت كما جاء في القرآن فلا بأس به.
***
حرق المصحف
ما حكم جمع الأوراق المتناثرة من المصاحف والممزقة وحرقها حتى لا تتعرض للامتهان وهل الأفضل في ذلك حرقها أم دفنها كما هي
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أحد من المسلمين يشك أن القرآن الكريم يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ومنع تعرضه للإهانة وهذه الأوراق الممزقة التي سأل عنها السائل والتي لا يمكن أن ينتفع بها بقراءة له فيها طريقتان الطريقة الأولى أن يدفنها في مكان نظيف طاهر لا يتعرض للإهانة في المستقبل حسب ظن الفاعل الطريقة الثانية أن يحرقها وإحراقها جائز لا بأس به فإن الصحابة رضي الله عنهم لما وحدوا المصاحف على حرف قريش في عهد عثمان رضي الله عنه أحرقوا ما سوى هذا الموحد وهذا دليل على جواز إحراق المصحف الذي لا يمكن الانتفاع به ولكني أرى إن أحرقها أن يدقها حتى تتفتت وتكون رماداً ذلك لأن المحروق من المطبوع تبقى فيه الحروف ظاهرة بعد إحراقه ولا تزول إلا بدقِّه حتى يكون كالرماد.
فضيلة الشيخ: أما إذا مزقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مزقت تبقى هذه طريقة ثالثة لكنها صعبة لأن التمزيق لابد أن يأتي على جميع الكلمات والحروف وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقاً دقيقاً جداً بحيث لا تبقى صورة الحرف فتكون هذه طريقة ثالثة وهي جائزة.
***
المستمعة ن. أ. ب. من جدة تقول عندي أوان كثيرة تحمل آيات قرآنية كريمة والبعض من الأدعية المأثورة وقال لي بعض الناس إن استعمالها أو امتلاكها حرام ويجب علي أن أحرقها فقمت بإحراقها خشية لعقاب الله عز وجل، وبعد أن أحرقت البعض منها ومزقت البعض الأخر لم أعرف أين أضع المخلفات، هل أقوم بدفنها أم أرميها بسلة مهملات أرجو التوجيه مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن هذه الأوراق التي كانت فيها آيات من كتاب الله عز وجل وأحرقتها بمشورة من بعض الناس يمكن أن تكمل إحراقها أيضاً ثم تدفنها لأن ذلك أبلغ في البعد عن إمتهانها، اللهم إلا أن تمزقها تمزيقاً كاملاً بحيث لا يبقى من الكلمات شيء فإنه يغني عن إحراقها ولكنها ذكرت أنها أحرقت أوراقاً فيها أدعية، والأوراق التي فيها الأدعية يفصل فيها، فيقال إن كانت أدعية مشروعة فالحفاظ عليها أولى وإبقاؤها أولى ينتفع بها وإن كانت أدعية غير مشروعة فإتلافها واجب بالإحراق أو التمزيق تمزيقاً كاملاً، قد يقول قائل لماذا فصلتم في الأوراق التي فيها أدعية ولم تفصلوا في الأوراق التي فيها آيات قرآنية، والجواب على هذا أن نقول إن الأوراق التي فيها آيات قرآنية لو بقيت لكان هذا عرضة لامتهانها إن بقيت هكذا مهملة وإن علقت على الجدر فإن تعليق الآيات على الجدر ليس من الأمور المشروعة التي كان عليها السلف الصالح رضى الله عنهم والمعلق لها لا يخلو من أحوال
الحال الأولى أن يعلقها تبركاً بها وهذا ليس بمشروع وذلك لأن التبرك بالقرآن على هذا النحو لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم مما اتخذ على وجه تعبدي أو على وجه وسيلي فإنه لا يكون مشروعاً لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)
وإما أن يتخذها على سبيل الحماية بحيث يعتقد أنه إذا علق هذه الآيات حمته من الشياطين وهذا أيضاً لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح، وفيه محذور وهو أن الإنسان يعتمد عليها ولا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من قراءة الآيات التي فيها الحماية والتحرز من الشيطان الرجيم لأن نفسه ستقول له ما دمت قد علقت آية الكرسي مثلاً في بيتك فإنه يغني عن قرائتها، ما دمت علقت سورة الإخلاص والمعوذتين فإنه يكفيك عن قرائتها وهذا لا شك أنه يصد الإنسان عن الطريق الصحيح للاحتماء والاحتراز بالقرآن الكريم، فهاتان حالان.
الحال الثالثة أن يعلق هذه الأوراق التي فيها القرآن من أجل الذكرى والموعظة وهذا إن قدر أن فيه نفعاً في بعض الأحيان فإن فيه ضرراً أكثر وذلك أن كثيراً من المجالس تكون فيها هذا الآيات القرآنية ولكن لا ينتفع أهل المجلس بها، قد يكون من المعلق ورقة فيها قوله تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فتجد الناس في نفس هذا المكان يغتاب بعضهم بعضاً، ولا ينتفعون بهذه الآية، وكون الآية فوق رؤوسهم تنهى عن الغيبة وهم يغتابون الناس يشبه أن يكون هذا من باب التحدي وعدم المبالاة بما نهى الله عنه، وربما تجد في بعض المجالس ورقة فيها قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ومع هذا لا أحد يلتفت لها ولا يرفع رأسه إليها ولا يذكر الله ولا يسبحه، وهذا كثير، إذا فالعظة والتذكر بهذه الآيات التي تكتب على أوراق وتعلق قليلة ثم إن التذكير والعظة بهذه الطريقة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ولا شك أن هديهم خير من هدينا وأقرب إلى الصواب منا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ولهذا حبذنا عمل هذه المرأة التي أحرقت الأوراق التي عندها فيها آيات من كتاب الله وفصلنا في الأدعية.
فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم يا شيخ محمد هل ينطبق هذا على الأحاديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا عندي أن الأحاديث أهون، أهون من الآيات كثيراً، ولكن مع هذا لو عدل الناس عندها لكان خيراً، ولو بقيت فلا بأس.
فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم، الحِكَم وغيرها أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس فيها بأس لأنها ليست من كلام الله ولا رسوله في الغالب.
***
السائل أم ن يقول فضيلة الشيخ يكثر في أماكن تجمعات الطلاب بعض الأوراق التي تحمل لفظ الجلالة أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم والبعض يرميها غير مبال بها فهل يتعيّن على كلّ شخص أن يضع هذه على الأرض أو أن يحملها وإن كانت كثيرة ومبعثرة على الأرض أين توضع إن لم يجد مكاناً مناسباً لها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أنه لا يلزم كلّ إنسان وجد قراطيس في الأرض أن يأخذها ويفتشها وينظر هل فيها آية أو حديث لأن هذا شاق نعم لو رأى بعينه أن في هذه القرطاسة آية من كتاب الله أو حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحينئذ يأخذه ولكني أنصح إخواني الذين يلقون هذه الأوراق أن يتفقدوها قبل إلقائها فإذا وجدوا فيها آية آو حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمسكوا بها وأحرقوها والنار تأكل ما وضع فيها وأن لا يتهاونوا في هذا الأمر ولقد بلغني أن بعض السفهاء يلقون مقرر التفسير الذي فيه الآيات وبيان معناها يلقونه في الزبالة والعياذ بالله غير مبالين بما فيها وهذا على خطر عظيم لأن القرآن له من الحرمة ما هو جدير به فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلّم به جلّ وعلا كلاماً بصوت وحرف وألقاه على جبريل وجبريل ألقاه على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان عربي مبين فكيف يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر آن يلقي كلام الله في الزبل سبحان الله هذا فعل قبيح نسأل الله لنا ولإخواننا الهداية والتوفيق وفي هذه الحالة نقول اجمع ما لا يمكن استعماله عندك من الكتب التي فيها الآيات والأحاديث اجمعها واحرقها اخرج إلى جهة من الجهات من البر ثم احرقها.
***
هل يجوز رمي الكتب المدرسية والجرائد في النفايات علما بأن البلدية تقوم بإحراق جميع النفايات وعلما بأننا نضعها في كيس وحدها حتى لا تختلط مع النفايات الأخرى فإن لم يكن ذلك فماذا نفعل علما بأن الكتب تحوي آيات وأحاديث أفيدونا ووجهونا بذلك مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلام شريف نفيس يجب العناية به ويجب تعظيمه ولا يحل أن يلقى في القاذورات والأشياء النجسة مهما كان الأمر لكن في بعض البلاد نرى أن بعض البلديات وفقهم الله يضعون صندوقا خاصا للصحف والمجلات والكتب فإذا حصل مثل هذا فهو خير فمن كان عنده شيء زائد من الكتب فإنه يذهب به إلى هذا الصندوق المعيّن ويكون قد أدّى ما عليه والمسؤولية بعد وضعها في هذا الصندوق على البلدية والبلدية تكون مشكورة إذا فعلت ذلك ومأجورة عند الله عز وجل أما الصناديق العادية التي يلقى فيها القذر والإنتان وغيرها من الأشياء المستقذره فلا يمكن أن يوضع فيها كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لكن إذا كان عمال البلدية عندهم فهم ووعي وجعلته في كيس ووضعته وحده إلى جنب الصندوق حتى يعرف العمال أنه لا يدخل مع النفايات الأخرى فهذا أرجو ألا يكون به بأس وإلا بأن تخشى أن يكون العمال ليس عندهم علم كما هو الغالب في عمال البلديات فإنك تبقيه عندك في البيت فإذا خرجت إلى البر في يوم من الأيام اخرج به معك واحرقه وادفنه هذا بالنسبة للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة أما بقية الجرائد وغيرها فلا حرج أن تجعلها مع ما تأخذه البلدية.
***
هل يجوز حرق أوراق ممزقة من القرآن أو فيها اسم الله عز وجل لأنني سمعت أن من يحرق ورقة يكوى بها يوم القيامة أرجو من الله التوفيق ومنكم الإجابة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحريق أوراق المصحف إذا كان لا ينتفع بها جائز ولا حرج فيه، فإن عثمان رضى الله عنه لما وحَّد المصاحف على لغة قريش أمر بإحراق ما عداها فأحرقت ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وكذلك أيضاً ما كان فيه اسم الله لا بأس بإحراقه إلا أنه حسب الأمر الواقع في المصاحف المقطوعة إذا أحرقت فإن لون الحروف يبقى بعد الإحراق، لون الحرف يبقى ظاهراً في الورقة بعد الإحراق، فلابد بعد إحراقها من أحد أمرين إما أن تدفن وإما أن تدق حتى تكون رماداً لئلا تبقى الحروف فيطير بها الهواء فتداس بالأقدام، وأما ما سمعه أن من أحرق ورقة كوي بها يوم القيامة فلا أصل له.
***
بارك الله فيكم المستمعة ف. و. من بنغازي ليبيا تقول في هذا السؤال ما رأي الشرع في نظركم في استعمال الجرائد العربية التي قد يكون مكتوباً فيها أسماء لله سبحانه وتعالى وذلك بقصد استعمالها في المسح والتغليف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحف أو الجرائد التي فيها كتب وفيها كتابة باللغة العربية تشتمل على آية من كتاب الله أو على أقوال من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن تستعمل في التغليف تغلف بها الثياب أو الأواني أو الحوائج الأخرى لأن في ذلك امتهاناً لها فإن غلف بها أشياء قذرة نجسة كان ذلك أشد وأعظم وأدهى وإذا كان ذلك يعد امتهانا واضحاً لهذه الصحف والجرائد وتيقن الإنسان أن فيها آياتٍ من كتاب الله أو أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك محرم لأنه لا يجوز امتهان كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومن العجب أن هؤلاء الذين يغلفون بهذه الصحف والجرائد يسهل عليهم وتيسير أن يشتروا الأوراق البيضاء التي تعد لمثل هذا الأمر ولكنهم يعدلون عنها إلى هذه الجرائد والصحف الله سبحانه وتعالى قد جعل لنا غنىً عن هذه الصحف والجرائد بهذه الأوراق التي تملأ الأسواق.
***
آداب قراءة القرآن
يقول السائل لا شك أن لتلاوة القرآن الكريم آداباً يجب أن يتحلى بها القارئ والمستمع حدثونا عن هذا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى بتلاوته فينوي بذلك التقرب إلى الله سبحانه وتعالى حتى لو أراد مع ذلك أن يثبت حفظه إذا كان حافظاً فإن هذه نيةٌ صالحة لا تنافي الإخلاص لله عز وجل.
ومن الآداب أن يستحضر الثواب الذي رتب على تلاوة القرآن ليكون محتسباً بذلك على ربه عز وجل راجياً ثوابه مؤملاً مرضاته.
ومن الآداب أيضاً أن يكون متطهراً وذلك لأن القرآن أشرف الذكر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل سلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى توضأ قال (إني لست على وضوء أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهارة) ولكن إن كان الإنسان جنباً فإنه لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا إذا قرأ شيئاً يريد به الذكر وهو من القرآن فلا بأس أو يريد به الدعاء وهو من القرآن فلا بأس فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يريد بذلك البسملة والتبرك بذكر اسم الله لا يريد التلاوة فلا بأس بهذا ولو قال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد بذلك الدعاء لا القراءة فلا بأس أما إذا كان يريد القراءة فإن القرآن لا تحل قراءته للجنب وأما من به حدثٍ أصغر فيجوز أن يقرأ القرآن لكن لا يمس المصحف لأن المصحف لا يمسه إلا طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر الطاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولقول الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن الإنسان قبل الوضوء والغسل والتيمم غير طاهر وأما من قال إنه لا يجوز مس المصحف إلا لطاهر واستدل بقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ) فاستدلاله بهذه الآية ضعيف لأن المراد بـ (الْمُطَهَّرُونَ) في الآية الكريمة الملائكة ولو أراد المطهرون يعني الذين على طهارة لقال إلا المتطهرون أو إلا المطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أما من قال إنه يجوز أن يمس المصحف بدون طهارة مستدلاً بالبراءة الأصلىة وأنه لا دليل على ذلك وحمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) على أن المراد بالطاهر المؤمن لقوله صلى الله عليه وسلم (إن المسلم لا ينجس) فجوابه عن ذلك ضعيف لأنه ليس من عادة النبي عليه الصلاة والسلام أن يعبر عن المؤمن بالطاهر وإنما يعبر عن المؤمن بالإيمان والواجب حمل خطاب المتكلم على المعهود في كلامه الغالب فيه لا على أمرٍ لا يقع في كلامه إلا نادراً على كل حال من آداب قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهراً
قال بعض أهل العلم ومن آدابها أي من آداب قراءة القرآن أن يتسوك عند قراءة القرآن لتنظيف فمه وتطهيره بالسواك حيث تمر الحروف من هذا الفم فيحصل أن لا تمر إلا من طريقٍ مطهر ومن آداب قراءة القرآن أن يقرأ بتدبر وتمهل وخشوع بقدر ما يستطيع فأما حفظ القرآن والسرعة فيه فإن كان يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك حرام لأنه يخرج الكلمات عن صورتها والحروف عن صورتها وإن كان لا يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك لا بأس به سواءٌ قرأه بالتجويد أو بغير تجويد لأن قراءته بالتجويد من باب تحسين الصوت وليس من باب الأمر الواجب فإن حسن صوته بالقرآن بالتجويد فهذا خير وإن لم يفعل فلا إثم عليه
أما بالنسبة لاستماع القرآن فإن من الآداب أن يكون المستمع منصتاً متابعاً لقول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ولا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عنده وهو غافلٌ لاهٍ أو متحدثٌ مع غيره بل الأفضل والأولى أن يستمع وينصت لتناله الرحمة وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عند قومٍ يرى أنه لا تعجبهم القراءة في ذلك الوقت لأنه بهذا يشق عليهم ويحملهم ما لا يستطيعون لكن إن رأى منهم محبةً لقراءته أو طلبوا منه ذلك فهذا طيب أن يقرأ فيعمر المكان بقراءة القرآن أما أن يرهقهم بالقراءة وهم لا يريدونها في هذا المكان وفي هذا الوقت فهذا ليس بجيد ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ولذلك لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يرهق أصحابه بقراءة القرآن كلما جلس معهم بل كان عليه الصلاة والسلام يراعي أحوالهم ويفعل ما يرى أنه أصلح لهم في دينهم ودنياهم وأنت إذا قرأت على قومٍ لا يحبون قراءة القرآن في هذا المكان أو في هذا الزمن فربما تحملهم على كراهة القرآن فيأثمون وتأثم أنت لأنك أنت السبب ولكن يقرأ القرآن إذا ما ائتلفت عليه القلوب وأحبته
ومن آداب القرآن للقارئ والمستمع إذا مر بآية سجدة أن يسجد فإن السجود عند آية السجود من السنن المؤكدة حتى قال بعض أهل العلم إن السجدة واجبة ولكن القول الراجح أنها أعني سجدة التلاوة ليست بواجبة إن سجد فقد فعل خيراً وإن ترك فلا شيء عليه لأنه ثبت في الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر آية السجدة في سورة النحل فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد وقال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء يعني لكن إن شيءنا سجدنا وإن شيءنا لم نسجد قال هذا بمحضرٍ من الصحابة رضي الله عنهم فالسجود للتلاوة سنة وليس بواجب.
***
هل هناك صفات يجب أن تتوفر فيمن يقرأ على المرضى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القارئ الذي يقرأ بكتاب الله عز وجل أو بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرضى من المعلوم أنه لابد أن يكون مؤمنا وأن يكون مقتنعا بأن هذه القراءة تنفع ولكن لابد مع ذلك أن يكون المقروء عليه قابلا بهذه القراءة مؤمنا بأنها نافعة مؤملا من الله سبحانه وتعالى النفع بها ولابد أيضا من أن تكون القراءة قراءة شرعية فهذه ثلاثة أمور صحة القراءة وإيمان القارئ وإيمان المقروء عليه فإذا تمت هذه الشروط فإن القراءة تنفع بإذن الله وقد قرأ أحد الصحابة رضي الله عنهم على رجل لدغته عقرب قرأ عليه سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقارئ (وما يدريك أنها رقية) أي الفاتحة وهي من أفضل ما يرقى به على المرضى ومن أنفع ما يكون للمريض لكن إذا اجتمعت الشروط الثلاثة إيمان القارئ وإيمان المقروء عليه وكون القراءة شرعية وهي شرعية بالفاتحة لا شك.
***
كيف يكون القرآن حجةً على حامله أفيدونا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كتاب الله عز وجل أنزله الله تعالى على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون للعاملين نذيراً وجعل سماعه حجةً ملزمة فقال جل وعلا (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) فمن سمع كلام الله وهو يعرف اللغة العربية فقد قامت عليه الحجة وإذا قامت عليه الحجة فإما أن يقوم بموجب ما تقتضيه هذه الحجة وإما أن يخالف ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (القرآن حجةٌ لك أو عليك) وعلى من قرأ القرآن إذا لم يفهم معناه أن يتفهمه من أهل العلم لأن الله لم ينزل الكتاب العزيز لمجرد تلاوته بل لتدبره والعمل به قال الله تبارك وتعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وما ضر الناس اليوم إلا أنهم لا يفكرون في معرفة معاني القرآن الكريم إلا قليلاً فتجد أكثر المسلمين يقرؤون القرآن تعبداً بتلاوته واحتساباً لأجره لا يتدبرونه ولا يتأملونه ويسألون عن معناه فهم والأميون على حدٍ سواء قال الله تبارك وتعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَاّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ) فجعل الله تعالى الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي إلا قراءة جعلهم أميين فعلى المرء أن يتدبر معاني كتاب الله وأن يتعظ بما فيها حتى يكون القرآن حجةً له لا عليه.
***
الإنصات عند استماع القرآن
يقول السائل ماحكم الإنصات إلى تلاوة القرآن هل هو واجب أو مستحب وكيف يعمل من كان يعمل في بقالة أو في محل عمله وهو يستمع إلى القرآن الكريم ويتحرك ويخاطب الناس ويسير ويرجع
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى قراءة القارئ مأمور بها إذا كان المستمع تابعا لهذا القارئ كالمأموم الذي خلف الإمام الذي يصلى صلاة جهرية ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قال أجمعوا أن هذا في الصلاة وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وفيه (وإذا قرأ فأنصتوا) وأما الذي يقرأ إلى جنبك فلا يلزمك أن تستمع إليه بل لك أن تقرأ وحدك وأن تذكر الله وحدك وأن تراجع ما بين يديك من الكتب ولو كان القارئ إلى جنبك لأنك لا تريد الاستماع له وأما ما يصنعه بعض الناس من وضع مسجل في الدكان يقرأ القرآن وضجيج الأصوات من هذا الدكان وربما يكون اللغو والكلام المحرم فلا أرى هذا وأخشى أن يكون هذا من إهانة القرآن ويغني عن هذا أن يسجل حكما مأثورة ثم يستمع إليها لأن القرآن أشرف وأعظم من أن يجعل في مثل هذا المكان الذي يكثر به اللغو والكلام الباطل فننصح إخواننا الذين يستمعون إلى المسجلات في دكاكينهم وهم يريدون الخير إن شاء الله ألا يفعلوا لأني أخشى أن يكون هذا من باب امتهان القرآن.
***
هل تجوز قراءة القرآن أثناء القيام بأعمال البيت أرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن عبادة من أفضل العبادات تقرب العبد من ربه ويحصل بها على ثوابٍ جزيل لأن من قرأ القرآن فله بكل حرفٍ عشر حسنات وقراءة القرآن يقصد بها مع التعبد لله عز وجل فهم معانيه ليتمكن الإنسان من العمل به ومن أجل هذا أنزل هذا القرآن المبارك قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وإذا كان كذلك فإنه ينبغي للإنسان الذي يقرأ القرآن أن يستحضر ما يقرأ ويتدبر معناه وأن لا يشغل قلبه وجوارحه بغيره لا بأعمال البيت ولا بأعمالٍ أخرى وإذا كان الله تعالى أمر من سمع القرآن أن يستمع له وينصت حتى يحضر قلبه ويتدبر ما يسمع فإن القارئ من باب أولى فلهذا نقول للمرأة التي تشتغل بأعمال البيت وبغيرها كالخياطة ونحوها لا تقرأ القرآن في حال انشغالها بل تتفرغ إذا أرادت قراءة القرآن لتتدبر معنى كلام الله عز وجل فإذا كانت تحبّ أن تستغل وقتها بما يقرّب إلى الله بالإضافة إلى القيام بعمل البيت فلديها ذكر الله عز وجل تذكر الله تحمد الله تسبّح الله تكبّر الله تستغفر الله فإن هذه الأذكار يحضر القلب فيها عند ذكرها في حال العمل لأن كل كلمة تمثل معنى مستقلاً فتجد الإنسان يستحضر المعنى لهذه الكلمات أعني التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار ولو كان يعمل وخلاصة الجواب أن نقول إذا كانت المرأة تشتغل بأعمال بيتها أو غيرها من الأعمال فلا تقرأ القرآن لأنه ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضراً له حين قراءته والقرآن أجلّ من أن يشتغل اللسان به مع غفلة القلب عنه أما الأذكار فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس إذا كان يشتغل بعمل أن يذكر الله تعالى وهو في حال انشغاله.
فضيلة الشيخ: الاستماع إلى القرآن والأشرطة والإذاعة وهي في العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أهون من القراءة لأن الإنسان ليس يعمل ولكنه يستمع والاستماع ليس بواجب ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إنّ هذا في حال الصلاة أما في غير الصلاة فالإنسان حرّ إن شاء استمع إذا قرأ القارئ وإن شاء لم يستمع واشتغل بشيء آخر غير أنه لا ينبغي له أن يشتغل في حال سماع القرآن بما لا يتلاءم مع القرآن لأنه إن فعل ذلك أشبه قول المشركين (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) .
وبهذه المناسبة أود أن أذكّر أن بعض المتاجر جزاهم الله خيراً ووفقهم يفتحون المسجل على قارئ من القراء والناس عندهم في متجرهم مشتغلوه بالمماكسة والكلام الذي قد يكون لغواً لا يتناسب مع صوت القارئ وقراءته ولهذا ننصح إخواننا أصحاب المتاجر أن لا يفعلوا ذلك لأن كتاب الله عز وجل أجلّ من أن يسمع في مكانٍ لا يستمع إليه ولا يؤبه به بل ربما حصل لغوٌ منافٍ للقرآن.
***
إذا كنت مشغولاً بأداء واجب مدرسي وفتحت المذياع ووجدت فيه قرآناً يتلى فأقع في حيرة إن استمررت في أداء واجبي والقرآن يتلى فإن هذا تساهل عن القرآن وإن أغلقت المذياع كان هذا أمراً لا أرتاح له لأنه إعراض عن ذكر الله سبحانه هل أترك واجباتي وأستمع أم ماذا وفقكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تترك واجباتك وتستمع بل لا بأس أن تغلق المذياع وتوقف القراءة فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استمع إلى قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حتى وصل إلى قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (حسبك) وأوقفه عن القراءة فيجوز للإنسان إذا استمع إلى القرآن أن يغلقه ويقتصر على ما استمع منه إذا لم يكن ذلك ناشيءاً عن كراهية القرآن وإنما أوقفه لغرض مقصود شرعاً كما في سؤال هذا السائل وكونه يقول أيضاً لا أحب أن أبقيه يقرأ وأنا مشتغل بواجباتي هذا صحيح فإن من الخطأ ما يفعله بعض الناس يجعلون القرآن يتلى بواسطة المذياع وهم يتكلمون ويمزحون ويقولون أو يطالعون في أمور أخرى أو يكونون في دكاكينهم وفي محلاتهم يبيعون ويشترون والمسجل يقرأ القرآن أو الراديو يقرأ القرآن فإن هذا لا ينبغي وهو خلاف قول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فنقول إما أن تنصتوا للقرآن وأما أن تغلقوه فلا حرج عليكم وقد رأيت كثيراً من محبي الخير وهم يفعلون هذا يتكلمون ويبيعون ويشترون في محلاتهم والقرآن يتلى وهذا خطأ منهم لا ينبغي لهم ذلك.
***
السائلة من المنطقة الجنوبية أبها ل. ع.أتقول ما حكم الاستماع للقرآن والفتاة تقرأ في أي كتاب من الكتب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عمل لا ينبغي ولا يُرْضَى فإن الله تعالى قال في كتابه (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وقال جل وعلا (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فإذا كانت المرأة تريد أن تطالع في كتاب آخر فإنها تغلق الاستماع إلى قراءة القرآن الكريم لئلا تقع في الإثم من حيث لا تشعر أما إذا كانت فارغة ليس لها عمل لا عمل فكري ولا عمل بدني وأرادت أن تستمع إلى القرآن المسجل فإن ذلك لا بأس له لأنه ينفع المستمع لكن لو مر هذا القارئ عبر المسجل بآية سجدة فهل يسجد المستمع الجواب لا لسببين
السبب الأول أنه لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ لأن القارئ متبوع لا تابع فإذا لم يسجد فإنه لا يسجد وقد ذكر زيد بن ثابت رضي الله عنه (أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها) والظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد فيها لأن زيدا وهو القارئ لم يسجد
السبب الثاني أن ما يسمع عبر المسجل ليس هو الصوت المباشر للقارئ وإنما هو حكاية صوته فلا يشرع السجود حينئذ وبقولي إنه حكاية صوت وليس صوتاً يتبين أن ما يفعله بعض الناس من فتح المسجل عند حلول وقت الآذان ليسمع عبر الميكروفون خطأ ولا تحصل به الكفاية لأن هذا حكاية صوت وما فائدته إلا التنبيه إلى دخول الوقت فقط ومن المعلوم أن الأذان ذِكرٌ مشروع من أفضل العبادات والطاعات بل هو فرض كفاية كما هو معلوم فلا يمكن أن يستغنى بحكاية الصوت عن صوت المؤذن المباشر.
***
المستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بسعاد س. م. المدينة النبوية تقول ما حكم التحدث إلى الآخرين والقرآن يتلى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ يقرأ للجماعة فإنه لا يحل لهم أن يتلهوا عن القرآن بكلام أو غيره وإذا كان يقرأ لنفسه فهم مخيرون إن شاؤوا أنصتوا له واستمعوا له وإن شاؤوا لم ينصتوا وإذا لم ينصتوا بأن كانوا يتحدثون بما يتحدثون به فإن على القارئ أن يلاحظ ذلك وأن لا يرفع صوته بالقراءة لئلا يلقي على أسماع المشتغلين بغيره ما يحرجهم فيه.
***
طالب في مدرسة يقول في الإذاعة المدرسية ترغب الإدارة أن يبدأ البرنامج بالقرآن الكريم يوميا ولكننا لا نفعل ذلك نرجو التوجيه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي أن لا يتخذ ذلك سنة دائمة أعني البداءة بالقرآن الكريم عند فتح الإذاعة لأن البداءة بالقرآن الكريم عبادة والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدئ خطابتها ومحاضراتها وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم لكن إذا ابتدأ أحد بقراءة ما يناسب المحاضرة مثلا تقدمة لها ولعل المحاضر يتكلم على معاني الآيات التي قرأها فإن هذا طيب لا بأس به مثل أن تكون المحاضرة عن الصيام فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدء المحاضرة أو تكون المحاضرة في الحج فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج فإن هذا لا بأس به لأنه مناسب فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات أما اتخاذ هذا سنة راتبة كلما أراد المحاضرة أو كلما أردنا كلاما قرأنا القرآن فهذا ليس بسنة.
***
هل يجوز الاستماع إلى القرآن أثناء العمل في البيت أم أن ذلك لا يجوز
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن الإنسان إذا أراد أن يستمع إلى القرآن فليستمع إليه وهو فارغ البال غير مشغولٍ بعمل لأن استماعه إلى القرآن وهو يشتغل بالعمل يعني أنه لن يتأمل ما يسمع ولن يهتم به لذلك ننصح من يحب الاستماع إلى القرآن أن لا يستمع إليه إلا وهو فارغ القلب فارغ البدن حتى يستمع إلى كتاب الله عز وجل على وجهٍ ينتفع به.
***
مس المحدث للقرآن وقراءته
ماحكم تلاوة القرآن بدون وضوء وبدون لمس المصحف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن بلا وضوء جائزة ولا حرج فيها إلا أن يكون الإنسان جنباً فإنه لا يجوز له أن يقرأ القرآن وهو جنب بل عليه أن يغتسل ثم إن شاء قرأ
وأما الحائض فإنه اختلف العلماء رحمهم الله في جواز قراءتها للقرآن فمنهم من قال إنه حرام لأحاديث وردت في ذلك ومنهم من قال إنه ليس بحرام لأن الأحاديث الواردة في هذا إما صحيحةٌ غير صريحة وإما صريحةٌ غير صحيحة وليس هناك حديثٌ صحيحٌ صريح يدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فلها أن تقرأ القرآن ولكنني أرى أن الأحوط أن لا تقرأ القرآن إلا إذا كانت لحاجة كامرأة تقرأ من القرآن وردها أو امرأةٍ تعلم أولادها أو امرأةٍ تخشى نسيان القرآن الذي حفظته أو امرأة تؤدي اختباراً أو ما أشبه ذلك مما تدعو الحاجة إليه فهذا لا بأس به أما لمجرد حصول الأجر فالأحوط أن تمتنع منه اتباعاً لقول أكثر أهل العلم
وأما مس المصحف فالصحيح أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حديث عمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر هنا الطاهر من الحدث لقوله تعالى في سورة المائدة حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) دل هذا على أن الإنسان ما دام على حدث فليس بطاهر وحمل الطاهر هنا على المؤمن غير صحيح وذلك لأنه لم تجرِ العادة بالتعبير بطاهر عن مؤمن فإن كل من تتبع الكتاب والسنة وجد أنه يعبر فيهما عن المؤمن باسم الإيمان والتقوى وما أشبه ذلك وأما كلمة طاهر فلم يعبر بها فيما نعلم عن المسلم أو المؤمن.
***
المستمعة بالمدينة المنورة تقول ما حكم مس الأطفال للمصحف يا فضيلة الشيخ أرجو بهذه افادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز مس المصحف للمحدث فمن أهل العلم من يقول إن مس المصحف للمحدث جائز وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في منع المحدث من مس المصحف والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام ومن العلماء من قال إنه لا يحل مس المصحف إلا على طهارة لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) ولقوله تعالى في الحيض (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) وهذا القول أصح من القول الأول لأن كلمة طاهر وإن كانت مشتركة بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية لكن المعهود من خطاب الشارع أن لا يعبر بكلمة طاهر لمن كان طاهراً طهارة معنوية والطاهر طهارة معنوية هو المسلم والنجس هو المشرك قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) وإذا كان لم يعهد التعبير بالطاهر عن المؤمن فإنه يحمل على المعنى الثاني أو يترجح حمله على المعنى الثاني وهو الطاهر من الحدث.
ولكن يبقى النظر هل يشمل الحكم الصغار الذين يتعلمون القرآن فتلزمهم بالوضوء أو لا يشملهم لأنهم غير مكلفين في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال إن الصغير لا يلزمه أن يتوضأ لمس المصحف لأنه غير مكلف ومنهم من قال إنه يلزمه فيلزم بأن يتوضأ وهذا لا شك أنه أحوط وفيه من المصلحة أننا نغرس في قلوبهم إكرام كلام الله عز وجل وأنه أهل لأن يتطهر الإنسان لمسه فإذا كان في إلزامهم بذلك صعوبة فإنه من الممكن أن يمس المصحف من وراء حائل فإن مس المصحف من وراء حائل جائز للمحدث وغير المحدث.
***
هل يجوز للطفل غير المميز أن يمسك بالقرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الصبي غير المميز ليس له وضوء لأنه من شرط صحة الوضوء التمييز وإذا لم يكن له وضوء فإنه لا يجوز له مس القرآن لأن مس القرآن لا يجوز إلا بوضوء لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما كتبه لعمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) أي إلا متوضئ.
***
هل قراءة القرآن من المصحف يشترط أن يكون الإنسان فيها طاهراً ومتوضئاً مع العلم بأن هذا قد يكون شاقا على البعض
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا يمس المصحف إلا طاهر سواء قرأ أو لم يقرأ وإذا قرأ في مصحف بدون مس كأن يكون على يديه قفازان أو منديل أو ما أشبه ذلك لا يمسه بواسطتها فلا بأس وإذا قرأ القرآن عن ظهر قلب فلا بأس أن يقرأ وإن لم يتوضأ.
***
ما هو الجزء من المصحف الذي يحرم لغير الطاهر مسه هل هو غلاف المصحف أم أوراق المصحف أم الآيات من المصحف
.
فأجاب رحمه الله تعالى: كل المصحف لا يجوز مسه بغير وضوء سواء الذي فيه كتابة أو ليس فيه كتابة أما الجراب الذي يوضع فيه المصحف أو الكيس الذي يوضع فيه المصحف فإنه يجوز مسه لأنه منفصل عنه.
***
يقول السائل ما حكم قراءة التفسير بغير وضوء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءة التفسير من غير وضوء فلا بأس به لأن التفسير لا يسمى مصحفا أو قرآناً إلا أن هناك طبعات تطبع المصحف في جوف الورقة والتفسير على الهامش ويكون القرآن أكثر من تفسيره فهذا له حكم المصحف لا يمسه إلا بطهارة وأما المرأة الحائض فلها أن تقرأ التفسير ولها أيضا أن تنظر إلى القرآن وتقرأه بقلبها دون أن تنطق به أما نطقها بالقرآن فالاحتياط أن لا تنطق به إلا فيما دعت الحاجة إليه كالآيات التي فيها ورد كآية الكرسي فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليله لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. المرأة الحائض إن قرأت القرآن تعبدا بتلاوته فالأفضل أن لا تفعل لأن العلماء مختلفون في أن ذلك إثم أو أجر وأما إذا كان لحاجة كما لو كانت تقرأ آيات الورد أو تقرأ لئلا تنسى ما حفظته أو تقرئ ابنتها أو ولدها أو الطالبة تسمع في المدرسة فكل هذا حاجة لا بأس أن تفعله الحائض.
***
تجويد القرآن
هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن دون الانضباط ببعض أحكام التجويد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ذلك إذا لم يلحن فيه فإن لحن فيه فالواجب عليه تعديل اللحن وأما التجويد فليس بواجب التجويد تحسين للفظ فقط وتحسين اللفظ بالقرآن لا شك أنه خير وأنه أتم في حسن القراءة لكن الوجوب بحيث نقول من لم يقرأ القرآن بالتجويد فهو آثم قول لا دليل عليه بل الدليل على خلافه بل إن القرآن نزل على سبعة أحرف حتى كان كل من الناس يقرؤه بلغته إلا أنه بعد أن خيف النزاع والشقاق بين المسلمين وحد المسلمون في القراءة على لغة قريش في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وهذا من فضائله ومناقبه وحسن رعايته في خلافته أن جمع الناس على حرف واحد لئلا يحصل النزاع والخلاصة أن القراءة بالتجويد ليست بواجبة وإنما الواجب إقامة الحركات والنطق بالحروف على ما هي عليه فلا يبدل الراء لاما مثلا ولا الذال زاياً وما أشبه ذلك هذا هو الممنوع.
***
هل يلزم قارئ القرآن أن يكون ملماً بأحكام التجويد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم لقارئ القرآن أن يكون ملماً بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد بل هو مأجور مثاب على قراءته الحروف على ما هي عليه والحركات على ما هي عليه وإن لم يراع قواعد التجويد لكن التجويد في بعضه تحسين للفظ وتزيين للصوت ومن المعلوم أنه ينبغي للمرء أن يحسن صوته بكتاب الله العزيز.
***
بالنسبة لقراءة القرآن بدون تجويد هل عليها أجر كوني لا أعرف القراءة بالتجويد وهل إذا وضع المصحف في مسجد يعتبر صدقة جارية أم لا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القراءة بالتجويد ليست واجبة وإنما هي سنة لتحسين الصوت بالقرآن لأنه ينبغي على الإنسان أن يحسن صوته بتلاوة كتاب الله ومن التحسين التجويد وأما كونه واجبا فلا إذا كان الإنسان يقيم الحركات يرفع المضموم ويفتح المنصوب ويكسر المجرور ويسكن الساكن فليس عليه إثم في ذلك وأما وضع المصحف في المسجد فهو إن شاء الله تعالى من الخير ويجري أجره على صاحبه ما دام الناس ينتفعون به فإذا تلف انقطع الأجر لكن أريد أن أنبه على أمر مهم وهو اللحن الذي يحيل المعنى فإن بعض الناس ولا سيما كبار السن لا يبالون به ويقرؤون القرآن بهذا اللحن وهذا حرام عليهم ولا يصح أن يكونوا أئمة في المساجد ولو كان لهم مدة طويلة في الإمامة فإنه لا يجوز إبقاء إمامتهم إذا لم يقيموا ألسنتهم بكتاب الله مثال ذلك أن بعضهم يقرأ قول الله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بفتح التاء فيضمها فيقول صراط الذين أنعمت عليهم وهذا لحن يحيل المعنى ويجب على الإنسان أن يقوم لسانه عنه فإذا قال أنا لا أستطيع أنا لا أقدر إلا هذا قلنا إذن لا تصل في الناس إماما لأن لحنك هذا يحيل المعنى ومثل أن يقول إياكي نعبد وإياكي نستعين هذا أيضا يحيل المعنى إحالة فاحشة فيجب عليه أن يقوم لسانه فيقول إياك نعبد فإن لم يستطع فإنه لا يجوز أن لا يكون إماما للناس وعليه أن يتنحى وإن كان له مدة طويلة في الإمامة.
***
هل يأثم من يقرأ القرآن الكريم بدون تطبيق لأحكام التجويد وذلك لجهله فيها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأثم بهذا لأن أحكام التجويد إنما هي لتحسين القراءة فقط وليست واجبة فمن أقام الكلمات والحروف على ما هي عليه فقد قام بالواجب.
***
يقول السائل ماحكم من قرأ القرآن ولم يرتل لعدم قدرته على الترتيل أفيدونا بهذا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ترتيل القرآن على وجهين الوجه الأول ما يكون به بيان الحروف وإظهارها بحيث لا يسقط شيئاً من الحروف فهذا واجب ولا يجوز للإنسان أن يقرأ على وجه يسقط فيه الحروف كما يفعله بعض الناس من السرعة العظيمة التي يخفي فيها الواو أحياناً أو الفاء أحياناً أو اللام أحياناً أو أي حرف من الحروف لأنه إذا تلاه على هذا الوجه فقد تلاه على غير ما أنزل فيخشى أن يكون ممن يلوون ألسنتهم بالكتاب.
أما الثاني فهو الترتيل الذي يكون أكثر من إظهار الحروف بحيث يكون اللفظ محسناً بالتجويد أو يقف عند كل آية فهذا الترتيل ليس بواجب ولكنه مستحب إن فعله الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يفعله فلا حرج عليه.
***
مستمع رمز لاسمه بـ ح. أ. م. يعمل في المملكة يقول في رسالته بأنه شابٌ مؤمنٌ بالله سبحانه وتعالى ومصدق لنبيه صلى الله عليه وسلم ومحافظ على الصلوات المكتوبة ويكثر من قراءة القرآن ولله الحمد ولكن يقول عندما أقارن بين قراءتي وبين قراءة المقرئين من خلال المذياع أجد أنني أرتكب أخطاءً كثيرة فهل علي إثمٌ لما أرتكبه من أخطاء من غير قصد أفيدونا أفادكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الله سبحانه وتعالى أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب بلسانٍ عربيٍ مبين كما قال الله تبارك وتعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فيجب على الإنسان أن يقرأ هذا القرآن باللسان العربي فيرفع المرفوع وينصب المنصوب ويجر المجرور ويجزم المجزوم ولا يجوز له أن يغير الحركات فإذا كان يغيرها فالواجب عليه أن يتعلم وأن يكرر بقدر استطاعته ولا يجوز أن يتهاون في هذا الأمر ويقول سأبقى على ما أنا عليه من الخطأ وأما ما لا تتغير به الحركات من صفات الحروف فهذا ليس بواجب مثل المد والقصر وما أشبه ذلك إلا أن يؤدي ترك المد إلى إسقاط حرف أو يؤدي القصر إلى إسقاط حرف هذا لا يجوز لأن إسقاط الحرف كتغيير حركته والمصاحف ولله الحمد متوفرة وبالإمكان أن يأخذ الإنسان مصحفاً يقرؤه كلمةً كلمة حتى يأتي به على وجه الصواب.
***
رسالة المستمع من الباحة سعد علي يقول بأنه يحب قراءة القرآن حباً عظيماً والحمد لله ويقول أنا لا أجيد حقيقة القراءة جيداً وهناك شباب أحسن مني في قراءتهم لكنهم لا يطبقون أحكامه ويقولون لو أنت مطوع لكنت أحسن منا فما رأي فضيلتكم في ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن الفائدة من قراءة القرآن هي تدبر القرآن والاتعاظ به والعمل به فأنت أحق منهم بالقرآن وذلك لأنك تعمل به حسبما قلت ومعلومٌ أن الذي يجيد قراءة القرآن ولكنه لا يعمل به يكون شبيهاً بمن قال الله فيهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) فالحامل سيئ والمحمول حسن فقل لهم إذا قالوا لك مثل هذا القول قل وأنتم لو كنتم من أهل القرآن لعملتم به فإعراضكم عن القرآن مع أن الله حملكم إياه أشد من كونكم لا تحملون القرآن أما بالنسبة لك أنت فأنت إذا قرأت القرآن وأنت تتعتع فيه وهو شاقٌ عليك فإن لك أجرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) ومع ذلك فلا تيأس وحاول مرةً بعد أخرى واعلم أنه لا يلزمك أن تقرأ بالتجويد المهم أن تقيم الكلمات والحروف على الشكل المرسوم فلا تضم المنصوب ولا تنصب المرفوع وإنما تتمشى على حسب الشكل المرسوم سواءٌ كان ذلك بطريق التجويد أو بغير طريق التجويد لأن التجويد لا يراد به إلا تحسين اللفظ فقط وتحسين اللفظ ليس بواجب إنما هو من كمال القراءة فلا عليك إذا قرأت القرآن بغير تجويد ولكن لا بد من ملاحظة الشكل.
***
المستمعة من العراق تقول تعلمت قراءة القرآن والكتابة في مدراس شعبية دون مراعاة للحركات وأصبحت حين أقرأ القرآن أخطئ كثيراً فأنصب المرفوع وأجر المنصوب إلى غير ذلك من الأخطاء الكثيرة فهل أستمر في القراءة على هذا اللحن الشنيع أم الترك أفضل أرجو التوجيه مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تتركي القراءة من أجل هذا الغلط ولكن حاولي بقدر المستطاع إصلاح هذا الغلط وما دامت هذه السائلة تقول إني أرفع المنصوب وأنصب المرفوع فإن هذا يدل على أنها تعرف هذا الشيء وإذا عرفته فلتصحح، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) .
