الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية (سابقا) والمدرس بالمسجد النبوي الشريف المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين ملك يوم الدين، إله الأولين والآخرين ومرجع الخلق أجمعين {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53]. وصلى الله وسلم على الهادي الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين وآله وصحبه أجمعين، وإخوانه المرسلين.
وبعد فإنَّ كتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري عظيم الفائدة كبير العائدة إذ تأثيره في المسلمين عظيم ونفعه بإذن الله تعالى ظاهر وكبير ولكن الناس يعدلون عنه إما لعدم معرفة أهميته أو لكبير حجمه أو لغير ذلك، وإلا هو أحسن من رياض الصالحين للنووي رحمه الله الجميع، ومن ينظر فيه نظر المتأمل يعرف أنه عدة وزاد لكل مربٍ تربية دينية طاهرة، وإنه ضروري لكل داعية وواعظ يستنير به ويستمد التوفيق إلى الطريق الهادي المستقيم.
ثم من المعلوم أنه يشتمل على ألفاظ غريبة وأمور عامة وكلمات جامعة وغير ذلك فيحتاج قارئه إلى بيان ذلك وتفصيل ما جمل فيه وشرح ما يشكل، مع أن كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم من الفصاحة والبيان في مكان عال، ولكن كثيرا من الناس ليس عندهم الخبرة في كلامه فيكون غريبًا عليهم، كما أنه صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلام.
وعلى كل فموضوع الكتاب مهم جدًّا الذي هو الترغيب والترهيب إذ هو أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي من حيث النظر إلى تأثيره، ولهذا أكثر الله تعالى من ذكره في القرآن. فذكر الجنة وما فيها من النعيم والنار وما أعد لأهلها فيها من العذاب. ولا يوجد كلام يؤثر في القلوب مثل كلام الله تعالى ثم من بعده كلام رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هو وحي من الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 4].
ومن هنا تتبين أهميته من هذا الوجه وذلك كافٍ في أهميته، وفيه أوجه أخرى أيضًا مهمة لكل طالب من بيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم وما يدل عليه كلامه وما فيه من ينابيع العلم والهدى وكله دعوة للعباد وإرشاد لهم لما فيه الخير عاجلًا وآجلًا.
مع أن الله تعالى أعطى رسوله من البيان والفصاحة وقوة الحجة ما لا يخفى على من نظر في كلامه وكذلك رسل الله تعالى الذين أرسلهم إلى بني آدم لم يكن معهم جيوش، وقوة ترغم الناس على اتباعهم وإنما معهم البيان والإرشاد بالقول والعِظة الحسنة قال تعالى: جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: 25] وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] فقد أعطى الله تعالى رسله قوة البيان وفصاحة اللسان ووضوح الحجة ما تميزوا به ومن ينظر في دعواتهم لقوم في القرآن يتبين له ذلك، وأعظهم في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.
ولهذا أعظم ما يوعظ به ويوجه به الناس ويدعوا هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد كلام رب العالمين تعالى وتقدس وقد عرف ذلك العلماء.
وإذا كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتمل على كلمات غريبة وأمور عامة وكلمات جامعة وكل ذلك يحتاج إلى إيضاح وتبيين فهذا الكتاب الذي هو "فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" وضعه مؤلفه لذلك فقد أفاد وأجاد، وبذل جهدًا كبيرًا في شرحه، وطالع على ذلك كتبًا كثيرة وظهر ذلك جليًّا لمن نظر فيه، ولذلك يقول:"فجمعت عليه فوائد جمة لا يقدر على تحصيلها إلا من عنده عزيمة وذكاء وهمة، ولا أقصد بذلك التبجح والإشاعة، وإنما أقصد النفع والثواب".
وذكر أنه طالع عليه كتبًا كثيرةً، فهو جمع شرحه من كتب كثيرة بعضها مفقود أو في حكمه، وبعضها مخطوط وكثير منها مطبوع، ولا شك أن استخراج الفوائد والمسائل من الكتب له قيمة وفيه جهد كبير، مع أن هذا الشرح يعتبر الشرح الوحيد المستوعب لكتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري رحمه الله تعالى والعبرة بالمعاني لا بكثرة الكلام، فالشارح جمع همته عليه وأمضى وقته فيه وكرر قراءته ونقحه فجاء مرضيًا مقيدًا، وكثرة النقول لا تضيره.
وما زال العلماء ينقل بعضهم عن بعض، ويرون كتب العلم مشاع لكل أحد وحسن النقل يدل على الفهم وحسن الاختيار، ومؤلف هذا الشرح نقوله بهذه الصفة مع أنه إذا نقل ذكر المنقول عنه وأحال إليه غالبًا.
وعلى كل المقصود بيان ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعمل به ويحصل بذلك ما رتب عليه من الوعد الكريم من الله الرحيم.
ثم جهد المحقق وخدمته لهذا الشرح أضافت أهمية له وقيمة أخرى فقد جمع ما استطاع جمعه من نُسَخِة ثم صحَّح وقابلَ وخرّج الأحاديث مع بيان الحكم وترجم للأعلام وبين ما يحتاج إلى بيان وتعقب الشارح في مواضع اتبع فيها طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات فبين الصواب، ووضع الفهارس المفيدة، ومحاسن التحقيق كثيرة قد نبّه على بعضها وهو ممن مارس التحقيق وقرأ المخطوطات كثيرًا فتحصل على خبرة واسعة مع تخصصه في الحديث.
أسأل الله تعالى أن يثيبه ويزيده من العلم والخير، ويبارك جهده في نفع المسلمين وخصوصًا طلبة العلم وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
قاله وكتبه
عبد الله بن محمد الغنيمان
وذلك في 28/ 12/ 1439 هـ