***
المستمع من الأردن يقول فضيلة الشيخ ما الفرق بين حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي ما معناه (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) ومعنى الحديث الذي يقول (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) أفيدونا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا تعارض بين الحديثين إن صح الثاني وهو قوله (ربَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) فإن المراد بالحديث الأول الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق المراد به الرجل الحريص على قراءة القرآن فيحرص على قراءة القرآن ولو كان يتتعتع فيه أي يشق عليه النطق به على وجه سليم ومع ذلك فيحافظ على قراءة القرآن فإن هذا له أجران أجر التلاوة وأجر المشقة في التلاوة
أما الثاني إن صح فالمراد بقارئ القرآن الذي يلعنه القرآن هو القارئ يقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن بأخباره ولا يعمل بأحكامه يكذب الأخبار يحرفها يستكبر عن الأحكام فيخالفها فمثل هذا القارئ يكون قارئاً للقرآن لكن القرآن في الحقيقة برئ منه بتكذيبه القرآن أو استكباره عن العمل بأحكامه ولا فرق بين من يكذب القرآن جملة أو يكذب خبراً واحداً من أخباره وبين أن يرفض أحكامه جملة أو يرفض حكماً من أحكامه لأن الله سبحانه وتعالى جعل الكفر ببعض الشريعة كفراً بها كلها فقال تعالى ناعياً على أهل الكتاب (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وجعل الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض كافرين بالجميع فقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) فهذا هو القول في ما ذكره السائل وبه يتبين أنه ليس هناك تعارضٌ أصلاً بين ما ذكره السائل.
***
يقول السائل أنا أقرأ القرآن ولكني لست ماهراً بقراءته فقد يحدث مني أخطاء بتحريف بعض الآيات بدون قصد فهل عليَّ إثم في ذلك وهل أترك قراءته لهذا السبب أم أقرأ على حسب علمي ومقدرتي وليس علي إثم فيما أخطأت
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تقرأ القرآن كما هو موجود في المصحف معرباً محركاً بحركاته وهذا أمر ميسر لمن كان يعرف الحروف والحركات ولا يجوز لك أن تتهاون وتقرأ على حسب ما كنت تقرأ بل يجب عليك أن تقف عند الآية أو عند الكلمة حتى تنطق بها نطقاً صحيحاً لأن هذا القرآن كلام الله عز وجل تكلم الله به لفظاً فهو كلامه لفظاً ومعنى والواجب أن تقرأه كما هو في المصحف ولو تتعتعت فيه فإن ذلك أجر لك كما جاء في الحديث (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) فمرن نفسك على التلاوة الصحيحة ولا تتهاون ولا تفرط.
فضيلة الشيخ: لكن إذا كان المستوى الذي يقرأ عليه هو غاية علمه وقد يخطئ وهو لا يدري أنه يخطئ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يتعلم لأن الأمر ليس بالسهل فإن بعض الناس يقرأ على سجيته أو طبيعته من دون أن يحاول التعلم والتمرن على النطق بالكلمات صحيح أن بعض الناس قد تكون لهجته لا توافق النطق العربي على الوجه الصحيح لكن عليه أن يحاول بقدر ما يستطيع ولا يتكلم بالقرآن كأنما يتكلم بكلام آخر عادي.
***
م ع م من الزلفي تقول أنا اقرأ القرآن وأعرف الحروف الهجائية ولم أتعمق في معرفتها فلا أعرفها معرفة تامة فيحصل لي عند قراءتها بعض الغلط في بعض الكلمات هل يجوز لي قراءتها مع ذلك مع حرصي على القراءة الجيدة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن إذا كان لا يعرف إلا بتعلم فالمواطن التي لا تعرفينها من القرآن الكريم لا تقرئيها حتى تتخذي معلمة تعلمك إياها فإذا عرفتيها فاقرئيها أما المواطن الأخرى التي تعرفينها وتخرجينها على ما في كتاب الله فلا حرج عليك في قراءتها وإذا حصل للقارئ سهو أو غلط أو تغيير في كلمة فإنه لا حرج عليه إذا كان غير متعمد.
فضيلة الشيخ: حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه (من قرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة ومن قرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع به فله أجران) ألا يكون مثلاً يوافق قراءة هذه السائلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا لأن الذي يتتعتع يقول (من قرأ القرآن) والمغير للكلمات والحروف ما قرأ القرآن أبدل كلمة بكلمة أو حرفاً بحرف لكن معنى يتتعتع يعني يشق عليه يخرج الكلمة شيئاً فشيئا مثل أن تجده مثلاً يقول قل أعوذ أعوذ أعوذ يعني مشقة يتهجاها تهجياً فيتتعتع وأما أن يغير فلا ثم إنه إذا كان يغير وعنده معلم يقومه فلا حرج أيضاً لأن هذه هي طريقة التعلم لكن الرجل يعرف أنه يغير ولا يحاول أن يتعلم على قارئ فهذا خطأ ولا يجوز.
***
تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ما معنى الغناء بالقرآن هنا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في معنى قوله (لم يتغن بالقرآن) فقيل المعنى أن يستغني به عن غيره لأن من لم يستغن بالقرآن عن غيره واتبع غير القرآن على خطر عظيم ربما خرج من الإسلام بذلك وقيل المعنى من لم يحسن صوته بالقرآن احتقاراً للقرآن فليس منا ومن المعلوم أنه ليس على ظاهره بمعنى أن من لم يقرأ القرآن على صفة الغناء فليس من الرسول في شيء ليس هذا مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطعا.
***
يقول هل قراءة القرآن بالتجويد المعروف الآن من السنة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن قراءة القرآن بالتجويد الموجود الآن من تحسين التلاوة ولكنه ليس بواجب وإنما الواجب إظهار الحروف والحركات لكن إذا أتى به على النحو المعروف الآن في التجويد كان هذا من تحسين الصوت بشرط ألا يبالغ في مخارج الحروف فإن بعض الناس يبالغ في مخارج الحروف حتى إنه يتكلف إخراج حروف القلقلة وأشباهها.
***
أخذ الأجرة على قراءة القرآن
من العراق محافظة القادسية المستمع شوقي محمد أبو سعد يقول بالنسبة لمتخذ قراءة القرآن الكريم مهنة يعتمد عليها في حياته في المآتم مثلاً مقابل مبلغ كبير من المال رأي الشرع في نظركم يا شيخ محمد في هؤلاء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هؤلاء أن عملهم هذا محرم وأن هذه الطريقة التي يتوصلون بها إلى اكتساب المال طريق غير مشروعة إذ إن كلام الله عز وجل إنما نزل ليتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى بتلاوته وفهم معانيه والعمل به فإذا حوله الإنسان إلى أن يصطاد به شيئاً من الدنيا فقد أخرجه عن مقتضاه وعما أراده الله عز وجل فيه ويكون كسبه بهذه الطريق كسباً محرماً يأثم به ويأثم به أيضاً كل من ساعده على ذلك وبذل له هذا العوض لأن مساعدته وبذل العوض له من باب معاونته على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وليعلم أن هؤلاء المستأجرين الذين يستأجرون عند موت الأموات ليقرؤوا لهم بشيء من القرآن أو يقرؤوا لهم كل القرآن ليعلم أن هؤلاء ليس لهم أجر يصل إلى الميت لأن عملهم حابط مردود عليهم لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهذا القارئ لم ينل من قراءته أجراً سوى ما أخذه من حطام الدنيا وما أخذه من حطام الدنيا لا يصل إلى الميت ولا ينتفع به الميت وعلى هذا فيكون في ذلك خسارة على أهل الميت خسارة دنيوية بإضاعة هذا المال الذي صرفوه إلى هذا القارئ المعطل في قراءته وخسارة أخروية لأنهم أعانوا هذا الآثم على إثمه فشاركوه في ذلك فعلى إخوتي المسلمين أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذه الأعمال وأن يسلكوا عند المصائب ما سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشد أمته إليه من الصبر والتحمل وأن يقول الإنسان عند مصيبته إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها حتى يدخل في قوله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) ومن قال هذا بصدق ورجاء ثواب واحتساب من الله عز وجل فإنه يوشك أن يخلف الله عليه خيراً من مصيبته.
***
أخذ الأجرة مقابل تلاوة القرآن وخصوصاً الذين يقرؤون القرآن في المناسبات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام وذلك لأن قراءة القرآن لا تقع إلا قربة وكل عمل لا يقع إلى قربة فإن أخذ الأجرة عليه حرام والقارئ إذا أخذ الأجرة على هذه القراءة فإن الأجرة عليه حرام ولا ثواب له من هذه القراءة وبهذا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يستأجرون من يقرأ لميتهم في أيام وفاته فإني أقول لهم إن عملكم هذا عمل بائر ليس فيه فائدة بل فيه مضرة لأنكم أعنتم هذا القارئ على الإثم حيث أخذ أجرةً على قراءته ولأن هذه الدراهم قد تكون مأخوذة من تركة الميت وقد يكون فيها وصية وقد يكون في الورثة صغار فيظلمون بأخذ شيء مما يستحقونه من هذه التركة ثم إن ميتكم لن ينتفع بهذه القراءة إطلاقاً وذلك لأن هذه القراءة ليس فيها ثواب عند الله وإذا لم يكن فيها ثواب فمن أين تأتي الفائدة لهذا الميت إذن فالواجب البعد عن هذا العمل والتحذير منه والتناصح بين المسلمين من أجل القضاء عليه وإخلاء المسلمين منه.
***
يقول السائل نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قاريء يقرأ القرآن فهل يجوز للقاريء أن يأخذ أجراً على قراءته وهل يأثم من يدفع له الأجر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن استئجار باطل لا يحل لا للباذل ولا للآخذ والقارئ الذي يقرأ ليس له أجر ينتفع به المقروء له لأنه أراد بعمله الدنيا وقد قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فمن استأجر شخصاً يقرأ القرآن على روح الميت مثلا كما يقولون فإن هذا الاستئجار باطل والقارئ ليس له أجر حتى يصل إلى الميت وما يأخذه القارئ فإنه أكل للمال بالباطل فلا يحل لأحد أن يستأجر له شخصا يقرأ القرآن لا لنفسه ولا لميت من أمواته وأما إذا كانت قراءة القرآن لغير الثواب ولكن للنفع المتعدي كما لو استأجرنا شخصا يعلمنا القرآن وصار يتلو علينا للتعليم أو استأجرنا شخصا يقرأ على مريض ليشفى فإن هذا لا بأس به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيجب أن نعرف الفرق بين هذا وهذا من استأجرا لثواب القراءة فلا ثواب له ولا تحل الإجارة ومن استأجر لنفع متعد كالتعليم والقراءة على المريض وما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه.
***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في أولئك الذين يتلون القرآن في مناسبات الزواج يعملون لهم خياماً ويقومون بتجهيز مكبرات الصوت وبإيجار الساعة الواحدة بمبلغ كبير من المال وهذه الظاهرة متوفرة في بعض البلدان هل هذا العمل جائز
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم يعظم كلام الله تعالى أكثر مما نعظمه نحن ولاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرص منا على الخير وعلى التعبد بكتاب الله ومع هذا لم يكن هذا من هديه أبدا أن يحضر الناس في أيام الزواج من أجل أن يتلو عليهم القرآن وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه مردود على صاحبه لذلك ننصح إخواننا المسلمين من مثل هذه الأعمال التي يقصد بها التعبد لله عز وجل وهي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***
هل يجوز لشخص أن يقرأ الفاتحة وبعد إكمال التعزية يقبض مالاً من صاحب التعزية فهل المال يعتبر حلالاً أم حراماً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا يجوز للمرء أن يأخذ شيئاً على تلاوة القرآن وإنما يجوز الأخذ على تعليم القرآن لأن التعليم عمل يتعدى نفعه إلى الغير بخلاف القراءة المجردة هذا من حيث أخذ المال وعليه فيجب على أخينا السائل أن يرد ما أخذه على صاحبه وأما قوله عن قراءة الفاتحة عند التعزية فنقول له إن هذا من البدع فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه يقرؤون الفاتحة عند التعزية وإنما كانوا يعزون المصاب بالميت بما يليق بحاله أي بما يكون سبباً لتقويته على تحمل هذه المصيبة لأن التعزية معناها التقوية وقد عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى بناته بقوله لرسول أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فمثل هذه الكلمات العظيمة لاشك أنها تؤثر على المصاب تأثيراً بالغاً يتحمل به المصيبة ويصبر عليها حيث يؤمن بأنه إذا احتسب على الله تبارك وتعالى أُجر الصبر على هذه المصيبة ووفاه أجره بغير حساب وكذلك بأن لله تعالى ما أخذ وله ما أبقى فالملك ملكه يتصرف فيه كما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى لا يتعداه ولا يتقدم عليه فلا فائدة من الجزع وإن كان الإنسان بلا شك سوف يحزن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم (القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولكن على المرء أن يصبر ولا يحدث قولاً ولا فعلاً ينم عن التضجر وعدم الصبر.
***
يقول السائل الذين يقرؤون ويأخذون مبالغ كبيرة ما حكمهم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ الذي يقرأ إنما قرأ من أجل ما يأخذ فإن ذلك حرام عليه ولا يحل له لأنه لم ينتفع بقراءته أحد إنما النفع له وهو إذا أخذ عليه أجرا من الدنيا حرم أجره في الآخرة وأما إذا كان يعلم الناس بأجرة يحفظ الإنسان مثلا سورة البقرة وهو يقول سورة البقرة عليه كذا وكذا من المقدار فالصحيح أن ذلك جائز يعني أنه يجوز أن يأخذ أجرا على تعليم القرآن لا على قراءة القرآن لأن قراءة القرآن نفعها لا يتعدى والتعليم يتعدى نفعه إلى المعلم ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) يعني تعليمه فإذا كان الإنسان يعلم الناس القرآن بأجرة سواء كانت على المقدار أو على الزمن على المقدار بأن يقول كل جزء بكذا وكذا أو كل سورة بكذا وكذا أو على الزمان كل ساعة بكذا وكذا فهذا لا بأس به للحديث الذي ذكرت.
***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في القارئ يستأجر في ليالي رمضان يقرأ بأجر يقوم هو بتحديده وهل على الذي يقوم بالتأجير في شهر رمضان إثم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن لا يجوز أي أنه لا يجوز أن تستأجر شخصا يقرأ القرآن عليك للتعبد بالاستماع إليه وذلك لأن قراءة القرآن قربة تقرب إلى الله عز وجل وكل شيء يقرب إلى الله فهو عبادة والعبادة لا يجوز أخذ الأجر الدنيوي عليها سواء كان ذلك في رمضان أو في غير رمضان وبذلك يتبين لنا خطأ ما يفعله بعض الناس إذا مات لهم الميت استأجروا قارئا يقرأ القرآن يزعمون على روح الميت فإن هذا محرم ولا أجر للقارئ على قراءته هذه وعلى هذا فيكون استئجاره إضاعة للمال بدون فائدة وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقوم أنا لا أصلى بكم في رمضان إلا بكذا وكذا فقال رحمه الله نعوذ بالله من يصلى خلف هذا وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو على قراءته على مريض او لديغ أو ما أشبه ذلك فلا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيفرق بين من يستأجر لمجرد التلاوة وبين من يستأجر لعمل يحصل بالقراءة أي بقراءة القرآن فالثاني جائز والأول غير جائز.
***
هل يجوز أخذ مكافأة على تعليم القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يأخذ الإنسان مكافأة على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) لكن لا يجوز أخذ مكافأة على مجرد القراءة أي مجرد قراءة القرآن لأن مجرد القراءة للقرآن لا يقع إلا عبادة والعبادة لا يؤخذ عليها أجر وبهذا نعرف خطأ من إذا مات ميتهم جمعوا القراء أو أتوا بقاريء واحد يقرأ القرآن يزعمونه نافعاً للميت وهو لا ينفع الميت إذا كان بعوض لأن قاري القرآن بعوض لا أجر له في الآخرة ولا ثواب له عند الله وإذا لم يكن له ثواب عند الله لم ينتفع الميت من ذلك بشيء فهذا الفعل محرم لأنه إعانة على الإثم والعدوان وربما يكون عوض هذه القراءة مأخوذاً من التركة والتركة قد يكون فيها وصايا للميت وقد يكون في الورثة من هم قصر فيؤخذ من مالهم ومن الوصية بغير حق فهذا عدوان ظاهر وبهذا ننصح إخواننا الذين يموت لهم ميت بأن يتجنبوا هذه الأمور وأن يتحلوا بالصبر والاحتساب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى بناته وقد مات لها طفل أو قارب الموت قال للرسول الذي أرسلته (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) .
***
سماع القرآن عبر المذياع
ع. خ. م. من بلاد بني عمرو قرية فران يقول هناك مدرس يقول الذي يستمع للقرآن الكريم من الراديو حرام فقلت قال الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فقال ما دام أنت تعرف اقرأ في المصحف مع من هو الحق وفقكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى القراءة المسجلة لا شك أنه استماعٌ إلى صوتٍ محكي ومثبت على هذا الشريط وهو أمرٌ لا يعارض الآية الكريمة (وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فالاستماع إليه لا بأس به بل قد يكون مستحباً إذا كان الإنسان لا يحسن القراءة بنفسه ويحب أن يستمع إلى القرآن من المسجل فيكون مأموراً به فالصواب معك في أنه لا بأس بالاستماع إلى القراءة من المسجل لأن هذه من الوسائل التي أنعم الله بها علينا الآن حيث نحفظ كتاب الله بكتابته بالأحرف وبتسجيله بالصوت ولكن ليعلم أن ما يقال في التسجيل ليس كما يقوله الشخص بنفسه لا سيما إذا كانت العبادة مقصودةً من الفاعل أقول هذا لئلا يظن ظانٌ أننا لو ركبنا مسجلاً على مكبر الصوت في المنارة عند الأذان وسمع منه الأذان من هذا المسجل فإن هذا لا يجزئ عن الأذان من الإنسان نفسه لأن الأذان عبادة يجب أن يفعله الفاعل بنفسه بخلاف الشيء المسجل فإنه حكاية صوت الفاعل أو القارئ أو المسجل فليس هو فعله ولهذا قد نفتح المسجل فيحكي لنا صوت إنسانٍ ميت فإذا لم يكن هو فعله وكان الآذان مشروعاً من الفاعل فإنه لا يجزئ الأذان بمكبر الصوت عن أذان الإنسان نفسه.
***
المستمع عبد الله العربي من مصر يقول هل يجوز أن يستمع الإنسان للقراءة من المذياع أو خلاف ذلك على سبيل المثال عند قيادة السيارة وهل يجوز أن يستمع للقرآن مضطجعاً وهل عليه شيء إن نام أثناء ذلك والقارئ يقرأ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى كتاب الله عز وجل عبادة لأن الله تعالى أمر بها فقال عز وجل (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذه العبادة وهي الاستماع إلى كتاب الله جاءت مطلقة في كتاب الله لم تقيد بحالٍ دون أخرى فيجوز للإنسان أن يستمع إلى كتاب الله عز وجل وهو قائمٌ أو قاعدٌ أو مضطجع ويجوز أن يستمع إلى كتاب الله وهو يعمل لكن بشرط أن لا يلهيه العمل عن الاستماع فإن كان يلهيه عن الاستماع وذلك حيث يكون العمل يحتاج إلى تفكير فإنه لا ينبغي أن يستمع إليه وهذا إذا كان الأمر بيده واختياره مثل أن يكون مستمعاً إلى القرآن من شريط تسجيل فنحن نقول له إذا كنت مشتغلاً بشغلٍ يشغل قلبك فالأولى أن لا تفتح المسجل لتستمع لأنك في هذه الحال لا يمكنك أن تقبل على عملك مع إقبالك على كلام الله عز وجل لكن الذي يظهر لي أن الاستماع إلى القرآن حال قيادة السيارة يمكن لأن القيادة لا تشغل الإنسان كثيراً لا سيما في الخطوط السريعة التي لا يخشى الإنسان فيها حادثاً أو خطأً يميناً أو شمالاً فالقاعدة أنه متى أمكنك الاستماع لكتاب الله على وجهٍ تصغي إليه وتنتفع بما تسمع فاستمع إليه على أي حالٍ كنت قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً لعموم قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أما إذا كان لا يمكنك لانشغال قلبك بما أنت متلبسٌ به فلا يحسن أن تستمع إليه لأن الله تعالى يقول (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) .
***
أ. ع. خ. من الأردن إربد يقول: هل سماع القرآن عبر المذياع يومياً يغني عن قراءته وهل أجر القارئ والمستمع سواء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يغني عن قراءته لكن لا شك أن المستمع له أجر وأنه مشارك للقارئ في أجره ولهذا إذا مر القارئ بآية سجدة سجد هو والمستمع ولكن أحيانا يكون الإنسان عنده كسل وتعب فيحب أن يسمع القرآن من غيره فإذا رأى من نفسه أن سماعه من غيره أشد استحضارا وأقوى تدبرا وأنفع لقلبه ففعله فلا حرج وأما أن يتخذ ذلك ديدناً له ويدع القراءة بنفسه فإن هذا لا ينبغي ولا يغني عن القراءة بالنفس وأما أيهما أكثر أجرا فلا شك أن قراءة الإنسان بنفسه أكثر أجرا لأن فيها عملا واستماعا في نفس الوقت فالإنسان يحرك مخارج الحروف بالنطق وهذا عمل ويسمع قراءته ويستمع إليها وهذا السماع ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل بحيث يكون تدبره ووعيه في قراءة غيره أكثر من تدبره إذا قرأ هو بنفسه ولكل مقام مقال لكن بالنظر إلى العمل من حيث هو عمل فإن القراءة أفضل من السماع.
***
قراءة القرآن قراءةً جماعية
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد وما مدى حقيقة وضع القارئ في هذه الحالة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن بصوت واحد من جماعة هذا جائز إذا لم يتضمن محظوراً فمن المحظور أن يحصل به تشويش على من حولهم فيمنع عن ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) .
ومنها أيضاً أي من المحاذير أن يتخذ هذا على سبيل الطرب وهز الظهور، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الناس أصحاب الطرق فهذا أيضاً يمنع منه،
ومنها أيضاً أن يحصل به إعراض عن تلاوة الإنسان لنفسه يعني الذين يألفون هذه الطريقة حتى لا يستطيع المرء منهم أن يقرأ القرآن لنفسه فإن هذا محظور يجب تجنبه، فإذا سلم من هذه المحاذير فلا بأس به، وإذا كان الرجل إذا قرأ وحده صار أقرب إلى استحضاره وإلى تدبره كان ذلك أولى من القراءة للجمع.
***
بعض الناس بعد الانتهاء من قراءة القرآن يقولون الفاتحة ويقرؤون الفاتحة بصوتٍ جماعي علماً بأن ذلك في المسجد هل هذا من البدع
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يختم قراءته بالفاتحة بل كان يبتدئ قراءته بالفاتحة في الصلاة فأول ما يقرأ في الصلاة بعد الاستفتاح الفاتحة وكما قال السائل إن بعض الناس يختتم القراءة بالفاتحة وأقول إن بعض الناس أيضاً يختتم كل شيءٍ بالفاتحة حتى في الدعاء إذا دعا قرأ الفاتحة حتى في كل مناسبة يقول الفاتحة وهذا من البدع قد يقول قائل أكثرت علينا من البدع كل شيء بدعة فأقول لا ليس كل شيء بدعة البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات بل ما أحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام ولا يقال إنه بدعة فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعاً وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة من ذلك مكبر الصوت مكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد فيكون خيراً ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها ومن ذلك ما حدث أخيراً في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثاً ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع فيكون جائزاً أو مشروعاً لغيره ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط فكانوا يعانون مشكلات إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخر أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب الآن والحمد لله يقول الإمام سووا صفوفكم على الخطوط توسطوا منها فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد لكنه ليس بدعة من حيث الشرع لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعاً فالمهم أنه لا ينبغي لأحد أن يعترض علينا أو لغيرنا عندما نقول إن هذا بدعة وهو حقيقةٌ بدعة ولنرجع إلى الضابط الذي ذكرنا وهو أن البدعة شرعاً والتي عليها الذم هي التعبد لله تعالى بما لم يشرعه سواءً في العقيدة أو في القول أو في العمل.
***
هذه رسالة من ليبيا من بعض الأخوات يقلن نحن أخواتكم في الله من ليبيا لنا بعض القضايا السؤال الأول يقلن نقوم أحياناً بختم القرآن ختمةً جماعية حيث تقوم كلٌ منا بقراءة جزء أو أكثر في بيتها فنختم في ليلةٍ واحدة فهل ما نفعله صحيح
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاجتماع على ختم القرآن في البيت له أصلٌ من فعل الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا فإن فعلن ذلك فأرجو أن لا يكون فيه حرج وإن تركن ذلك فهو أسلم وأبعد من حدوث البدعة لأنه ربما تتطور هذه المسألة ويحدث منها ما لا يمكن أن نقول إنه من فعل الصحابة.
***
هل تجوز قراءة حزب من القرآن جماعة في المسجد في كل يوم بعد صلاتي الصبح والمغرب وما حكمهما في الإسلام
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج أن يجتمع جماعة بعد صلاة الفجر أو المغرب أو الظهر أو العصر ويقرؤوا فيما بينهم حزبا من القرآن لكن لا على سبيل جماعي بل يقرأ واحد ويستمع الباقون ثم يقرأ الثاني ويستمع الباقون وهكذا.
***
قول (صدق الله العظيم) عند الفراغ من القراءة
فيصل الدعجاني من القصب يقول ما حكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم وإنما حدث أخيراً ولا ريب أن قول القائل صدق الله العظيم ثناءٌ على الله عز وجل فهو عبادة وإذا كان عبادةً فإنه لا يجوز أن نتعبد لله به إلا بدليلٍ من الشرع وإذا لم يكن هناك دليل من الشرع كان ختم التلاوة به غير مشروع ولا مسنون فلا يسن للإنسان عند انتهاء القرآن أن يقول صدق الله العظيم فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فالجواب بلى قد قال الله ذلك ونحن نقول ذلك لكن هل قال الله ورسوله إذا أنهيتم القراءة فقولوا صدق الله وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ ولم ينقل عنه أنه كان يقول صدق الله العظيم وقرأ عليه ابن مسعود رضي الله عنه من سورة النساء حتى بلغ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) فقال النبي عليه الصلاة والسلام (حسبك) ولم يقل قل صدق الله ولا قاله ابن مسعود أيضاً وهذا دليل على أن قول القائل عند انتهاء القراءة صدق الله ليس بمشروع نعم لو فرض أن شيئاً وقع مما أخبر الله به ورسوله فقلت صدق الله واستشهدت بآيةٍ من القرآن هذا لا بأس به لأن هذا من باب التصديق لكلام الله عز وجل كما لو رأيت شخصاً منشغلاً بأولاده عن طاعة ربه فقلت صدق الله (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وما أشبه ذلك مما يستشهد به فهذا لا بأس به.
***
يقول السائل ماحكم قول صدق الله العظيم عند نهاية كل قراءة من القرآن الكريم
.
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين ما ذكره أهل العلم قاطبة بأن العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين
أحدهما الإخلاص لله عز وجل والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة فلا يقصد جاهاً ولا مالاً ولا رئاسة ولا أن يمدح بين الناس بل لا يقصد إلا الله والدار الآخرة فقط
وأما الشرط الثاني فهو الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يخرج عن شريعته لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه النصوص النصية تدل على أنه لا بد لكل عمل يتقرب به الإنسان لله عز وجل بأن يكون مبيناً على الإخلاص. الإخلاص لله موافقاً لشريعة الله عز وجل ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها وزمانها ومكانها فمن تعبد لله تعالى عبادة معلقة بسبب لم يجعله الشرع سبباً لها فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع فلا تكون مقبولة وإذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين فإننا نقول إن قول الإنسان عند انتهاء قراءته صدق الله العظيم لاشك أنه ثناء على الله عز وجل بوصفه سبحانه وتعالى بالصدق (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً) والثناء على الله بالصدق عبادة والعبادة لا يمكن أن يتقرب الإنسان بها إلا إذا كانت موافقة للشرع وهنا ننظر هل جعل الشرع انتهاء القراءة سبباً لقول العبد صدق الله العظيم إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا بل أن الشرع لم يجعل انتهاء القارئ من قراءته سبباً لأن يقول صدق الله العظيم فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه (اقرأ) قال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل قال (إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأ حتى بلغ قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (حسبك) ولم يقل عبد الله بن مسعود صدق الله العظيم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهكذا أيضاً (قرأ زيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم حتى ختمها) ولم يقل صدق الله العظيم وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع صدق الله العظيم فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها فإذا انتهيت من قراءتك فاسكت واقطع القراءة أما أن تقول صدق الله العظيم وهي لم ترد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فإن هذا قول يكون غير مشروع قد يقول قائل أليس الله تعالى قال (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فنقول بلى إن الله تعالى قال قل صدق الله ونحن نقول صدق الله لكن هل قال الله تعالى قل عند انتهاء قراءتك قل صدق الله الجواب لا إذا كان كذلك فإننا نقول صدق الله ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلق بسبب لم ي جعله الشارع سبباً له لأنه كما أشرنا من قبل لا تتحقق المتابعة في العبادة حتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها وزمانها ومكانها وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول صدق الله العظيم.
***
يقول السائل سمعت من بعض الإخوة أن كلمة صدق الله العظيم بعد التلاوة بدعة هل هذا صحيح
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ختم تلاوة القرآن بقول صدق الله العظيم بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يختمون قراءتهم بقول صدق الله العظيم وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وعلى هذا فينبغي للقارئ إذا انتهى من قراءته أن ينهيها بآخر آية يتلوها بدون أن يضيف إليها شيئاً.
***
تقول السائلة عند الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والسورة التي تليها هل يجوز قول صدق الله العظيم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد انتهاء التلاوة في الصلاة أو في غيرها بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا إذا انتهوا من القراءة قالوا صدق الله ومن المعلوم أن قول القائل صدق الله عبادة لأنه ثناء على الله بالصدق وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أن نشرع من العبادات ما لم يشرعه الله ورسوله فإن فعلنا ذلك كان بدعة وكل بدعة ضلالة وعلى هذا فالقارئ إذا انتهى من قراءته يسكت ولا يقول صدق الله العظيم ولا غيرها لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من سورة النساء حتى إذا بلغ قول الله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) قال النبي صلى الله عليه وسلم (حسبك) قال فالتفت فإذا عيناه تذرفان صلوات الله وسلامه عليه ولم يقل ابن مسعود صدق الله ولا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وكذلك قرأ عنده زيد بن ثابت سورة النجم حتى ختمها ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم له قل صدق الله العظيم ولا قالها أيضاً فدل هذا على أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه أن يقولوا عند انتهاء القراءة صدق الله العظيم لا في الصلاة ولا خارج الصلاة.
***
أسمع في الإذاعة كثيراً من المقرئين يقرؤون القرآن ببطء ويقف بين الآية والأخرى فترة يخيل للمستمع أنه انتهى ثم يعاود القراءة مرة أخرى كذلك عند نهاية القراءة وأخيراً يختمون بصدق الله العظيم ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى وهي كونهم يقفون عند كل آية وربما يبطئون في الوقف فهي طريقة يستعملها بعض الناس من أجل شد أذهان الناس إليهم وتشويقهم إلى القراءة فإن القارئ إذا وقف ثم تأخر كثيرا لا يزال السامع متشوقا لقراءته فهم يستعملون هذا من أجل هذا وأما ختم القراءة بصدق الله العظيم فهذه لا أصل لها من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من عمل سلف هذه الأمة وإنما هي محدثة ولا ينبغي للإنسان أن يختم بها تلاوته لأن هذه الجملة ثناء على الله عز وجل والثناء على الله عبادة والعبادة موقوفة على الشرع فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرا القرآن ويقف ولا يقول صدق الله العظيم ويقرأ عليه القرآن فيقف القارئ ولا يقول صدق الله العظيم علم أن هذا ليس من السنة وأنه من الأشياء المحدثة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من جنسها فقال (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) قلنا بلى ونحن نقول صدق الله ويجب علينا أن نؤمن بأن كلام الله أصدق الكلام ولكن هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام يختم بهذه الجملة كلما قرأ هذا هو محل هو بيت القصيد وهذا هو محل النقاش وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يختم قراءته بهذه الجملة دل ذلك على أنها ليست من السنة
***
ختم القرآن الكريم
بارك الله فيكم المستمعة أم هند من عسير بالمملكة العربية السعودية تقول ما حكم تجميع ختمات القرآن الكريم في أيام معينة مثل أن يقرأ القرآن حتى الجزء الثلاثين ليبدأ مرة أخرى حتى الجزء الثلاثين ثم يقرأ الجزء الثلاثين في ليلة السابع والعشرين من رمضان
.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال غير واضح كما ينبغي لكن ينبغي أن يعلم أن الإمام الذي يصلى بالناس في قيام رمضان لا يطلب منه أن يقرأ القرآن كله على سبيل الوجوب بل يقرأ ما تيسر فإن تمكن من قراءة القرآن كله فهذا طيب حتى يسمع الناس جميع القرآن في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن وإن لم يتمكن من ذلك واقتصر على بعض القرآن فلا حرج عليه لعموم لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وأهم شيء في هذا الباب أن يكون المصلى بالناس في قيام رمضان مطمئناً في صلاته في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وتشهده حتى يتمكن الناس من الطمأنينة في هذا القيام وإنك لتعجب من بعض الناس ولاسيما في الصلاة في أول الليل التراويح فتعجب من بعض الناس الذين يسرعون إسراعاً عظيماً بحيث لا يتمكن من وراءهم من فعل الواجب أي فعل واجب الطمأنينة وفعل واجب الأذكار وهذا حرام عليهم لأن الإمام في إمامته ولي متبوع لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فإذا كان ولياً متبوعاًَ فإن الواجب عليه أن يراعي الأمانة فيمن ولاه الله عليهم وجعلهم تابعين له وأن لا يسرع إسراعاً يمنعهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والأذكار وقد صرح أهل العلم رحمهم الله بأنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يجب فليتق الله هؤلاء الأئمة وليقوموا بما يجب عليهم من مراعاة المأموم بحيث تكون صلاتهم موافقة لما تقتضيه الشريعة ولا يخفى على كثير من طلبة العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء) فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أوجب على الإمام أن يراعي الناس وجعله إذا صلى بنفسه حراً يطول ما شاء وقد يستدل بعض الناس بهذا الحديث على هذا التخفيف وهذه السرعة التي تمنع المأمومين أو بعضهم فعل ما يجب أو يسن ولكن استدلاله بهذا الحديث غير صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله في حق من يطيل إطالة زائدة عن المشروع فأما الإطالة الموافقة للمشروع فإنها إطالة مشروعة مستحبة ولهذا يأتي بعض الأئمة يقول أن بعض الناس يقول لي لا تقرأ في الفجر يوم الجمعة سورة ألم تنزيل السجدة في الركعة الأولى وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية هذا يطول علينا يأتي بعض الأئمة يشكو من بعض أهل المسجد من مثل هذا الأمر ولكن الحقيقة الذي ينبغي أن يشكى هم أهل المسجد لا الإمام فالإمام إذا قرأ هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة لا يعد مطيلاً بل يعد ذا طَوْل أي ذا فضل على الجماعة لكونه أتى بالسنة التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بعض الناس في صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام سورة الجمعة والمنافقون صار يشكو من الإمام ويقول أطال بنا مع أن هذا مما ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعد إطالة بل هو طَوْل وفضل من الإمام يتفضل به على نفسه وعلى من وراءه حيث أتى بالقراءة المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما نقول ينبغي للإمام أن يراعي حال الناس في أيام الصيف وأيام الشتاء الباردة فإذا رأى بأنه لو قرأ بهاتين السورتين في الجمعة في أيام الصيف لحق الناس من الغم والحر ما يزعجهم ويشغلهم عن صلاتهم ففي هذه الحال يعدل إلى سور أخرى وكذلك في أيام الشتاء الباردة إذا رأى أن بعض الناس قد يكون محتاجاً إلى قضاء الحاجة بسبب البرد وطول المكث في المسجد فإنه يعدل إلى قراءة سور أخرى
***
يقول السائل من العادات والتقاليد في مدينتنا عند ختم كتاب الله يأتون بأنواع من الأكل والشراب فهل هذا ثابت في السنة أو هي بدعة؟ وهل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشرع شيء من مثل هذا عند ختم كتاب الله عز وجل فلا يشرع حفلات ولا طعام ولا غيره فلو قرأ الإنسان القرآن كله ثم أراد عند ختمه أن يصنع وليمة يدعو إليها الناس أو أن يتصدق بطعام على الفقراء أو أن يعمل حفل كلمات وخطب فإن هذا كله ليس من السنة وإذا لم يكن من السنة وصنع بمناسبة دينية وهي ختم القرآن فإنه يكون من البدعة وقد قال أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق بلاغة ونطقاً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل بدعة ضلالة) كل بدعة وكل للعموم ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع تكون حسنة وبهذه الكلية الجامعة المانعة نعلم أن تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة خطأ عظيم وقول على الله بلا علم فليس هناك بدعة تكون حسنة أبداً ومن ظن أن في البدع ما يكون حسناً فإن ذلك على وجهين
الوجه الأول أن يكون ظنه أنها حسنة ليس بصحيح لأنه متى تحققنا أنها بدعة فإنها سيئة
الوجه الثاني أن يكون ظنه أنها بدعة خطأ فهو يظن أنها بدعة وليست ببدعة أما إذا تحققنا أنها بدعة فإننا نتحقق أنها سيئة وليست بحسنة هذا هو ما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من كلام سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) وتقسيم بعض العلماء البدعة إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة يتنزل على ما قلت آنفاً وهو أنه إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة وهم ظنوه أنه بدعة وإما أن يكون هذا الشيء ليس بحسن وهم ظنوه أنه حسن وأما مع تيقن أن هذا الشيء بدعة فإنه لن يكون حسناً أبداً
فإن قال قائل أليس قد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في رمضان على إمام واحد أليس قد قال: نعمت البدعة هذه.
فنقول بلى قال هكذا لكن هل أراد عمر أنها بدعة في دين الله؟ لا ما أراد هذا وعمر من أشد الناس تمسكاً بالسنة وتحرياً لها لكنه أراد أنها بدعة بالنسبة لما قبلها من الزمن فقط وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان ليلتين أو ثلاثاً يصلى بهم جماعة ثم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض على أمته فشرع الصلاة جماعة في قيام رمضان لكن تركه خوفاً من مفسدة أعظم وهي إلزام الناس بهذه الصلاة جماعة ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن من هذه المضرة وهي إلزام الناس بهذا القيام لأنه انقطع الوحي أمن بذلك لكن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم تدم طويلاً إذ أنها سنتان وأشهر وكان رضي الله عنه مشغولاً بأحوال الجهاد وتنظيم الأمة الإسلامية بعد أن حصل ما حصل من بعضهم من مخالفات بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كان زمن عمر وانتفت الموانع وتفرغ الناس بعض الشيء خرج ذات يوم رضي الله عنه فوجد الناس يصلون أوزاعاً يصلى الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى رضي الله عنه أن يجمع الناس على إمام واحد فجمعهم على إمام واحد ثم خرج ذات ليلة وهم مجتمعون على إمامهم يصلون بصلاته فقال: نعمت البدعة هذه. إذاً هي بدعة باعتبار ما سبقها من الزمن وليست بدعة باعتبار مشروعيتها إذ أن مشروعيتها قد ثبتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيكون إطلاق البدعة عليها إطلاقاً نسبياً أي إنها بدعة بنسبتها لما سبقها من الزمن وبه ينقطع الحبل الذي تمسك به أهل البدع وابتدعوا في دين الله ما ليس منه وشرعوا في دينه ما لم يأذن به واحتجوا بمثل هذه العبارة التي لها وجه غير الوجه الذي يريدونه وتوجيهها إلى الوجه الذي قلته فهو الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) إذ لا يليق بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يثني على بدعة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالضلالة بأنها نعمت البدعة هي ولقد انفتح أبواب من الشرور وبدع من قبيل المحظور بهذه الحجة وهي تقسيم بعض العلماء عفا الله عنهم وغفر لهم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ولو أننا تمسكنا بقول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) لكان أحرى بنا أن نكون أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لو قسمنا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة.
***
كثيرٌ من أئمة المساجد يقرؤون قراءة متسلسلة من البقرة وحتى سورة الناس في غير رمضان وقيل إن هذا بدعة ويحتج بعضهم بالمراجعة وضبط الحفظ وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قلَّ أن يسمعوها فما رأي فضيلتكم في هذا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر العلماء رحمهم الله أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل وفي صلاة المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه والمفصل أوله سورة ق وآخره آخر القرآن وطواله من ق إلى عم وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن وأوساطه من عم إلى الضحى هكذا قال أهل العلم والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه وسهل عليهم حفظه ولم أعلم أن أحداً من أهل العلم قال إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلاً ليسمع الناس جميع القرآن ولا يمكن أيضاً أن يسمع الناس جميع القرآن لأنه سيبقى مدة إلى أن ينتهي إلى آخر القرآن وسيتغير الناس يذهبون ويجيئون ولا يسمعون كل القرآن وإذا لم يكن هذا من السنة والعلماء ذكروا أن السنة القراءة في المفصل فالأولى للإنسان أن يتبع ما كان عليه العلماء والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها لا تدرك بما إذا قرأ الإنسان القرآن من أول القرآن إلى آخره فالأولى العدول عن هذا وأن يقرأ كما يقرأ الناس.
***
متفرقات في علوم القرآن
يقول السائل لقد أنزل الله القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية ولكن علمت أن لهذا القرآن عدة قراءات فما هي أفضل هذه القراءات ثم ما حكم القراءة في المصحف بدون أن يمد الكلمة التي فوقها مد أو يغن أو يقلقل ما ينبغي قلقلته أفيدونا بذلك بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكر السائل وهو أن هذا القرآن الكريم نزل باللغة العربية كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) وقال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ولا شك أيضاً أن في القرآن قراءات متعددة والقراءات المشهورة هي السبع والسنة لمن كان عالماً بها أن يقرأ بهذه مرة وبهذه مرة لأن القراءات السبع كلها متواترة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كانت كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان المشروع أن يقرأ بهذه تارة وبهذه تارة كما نقول في العبادات الواردة على وجوه متنوعة إنه ينبغي أن يفعلها على كل وجه وردت فيفعل هذا الوجه مرة وهذا الوجه مرة ليكون قد أتى بالسنة كلها ولكن هذا لمن كان عالماً بالقراءات لا لمن كان متخرصاً يظن أن في هذه الآية قراءة وليس فيها فإن هذا لا يجوز بل من لم يكن عالماً بالقراءات فليقتصر على ما كان في مصاحفه التي بين يديه وقوله هل يجوز لمن قرأ في المصحف أن يدع المد أو الغنة أو القلقلة أو ما أشبه ذلك فالصواب في هذه المسألة عندي أنه يجوز له ذلك وأن القراءة بالتجويد على حسب القواعد المعروفة إنما هي على سبيل الاستحباب والأكمل وأما الواجب فإنه إقامة الحروف فقط بحيث لا يسقط حرفاً أو يزيد حرفاً وأما أوصاف الحروف من مدٍ وغنة وقلقلة وما أشبه ذلك فإنه من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب على ما أراه في هذه المسألة.
***
تقول السائلة ما معنى أن نقول هذه التلاوة برواية حفص عن عاصم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القراءات المعروفة سبع ولها رواة مخصوصون وكل قراءة تختص براوٍ فإذا قيل هذه قراءة فلان عن فلان فيعني أن القراءات الأخرى بخلافها.
***
تقول السائلة هل كل آية موجهة للمؤمنين مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) هل الإشارة هنا تمثل الذكر والأنثى أم الذكر فقط وهل المرأة الصالحة المتمسكة بشرع الله تكون إن شاء الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما جاء في الحديث
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول ليُعلم أن الأصل في خطابات القرآن الكريم أو السنة النبوية عمومها للرجال والنساء فما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل وأكثر خطابات القرآن والسنة موجهة إلى الرجال الذكور وإنما كانت كذلك لأن الرجل أرجح عقلاً من المرأة وأكبر تحملاً للمسؤولية وأقوى في تنفيذ أوامر الله ورسوله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فلهذا تجد خطابات القرآن الكريم والسنة النبوية أكثرها موجه للرجال لكن أحياناً يوجه للنساء أو يتحدث بها عن النساء لأنه الغالب فيهن مثل قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) فإنه أضاف ذلك إلى النفاثات وهن النساء لأن ذلك الأكثر فيهن وإن كان يحتمل أن المعنى ومن شر النفوس النفاثات في العقد ولكن المشهور أن النفاثات هن الساحرات كذلك أيضاً قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) فذكر المحصنات ومعلومٌ أن رمي الرجال مثلهم فالحكم فيه واحد لكن أضاف ذلك إلى النساء لأن الغالب أن النساء هن اللاتي يقدحن والخلاصة أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل هذه هي الخلاصة وعليه فالخطابات الموجهة إلى الرجال في الكتاب والسنة تشمل الإناث مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) كما جاء في السؤال نقول والمؤمنات أيضاً ومثل قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) يدخل فيها النساء ومثل قوله صلى الله عليه وسلم (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) هذا يشمل المرأة إذا اتصفت بما تتصف به من هذه الصفات فمثلاً (إمامٌ عادل) لا يمكن أن تتصف به المرأة لأن المرأة لا يمكن أبداً أن تتولى ولاية عامة تشمل الرجال والنساء صحيح أنها يمكن أن تتولى ولاية عامة بالنسبة لقسم النساء كمديرة المدرسة وما أشبه ذلك أما إمام فلا يمكن أن تكون إماماً ولا يمكن أن تكون رئيسة ولا يمكن أن تكون وزيرة في حكم الشرع وذلك لأن المرأة ليست كالرجل في القوة والحزم والفكر (وشابٌ نشأ في طاعة الله) هذا يمكن للمرأة أن تكون كذلك أن تكون شابة نشأت في طاعة الله (ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد) هذا لا يمكن بالنسبة للمرأة لأن المرأة مسجدها بيتها لكن إذا كان قلبها معلقاً بالصلوات كلما صلت فريضة تشوفت إلى فريضة أخرى فنرجو أن تكون مثل الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) هذا يمكن أن تتصف به المرأة (ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله) هذا يمكن أيضاً أن تتصف به المرأة وقد لا تتصف به تتصف به المرأة بحيث إذا دعاها رجل ذو منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله ويمكن أن لا تكون كذلك لأن قوة الطلب في الرجال أكثر من قوة الطلب في النساء فإذا كان الرجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله فهو أعظم من قول المرأة في رجلٍ طلبها ذي منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله يعني أنا أتردد أن تلحق بهذا في هذه الخصلة أو لا (ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) هذا أيضاً يدخل فيه النساء لأنه قد يقع منهن (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) هذا يدخل فيه النساء أيضاً.
***
تقول السائلة هل الخطابات التي وردت في آيات القرآن تشمل النساء والرجال أم هي للرجال فقط
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي للرجال والنساء فإذا ورد خطاب باسم النساء فهو للرجال وإذا ورد للرجال فهو للنساء إلا ما قام الدليل على أنه خاص بأحد الجنسين فيؤخذ بالدليل.
***
هل الحوار في القرآن الكريم الذي يكون الطرف الثاني فيه إنساناً رده في الحوار لفظاً ومعنى من عنده أم المعنى منه واللفظ من الله سبحانه وتعالى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن ما يحكيه الله عز وجل عمن سبق من الأمم إنما يحيكه سبحانه بالمعنى واللفظ من الله سبحانه وتعالى ذلك لأن هذا القرآن بلسان عربي مبين ومن المعلوم أن من يحكي الله عنهم أقوالهم ممن سبق ليسوا من أهل اللغة العربية فلغتهم لغة أخرى ومع ذلك يحكي الله قولهم باللغة العربية وهذا دليل على أن الله تعالى يحكي ما يقولون بمعنى ما يقولون لا باللفظ الذي يقولونه وهذا ظاهر.
***
تقول السائلة سور القرآن الكريم لم تكتب بالترتيب الذي نزلت به فما هي الأسباب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا صادر عن اجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم، لا أعرف لذلك سبباً إلا أنه صدر عن اجتهاد منهم فإما أن يكون بتوقيف من الرسول عليه الصلاة والسلام، وإما أن يكون عن اجتهاد مجرد لأن سور القرآن ترتيب بعضها توقيفي من الشارع من النبي عليه الصلاة والسلام كما كان يقرأ مثلاً سورة سبح والغاشية في صلاة الجمعة، وكما كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقون فمثل هذا رتبه النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه أشياء اجتهادية من الصحابة رضى الله عنهم في ترتيب السور ومع ذلك لا نستطيع أن نجزم بالحكمة، إنما يبدو لنا أن السور المتجانسة في الطول والقصر والموضوع تجدها مرتبة بعضها مع بعض، والسور الأخرى المخالفة تجدها مرتبة بعضها مع بعض أيضاً، فمثلاً السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، تجدها متسلسلة، وتجد السور القصيرة وهو ما يسمى بالمفصل تجدها أيضاً متسلسلة.
***
متفرقات في أحكام القرآن
المستمع علي نجمي جازان يقول ما حكم تقبيل القرآن قبل وبعد القراءة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل القرآن إذا وقع من شخص فإنما يقع على وجه التعظيم لكتاب الله عز وجل ولا شك أن تعظيم كتاب الله من أفضل القربات لأن كتاب الله عز وجل هو كلامه فقد تكلّم الله سبحانه وتعالى بهذا القرآن بكلام سمعه منه جبريل فنزل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) وقال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى حقيقة تكلم به وسمعه جبريل ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فتعظيم هذا القرآن العظيم من تعظيم الله عز وجل ولكن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا بأن يتبع الإنسان هواه فهذه القاعدة ينبغي للإنسان أن يعتبرها وهي أن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله كان أدل على ما في قلبه من تعظيم الله ومن محبة الله قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ينقص من محبته لله وتعظيمه لله بقدر ما حصل من هذه البدعة من المخالفة وبناء على هذه القاعدة نقول تقبيل المصحف عند ابتداء التلاوة وعند انتهائها أو عند الابتداء فقط أو عند الانتهاء فقط أو في غير هذه المناسبة ليس مشروعاً بل هو بدعة فلم يكن معروفاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أن تقبل الرقاع التي كتب فيها شيء من القرآن وليس معروفاً في عهد الصحابة بعد جمع القرآن في المصحف أن يقبلوا هذا المصحف ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن من ابتدع بدعة ولو استحسنها فهي قبيحة ولو ظن أنها هدى فهي ضلالة ولو ظن أن فيها ثواباً فهي في النار لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وعلى هذا فإني أنصح أخي هذا السائل من أن يقوم بتقبيل المصحف لا في ابتداء القراءة ولا في انتهائها ولا في مناسبات أخرى ويكفيه تعظيماً للمصحف أن يؤمن بما أخبر الله فيه وأن يعمل بما أمر الله به فيه وأن ينتهي عما نهى الله عنه فيه هذا هو التعظيم الحقيقي الذي يدل على صدق قصد الإنسان وإخلاصه لله عز وجل وعلى صحة شهادته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأن من تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله ألا تعبد الله إلا بما شرعه هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
***
تقول السائلة ماحكم تقبيل المصحف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل المصحف بدعة لأن هذا المقبل إنما أراد التقرب إلى الله عز وجل بتقبيله ومعلوم أنه لا يتقرب إلى الله إلا بما شرعه الله عز وجل ولم يشرع الله تعالى تقبيل ما كتب فيه كلامه وفي عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب القرآن لكنه لم يجمع إنما كتب فيه آيات مكتوبة ومع ذلك لم يكن يقبلها صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يكن الصحابة يقبلونها فهي بدعة وينهى عنها ثم إن بعض الناس أراه يقبله ويضع جبهته عليه كأنما يسجد عليه وهذا أيضا منكر.
***
يقول السائل هل من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة أم لا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة وليس من شروط قراءة القرآن أن يكون الإنسان على طهر إلا إذا كان يقرأ بالمصحف فإنه لا يمس المصحف إلا وهو طاهر فإن أراد أن يمس المصحف وهو ليس بطاهر فليجعل بينه وبين المصحف حائلاً من منديلٍ أو غيره وليقرأ لكن الجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل.
***
بعض الناس يصلون الفرائض ويصومون رمضان ولا يقرؤون القرآن إلا في رمضان ويحتجون لذلك بأنهم ينشغلون طوال الأيام من السنة ما رأيكم بهذا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا أنه لا حرج عليه في ذلك لأنه وإن فعلوا هذا لم يهجروا القرآن فهم يقرؤون كتاب الله في صلواتهم يقرؤونه أيضا في أورادهم اليومية يسمعونه من غيرهم فلا حرج عليهم في هذا لكني أخبرهم بأنهم حرموا خيرا كثيرا لأن القرآن الكريم إذا تلاه التالي فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها فليحرصوا على تلاوة القرآن وإن حصل أن يجعلوا لأنفسهم شيئا معينا يوميا يحافظون عليه لئلا تضيع عليهم الأوقات فهذا خير.
***
يقول السائل هل يجوز لقاريء القرآن أن يتحدث مع من سأله أثناء القراءة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج على الإنسان أن يتحدث إلى الشخص إذا حدثه وهو يقرأ القرآن لكن ينبغي للغير أن لا يشغل الإنسان عن قراءته القرآن لأن بعض الناس إذا حدث وهو يقرأ القرآن ضاع موقفه من السورة لا سيما إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فيقطع المحدث قراءته عليه هذا بالنسبة لتحديث القارئ أما هو نفسه إذا أراد أن يكلم أحدا فلا حرج عليه أيضاً لكن ينبغي أن لا يقطع قراءته لمحادثة الناس إلا أن يكون هناك فائدة.
***
يقول السائل توجد في بعض الأشرطة تلاوة لبعض القراء بحيث يكمل القارئ الثاني ما بدأه الأول دون استعاذة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعاذة تكون في أول التلاوة فإذا استعاذ أول القارئين كفى عن المستمعين الآخرين لكن أرى أن الأفضل أن يستعيذ كل منهم عند أول قراءة له فيستعيذ الأول فإذا فرغ استعاذ الثاني فإذا فرغ استعاذ الثالث فإذا عادت إلى الأول قرأ بدون استعاذة هذا الذي أراه في هذه المسألة أن يستعيذ كل منهم عند ابتداء أول القراءة.
***
السائل عثمان علي العميرين من الثانوية التجارية بالرياض يقول هل يثاب الإنسان الذي يقرأ القرآن ولو لم يفهم معانيه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فالإنسان مأجور على قراءته سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآناً مكلفاً بالعمل به بدون أن يفهم معناه فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها وتشرح له بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها فما بالك بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما من التفاسير التي تعتني بالتفسير الأثري المروي عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
***
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن من المصحف والشخص مستلقٍ أو متكئ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض) فإذا قرأ الإنسان القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب وهو متكيء أو مضطجع فلا حرج عليه في هذا.
***
السائل محمد عبد الغني محمد يقول ما حكم قراءة القرآن بالمصحف وأنا نائم أي راقد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في ذلك فقد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وهو متكئ في حَجِْر عائشة رضي الله عنها وهي حائض) فكذلك الإنسان إذا اضطجع في فراشه وأخذ المصحف وصار يتلو القرآن فلا حرج عليه في ذلك.
***
هل تصح الاستعاذة عند آيات العذاب وسؤال الله عز وجل عند آيات الرحمة والفضل في الصلاة المكتوبة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز هذا يجوز للإنسان إذا مر بآية رحمة أو آية وعيد أن يسأل عند آية الرحمة ويستعيذ عند آية الوعيد في الفريضة والنافلة لكنها في النافلة السنة لا سيما في صلاة الليل لقول حذيفة رضي الله عنه (صلىت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران لا يمر بأية رحمة إلا سأل ولا بأية عذاب إلا تعوذ ولا بأية تسبيح إلا سبح) لكن هذا في صلاة الليل ففي صلاة الليل بل في جميع النوافل يسن أن يسبح إذا مر بآيات التسبيح ويسأل إذا مر بآيات رحمة ويتعوذ إذا مر بآيات وعيد أما في الفرائض فجائز لكن تركه أفضل لأن الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكونوا يقولون إنه يسبح عند آيات التسبيح ويتعوذ عند آيات الوعيد ويسأل عند آيات الرحمة.
***
هل يجوز لكل من يقرأ في المصحف الشريف إذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من النار أو العذاب وإذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وهكذا في باقي الآيات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من السؤال أن هذا القارئ يقرأ في غير صلاة وعلى هذا فنقول نعم يجوز له إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وإذا مر بآية وعيد أن يتعوذ بالله من ذلك الوعيد وإذا مر بآية فيها عبرة وعظة يقول سبحان الله وما أشبه ذلك لأن هذا مما يعين الإنسان على تدبر القرآن والتفكر في معانيه وأما إذا كان الإنسان في صلاة فإن كان في نفل فإنه يسن أن يسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية الوعيد ولاسيما في صلاة الليل لأنه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة قال (صلىت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية وعيد إلا تعوذ) وأما في الفريضة فإن الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يفعل ذلك في الفريضة لأن الواصفين لصلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يتعوذ عند آية الوعيد أو يسأل عند آية الرحمة ومع هذا لو فعل فليس عليه إثم.
***
بعض الناس يقرؤون القرآن في المسجد ويقولون بين السكتة والسكتة بين الآيات الله الله أو الله يفتح عليك يا عمنا أو مثل هذه العبارات ما حكم ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا أنه من البدع المنكرة لأن تلاوة القرآن عبادة من أفضل العبادات الحرف فيها بحسنة والحسنة بعشر أمثالها وليست لعباً حتى يقال كلما فرغ من آية وكان صوته جميلاً الله الله يعني يتعجب فهذا من البدع التي أحدثها من أحدثها من الناس نعم إذا مر الإنسان بآية وعيد فليتعوذ وإذا مر بآية وعد فليسأل وإذا مر بآية تسبيح فليسبح وإذا مر بآية تعجيب فليتعجب ويقول الله أكبر وأما الله الله أو مثلاً يا سلام يا سلام فهذا من البدع.
***
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم عدة مواضع للسجدة فهل في كل موضع من هذه المواضع يتم فيها السجود وهل يكون السجود والقارئ على غير وضوء
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم السجدات التي في القرآن كلها موضع سجود يسجد فيها الإنسان إذا قرأها سواء كان في صلاة أم في غير صلاة إلا أنه لا يسجد إلا على وضوء احتياطا وسجود التلاوة ليس فرضا وإنما هو سنة كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه قرأ آية السجدة وهو يخطب الناس يوم الجمعة فنزل فسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) لكن لا ينبغي للإنسان تركها إذا كان على وضوء.
***
يقول السائل أيهما أفضل تلاوة القرآن نظراً في رمضان أو محاولة ترديد سور منه لأجل الحفظ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقرأ القرآن كله نظراً، وأن يحافظ على ما كان حفظه عن ظهر قلب لئلا ينساه، وذلك لأن القرآن كله قراءته مفيدة للإنسان لأنه يمر به كل كلام الله عز وجل وينتفع بما في آياته من الأحكام والأخبار، وهذا يفوته إذا اقتصر على سور معينة كان حفظها عن ظهر قلب، وإذا لازم السور المعينة التي كان يحفظها عن ظهر قلب استفاد منها ليرتبط بها، ولكن هذا لا يفوته إذا حرص على هذه السور التي حفظها في وقت آخر، لأن السور المحفوظة يمكن للإنسان أن يقرأها سواء في بيته أو في المسجد أو في أي مكان، فالأولى أن يحافظ على قراءة القرآن كله، ثم يزيد بعناية ما كان يحفظه عن ظهر قلب.
***
يقول السائل هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة فالقراءة من المصحف أولى لأنه أقرب إلى الضبط وإلى الحفظ إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحضر إلى القلب وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب وأما في الصلاة فإن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب الورق وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلى عن ظهر قلب على قراءته من المصحف وإذا كنا نرجح هذا للإمام وهو أن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب لئلا يحصل له ما ذكرناه فإننا كذلك نقول بالنسبة لبعض المأمومين الذين نشاهدهم خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام فإن هذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور التي ذكرناها آنفاًً ولأنه لا حاجة بهم إلى أن يتابعوا الإمام نعم لو فرض أن الإمام ليس بجيد الحفظ وقال لأحد من المأمومين صلِّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت ورد علي فهذا لا بأس به للحاجة.
***
يقول السائل هل الأفضل في تلاوة القرآن في المسجد أن تكون جهراً أم سراً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في المسجد الأفضل أن يقرأ القران فيه سراً إلا إذا لم يكن فيه أحدٌ يشوش عليه أو كان الحاضرون يرغبون أن يقرأ جهراً لكونهم لا يعرفون القراءة بأنفسهم ويحبون أن يسمعوها من غيرهم فهذا لا بأس به لكن بشرط أن لا يكون أحد من أهل المسجد منشغلاً بغير الاستماع إليه فإن ذلك لا يجوز أي لا يجوز للرجل أن يجهر بالقرآن في المسجد وحوله من يشوش عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القران أو قال في القراءة) وهذا حديث صحيح كما قاله ابن عبد البر.
***
هل يجوز لي أن أقرأ القرآن بدون النطق بالحروف ولكن بالمتابعة بالنظر والقلب من المصحف طبعا فهل يحصل الأجر بذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك أجر يعني لا يحصل الإنسان أجر القراءة إلا إذا نطق بالقرآن ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان وأما من جعل ينظر إلى الأسطر والحروف بعينه ويتابع بقلبه فإن هذا ليس بقارئ ولا ينبغي للإنسان أن يُعَوِّد نفسه هذا لأنه إذا اعتاد ذلك صارت قراءته كلها على هذا الوجه كما هو مشاهد من بعض الناس تجده يقلب الصفحة ويومئ هكذا برأسه يمينا وشمالا ليتابع الأسطر وإذا به قد قلب الصفحة الثانية في مدة يسيرة تعلم علم اليقين أنه لم يقرأ قراءة نطق والخلاصة أن مَنْ لم يقرأ قراءةً ينطق بها فإنه لا يُثاب ثواب القارئ هذا واحد، ثانيا ننصح إخواننا عن هذه الطريق أعني أن يقرؤوا بأعينهم وقلوبهم فقط لأنهم إذا اعتادوا ذلك حرموا خيرا كثيرا.
***
السائلة ص م ع من القصيم تقول هل الدعاء بعد قراءة القرآن مستحب وهل رفع الأيدي بعد ذلك جائز أم لا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا قرأ القران وانتهى من قراءته دعا أو أتى بذكر آخر وما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مع قيام سببه فإنه لا يكون من السنة بل يكون تركه هو السنة وعلى هذا فإذا انتهى الإنسان من قراءته أقفل المصحف إن كان يقرأ من مصحف وانتهت القراءة ولا دعاء بعدها وكذلك إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فإن القراءة تنتهي ولا ذكر بعد ذلك ولا دعاء لكن لو قال الإنسان اللهم تقبل مني أو كلمة نحو ذلك فارجو ألا يكون في ذلك بأس.
***
يقول السائل هل الجلوس في المنزل ٍبعد صلاة الفجر لقراءة القرآن والذكر حتى تطلع الشمس له نفس الأجر في المسجد ثم يقوم هذا الشخص ويصلى ركعتين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يشير لحديث ورد في ذلك (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين يعني بعد ارتفاع الشمس قيد رمح فإنه يكون كأجر حجة وعمرة) أو كما جاء في الحديث لكن هذا الحديث قد اختلف العلماء في صحته والأخذ به إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنة) جاء ذلك في صحيح مسلم وأما ترتيب الأجر على ذلك فهذا إن صح به الحديث أخذنا به وفضل الله واسع وإن لم يصح فقد كفيناه.
***
تقول السائلة هل يصح للمرأة قراءة القرآن قراءة صامتة أم الواجب عليها الترتيل بالقراءة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الترتيل في القراءة ليس بواجبٍ لا على المرأة ولا على الرجل لكنه من آداب القراءة ومن حسن القراءة أن يرتل الإنسان ويتدبر المعنى ويتفهمه وله أن يقرأ قراءةً سريعة بشرط أن لا يكون فيها حذفٌ للحروف أو بعضها وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها فهذا على حسب حال الإنسان إن كان إذا جهر يكون أنشط وأخشع فليجهر ما لم يؤذِ أحداً وإن كان إذا أسر صار أخشع فليكن مسراً وإن تساوى الأمران فهو مخير هذا بالنسبة للرجل والمرأة لكن بشرط أن لا يؤذي أحداً كما لو كان بالمسجد وجهر جهراً يشوش به على الناس في صلاتهم وقراءتهم فلا يجهر وكذلك أيضاً إذا كانت المرأة حولها رجال فإنه من الأفضل أن تسر لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر صوتها عند الرجال إلا عند الحاجة.
***
يقول السائل هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف وذراعاها مكشوفتان وكذلك القدمان لأنه لا يشترط لقراءة القرآن ما يشترط في الصلاة من السترة.
***
يقول السائل السنترال يكون فيه قرآن عند الانتظار فإذا قام بتحويله إلى الشخص المطلوب ورفعت السماعة انقطعت الآية في موقف غير مناسب ما حكم ذلك فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى أن يجعل القرآن الكريم في السنترال من أجل أن يحول المتكلم إلى الرقم الخاص لمن طلبه لأن في هذا نوع ابتذال للقرآن حيث كان كما يقول النحويون حرف جاء لمعنى ولأنه قد يسمعه من لا يحب استماعه من منافق أو كافر ولأنه كما قال السائل قد ينقطع عند كلمة لا يحسن الوقوف عليها فالذي أرى وأنصح به إخواننا المسلمين أن يجعلوا الانتظار حكمة من الحكم التي تقال إما من كلام التابعين أو من كلام من بعدهم أو من كلام بعض الشعراء من أمثال المتنبي فقد قال بيتاً قد ينطبق على حالنا التي نتكلم عنها الآن قال
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى
وأما أن يجعل كلام الله عز وجل حرفاً جاء لمعنى فقط لأجل الانتظار وربما يكون كافراً يكره القرآن وربما يتكلم بكلام بذيء فالحاصل أن من نصيحتي لإخواني أن يعدلوا عن هذا وأن يجعلوا بدله شيئاً من الحكم من النظم أو من النثر.
***
تقول السائلة نحن في المدرسة وتلقى المحاضرات والاحتفالات ودائماً نستفتح بالقرآن الكريم فقد يطلبو مني أنا أن افتتح لهم بالقرآن علماً بأن القراءة تكون بمكبر الصوت ويوجد في الاحتفال أو المحاضرة عدد من الرجال فهل في هذا إثم وإذا قرأنا القرآن هل صوت المرأة عورة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن عدة أسئلة أولاً افتتاح المحاضرات والندوات بالقرآن الكريم هل هذا من الأمور المشروعة لا أعلم في هذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع أصحابه كثيراً حين يريد الغزو أو للأمور المهمة التي تهم المسلمين ولا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح هذه الاجتماعات بشيء من القرآن لكن لو كانت المحاضرة أو الندوة تشتمل على موضوع معين وأراد أحد أن يقرأ شيئا من الآيات التي تتعلق بهذا الموضوع ليكون بها افتتاح ذلك الموضوع فإن هذا لا بأس به وأما اتخاذ افتتاح المحاضرات أو الندوات بآيات من القرآن دائماً كأنها سنة مشروعة فهذا لا ينبغي
المسألة الثانية في هذا السؤال كون المرأة تقرأ القرآن بمكبر الصوت فيسمعها الناس من قريب ومن بعيد حيث ينتهي مدى صوت هذا المكبر هذا أمر لا ينبغي لأن المرأة مأمورة بالتستر والاختفاء عن الرجال وكونها تعلن صوتها بمكبر الصوت ينافي ذلك.
وأما المسألة الثالثة فهي هل صوت المرأة عورة والجواب أن صوت المرأة ليس عورة فإن النساء كنّ يأتين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يسألنه بحضرة الرجال ولم ينكر صلى الله عليه وسلم عليهن ذلك ولو كان صوتها عورة لأنكره النبي عليه الصلاة والسلام فصوت المرأة ليس بعورة لكن لا يجوز للرجل أن يتلذذ به سواء كان ذلك التلذذ تلذذ شهوة جنسية أو تلذذ استمتاع وراحة نفس وإنما يستمع إليها بقدر ما تدعو الحاجة إليه فقط إذا كانت أجنبية منه.
***
يقول السائل هل هناك جلسة خاصة عند تلاوة القرآن
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا جلسة معينة بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في حجر عائشة رضي الله عنها متكئاً وهي حائض فالقرآن يقرأ على كل حال سواء كان الإنسان قاعداً أو مضطجعاً أو واقفاً إلا أنه ينهى عن قراءة القرآن في حال الركوع أو السجود في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) .
***
يقول السائل بالنسبة للسرعة في قراءة القرآن الكريم هل هي محرمة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السرعة نوعان سرعة يلزم منها إسقاط بعض الحروف أو الحركات فهذه لا تجوز وسرعة أخرى مع المحافظة على الحروف والكلمات والإعراب فهذه جائزة.
***
التفسير - الاستعاذة
المستمع عبد العزيز يقول يرى البعض من مدرسي القرآن الكريم بأن الإستعاذة وهي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه خاصة بالصلاة وليس عند قراءة القرآن الكريم هل هذا صحيح فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح إذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم وزاد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه فإن ذلك لا بأس به لأن الاستعاذة في الصلاة استعاذة قبل القراءة فهي داخلة في امتثال أمر الله بقوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ومع هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفحه ونفثه) فإذا قالها الإنسان فلا حرج عليه وإذا اقتصر على الجزء الأول منها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى.
***
الفاتحة
يقول السائل هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنها ليست من الفاتحة لكنها آية من كتاب الله عز وجل مستقلة ويدل لهذا الخبر والعمل أما الخبر فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ولم يذكر البسملة وأما العمل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بالفاتحة في الصلاة الجهرية ولا يجهر بالبسملة ولو كانت منها لجهر بها كما يجهر في بقية آياتها فالصواب أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها بل هي آية مستقلة تبتدأ بها السور إلا سورة براءة.
***
ع. ي. س. من مكة المكرمة يقول يقول هذا السائل يوجد من الناس من يقول إن سورة الفاتحة لا تكتمل آياتها سبعاً إلا بالبسملة معتبرين البسملة أول آيات السورة مستشهدين بقوله تعالى (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم)
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ومن الناس من يقول إن الفاتحة تستكمل سبع آيات بدون البسملة وهذا القول الثاني هو الصواب ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية ويجهر بالحمد لله رب العالمين
…
الخ ولو كانت البسملة من الفاتحة لجهر بها كسائر آياتها
ودليل آخر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فبدأ بالحمد وأما كونها سبع آيات فليستمع هذا السائل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأولى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الثانية (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الثالثة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الرابعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الخامسة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) السادسة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) السابعة وهذا لا شك أنه الأقرب لأجل أن تتناسب الآيات في الطول فإنك إذا جعلت (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) آيةً واحدة صارت طول بقية الآيات مرتين وأيضاً الفاتحة بين الله وبين العبد منها ثلاث آيات حقٌ لله ثلاث آيات حقٌ للآدمي وآيةٌ بينهما (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) كل هذه حقٌ لله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) حقٌ للإنسان (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بينهما وهي الآية الرابعة التي بين ثلاث وثلاث فالتناسب ظاهر فعلى هذا فلو قرأ الإنسان الفاتحة بدون البسملة فصلاته صحيحة لأنه قرأ الفاتحة بآياتها السبع.
***
البقرة وآل عمران
يقول السائل ما معنى أنَّ سورتي البقرة وآل عمران تقدمان السور يوم القيامة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان السورتان هما أعظم السور وسماهن النبي صلى الله عليه وسلم الزهراوين لكن (قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن وسورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وهي أي سورة الفاتحة السبع المثاني التي نص الله عليها في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) .
***
البقرة
من العراق محافظة داهوك المستمع عزت يوسف طه يسأل عن أوائل السور يقول في كثير من السور في بدايتها (الم)(كهيعص)(حم)(عسق) ما معنى هذه الآيات أفيدونا جزاكم الله خير
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات هي الحروف الهجائية ابتدأ الله تعالى بها في بعض السور واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال إنها أسماء لهذه السور ومنهم من قال إنها رموز وإشارات إلى أسماء الله عز وجل ومنهم من قال إنها أو إن بعضها اشارات إلى حوادث ستقع ومنهم من قال الله أعلم بما أراد بها ومنهم من قال إنها حروف هجائية ليس لها معنى ولكن لها مغزى قالوا ليس لها معنى لأن الله سبحانه وتعالى يقول في هذا القرآن الكريم (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ويقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفي آية أخرى يقول (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذه الحروف الهجائية باللسان العربي ليس لها معنى وعلى هذا فنقول هذه الحروف الهجائية لا معنى لها ولكن لها مغزى وحكمة عظيمة هذه الحكمة هي بيان أن هذا القرآن العظيم المجيد الذي أعجز أمراء الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بمثله بل قال الله تعالى (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) هذا القرآن الذي أعجز الثقلين أن يأتوا بمثله هو من هذه الحروف التي يركب هؤلاء القوم كلامهم منها ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي هو من هذه الحروف ولهذا لا تكاد تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وجدت بعدها ذكراً للقرآن (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)(الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)(المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ)(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) وهكذا وأما قوله تعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وقوله (الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فهذه وإن لم يكن فيها ذكر للقرآن لكن فيها ذكر لأخبار صادقة لا يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أن يوحى إليه هذا القرآن وأخبار مستقبلة لا يعلم بها إلا الله عز وجل ومن أطلعه الله عليها في قوله (غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فإن أحداً لا يعلم أن الروم الذين غلبوا سيغلبون في بضع سنين إلا الله عز وجل وأما قوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) فإن فيها إشارة إلى القرآن حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوحي إليه هذا القرآن وصف ونعت بهذه النعوت الجليلة بل قد يقال إن فيه أشارة أيضاً: (والقلم وما يسطرون) فإن القرآن كما يحفظ في الصدور يكتب بالأقلام أيضاً.
***
من العراق محافظة صلاح الدين المستمع أحمد محمد صالح المستمع يقول قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) السؤال فضيلة الشيخ كيف عرفت الملائكة أن آدم وذريته سوف يفسدون في الأرض ويسفك بعضهم دم بعض وهل يدل ذلك على أن هناك بشراً خلقوا قبل آدم علماً بأن الملائكة عندما عرض الله تعالى عليهم الأسماء قالوا لا نعلم وهذا ما جاء في قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الكريمة في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) اختلف فيها المفسرون فمنهم من قال إن معنى قوله خليفة أي خالفاً لمن سبقه وكان في الأرض عمار قبل آدم وكان هؤلاء العمار يحصل منهم سفك الدماء والإفساد في الأرض واستدل هؤلاء بقول الملائكة عليهم الصلاة والسلام أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وبأن الجن قد خلقوا قبل الإنس كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) ومنهم من قال بل إن المراد بقوله خليفة أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً فيذهب أناس ويأتي آخرون وعندي أن الأقرب الأول لموافقته لظاهر الآية وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم على الأرض وأن الملائكة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض وفي الآية الثانية التي ساقها السائل وهي قول الملائكة لما قال الله لهم أعلموني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فيه دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه فإنه يقول مثل هذا القول فيقول الله أعلم أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله أو ما أشبه ذلك من الكلام فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم لأن ذلك من كبائر الذنوب قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) ولقد كثر في الناس اليوم القول في دين الله تعالى بلا علم من عامة ومن طلبة علم لم يتحققوا مما يقولون ويفتون به وهذا أمر خطير جداً ليس على المفتي وحده ولا على المستفتي وحده بل على المفتي والمستفتي بل وعلى الإسلام لأن الفتوى بلا علم يكثر فيها الاختلاف إذ أنها مبنية على مجرد نظر قاصر وكل إنسان له نظره ومزاجه والمقياس والميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم الناس كل بما عنده اختلفت الآراء وكثر النزاع وتذبذب العامة وشكوا فيما هم عليه من الحق وقالوا ما لهذا الدين كل يقول كذا وكل يقول كذا والتبس الأمر وحصل بذلك مفسدة كبيرة عظيمة فأنصح نفسي وإخواني بأن نقف على حدود الله عز وجل وألا نتكلم في دين الله بما لا نعلمه من دينه وبما لا نعلم أنه يجوز لنا الكلام فيه ولقد سمعنا أشياء كثيرة من هذا النوع يأتي الإنسان فيسمع حديثاً عاماً يأخذ بعمومه وقد دلت الأدلة الواضحة الصريحة على تخصيصه بل ربما يحكم بدليل قد نسخ ورفع حكمه من أصله وربما يأخذ بآثار وأحاديث ضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة المدونة في كتب الإسلام المشهورة في الحديث فلهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي إخوانه المسلمين وليس يضيره شيء إذا سئل عن شيء وقال لا أعلم إذا كان لا يعلمه بل هذا مما يزيده رفعة عند الله وعند الناس ويثق الناس بقوله إذا كان يقول عما لا يعلم إني لا أعلم لأن الناس سيعرفون منه الورع وأنه لا يتكلم إلا بعلم أما إذا كان يتكلم عن كل ما سئل عنه ثم يتبين خطؤه مرة أخرى فإن الناس لا يثقون به وأسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين.
***
يقول المستمع م ع م: أحد الإخوة يقول بأن الشجرة التي أكل منها آدم هي شجرة القمح ويقول إنني وجدت ذلك في كتاب اسمه بدائع الزهور في وقائع الدهور يقولون بأن الشجرة هي الحنطة فهل هذا صحيح
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الشجرة غير معلومة لنا بعينها وذلك لأن الله تعالى أبهمها في كتابه وما أبهمه الله في كتابه فإنه لا يجوز لنا أن نعينه إلا بدليل عن معصوم عن النبي صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فإنه لاعبرة به والأخبار الإسرائيلية اختلفت في تعيين هذه الشجرة ولو كان لنا فائدة من تعيينها لعينها الله سبحانه وتعالى لنا لكن الفائدة كل الفائدة في القصة والقضية وليس في نوع الشجرة هل هي حنطة أو غير حنطة.
***
محمد الطيب سوداني يقول أرجو تفسير هذه الآية الكريمة (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن من الناس الذين أعطاهم الله العلم بآياته من يشتري ثمناً قليلاً بهذه الآيات أي يحابوا الناس في دين الله من أجل الدنيا أو يحافظ على البقاء أو يحافظ على بقاء جاهه ورئاسته من أجل الدنيا ويدع دين الله فمثلاً يكون هناك عالم يعلم أن هذا الشيء حرام لكن لا يقول إنه حرام يخشى أن العامة تنصرف عنه وتقول إنه متشدد أو يخشى أن السلطان ينقصه من راتبه أو ينحيه عن منصبه حيث قال إن هذا حرام فيذهب ويقول إنه حلال ليشتري به ثمناً قليلاً وهو الجاه عند العامة أو البقاء في المنصب عند السلطان المهم أن الآية معناها العام أن من الناس من يدع دين الله لشيء من أمور الدنيا.
***
مامعنى قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) لماذا قدم الصبر على الصلاة مع أن الصلاة هي عماد الدين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قدم الله تبارك وتعالى الصبر على الصلاة لأن الصبر أوسع فالصلاة عبادة معينة لكن الصبر أوسع ومن الصبر الصلاة لأن الصلاة طاعة لله عز وجل وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الصبر ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله وهو حمل النفس على الطاعة وصبر عن معصية الله وهو كف النفس عن المعصية وصبر على أقدار الله المؤلمة وهو كف النفس عن التسخط من قضاء الله وقدره فيكون هذا من باب عطف الخاص على العام لأن الصلاة صبر فالإنسان يصبر نفسه عليها ويحملها على أن تقوم بها أي بالصلاة.
***
مامعنى قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يقول الله عز وجل منبهاً على هذا الوعد الذي وعده موسى عليه الصلاة والسلام وكان الله تعالى قد واعد موسى لكلامه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وكلمه الله عز وجل بعد ذلك وخاطبه بما أراد وفي غيابه هذه المدة ابتلي قومه باتخاذ العجل إلهاً ولهذا قال (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) فصنعوا من حُلي آل فرعون تمثالاً على شكل العجل وقال السامري لبني إسرائيل (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) فأضلهم بعد أن نصحهم هارون عليه الصلاة والسلام ولكنهم (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) والقصة مبسوطة في سورة طه.
***
من السودان حسن علي يسأل عن معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية فيها الوعيد على قوم من أهل الكتاب حرفوا الكتاب فزادوا فيه ونقصوا وكان مما يزيدون فيه أنهم يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله هذا كتاب الله ليشتروا به ثمناً قليلاً من الجاه والرئاسة وغير ذلك من عوارض الدنيا يقول الله عز وجل فويل لهم مما كتبت أيديهم من هذه الفعلة المحرمة وويل لهم مما يكسبون من هذا الكسب المبني على محرم فصاروا آثمين من ناحيتين من ناحية الفعل ومن ناحية ما نتج عنه من المكاسب الخبيثة وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تصنع مثل ما صنع هؤلاء ومن المعلوم أنه لن يستطيع أحد أن يصنع مثل هذا في كتاب الله لأن الله تعالى قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لكن من الناس من يصنع مثل هذا في معاني كلام الله فيكتب في تفسير الآية ما ليس تفسيراً لها لينال بذلك عرضاً من الدنيا فليبشر مثل هذا بهذا الوعيد التي توعد الله به من سبقنا: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم ما يكسبون) .
***
يقول الله تعالى في سورة البقرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ما معنى هذه الآية وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يفترون عليه كذباً فيكتبون بأيديهم كلاماً ثم يقولون للناس هذا من عند الله من أجل أن ينالوا به حظاً من الدنيا إما جاهاً أو رئاسة أو مالاً أو غير ذلك ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعاً على كتابتهم الباطلة وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة أما الذين يكتبون الحجب وهو ما يعلق على المريض لشفائه من المرض أو على الصحيح لوقايته من المرض فإنه ينظر هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها أو كتب فيها أشياء محرمة كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك فإن تعليقها لا يحل بكل حال وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم والراجح أنه لا يحل تعليقها وذلك لأن التعبد لله سبحانه وتعالى بما لم يشرعه الله بدعة ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سبباً لم يجعله الله سبباً نوع من الشرك وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء لا من القرآن ولا من غيره ولا أن يعلق على الصحيح شيء لا من القرآن ولا من غيره وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك فإنه لا يجوز.
***
لماذا ذكر المفسرون مثل الإمام ابن كثير أن جميع آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم موجهة إلى الكفار خاصةً علماً بأن بعض المسلمين قد يأتي ببعض الذنوب التي توجب الدخول في سياق هذه الآيات وعلماً بأن بعض الآيات لم يرد فيها تحديد الكافر من المسلم العاصي ومع ذلك فقد نسبها المفسرون إلى الكفار خاصةً مثل قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول هذا السائل إن المفسرين حملوا آيات الوعيد الواردة في القرآن على الكفار ليس بصحيح وما علمت أحداً قال ذلك لا ابن كثيرٍ ولا غيره ولا يمكن لأحدٍ أن يقول هذا لأن آيات الوعيد في القرآن منها ما يكون للكافرين ومنها ما يكون لغير الكافرين فمثلاً قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) هذه لا تختص بالكافرين حتى من كان مؤمناً فإنه يلحقه هذا الوعيد ولكن كل ما ورد من الوعيد على فعل المعاصي التي هي دون الكفر فإنها داخلة تحت عموم قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فتكون عقوبة هذا العاصي داخلةً تحت مشيئة الله عز وجل قد يغفر الله له يوم القيامة بمنِّه وكرمه وقد يغفر له بواسطة الشفاعة أو بغير ذلك من الأسباب والمهم أن آيات الوعيد وكذلك أحاديث الوعيد لا تختص بالكافر بل قد تكون للمؤمن أيضاً ولكن المؤمن يكون بالنسبة إلى هذا الوعيد داخلاً تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول في رسالته ما الحكمة بأن الله سبحانه وتعالى لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله سبحانه وتعالى حاكم على عباده شرعاً وقدراً وهو سبحانه وتعالى ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله سبحانه وتعالى أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلمه ومن الحكم ما لا نعلم منه شيئاً لأن الله تعالى يقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلِّم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت (كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله عز وجل والرضا بأحكامه
نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) هذا إبطال لهذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله عز وجل وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى ويكون في ذلك إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضاً لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلاً من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله عز وجل إيماناً صادقاً فزادهم الله تعالى هدى لأن الله عز وجل إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علماًَ وتوفيقاً وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً والله عز وجل يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله عز وجل تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر كذلك لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة.
هؤلاء القوم في قصصهم أو في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله عز وجل من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله عز وجل بكون من اطلع عليهم يولي فراراً ويملأ منهم رعباً والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله عز وجل فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله عز وجل والقيام بطاعته وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضاً عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرَّم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله عز وجل حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعاً على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرَّم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكاً في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذا الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيها أيضاًَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية إلى ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرَّم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلاً إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن المنكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضاً دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله عز وجل.
***
سوداني ومقيم بالرياض يقول ما صحة قصة الملكين هاروت وماروت بعد ما كلفهما الله عز وجل بأمره ونهاهما عما نهاهما عنه ما الإثم الذي ارتكباه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن هذه قصة مفتعلة مأخوذة عن بني إسرائيل وما أكثر أخبار بني إسرائيل التي لا أساس لها من الصحة وإني أنصح أخي السائل وغيره أن يقتصروا في القصص على ما جاء في القرآن والسنة فقط والسنة الصحيحة أيضا وذلك لقول الله تبارك وتعالى (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) فإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن الواجب أن نتلقى أخبارهم من الله سبحانه وتعالى من القرآن أومن السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وربما كان في هذه القصص ما يقدح في التوحيد من حيث لا يعلم الإنسان وأضرب للسائل مثلا في قصة داود عليه الصلاة والسلام في قول الله تبارك وتعالى (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) يزعم بعض القصاص أن داود عليه الصلاة والسلام أعجبته امرأة رجل عنده وكان داود عليه الصلاة والسلام عنده تسع وتسعون امرأة فأعجبته هذه المرأة وهي مع زوج ففكر ماذا يصنع للوصول إليها فأمر هذا الرجل أن يذهب للغزو في سبيل الله لعله يقتل فيتزوجها داود من بعده وهذا من أعظم المنكرات هذا لا يليق برجل عاقل فضلا عن مؤمن فضلا عن نبي من الأنبياء فهي قصة مكذوبة تخدش بالعقيدة داود عليه الصلاة والسلام مبرأ من هذا الخلق الذميم والقصة على ظاهرها خصمان اختصما عند داود عليه الصلاة والسلام وكان داود قد انفرد يعبد الله تبارك وتعالى في محرابه وأغلق عليه الباب اجتهادا منه وكان داود عليه الصلاة والسلام هو الذي يحكم بين الناس والحاكم بين الناس يجب أن يفتح لهم الباب وأن يفسح لهم المجال حتى يختصموا ويحكم بينهم ففتنه الله عز وجل وذلك بأن اختبره سبحانه وتعالى لما انفرد في محرابه وأغلق الباب بعث الله إليه هذين الخصمين فتسوروا المحراب يعني أنهم قفزوا من فوق الجدار ففزع منهم كيف يدخلون عليه والباب مغلق فقالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض وذكر الباغي فقال (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) والنعجة هنا ليست المرأة كما قيل بل هي الشاة (وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) أي هبها لي لأجل أن أكمل مائة فيبقى هو عنده مائة نعجة وهذا ليس عنده شيء يقول عزني في الخطاب يعني غلبني كأنه فصيح ذو بيان شديد فقال داود عليه الصلاة والسلام لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فهنا القصة تجد فيها أولا أن داود عليه الصلاة والسلام انفرد في محرابه في عبادته الخاصة دون أن يفتح بابه للحكم بين الناس ثانيا أنه استمع إلى الخصم دون أن يأخذ حجة الخصم الآخر ثالثا أنه حكم بقول الخصم دون أن ينظر ما عند الخصم الآخر فلذلك علم داود أن الله تعالى اختبره وفتنه فخر راكعا وأناب وتاب إلى الله عز وجل من كونه انفرد في محرابه وأغلق الباب عليه وكونه أخذ بقول الخصم دون أن يسأل الخصم الآخر وكونه حكم له دون أن ينظر ما عند الآخر من مدافعة هذه هي القصة وهي واضحة في القرآن ولا حاجة أن نصطنع قصصاً مكذوبة وفيها خدش للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمثال هذا كثير لذلك أنصح إخواننا الذين يقرؤون في كتب التفسير المشحونة بهذه الإسرائيليات أنصحهم من أن يتمادوا في هذا وأقول لهم اتركوا هذه التفاسير وإن كان فيها خير كثير لكن هذا الشر الذي لا يعلم عنه إلا العلماء قد يغتر به بعض العامة الذين يطالعون هذه الكتب.
***
السائل سليم بن عبد الله من اليمن يقول ما تفسير الآية الكريمة في قوله تعالى (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله سبحانه وتعالى بين أنه لا ينسخ حكما من أحكام الشريعة إلا أتى بخير منه للعبد أو مثله.
***
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) ما هي المحبة المقصودة في الآية هل هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه
.
فأجاب رحمه الله تعالى: المحبة في القلب وكل أحد يعرف المحبة والبغض والكراهة لكن من آثار محبة الله أن يقوم الإنسان بطاعة الله عز وجل طلباً للوصول إليه تبارك وتعالى فالذين آمنوا أشد حباً لله من هؤلاء الكفار لأصنامهم لأنهم يعبدون الله على بصيرة أو أنه أشد حباً لله من هؤلاء لله إن كان في قلوب هؤلاء العابدين للأصنام محبة لله عز وجل.
***
يقول السائل ما تفسير الآية الكريمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأمة التي أشار الله إليها هي الأمم التي بعث إليهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب والرسل السابقون فإن هؤلاء لهم دينهم وانتهوا وخلوا ولكم أنتم أيها المخاطبون في عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ما كسبتم فأنقذوا أنفسكم ولا تقولوا نحن أبناء هذه الأمة أبناء الرسل وما أشبه ذلك فإن لهؤلاء ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقد قالت اليهود إن إبراهيم كان يهوديا وقالت النصارى ان إبراهيم كان نصرانيا وصاروا يحاجون المسلمين ولكن إبراهيم كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين عليه الصلاة والسلام.
***
الطيب محمد من السودان يقول ما معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إلى آخر الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) هو أن اليهود لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يصلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يحب صلى الله عليه وسلم أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة فيقلب وجهه في السماء ترقباً لنزول جبريل بذلك فأنزل الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى آخر ما ذكره الله سبحانه وتعالى في هذا الموضوع فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فكان اليهود ينتقدون ذلك وهو أنه اتجه أولاً إلى بيت المقدس ثم إتجه ثانياً إلى الكعبة فبين الله تعالى أن الاتجاه إلى المغرب أو إلى المشرق ليس هو البر ولكن البر طاعة الله سبحانه وتعالى والإيمان به (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) إلى آخر الآية والمعنى ولكن البر هو بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين الإيمان الذي يستلزم امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه فهذه هي حقيقة البر.
***
يقول السائل كيف نوفق بين قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) والآية الأخرى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهل الرواية التي عن ابن عباس رضي الله عنه في قراءة وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين واردة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نوفق بين الآيتين اللتين أشار إليهما السائل وهي قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وبين قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) بأن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن الصيام أول ما فرض كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم ويفدي ثم أنزل الله تعالى الصيام عيناً وبقي الفداء لمن لا يستطيع الصيام على وجه مستمر فإن العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه يكون عليه بدلاً عن الصوم فدية طعام مسكين وأما ما أشار إليه السائل من قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فهذه لا أعلمها عن ابن عباس ولكنه قول لبعض المتأخرين وتفسير الآية به تفسير ضعيف جداً لأنه يقتضي تفسير الشيء المثبت بشيء منفي وهذا ضد التفسير تماماً وإنما جاء عن ابن عباس في الآية الكريمة وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين أي يبلغون طاقتهم فيشق عليهم ولكن الصحيح في الآية ما أشرنا إليه أولاً لصحة الحديث به وهو أنه كان الصوم حين فرض أولاًَ يخير فيه الإنسان بين أن يفدي وأن يصوم ويدل لذلك قوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وهذا دليل على أن الآية نزلت فيمن يستطيع الصوم فيخير بين أن يصوم ويفدي ثم تعين الصيام بعد ذلك خلاصة لما سبق يكون في الآية الكريمة ثلاثة أوجه الوجه الأول أنها فيمن يطيقون الصوم فلهم أن يصوموا ويفدوا ولكن الصوم خير لهم وهذا القول وهذا الوجه هو الصواب لدلالة الحديث الصحيح عليه والوجه الثاني أن معنى الآية وعلى الذين يطوِّقونه أي يبلغوا طاقتهم ويشق عليهم وهذا الوجه مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والوجه الثالث أن معنى الآية وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين وهذا الوجه قاله بعض المتأخرين وهو وجه ضعيف لا يتناسب وتفسير القرآن والوجه الأول هو الصحيح لثبوت الحديث به.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أفيدونا بذلك بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يتبين معناها بمعرفة مانزلت فيه وذلك أنهم كانوا أول ما فرض الصيام إذا نام الإنسان منهم أو صلى صلاة العشاء حرم عليه الأكل والشرب والجماع حتى تغرب الشمس من اليوم التالي ثم منّ الله تعالى على عباده فأحل لهم الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر فقال جل ذكره (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إي الإفضاء إليهنّ وهذا يعني الجماع ثم بين الله سبحانه وتعالى أن المرأة لباس لزوجها وأن زوجها لباس لها لأن كل واحد منهما يحصل به تحصين فرج صاحبه وحمايته وحفظه (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي باشروا نساءكم بالجماع (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لكم) من الولد الصالح والعمل الصالح في هذه الليلة التي أبيح لكم فيها الجماع بحيث لا يلهيكم الجماع عن طاعة الله عز وجل ولا تريدوا بالجماع مجرد التلذذ والشهوة أو مجرد التلذذ وإدراك الشهوة فباشروهنّ بالجماع مبتغين ما كتب الله لكم من الأعمال الصالحة والولد الصالح (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) أي حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقبل الليل من هاهنا -يعني المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -يعني المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) ثم لما كان إحلال المرأة ليلة الصيام عاماً شاملاًَ استثنى الله تعالى أو خص الله سبحانه وتعالى زمن الاعتكاف فإنه لا يحل للزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف فقال (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والاعتكاف هو التعبد لله سبحانه وتعالى بلزوم المساجد للتفرغ لطاعته وقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده) ثم بين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأحكام المشتملة على المنهيات وعلى الأوامر بأنها حدود الله ونهى عن قربانها والنهي عن القربان يختص بالحدود المحرمة والنهي عن الاعتداء يختص بالحدود الواجبة فإذا قال الله سبحانه وتعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها أي لا تتجاوزوها فالمراد بها الواجبات وإذا قال تلك حدود الله فلا تقربوها فالمراد بها المحرمات وهنا يقول عز وجل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي مثل هذا البيان يبين الله سبحانه وتعالى آياته الشرعية للناس حتى يعلموها وتقوم عليهم الحجة بها وفي آخر الآية دليل على أن الله عز وجل قد بين لعباده كل ما يحتاجون إليه في أمور الشريعة إما في كتاب الله وإما في سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم لكن هذا البيان قد يخفى على بعض الناس إما لقصوره وإما لتقصيره وإلا فإن القرآن كما وصفه الله عز وجل بقوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فهذا هو معنى الآية الكريمة.
***
فائز فرج عبد الرزاق كلية الهندسة بغداد يسأل عن قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى أباح لنا أن نأكل ونشرب كل الليل حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر والخيط الأبيض هو بياض النهار والخيط الأسود هو سواد الليل أي إن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل ونشرب حتى نرى الفجر بأعيننا فإذا رأيناه متبيناً ظاهراً وجب علينا الإمساك حينئذ من ذلك الوقت إلى الليل وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في قوله (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) هذا هو معنى الآية الكريمة وقد ثبت في الحديث الصحيح حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه فهم الآية على أن المراد بالخيط الأبيض الحبل الأبيض وبالخيط الأسود الحبل الأسود فجعل رضي الله عنه عقالين تحت وسادته وجعل يأكل ويشرب فلما تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود أمسك فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) .
***
عبد الباسط سالم من ليبيا قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) ما تفسير هذه الآية الكريمة بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ) خطاب من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجيب الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحكمة في هذه الأهلة فبين الله سبحانه وتعالى أنها مواقيت للناس ومواقيت للحج مواقيت للناس في معاملاتهم وعباداتهم وغير ذلك مما يحتاجون فيه إلى التوقيت وكلمة الناس عامة تشمل جميع بني آدم فتحديد الشهور الذي وضعه الله تعالى لعباده إنما هو بالأهلة لأن الله قال هي مواقيت للناس وعمم وقال سبحانه وتعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقد اتفق العلماء على أن المراد بهذه الشهور هي الشهور الهلالية اعتمادا على ما جاءت به السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي مواقيت للناس في العبادات وفي المعاملات في العبادات شهر رمضان يصام إذا رئي هلاله ويفطر منه إذا رئي هلال شوال، وفي المعتدات المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام بالأهلة، المطلقات اللاتي لا يحضن لصغر أو إياس يعتددن بثلاثة أشهر بالأهلة، الناس يؤجلون ديونهم وغير ديونهم بالأشهر بالأهلة وهكذا جميع ما يحتاج إلى تأجيل بالشهر يكون الاعتماد فيه على الأهلة وقوله تعالى (وَالْحَجِّ) يعني أن الحج مربوط بالهلال أيضا لأن ابتداء الحج يكون من اليوم الثامن من ذي الحجة وينتهي باليوم الثالث عشر منه وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كما قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) وهذه الأشهر الهلالية منها أربعة حرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية ورجب منفرد بين جمادى وشعبان والأهلة مقرونة بالقمر يبدو في الغرب صغيرا ثم لا يزال ينمو رويدا رويدا إلى أن يتكامل نموه في نصف الشهر ثم يعود إلى الاضمحلال حتى يتم ثم يعود مرة ثانية فيخرج من المغرب وخروجه من المغرب هو ابتداء الهلال هذا هو معنى الآية الكريمة.
***
أحمد محمد جمهورية مصر العربية يقول قال الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) من هم حاضروا المسجد الحرام هل هم أهل مكة أم أهل الحرم أفيدونا بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هم أهل مكة ومن كان من الحرم دون مسافة القصر على اختلاف العلماء في تحديدها هؤلاء هم حاضرو المسجد الحرام فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا لأنه من حاضري المسجد الحرام ولو أن أحداً فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا ويمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفاً أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرماً بعمرة ناوياً أن يحج من سنته ثم يحج فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام ومثال القران أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً لأنه من حاضري المسجد الحرام.
***
ما معنى قوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) يعني أنه كان أهل مكة لا يقفون بعرفة في الحج يقفون في مزدلفة ويقولون نحن أهل الحرم لا يمكن أن نقف إلا بالحرم فيقفون في مزدلفة فقال الله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) أي من المكان الذي أفاض الناس منه وهو عرفة ولهذا قال جابر رضي الله عنه وهو يصف حج النبي صلى الله عليه وسلم أجاز رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تشك قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المشعر الحرام كما كانت قريشٌ تفعل في الجاهلية ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجاوزها ونزل بنمرة ثم لما زالت الشمس ذهب إلى عرفة ووقف هناك فأمر الله تعالى الناس جميعاً ومنهم قريش أن يفيضوا من حيث أفاض الناس (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) يعني اسألوا الله المغفرة والمغفرة هي ستر الذنب والعفو عنه (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) وذلك لأن الإنسان إذا فرغ من العبادة ربما يلحقه كسل أو ملل فيغفل عن ذكر الله فأمر الله تعالى أن يذكر الإنسان ربه إذا قضى نسكه وهذا كقوله تعالى في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فأمر بذكره لأن الإنسان مظنة الغفلة إذا خرج من الصلاة ثم سعى في التجارة فإنه مظنة الغفلة فلهذا قال (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم قسم الله تعالى الناس إلى قسمين منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا وليس له همٌ في الآخرة ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيبٌ مما كسبوا والله سريع الحساب.
***
م. ع من الرياض يقول ما هي المنافع الواردة في هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنافع للناس ما يحصل من الاتجار في الخمر ومن المكاسب بالميسر وما يحصل من النشوة والطرب في الخمر وما يحصل من الفرح والسرور في الكسب في الميسر وما يحصل كذلك من الحركة في العمال الذين يباشرون هذه الأعمال ولكن هذه المنافع وإن عظمت وكثرت فإن الإثم أعظم منها وأكبر كما قال الله تعالى (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وتأمل هذه الآية الكريمة حيث قال (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فذكر المنافع بصيغة منتهى الجموع الدالة على الكثرة ومع ذلك فإن كثرتها ليست بشيء بالنسبة لما فيهما من الإثم الكبير وقد كان الخمر حلالا في أول الإسلام لقوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) ثم أنزل الله آية البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ثم نزلت آية النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فامتنع الناس عن الشرب وقت الصلاة وكان في هذا نوع فطام لهم ثم نزلت آية المائدة وهي آخر ما نزل بشأن الخمر والميسر فقال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) فانتهى الناس عن ذلك وصار تحريم الخمر بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ولهذا قال العلماء من استحل الخمر فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام ومن شربها معتقدا تحريمها فهو آثم وعاص لله ولرسوله ويجب على ولي الأمر أن يقيم عليه العقوبة التي جاءت بها السنة وصحت عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وذهب بعض العلماء إلى أنه أي شارب الخمر إذا شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب الرابعة فإنه يقتل لحديث ورد في ذلك وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقتل إذا لم ينته الناس بدون القتل يعني بمعنى أن الناس انهمكوا فيها حتى صار الإنسان منهم يجلد ثلاث مرات ولا يتوب ففي هذه الحال يقتل لأن مصلحة قتله خير من مصلحة بقائه لكن جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل ولو جلد ثلاث مرات بدعوى أن الحديث الوارد في ذلك إما منسوخ أو ضعيف وعلى كل حال فإن الواجب على المسلم أن يكون مؤمنا بالله قائما بأمر الله مجتنبا لهذه القاذورات التي إن كان فيها نشوة ساعة من زمان ففيها مضرة أياما وشهورا والخمر مفتاح كل شر وأم الخبائث وكم من إنسان سكر فطلق زوجته وكم من إنسان سكر فزنى بمحارمه والعياذ بالله وكم من إنسان سكر وقتل نفسا وربما يقتل نفسه فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يتجنب مثل هذه القاذورات وأن يتقي الله عز وجل وأن يحمد الله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا.
***
يقول السائل المال الذي تريد الزوجة أن تفتدي به نفسها من زوجها هل يرجع أمر تحديده إلى الزوج برغبته وما معنى قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وهل لابد أن يكون مالاً أم لا يشترط ذلك بل بما يرضي الزوج أياً كان ومن ذلك أن رجلاً اشترط على زوجته شرطاً هو أنها إذا طلبت الطلاق سيكون ثمن ذلك هو أن ما عندها وقت الطلاق من الأطفال يكونون معه بدون شرط ولا حساب وإلا فلن يطلقها حتى يبلغ الأطفال سبع سنين فهو يقول لأهلها سأقبل تسريحها إذا هي أرادت إذا كان ولدي المنفطم بيدي آخذه متى شيءت بلا شرط ففداؤها عدم حضانتها فهل يصح مثل هذا أم لا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة تسمى مسألة الخلع أو الطلاق على عوض كما هو عند أكثر أهل الفقه وإن كان بعض أهل العلم يقول إن الطلاق على عوض خلع ولو وقع بلفظ الطلاق وذلك أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع الزوج ولم يرغب أن يطلقها بدون عوض فلا جناح عليهما فيما افتدت به، واختلف أهل العلم هل يجوز أن يطلب منها في الخلع أكثر مما أعطاها أو لا يجوز فمنهم من قال إنه لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها بل ليس له الحق إلا أن يأخذ ما أعطاها فقط وذلك لأن أخذه أكثر مما أعطاها فيه شيء من الظلم لها واستدلوا بأن هذا الرجل أخذ مقابل ما أعطاها بما استحل من فرجها فإذا أخذ منها أكثر كان ظلماً وقال بعض أهل العلم إنه يجوز أن يخالعها بأكثر مما أعطاها لعموم قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وما اسم موصول فهو من صيغ العموم إلا أن القائلين بأنه لا يأخذ أكثر قالوا إن هذا الاستثناء عائد على ما سبق وهو قوله (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَاّ أَنْ يَخَافَا أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) مما أعطاها ولاشك أن هذا القول أعنى أنه لا يأخذ أكثر مما أعطاها أبرأ لذمته وأسلم اللهم إلا أن يكون قد تزوجها في وقت المهور فيه رخيصة ولو اقتصر على ما أعطاها لم يجد به زوجة وهو لا يجد ما يكمل المهر فهنا قد نقول بأنه لا حرج عليه في طلب أكثر مما أعطاها أما ما ذكره السائل من كون العوض إسقاط حقها من حضانتها فظاهر الآية أنه يصح لعموم قوله (فيما افتدت به) ولكن المعروف عند أهل العلم أنه لا يصح إلا بالمال بما يصح مهراً وإسقاط حقها من الحضانة ليس من هذا الباب وعلى هذا فنقول إذا أراد أن يخالعها فليجعل عوضاً ولو يسيراً لو عشرة دراهم أوما أشبهها وحينئذ يتم الخلع وإذا أسقطت حقها من الحضانة فلا حرج في ذلك.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) وما المقصود بالصلاة الوسطى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالصلاة الوسطى هنا صلاة العصر وقد ثبت تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال في غزوة الخندق (شغلونا يعني الأحزاب عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) وإذا فسّر النبي عليه الصلاة والسلام القرآن بشيء فإن تفسيره هو الواجب قبوله ولا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم والعلماء مختلفون في هذه المسألة ولكن الراجح هو ما ذكرنا لدلالة السنة عليه.
***
هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ أ. أ. يقول في هذا السؤال أرجو توضيح كلمة القنوت بالتفصيل حتى نكون إن شاء الله من القانتين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القنوت لعله يريد قول الله تبارك وتعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وهو يطلق على معانٍ متعددة منها السكوت ولهذا قال راوي الحديث (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ومعلوم أن المراد بالسكوت أي بالسكوت عن كلام الناس لا بالسكوت عن كل شيء لأن الصلاة كلها أقوال وأفعال لا بد منها فالقنوت يطلق على ترك ما ينافي الصلاة ويطلق أيضا على إطالة القيام والقراءة ويطلق أيضا على كمال الخشوع لله عز وجل ويطلق على الدعاء كما قنت النبي صلى الله وعليه وسلم للمستضعفين وقنت يدعو على أقوام آخرين.
***
يقول ما فضل آية الكرسي وفيم تذكر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: آية الكرسي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم آية في كتاب الله وأن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح وهذا فضل عظيم وحماية عظيمة من الله سبحانه وتعالى لمن قرأها ويستحب أيضاً أن تقرأ في أدبار الصلوات المكتوبة هذا ما أعرفه حول هذا الموضوع.
فضيلة الشيخ: لكن هل هناك أشياء تذكر فيها مثلاً إنسان سيدعو على إنسان آخر أو سيطلب منه شيئاً هل يقرأ هذه الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ما يقرؤها يعني يجعلها مقدمة لحاجته، لا ليس بمشروع.
***
في الآية الكريمة في سورة فاطر (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وتفسير الآية في سورة البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) هل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى وكيف تكون التقوى بدون علم بناء على ما جاء في تفسير الآية الكريمة (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره جزاكم الله خيرا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) والخشية قوة الخوف من الله تبارك وتعالى لكمال عظمته وسلطانه وهذا لا يتأتى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته ولهذا قال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) أي ما يخشاه الخشية التامة إلا العلماء والمراد العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله لكن المراد بالعلماء هنا العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته والخشية مبنية على العلم فكلما كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبة له تبارك وتعالى. وأما قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فإن كثير من الناس يظنون أن قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) مبني على قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وليس كذلك بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا المعنى في قوله في صحيحه باب العلم قبل القول والعمل ثم استدل لذلك بقول الله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين لأن قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أمر مستقل بالتقوى ولا يمكن أن يتقي الإنسان ربه إلا إذا علم ما يتقيه أما قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فهي جملة مستأنفة تفيد أن العلم الذي نناله إنما هو من عند الله وحده فلا علم لنا إلا ما علمنا الله تبارك وتعالى وتعليم الله إيانا نوعان غريزي وكسبي.
فالغريزي هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلم أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد وأما التعليم الكسبي فهو ما يورثه الله العبد بتعلمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلم على المشايخ ومن بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التسجيل وغير ذلك ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ما هي؟ مع أنها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلا بها أمر الله نبيه أن يقول (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الروح كأنه قال الروح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح ولهذا قال (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) والحاصل أن قوله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى وأما آية البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فليس فيها أن التقوى مقدمة على العلم لأنه لا يمكن تقوى إلا بعلم ما يتقى وأن الجملة (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) ليس لها ارتباط بما قبلها.
***
يقول السائل ما تفسير قول الله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية حينما نزلت على الصحابة رضي الله عنهم شق عليهم ذلك وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاثين على ركبهم يرجون التخفيف فقال النبي صلى الله عليه وسلم (قولوا سمعنا وأطعنا) فقالوا (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فخفف الله عنهم وأنزل قوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فرفع الله عنهم التكليف إلا فيما كان تحت طاقتهم ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فحديث النفس مهما بلغ من الفحش والقبح لا يضر ما دام الإنسان كارها له غير راكن إليه فإنه لا يضره لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) .
***
يقول السائل كيف نجمع بين قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وبين معنى الحديث الشريف الذي هو (إن الله تجاوز عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الذي أشرت إليه هو في قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا) فما كان بوسع الإنسان فإنه مؤاخذٌ به وما كان ليس بوسعه فهو غير مؤاخذ به فقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) جاءت الآية بعده (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) فالخواطر التي ترد على المرء ولا يركن إليها ولا يطمئن لها وإنما هو حديث نفسٍ عابر لا يركن إليه ولا يأخذ به هذا لا يؤاخذ به لأنه فوق طاقة المرء أما إذا كانت الهواجس التي ترد على القلب يطمئن إليها الإنسان ويأخذ بها فإنه عمل يؤاخذ به العبد ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وأخبر عليه الصلاة والسلام عن الرجل يقاتل أخاه المسلم فقال عليه الصلاة والسلام (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فالمهم أن ما يرد على القلب إذا اطمأن إليه الإنسان وأخذ به واعتبره فإنه يؤاخذ عليه أما الهواجس التي تطرأ ويحدِّث الإنسان نفسه فيها ولكنه لا يركن إليها فلا يؤاخذ بها مثل لو كان يحدث الإنسان نفسه هل يطلق زوجته أو لا نقول إن الزوجة لا تطلق حتى لو نوى أن يطلقها فإنها لا تطلق لأن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بما يدل عليه من الفعل كالكتابة ولا يؤاخذ بهذا وكذلك لو نوى أن يتصدق بهذه الدراهم وعزم ولكنه ما دفعها إلى الآن فإنه لا يلزمه التصدق بها سواءٌ نواها لشخصٍ معين أو نواها صدقةً ولم يعين من يتصدق بها عليه فإنه لا تلزمه الصدقة.
***
يقول السائل ماهي فوائد قراءة آية الكرسي وآخر آية في سورة البقرة عند الخروج من البيت
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا سنة حتى نقول ما هي الفوائد فلا يسن للإنسان إذا خرج من بيته أن يقرأ آية الكرسي أو الآيتين اللتين في آخر سورة البقرة.
***
سورة آل عمران
يقول السائل ماتفسير الآية الكريمة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) مع التمثيل لكلٍ من الآيات المحكمات والمتشابهات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) قسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين محكم ومتشابه والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها هذا محكم لأنه لا اشتباه في معناه وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط لكن كيف الإقامة هذا يعرف من دليل آخر والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه فيبقى في حيرةٍ من أمره وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه ومن أمثلة المتشابه قول الله تبارك وتعالى (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيأتي الإنسان ويقول هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيضرب الآيات بعضها ببعض ليوقع الناس في حيرة لكن الراسخين في العلم يقولون كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله ويقولون إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة فتتغير الأحوال وتتبدل فتنزل هذه على حال وهذه على حال.
***
المستمعة رمزت لاسمها ف. ق. ط. من مدينة جدة المملكة العربية السعودية تقول في رسالتها ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) أفيدونا بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية في سورة آل عمران وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب على نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله على نوعين فقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فجعله سبحانه وتعالى على قسمين أو على نوعين نوع محكم واضح المعنى لا اختلاف فيه ولا احتمال وهذا هو (أُمُّ الْكِتَابِ) أي مرجع الكتاب الذي يرجع إليه بحيث يحمل المتشابه على المحكم ليكون جميعه محكماً، (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) وإنما أنزله الله تعالى كذلك امتحاناً للعباد حيث يعلم سبحانه وتعالى من يريد الفتنة وصد الناس عن دينهم والتشكيك في كتاب الله ومن كان مؤمناً خالصاً يعلم أن القرآن كله من الله وأنه لا تناقض فيه ولا اختلاف يقول الله تعالى (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي متشابهات في المعنى ليست صريحة واضحة بل تحتاج إلى تأمل ونظر وحمل لها على ما كان واضحاً بيناًَ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق واتباع للهوى (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي يتابعونه ويتتبعونه حتى يجعلوا ذلك وسيلة إلى الطعن في كتاب الله عز وجل ولهذا قال (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)(ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) يعني صد الناس عن دينهم كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) يعني إن الذين صدوا المؤمنين عن دينهم وفتنوهم (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أي طلب تحريف القرآن وتغييره عن مكانه وعن ما أراد الله به يقول الله عز وجل (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والتأويل هنا اختلف فيه أهل العلم بناء على اختلاف الطريقتين وصلاً ووقفا فإن في الآية طريقتين طريقة الوصل (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فيكون المراد بالتأويل هنا التفسير ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه (قال أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله) أي يعلمون تفسيره وكان ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الناس بتفسير كلام الله أما الطريقة الثانية فهي طريقة الوقف على قوله (إِلَاّ اللَّهُ) وعلى هذا فيكون المراد بالتأويل العاقبة التي يؤول إليها ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فإن حقائق هذه الأمور لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وعليه فيكون الوقف على قوله (إِلَاّ اللَّهُ) وهذا هو ما ذهب إليه أكثر السلف في القراءة ويكون معنى قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أن الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه ويقولون إنه (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإذا كان كلٌ من عند الله فإنه لا يمكن أن يكون فيه تناقض أو تعارض لقول الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ثم ختم الله الآية بقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) أي ما يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا من كان ذا عقل يحجزه عن المحرمات وإتباع الشبهات والشهوات.
***
يقول السائل قال الله تبارك وتعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) الآية وفي آيةٍ أخرى قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهل المقصود بالبنبين في الآية الأولى والبنون في الآية الثانية الأولاد عامة أم الذكور خاصة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بـ (وَالْبَنُونَ) في هاتين الآيتين وفي غيرهما أيضاً من كلام العرب عامة المراد بهم الذكور فقط لأنه يقال بنون ويقال بنات فالبنات هم نوع من البشر والبنون هم النوع الآخر من البشر فهما نوعان من البشر قال الله تعالى (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ) ومن المعلوم أن تعلق الإنسان بالبنين أكثر من تعلقه بالبنات ومع هذا فإنه يجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده الذكور والإناث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه يجب على الإنسان في عطية أولاده أن يعدل بينهم فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر مائة ريالٍ مثلاً فليعط الأنثى خمسين ريالاً هذا بالنسبة للعطايا التي هي تبرع محض وأما النفقات فالعدل فيها أن ينفق على كل واحدٍ منهم بما يحتاج إليه وهذا يختلف باختلاف حال الولد فإذا كان لديك أولادٌ قد بلغوا سن الزواج واحتاجوا إليه وجب عليك أن تزوجهم إذا كان لديك قدرةٌ على ذلك ولا تعطِ الآخرين الذين لم يبلغوا سن الزواج مثلما أعطيت هؤلاء في الزواج لأن هذا من باب دفع الحاجة وكذلك لو مرض أحد الأبناء واحتاج إلى علاج وأنفقت عليه في علاجه فإنه لا يلزمك أن تعطي الآخرين مثلما أنفقت على هذا المريض لأن هذا من باب دفع الحاجة فالمهم أن الواجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده في عطية التبرع وأما ما يراد به دفع الحاجة فإن كل واحدٍ منهم تعطيه ما يحتاج إليه.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن هؤلاء استهموا أيهم يكفل مريم واستهموا بالأقلام والكيفية لا أعرفها فهم استهموا على كيفية معينة أيهم غلب تكون عنده مريم.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الملأ الذين كفروا بعيسى بن مريم عليه السلام من بني إسرائيل أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه فحضروا إليه فألقى الله تعالى شبهه على رجل منهم ورفع عيسى إليه إلى السماء فقتلوا هذا الرجل الذي ألقي شبه عيسى عليه وصلبوه وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وقد أبطل الله دعواهم تلك في قوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم حين جاؤوا إلى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ليقتلوه فألقى الله شبهه على رجل منهم فقتلوه وصلبوه وظنوا أنهم أدركوا مرامهم فهذا من مكر الله تعالى بهم والمكر هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر وهو أعني المكر صفة مدح إذا كان واقعاً موقعه وفي محله ولهذا يذكره الله عز وجل واصفاً نفسه به في مقابلة من يمكرون بالله وبرسله فهنا قال (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فالمكر صفة مدح في محله لأنه يدل على القوة وعلى العظمة وعلى الإحاطة بالخصم وعلى ضعف الخصم وعدم إدراكه ما يريده به خصمه بخلاف الخيانة فإن الخيانة صفة ذم مطلقا ولهذا لم يصف الله بها نفسه حتى في مقابلة من خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أرادوا خيانته وانظر إلى قول الله تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) ولم يقل فقد خانوا الله فخانهم بل قال (فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) وعلى هذا فلو قال قائل هل يصح أن يوصف الله بالمكر فالجواب أن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق لا يجوز وأما وصف الله بالمكر في موضعه في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسله فإن هذا جائز لأنه في هذه الحال يكون صفة كمال وبهذا يعلم أن ما يمكن من الصفات بالنسبة إلى الله عز وجل على ثلاثة أقسام:
قسم لا يجوز أن يوصف الله به مطلقا كصفات النقص والعيب مثل العجز والتعب والجهل والنسيان وما أشبهها فهذا لا يوصف الله به بكل حال
وقسم يوصف الله به بكل حال وهو ما كان صفة كمال مطلقاً ومع ذلك فإنه لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه
والقسم الثالث من الصفات ما يوصف الله به في حال دون حال وهو ما كان كمالاً في حال دون حال فيوصف الله به حين يكون كمالاً ولا يوصف الله به حين يكون نقصاً وذلك مثل المكر والكيد والخداع والاستهزاء وما أشبه ذلك.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى في هذه الآية الكريمة مبيناً حال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه عليه الصلاة والسلام رسول قد خلت من قبله الرسل أي مضت من قبله الرسل فبلغوا الرسالة ثم كان مآلهم إلى الفناء لأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام قد خلت من قبله الرسل ومضت في إبلاغ دعوتها إلى الله عز وجل ثم ماتوا كسائر البشر ثم ينكر الله عز وجل على من تغيرت حاله لو مات النبي صلى الله عليه وسلم أو قتل فيقول (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) أي ارتددتم عن الإسلام إلى الكفر إلى الوراء بعد أن تقدمتم إلى الإسلام ومن ينقلب على عقبيه فيكفر بعد ردته فإنه لن يضر الله شيئاً لأن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده ولم يأمرهم سبحانه وتعالى بعبادته إلا لمصلحتهم لا لمصلحته هو أو لمنفعته فإنهم لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) فمن ينقلب على عقبيه بعد إسلامه فإنه لن يضر الله شيئاً وإنما يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين أي القائمين بطاعته أي الذين قاموا بحقيقة الشكر لأن حقيقة الشكر القيام بطاعة المنعم حيث ما تعلقت بالقلب أو باللسان أو بالجوارح وهذه الآية نزلت حين صاح الشيطان في المسلمين في غزوة أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فضعفت نفوس بعض المسلمين من أجل هذه الشائعة الكاذبة الخاطئة فأنزل الله تعالى هذه الآية إشارة إلى أنه يجب على المسلمين وإن مات نبيهم أو قتل أن يذودوا عن شريعته وعن سنته في حياته وبعد مماته وفي هذه الآية دليل على أن الكفر هو التأخر والرجعية والانقلاب على العقب وأما الإسلام فإنه التقدم والمضي إلى الإمام فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه ويشهد لهذا قوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبهذا عرف سبب نزول هذه الآية الكريمة وعرف المراد بها وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا منتصرين لدينهم سواء كان ذلك في حياة نبيهم أو بعد مماته صلوات الله وسلامه عليه.
***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) والسؤال ما الفرق بين القلب والصدر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه لا فرق بينهما لكن القرآن الكريم جاء على أوسع ما يكون من البلاغة فيعبر عن المعنى الواحد بألفاظٍ مختلفة حسب ما تقتضيه البلاغة في اللغة العربية لأن القرآن كما قال الله عز وجل نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) .
***
سورة النساء
السائلة التي رمزت لاسمها بـ م ص هـ من الرياض تقول ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وما علاقة اليتامى بالنساء في هذه الآية وجزاكم الله خيرا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت حين كان الناس لا يعدلون في النساء اليتامى بل يحبس الرجل اليتيمة إما لابنه إن كانت لا تحل له وإما لنفسه إن كانت تحل له ولا يزوجها من يخطبها من الأكفاء فقال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) أي إن خفتم عدم العدل في اليتامى فالنساء سواهن كثير (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) وبهذا عرفنا صلة آخر الآية بأولها.
***
يقول السائل مامعنى هاتين الآيتين الكريمتين (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ) والآية الثانية (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى فمعناها أن لا تعقدوا النكاح على من عقد عليها النكاح آباؤكم من الأب أب الصلب أو الأجداد الذين فوقه سواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب فلا يجوز للرجل أن يتزوج من عقد عليها أبوه أو جده سواء كان جده من قبل الأب أو من قبل الأم وقوله تعالى (إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف في الجاهلية من هذا الفعل فإنه معفو عنه وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فمعناه أن الله حرم أن نجمع بين الأختين من نسب أو رضاع (إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف لكم في الجاهلية فلا حرج عليكم فيه والجمع بين الأختين محرم فان تزوجهما في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتي فكلا العقدين باطل وان سبق أحدهما الآخر فالسابق هو الصحيح فلو زوج ابنته رجلا في أول النهار ثم زَوَّجَهُ أختها في آخر النهار مع بقاء الأولى فنكاح الثانية باطل وكذلك لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها فهؤلاء ثلاث لا يجمع بينهن الأختان والعمة وبنت أخيها والخالة وبنت أختها وما عدا ذلك من الأقارب فإنه يجوز الجمع بينهن فيجوز الجمع بين ابنتي العم وبين ابنتي الخالة لكن لا ينبغي أن يجمع بين القريبات لان ذلك قد يفضي إلى قطيعة الرحم بينهما إذ إن المعروف عادة أن الضرة تغار من ضرتها ويحصل بينهما عداوة وبغضاء.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في سورة النساء (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) إلى قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية الكريمة بين الله عز وجل المحرمات في النكاح وأسباب التحريم يعود في هاتين الآيتين إلى ثلاثة أشياء النسب والرضاع والمصاهرة فقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ) يفيد أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج من تزوجها أبوه أو جده وإن علا سواء كان الجد من قبل الأم أو من قبل الأب وسواء دخل بالمرأة أم لم يدخل بها فإذا عقد الرجل على امرأة عقداً صحيحاً حرمت على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا
وفي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) بيان ما يحرم بالنسب وهنّ سبع: الأمهات وإن علونّ من الجدات من قبل الأب أو من قبل الأم والبنات وإن نزلن من بنات الابن وبنات البنات وإن نزلن (وَأَخَوَاتُكُمْ) سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم (وَعَمَّاتُكُمْ) وهن أخوات الآباء والأجداد وإن علون سواء كن عمات شقيقات أو عمات لأب أو عمات لأم فالعمات الشقيقات أخوات لأبيك من أمه وأبيه والعمات لأب أخواته من أبيه والعمات لأم أخواته من أمه والخالات هن أخوات الأم والجدة وإن علت سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم فالخالات الشقيقات أخوات أمك من أمها وأبيها والخالات لأب أخواتها من أبيها والخالات لأم أخواتها من أمها واعلم أن كل خالة لشخص أو كل عمة لشخص فهي عمة له ولمن تفرع منه وخالة له ولمن تفرع منه فعمة أبيك عمة لك وخالة أبيك خالة لك وكذلك عمة أمك عمة لك وخالة أمك خالة لك (وَبَنَاتُ الأَخِ) وإن نزلنّ سواء كان الأخ شقيقاً أو لأب أو لأم فبنت أخيك الشقيق أو لأب أو لأم حرام عليك وبنت بنتها حرام عليك وبنت ابنها حرام عليك وإن نزلن وكذلك نقول في بنات الأخت هؤلاء سبع من النسب (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) وإن شيءت حصرها فقل يحرم على الإنسان من النساء الأصول وإن علون والفروع وإن نزلن وفروع الأب والأم وإن نزلن وفروع الجد والجدة من صلبهم خاصة
وفي قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) إشارة إلى ما يحرم بالرضاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فما يحرم من النسب يحرم نظيره من الرضاع وهنّ الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فنظير هؤلاء من الرضاع محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فهؤلاء الثلاث محرمات بالصهر فقوله (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) يعني أنه يحرم على الرجل أم زوجته وجدتها وإن علت سواء من قبل الأب أم من قبل الأم وتحرم عليه بمجرد العقد فإذا عقد الرجل على امرأة حرمت عليه أمها وصار من محارمها وإن لم يدخل بها يعني وإن لم يدخل بالبنت فلو قدر أنها ماتت البنت أو طلقها فإن أمها تكون محرماً له ولو قدر أنه تأخر دخوله بهذه المرأة التي تزوجها فإن أمها تكون محرماً له تكشف له ويسافر بها ويخلو بها ولا حرج عليه لأن أم الزوجة وجداتها يحرمن بمجرد العقد لعموم قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وقوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) المراد بذلك بنات الزوجة وبنات أولادها وإن نزلن فمتى تزوج الإنسان امرأة فإن بناتها من غيره حرام عليه ومن محارمه وكذلك بنات أولادها من ذكور وإناث أي إناث الأولاد سواء كان الأولاد ذكوراً أم إناثاً فبنت ابنها وبنت بنتها كبنتها ولكن الله عز وجل اشترط هنا شرطين قال (وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فاشترط في تحريم الربيبة أن تكون في حجر الإنسان واشترط شرطاً آخر أن يكون دخل بأمها أي جامعها أما الشرط الأول فهو عند جمهور أهل العلم شرط أغلبي لا مفهوم له ولهذا قالوا إن بنت الزوجة المدخول بها حرام على زوجها الذي دخل بها وإن لم تكن في حجره
وأما الشرط الثاني وهو قوله تعالى (اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فهو شرط مقصود ولهذا ذكر الله تعالى مفهومه ولم يذكر مفهوم قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) فدل هذا على أن قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) لا يعتبر مفهومه أما من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقد اعتبر الله مفهومه فقال (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) وأما قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فالمراد بذلك زوجة الابن وإن نزل حرام على أبيه بمجرد العقد وزوجة ابن الابن حرام على جده بمجرد العقد ولهذا لو عقد شخص على امرأة عقداً صحيحاً ثم طلقها في الحال كانت محرماً لأبيه وجده وإن علا لعموم قوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) والمرأة تكون حليلة لزوجها بمجرد العقد فهذه ثلاثة أسباب توجب التحريم النسب والرضاع والمصاهرة فالمحرمات بالنسب سبع والمحرمات بالرضاع نظير المحرمات بالنسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والمحرمات بالصهر أربع قوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ) والرابعة قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فهذا التحريم ليس تحريماً مؤبداً لأن التحريم هو الجمع فليست أخت الزوجة محرمة على الزوج ولكن المحرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها ولهذا قال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) ولم يقل وأخوات نسائكم فإذا فارق الرجل امرأته فرقة بائنة بأن تمت العدة فله أن يتزوج أختها لأن المحرم الجمع وكما يحرم الجمع بين الأختين فإنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها كما ثبت ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاللاتي يحرم الجمع بينهن ثلاث الأختان والمرأة وعمتها والمرأة وخالتها وأما بنات العم وبنات الخال يعني أن تكون امرأة بنت عم لأخرى أو بنت خال لأخرى فإنه يجوز الجمع بينهما.
***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخاطب الله تعالى المؤمنين بوصف الإيمان فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وخاطبهم بهذا الوصف لحثهم على تلقي ما يأتي إليهم من أوامر أو نواه ولهذا يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين أمنوا فأرع لها سمعك فإما خيراً تؤمر به وإما شراً تنهى عنه، فينادي الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين ويقول لهم (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وهذا قبل تحريم الخمر فقد كان الناس في أول الأمر يشربون الخمر ثم حرمت، وكان الرجل يشرب الخمر ثم يصلى فيأتي يما يأتي به السكران من أقوال لا تحل في الصلاة أو أفعال فنهاهم أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، ونهاهم أيضاً أن يقربوا الصلاة وهم جنب إلا عابري سبيل وهذه الآية تنطبق تماماً على المسجد لأنه محل الصلاة فلا يحل للمرء أن يبقى في المسجد ويمكث فيه وهو جنب إلا أن يكون عابر سبيل أي إلا إذا كان ماراً بالمسجد فإن ذلك لا بأس به مثل أن يدخل المسجد وهو على جنابة ليأخذ كتاباً له في المسجد أو ليعبر من باب إلى باب أو ما أشبه ذلك، ورخص كثير من أهل العلم للجنب إذا توضأ أن يمكث في المسجد، وقوله تعالى حتى تغتسلوا أي غسل الجنابة وهو معروف، (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) يعني إذا كان الإنسان مريضاً ولم يتمكن من الغسل، أو كان مسافراً ولم يجد ماءً فإنه يتيمم أي يقصد أرضاً طيبة طاهرة فيضرب يديه عليها ويمسح بهما وجهه وكفيه وبذلك تتم طهارته، ويصلى بهذا التيمم كما يصلى بطهارة الماء تماما، حتى يجد الماء فإذا وجد الماء عاد فتطهر به.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في آية القتل الخطأ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) أرشدونا كيف تصوم المرأة هذه الأيام
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ليت هذه المرأة لم تمثل بالقتل لأنه يمكن أن يلزم المرأة صيام شهرين متتابعين في غير القتل ولكن قد يكون من المرأة قتل خطأ فيما لو كان صبيها إلى جنبها في الفراش ثم انقلبت عليه وهي نائمة فقتلته ففي هذه الحال يجب عليها الكفارة لله عز وجل ويجب على عاقلتها الدية لورثة هذا الطفل لقول الله تبارك وتعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) والمرأة إذا لزمها صيام شهرين متتابعين وحاضت فإنها تفطر في حال الحيض ثم إذا طهرت تستمر في الصيام ولا يبطل صيامها الأول فمثلا إذا حاضت في الشهر الأول سبعة أيام وفي الشهر الثاني سبعة أيام لزمها أن تضيف إلى الشهرين اللذين تخللهما الحيض أربعة عشر يوما ليتم صوم الشهرين المتتابعين وكذلك يقال في كفارة اليمين لو أن المرأة لزمتها كفارة يمين ولم تجد كفارة الإطعام إطعام عشرة مساكين أو الكسوة أو تحرير الرقبة فإنها يلزمها أن تصوم ثلاثة أيام متتابعة فإذا صامت أول يوم ثم حاضت فإنها تفطر وإذا طهرت صامت يومين فقط بناءً على اليوم الأول وهكذا يقال في من انقطع تتابعه لعذر آخر كمرض أو سفر فإنه إذا زال عذره يبني على ما سبق.
***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) إلى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) ويقول الله تعالى في سورة المائدة (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يقول السائل ما معنى هاتين الآيتين عن النبي عيسى بن مريم وهل توفاه الله تعالى أو ما زال حياً وإذا كان حياً فما معنى قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)
.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات في عيسى بن مريم يبين الله تعالى فيها كذب دعوى اليهود في قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله فإن اليهود ادَّعوا ذلك ولكن الله أكذبهم بقوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي أن الله ألقى شبهه على رجل كان هناك فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وادعوا أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم وصلبوه ولكن الله تعالى كذبهم ثم قال مؤكداً ذلك (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) فعيسى بن مريم لم يقتل ولم يمت بل رفعه إليه الله سبحانه وتعالى حياً على القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه رفع حياً أما أن اليهود لم يقتلوه فإنه نص القرآن ومن ادعى أنهم قتلوه فقد كذب القرآن ومن كذب القرآن فهو كافر بالله عز وجل فإن الله يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) أي قولاً متيقناً أنهم لم يقتلوا المسيح عيسى بن مريم يبقى النظر في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) وقوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) وما أشبه ذلك فكيف يجمع بين هذه الآيات والجواب أن الجمع بينها هو أن المراد بالوفاة في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) إما القبض، قبض الشيء يسمى توفياً ومنه قولهم توفى حقه أي قبضه وافياً كاملاً وإما أن يراد بالوفاة النوم فإن النوم يسمى وفاة كما قال الله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى) ويكون معنى ذلك أن الله تعالى ألقى عليه النوم ثم رفعه من الأرض نائماً وليس المراد بالوفاة وفاة الموت لأن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يكن قد مات الآن وسينزل في آخر الزمان ينزل إلى الأرض فيحكم بين الناس بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبل الجزية ولا يقبل إلا الإسلام وبهذا تبين أنه لا منافاة بين قوله (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وبين قوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) .
فضيلة الشيخ: يعني نزول النبي عليه السلام عيسى إلى الأرض وحكمه بشريعة الإسلام هل من كان غير مؤمن بشريعة الإسلام قبل نزول عيسى عليه السلام ثم آمن به بعد نزوله هل يعد هذا مؤمناً حقيقياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعد مؤمناً حقيقة.
فضيلة الشيخ: يعني لا تنتهي التوبة إلى هذا الوقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما تنتهي التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.
***
يقول السائل في قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) هل تفهم الآية على ظاهرها أم أن هناك معنى آخر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفهم هذه الآية وغيرها من الآيات على ظاهرها اللائق بالله عز وجل فمن هذه الآية نفهم أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى وقد بين في آية أخرى أنه كلمه بصوت مسموع فقال (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) والنداء يكون بالصوت العالي من بعيد والمناجاة بالصوت الخفي القريب ومن هنا نعلم أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة ولكن يجب أن نعلم بأن كلام الله سبحانه وتعالى لا يشبه كلام الآدميين بأصواتهم لأن الله يقول في محكم كتابه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ويقول بصيغة الاستفهام المشعر بالتحدي والنفي (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) يعني ليس له شبيه ولا نظير ولا أحد يساويه في جميع صفات الكمال وهذه القاعدة أعني الأخذ بظاهر القرآن هي الواجبة لأن الله تعالى خاطبنا بالقرآن وقال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آيتان من كتاب الله بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن وجعله باللسان العربي من أجل أن نفهمه ونعقل معناه وعلى هذا فيجب علينا الإيمان بظاهره حسب ما يقتضيه اللسان العربي إلا أن يكون هناك دليل شرعي يوجب صرفه عن مقتضى اللغة إلى مقتضى الشرع فإنه يجب اتباع ما دل عليه الشرع في ذلك وما حصل الضلال بالتأويلات البعيدة إلا بسبب تحكيم الناس عقولهم فيما يجب لله وما يجب عليه وما يمتنع عليه فحصل بذلك من تأويل نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته ما هو معلوم وما هو متضمن للخروج عما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم في إجراء كلام الله سبحانه وتعالى على ظاهره وحقيقته على الوجه الذي يليق به من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف.
***
سورة المائدة
سوداني ومقيم بعرعر ع. ع. يقول أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية من سورة المائدة في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) والمحرِّم هو الله عز وجل وليس التحريم عائداً إلينا ولا التحليل عائداً إلينا ولا الحكم بالكفر عائداً إلينا ولا الحكم بالإيمان عائداً إلينا كل ذلك إلى الله عز وجل وحده يقول (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) وإنما بني الفعل لما لم يسمَّ فاعله لأنه معلوم كما في قوله تعالى (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) ومن المعلوم أن الخالق هو الله عز وجل فهنا (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) ومن المعلوم أن المحرم هو الله عز وجل والميتة كل ما لم يذك ذكاةً شرعية بأن مات حتف أنفه أو ذبح على غير الطريقة الإسلامية فهو ميتة ويستثنى من ذلك الجراد فميتته حلال وكذلك السمك على جميع أنواعه فإنه حلال قال الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه (أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال) وقوله الدم يريد بذلك الدم المسفوح كما قيدته الآية الثانية (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) وأما الدم الذي يبقى في العرق بعد التذكية فإنه حلالٌ طاهر حتى لو ظهرت حمرته في الإناء فإنه حلالٌ طاهر لأنه ليس الدم المسفوح (لَحْمَ خِنزِيرٍ) وهو حيوانٌ معروفٌ خبيث معروفٌ بأكل العذرة أي أكل الغائط وفيه أيضاً دودة شريطية مؤثرة الرابع ما أهل لغير الله به أي ما سمي عليه غير اسم الله بأن يقال باسم المسيح باسم موسى باسم محمد باسم جبريل وما أشبه ذلك هذا أيضاً محرم لا يحل أكله (وَالْمُنْخَنِقَةُ) التي انخنقت إما بشد الحبل على رقبتها حتى ماتت أو بإغلاق الحجرة عليها وتسليط الدخان أو ما أشبهه عليها (وَالْمَوْقُوذَةُ) وهي المضروبة بعصا ونحوه حتى تموت (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) وهي التي تتردى من جبل من فوق أو من جدار أو ما أشبه ذلك فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) وهي التي ناطحت أخرى من البهائم فماتت (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما أكله الذئب أو نحوه (إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ) قوله (إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ) مستثنى من قوله (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) فهذه لا شيء إذا أدركتها حية وذكيتها فهي حلال (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) أي ما ذبح على الأصنام أي ذبح لصنم ولو ذكر اسم الله عليه فإنه حرام هذا معنى الآية الكريمة.
***
يقول السائل في الآية الكريمة من سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ما علاقة ذلك بالدم الذي ينقل من شخصٍ إلى آخر وهل هناك إثمٌ في هذا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كانوا في الجاهلية يأكلون الدم إذا كان الإنسان مسافراً وجاع جوعاً ليس فيه اضطرار فصد عرق ناقته وشرب منه فبين الله سبحانه وتعالى أنه حرم علينا هذا لأنه رجس نجس ولكن هل يشمل ذلك نقل دم من شخصٍ لآخر ظاهر الآية الكريمة العموم وعليه فلا يجوز أن ينقل دم من شخص إلى آخر إلا إذا اضطر المريض إلى الدم فإنه ينقل إليه بشرط أن يكون المنقول منه لا يتضرر بسحب الدم منه فإن كان يتضرر فإنه لا يجوز أن نسحبه منه فنقل الدم من شخصٍ لآخر يجوز بشرطين:
الشرط الأول اضطرار المنقول إليه.
الشرط الثاني انتفاء الضرر عن المنقول عنه.
ونزيد شرطاً ثالثاً وهو أن ينتفع المنقول إليه بهذا الدم أما إذا كان لا ينتفع فلا فائدة من نقله إليه.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن ابني آدم لصلبه على رأي أكثر المفسرين قرَّبا قربانا إلى الله عز وجل فتقبل الله تعالى قربان واحد منهما ولم يتقبل قربان الآخر والذي لم يتقبل منه حسد أخاه كيف يتقبل من أخيه ولم يتقبل منه فهدده بالقتل قال لأقتلنك حسدا وبغيا فقال له أخوه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) فكأنه يقول لو اتقيت الله لقبل منك ثم بين له أخوه أنه لن يبسط يده إليه ليقتله قال (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وفي النهاية طوعت له نفسه قتل أخيه فقتل أخاه فأصبح من الخاسرين وقلق ماذا يصنع بهذه الجنازة فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يحرثها بمنقاره أو بأظفاره من أجل أن يريه كيف يدفن أخاه فقال (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ) . وأما ما ذكر في الإسرائيليات من أن آدم عليه الصلاة والسلام يأتيه بنتان في بطن وابنان في بطن وأن ابن هذا البطن يأخذ بنت البطن الآخر وما أشبه ذلك من الإسرائيليات فهذا لا أصل له يعني في الإسرائيليات يقول أن آدم يأتيه ذكر وأنثى في بطن وذكر وأنثى في بطن فالذكر الذي في البطن الأول يأخذ الأنثى التي في البطن الثاني والذكر الذي في البطن الثاني يأخذ الأنثى التي في البطن الأول هكذا قيل في الإسرائيليات فهذا لا أصل له.
***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) وهل إذا تسبب شخص بموت شخص آخر ثم تسبب بإحياء شخص آخر كانت مثل هذه الكفارة لتلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) أي من كان سببا في رفع قتل الظلم عن شخص مظلوم كان كمن أحيا الناس جميعا ومن قتلها بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا هذا ما كتبه الله على بني إسرائيل كما قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ومن قتل نفسا بغير حق ثم أحيا نفسا أخرى غير مستحقة للقتل فإن الثانية لا تكون كفارة للأولى من حيث ما يجب في كفارة القتل أما من جهة الثواب فأمره إلى الله عز وجل.
***
علي المغربي من جمهورية مصر العربية يقول أريد تفسيراً لهذه الآية الكريمة قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يبين الله تعالى في هذه الآية أن الإنسان الذي لا يحكم بما أنزل الله فإنه يكون كافراً وذلك لأنه أعرض عن كتاب الله وعما أنزله على رسله إلى حكم طاغوت مخالف لشريعة الله ولكن هذا حسب النصوص مقيد بما إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله يعتقد أن الحكم أفضل من حكم الله عز وجل وأنفع للعباد وأولى بهم وأن حكم الله غير صالح بأن يحكم به بين العباد فإذا كان على هذا الوجه صار كافراً كفراً مخرجاً عن الملة أما إذا حكم بغير ما حكم الله اتباعاً لهواه أو قصداً للإضرار بالمحكوم عليه أو محاباةً للمحكوم له ونحو ذلك فإنه فإن كفره يكون كفراً دون كفر ولا يخرج بذلك من الملة لأنه لم يستبدل بحكم الله غيره زهداً في حكم الله ورغبةً عنه واعتقاداً أن غيره أصلح وإنما فعل هذا لأمرٍ في نفسه إما لمحاباة قريب أو لمضارة عدو أو ما أشبه ذلك المهم أن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل.
***
ما معنى قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) ومن هم الذين قالوا ذلك يا فضيلة الشيخ
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين قالوا ذلك هم النصارى قالوا إن الله ثالث ثلاثة، الله والمسيح بن مريم وأمه فكفَّرهم الله تعالى بذلك لأنهم جعلوا مع الله شريكاً والله سبحانه تعالى إله واحد كما قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
***
ما معنى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعجبني مثل هذا السؤال أعني السؤال عن آيات الله عز وجل وذلك لأن القرآن الكريم لم ينزل لمجرد التعبد بتلاوته بل نزل للتعبد بتلاوته وتدبر آياته وتفكر معانيه وللعمل به واسمع إلى قول الله عز وجل (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فيعجبني ويسرني أن يعتني المسلمون بكتاب الله عز وجل حفظاً وفهماً وعملاً وأنا أشكر الأخ السائل على هذا وأمثاله فنقول في جوابه قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) هذه الآية نزلت مخاطباً الله بها من كانوا في عهد النبوة الذي هو عهد التحليل والتحريم والإيجاب والحل فإنه ربما يسأل الإنسان في عهد النبوة عن شيء لم يحرم فيحرم لمسألته أو عن شيء ليس بواجب فيوجب من أجل مسألته فلهذا قال الله عز وجل تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فليسأل الإنسان عن كل ما أشكل عليه بشرط أن لا يكون هذا من التعمق في دين الله عز وجل فإن كان من التعمق والتنطع فإنه منهيٌ عنه لأن التعمق والتنطع لا يزيد الإنسان إلا شدة فلو أراد الإنسان أن يسأل عن تفاصيل ما جاء عن اليوم الآخر من الحساب والعقاب وغير ذلك وقال كيف يعاقب الإنسان هل هو قائم أو قاعد وما أشبه ذلك من الأسئلة التي ليست محمودة فهنا لا يسأل أما شيء مفيد ويريد أن يستفيد منه فليسأل عنه ولا ينهى عن السؤال.
***
يقول السائل مامعنى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يعتنوا بأنفسهم ويقوموا بما أوجب الله عليهم وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنه لا يضرهم من ضل ومما يلزمهم أي المؤمنين أن يدعوا إلى الله وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فإذا دعوا إلى الله أو أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر ولم يجبهم أحد إلى ذلك فإن ذلك لا يضرهم لأن هؤلاء الذين دعوا أو أمروا أو نهوا إذا ضلوا فإنما يضلون على أنفسهم كما قال الله تعالى (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) .
***
في القرآن الكريم مراجعة بين الله سبحانه وتعالى وعيسى بن مريم عندما سأله جل شأنه (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية هل هذه المراجعة حدثت في الدنيا قبل رفعه أم ستحدث يوم القيامة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر سياق الآيات أن هذه المراجعة يوم القيامة كما ستسمع (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ) الخ فقوله تعالى (هذا يوم يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) يدل على أن هذهالمراجعة التي كانت بين الله وبين عيسى بن مريم كانت في الآخرة.
***
الأنعام
من العراق محافظة نينوى المستمع يوسف جندي إبراهيم يقول ما تفسير الآية الكريمة (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) والآية الأخرى (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الأولى أن الله سبحانه وتعالى يخبر عنه نفسه بأنه رب المشرقين ورب المغربين والمراد بهما مشرقا الصيف والشتاء مشرق الصيف حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الشمال ومشرق الشتاء حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الجنوب ونص الله على ذلك لما في اختلافهما من المصالح العظيمة للخلق ولما في اختلافهما من الدلالة الواضحة على تمام قدرة الله سبحانه وتعالى وكمال رحمته وحكمته إذ لا أحد يقدر على أن يصرف الشمس من مشرق إلى مشرق ومن مغرب إلى مغرب إلا الله عز وجل ولهذا قال (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فأشار في تعقيبه هذه الآية السابقة إلى أن هذا من آلاء الله ونعمه العظيمة على عباده إذاً فالمراد بالمشرقين والمغربين مشرقا الشمس في الصيف والشتاء ومغرباها في الصيف والشتاء وقد قال الله تعالى في آية أخرى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فجمع المشرق والمغرب وقال تعالى في آية أخرى آية ثالثة (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ولا تناقض بين هذه الآيات الكريمة فالمراد بأية التثنية ما أسلفناه والمراد بآية الجمع أن مشارق الشمس ومغاربها باعتبار مشرقها ومغربها كل يوم لأن كل يوم لها مشرق ومغرب غير مشرقها ومغربها بالأمس أو أن المراد بالمشارق والمغارب مشارق النجوم والكواكب والشمس والقمر وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فالمراد بها الناحية أي أنه مالك كل شيء ورب كل شيء سواء أكان ذلك الشيء في المشرق أو في المغرب وليعلم أن كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون فيه تناقض لا فيما بينها من النصوص ولا فيما بينها وبين الواقع فإنْ توهم واهم التناقض أو التعارض فذلك إما لقصور في علمه أو نقص في فهمه أو تقصير في تدبره وتأمله وإلا فإن الحقيقة الواقعة أنه ليس بين نصوص الكتاب والسنة تناقض ولا بينها وبين الواقع أيضاً وأما قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) وهو الذي سأل عنه السائل أو هو الفقرة الثانية من سؤاله فمعناه أن هذه الشمس العظيمة التي جعلها الله تعالى سراجاً وهاجاًَ عظيم الحرارة عظيم النور هذه الشمس تجري بإذن الله عز وجل أي تسير لمستقر لها أي لغاية حددها الله عز وجل بعلمه ولهذا قال (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فهو لعزته تبارك وتعالى وقهره خلق هذه الشمس العظيمة وسخرها تجري بأمره وبمقتضى علمه وحكمته إلى حيث أراد الله عز وجل والمستقر هو مستقرها تحت العرش حيث أنها تذهب كل يوم إذا غربت وتسجد تحت العرش عرش الرحمن جل وعلا وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت وخرجت من مغربها وهذا هو ما يشير إليه قوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) فإن الناس إذا رأوها خرجت من المغرب آمنوا أجمعون ولكن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا كذلك تجري لمستقر آخر وهو منتهاها يوم القيامة الدال عليه قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الشمس تدور على الأرض وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن وهو الذي نعتقده وندين الله به حتى يأتينا دليل محسوس ظاهر يسوغ لنا أن نؤول ظاهر الآية أما ما يقال الآن بأن اختلاف الليل والنهار وطلوع الشمس وغروبها إنما هو باختلاف إنما هو بسبب دوران الأرض فإنه لا يحل لأحد أن يعدل عن ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل يكون حجة له أمام الله عز وجل يوم القيامة يسوغ له أن يصرف ظاهر القرآن والسنة إلى ما يطابق ذلك الشيء المدعى وما دمنا لم نر شيئاً محسوساً تطمئن إليه نفوسنا ونراه مسوغاً لنا جواز صرف القرآن عن ظاهره فإن الواجب علينا معشر المؤمنين أن نؤمن بظاهر القرآن والسنة وأن لا نلتفت إلى قول أحد خالفهما كائناً من كان وإلى الآن لم يتبين لي صحة ما ذهب إليه هؤلاء من أن اختلاف الليل والنهار في الشروق والغروب كان بسبب دوران الأرض وعليه فإن عقيدتي التي أدين الله بها أن الشمس هي التي يحصل بها اختلاف الليل والنهار وهي التي تدور على الأرض والله على كل شيء قدير ألم تر إلى قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) أو لم تر إلى قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أولم تر قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) ففي هذه الآيات المتعددة إضافة الطلوع والغروب وإضافة التزاور إلى الشمس وإضافة التواري أيضاً إلى الشمس فما بالنا نصرف هذه الأفعال المسندة إلى الشمس عن ظاهرها إلى قول لم يتبين لنا أنه واقع حساً إن هذا لا يجوز أبداً فيجب علينا أن نعتقد ما دل عليه ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل محسوس يستطيع الإنسان أن يواجه ربه به يوم القيامة ويقول يا رب إني رأيت الأمر المحسوس يخالف ظاهر ما خاطبتنا به وأنت أعلم وأحكم وكتابك منزه عن أن يناقض الواقع المحسوس فإذا تبين بالحس الواضح البين أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن فهمي يكون خطأ وأما ما دام الأمر هكذا مجرد أقاويل فإني أعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يخالف ظاهر الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور وخلاصة القول إن معنى قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) أن الله يخبر بأن الشمس تسير بإذن الله عز وجل في مستقر لها لغاية تنتهي إليها وهو يوم القيامة ولمستقر لها ولغاية تنتهي إليه يومياً وهو سجودها تحت العرش كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذر الذي رواه البخاري وغيره.
***
عبد العزيز الحاج الخرطوم السودان يقول ما معنى قوله تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية وما بعدها يبين الله تعالى فيها أصناف الأنعام التي أحلها الله لنا يبين سبحانه وتعالى أنها ثمانية أصناف
ذكر وأنثى من الضان، وذكر وأنثى من المعز، وذكر وأنثى من الإبل، وذكر وأنثى من البقر ثم يقول عز وجل (قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ) ويرد بذلك على المشركين الذين حرموا من هذه الأصناف ما شاءوا وأباحوا ما شاءوا فقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء وتشير الآية الكريمة إلى أنه لا يحل لأحد أن يحلل أو يحرم شيئاً إلابإذن الله عز وجل فإن التحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب كله إلى الله عز وجل ليس لأحد أن يتقدم فيه بين يدي الله ورسوله (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وبهذه المناسبة أود أن أذكر المستمع بقاعدتين مهمتين دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون عليهما
القاعدة الأولى أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية
والقاعدة الثانية أن الأصل فيما سوى ذلك الحل والإباحة حتى يقوم دليل على المنع
دليل القاعدة الأولى قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ودليل الثانية قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها) وقال صلى الله عليه وسلم (ما سكت عنه فهو عفو) وعلى هذا فكل من تعبد لله تعالى بشيء من الأقوال أو الأفعال أو العقائد ولم يكن له دليل من كتاب أو سنة فإنه تعبده هذا مردود عليه بل هو آثم به قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وكل من حرم شيئاً سوى العبادات فإننا نقول له هات الدليل على ما قلت وإلا فقد قلت ما ليس لك به علم.
***
أحمد سعيد سالمين من مكة المكرمة يقول ما معنى قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله يخبر بأنه حرم على الذين هادوا وهم اليهود حرم عليهم كل ذي ظفر من البهائم وذو الظفر قال أهل العلم هو الذي ليس فيه شق في يديه ولا في رجليه يكون يداه ورجلاه طبقة واحدة بمعنى أنه يكون كخف بعير مثلا غير مشقوق لأن الأرجل في البهائم منها ما هو مشقوق كالماعز والبقر ومنها ما هو غير مشقوق كالإبل فحرم عليهم كل ذي ظفر وحرم عليهم من البقر والغنم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم فإنه حلال لهم وبين الله سبحانه وتعالى أن هذا التحريم إنما هو ببغيهم وعدوانهم وأنهم لما بغوا واعتدوا حرم عليهم بعض الطيبات كما قال تعالى في آية أخرى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) وهو نوع من العقاب (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وهنا الضمير يعود إلى الله عز وجل وأن ما جاء في الذم للتعظيم وهو سبحانه وتعالى أصدق القائلين وأعدل الحاكمين ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة أن الإنسان بمعصيته لربه وببغيه قد يحرم بعض الطيبات إما شرعا كما حصل لليهود وإما قدرا فإن الإنسان قد يصاب بآفات تمنعه من تناول بعض الطيبات بسبب عدوانه وبغيه وكذلك أيضا قد يحدث الله تعالى الجدب والقحط وقلة الثمار بسبب المعاصي والذنوب فرزق الله عز وجل والطيبات التي أحلها للعباد إذا بغوا واعتدوا فقد يحرمونها إما شرعا وإما كونا وقدرا لكن لو أن الناس فعلوا ما أمر به الله ورسوله وقاموا بطاعة ربهم فإن الله يقول (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) نسأل الله تعالى أن يحقق للمسلمين الإيمان والتقوى.
فضيلة الشيخ: هذا التحريم هل هو خاص باليهود فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم خاص باليهود لقوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا) لم ينسخ هذا إلى يوم القيامة. لكن الشريعة كلها شريعة اليهود وشريعة النصارى وكل الشرائع نسخت بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ما داموا متمسكين بدينهم وهم معتقدون أنهم على دينهم فإن هذا محرم عليهم.
***
عبده حسن من اليمن يقول في الآية الكريمة في سورة الأنعام (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي سورة الإسراء (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ماذا يفيد الاختلاف في هذا الترتيب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاختلاف في هذا التعبير مبنيٌ على اختلاف الحالين ففي آية الأنعام يقول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) يعين من فقر يعني إذا كنتم فقراء فلا تقتلوا أولادكم ثم قال (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فبدأ بالآباء لأنهم فقراء فبدأ بذكر رزقهم قبل ذكر رزق الأولاد المقتولين أما في الآية الأخرى آية الإسراء (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خشية إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) فلأن الآباء القاتلين هنا ليسوا فقراء بل هم أغنياء لكن يخشون الفقر فكان الأنسب أن يبدأ بذكر رزق الأولاد قبل ذكر رزق الآباء لأن الآباء رزقهم موجود فقال (نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) .
***
سورة الأعراف
مَن هم هؤلاء القوم الذين أرسل الله عليهم هذا العقاب المذكور في هذه الآية (فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء فرعون وقومه أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم أما الطوفان فهو الماء الذي يغرق زروعهم وأما الجراد فهو معروف يرسله الله تعالى فيأكل الزرع وهو أخضر وأما القمل فإنه دودة تأكل الحب بعد أن يدخر وأما الدم فالصواب فيه أنه نزيف يخرج من أبدانهم وأما الضفادع فإنها ذلك الحيوان المشهور المعروف يفسد عليهم المياه فيكون الله تعالى قد أصابهم بطعامهم وشرابهم بل حتى بمادة حياتهم وهي الدم وهذا والعياذ بالله من العقوبات التي تصيبهم بل التي أصابتهم حتى لجؤُوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام وطلبوا منه أن يسأل الله تعالى أن يرفع ذلك عنهم.
***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول ما الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله سبحانه وتعالى حاكم على عباده شرعاً وقدراً وهو سبحانه وتعالى ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله سبحانه وتعالى أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلم منه ومن الحكم ما لا نعلم منها شيئاً لأن الله تعالى يقول (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة (قالت كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله عز وجل والرضا بأحكامه ثم نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) هذا إبطال هذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله عز وجل وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم به أو لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى ويكون في ذلك إرشاد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضاً لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلاً من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله عز وجل إيماناً صادقاً فزادهم الله تعالى هدى لأن الله عز وجل إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تقواهم) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علماًَ وتوفيقاً وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً والله عز وجل يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله عز وجل تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر هكذا لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة هؤلاء القوم في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله عز وجل من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل سبحانه وتعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله عز وجل بكون من اطلع عليهم يولي فراراً ويملأ منهم رعباً والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله عز وجل فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله عز وجل والقيام بطاعته.
وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضاً عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله عز وجل حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعاً على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكاً في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذه الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيه أيضاًَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً) وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلاً إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن منكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضاً دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله عز وجل.
***
عبده علي يقول ما تفسير قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير هذه الآية الكريمة أن الله أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتلو على الناس قصة هذا الرجل الذي آتاه الله آياته أي علمه أحكام شريعته وبينها له ولكنه والعياذ بالله انسلخ منها وتركها فتبعه الشيطان فأغواه قال الله عز وجل (وَلَوْ شيءنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) أي ولو شيءنا لرفعناه بآياتنا فجعلناه يعمل بها ويقوم بواجبها فإذا فعل ذلك رفعه الله تعالى بها ولكنه أي هذا الذي أتاه الله الآيات ليس أهلاً لأن يرفعه الله بها لأنه أخلد إلى الأرض ومال إليها وصار أكبر همه أن ينال حظوظه من الدنيا سواء كان يريد الجاه أو المال أو المرتبة أو غير ذلك واتبع هواه فيما أخلد إليه فمثله كمثل الكلب يلهث دائماً سواء حملت عليه أم لم تحمل فمن هذا الرجل الذي له هذا المثل قال الله تعالى (ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فهذا هو الكافر الذي آتاه الله تعالى العلم وبين له الشرع على أيدي رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ولكنه أبى إلا أن يتبع هواه ويخلد إلى الأرض فصار هذا مآله نسأل الله العافية.
***
السائل أبو عبد الله يقول في قصة آدم وحواء المذكورة في تفسير آية الأعراف قال بعض العلماء إنها قصة باطلة لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكرها في كتاب التوحيد فما رأيكم في هذا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القصة غير صحيحة وقد بينا في كتابنا شرح كتاب التوحيد الأوجه الدالة على أنها غير صحيحة ولا ندري لماذا وضعها الشيخ رحمه الله في كتابه.
***
الأنفال
أم فيصل الشمري من الرياض تقول ما تفسير قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ) الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بهذا الكفار كما قال عز وجل في آية أخرى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال الله تعالى عنهم (إِنْ هُمْ إِلَاّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) فهم صم لا يسمعون الحق سماع انتفاع به بكم لا يتكلمون بالحق عمي لا يرون الحق فهؤلاء شر الدواب عند الله عز وجل وهم الكفار عموما حتى اليهود والنصارى بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يدخلون في هذه الآية (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) .
***
الأخت أم عبد الله تقول ما معنى قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه فيريد الإنسان شيئاً ويعزم عليه وإذا به ينتقض عزمه ويتغير اتجاهه فيكون الله تعالى حائلاً بين المرء وقلبه وفي هذا تحذيرٌ للعباد من أن يحول الله تعالى بين العبد وقلبه فيزل ويهلك فعلى المرء أن يراقب قلبه دائماً وينظر ما هو عليه حتى لا يزل ويهلك.
***
التوبة
ما حكم البسملة في أول سورة التوبة ولماذا لم تكتب فيها أفيدونا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البسملة في أول سورة التوبة غير مشروعة لأن الصحابة رضي الله عنهم حين كتبوا المصحف لم يكتبوها وهذا يدل على أنها لم تنزل أعني البسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة ولهذا عدل الصحابة رضي الله عنهم عنها ولم يكتبوها.
***
صالح حمزة من السودان يقول في رسالته لماذا لم تفتتح سورة التوبة بالبسملة مثل جميع السور في القرآن الكريم وما تفسير قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم تفتتح هذه السورة بالبسملة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان محفوظاً وباقياً وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنه أشكل عليهم هل سورة براءة بقية سورة الأنفال أو أنها سورة مستقلة وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ورود البسملة بينها وبين الأنفال فلهذا جعلوا بينهما فاصلاً وسموا كل واحدة منهما باسمها الخاص ولم يجعلوا بينهما بسملة وكان هذا من الحكمة لأنهم لو كتبوا البسملة لكان ذلك واضحاً ولو تيقن الصحابة رضي الله عنهم أنهما سورة واحدة لما جعلوا بينهما فاصلاً وكأنهم رضي الله عنهم رأوا أن يجعلوا هذا الفاصل دون أن يضعوا بسم الله الرحمن الرحيم وأما قوله ما معنى قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) فالمعنى أن هؤلاء الذين جرى بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد معفون من قتالهم مبرؤون منه ولهذا قال (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وهذا إذا كان بين المسلمين والمشركين عهد دعت الحاجة إلى عقده فإنه يجب على المسلمين ألا يتعرضوا للكفار في هذا العهد الذي جرى بينهم.
***
أبو بكر حبيب الحاتمي من الصومال بينسور يقول لماذا لم تبتدأ سورة التوبة بالبسملة كغيرها من السور فإننا إذا أردنا قراءتها نقول قبل البدء فيها أعوذ بالله من النار ومن شر الكفار ومن غضب الجبار والعزة لله ولرسوله ثم نبدأ في السورة فهل هذا مشروع أم مخالف
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي ذكرت عند بداية سورة براءة هذا مبتدع لا أصل له ولا يجوز للإنسان أن يبتدئ به السورة وقد رأيت وأنا صغير هذا مكتوبا على هامش بعض المصاحف والواجب لمن اطلع عليه أن يطمسه وأن يزيله لأن هذا من البدع الذي لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام وأما بالنسبة لشق السؤال الأول وهو أنه لم تبتدأ هذه السورة بالبسملة فلأنها هكذا جاءت وأنه لو كانت البسملة منزلة فيها لكانت محفوظة ولكانت موجودة لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقد أشكل على الصحابة رضي الله عنهم فيما يروى عن عثمان هل هي سورة مستقلة أم آخر سورة الأنفال فوضعوا بينهما فاصلاً بدون بسملة ووضع الفاصل هنا حكم بين حكمين لأنه لو ثبت أنه من بقية الأنفال لم يكن هناك فاصل ولا بسملة ولو ثبت أنها مستقلة لكان بالبسملة والفاصل فلما لم يثبت هذا ولا هذا جعلوا فاصلاً وكان هذا من الاجتهادات الموافقة للصواب فإني أعلم علم اليقين أن لو كانت البسملة نازلة أمام هذه السورة لكانت باقية بلا شك لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وعلى هذا فلا يشرع للإنسان إذا ابتدأ بسورة براءة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم.
***
هاشم يوسف مصري يقول هل الأشهر الحرم ما زالت حرماً عند الله تعالى أم تم نسخها وما الدليل على ذلك
فأجاب رحمه الله تعالى: الأشهر الحرم أربعة كما قال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وهي ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب هذه الأشهر الحرم لها مزيد عناية في تجنب الظلم سواء كان ظلماً فيما بين الإنسان وبين ربه أو ظلماً فيما بينه وبين الخلق ولهذا قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) واختلف العلماء رحمهم الله في القتال في هذه الأربعة الحرم هل هو باقٍ تحريمه أم منسوخ فجمهور أهل العلم على أنه منسوخ لأن الله تعالى أمر بقتال المشركين كافة على سبيل العموم وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن التحريم أي تحريم القتال في هذه الأشهر باق وأنه لا يجوز لنا أن نبتدئ الكفار بالقتال فيها لكن يجوز لنا الاستمرار في القتال وإن دخلت الأشهر الحرم وكذلك يجوز لنا قتالهم إذا بدؤونا هم بالقتال في هذه الأشهر فالمسألة إذاً خلافية هل يجوز ابتداء القتال فيها أي في هذه الأشهر الأربعة الحرم أو لا يجوز والأمر في هذا موكول إلى ولاة الأمور الذين يدبرون أمور الحرب والجهاد
***
من الجزائر يقول ما هو النسيء في قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) النسيء هو أن الأربعة الأشهر الحرم يحرم فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا القتال في المحرم وهم يعتقدون أنه حرام قالوا نؤجل تحريم هذا الشهر أعني شهر المحرم إلى صفر فيؤجلونه ويقاتلون في المحرم ويقولون نحن حرمنا بدله صفر وهذا تأخيرٌ للتحريم من شهر محرم إلى شهر صفر وقد قال الله تعالى عنه زيادة في الكفر لأنه تغييرٌ لما حرم الله عز وجل ونقلٌ للتحريم من زمن إلى زمنٍ آخر ولهذا قال الله تعالى إنه (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) فيقولون نحن حرمنا القتال في أربعة أشهر من السنة (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يحلوا القتال في المحرم مثلاً.
***
من اليمن توفيق عبد الواسع ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النسيء بمعنى التأخير كانت العرب في جاهليتها لتلاعبها كانت أحيانا تجعل المحرم صفرا وصفرا محرما وشهر المحرم معروف أنه شهر لا يجوز فيه القتال فيكيفون هذا على رغبتهم إن كانت رغبتهم أن يقاتلوا في المحرم قاتلوا وأخروا تحريمه إلى صفر فأخروا التحريم إلى شهر آخر بعده يقول عز وجل إن هذا زيادة في الكفر (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يأتوا بشهر واحد محرم فيحلوا ما حرم الله وفي الآية الكريمة دليل على أن الكفر يزيد وينقص كالإيمان يزيد وينقص فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والكفر يزيد بالسيئات الزائدة على أصل الكفر ولهذا يعاقب الكافر عليها أي على السيئات الزائدة على الكفر كما قال الله تبارك وتعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنْ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) يعني يقولون لهم ما أدخلكم في النار (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصلىنَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) وهذا دليل على أن لتركهم الصلاة وإطعام المسكين أثرا في تعذيبهم في سقر.
***
عويض عميش العتيبي من الطائف يقول ما معنى قول الله تعالى في سورة التوبة (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) النسيء معناه التأخير وكانوا في الجاهلية يعتقدون تحريم شهر المحرم لأنه أحد الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في قوله (إ نَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهي ثلاثة متوالية وشهر منفرد فالمتوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والمنفرد هو شهر رجب فكانوا في الجاهلية يؤخرون شهر المحرم يحلونه ويجعلون التحريم في شهر صفر ويقولون نحن جعلنا أربعة أشهر في السنة محرمة فوافقنا ما حرم الله ولكنهم في الحقيقة أحلوا ما حرم الله تعالى وهو شهر المحرم وتأخيرهم له إلى صفر هذا ضلال منهم وزيادة في الكفر ولهذا قال الله عز وجل (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) .
***
سوداني معار بالجمهورية العربية اليمنية يقول في سؤاله الأول أخرجت زكاة مالي البقر وأعطيتها لزوجتي باعتبار أنها زكاة وعلى حسب ظني أنها تدخل في نطاق العاملين عليها بمعنى أنها تعينني في رعاية تلك الأبقار وتعد الطعام للعمال الذين يقومون برعاية وسقي تلك الأبقار فهل يصح ذلك وإذا كان غير صحيح فهل علي أن أخرج تلك الزكاة التي مر عليها أربع سنوات مرة أخرى وما معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) أي على الزكاة والمراد بذلك الطائفة الذين تقيمهم الدولة لقبض الزكاة ممن تجب عليهم وصرفها في مستحقيها هؤلاء هم العاملون عليها وليس المراد بالعاملين عليها العاملين على المال الزكوي كما ظنه هذا السائل وعلى هذا فإخراج زكاته إلى زوجته بهذه النية لا يجزئه والواجب عليه أن يعيد ما أخرجه بمعنى أن يزكي ماله عن السنة التي أخرج الزكاة فيها إلى زوجته بهذه النية فإذا كان قد أعطاها بقرة أو بقرتين فإنه يخرج الآن بقرة أو بقرتين المهم أنه يضمن الزكاة أو يضمن ما دفعه لامرأته فيخرجه الآن وإني أنصح هذا الرجل وغيره وأقول إن الواجب على المسلم أن يعلم أحكام الله تعالى في عبادته قبل أن يفعلها ليعبد الله تعالى على بصيرة أما كونه يتعبد لله تعالى بالجهل فإن هذا نقص عظيم وربما يفعل شيئاً يحبط العمل وهو لا يدري وربما يترك شيئاً لا بد من وجوده في العمل وهو لا يدري فالواجب على المرء أن يتعلم من أحكام دينه ما تدعو الحاجة إليه والله المستعان.
***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ) وقوله تعالى (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) من هم الثلاثة الذين خلفوا وما سبب نزول هذه الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فإن هذه الآية يعد الله سبحانه وتعالى فيها أنه سيري هؤلاء المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيريهم آياته أي العلامات الدالة على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته والسين هنا للتنفيس والتحقيق وهو وقوع الشيء عن قرب وقوله (فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) الآفاق جمع أفق وهي النواحي سيريهم الله عز وجل الآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في الآفاق في فتحه للبلاد وإسلام أهلها وربما تكون الآفاق هنا أوسع من الفتوحات فيكون كل ما يظهر من الأمور الأفقية شاهداً لما جاء به القرآن فإنه يكون دليلاً على صدق رسالة النبي الله صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته وقوله (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي في أنفس هؤلاء المكذبين حيث تكون الدولة عليهم فيغلبون وتكون الغلبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (حتى يتبين لهم أنه الحق) أي حتى يظهر ويبين أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يعني أو لم تكف شهادة الله تعالى على كل شيء عن كل آية فإن شهادة الله على الشيء أعظم من شهادة غيره وكفى بالله شهيدا وشهادة الله تعالى لرسوله بالحق نوعان شهادة قولية وشهادة فعلية.
أما الشهادة القولية فإن الله تعالى قال في القرآن الكريم (لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) فهذه شهادة قولية بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الشهادة الفعلية فهي تمكين الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض ونصره إياه وإدالته على أعدائه فإنه إن كان صلى الله عليه وسلم غير صادق فيما جاء به من الرسالة والنبوة ما مكن الله له لأن الله تعالى لا يمكن أن يمكن لظالم في أرضه كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ولهذا كل من ادعى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى لا يمكن له ولا ينصره بل يخذله ويبين كذبه حتى يظهر للناس أمره وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم وأما الآية الثانية وهي قول السائل من هؤلاء الثلاثة الذين خلفوا الثلاثة هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع هؤلاء الثلاثة تخلفوا عن غزوة تبوك التي قادها النبي عليه الصلاة والسلام وكانت في وقت حار والثمار قد طابت والظل محبوب للنفوس ولهذا بين النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة أنه سيذهب إلى كذا وكذا فبين للناس جهة قصده مع أنه كان من عادته إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها عليه الصلاة والسلام لكن لما كانت هذه الغزوة بعيدة المسافة وكان الذين يقابلون المسلمين بها جمع كثير من الروم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم وجهة قصده حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، تخلف هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم عن هذه الغزوة بدون عذر فأنزل الله تعالى فيهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وكان من قصتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة راجعاً من تبوك جاء إليه المنافقون يعتذرون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله عز وجل فيستغفر لهم حين يقولون إن لنا عذراً بكذا وبكذا وبكذا فيستغفر لهم أما كعب بن مالك وصاحباه رضي الله عنهم فقد صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالخبر الصحيح بأنهم تخلفوا بلا عذر فأرجأ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى يحكم الله فيهم وأمر الناس بهجرهم وعدم إيوائهم وعدم الكلام معهم حتى إن كعب بن مالك رضي الله عنه جاء إلى أبي قتادة وكان ابن عمه فتسور عليه حائطه وسلم عليه ولكنه لم يرد عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهجرهم وكان هو أي كعب يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه يقول فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا مع كمال حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولما بقوا أربعين ليلة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتزلوا نساءهم كل هذا مبالغة في هجرهم وتعزيراً عن تخلفهم حتى يقول الله تعالى في أمرهم ما يريد وكان في هذه القصة التي بلغت منهم هذا المبلغ العظيم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أي أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه حتى إن كعب بن مالك يقول تنكرت لي الأرض فلم تكن الأرض التي أنا أعرفها وتنكر له الناس لا يؤوونه ولا يسلمون عليه ولكن بعد أن مضى خمسون ليلة أنزل الله تعالى الفرج بتوبته عليهم فلما صلى النبي عليه الصلاة والسلام الصبح أخبر الناس أن الله قد أنزل توبتهم فزال هذا الغم الشديد والكرب العظيم الذي أصابهم في هذه المحنة وكانت هذه المحنة محنة عظيمة في عاقبتها حيث صبروا على ما قضى به النبي صلى لله عليه وسلم من هجرهم وصبروا على هذه النكبة العظيمة مع أن كعب بن مالك رضي الله عنه أتاه كتاب من ملك غسان يقول فيه إنه قد بلغنا أن صاحبك قد هجرك أو قد قلاك يعني النبي صلى الله عليه وسلم فالحق بنا نواسك يعني ائت إلينا نواسك ونجعلك مثلنا ولكنه رضي الله عنه لقوة إيمانه لما أتاه هذا الكتاب عمد إلى التنور فسجره به وأحرقه وصبر وإلا فإن الفرصة مواتية له لو كان يريد الدنيا لكنه يريد الآخرة فكانت النتيجة هذه النتيجة العظيمة التي تعتبر من أعظم المفاخر أنزل الله فيهم كتاباً يتلى إلى يوم القيامة (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ومعنى قوله (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني خلفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأرجأ أمرهم فلم يقض فيهم بشيء سوى أن أمر بهجرهم وليس معنى (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني تخلفوا عن الغزوة ولو كان هذا هو المراد لقال الله عز وجل وعلى الثلاثة الذين تخلفوا لكنه قال (الَّذِينَ خُلِّفُوا) أي خلف النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم وأرجأه حتى يقضي الله فيه ما أراد وفي قوله سبحانه وتعالى (أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) دليل على كثرة توبة الله عز وجل على عباده لأن التواب صيغة مبالغة تعني الكثرة وعلى أنه عز وجل يحب التوبة على عباده وهذا ظاهر في النصوص من الكتاب والسنة كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته) وذكر صلى الله عليه وسلم (أن هذا الرجل أضاع راحلته في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فطلبها فلم يجدها فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت لأنه أيس من الحياة فاستيقظ وإذا بخطام ناقته متعلقاً بالشجرة فأخذ بخطامها وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) فإذا كان الله عز وجل يحب التوبة من عبده فهو كذلك يحب التوبة على عبده والعبد يتوب إلى الله والله عز وجل يتوب على العبد نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى إخواننا المسلمين.
***
سورة يونس
من العراق صفوان خليل سعيد محافظة نينوى ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَاّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخبر الله أن الناس كانوا أمة واحدة أي على دين واحد وهو دين الفطرة ولكن اختلفوا حين طال بهم الزمن فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فانقسم الناس في قبول هؤلاء الرسل قسمين منهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله عز وجل لقضى بينهم في الدنيا فأهلك الكافرين وأبقى المؤمنين وصارت الدولة لهم وحينئذ تبقى الأمة واحدة على الإيمان فتفوت الحكمة العظيمة من اختلاف الأمة وانقسامها إلى مؤمن وكافر وهذه هي الكلمة التي سبقت من الله عز وجل أن يبقى الناس على قسمين مؤمن وكافر حتى يكون للنار أهلها وللجنة أهلها.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية جزء من آية كريمة ذكرها الله عز وجل في سورة يونس في قوله (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ففي هذه الآية الكريمة يضرب الله مثل الدنيا وما فيها من الزخارف والزهوة والزينة وغيرها يضربه الله بماء أنزله من السماء إلى أرض يابسة هامدة فاختلط به نبات الأرض أي أنبتت هذه الأرض من كل زوج بهيج ومن كل صنف واختلط النبات بعضه ببعض لوفرته ونموه مما يأكل الناس والأنعام أي من طعام الآدميين وطعام البهائم والثمار التي يأكلها الآدميون والزروع هكذا حتى أصبحت بهجة للناظرين ولما أخذت الأرض زخرفها وازينت وطابت ثمارها ونضجت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وأنهم سوف يجنونها عن قرب وبكل سهولة أتاها أمر الله تعالى إما ليلاً وإما نهاراً رياح عاصفة أو ثلوج أو صواعق أو غير ذلك مما أهلكها ودمرها فكانت حصيدا كأن لم تغن بالأمس أي كأن لم تكن موجودة على ذلك الوجه البهيج الذي يسر الناظر أصبحت حصيداً هامداً هكذا الحياة الدنيا تزهو لصاحبها وتتطور ويصبح صاحبها كأنه لن يموت كأنه سيبقى فيها لما حصل له من الغرور في هذه الدنيا ثم بعد ذلك يفجؤه الموت فإذا هو ذاهب وإذا المال مبعثر في الورثة وكل ما كان كأن لم يكن والله عز وجل إنما ضرب هذا المثل لئلا نغتر بالدنيا لأجل أن نحترز منها ومن غرورها وألا نقدمها على الآخرة لأنها فانية زائلة لا خير فيها إلا ما كان عوناً على طاعة الله سبحانه وتعالى ولهذا أعقب ذلك المثل بقوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) أي إلى الجنة التي هي دار السلام السالمة من كل نقص وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفيها النعيم المقيم التي من دخلها ينعم ولا يبأس ويصح ولا يمرض ويحيا ولا يموت وهم في سرور دائم وفي نعيم مقيم فانظر أيها الإنسان وقارن بين دار السلام السالمة من كل آفة وبين الدنيا التي مهما تطورت وازدهرت وازدانت فإنها عند التمام يكون الفناء واعتبر يا أخي ببقائك في هذه الدنيا فإن عمل الآخرة أقل وأهون وأكثر فائدة من عمل الدنيا وأنا أضرب لك مثلاً واحداً يكفيك عن غيره من الأمثال أنفقت درهماً في سبيل الله درهماً واحداً في سبيل الله عز وجل ابتغاء مرضاته هذا الدرهم يضاعف إلى عشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الدرهم يكون عشرة والعشرة تكون إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة لا يحصيها إلا الله عز وجل وأنت لم تعمل عملاً شاقاً غاية ما هنالك أنك أوصلت هذا الدرهم إلى مستحقيه ابتغاء وجه الله لكن انظر إلى الدنيا تجوب الفيافي وتضرب الأخطار من أجل أن تربح خمسة دراهم إلى العشرة أو أقل من خمسة دراهم في العشرة مع المشقة والعناء وربما لا تربح أيضاً أي العملين أهون وأي العملين أكثر فائدة وأعظم نتيجة وأضمن وأسلم أعتقد أن الجواب هو أن عمل الآخرة أهون وأسهل وأعظم نتيجة وأوثق كذلك تصلى في بيتك يكتب لك أجر وتصلى في المسجد يضاعف لك الأجر فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة عمل يسير والربح كثير والناس الآن لو قيل لهم أنكم تربحون الواحد بخمسة لذهب الإنسان إلى بلاد بعيدة من أجل هذا الربح القليل الذي قد يكون مضموناًَ وقد يكون غير مضمون لكنه لا يذهب إلى المسجد إلا من هدى الله عز وجل مع أن الربح مضمون وكثير وبهذا تتبين مناسبة قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بعد ذكر مثل الحياة الدنيا وما تؤول إليه وتأمل قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) حيث عمم في الدعوة بأن الله تعالى يدعو كل أحد إلى دار السلام ولكنه في الهداية قال (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فليس كل من سمع دعوة الله أجاب الدعوة ولكن يجيبها من وفقه الله عز وجل وهداه إلى صراط مستقيم اللهم نسألك أن تهدينا وإخواننا المسلمين صراطك المستقيم.
***
من أثيوبيا أخوكم في الله محمد زين الدين خليل يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) وأيضاً الآية (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَاّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات لا تتعارض فإن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وقال الله عز وجل (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فلابد لكل أمة من رسول ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله عز وجل ويبشرها برحمته لمن أطاع وأما قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) فالمراد أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيراً قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل حيث قال عليه الصلاة والسلام أعني إبراهيم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فلم يبعث الله عز وجل نذيراً إلى العرب إلا محمداً صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى نذيراً ولكافة الناس كما قال الله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْييِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
***
السائل يعقوب بابكر عمر من السودان له سؤال عن آية كريمة يقول في سؤاله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) من هم هؤلاء الأولياء وما هي صفاتهم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الأولياء تكفل الله عز وجل ببيانهم فقال (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وهذه أوصافهم من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً وليست الولاية بطول الأكمام ولا بكبر العمامة ولا بطول المسواك الولاية بالإيمان والتقوى فمتى عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذين لم يجرب عليهم معاصٍ لا بترك واجب ولا بفعل محرم مع الاستقامة عرفنا أنهم من أولياء الله ولكن هل أولياء الله ينفعون الإنسان بعد موته -أي- بعد موت الولي الجواب لا. لا ينفعونه ولهذا لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى قبر من يقال إنه ولي ويقول يا سيدي أنا فقير فأغنني إن قال هذا كفر وأشرك بالله ولا كما يقال تأتي المرأة وتأخذ تراباً من قبر من يقال إنه ولي ثم تجعله في ماءٍ وتشربه من أجل أن يأتيها الولد كل هذا لا حقيقة له ولا صحة له ولا يجوز والولي لا ينفع إلا نفسه فقط في الحياة ربما يدعو للشخص ويستجاب له أو لا يستجاب أما بعد الموت فلا ينفع أحداً.
***
أبو إبراهيم يقول ما معنى قوله تعالى (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى اجعلوا بيوتكم مكانا تستقبلون فيه الناس لأن في ذلك تأليفا بالناس وفيه أيضا كرم وخير فالمعنى اجعلوها قبلة يعني قبلة للناس يأتمون يأتون إليها ويشهدون ما أنتم عليه من الحق.
***
سورة هود
محمد زين الدين من أثيوبيا ما هو التوفيق بين الآيتين الكريمتين في سورة هود أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) والآية الأخرى في سورة الإسراء (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين الآيتين هو أن نقول إن آية هود مقيدة بآية الإسراء فقوله تعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) أي إذا شيءنا وتكون الآية هذه مقيدة بقوله تعالى (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) وحينئذ ليس بين الآيتين تعارض وبالمناسبة أقول إن كل نصين صحيحين لا يمكن التعارض بينهما فالنصان من كتاب الله لا يمكن التعارض بينهما والنصان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه لا يمكن التعارض بينهما فإذا وقع مايوهم في التعارض فإما أن يكون الرجل الذي ظن التعارض واهماً وإما أن يكون جاهلاً إما أن يكون واهماً حيث ظن حسب فهمه أن بينهما تعارضاً وليس بينهما تعارض أو يكون جاهلاً بحيث يكون بينهما تعارض لكن كان هناك تخصيص أو تقييد لا يفهمه هو أولا يعلمه فيكون بذلك جاهلاً أما أن يقع التعارض حقيقة بين نصين من كتاب الله أو نصين من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه فهذا أمر لا يمكن أبداً لأن كلام الله كله حق وكلام النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه كله حق والحقان لا يمكن أن يتعارضا لأن فرض تعارضهما يستلزم أن يكون أحدهما حقاً والثاني باطلاً وهذا منتفٍ في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وحينئذ إذا ظننت التعارض بين نصين فعليك أن تتدبر النصين فإن ظهر لك الجمع فذاك والا فاسأل أهل العلم لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإن لم يتيسر لك ذلك فعليك أن تتوقف وتقول سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فإن هذا هو شان الراسخين في العلم قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
***
صالح علوش حسن من العراق نينوى يقول هل معنى قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أنه أمر لنوح عليه السلام أن يحمل معه من كل كائن حي زوجين للمحافظة على بقاء الكائنات الحية على الأرض إذا كان الأمر كذلك فلماذا نرى أن الكثير من الكائنات الحية قد انقرضت والبعض الآخر في طريقه للانقراض
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الآية الكريمة كما ذكر السائل أن الله أمره أن يحمل فيها من كل يعني من كل شيء من الأشياء زوجين اثنين وذلك لبقاء هذا النوع ولا يلزم أن يبقى هذا النوع إلى يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى قد يقدر عليه انقراضاً أو قلة أو انقراضاً في بعض الأماكن ووجوداً في بعض الأماكن يعني بقاءً في بعض الأماكن وهذا لا ينافي الآية الكريمة لأن الله تعالى لم يذكر فيها أن هذا المحمول في السفينة سيبقى نوعه إلى يوم القيامة حتى نقول إن هذا يخالف الواقع بل إنه شفق لبقاء هذا النوع المحمول إلى أن يأذن الله تعالى بانقراضه.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن الله تعالى قسم الناس في يوم القيامة قسمين قال الله تعالى (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَاّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ومعنى الآية أن هؤلاء الذين شقوا وهم الكفار فإنهم مخلدون في نار جهنم التخليد الأبدي كما قال الله تبارك وتعالى في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) وقوال تعالى في سورة الأحزاب (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) وقال تعالى في سورة الجن (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) وقوله (إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني إلا ما شاء ربك مما زاد على دوام السماوات والأرض لأن دوام السماوات والأرض له أجل محدود وليس أبديا وأما أهل النار فإنهم خالدون فيها تخليدا مؤبدا وأما قوله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فهو كالجواب عن سؤال يقال فيه لماذا عذَّب الله تعالى أهل النار بالخلود فيها فقال (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فلا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل.
***
سورة يوسف
من جيزان ق. ن. م. يقول في الآية الكريمة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما هو البرهان في هذه الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البرهان ما جعله الله في قلبه من إنكار هذا الفعل وكثيراً ما يهم الإنسان بالشيء فإذا لم يبق إلا التنفيذ فتح الله له نورا وتراجع وهذا هو الذي حصل ليوسف عليه الصلاة والسلام أن إيمانه الذي في قلبه وهو البرهان من الله عز وجل منعه أن ينفذ ما أمرت به سيدته وهذا غاية ما يكون من العفة امرأة تكبره مرتبةً في هذا الموضع امرأة جميلة امرأة أوصدت جميع الأبواب وخلت به خلوةً تامة ودعته لنفسها وامتنع هذا غاية ما يكون من العفة وانظر إلى قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عنها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم توسل الأول ببر والديه وتوسل الثاني بأمانته وأداء الأمانة توسل الثالث بالعفة لأنه كان له بنت عم وكان يحبها حباً شديداً وكان يراودها عن نفسها فتأبى فألمت بها سنةٌ من السنين واحتاجت وأتت إليه تطلبه المؤونة فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ولضرورتها وافقت فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فغلبته التقوى وقام عنها وهي أحب الناس إليه انظر كمال العفة الأمور أمامه متوفرة والإنسان في أشد ما يكون شوقا للفعل لأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته لكن لما ذكرته بالله عز وجل قام وهي أحب الناس إليه فيوسف عليه الصلاة والسلام توفرت له جميع الوسائل لكن ما في قلبه من الإيمان والعفة والعصمة عن سفاسف الأمور أوجب له أن يدعها.
***
من العراق يقول في سورة يوسف يقول الله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما معنى البرهان هنا وما المقصود منه
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وبرهان ربه الذي حال بينه وبين تنفيذ ما حصل فيه الهم هو الإيمان والخشية والخوف من الله عز وجل فإن الإنسان يحميه إيمانه بالله عز وجل وخوفه منه وخشيته له يحميه أن يقع في أمر حرمه الله عز وجل وكل من كان أعلم بالله كان منه أخوف وأشد منه خشية قال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فهو عليه الصلاة والسلام رأى برهان الله عز وجل وهو النور الذي قذفه الله تعالى من الإيمان والخشية فمنعه ذلك من حصول ما كان فيه الهم وأما القول بأن والده تراءى له في مخيلته يحذره من ذلك فهو قول ضعيف لا تدل عليه الآية وما ذكرناه هو المتعين واللائق في مقام يوسف عليه الصلاة والسلام.
***
يقول السائل ورد في سورة يوسف اسم العزيز فمن هو العزيز هل هو فرعون
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا العزيز ليس هو فرعون ويوسف عليه الصلاة والسلام قبل فرعون بأزمان ولهذا ذكَّر المؤمن من آلِ فرعون آلَ فرعون بمجيء يوسف أو برسالة يوسف حيث قال لهم (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ) ويوسف بينه وبين موسى أزمان كثيرة فليس العزيز هنا فرعون وإنما العزيز ملك من ملوك مصر في ذلك الزمن.
***
سورة الرعد
السؤال التالي للمستمع إبراهيم محمد يونس ملة من العراق نينوى يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) من سورة الرحمن وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الآية الأولى معناها أن الله سبحانه وتعالى يخبر إخباراً يَعِد به من خاف مقام ربه بأن له جنتين وهاتان الجنتان بين الله تعالى ما فيهما من النعيم المقيم من المأكول والمشروب والمنكوح ترغيباً لخوف الإنسان مقام ربه أي لخوفه من المقام الذي يقف فيه بين يدي الله عز وجل هذا الخوف الذي يوجب له الاستقامة على دين الله وعبادة الله تعالى حق عبادته لأن من خاف الله عز وجل راقبه وحذر من معاصيه والتزم بطاعته وثواب من أطاع الله سبحانه وتعالى وأتقاه ثوابه الجنة كما قال الله تبارك وتعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) إلى آخر ما ذكر الله من أوصافهم وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فمعناها أن الإنسان إذا استقام على طاعة الله فإن الله تعالى ينعم عليه ويزيده من نعمه لقوله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فأما إذا انحرف عن طاعة الله سبحانه وتعالى فإن الله تعالى يقول (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ويقول سبحانه وتعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فمادام الإنسان على طاعة الله قائماً بأمره مجتنبا لنهيه فليبشر بالخير وبكثرة النعم وبتحقيق قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأما إذا غير ما بنفسه من الإنابة إلى الله والإقبال عليه وبارز الله تعالى بالعصيان بفعل المحظورات وترك المأمورات فإن الله تعالى يغير عليه هذه النعمة.
***
سورة إبراهيم
من اليمن يقول في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) ما المقصود بالكلمة الطيبة والشجرة الطيبة
.
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المقصود بالكلمة الطيبة فهي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله وأما المقصود بالشجرة الطيبة فهي النخلة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها كذلك كلمة الإخلاص تؤتي ثمرتها بالعمل الصالح المقرب إلى الله عز وجل فهي أصل وفروعها الأعمال الصالحة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فلابد أن يأتي بالأعمال الصالحة التي تتم بها هذه الكلمة ولهذا قال أهل العلم في تفسير كون كلمة الإخلاص مفتاح الجنة إن المفتاح لا يكون إلا بأسنان فلو أدخلت المفتاح وهو خشبة لتفتح به الباب لم يفتح إلا بأسنان وأسنانها الأعمال الصالحة ولهذا كان القول الراجح المؤيد بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة ولو اعتقد وجوبها وفرضيتها وقد بينا في غير هذه الحلقة الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وأنه يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية فليحذر المسلم أن يرتد كافراً بعد إسلامه بتركه الصلاة تهاوناً فماذا بقي معه من الإسلام إذا ترك الصلاة لا يمكن لإنسان أن يحافظ على ترك الصلاة وفي قلبه إيمان أبداً وهو يعرف مقدار الصلاة في الإسلام وأهميتها عند الله وأن الله فرضها على رسوله في السماوات العلا وفرضها خمسين صلاة ثم جعلها خمس صلوات بالفعل لكنها خمسون في الميزان وما ورد فيها من الفضائل والثواب حتى إن الله تعالى يبتدئ الأعمال الصالحة بها ويختمها بها كما في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وفي سورة المعارج (إِلَاّ الْمُصلىنَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ?) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فتبدأ الأعمال بها وتختم بها وفضائلها كثيرة لا يتسع المقام لذكرها فكيف يقال إن أحداً يعلم بهذا أو بعضه ثم يحافظ على تركها ولا يصلى أبداً كيف يقال إنه مسلم.
***
سورة الإسراء
أسعد ع. م. من جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الآية وكيف كانت صفة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يسبح نفسه عن كل نقص وعيب فإن سبحان اسم مصدر من سبح يسبح والتسبيح هو التنزيه والله عز وجل منزه عن كل نقص وعيب منزه عن مماثلة المخلوقين منزه عن الأنداد قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وقد أسرى الله تعالى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام مسجد الكعبة الذي بمكة المكرمة ليلاً إلى المسجد الأقصى الذي في فلسطين في القدس وكيفية الإسراء أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدابة يقال لها البراق دون البغل وفوق الحمار يضع خطوه في منتهى بصره بمعنى أن خطوته بعيدة جداً تكون بقدر منتهى بصره فوصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس ثم عرج به من هناك إلى السماء الدنيا بصحبة جبريل ولما بلغ السماء استفتح جبريل فقيل له من هذا فقال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء ثم ما زال جبريل يعرج به سماء بعد سماء حتى وصل إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهناك رفعه الله أي رفع الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم حتى بلغ سدرة المنتهى وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة كل يوم وليلة فقبل واستسلم عليه الصلاة والسلام حتى نزل راجعاً فمر بموسى فأخبره بما فرض الله عليه وعلى أمته من الصلوات فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك واسأله التخفيف فما زال النبي عليه الصلاة والسلام يراجع الله عز وجل ويسأله التخفيف حتى صارت الصلوات الخمسون خمس صلوات بالفعل لكنها في الميزان خمسون صلاة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى مكة واختلفت الروايات هل صلى الفجر في مكة أو صلى في بيت المقدس وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس به فاتخذت قريش من ذلك فرصة لإظهار كذب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا كيف يمكن ذلك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ألقمهم حجراً حين قالوا إن كنت صادقاً فصف لنا بيت المقدس فرفع جبريل له بيت المقدس حتى كأن النبي صلى الله عليه وسلم يشاهده فيصفه لقريش فألقموا حجراً بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وتبين بذلك صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فهذا بيان للحكمة من الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يريه من آياته العظيمة الدالة على قدرته وحكمته وتمام سلطانه وقد رأى من آيات ربه الكبرى ما يكون عبرة للمعتبرين وقوله (إنه هو السميع البصير) يعني إن الله تعالى هو السميع البصير الذي وسع سمعه كل صوت قالت عائشة رضي الله عنها حين أنزل الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) قالت رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي طرف الحجرة وإنه ليخفي علي بعض حديثها والرب عز وجل على عرشه فوق سبع سماوات يسمع كلام هذه المرأة التي تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها وتشتكي إلى الله فهو عز وجل يسمع كل صوت وإن كان خفياً قال الله تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) وإذا آمن الإنسان بهذه الصفة العظيمة صفة السمع فإن إيمانه بذلك يقتضي أن لا يُسمع الله تعالى ما يكون سبباًَ لغضبه على عبده وأما قوله البصير فالبصير معناه الذي أدرك بصره كل شيء وهو سبحانه وتعالى قد جمع بين هاتين الصفتين السمع والبصر وهما من كمال صفاته جل وعلا فما من شيء إلا والله عز وجل يراه وإن دق وخفي.
***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطائر هنا بمعنى العمل يعني كل إنسان ألزمه الله عز وجل عمله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) وفي يوم القيامة يخرج الله له كتاباً يلقاه منشورا أي مفتوحاً يقرؤه ويسهل عليه قراءته هذا الكتاب قد كتبت فيه أعماله كما قال تعالى (كَلَاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وقال تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) فهذا المكتوب يخرج يوم القيامة في كتاب يقرؤه الإنسان ويقال له اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال بعض السلف والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك يعني أنه قال للإنسان هذا الكتاب كتب عليك حاسب نفسك أنت هل عملت خيراً فتجازى به أو عملت شراً فتجازى به إذن المراد بالطائر هو العمل.
***
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله سبحانه وتعالى نهى الإنسان أن يجعل يده مغلولة إلى عنقه وهذا يعني لا تقبض اليد وتغلها إلى عنقك فتمنع من البذل الواجب أو المستحب فتكون بخيلا ولا تبسطها كل البسط فتمدها وتبذل المال في غير وجهه وذلك أن الناس في الإنفاق ينقسمون إلى ثلاثة أقسام
قسم مقتر.
وقسم مبذر.
وقسم متوسط.
والثالث منهم هو الذي على الحق وعلى الهدى ولهذا امتدحهم الله عز وجل في قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) .
***
ما معنى الآية الكريمة (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينهى الله سبحانه وتعالى عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والنفس التي حرم الله قتلها أربعة أصناف المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن هؤلاء أربعةٌ من الناس نفوسهم معصومة لا يجوز لأحدٍ أن يعتدي عليهم قال الله تعالى (إِلَاّ بِالْحَقِّ) يعني إذا قتلتم النفس التي حرم الله بالحق كالقصاص مثلاً فإن ذلك جائز قال الله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)
…
الخ وقوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً) يعني أن الإنسان إذا قتل ظلماً فلوليه أي ولي المقتول أن يقتل القاتل والسلطان هنا يشمل السلطان الكوني والقدري الشرعي أما الشرعي فهو ما أباحه الله تعالى من القصاص وأما القدري فإن الغالب أن القاتل لا بد أن يقتل لا بد أن يعثر عليه ويقتل ومن أمثال العامة السائرة قولهم القاتل مقتول يعني لا بد أن الله تعالى يسلط عليه حتى يعثر عليه ويقتل وقوله (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي فلا يسرف ولي المقتول في القتل أي في قتل القاتل بل يقتله كما قتل هو المقتول الأول وبه نعرف أنه يقتص من القاتل بمثل ما قتل فمثلاً إذا قتله بالذبح ذبحناه وإذا قتله بالرصاص رميناه بالرصاص وإذا قتله برض رأسه بين حجرين رضضنا رأسه بين حجرين وهكذا وليعلم أن القصاص لا يستوفى إلا بحضرة السلطان ولي الأمر أو من ينيبه لئلا يعتدي أولياء المقتول في القصاص.
***
م. ن. أ. من العراق يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وما المراد بالعمى في الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالعمى في الآية عمى البصيرة يعني فمن كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق لا يبصره ولا يلتفت إليه ولا يقبل عليه فإنه في الآخرة يكون أشد عمىً وأضل سبيلاً فلا يهتدي إلى طريق أهل الجنة وإنما يكون مصيره النار والعياذ بالله.
***
في سورة الإسراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) كم عدد ركعات التهجد والنفل
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التهجد هو قيام الليل (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة لا في رمضان ولا في غيره وربما صلى ثلاث عشرة ركعة) هذا هو العدد الذي ينبغي للإنسان أن يقتصر عليه ولكن مع تطويل القراءة والركوع والسجود فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في صلاة الليل كما جاء ذلك في حديث حذيفة وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (فقد روى حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فقرأ بسورة البقرة ثم بسورة النساء ثم بسورة آل عمران)(وكذلك صلى معه ابن مسعود رضي الله عنه ذات ليلة فقام طويلاً حتى قال عبد الله بن مسعود لقد هممت بأمر سوء قالوا بم هممت يا أبا عبد الرحمن قال هممت أن أجلس وأدعه) فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يطيل في صلاة الليل وهذا هو الأفضل وهو السنة فإن كان يشق عليه أي على الإنسان أن يطيل فليصل ما استطاع وأما النفل فإن التهجد من النفل لأن النفل في الأصل هو الزيادة وكل تطوع في العبادة من صلاة أو صيام أو صدقة أو حج فهو نافلة لأنه زائد على ما أوجب الله على العبد وليعلم أن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة فالتطوع في الصلاة تكمل به فريضة الصلاة والتطوع في الصدقة تكمل به الزكاة والتطوع في الصيام تكمل به صيام رمضان والتطوع في الحج تكمل به الحج لأن الإنسان لا يخلو من نقص في أداء ما أوجب الله عليه من العبادات فشرع الله تعالى له هذه النوافل رحمة به وإحساناً إليه والله ذو الفضل العظيم.
***
عامر جودي حربي من العراق بغداد يقول من خلال قراءتي للقرآن الكريم وتكراره تبين لي أنه قد ورد ذكر النفس بكثرة في عدة سورٍ من القرآن بينما ذكر الروح لم يكن بتلك الكثرة والروح التي يراد بها روح الإنسان لم ترد إلا مرةً واحدة في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) فهل هناك فرق بين الروح والنفس وما هو
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الروح في الغالب تطلق على ما به حياة سواءٌ كان ذلك حساً أو معنى فالقرآن يسمى روحاً لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) لأن به حياة القلوب بالعلم والإيمان والروح التي يحيا بها البدن تسمى روحاً كما في الآية التي ذكرها السائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيراً كما في قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه فيقال مثلاً هذا جاء فلان نفسه وكلمني نفس فلان وما أشبه ذلك فتكون بمعنى الذات فهما يفترقان أحياناً ويتفقان أحياناً بحسب السياق وينبغي من هذا أن يعلم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها فقد تكون الكلمة الواحدة لها معنىً في سياق ومعنىً آخر في سياق فالقرية مثلاً تطلق أحياناً على نفس المساكن وتطلق أحياناً على الساكن نفسه ففي قوله تعالى عن الملائكة الذين جاؤوا إبراهيم (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) المراد بالقرية هنا المساكن وفي قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً) المراد بها الساكن وفي قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) المراد بها المساكن وفي قوله (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) المراد بها الساكن فالمهم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها وبحسب ما تضاف إليه وبهذه القاعدة المهمة المفيدة يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم من أن القرآن الكريم ليس فيه مجاز وأن جميع الكلمات التي في القرآن كلها حقيقة لأن الحقيقة هي التي يدل عليها سياق الكلام بأي صيغةٍ كان فإذا كان الأمر كذلك تبين لنا بطلان قول من يقول إن في القرآن مجازاً وقد كتب في هذا أهل العلم وبينوه ومن أبين ما يجعل هذا القول صواباً أن من علامات المجاز صحة نفيه بمعنى أن تنفيه وتقول هذا ليس هذا وهذا لا يمكن أن يكون في القرآن فلا يمكن لأحدٍ أن ينفي شيئاً مما ذكره الله تعالى في القرآن.
***
من الأحساء وردتنا هذه الرسالة، مرسلها عبد الرحمن بن يوسف الواصلى يقول: أنا شاب مسلم ولكن في بعض الأحيان أفكر تفكيراً أخشى منه، فقد عرفت أن القرآن يزيد المؤمن إيماناً ويزيد الكافر كفراً وعصياناً، ثم أجلس وأقول أليس القرآن واحداً والإنسان أصله واحد، فكيف يحصل هذا التناقض أرجو إقناعي مع ضرب الأمثلة للتقريب، وفقكم الله
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل من كون القرآن يزيد المؤمن إيماناً ولا يزيد الظالمين إلا خساراً، هذا صحيح دل عليه الأمر الواقع كما نطق به القرآن، أما الأمر الواقع فوجه ذلك أن المؤمن إذا قرأ القرآن واعتبر بما فيه من مواعظ وقصص وصدق الأخبار واعتبر بالقصص وامتثل للأحكام ازداد بذلك إيمانه بلا شك، والكافر أو المتمرد إذا قرأ القرآن فإنه يكذب بالخبر، أو يشك فيه، ولا يعتبر بالقصص ويرى أنها أساطير الأولين، وكذلك في الأحكام لا يمتثل لأمر، ولا ينزجر عن النهي وكل هذا من موجبات نقص الإيمان، فينقص إيمانه ويزداد خساراً لأن القرآن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (حجة لك أو عليك) هذا مثال يوضح كيف يزيد إيمان المؤمن بالقرآن وكيف يزيد الظالمين خساراً
أما الأمثلة على ذلك من الأمور الحسية فإننا نرى صاحب الجسم السليم يأكل هذا النوع من الطعام فينتفع به جسمه وينمو ويزداد ويأكله صاحب العلة الذي في جسده مرض فيزيد علته وربما يهلكه ويقتله، مع أن الطعام واحد ومع ذلك اختلف تأثيره بحسب المحل، وكذلك القرآن واحد ويختلف تأثيره بحسب المحل.
***
ما معنى قوله سبحانه وتعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في النبي عليه الصلاة والسلام وهو في مكة حين كان يقرأ القرآن ويرفع صوته بذلك فلحقه بهذا أذى من قريش فأنزل الله عليه هذه الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) فأرشده الله عز وجل إلى ما فيه الخير والسلامة من أذى هؤلاء المشركين وقال لا تجهر بصلاتك الجهر الذي يحصل به أذية عليك ولا تخافت بها المخافتة التي تفوت بها المصلحة بل اجعل هذا وسطاً بين ما تحصل به الأذية وبين ما تحصل به المصلحة فلا تجهر الجهر الذي يؤذي ولا تخافت المخافتة التي يفوت بها أو التي تفوت بها المصلحة.
***
سورة الكهف
يقول السائل ماحكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وهل يداوم الإنسان على قراءة هذه السورة أم لا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنة وفيها أجر والمداومة على ذلك سنة لأنها من الأمور المشروعة في يوم الجمعة فهي كالمداومة على التبكير يوم الجمعة وعلى ما يسن يوم الجمعة.
***
يقول السائل هل صحيح أن من يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة يضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح لكنه ورد حديث في فضل قراءتها يوم الجمعة لا ليلة الجمعة ولهذا ينبغي للإنسان أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة والاحتياط أن يكون ذلك من بعد طلوع الشمس ولا فرق بين أن يقرأها قبل الصلاة أو بعد الصلاة.
***
تقول السائلة هل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها عمل مندوب
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عمل مندوب إليه وفيه فضل ولا فرق في ذلك بين أن يقرأها الإنسان من المصحف أو عن ظهر قلب واليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى هذا فإذا قرأها الإنسان بعد صلاة الجمعة أدرك الأجر بخلاف الغسل يوم الجمعة لأن الغسل يكون قبل الصلاة لأنه اغتسال لها فيكون مقدماً عليها.
***
يقول السائل قال الله تعالى (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) فهل معنى الآية كما فهمت أن المؤمنين يحل لهم الذهب في الآخرة كما يحل لهم الخمر في الآخرة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال أن نقول نعم إن المؤمنين في الجنة يحل لهم أن يتحلوا بالذهب واللؤلؤ وأن يلبسوا الحرير وأن يشربوا الخمر وهذا وإن كان محرماً في الدنيا لما يترتب عليه في الدنيا من الانصراف عن عبادة الله تعالى وطاعته بالاشتغال بهذه الأمور أما في الآخرة فإن الآخرة دار جزاء لا دار تكليف وإن كان أهل الجنة يسبحون الله عز وجل ويحمدونه ويثنون عليه بما هو أهله على وجه الشكر والمحبة في الثناء على الله عز وجل وقد ذكر الله تعالى في حلية أهل الجنة أنها من لؤلؤ وذهب وفضة كما قال تعالى (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وإذا اجتمعت هذه الأصناف على المكان الذي يتحلى فيه كان لها منظرٌ عجيب ورونقٌ بديع وهذا من تمام سرورهم ونعيمهم نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً منهم بمنه وكرمه
***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) فما هي الباقيات الصالحات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الباقيات الصالحات هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وأمثالها مما يقرب إلى الله عز وجل وإن شيءت فقل الباقيات الصالحات كل الأعمال الصالحة لأنها تبقى للإنسان بعد موته يجدها يوم القيامة أمامه فهذه الباقيات الصالحات خيرٌ من الدنيا وما فيها خيرٌ ثواباً وخيرٌ أملا
***
يقول السائل يقول الله تعالى في سورة الكهف (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) فما معنى هذه الآية وإلى ماذا تشير
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تشير هذه الآية إلى بيان عظمة الله عز وجل وأنه سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال متكلماً لأنه لم يزل ولا يزال فعالاً وكل فعل فإنه بإرادة منه جل وعلا وإذا أراد أن يخلق شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ومخلوقات الله عز وجل لا تزال باقية فإن الجنة فيها خلود ولا موت والنار فيها خلود ولا موت وحينئذ يكون الله عز وجل دائماً أزلاً وأبداً ولا حصر لكلماته ولا منتهى لكلماته فلو كان البحر مداداً لكلمات الله أي حبراً تكتب به كلمات الله عز وجل لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لأن البحر له أمد ينتهي إليه وكلمات الله عز وجل لا أمد لها وقد قال الله تعالى في آية أخرى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)
***
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً)
.
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) السائل هنا قريش سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن (ذِي الْقَرْنَيْنِ) وكانت قصته مشهورة ولاسيما عند أهل الكتاب وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويقال إنه طاف معه بالبيت فالله أعلم، هذا الرجل الصالح مكَّن الله له في الأرض وأتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار وقهر أعدائه فأتبع سبباً يعني سلك طريقاً يوصله إلى مقصوده (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً) فاستولى عليهم وخيره الله فيهم (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) فحكم بينهم بالعدل قال (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْر) ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً) يحول بينهم وبين حرها ليس عندهم بناء ولا أشجار وإنما يعيشون في النهار في السراديب وفي الكهوف ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش وكان الله عز وجل في جميع أحوال هذا الرجل عالماً به يسير بعلم من الله عز وجل وهداية كما قال تعالى (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً) ثم مضى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم ولا يفهمون لغة غيرهم ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض وهما أمتان من بني آدم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين أعني في يأجوج ومأجوج كلها لا أصل لها من الصحة وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم وعلى شكل بني آدم كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يقول الله تعالى يعني يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار إلا واحداً من الألف فكبر ذلك على الصحابة فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد فقال النبي عليه الصلاة والسلام أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا دليل واضح وصريح على أنهم أعني يأجوج ومأجوج من بني آدم سيكون شكلهم وأحولهم كأحوال بني آدم تماماً لكنهم من قوم طبعوا والعياذ بالله على فساد في الأرض وتدمير مصالح الخلق وقتلهم وغير ذلك مما يكون فساداً في أرض الله عز وجل فقالوا له هل نجعل لك خرجاًَ أي مالاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فأخبرهم بأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه (قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بقوة عملية عمال وأدوات وما أشبه ذلك (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) ثم طلب منهم زبر الحديد أي قطع الحديد فصف بعضها على بعض حتى بلغت رؤوس الجبلين (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا) فأوقدوا عليه النار ونفخوها حتى صار الحديد ناراً يلتهب فأفرغ عليه قطراً أي نحاساً مذاباً حتى تماسكت هذه القطع من الحديد وصارت جداراً حديدياً صلباً (فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي يظهروا فوقه (وَمَا اسْطَاعُوا لَهُ نَقْباً) أي أن ينقبوه من أسفل فكان ردماً بين يأجوج ومأجوج وبين هؤلاء القوم وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها فمن أراد أن يعرف المزيد من علمها فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة
***
سورة (مريم)
س. ج. م. من سلطنة عمان صحار ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا) الضمير (هَا) يعود إلى النار (وَإِنْ) بمعنى ما أي ما منكم أحد إلا وارد على النار ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا. واختلف العلماء رحمهم الله في الورود المذكور في هذه الآية فمنهم من قال إن الورود الدخول فيها، أي أن جميع الناس يدخلونها ولكن المؤمنين لا يحسون بحرها بل تكون عليهم برداً وسلاماً كما كانت النار في الدنيا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام برداً وسلاماً واستدل هؤلاء بأن الورود يأتي بمعنى الدخول استدلوا بقوله تعالى عن فرعون:(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وبقوله تعالى: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) وما أشبه ذلك وقال بعض أهل العلم المراد بالورود في قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا) المراد به العبور على الصراط لأن الصراط يمد فوق جهنم فيعبر الناس فيه على قدر أعمالهم فهذا العبور على هذا الصراط هو الورود المذكور في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا) وأيدوا قولهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وذلك في صلح الحديبية حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحت شجرة هناك وبأنه ثبت في الصحيحين من حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فقوله (حرم على النار) وقوله في الحديث الذي قبله (لا يدخل النار أحد) يدل على أن المؤمنين لا يدخلون النار وإذا كان كذلك تعين أن يكون المراد بالورود هو الورود فوقها وكلا القولين له وجه والعلم عند الله تعالى ولكن المهم أن نعلم علم اليقين أن من مات من أهل الكبائر فإنه إذا دخل النار يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج منها إن شاء الله تعالى أن يعذبه وقد يغفر الله له لأن الله تعالى يقول (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ولكن ينبغي للإنسان بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من كل معصية لأنه لا يدري فربما لا يكون داخلاً تحت مشيئة الله المغفرةُ له فإن من مات بدون توبة من كبائر الذنوب غير الكفر والشرك فإنه يخشى ألا يغفر الله له لأن الله قيد المغفرة له بالمشيئة فقال (لمن يشاء) فلا ينبغي أن يتخذ بعض الناس هذه الآية سبيلاً إلى التهاون بالتوبة وعدم المبالاة بفعل الكبائر إذ لا يدري أيدخل فيمن شاء الله أن يغفر له أم لا يدخل فهو على خطر حتى يتوب إلى الله توبة نصوحاً.
***
نورة من القصيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) ما معنى هذه الآية الكريمة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى يقول ما منكم أحد إلا وارد للنار وهذا الخبر كان حتماً على الله عز وجل مقضياً لا بد منه ولكن بعد هذا الورود ينقسم الناس قسمين
قسم قد اتقى الله عز وجل وقام بما يلزمه من شرائع الله في الدنيا فينجيه الله عز وجل من النار
وقسم آخر ظالم لنفسه مضيع لحق الله عز وجل فهذا يترك في النار جاثياً واختلف العلماء في المقصود بالورود هنا فمنهم من قال إن المراد بالورود المرور على متن جهنم على الصراط الذي يوضع على متن النار فيكردس من كان ظالماً في النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج ومن كان متقياً فإنه ينجو ولا يكردس في النار ومنهم من قال إن الورود هو الوقوع في النار نفسها وإن كل واحد يدخل النار ولكن المتقين لا تضرهم النار شيئاً ولا يجدون شيئاً من عذابها.
***
يقول السائل ما معنى الورود في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نشكر السائل على سؤاله عن معنى هذه الآية الكريمة ونرجو أن يحتذي المسلمون حذوه في البحث عن معاني آيات القرآن الكريم وذلك لأن الله أنزل الكتاب وبين الحكمة من إنزاله فقال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فوصف الله تعالى القرآن بأنه مبارك لبركته في آثاره وفي ثوابه وبين الحكمة من إنزاله وجعل ذلك في شيئين الأول ليدبروا آياته أي يتفهموها ويتفكروا في معانيها مرةً بعد أخرى حتى يصلوا إلى المراد منها والأمر الثاني أن يتذكر أولو الألباب والتذكر يعني الاتعاظ والعمل بما علم الإنسان من معاني الآيات الكريمة ولا يمكن العلم في معاني آيات القرآن الكريم إلا بالبحث ومراجعة أهل العلم وعلى هذا فنقول أنه ما منكم من أحد إلا وارد النار أي سيردها واختلف العلماء في الورود المقصود من هذه الآية فقيل معنى الورود أن الإنسان يقع في النار لكنها لا تضره بشيء كما أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ألقي في النار فقال الله تعالى (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فكانت برداً وسلاماً عليه فيرد الناس النار ويسقطون فيها وإذا كانوا لا يستحقون العقوبة بها لم تضرهم شيئاً وقال بعض العلماء المراد بالورود العبور على الصراط والصراط هو الجسر الموضوع على جهنم أعاذنا الله والمستمعين وإخواننا المسلمين منها فيمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم وهو ممرٌ دحضٌ ومزلة وعليه الكلاليب تخطف الناس بأعمالهم والمرور عليه بحسب العمل في الدنيا فمن الناس من يمر كالبرق ومنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم وهذا المرور على قدر قبول الإنسان لشريعة الله في الدنيا فمن قبلها بانشراح واطمئنان وسارع فيها وتسابق إليها فإنه سوف يمر على هذا الصراط سريعاً ناجياً ومن كان دون ذلك فعلى حسب عمله فصار في معنى الورود المذكور في الآية قولان القول الأول الوقوع في جهنم لكن لا تضر من لم يكن مستحقاً للعذاب فيها والثاني العبور على الصراط الموضوع على جهنم.
***
ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا) هل معنى ذلك أن الكافر والمسلم لا بد أن يردوها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ورود الكافر النار فهذا أمر ظاهر ولا إشكال فيه كما قال الله تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وأما المؤمنون فإن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) فقد اختلف أهل التفسير في المراد بالورود هنا فقال بعض المفسرين إن المراد بالورود ورود الناس على الصراط لأن الصراط منصوب على جهنم فإذ مر الناس عليه فهذا ورود لجهنم وإن لم يكونوا في داخلها والورود يأتي بمعنى القرب من الشيء كما في قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) أي قرب حوله وليس معناه أنه دخل في وسط الماء وقال بعض المفسرين إن المراد بالورود دخول النار لكن من دخلها من غير المذنبين فإنه لا يحس بها فتكون عليه برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم أي كما كانت نار الدنيا برداً وسلاماً على إبراهيم والله أعلم.
***
سورة (طه)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) ما تفسير ذلك وما هي المآرب الأخرى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير ذلك أن الله عز وجل سأل موسى عليه الصلاة والسلام عن العصا التي معه وهو سبحانه وتعالى يعلم ولا يخفى عليه ذلك لكن ليبين لموسى أن هناك شأناً أعظم مما كان يستعملها فيه فبين موسى عليه الصلاة والسلام مقاصده بهذه العصا فقال هي عصاي أتوكأ عليها يعني أعتمد عليها عند الحاجة وأهش بها على غنمي يعني أنني أهش ورق الشجر على الغنم حتى تأكله وأن له مآرب أخرى فيها يعني حاجات أخرى كالدفاع عن النفس فيما لو صال عليه أحد وكقتل المؤذيات من حيةٍ أو عقرب وكضرب الناقة أو الجمل التي يركبها وغير ذلك مما هو معلوم من مصالح العصا ثم قال عز وجل (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) وهذه هي النتيجة من سؤال الله تعالى له عن هذه العصا وأن هناك شأناً أعظم وأشد مما كان يتخذ هذه العصا له وهي أنه يلقيها فتكون حية تسعى ذات روح وقد حصل لهذه الحية أنها التقطت كل ما صنعه السحرة الذين جمعهم فرعون ليكيد بهم موسى عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) .
***
سورة (الحج)
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البدن جمع بدنة وهي الإبل جعلها الله تعالى من شعائر دينه يتقرب بها المسلم إلى ربه بنحرها والأكل منها وتوزيعها ولهذا أمر الله تعالى أن نذكر اسم الله عليها وذلك عند نحرها تنحر صواف أي على ثلاث قوائم لأن السنة في الإبل أن تنحر وهي قائمة معقولة اليد اليمنى فيأتيها الناحر من الجانب الأيمن ويطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ثم تسقط بعد ذلك ولهذا قال (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) أي سقطت على الأرض (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع الفقير الذي لا يسأل والمعتر الفقير الذي يسأل (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني مثل هذا لتسخير والتذليل سخرها الله عز وجل وذللها ولو سلطها لكنا لا نستطيعها لكبر جسمها وقوتها ولكن الله تعالى ذللها لعباده وسخرها لهم قال الله تبارك وتعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) ذللها الله لنا نركبها ونأكل منها أرأيت الذئب أصغر منها جسما وأقل منها قوة ومع ذلك حيث لم يسخر لنا لا نستطيع أن ننتفع به بل ربما يعدو علينا ويضرنا وهذه الإبل مع قوتها وكبر جسمها مذللة حتى إن الصبي يقودها بمقودها إلى منحرها وهي مطيعة ذليلة والإبل يتقرب إلى الله تعالى بنحرها في الهدي والأضحية وأما العقيقة عن المولود فمن العلماء من قال إنه يعق بها عن المولود لكنها لا تجزئ إلا عن شاة واحدة ومنهم من قال لا يعق لأن العقيقة إنما وردت في الضأن والمعز ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يعق الإنسان عن ابنه بناقة أو جمل أو بقرة أو ثور لكن الشاة أفضل منها.
***
أحمد حسن جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية معناها أن الله سبحانه وتعالى شبه المشرك بالله بمن خر من السماء من فوق من مكان عالٍ ولكنه لم يستقر على الأرض لم يكن له قرار هوت به الريح أو خطفه الطير ولم يكن له قرارٌ على الأرض التي قصدها وهكذا المشرك بالله عز وجل لا يستفيد ممن أشرك به شيئاً ولا يصل به إلى مقصوده لأن هذا الوثن الذي عبده من دون الله سبحانه وتعالى لا يغني عنه من الله شيئاً فهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا نصر عابديهم ولا يملكون لهم نفعاً ولا ضرا وقد شبه الله سبحانه وتعالى هؤلاء المعبودين عابديهم بباسط يده إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه كالرجل يمد يده إلى الماء وهو باسطٌ لها ليصل الماء إلى فمه وهذا لا يمكن وكذلك شبه عبادة الأصنام مع معبوديها بالعنكبوت اتخذت بيتاً قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فكل من تعلق بغير الله وعبده وتقرب إليه بالعبادة أو استغاث به أو استعانه في أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله فإنه مشركٌ بالله عز وجل شركاً أكبر مخرجاً عن الملة فعليه أن يتوب إلى ربه وأن يخلص العبادة له قبل أن يفجأه الموت فلا تنفعه التوبة.
***
سورة (المؤمنون)
علي الأحمد مامعنى الآية الكريمة (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ) ما هي هذه الشجرة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الشجرة شجرة الزيتون فإنها مباركة يخرج منها إداماً هذا الدهن الزيت يكون صبغا للآكلين يعني إيداما لهم.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ ربه من همزات الشياطين وهي ما تلقيه في قلب الإنسان من الوساوس والإيرادات السيئة وأن يستعيذ ربه من أن يحضروه في أفعاله في عبادته في مأكله في مشربه في جميع أحواله وأخص شيء في ذلك حضورهم عند الموت فإن الشيطان يحضر عند الموت ويحرص غاية الحرص على أن يضل بني آدم لأنه في تلك اللحظة تكون السعادة أو الشقاوة نسأل الله أن يختم لنا وللمسلمين بحسن الخاتمة وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمر له وللأمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسول المتبع والإمام المطاع وعلى هذا فيكون مشروعاً لنا أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين ومن أن يحضرونا.
***
سورة النور
عادل محمد فهد من العراق الناصرية يقول ما معنى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال هذا الرجل من أجود الأسئلة وأحبها إلي وذلك أنه سؤال عن تفسير آية من كلام الله سبحانه وتعالى الذي هو خير الكلام والذي أود من جميع إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم أن يعتنوا به فإن العلوم تشرف بحسب معلوماتها ولاشك أن أفضل المعلومات وأشرفها هو العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى فأدعو جميع المسلمين ولا سيما طلبة العلم إلى أن يتفهموا كلام الله سبحانه وتعالى حتى يستطيعوا تنفيذه والعمل به فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أما الآية التي سأل عنها فإن الله تبارك وتعالى يأمر أن نجلد الذين يرمون المحصنات ومعنى يرمونهن أي يقذفونهن بالزنى فيقولون هذه المرأة زانية وما أشبه ذلك والمحصنة هي المرأة الحرة العفيفة عن الزنى فإذا قذفها الإنسان بالزنى فإنه يكون بذلك مدنساً لعرضها مفترياً عليها وحينئذٍ يجلد ثمانين جلدة وإنما قلت مفترياً عليها مع أنه قد يكون صادقاً لأنه إذا لم يأت بأربعة شهداء فهو كاذب عند الله كما قال الله تعالى (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) وفي الآية الكريمة التي سأل عنها الأخ رتب الله سبحانه وتعالى على القذف ثلاثة أمور
الأمر الأول (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
والأمر الثاني (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً)
والأمر الثالث (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فهم يجلدون ثمانين جلدة حد القذف ولا تقبل شهادتهم بعد ذلك أبداً على أي شيء شهدوا وهم فاسقون يحكم بفسقهم ولا يتولون أمرأً تشترط فيه العدالة إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنهم يزول عنهم وصف الفسق وكذلك يزول عنهم منع الشهادة على القول الراجح وأما الحد فلا يسقط عنهم بتوبتهم لأنه حق لآدمي فلابد من أن ينفذ.
***
أم أحمد من البحرين تقول ما المقصود بقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهل لبس القفازات واجب على المرأة حيث أنني ألبس القفازات وزوجي يرفض لبس القفازات بحجة أنها ليست واجبة أفيدونا مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تبارك وتعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النهي أي نهي النساء أن يظهرن زينتهن أي لباسهن الذي تتزين به المرأة (إلا ما ظهر منها) يعني إلا الذي لابد من ظهوره وهو العباءة والملاءة التي تكون فوق القميص ونحوه هذا هو القول الراجح في معنى الآية الكريمة ومن ذلك أي من عدم إظهار الزينة ألا تظهر المرأة ما تلبسه من الحلي وشبهه لقول الله تبارك وتعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) وأما لبس القفازين فإن ذلك من عادة نساء الصحابة رضي الله عنهم ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى المحرمة أن تلبس القفازين) وهذا يدل على أن من عادتهن أي من عادة نساء الصحابة أن يلبسن القفازين وعلى هذا فينبغي للزوج أن يفرح بِلُبْسِكِ القفازين لأن هذا من عادة نساء الصحابة رضي الله عنهم فإن أبى إلا أن تمتنعي من لباس القفازين فاستري يديك بطرف العباءة ونحو ذلك.
***
يقول السائل ما المراد بالآية الكريمة في قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أنه كان أناس في الجاهلية يكرهون فتياتهن أي مملوكاتهن من الإماء على الزنى من أجل الاكتساب من وراءهن فنهاهم الله عن ذلك وقال (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي قوله (أَرَدْنَ تَحَصُّناً) إظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد الذين يكرهون إماءهم على الزنى فإنه قال كيف تكون هذه الأمة وهي أمة تريد التحصن ثم تكرهها أنت على الزنى من أجل عرض الدنيا ففيه من اللوم والتوبيخ ما هو ظاهر وليس شرطاً في الحكم بمعنى أنها لو لم ترد التحصن فلك أن تكرهها لا ولكن هذا المقصود به أظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد بالنسبة لإكراههم فتياتهم على البغاء وفي قوله (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أن من أكرهت على هذا الأمر فإن الله تعالى يغفر لها إذا ثبت الإكراه ولهذا قال (مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن المكره لا إثم عليه سواء مكره على قول أو على فعل إذا لم يفعله بعد الإكراه رغبة منه.
فضيلة الشيخ: إذاً المغفرة والرحمة هنا عائدة على الفتيات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المغفرة والرحمة عائدة على الفتيات.
***
يفسر بعض العلماء الآية الكريمة (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) بأنه نور المؤمن فما الصواب في هذا علماً بأنهم يقولون إذا فسر بنور الله صار فيه تشبيه ونحن نعلم بأن الضمير كما يقول علماء اللغة بأنه يعود على أقرب مذكور
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد عن السلف في قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ) أي مثل النور الذي يؤتيه في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح وهذا لا يخرج عن نطاق اللغة العربية لأن الله قد يضيف المخلوق إليه من باب التشريف والتكريم كما في بيت الله وناقة الله ومساجد الله فيكون معنى مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح
…
الخ والمشكاة كوة تكون في الجدار مقوسة يوضع فيها المصباح وهذا المصباح في زجاجة الزجاجة صافية كأنها كوكبٌ دري وهذا النور يوقد من شجرةٍ مباركة زيتونة لا شرقية تنحجب عن الشمس عند غروبها ولا غربيةً تنحجب عن الشمس عند شروقها بل هي في أرضٍ واسعة فلاة لأن هذا يؤدي إلى أن يكون زيتها من أجود الزيوت وهذا تفسيرٌ واضح لا إشكال فيه.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَاّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن القواعد وهن العجائز اللاتي قعدن في البيوت ولا يرجون نكاحا يعني ما يأملن أن يتزوجهن أحد لكبر سنهن ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن يعني الثياب التي تستر المرأة كلها فلها أن تكشف الوجه والكفين والرجلين بشرط ألا تكون متبرجة بزينة بمعنى ألا تلبس ثيابا تفتن بها غيرها (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) أي فلا يضعن ثيابهن بل تستر المرأة نفسها كلها عن الرجال غير المحارم (خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هذا وهن القواعد كيف بالشابات اللاتي يكشفن وجوههن وأكفهن وأقدامهن عند إخوان أزواجهن أو أبناء أعمامهم أو ما أشبه ذلك مما جرت به عادة بعض الناس أو تكشف هذا للأجانب في الأسواق وغيرها لكن لبعد الناس عن تدبر القرآن والسنة ولتحكم العادات فيهم صار ما صار من التبرج وعدم المبالاة نسأل الله أن يردنا جميعا إلى ما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا وفي الآخرة.
***
سورة الشعراء
يقول السائل قال الله تعالى في كتابه العزيز (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وقال في موضعٍ آخر (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وقال (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فما معنى هذه الآيات
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات كما سمعنا جميعاً ذكر بعضها بالإفراد وبعضها بالتثنية وبعضها بالجمع وقد يفهم الإنسان بادئ ذي بدء أن هناك تعارضاً بين هذه الآيات وأقول إنه لا تعارض في القرآن الكريم أبداً فالقرآن الكريم لا يتعارض بعضه مع بعض ولا يتعارض مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا وجدت شيئاً متعارضاً فاطلب وجه الجمع بين هذه التي تظن أنها متعارضة فإن اهتديت إلى ذلك فذلك المطلوب وإن لم تهتد إليه فالواجب عليك أن تقول كما يقول الراسخون في العلم (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) واعلم أنه إنما يتوهم التعارض بين القرآن أو بينه وبين ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان قاصراً في العلم أو مقصراً في التدبر وإلا فإن الله يقول (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وإنما قدمت هذه المقدمة لأجل أن تعم الفائدة أما الجواب على السؤال فنقول إن الإفراد في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشرِقِ وَالْمَغرِبِ) يراد به الجنس وما أريد به الجنس فإنه لا ينافي التعدد وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) فإن المراد بالمشرقين ما يكون في الصيف وفي الشتاء يعني آخر مشرق للشمس في أيام الصيف وآخر مشرق للشمس في أيام الشتاء يعني معناه مدار الشمس أو انتقال الشمس من مدار الجدي إلى مدار السرطان تكون في آخر هذا في أيام الصيف وفي آخر هذا في أيام الشتاء هذا أكبر دليل على قدرة الله عز وجل حيث ينقل هذا الجرم العظيم وهذه الشمس العظيمة ينقلها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وبالعكس وهذا من تمام قدرة الله عز وجل أن تنتقل من الشمال إلى الجنوب فهذا معنى المشرقين أي مشرقا الصيف والشتاء وأما قوله (الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) بالجمع فقيل إن المراد مشرق الشمس ومغربها كل يوم فإن لها في كل يوم مشرقاً ومغرباً غير المشرق والمغرب في اليوم الذي قبله أو اليوم الذي يليه والله تعالى على كل شيء قدير وقيل المراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس والنجوم والقمر فإنها تختلف فيكون الجمع هنا باعتبار ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وعلى كل حال فالله تعالى رب هذا كله وهو المدبر سبحانه وتعالى والمتصرف فيه كما تقتضي حكمته.
***
ما معنى هذه الآية الكريمة (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى أن يجعل له لسان صدق في الآخرين أي أن يجعل له من يثني عليه في الآخرين ثناء صدق وقد استجاب الله تعالى دعاءه فكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام محل الثناء في كتب الله عز وجل وفي ألسنة رسله حتى إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ) فالثناء على إبراهيم حصل في الآخرين حتى إن اليهود قالوا إن إبراهيم كان يهوديا والنصارى قالوا إن إبراهيم كان نصرانيا فأنكر الله ذلك وقال (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) والمقصود أن هذه الأمم كلها تفتخر أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام منها لكنها كاذبة ما عدا المسلمين، واليهود والنصارى ليسوا على هذا الوصف بل هم كفار. (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) وقد كذبهم الله تعالى في ذلك في قوله (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ) وفي سورة الإخلاص قال الله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) .
***
في كتاب الله ورد (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ) هل الغاوون هم الشياطين وما معنى ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغاوون جمع الغاوي وهو كل من خالف طريق الرشد ومعنى يتبعهم الغاوون أي يأخذون بهم بأقوالهم وشعرهم من المدح والذم والرثاء والهجاء وغير ذلك مما يكون مخالفاًَ للشرع من أقوال الشعراء فتجد أهل الغواية يتبعون هؤلاء ويعتدون بأقوالهم ويسبون الناس بما يقولون من هذه الأشعار ولكن هذا ليس عاماً لكل شاعر ولهذا قال الله تعالى (إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) .
***
سورة النمل
س. ع. ع. من العراق محافظة البصرة تقول ما معنى قوله تعالى في سورة النمل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن سليمان عليه الصلاة والسلام لما علم بملكة سبأ المشركة التي تسجد هي وقومها للشمس من دون الله أرسل إليها والقصة معروفة في سورة النمل فجاءت إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فبنى صرحاً من قوارير زجاج يحسبه الرائي ماءً فجاءت هذه المرأة فحسبته ماءً فكشفت عن ساقيها فقال إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير وإنما قصد سليمان والله أعلم أن يبين لها ضعفها حتى ينكسر منها لواؤها ويتبين لها أنها ضعيفة ولهذا قالت (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
***
ابتسام محمد أحمد من العراق الأنبار تقول ما معنى قوله تعالى (وترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وهل يستدل بهذه الآية على صحة القول بدوران الأرض
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لسؤال المرأة عن قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فهذه الآية في يوم القيامة لأن الله ذكرها بعد ذكر النفخ في الصور وقال (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها وليست في الدنيا وقوله تحسبها جامدة أي ساكنة لا تتحرك ولكنها تمر مر السحاب لأنها تكون هباءً منثوراً يتطاير وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض فليس كذلك هذا الاستدلال غير صحيح لما ذكرنا من أنها تكون يوم القيامة ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم لأنها ليست مسألة يتعين على العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة بياناً ظاهراً لا خفاء فيه وحيث إن الأمر هكذا فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس فإن الله يقول في القرآن الكريم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فقال تجري فأضاف الجريان إليها وقال (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فهنا أربعة أفعال كلها أضافها الله إلى الشمس إذا طلعت تزاور وإذا غربت تقرضهم هذه الأفعال الأربعة المضافة إلى الشمس ما الذي يقتضي صرفها عن ظاهرها وأن نقول إذا طلعت في رأي العين وتتزاور في رأي العين وإذا غربت في رأي العين وتقرضهم في رأي العين ما الذي يوجب لنا أن نحرف الآية عن ظاهرها إلى هذا المعنى سوى نظريات أو تقديرات قد لا تبلغ أن تكون نظرية لمجرد أوهام والله تعالى يقول (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ) والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلاً وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه كما قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه كما قال الله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فنحن نقول إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس هذه النظرية باطلة لمخالفتها لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق سبحانه وتعالى وهو أعلم بخلقه وأعلم بما خلق فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضاً أهل النظر فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة وأن الشمس تدور عليها لم يزل سائداً إلى هذه العصور المتأخرة ثم إننا نقول إن الله تعالى ذكر أنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل والتكوير بمعنى التدوير وإذا كان كذلك فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس لأنه يكون كذلك بالتكوير ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس (أتدري أين تذهب قال الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) إلى آخر الحديث وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض لقوله (أتدري أين تذهب) وفي الحديث المذكور قال (فإن أذن لها وإلا قيل ارجعي من حيث جئت فتخرج من مغربها) وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض وهذا الأمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده عملاً بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة والتي سيدور الزمان عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية هذا ما نعتقده في هذه المسألة أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولاً ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناً ظاهراً لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه خلاف الحق ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم كذلك عن علم ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق ولا يمكن أن يكون يأتي في أمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده صلى الله عليه وسلم فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماً يقينياً بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبداً إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض.
***
سورة القصص
عبد القادر عبد الله من جمهورية السودان الديمقراطية يقول يقول الله تبارك وتعالى في الآية العشرين من سورة يس (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وفي الآية العشرين أيضاً من سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ) السؤال من هما الرجلان وما تفسير هذه الآية بارك الله فيكم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال ينبغي أن نعلم أنه إذا جاء المسمى مبهماً في القرآن أو في السنة فإن الواجب إبقاؤه على إبهامه وأن لا نتكلف في البحث عن تعيينه لأن المهم هو القصة والأمر الذي سيق من أجله الكلام للاعتبار والاتعاظ وكونه فلاناً أو فلاناً لا يهم فالمهم الأمر الواقع فالقرآن الكريم لم يبين الله تعالى فيه هذا الرجل في الآيتين الكريمتين بل قال في سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) وفي سورة يس قال وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) فقدم الرجل في سورة القصص وأخره في سورة يس ولم يبين ذلك ومحاولة الوصول إلى تعيينه ليس وراءها فائدةٌ تذكر وعلى هذا فلا ينبغي أن يشغل الإنسان نفسه بتعيين مثل هذه المسميات بل تبقى الآيات والأحاديث على إبهامها ويوجه المخاطب إلى أن المقصود الاعتبار لما في القصة من أحكامٍ ومواعظ.
أما تفسير الآيتين ففي سورة القصص غيّب الله سبحانه وتعالى لموسى رجلاً ناصحاً جاء من أقصى المدينة يخبر موسى عليه الصلاة والسلام بأن الملأ وهم الأشراف والأكابر في المدينة يتشاورون ماذا يصنعون بموسى عليه الصلاة والسلام الذي قتل أحدهم أي أحد الأقباط وكان هذا من تيسير الله عز وجل لموسى صلى الله عليه وسلم ولهذا أرشده الرجل بأن يخرج قال فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفاً يترقب وذكر الله تمام القصة أما في سورة يس فإن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى أهل القرية رسولين فكذبوهما وأنكروا رسالتهما فأرسل الله تعالى رسولاً ثالثاً يعززهما به أي يقويهما به ولكن مع ذلك أصروا على الإنكار وجرى بينهم وبين أهل هذه القرية ما جرى فجاء من أقصى المدينة وهنا قدم الأقصى من أقصى المدينة للاهتمام بهذا الأمر وقال من أقصى المدينة يعني مع بعده جاء إلى قومه (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى تمام القصة كان هذا ناصحاً لقومه مرشداً لهم وكان عاقبته أن قيل له ادخل الجنة (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) .
***
سعد عبد الوهاب من خميس مشيط يقول ذكر في القرآن الكريم في سورة القصص مدين التي ذهب إليها رسول الله موسى عليه أفضل الصلاة والسلام فأين تقع مدين مأجورين
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه يظهر والله أعلم أنها تقع في صحراء مصر لأنه قال (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وأرجو من الأخ السائل أن يرجع إلى كلام أهل العلم في هذا.
***
سورة العنكبوت
الأخ س. أ. ب. من بلدة المحاني يقول ما معنى كلمة الحيوان في قوله تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وما معنى الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية تدل على أن الدنيا ليست إلا لهوا في القلوب وغفلة ولعبا في الجوارح من المرح والبطر وما أشبه ذلك إلا ما كان طاعة لله عز وجل فإن ما كان طاعة لله عز وجل فإنه حق وليس لهوا ولا لعبا بل هو حق ثابت يكون الإنسان فيه مثابا عند الله عز وجل ومأجورا عليه لكن الدنيا التي هي الدنيا ليست إلا لعبا ولهوا ولهذا تجد الإنسان فيها لاهيا لاعبا حتى يأتيه اليقين وكأنها أضغاث أحلام أما قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فالمعنى أن الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الثابتة التي ليس فيها لمن دخل الجنة تنغيص ولا تنكيد ولا خوف ولا حزن وقوله (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) يعني لو كانوا يعلمون الحقيقة ما اشتغلوا بالدنيا التي هي لهو ولعب عن الآخرة التي هي الحيوان فإن الإنسان لو كان عنده علم نافع في هذا الأمر لكان يؤثر الآخرة على الدنيا ولا يؤثر الدنيا على الآخرة ومع هذا فإن نصيب الإنسان من الدنيا لا يمنع منه إذا لم يشغله عن نصيبه في الآخرة فلا حرج على الإنسان أن يأخذ من الدنيا ما أحل الله له بل إن الامتناع من الطيبات بغير سبب شرعي مذموم وليس من طريقة أهل الإسلام إنما ما ألهى عن طاعة الله من هذه الدنيا فإنه لا خير فيه.
***
أحمد سعد من دمشق يستفسر عن الآية الكريمة (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذا (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لعب بالأبدان ولهو بالقلوب وبين أن الدار الآخرة هي الحيوان يعني الحياة الكاملة التي ليس فيها نقص وهذا كقوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) فالحياة الحقيقية هي حياة الآخرة لأنها حياة ليس بعدها موت فصارت هي الحياة الحقيقية وهذا هو معنى قوله (لَهِيَ الْحَيَوَانُ) أي لهي الحياة الكاملة من كل وجه.
***
سورة الروم
ما معنى قوله تعالى (الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية بين الله عز وجل أن الروم وكانوا يدينون بدين النصرانية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهم أقرب إلى الحق من خصومهم الفرس فيقول الله تعالى (غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ) أي المراد به أقربها لأنهم كانوا في الشام (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ستكون الدائرة لهم بعد أن كانت عليهم لكن في بضع سنين والبضع ما بين الثلاث إلى التسع وإذا أخبر الله عز وجل خبراً وقع الأمر كما أخبر لأن هؤلاء الروم الذين غلبوا سوف تكون الغلبة لهم في هذه المدة وقد كان الأمر كما أخبر الله سبحانه وتعالى فغلبت الروم بعد ذلك الفرس وفرح المؤمنون بنصر الله تبارك وتعالى لهؤلاء الروم على الفرس.
***
المطر الذي ينزل من السماء من أين مصدره أهو كما يقال من بخار البحر أم هو من السماء وكيف ينشأ البرق والرعد إن كان في القرآن ما يشير إلى ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) فهذا المطر ينزل من السحاب والسحاب قد أثارته الرياح بأمر الله عز وجل وليس لديّ علم بأكثر من ذلك لكن إذا علم أن هنالك أسبابا طبيعية فإنه لا حرج في قبولها إذا صحت فإن الله تعالى قد يجعل الشيء له سببان سبب شرعي وسبب كوني قدري مثل الكسوف كسوف الشمس أو القمر له سبب شرعي وهو ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (يخوف الله بهما من شاء من عباده) وهذا هو الذي ينبغي للمرء أن يعلمه وجهله نقص وأما السبب الكوني للكسوف فهو حيلولة القمر بين الشمس والأرض في كسوف الشمس ولهذا لا يكون كسوف الشمس إلا في الاستسرار في آخر الشهر لإمكان ذلك وسبب خسوف القمر هو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر وهذا لا يكون إلا في ليالي الإبدار لإمكان ذلك والمهم أن السبب الشرعي هو النافع الذي يكون سببا لصلاح القلوب وعلى هذا فنقول إن سبب نزول المطر هو ما ذكره الله تعالى في القرآن وأما الرعد والبرق فإنه ورد في الحديث أن الرعد (صوت ملك موكل بالسحاب وأن البرق سوطه) ولكن لا يحضرني الآن صحة هذا الحديث فإن صح وجب القول بموجبه وإن لم يصح فالله أعلم.
***
سورة (لقمان)
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان وهل أوتي النبوة وما معنى كلمة سورة باللغة العربية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه وتلك الوصايا التي ذكرها له والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحياناً كما يقال سورة البقرة سورة آل عمران سورة الإسراء وما أشبه ذلك. والصحيح أن لقمان ليس بنبي وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم وقولنا مع العلم للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم والصواب أنه ليس من الأنبياء وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
***
سورة (السجدة)
أبو مصعب محمد سليمان مقيم بالرياض يقول أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول صلى الله عليه وسلم تعارض أبداً وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه وإلا فكتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيهما تعارض إطلاقاً قال الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله أو حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع فإن عجزت عن ذلك فاعلم أنه إما لقصور فهمك أو لنقص علمك ولا تتهم كتاب الله عز وجل وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتعارض وتناقض أبدا وبعد هذه المقدمة أقول إن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وقوله في سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) الجمع بينهما أن آية السجدة في الدنيا فإنه سبحانه وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر مقداره ألف سنة مما نعد لكنه يكون في يوم واحد ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة وقد قال بعض أهل العلم إن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة) فإذا نزل من السماء ثم عرج من الأرض فهذا ألف سنة وأما الآية التي في سورة المعارج فإن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) فقوله (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه لقوله (الْمَعَارِجِ) وقوله (في يوم) ليس متعلقاً بقوله تعالى (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) لكنه متعلق بما قبل ذلك وقوله (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة وهو قوله (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) هي جملة معترضة وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة (أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم.
***
سورة (الأحزاب)
عبد الله حاج يسأل عن قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَاّ قَلِيلاً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في هذه الآية الكريمة يخبر الله عز وجل أنه عالم بالمعوقين من هؤلاء يعني عن الجهاد الذين يخذلون الناس ويرجفون بالأعداء ويقولون للناس مثلاً لا حاجة للجهاد أو يقولون العدو كبير أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تثبط الناس عن الجهاد وهؤلاء مع تثبيطهم عن الجهاد يدعون الناس إلى أن يكونوا مثلهم في الكسل والتهاون يقولون هلم إلينا وهم بأنفسهم أيضاً لا يأتون الحرب ويقابلون العدو إلا قليلاً والقليل هنا إما يكون بمعنى المعدوم أو بمعنى القليل جداً على كل حال في هذه الآية وعيد لمن كان يثبط الناس عن الجهاد في سبيل الله ويعوقهم عنه وهذا الوعيد مأخوذٌ من قوله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) .
***
يقول تعالى (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى آخر الآية من هي هذه المرأة وما هي قصتها
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) هذه نكرة لا تخص امرأة بعينها ولكن مع ذلك قد حصل (أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت يا رسول الله إني وهبت نفسي لك فردد فيها النظر عليه الصلاة والسلام ولكنها لم تعجبه فقام رجل فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها إلى آخر الحديث) وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وأما الآية فلا تدل على امرأة معينة.
***
السائل منصور اللحياني يقول قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وقال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) السؤال كيف تكون صلاة الله والملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تكون صلاة الله على العبد وإذا تليت هذه الآية في الصلاة فهل يجب علي أن أصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أم أنصت
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الله تعالى على رسوله وصلاة الملائكة على رسوله تعني الثناء عليه قال أبو العالية رحمه الله (صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى) فهذا معنى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أي يثنون عليه في الملأ الأعلى وأما صلاتنا نحن عليه إذا قلنا اللهم صل على محمد فهو سؤالنا الله عز وجل أن يثني عليه في الملأ الأعلى وإذا مرت هذه الآية في الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فلا حرج أن تصلى عليه الصلاة والسلام وإذا لم تصل عليه فلا حرج أيضا أولاً لأنك مأمور باستماع قراءة إمامك وثانيا لأنه يمكنك أن تنوي بقلبك أنك ستصلى عليه صلى الله عليه وسلم في مواطن الصلاة عليه والحاصل أنه إذا مرت بك وأنت في الصلاة فإن شيءت فصل عليه وإن شيءت فلا تصل.
***
السائل من سوريا أ. أ. يقول في الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى الصلاة في الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية الصلاة أن يقول اللهم صلِّ على محمد والكامل منها أن يقول اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد لا سيما إذا كان يصلى فهذه هي الكيفية المطلوبة والصلاة من الله عز وجل قيل إنها الثناء على المصلى عليه في الملأ الأعلى وقيل إنها منزلة عالية فوق الرحمة ولكننا لا ندري ما هي وقيل إن الصلاة من الله هي الرحمة لكن هذا القول ضعيف لقوله تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فعطف الرحمة على الصلوات فدل هذا على أنها ليست هي الرحمة أما الإنسان إذا دعا الله أن يصلى على نبيه فمعناه أن يجعل عليه صلاته.
***
يقول السائل ما معنى الآية الكريمة (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعليل لما سبق حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) يعني أنهن إذا أدنين من جلابيبهن عرف أنهن حرائر فلا يحصل من أحد أذية لهن بخلاف الإماء فإن الإماء ربما يتعرض أحد لأذيتهن.
***
ع ع ح الأحمدي المدينة النبوية تقول ما المقصود في قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا جواب لسؤال الناس الذين يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام متى الساعة فقال الله تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) يعني ما يعلمك أيها الإنسان أو ما يعلمك أيها النبي أن الساعة تكون قريبا وصدق الله عز وجل فإن كل آت قريب وانظر إلى نفسك تتطلع إلى الشيء تطلُّع البعيد فإذا به وقد حل يفطر الناس من رمضان ويقولون متى يأتي رمضان الثاني وإذا بهم يحل بهم رمضان الثاني وكأن أيامه دقائق أو لحظات فالساعة قريبة مهما طال الزمن وفي الآية دليل واضح على أنه لا أحد يعلم متى تكون الساعة فمن ادعى أنه يعلم الساعة متى تكون فقد كذب القرآن وهو كافر مرتد عن دين الإسلام وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور حين جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له متى الساعة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) يعني إذا كنت لا تعلم فأنا لا أعلم وإذا كان هذان الرسولان الكريمان أفضل الرسل فإن جبريل أفضل الملائكة ومحمد أفضل البشر إذا كان هذان الرسولان الكريمان لا يعلمان متى الساعة فمن دونهما من باب أولى فمن ادعى علم الساعة فهو كاذب مكذب لله عز وجل ولرسوله فإن علم الساعة عند الله تعالى لكنه ليس ببعيد بل هو قريب لأن كل آت قريب والماضي هو البعيد فيومك الأمس أبعد عليك من ألف يوم يأتي لك إن قدر الله لك البقاء.
***
من جمهورية مصر العربية رمز لاسمه بي م ح خ يعمل في العراق يقول يقول الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ما المقصود بالأمانة هنا هل هي أمانة العقل أو ما اؤتمن عليه الإنسان
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالأمانة هنا كل ما كلف به الإنسان من العبادات والمعاملات فإنها أمانة لأنه مؤتمن عليها وواجب عليه أداؤها فالصلاة من الأمانة والزكاة من الأمانة والصيام من الأمانة والحج من الأمانة والجهاد من الأمانة وبر الوالدين من الأمانة والوفاء بالعقود من الأمانة وهكذا جميع ما كلف به الإنسان فهو داخل في الأمانة هذه الأمانة أو هذا الالتزام لا يكون إلا بالعقل ولهذا كان الإنسان حاملاً لهذه الأمانة بما عنده من العقل وليست البهائم ونحوها حاملة للأمانة لأنه ليس لها عقل فهي غير مكلفة فالله عز وجل عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وهذه المخلوقات العظيمة إذا أبت أن تحمل الأمانة وأشفقت منها وخافت فإن حمل الإنسان لها دليل على ظلمه وجهله ولكن الموفق الذي يقوم بهذه الأمانة فيمتثل ما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه يكون أفضل من السماوات والأرض لأنه قبل تحمل هذه الأمانة وقام بها على الوجه الذي طلب منه فكان له فضل الحمل أولاً ثم فضل الأداء ثانياً أما إذا لم يتحمل هذه الأمانة ولم يقم بواجبها فإن الله يقول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) ويقول عز وجل (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فالإنسان الذي لم يقم بواجب هذه الأمانة هو شر الدواب عند الله وهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً وإنما شبهه بالحمار لبلادته وعدم تقديره للأمور حتى يقوم بما يجب عليه.
***
آدم عبده إسماعيل من الصومال يقول ما المقصود بالأمانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ولماذا كان الإنسان ظلوماً جهولا بحمله الأمانة وما هو معنى الآية إجمالاً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمانة هي تحمل المسئولية في العبادات التي أمر الله بها ورسوله وفي اجتناب المحرمات التي نهى الله عنها ورسوله هذه هي الأمانة وأداؤها أن نقوم بذلك على الوجه الأكمل ولما كانت السماوات والأرض والجبال لم يكن لها من العقل والإدراك مثلما للإنسان صار المتحمل لها الإنسان بما أعطاه الله تعالى من العقل والتفكير والتمييز وبما أنزل الله عليه من الكتب وأرسل إليه من الرسل فإن الإنسان قد قامت عليه الحجة بعقله وبالوحي الذي أنزله الله إليه وعلى هذا فإن الإنسان بتحمله هذه الأمانة كان ظلوماً جهولاً لجهله بما يترتب على هذا التحمل ولظلمه نفسه بتحملها (إِنَّهُ) أي الإنسان وهذا باعتبار الإنسان من حيث هو الإنسان أما إذا كان مؤمناً فإنه يزيل عن نفسه هذا الوصف لأنه سوف يهتدي بالوحي فيكون عالماً وسوف يتقي الله عز وجل فيكون غير ظالم لنفسه فالإنسان في الآية الكريمة من حيث هو إنسان على أن يعض المفسرين قال إن المراد بالإنسان هو الكافر ولكن ظاهر الآية العموم وأن الإنسان من حيث هو إنسان ظلوم جهول ولو وكل إلى نفسه لكان ظالماً جاهلاً ولكن الله تعالى منّ عليه بالهدى والتقى فانتشل نفسه من هذين الوصفين الذميمين الظلم والجهل إذا كان مؤمناً.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ما المقصود بهذه الأمانة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بالأمانة ما ائتمن الله عباده عليه من طاعته فإن الله سبحانه وتعالى ألزمهم بالطاعة بامتثال أمره واجتناب نهيه فالتزموا بالعهد الذي بينهم وبينه بما فطرهم عليه من الإيمان به والإقرار به وبما أعطاهم من العقل وبما أرسل إليهم من الرسل فهنا فطرة وهنا عقل وهنا رسالة وبهذه الأمور الثلاثة كان تحمل الأمانة من الإنسان وكلف بها وعليه أن يقوم بهذه الأمانة ويعرف قدرها حيث عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ولكن الإنسان تحملها وحملها فعليه أن يقوم بها وهي طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه فيما يتعلق بعبادته وفيما يتعلق بحقوق عباده.
***
سورة (فاطر)
ع. م. من الرياض تقول أرجو أن تشرحوا لي الآية الكريمة (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خشية الله عز وجل هي الخوف منه مع إجلاله وتعظيمه وهذه الخشية لا تكون إلا من عالم بالله فمن كان بالله أعلم كان لله أخشى وكلما قوي العلم بالله وبأسمائه وصفاته قويت خشية الله عز وجل في قلب العبد فمعنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) يعني ما يخشى الله حق خشيته إلا العلماء بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وشرعه هؤلاء هم أشد الناس خشية لله عز وجل وكلما ضعف علم الإنسان بربه ضعفت خشيته له.
***
الأخ كحلاوي أحمد يقول يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فكيف يعرف العالم
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعرف العالم بكونه يقول في الأشياء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشهادة الناس له بأنه عالم أما الخشية فمحلها القلب وكم من عالم قد سلب من قلبه الهدى فلم يخشع لله واستكبر عن عبادة الله والعياذ بالله لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجةٌ لك أو عليك) لكن العالم حقاً لا بد أن يخشى الله عز وجل إذا عرف قوته وسلطانه وشدة عقابه للمخالف خشي الله وخاف منه ولهذا تجد أكثر الناس ورعاً من كان أعلم ومن المقولة المشهورة من كان بالله أعرف كان منه أخوف.
***
أ. ر. ج. العراق بغداد يسأل ويقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أنه لا يخشى الله عز وجل والخشية هي الخوف المقرون بالعلم والتعظيم لا يخشى الله عز وجل من عباده إلا العلماء والمراد بالعلماء العلماء بالله تعالى وما له من الأسماء والصفات والأفعال الحميدة والأحكام المتضمنة للحكمة وهي شريعة الله عز وجل هؤلاء هم العلماء الذين يخشون الله سبحانه وتعالى لأنهم علموا ما له من الكمال وأما العلماء بأحوال الدنيا فإنهم قد يخشون الله وقد لا يخشونه وما أكثر الذين عندهم علم كثير من علم الدنيا ومع ذلك فهم من أبعد الناس عن خشية الله وأشدهم استكباراً عن الحق ولقد ظن بعض الجهلة أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بأحوال الكون مما أوتوه من علمه كالذين يعرفون الفلك ويعرفون الأرض وما أشبه ذلك وهذا خطأ فهؤلاء إن أدت معرفتهم إلى خشية الله سبحانه وتعالى والإنابة إليه والقيام بطاعته فهم على خير وإن لم تؤدِ إلى ذلك فليس فيهم خير.
***
مصري يقول ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يقول أرجو إيضاح هذه الأقسام الثلاثة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) يعني بهم هذه الأمة أورثهم الله الكتاب فكان كتابهم وهو القرآن الكريم آخر كتاب أنزله الله تعالى على أهل الأرض لأنه نزل على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين أورثهم الله الكتاب وبيَّن الله في هذه الآية أنه اصطفى هذه الأمة على غيرها من الأمم وقسم هذه الأمة ثلاثة أقسام ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات فالظالم لنفسه هو الذي ظلم نفسه بفعل ما لا يجوز أو بترك ما يجب والمقتصد هو الذي اقتصر على فعل الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو الذي قام بالواجب وبما زاد عليه من التطوع ، وتجنب الحرام والمكروه والمباح الذي لا يستفيد منه شيئاً،
مثال الأول الظالم لنفسه رجل كان يصلى لكنه لا يأتي بما يجب في الصلاة من شروط وأركان أو واجبات فهذا ظالم لنفسه، رجل يزكي لكنه لا يحتاط ولا يزكي جميع ما تجب فيه الزكاة من ماله فهذا ظالم لنفسه،
ومثال الثاني رجل يصلى لكنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ولا يأتي بمكملاتها يقتصر التسبيح على واحدة، يقتصر على قراءة الفاتحة، يقتصر في الركوع والسجود على أدنى ما يجب وهكذا، وفي الصدقة يأتي بالواجب من الزكاة ولا يزيد عليه،
وأما الثالث السابق بالخيرات فهو الذي يأتي بالواجبات ويفعل ما يكملها من المستحبات فيصلى الصلاة على أكمل وجه وأتمه ويأتي بالرواتب التابعة لها ويصلى التطوع، وكذلك يؤدي الزكاة ويتصدق بما زاد على ذلك هذا هو السابق بالخيرات، ثم ختم الآية بقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي ذلك السبق في الخيرات هو الفضل الكبير فإنه لا فضل أكبر من أن يمن الله تعالى على الإنسان بالمسابقة إلى الخير وفعل ما يستطيع من الطاعات الواجبة والمستحبة.
***
سورة (يس)
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يبين كمال قدرته وعزته وحكمته ورحمته بعباده حيث قدر هذا القمر منازل كل يومٍ له منزلة غير المنزلة الأخرى فيعود في آخر الشهر كما هو في أوله كالعرجون القديم والعرجون هو غصن ثمر النخل لأنه إذا قدم يلتوي ويضعف وهكذا القمر فإنه يبدو في أول الشهر هلالاً ضعيفاً ثم ينمو شيئاً فشيئاً حتى يمتلئ نوراً في منتصف الشهر ثم يعود في النقص شيئاً فشيئاً حتى يعود كعرجون النخل القديم ملتوياً ضعيفاً والله سبحانه وتعالى قدره هذه المنازل لنعلم بذلك عدد السنين والحساب ويتضح لنا الأمر كما قال الله عز وجل (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ولهذا لا شك ولا ريب أن التوقيت العالمي في العالم هو بهذه الأهلة لأن الله يقول (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) عموماً.
***
سورة (فصلت)
ما معنى قوله تعالى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في الكافرين أعداء الله عز وجل الذين قال الله عنهم (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأعداء الله وهم الكفار هم أعداء للمسلمين أيضاً كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وقال عز وجل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فأعداء الله تعالى أعداء لكل عباده المؤمنين في كل زمان ومكان فالله تعالى يذكر عباده بهذه الحال العظيمة حتى يكونوا من أولياء الله ويبتعدوا عن أعداء الله عز وجل يقول الله عز وجل (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يساقون إليها ويحبس أولهم على أخرهم يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله فإذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم يقول (حتى إذا ما جاؤوها) ما هذه زائدة للتوكيد وكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة كما قيل يا طالباً خذ فائدة (ما) بعد (إذا) زائدة حتى إذا ما جاؤوها أي إذا جاؤوها (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) فيشهد السمع على صاحبه بما سمع من الأقوال المحرمة المنكرة التي استمع إليها صاحب هذا السمع وركن إليها وقام بموجبها (وأبصارهم) بما شاهدوا من الأمور المنكرة التي أقروها ورضوا بها (وجلودهم) بما مسوا فيشمل كل ما مست أيديهم وأرجلهم وفروجهم من الأمور المنكرة المحرمة تشهد عليهم بكل ما مست وهذا أعم من السمع والبصر ولهذا أنكروا على الجلود دون السمع والبصر فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين فيوم القيامة يختم على الألسنة وتتكلم الجوارح قال الله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فتشهد الجلود وعلى كل ما مست من أمر محرم وكذلك السمع والبصر وحينئذ لا يبقى للإنسان عذر بل يكون مقراً رغم أنفه بما جرى منه من الكفر والمعاصي نسأل الله العافية.
***
سورة (الزخرف)
ن. ع. ف. أرسل برسالة يقول فيها أرجو شاكرا ومقدراً تفسير قوله تعالى (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) في سورة الزخرف أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى قوله تعالى (وما كنا له مقرنين) أي ما كنا له مطيقين لولا أن الله سخره لنا فهذه الإبل لولا أن الله سخرها لك ما استطعت أن تركب عليها ولا أن تقودها حيث شيءت ولهذا أشار الله إلى هذه النعمة في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) وهي أي كلمة مقرنين مأخوذة من قرن ومنه الأقران الذين يتساوون في أمر من الأمور والقِرْن مساوٍ لك في القوة وأنت معه على حد سواء لكن الأنعام لست مساوياً لها في قوتها فما أنت لها بمقرن.
***
س. م. يقول قال الله تعالى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) ما معنى هذه الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله سبحانه وتعالى فضل الناس بعضهم على بعض في العقل والذكاء والعلم والعمل والجسم طولاً وقصراً وجمالاً وقبحاً وغير ذلك وهذه ذكرت في القرآن في آيات منها قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) القريتان الطائف ومكة يعني أن المشركين قالوا محمد عليه الصلاة والسلام ليس أهلاً للرسالة وإنزال القرآن عليه فلولا نزل على رجل عظيم قال الله عز وجل (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) والجواب لا ثم قال (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهذا غني وهذا فقير وهذا متوسط (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَت رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قريش تقول هذا وهي تعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام من خير العرب يعني من قبيلةٍ هي خير العرب فبنو هاشم لهم مركزٌ عظيم في قريش وهم كانوا يسمونه الأمين قبل أن يوحى إليه لكن هكذا دعوى المبطل يدعي ما يعلم هو بنفسه أنها دعوى باطلة.
***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) هذا تحدٍ للذين قالوا إن الله له ولد فاليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله والمشركون قالوا الملائكة بنات الله فيقول عز وجل لنبيه (قُلْ) يعني لهؤلاء المدعين أن لله ولداً (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) يعني فأنا أول من يعبد هذا الولد ولن أستنكف عن عبادته ولكن لا يمكن أن يكون له ولد لأن الله تعالى قال (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) وإذا كان كذلك فإنه يمتنع أن يكون لله ولد فهو يقول لو كان للرحمن ولد فلن أترككم تسبقونني إليه فكنت أنا أول من يعبده ولكنه ليس له ولد لذلك أنا أنكر عليكم أن تتخذوا لله ولداً.
***
سورة (الدخان)
ما معنى قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني انتظر يوم تأتي السماء بدخان مبين وهذا الدخان قيل إنه ما أصاب قريشاً من القحط حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل الله عليهم السنوات سبعاً كسني يوسف فأصابهم جدب عظيم فكان الواحد ينظر إلى السماء وكأن بها دخاناً من الغبرة وعدم السحب وقيل أن المراد بالدخان الدخان الذي يكون من علامات الساعة ولم يأت بعد.
***
سورة (الحجرات)
في قوله تعالى (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) أيهما أكمل الإسلام أم الإيمان
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) يعني لم يدخل بعد الإيمان في قلوبكم ولكنه قريب من الدخول ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان كما في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل مؤمن وكافر فإن الإيمان يشمل الإسلام أما إذا ذكرا جميعا كما في آية الحجرات فإن الإيمان في القلب والإسلام في الجوارح والإيمان أكمل.
***
سورة (الطور)
ما هو تفسير الآية الكريمة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
فأجاب رحمه الله تعالى: لما ذكر الله سبحانه وتعالى منَّته على أهل الجنة وأنهم متكئون على سرر مصفوفة ثم قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ) فكان ذكر الذرية بعد ذكر الزوجات من أنسب ما يكون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) يعني بذلك أن الذرية الذين اتبعوا آباءهم بالإيمان يلحقهم الله بآبائهم في درجات الجنة وإن كانت الذرية أدنى مرتبة من الآباء وإذا ألحق الله الذرية بالآباء في الجنة فإن ذلك لا ينقص من درجات الآباء شيئا (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما نقصنا الآباء من عملهم من شيء حين ألحقنا بهم الذرية والمراد بالذرية هنا والله أعلم من لم يتزوج فلم يكن له ذرية فأما من تزوج وكان له ذرية فهو مستقل بنفسه مع ذريته في درجته التي كتبها الله له لأننا لو لم نقل بذلك لزم أن يكون أهل الجنة كلهم في درجة واحدة وقوله تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) فيه دليل على أن الإنسان لا يظلم من عمله شيئا لكن قد يزاد في أجره تفضلا من الله مثل زيادة أجر الذرية حتى يلحقوا بآبائهم فإن هذا فضل لكن الآباء لا ينقصون في مقابل هذه الزيادة لأن كل امرئ بما كسب رهين.
***
سورة (النجم)
ما هي قصة الغرانيق الواردة في بعض كتب السيرة مع شرح قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى) وما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قصة الغرانيق هي أنه ذكر بعض المفسرين على قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ذكر بعض المفسرين أن هذه القصة كانت حين قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام (أَفَرَأَيْتُمْ اللَاّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) أن الشيطان ألقى في قراءته تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى وهذه القصة أنكرها كثير من أهل العلم وقالوا إنه لا يمكن أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وطعنوا في إسنادها ومن العلماء من لم ينكرها وقال إن هذا ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الله يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى) يعني قرأ (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فالذي ألقى هذا الكلام هو الشيطان وليس النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان هو الشيطان فإن ذلك لا يقدح في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) إلى آخر الآيات وهذا لا يقدح في مقام النبوة وفي مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى) فإن الضمير في قوله وما ينطق يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنه صلى الله عليه وسلم ما يقوله عن ربه وما يبلغه من الوحي فإنه لا ينطقه عن هوى منه أو تقول على الله عز وجل بلا علم وإنما هو وحي يوحيه الله إليه ولهذا قال (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى) فأتى بعن الدالة على أن المعنى ما ينطق نطقا صادرا عن هوى وإنما هو عليه الصلاة والسلام ينطق عن الوحي الذي أوحاه الله إليه.
فضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة يقول ما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا ومن غيره من الإسرائيليات أن يعرض هذه الإسرائيليات على ما في الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو حق لا لأنه من خبر بني إسرائيل بل لأنه موافق للكتاب والسنة وما خالفه فهو باطل وما لم يخالفه ولم يوافقه يعني ما لم تعلم مخالفته ولا موافقته فإنه يتوقف فيه ولا يحكم بصدقه ولا بكذبه.
***
ما معنى الآية (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) يعني جبريل عليه السلام دنا من الرسول صلى الله عليه وسلم فتدلى من فوق (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) أي كان قريباً فأوحى أي جبريل إلى عبده أي إلى عبد الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى وأبهم الموحى تعظيماً له وتفخيماً لأن الإبهام يأتي في موضع التفخيم كما قال الله تعالى (فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) أي أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ما أوحى من الوحي العظيم.
***
سورة (القمر)
ما تفسير قوله تعالى (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله سبحانه وتعالى يخبر أن الساعة قد اقتربت لأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو آخر الأنبياء لا نبي بعده ويخبر جل وعلا أن القمر انشق أي انفلق فلقتين وقد شاهده الناس ورأوه تفرق حتى رأوا ذلك بأعينهم وأبصارهم وقد ثبتت الأحاديث في ذلك وقد أنكر بعض الناس أن يكون القمر قد انشق وقالوا إن الأفلاك السماوية لا تتغير ولكن إنكاره هو المنكر لأنه إذا ثبت ذلك فالله على كل شيء قدير والله تعالى هو خالق السماوات والأرض وإذا كان خالق السماوات والأرض فهو قادر على أن يفرق ما اجتمع وأن يجمع ما تفرق.
***
سورة (الرحمن)
ما معنى قوله تعالى (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يكون يوم القيامة فإن هذه السماوات العظيمة الواسعة الأرجاء الكبيرة إذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى يطويها كطي السجل للكتب كما قال الله تعالى (يوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وقال تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وأما الآية التي سألت عنها فإن الله تعالى أخبر بأن السماء تنشق وذلك بنزول الملائكة كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً) فالظاهر والله أعلم أن قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ) إشارة إلى هذا وقوله (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أي تكون كحمرة الورد والدهان قيل إنه الجلد الأحمر وقيل إن الدهان ما ينظر من الدهن يكون متلوناً بألوانٍ متعددة وعلى كل حال فالآية تشير إلى أن هذه السماء سوف تكون بهذا اللون وعلى هذه الصفة في ذلك اليوم العظيم وجواب إذا في قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) محذوف وإنما حذف لأجل التهويل والتفخيم أي كان من الهول ما يكون وما هو أمرٌ عظيم ولهذا قال بعدها (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ) .
***
سورة (الحديد)
علي بشير من محافظة نينوى يقول قال الله تعالى في كتابه العزيز (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يقول هذه الأيام من أيام الدنيا أم من أيام الآخرة نرجو بذلك إفادة
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وأطلق الله تعالى هذه الأيام وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي صيرناه بلغة العرب لتعقلوه وتفهموا معناه وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فإذا أطلق الله تعالى شيئاً في كتابه ولم يكن له معنى شرعي يرجع إليه فإنه يجب أن يحمل على ما تقتضيه اللغة العربية والأيام هنا مطلقة قال في ستة أيام فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة المعروفة لنا وهي هذه الأيام التي نعدها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فهذه ستة أيام خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض قال الله تعالى مفسراً ذلك في سورة فصلت (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أوكَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) ففصل الله تعالى هذه الأيام في هذه السورة تفصيلاً بيناً واضحاً فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة التي يعرفها الناس في هذه الدنيا أما أيام الآخرة فإن الله تعالى قال عن يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة
***
من الأمارات العربية المتحدة العين يقول كيف تفسر المعية في قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معية الله تبارك وتعالى لخلقه حقيقية أضافها الله إلى نفسه في عدة آيات وهي أنواع
معية تقتضي النصر والتأييد مع الإحاطة مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى لموسى وهارون (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وقول الله تبارك وتعالى عن نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وصاحبه هنا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع
ومعيةٌ أخرى تقتضي التهديد والتحذير ومثاله قوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)
ومعيةٌ تقتضي العلم والإحاطة بالخلق كما في قول الله تعالى (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) هذه المعية الحقيقية لا تعني أن الله تعالى مع الخلق في الأرض كلا والله فإن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء كما قال الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) وقد دل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله تبارك وتعالى وأنه فوق كل شيء وتنوعت الأدلة من الكتاب والسنة على علو الله تبارك وتعالى واستمع قال الله تعالى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) قالها في أعظم آيةٍ من كتاب الله وهي آية الكرسي والعلي من العلو وقال تعالى (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) والأعلى وصف تفضيل لا يساميه شيء وقال الله تبارك وتعالى (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) وقال تعالى (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) والآيات في هذا كثيرة والسنة كذلك دلت على علو الله تعالى قولاً من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعلاً وإقراراً فكان يقول صلى الله عليه وسلم (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) وكان يقول (سبحان ربي الأعلى) ولما خطب الناس يوم عرفة وهو أكبر اجتماعٍ للنبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه قال (ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد) يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس (اللهم) يشير إلى الله عز وجل في السماء (اشهد) يعني على الناس أنهم أقروا بالبلاغ أي بتبليغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياهم وأتي إليه بجارية مملوكة فقال لها (أين الله قالت في السماء فقال لسيدها أعتقها فإنها مؤمنة) وأقرها على قولها إن الله في السماء وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسانٍ وأئمة الهدى من بعدهم فكلهم مجمعون على علو الله تعالى وأنه فوق كل شيء لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أن الله ليس في السماء أو ليس فوق عباده ولهذا يجب على المؤمن أن يعتقد بقلبه اعتقاداً لا شبهة فيه بعلو الله تعالى فوق كل شيء وأنه نفسه جل وعلا فوق كل شيء وكيف يعقل عاقل فضلاً عن مؤمن أن يكون الله تعالى مع الإنسان في كل مكان أيمكن أن يتوهم عاقل بأن الإنسان إذا كان في الحمام يكون الله معه إذا كان في المرحاض يكون الله معه إذا كان واحد من الناس في الحجرة في بيته وآخر من الناس في المسجد يكون الله هنا وهناك الله واحدٌ أم متعدد إن الإنسان الذي يقول الله في كل مكان بذاته يلزمه أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعتقد أن الله متعددٌ بحسب الأمكنة وإما أن يعتقد أنه أجزاءٌ بحسب الأمكنة وحاشاه من ذلك لا هذا ولا هذا إنني أدعو كل مؤمنٍ بالله أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تبارك وتعالى في السماء لا يحصره مكان وإني أخشى على من لم يعتقد ذلك أن يلقى الله تعالى وهو يعتقد أن الله في كل مكان أن يلقى الله على هذه الحال فيكون مجانباً للصواب والصراط المستقيم عباد الله لا تلفظوا بأقوال من أخطؤوا من أهل العلم اقرؤوا القرآن بأنفسكم واعتقدوا ما يدل عليه هل يمكن أن يقرأ قارئ (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ثم يعتقد أنه في المكان الذي هو فيه يعني الذي الإنسان فيه لا يمكن أبداً وأما قول هؤلاء الذين أخطؤوا وجانبوا الصواب وخالفوا الصراط إن المراد بذلك علو المكانة فكلا والله إن هؤلاء أنفسهم إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى السماء إلى من دعوا وهل هذا إلا فطرة مفطورٌ عليها كل الخلق العجوز في خدرها تؤمن بأن الله تعالى فوق كل شيء فالفطرة إذاً دالة على علو الله تعالى نفسه فوق كل شيء العقل كذلك يدل على هذا فإنه من المعلوم أن العلو صفة كمال وأن السفول صفة نقص وأيهما أولى أن نصف رب العالمين بصفة الكمال أو بصفة النقص كل مؤمن يقول له صفة الكمال المطلق ولا يمكن أن يوصف بالنقص بأي حالٍ من الأحوال إذا علمت ذلك فقد يتراءى لك أن هذا ينافي قول الله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) فأقول لك أيها الأخ المسلم إنه لا ينافيه لأن الله سبحانه وتعالى ليس كعباده ليس كالمخلوق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهو أعلى وأجل مما يتصوره الإنسان ولا يمكن أن يحيط الإنسان بالله علماً كما قال عن نفسه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فهو وإن كان في السماء فوق كل شيء فهو مع العباد لكن ليس معناه أنه في أمكنتهم بل هو محيطٌ بهم علماً وقدرةً وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته فإياك يا أخي المسلم أن تلقى الله على ضلال اقرأ قول الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) ثم اقرأ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ثم آمن بهذا وهذا واعلم أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الله فوق كل شيء بأن الله نفسه فوق كل شيء بأنه ليس حالاً في الأرض ولا ساكناً فيها ثم يؤمن مرةً أخرى بأنه تعالى له عرشٌ عظيم قد استوى عليه أي علا عليه علواً خاصاً غير العلو المطلق علواً خاصاً يليق به جل وعلا وقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من القرآن كلها بلفظ (استوى على) واللغة العربية التي نزل بها القرآن تدل على أن (استوى على) أي علا عليه كما في قول الله تبارك وتعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن استواء الله على العرش استواءٌ حقيقي وهو علوه جل وعلا على عرشه لم يرد عن أحدٍ منهم تفسيرٌ ينافي هذا المعنى أبداً وهنا أعطيك قاعدة وهي أنه إذا جاء في الكتاب والسنة لفظٌ يدل على معنى ولم يرد عن الصحابة خلافه فهذا إجماعٌ منهم على أن المراد به ظاهره وإلا لفسروه بخلاف ظاهره ونقل عنهم ذلك وهذه قاعدةٌ مفيدة في تحقيق الإجماع في مثل هذه الأمور وأما من فسر (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأنه استولى عليه فتفسيره خطاٌ ظاهر وغلطٌ واضح فإن الله استولى على العرش وغيره فكيف نقول إنه استوى على العرش خاصة يعني استولى عليه ثم إن الآيات الكريمة تأبى ذلك أشد الإباء اقرأ قول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فلو فسرت استوى بمعنى استولى لكان العرش قبل ذلك ليس ملكاً لله بل هو ملكٌ لغيره وهل هذا معقول هل يمكن أن يتفوه بهذا عاقل فضلاً عن مؤمن أن العرش كان مملوكاً لغير الله أولاً ثم كان لله ثانياً ألا فليتقِ الله هؤلاء المحرفون للكلم عن مواضعه وليقولوا عن ربهم كما قال ربهم عن نفسه جل وعلا فهم والله ليسوا أعلم بالله من نفسه وليسوا أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنه أنه فسر هذا اللفظ بما فسر به هؤلاء وليسوا أعلم بالله وصفاته من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنهم أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء على العرش ألا فليتقِ الله امرؤ ولا يخرج عن سبيل المؤمنين بعد ما تبين له الهدى فإنه على خطرٍ عظيم إن العلماء الذين سبقوا وأتوا من بعد الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفسروا الاستواء بالاستيلاء نرجو الله تبارك وتعالى أن يعفو عن مجتهدهم وأن يتجاوز عنهم وليس علينا أن نتبعهم بل ولا لنا أن نتبعهم فيما أخطؤوا به ونسأل الله لهم العفو عما أخطؤوا به بعد بذل الاجتهاد ونرجو الله أن يوفقنا للصواب وإن خالفناهم ولا يغرنك أيها الأخ المسلم ما تتوهمه من كثرة القائلين بهذا أي بأن استوى بمعنى استولى فإنهم لا يمثلون شيئاً بالنسبة للإجماع السابق فالصحابة كلهم مجمعون على أن (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أي علا عليه لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أنه استولى عليه فهم مجمعون على هذا وكذلك الأئمة من بعدهم أئمة المسلمين وزعماؤهم كالإمام أحمد وغيره إن بينك وبين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أزمنة وعلماء لا يحصيهم إلا الله عز وجل فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من خلف فالخير كل الخير فيمن سلف وليس فيمن خلف أيها الأخ المسلم المستمع إنني لم أطل عليك في هذين الأمرين علو الله عز وجل واستوائه على عرشه والأمر الثالث معيته لخلقه إلا لأن الأمر خطير ولأنه قد ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من أخطأ ممن خلف أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للصواب وأن يتوفانا على العقيدة السليمة الخالصة من كل شوب.
***
سورة (المجادلة)
نصر علي زهرة مصري يعمل بالأفلاج يقول ما سبب نزول قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وما معنى هذه الآية
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سبب هذه الآية أن امرأةً لأوس بن الصامت رضي الله عنه وعنها ظاهر منها زوجها أوس والظهار أن يقول الإنسان لزوجته أنتِ علي كظهر أمي وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية فجاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع الله تعالى شكواها وأنزل حل قضيتها على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) أي تجادلك في شأنه تريد منك حلاً له والسمع هنا من الله عز وجل سمعٌ حقيقي سمع الله قولها وهو فوق سماواته على عرشه ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها والله جل وعلا فوق عرشه عالٍ على خلقه سمع قولها ثم بين الله عز وجل أن الله يسمع تحاورها مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى سميعٌ بصير قد وسع سمعه الأصوات فما من صوتٍ خفيٍ ولا بين إلا وهو يسمعه سبحانه وتعالى وما من شيء يُرى إلا وهو يراه سبحانه وتعالى سواءٌ كان خفياً أم بيناً ثم بين الله تعالى حكم هذه القضية وهي الظهار بأنها منكرٌ من القول وزور فهي كذبٌ من أشد الكذب إذ كيف تكون زوجتك التي أحل الله لك جماعها مثل أمك التي حرم الله عليك جماعها فتحريم الأم أي تحريم جماعها من أشد ما يكون إثماً وتحريماً وتحليل الزوجة من أبلغ ما يكون حلاً وإباحة فكيف يشبّه هذا بهذا وهو قولٌ منكر لأنه محرم مضادٌ لحكم الله عز وجل ولكن مع هذا فإن الله عفوٌ غفور إذا طلب الإنسان من ربه العفو والمغفرة غفر له سبحانه وتعالى أما من جهة حكمه من جهة الزوجة فإنه لا يجوز له أي لزوجها أن يمسها حتى يفعل ما أمر الله به حتى يعتق رقبة فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين قبل أن يمسها فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً قبل أن يمسها وفي هذه العقوبة الشديدة بل في هذه الكفارة الشديدة دليلٌ على عظم الظهار وتحريمه وكبره وأنه يجب على المرء أن يطهر لسانه منه وأن يتقي الله تعالى في نفسه فلا يظاهر من زوجته لما فيه من المنكر والزور والإضرار بها وبزوجها والله المستعان.
***
من السودان أ. هـ. ع. لقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلة الرحم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ولكن كيف تتفق هذه الآيات مع قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) الآية وبما أن الكفر والشرك محادة لله ولرسوله فكذلك قاطع الصلاة مثلاً أو الذين لهم اعتقادات فاسدة كالتوسل بالأولياء وغير ذلك وكممارستهم للباطل في أفراحهم ومآتمهم فكيف نعاملهم أفيدونا جزاكم الله خيراً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا معارضة بين أمر الله تعالى بصلة الرحم وبين قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وذلك لأن الصلة لا يلزم منها الموادة فالموادة معناها تبادل المودة والمودة هي أعلى أو هي خالص المحبة وعلى هذا فإنه من الممكن أن تصل هؤلاء الأقارب وأنت لا تحبهم بل تكرههم على ما هم عليه من الباطل من الشرك فما دونه ولهذا قال الله عز وجل (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فأمر الله سبحانه وتعالى أن نصاحب الوالدين في الدنيا معروفاً وإن كانا كافرين مشركين بل وإن كان قد بذلا جهدهما في أن يكون ابنهما مشركاً بالله عز وجل أو في أن يكون ولدهما من ذكر أو أنثى مشركاً بالله عز وجل ومن الممكن عقلاًً وشرعاً أن تصل شخصاً وقلبك يكرهه تصله بما بينك وبينه من القرابة أو من الجوار إذا كان جاراً لك ولكنك تكرهه بقلبك على ما عنده من محادة الله ورسوله.
***
سورة (الحشر)
ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية ظاهر وهو أن الله حكم بالفلاح على من وقاه الله تعالى شح نفسه أي طمعها فيما ليس لها أو طمعها بحيث تمنع ما يجب عليها لأن الشح مداره على أمرين إما طمع فيما ليس لك أو فيما ليس من حقك وإما منع لما يجب عليك بذله فمن وقاه الله شح نفسه بحيث لا يطمع فيما لا يستحق ولا يمنع ما يجب عليه فإن هذا من أسباب الفلاح فمثلاً إذا وقي الإنسان شح نفسه في الزكاة وصار يخرج جميع ما يجب عليه منها ويسره الله تعالى للبذل في الصدقات وما يقرب إلى الله عز جل فهذا قد وقي شح نفسه في بذل ما يحبه الله عز وجل وعدم منع ما يجب عليه ومن وقاه الله تعالى أخذ أموال الناس بالباطل من سرقة أو خيانة أو ما أشبه ذلك فقد وقاه الله شح نفسه فيكون وقاية شح النفس بأن يحمي الله عز وجل المرء من الطمع فيما لا يستحق أو من منع ما يجب عليه بذله فمن وقي ذلك كان من المفلحين والفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب وزوال المكروه.
***
سورة (الممتحنة)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية وكان من جملة الصلح الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش أن من جاء من قريش مؤمناً رده النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأنزل الله هذه الآية استثناء من ذلك الصلح لأنه إذا جاءت المرأة مؤمنة مهاجرة فإنها لا ترد إلى الكفار بعد أن تمتحن وتختبر ليتبين صدق هجرتها من زيفها (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)(الممتحنة: من الآية10) هذا بالنسبة للمتزوجات فإنها لا تحل لزوجها بعد أن أسلمت وهو باقٍ على الكفر لا تحل له لأن الكافرة لا تحل للمؤمن وكذلك المؤمنة لا تحل للكافر إلا أنه يستثنى من الكافرة في حلها للمؤمن إن كانت من أهل الكتاب لقوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقوله (وآتوهم ما أنفقوا) أي آتوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن لأنهن خرجن منهم بغير اختيار منهم فعوضوا بالنفقة ثم بين الله عز وجل أنه يحل للمؤمنين أن يتزوجوا هؤلاء النساء اللاتي خرجن مهاجرات من أزواجهن فقال (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) والمراد بالأجور هنا الصداق وسماه الله أجراً لأنه عوض عن استمتاع الرجل بالمرأة فكأنه عوض في الإجارة.
***
سورة (الصف)
السائلة ريم من ليبيا تستفسر عن الآية الكريمة (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) هل يدخل في هذه الآية جهاد النفس الأمارة بالسوء وجهاد الهوى والشيطان
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يقول اله تعالى فيها (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) واعلم أن الله تعالى إذا صَدَّرَ الكلام بقوله (يا أيها الذين آمنوا) فإنه ينبغي لك أن تستمع إلى هذا النداء الموجه من الله عز وجل إليك لأنه إذا ناداك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خير تنتفع به ولهذا يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال إذا قال الله تعالى (يا أيها الذين أمنوا) فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وأما شر تنهى عنه وقوله (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) هذا استفهام بمعنى التشويق يعني أن الله تعالى يشوقنا إلى هذه التجارة وهي التجارة الرابحة تجارة الآخرة (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) والمراد بالجهاد في سبيل الله هنا هو جهاد الأعداء أي بذل الجهد في قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأما جهاد النفس فهو داخل في قوله (تؤمنون بالله ورسوله) إذ أن من كمال الإيمان وتحقيق الإيمان أن يجاهد الإنسان نفسه عن فعل المعاصي وعلى فعل الواجبات.
***
سورة (المنافقون)
ما هو الاسم الكامل لرأس المنافقين الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وما اسم الابن الذي منعه من دخول المدينة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) هو عبد الله بن أُبي رأس المنافقين وأما الذي منعه من دخول المدينة حتى يقول إنه الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز هو ابنه عبد الله رضي الله عنه وهذا يدل على حكمة الله عز وجل في خلقه حيث يخرج من الخبيث الطيبَ كما يخرج من الطيب الخبيثَ فهاهو نوح عليه الصلاة والسلام كان أحد أبنائه كافراً وهذا المنافق عبد الله بن أبي كان ابنه مؤمناً فالله عز وجل يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والعالم من الجاهل والجاهل من العالم كل هذا يدلنا دلالة واضحة على أن المدبر لهذا الكون هو الله عز وجل بحكمته وليس مجرد طبيعة تتفاعل وتنظم نفسها بل لها خالق مدبر ذو سلطان عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض.
***
سورة (التغابن)
من سور القرآن الكريم سورة التغابن فما معنى (التغابن)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التغابن هو الغلبة بالغبن وقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة قال الله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) التغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة حيث يكون فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة ولهذا قال الله تعالى (أنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) .
***
سورة (التحريم)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ) ما هو المقصود بذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بهذا (أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه أكل العسل وقال لا آكل العسل) فبين الله له سبحانه وتعالى أنه لا ينبغي أن يحرم ما أحل الله له من أجل طلب مرضاة زوجاته ولكنه سبحانه وتعالى بيّن له ما يزول به هذا التحريم فقال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وبناء عليه لو حرم الإنسان شيئاً مما أحل الله له فإنه يُنهى عن هذا ولكنه إذا فعل فإن لهذا الفعل حلاً وهو أن يُكَفِّر كفارة يمين ثم يعود إلى ما حرمه على نفسه مثال ذلك لو قال حرام علي أن أدخل بيت فلان ثم أراد أن يدخله نقول ادخل البيت وكَفِّر كفارة يمين لأن الله قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وكذلك لو قال حرام علي أن أكلم فلاناً نقول كلمه وكفر كفارة يمين فكل شيء أحله الله إذا حرمه الإنسان فإن له حكم اليمين يكفر كفارة اليمين ثم يفعله.
***
سورة (الملك)
خلفان محمد ناصر البورسعيدي من سلطنة عمان يقول ما هو الأفضل في الدعاء الإسرار به أم الجهر وهل هو المراد بقوله تعالى (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان يدعو لنفسه ولغيره فإنه يجهر بالدعاء كدعاء الإمام في القنوت فإنه يجهر به لأنه يدعو لنفسه ولغيره وكذلك يأتي به بصيغة الجمع فيقول مثلا اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ولا يقول اللهم اهدني فيمن هديت لأنه إذا خص نفسه بالدعاء وهم يستمعون ويؤمنون فإن هذا من الخيانة ذلك لأن الدعاء إذا كان لنفسك ولغيرك دعاء مشترك فتخصيص نفسك به نوع من الخيانة فعلى هذا نقول إذا كان الدعاء مما هو مشترك للداعي ولغيره فإنه يجهر به ولكن الدعاء المشترك الذي هو للداعي ولغيره موقوف على ما ورد به الشرع فلا يجوز إحداث أدعية جماعية بدون ورود الشرع بها لأن إحداث مثل هذه الأمور من البدع التي ينهى عنها أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه فهذا محل تفصيل إن كان في صلاة الجماعة فإنه لا يجهر به لأن ذلك يشوش على من حوله ولهذا تجد بعض المأمومين يجهرون بما يدعون الله به إما بين السجدتين وإما في السجود وإما في التشهد وهذا لا ينبغي منهم فقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه يوما وهم يصلون ويجهرون بالقرآن فنهاهم أن يجهر بعضهم على بعض أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه وليس حوله أحد فإنه ينظر ما هو أصلح لقلبه إن كان الأصلح أن يسر أسر وإن كان أصلح أن يجهر جهر لكن في حال جهره لا ينبغي أن يشق على نفسه فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه وقد رفعوا أصواتهم بالذكر قال (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وانما تدعون سميعا قريبا وهو معكم إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) والله سبحانه وتعالى قريب مجيب وهو سبحانه وتعالى فوق عرشه على جميع خلقه.
***
سورة (الجن)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) فما هي هذه الطريقة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) يعني وأنهم لو استقاموا على الطريقة وهي صراط الله المستقيم الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه لو أن الخلق استقاموا عليها لأسقاهم الله ماءً غدقاً أي ماءً كثيراً تنبت به الزروع ثم تدر بهذه الزروع الضروع وتحصل الخيرات والبركات كما قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) فلو استقام الناس على الطريقة التي شرعها الله لهم على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام لحصلت لهم الخيرات والبركات من السماء والأرض.
***
سورة (المدثر)
أم حسان تقول قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) من سورة المدثر ما المقصود في الآية بأصحاب اليمين ولماذا لا يرتهنون بذنوبهم
فأجاب رحمه الله تعالى: كل نفسٍ بما كسبت رهينة أي مرهونة محبوسة على ما كسبت أما قوله (إلا أصحاب اليمين) فإلا هنا ليست استثناءً بل هي بمعنى لكن فهو استثناءٌ منقطع فالمعنى كل نفسٍ بما كسبت رهينة أصحاب اليمين وغير أصحاب اليمين ثم قال لكن أصحاب اليمين في جناتٍ يتساءلون عن المجرمين فإلا هنا بمعنى لكن لأن الاستثناء منقطع.
***
سورة (القيامة)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه جملة قسم معطوفة على جملة سابقة فيها قسم أيضاً (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ومعنى الآية أن الله تعالى يقسم بالنفس اللوامة وهي النفس التي تلوم الإنسان على فعل الخير وهذه هي النفس الأمارة بالسوء أو تلوم الإنسان على فعل الشر وهي النفس المطمئنة وذلك أن للإنسان نفسين نفسا أمارة بالسوء ونفسا مطمئنة فالنفس المطمئنة تأمره بالخير وتنهاه عن الشر والنفس الامارة بالسوء تأمره بالسوء وتلح عليه والنفس اللوامة جامعة بين هذا وهذا وصف للنفسين جميعاً فالنفس المطمئنة تلوم الإنسان على ترك الخير وفعل الشر والنفس الامارة بالسوء تلومه على فعل الخير وعلى ترك الشر فاللوم وصف للنفسين جميعاً فيقسم الله بالنفس اللوامة لأن النفس اللوامة هي التي تحرك الإنسان وتغير اتجاهاته إلى خير أو شر.
***
ما معنى الآية الكريمة في سورة القيامة (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآيتين أن الله تعالى ينكر على من يظن أن الله لا يجمع عظامه ولا يعيده يوم القيامة ويقول عز وجل (بلى) أي نحن قادرون على ذلك قادرون على أن نسوي بنانه أي أطراف أصابعه أن نسويها أي أن نعيدها كما كانت سوية مع أن الرجل قد يكون أكلته الأرض وذهب كل جسده ولكن الله تعالى قادر على أن يخلق حتى بنانه الذي هو أطراف أصابعه يخلقه الله تعالى سويا كما كان وهذا أيضا ليس بالأمر الصعب على الله عز وجل وليس بالأمر الذي يتأخر قال الله تبارك وتعالى (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) وقال تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)
***
ما معنى قوله تعالى (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية ذكرها الله تعالى جواباً على قوله (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) وذلك عند البعث فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة فبين الله تعالى أن هذا الظن باطل وأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يخلقه على أتم خلق بحيث يخلقه تاماً حتى بنانه يكون مستوياً تاماً ليس فيه نقص والبنان هي الأصابع كما يقال يشار إلى فلان بالبنان أي بالأصابع فهذه الأصابع أدنى جزء من أعضاء البدن وإذا كان الله تعالى قادراً على أن يسويها فما فوقها من باب أولى.
***
سورة (الإنسان)
ما معنى الآيتين الكريمتين (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) والآية الأخرى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) أي بينا له السبيل ووضحناها له سواء كان شاكرا أم كفورا فبين الله السبيل ثم انقسم الناس إلى شاكر وكفور ثم بين الله في هذه السورة جزاء الكافرين وجزاء الشاكرين أما قوله (وهديناه النجدين) فقيل إن معناه بينا له طريقي الخير والشر فيكون كهذه الآية أو قريبا منها وقيل معنى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) أي هديناه إلى ثديي أمه لأن الصبي من حين ما يخرج من بطن أمه ثم يلقم الثدي يعرف أنه ثدي فيمصه من قال له هذا؟ أقالته أمه لو قالته ما فهم لكن هذا من الله عز وجل هداه سبحانه وتعالى بفطرة هذا الصبي أن يعرف أن هذين العضوين في الأم فيهما غذاؤه فيمص والآية مادامت صالحة للقولين فهي لهما جميعا لأننا نحب أن نقول لإخواننا المستمعين أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما على الآخر ولا منافاة بينهما فإنه يجب أن تحمل عليهما جميعا لأن الذي يتكلم بها وهو الله عز وجل عالم بما تحتويه من المعاني.
***
سورة (التكوير)
أرجو تفسير الآية من سورة التكوير في قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) والآية الأخرى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) فإن الله سبحانه وتعالى يذكر الأحوال يوم القيامة وأن من جملة الأحوال أن العشار وهي الإبل الحوامل تعطل ولا يلتفت إليها وذلك لأن كل امرئٍ له شأنٌ يغنيه عن غيره حتى إن الإنسان ليفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فلا يهتم بأنفَس الأموال عند العرب وهي العشار
وأما الآية الثانية فإن الموؤودة فهي الفتاة التي تدفن وهي حية وكان من العرب في الجاهلية من يدفن البنات خوفاً من العار كما قال الله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) هذه الموؤدة إذا كان يوم القيامة فإنها تسأل بأي ذنبٍ قتلت ومن المعلوم أنه لا ذنب لها ولكنها تسأل توبيخاً وتقريعاً وتلويماً لمن وأدها وهذا كما تقول للشخص المظلوم أمام ظالمه بأي شيء اعتدى عليك بأي شيء أخذ مالك وما أشبه ذلك مما يكون فيه تقريعٌ وتوبيخٌ للفاعل وتبرئةٌ للمفعول به.
***
سورة (المطففين)
ما غرض الإستفهام في الآيتين (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ)(وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من باب تفخيم الأمر وتعظيمه.
***
سورة (البروج)
بارك الله فيكم المستمع من اليمن يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ في سورة البروج (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) السؤال يا فضيلة الشيخ كيف يكون الافتتان بين المؤمنين والمؤمنات أرجو إفادة
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) معناه أن الذين صدوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم إما بإيراد الشبه وإما بالقوة ثم لم يتوبوا من ذلك فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ومن الفتنة أي فتنة المؤمنين في دينهم أن يهون عليهم المعصية فيقول هذا أمر هين هذا جرى عليه الناس هذا يفعله الناس افعل هذا واستغفر الله، وما أشبه ذلك من الأمور التي تهون المعصية على المؤمنين فيكون بذلك فاتناً لهم عن دينهم فكل عمل قولي أو فعلي يقتضي صد الناس عن دينهم وتهوين الدين عليهم فإنه من الفتنة فيكون داخلاً في هذه الآية ولكن لا شك أن الفتنة التي تؤدي إلى الكفر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل كبيرة من الكبائر وأن الفتنة التي تؤدي إلى كبيرة من الكبائر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل صغيرة من الصغائر وكل شيء له درجته ومنزلته
***
سورة (الأعلى)
ما المقصود بالآية الكريمة (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود منها ما هو معلومٌ من ظاهرها أن الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرئه القرآن ولا ينساه والمراد لا تنسى نسياناً دائماً وإلا فقد وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم النسيان في بعض الآيات التي يقرؤها ولكنه صلى الله عليه وسلم يتذكرها إما بسماعها من أحد وإما بتنبيهه إياه بعد ذلك ولهذا قال (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (6) إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)
***
قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ما المراد بالذكر هنا أهو التهليل أم غيره أرشدوني والمسلمين أعد الله لكم أجراً عظيماً
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي من تطهر من الشرك فما دونه من الذنوب (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) هذا يشمل كل ذكر لله عز وجل والصلاة معروفة وقد ذهب بعض أهل العلم من المفسرين إلى أن المراد بذكر الله هنا خطبة الجمعة والصلاة صلاة الجمعة قالوا لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) والصواب أن الآية عامة لكل من ذكر اسم الله تعالى ثم صلى سواء في الجمعة أو في غيرها وذكر اسم الله تعالى يكون بقول لا إله إلا الله بقول سبحان الله والحمد لله بل وبفعل العبادات أيضاً لأن العبادات في الحقيقة ذكر لله عز وجل.
فضيلة الشيخ: هناك من يقيد هذه الآية برمضان والعيد
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان يجعلها دالة على زكاة الفطر لقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ولكن هذا ليس بتقييد للآية بل هو من جملة ما تدل عليه.
***
سورة (الفجر)
من اليمن الشمالي الأخ فريد عبد الله يسأل عن الآيات الكريمات في سورة الفجر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته وعظمته فالفجر الساطع المنفلق بعد الظلمة الدامسة من آيات الله عز وجل لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بالشمس التي هذا مقدم ضوئها إلا الله عز وجل وفي الفجر من آيات الله تغير الأفق وانفتاح النور على الناس وفتح باب معايشهم وغير ذلك من الأمور التي يخفى علينا كثير منها لكنه من آيات الله العظيمة
أما الليالي العشر فإنها إما الليالي العشر من رمضان التي فيها ليلة القدر وليلة القدر خير من ألف شهر وفي كل ليلة من الليالي العشر وغيرها أيضاً ينزل الله عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا على وجه لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وإما أن تكون الليالي العشر عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام (ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) فإن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في أيام عشر رمضان بهذا الحديث وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين باغتنام الفرصة في هذه الأيام العشرة فإن أكثر المسلمين في غفلة عن فضلها وفضل العمل فيها ولهذا تمر عليهم وكأنها أيام عادية لا تختص بفضل فينبغي في عشر ذي الحجة كثرة الطاعة والعمل الصالح بالصلاة والصدقة والصيام وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى
وأما الشفع والوتر فقيل إنه إقسام بالمخلوق والخالق فالشفع المخلوق والوتر الله عز وجل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله وتر يحب الوتر) وأما الشفع فهو المخلوق لقوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
وأما قوله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) فهو إقسام بالليل عند سريانه وشيوع ظلمته وهو أيضاً من آيات الله وهو مقابل الإقسام بالفجر فإن لليل ظلمة يسكن فيه الناس ويستجدون نشاطهم بالنوم الذي جعله الله تعالى سباتاًَ ليقطعوا التعب السابق وليجددوا القوة للعمل اللاحق فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء وقال بعدها (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) وهذا الاستفهام للتقرير أي أن هذا قسم عظيم يعرفه كل ذي حجر والحجر هنا بمعنى العقل كل عاقل يتدبر ما في هذه الأشياء التي أقسم الله بها يتبين له عظمة هذا القسم وأما المقسم عليه فقد اختلف فيه النحويون وليس هذا موضع بسطه لكن أحب أن أنبه على فائدة مهمة لطالب العلم وهي أن الله تعالى عز وجل أحياناً يقسم بأشياء دالة على عظمته وقدرته ليبين بهذا القسم عظمة هذه الأشياء وأنها من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة وإن لم يكن هناك شيء مقسم عليه ومن ذلك مثلاً قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) فإن بعض النحويين يقول إن في المقسم به دليل على المقسم عليه فلا يحتاج إلى مقسم عليه ومن أراد التوسع في هذا فعليه بقراءة التبيان بأقسام القرآن لشمس الدين ابن قيم الجوزية أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله.
***
سورة (القدر)
فائز فرج عبد الرزاق يقول في الآية الكريمة (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لا أفهم كيف تكون ليلة القدر خير من ألف شهر أرجو توضيح هذا المعنى
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: توضيح قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه جعل هذه الليلة في فضلها وكثرة ثواب العمل فيها خيراً من ألف شهر بمعنى أن الإنسان لو عمل عملاً صالحاً ألف شهر ليس فيه ليلة القدر كانت ليلة القدر خيراً منه لما فيها من الثواب العظيم الجليل والخير والبركات.
***
سورة (الزلزلة)
وما معنى قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يذكر عباده بيوم القيامة الذي تزلزل فيه الأرض زلزالها كما قال الله تعالى (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وأما إخراج الأرض أثقالها فإن الله تعالى يبعث من في القبور فيخرج الناس من قبورهم على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها (وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا) يعني أي شيء حدث وذلك من شدة الفزع والأهوال وفي ذلك اليوم يقول الله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) فتشهد بما عمل عليها من خير أو شر فالآيات هذه تصور مشهداً من مشاهد يوم القيامة.
***
سورة (التكاثر)
الطيب حسن الدوادمي يعمل في الدوادمي يقول أرجو أن تفسروا الآية الكريمة في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ)
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أشكر أخي السائل الذي سأل عن معنى الآية الكريمة وذلك لسروري بتفكر الناس في معاني القرآن الكريم وطلبهم تفسيرها لأن هذا يدل على العناية بكلام الله عز وجل
ثانياً معنى قوله تعالى (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ) أنه عز وجل يخاطب الناس ويبين لهم أن التكاثر بينهم في الأموال والأولاد ألهاهم عن طاعة الله وشغلهم عن ذكره حتى ماتوا وهذا معنى قوله (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يعني حتى متم وسمى الله تبارك وتعالى الدفن أي دفن الميت زيارة لأنه لا بد من بعثه ولهذا لما سمع أعرابيٌ قارئاً يقرأ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) قال والله إن وراء ذلك لشيئاً آخر أو كلمة نحوها فإن الزائر يقول الأعرابي ليس بمقيم وصدق فإن وراء ذلك البعث والزائر على اسمه زائر ليس بمقيم وبقاء الناس في القبور وإن طالت المدة هو شيء يسير بالنسبة إلى الآخرة وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمةٍ يقولها بعض الناس غافلاً عن مدلولها وهي أنه إذا مات الإنسان قالوا انتقل إلى مثواه الأخير وهذه الكلمة في معناها الظاهر من لفظها كلمةٌ خطيرة لأن مضمونها ومدلولها أنه لا بعث وأن القبر هو المثوى الأخير ومن المعلوم أن هناك بعثاً وأن المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة فلا يحل للإنسان أن يقول في الميت إذا دفن إنه رجع إلى مثواه الأخير قد يقول قائل إن هذا مثواه الأخير بالنسبة للدنيا فإن الإنسان مهما طالت مدته في الدنيا فإن مآله إلى القبر نقول نعم هذا هو مراد الناس فيما يظهر لا سيما المسلمين منهم فإن كل مسلمٍ يؤمن باليوم الآخر لكن ما دام اللفظ يحتمل معنىً فاسداً هو ظاهر اللفظ أيضاً فإنه يجب اجتنابه.
***
سورة (العصر)
ما تفسير قوله تعالى (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله عز وجل يقسم بالعصر الذي هو الدهر لأن الدهر زمن الحوادث والوقائع المختلفة ومن ثم أقسم الله به أقسم على أن الإنسان في خسر والإنسان هنا يراد به الجنس فكل إنسان فإنه في خسر لا يستفيد من حياته شيئاً ولا من عصره شيئاً إلا من جمعوا هذه الأوصاف الأربعة (إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(آمَنُوا) أي صدقوا بما يجب التصديق به مع القبول والإذعان فالإيمان الشرعي ليس هو مجرد تصديق بل هو تصديق خاص مستلزم للقبول والإذعان (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني عملوا الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة ما استجمع فيها شرطان الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن اختل أحد الشرطين لم تكن من الأعمال الصالحة لو أن الإنسان عمل عملاًَ موافقاً للسنة تماماً في ظاهره لكنه لم ينوِ بذلك وجه الله بل عمل ذلك رياء وسمعة فإن عمله لا يقبل ولا يسمى صالحاً ففي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ومن أخلص لله عز وجل ولم يبتغ سوى وجه الله لكنه لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يكون بأمرين إما بعدم فعل ما يشرع فعله مما يكون فواته مبطلاً للعبادة وإما بابتداع شيء في دين الله لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم مثال الأول لو أن رجلاً صلى الظهر ولكنه تعمد ترك التشهد الأول فإننا نقول إن هذا العمل باطل لأنه لم يتبع فيه النبي صلى الله عليه وسلم حيث ترك التشهد الأول عن عمد وكذلك لو صلى الظهر وترك سجدة من السجدات أو ركوعاً من الركوعات فإنه لا يكون عمله صحيحاً لأنه لم يكن متابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولو ابتدع في دين الله ما ليس منه كما لو أحدث تسبيحات أو تهليلات أو تكبيرات أو تحميدات على وجه معين لم تأت به الشريعة أو أحدث صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم على وجه معين لم تأت به الشريعة كان عمله غير صالح ولا مقبول لأنه لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في عمله والعبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا إذا كانت موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها فإن اجتمعت في العبادة هذه الأوصاف أو إذا تحققت الموافقة للشريعة في هذه الأمور الستة تحققت المتابعة وإن اختل واحد منها لم تتحقق المتابعة إذاً فمعنى قوله تعالى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي عملوا الأعمال الصالحة التي تحقق فيها شرطان وهما الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم الأمر الثالث (وتواصوا بالحق) أي صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق والحق هو ضد الباطل فكل ما خالف الشرع فهو باطل وكل ما وافق الشرع فهو حق والحق هنا يشمل التواصي بفعل المعروف والتواصي بترك المنكر أي أن الحق فعل المعروف وترك المنكر فيتواصون بفعل المعروف وبترك المنكرات (وتواصوا بالصبر) الصبر هو حبس النفس وتحميلها وهو أن كل إنسان يعمل أو يدعو إلى الله عز وجل فلا بد أن يواجه شيئاً قد يثني عزمه فليصبر فهم يتواصون بالصبر يوصي بعضهم على أن يصبر على الإيمان وعلى العمل الصالح والتواصي بالحق وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر في عدة مواضع من القرآن مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومثل قوله تعالى (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ومثل قوله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وذكر أهل العلم أن الصبر ينقسم ثلاثة أقسام صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله المؤلمة وأعلاها الأول ثم الثاني ثم الثالث فالصبر على طاعة الله هو حبس النفس على قبول أمر الله ورسوله وعلى تنفيذ أمر الله ورسوله وفيه أمران وهما حبس النفس على قبول ذلك ثم تنفيذه أما الصبر عن معصية الله فهو حبس النفس عن فعل المعصية وليس فيه إلا شيء واحد وهو حبس النفس عن المعصية ولهذا كان الأول أكمل منه أما الثالث فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة فإن الإنسان في هذه الدنيا بين الضراء والسراء وبين الخوف والأمن وبين الضيق والسعة وبين الفقر والغنى وبين الصحة والمرض فيحتاج إلى صبر على ذلك والصبر هذا هو أقل الأنواع شأنا لأن هذا الصبر لا يفعل الإنسان فيه المصبور عليه باختياره وإنما يقع عليه بغير إرادته فهو كما قال بعض السلف إما أن يصبر صبر الكرام وإما أن يسلوَ سلْو البهائم بخلاف القسمين الأولين فإن فيهما نوعاً من الاختيار إذ أن الإنسان لو شاء لكف عن الشيء ولو شاء لم يكف ولو شاء لفعل الشيء ولو شاء لم يفعله بخلاف أقدار الله عز وجل فإنها تأتي للإنسان وتصيبه بغير اختياره ولهذا كان هذا النوع أقل شأنا أو كان هذا القسم أقل شأنا من القسمين السابقين.
***
سورة (الماعون)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلْمُصلىنَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ويل هذه كلمة وعيد وتهديد، والمصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون هم الذين يصلون ولكن لا يبالون بصلاتهم يغفلون عنها فيؤخرونها عن وقتها ولا يأتون بواجباتها وأركانها وشروطها فهم يصلون ولكنهم ساهون عن صلاتهم لا يقيمونها على الوجه المطلوب منهم، وأما (الذين يراءون) فهم الذين يراءون الناس في عبادة الله يتعبدون لله أمام الناس ليراهم الناس ويمدحوهم على عبادتهم لله عز وجل، وأما الذين يمنعون الماعون فهم الذين يمنعون الأواني وشبهها مما يستعيره الناس في العادة والإنسان مستغنٍ عنه، فتجده لبخله يمنع حتى إعارة الماعون، فوصف الله هؤلاء بأنهم غافلون عن صلاتهم مراؤون في عباداتهم بخلاء في أموالهم.
***
عمر أحمد عوض سوداني مقيم في الكويت يقول ما تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله عز وجل توعد المصلىن الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون عنها لا يؤدونها على الوجه المطلوب منهم فيضيعون أوقاتها ويضيعون واجباتها ويدعون صلاة الجماعة مع وجوبها عليهم إلى غير ذلك مما يوجب غفلتهم عن صلاتهم وإذا كان هذا الوعيد على من صلى مع سهوه عن صلاته فكيف بمن لم يصلِّ أصلاً فإنه أعظم وأشد وقد بينا في غير مرة من حلقات هذا البرنامج أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً فإنه يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة.
***
سورة (الكوثر)
محمد ناصر من جمهورية اليمن الديمقراطية محافظة لحج بعث بسؤالين يقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)
.
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه السورة العظيمة أن الله تعالى يخبر بما امتن به على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث أعطاه هذا الكوثر وهو الخير الكثير العظيم كما قال الله تعالى (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ومنه الكوثر الذي في الجنة وهو نهرٌ أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم ويصب منه ميزابان في حوضه صلى الله عليه وسلم الحوض المورود يوم القيامة الذي يرده المؤمنون من أمته صلوات الله وسلامه عليه ثم إن الله تعالى لما ذكر ما امتن به عليه من هذا الخير الكثير أمره أن يصلى وينحر له فقال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فالصلاة هي الصلاة المعروفة وهي التعبد لله تعالى بالأفعال والأقوال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم والنحر هو التقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والضحايا وما يشرع من الذبائح فالجمع بين الصلاة والنحر يكون جمعاً بين عبادةٍ بدنية وعبادةٍ مالية وقوله (إن شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك الذي يبغضك هو الأبتر المقطوع الذي لا خير فيه ولا بركة وهذا كما يشمل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصياً فإنه يدخل فيه أيضاً من أبغض سنته وهديه فإن من أبغض سنته وهديه لا شك أنه مبتورٌ مقطوع وأن الخير كل الخير في إتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام ومحبته وتعظيمه بما هو أهلٌ له صلوات الله وسلامه عليه.
***
ما معنى قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) في سورة الكوثر
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم حين ذكر منته عليه بإعطائه الكوثر وهو نهر عظيم في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض المورود لرسول صلى الله عليه وسلم في القيامة لما ذكر الله منته عليه بهذا الكوثر أمره أن يصلى لربه وينحر والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بتلك الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأما النحر فهو الذبح لله عز وجل كالأضاحي والهدي والعقيقة هذا هو معنى قوله تعالى (فصل لربك وانحر) .
***
سورة (الإخلاص)
محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول لماذا سميت سورة قل هو الله أحد بسورة الإخلاص وما وجه دلالتها واشتمالها على أنواع التوحيد الثلاثة أرجو توضيح ذلك
؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سورة الإخلاص هي قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وسميت سورة الإخلاص لأمرين الأمر الأول أن الله أخلصها لنفسه فليس فيها إلا الكلام عن الله سبحانه وتعالى وصفاته والثاني أنها تخلص قائلها من الشرك إذا قرأها معتقدا ما دلت عليه ووجه كونها مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات أما توحيد الألوهية ففي قوله (قل هو الله)(فهو الله) يعني هو الإله المعبود حقاً الذي لا يستحق أن يعبد أحد سواه فهذا هو توحيد الألوهية وأما توحيد الربوبية والأسماء والصفات ففي قوله (الله الصمد) فإن قوله (الله الصمد) معناه الكامل في صفاته الذي تصمد إليه جميع مخلوقاته فكماله في الصفات هو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات وافتقار مخلوقاته كلها إليه وصمودها إليه يدل على أنه هو الرب الذي يقصد لدفع الشدائد والمكروهات وحصول المطالب والحاجات وفي قوله (أحد) توحيد في الأمور الثلاثة لأنه وحده سبحانه وتعالى هو المتصف بذلك الألوهية وبالصمدية سبحانه وتعالى وفي قوله (لم يلد ولم يولد) رد على النصارى الذين قالوا إن المسيح ابن الله وعلى اليهود الذين قالوا إن عزير ابن الله وعلى المشركين الذين قالوا إن الملائكة بنات الله وهو سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإنما قال (لم يكن له كفوا أحد) لكمال صفاته لا أحد يكافئه أو يماثله أو يساويه.
***