الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإطلاق الزنا على نظر العين إلى ما لا يحل لها معروف في اللغة كما صرح به أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا علمتم أيها العرب المسلمون أن اختلاط إناثكم وذكوركم محرَّم في شرعكم بنصوص الكتاب والسنة، ولا سيما في هذا الزمان الذي انعدم فيه الخوف من الله إلا ممن شاء الله وانتشرت فيه الإباحية وتقليد كفرة الإفرنج في كل انحطاط خلقي، وارتكاب كل جريمة يعرق لها الجبين لأنها من موبقات العار.
ولقد صدق من قال:
إن للعار فاخْشها موبقات
…
تُتَّقى مثل موبقات الذنوب
فاعلموا أن سدَّ الذريعة الموصلة إلى فاحشة الزنا واجب بإِجماع المسلمين
وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
أما الكتاب، فقد قال تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ} الآية [الأنعام: 108]. فحرم سب الأصنام لمَّا كان ذريعة لأن يسب عابدوها الله. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من العقوق شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه". فقد سمى صلى الله عليه وسلم ذريعة سب الوالدين سبًّا لهما في هذا الحديث الصحيح.
ومعلوم أن اختلاط الجنسين في الجامعات على الحالات المعهودة في جامعات أوروبا ونحوها أنه فتح للباب على مصراعيه
لذريعة الزنا كما هو مشاهدٌ مشاهدةً لا يمكن معها الجدال إلا من مكابر، ولا يخفى أن من جعل ابنته في هذا المحيط المشار إليه وأوصاها بالصيانة والعفاف أن لسان الحال يقول له:
ألقاه في اليمِّ مكتوفًا وقال له
…
إيَّاك إيَّاك أن تبتل بالماءِ
وبعد هذا كله فإنا نُهِيب بالآباء الكرام المسلمين العرب فنقول:
أين شهامتكم العربية العريقة المتوارثة على مر العصور؟! كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات مبذولات لمن شاء أن يتمتع بالنظر إليهن مجانًا عدوانًا على المسكينات الجاهلات وعلى الشرف والفضيلة؟!.
ومما هو جدير بالتنبيه عليه نقطتان حسَّاستان.
أما النقطة الأولى: فليكن في كريم علمكم أن الزي الذي ترتديه بنات العرب وغيرهن من المسلمين في الجامعات وغيرها المقتضي كشف شيء من بدن المرأة لا يحل كشفه شرعًا ولا مروءة، أن منشأه الأساسي هو ما يُفهم من القرآن العظيم والتاريخ، وإيضاح ذلك: أن الشيطان هو العدو الألد لآدم وزوجه وذريتهما كما قال تعالى: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} الآية [طه: 117] وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر: 6] وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} [الكهف: 50] إلى غير ذلك من الآيات، ومعلوم أن الشيطان لشدة عداوته لآدم وزوجه وذريته أنه يسعى بكل ما لديه من
الوسائل في إهانتهم بأنواع الإهانات الدنيوية والأخروية، ومن المعلوم أن من أعظم الإهانات الأدبية كشف عورة الإنسان ونزع ثيابه التي تستره عنه، وهذه الإهانة الأدبية العظيمة هي أول إهانه ظفر بها إبليس فأهان الله بها آدم وحواء، كما صرح الله بذلك في قوله:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20]. وقوله: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]، وكونهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يدل على عملهما وكدحهما ليُخَفِّفا من ضرر الإهانة التي تسبب لهما منها عدوهما إبليس.
وقد نادى الله عز وجل بني آدم نداءً سماويًّا ونهاهم عن أن يغشهم الشيطان ويهينهم كما أهان أبويهم آدم وحواء، وذكر من ذلك أمرين أحدهما: الإخراج من الجنة، والثاني: نزع اللباس وإبداء السوأة التي هي العورة، فجعل نزع اللباس وإبداء العورة مقرونًا بالإخراج من الجنة، وفي ذلك دليل على أن كليهما له وقع شديد، وأنه أذية بالغة وإهانة عظيمة وذلك في قوله تعالى:{يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27] وبهذا تعرفون أن كشف العورة وإبداء السوأة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي، وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم.
ولم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة وإبداء السواة حتى بلغ غايته من ذلك، وقد كان حَمَل العرب في الجاهلية على أن يخلعوا جميع ثيابهم عند الطواف بالبيت الحرام حتى يهينهم بكشف
العورة في حرم الله وأشرف بقاع أرضه حول أول بيت وضع للناس فيطوفوا عراة في حالة مزرية، وكانت المرأة منهم تطوف بالبيت عارية والعياذ بالله وكل ذلك من إهانة الشيطان لهم، وقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس أن المرأة في الجاهلية كانت تطوف عارية وتقول:
اليومَ يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله
وكل ذلك إهانة من الشيطان لأعدائه الآدميين بكشف عوراتهم، وله مع ذلك مقصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة
(1)
.
ولم يزل الشيطان يهين الآدميين بكشف العورة حتى في حال الطواف في البيت، حتى دفع الله باطله بالوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأرسل صلى الله عليه وسلم مناديه ينادي: ألا يحج بعد اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وأنزل الله قوله تعالى:{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الآية [الأعراف: 31] وقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} الآية [الأعراف: 26] وبنور ذلك الوحى سُتِرت العورات ولُبِست ثياب الزينة والتستر، ورجع الشيطان خاسئًا، ولكن لما طال الزمان وضعف الدين وانصرف أكثر الناس عن الوحي السماوي وجد الشيطان الفرصة سانحة فأعادَ الكرَّة لإهانة الجنس الآدمي بكشف العورة وإبداء السوأة بفلسفة شيطانية من شعاراتها التقدم والحضارة
(1)
وذكر الشيخ بقية رجزها، ثم قال:"وإنما ذكرنا بقية رجزها الخسيس السخيف لتنبيه إخواننا على خسة ما يدعو إليه الشيطان ويزينه".
والرقي والتمدن. وقد وصل إلى جميع غاياته في البلاد الكافرة، فترك نساءها عاريات الفروج بالمجلات والجرائد ومواضع السباحة في الماء وغير ذلك، والإباحية فيها قائمة على قدم وساق، وأولاد الزنا لا يمكن إحصاؤهم إحصاءً دقيقًا لكثرتهم والعياذ بالله، وهذا أمر معلوم مفروغ منه في أوروبا وما جرى مجراها.
ثم إن الشيطان أراد أن يهين المسلمين بنفس الإهانة المذكورة التي هي أول نكاية أوقعها بآدم وحواء، وقد وصل إلى كشف كثير من أبدان نساء المسلمين في الجامعات والحفلات والطرق وغير ذلك، وبينت العورة المغلظة، والشيطان مُجِدٌّ في الوصول إلى إبدائها وكشفها من نساء المسلمين. ومعلوم أنه إن تمادى الأمر على ما هو عليه أنه سيصل إلى ذلك كما تشير إليه طبيعة التقاليد المتبعة. نرجو الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويبصِّر المسلمين طريق الحق ويلهمهم العمل بها حتى يحافظوا علي بناتهم من كل ما يخل بالشرف والفضيلة على ضوء النور السماوي الذي أنزله الله على سيد خلقه صلى الله عليه وسلم.
وأما النقطة الثانية: فهي أنا ننبه إخواننا المسلمين على الفرق بين ما ينفع من الحضارة الغربية وما يضر ليأخذوا النافع منها ويتركوا الضار، أما النافع منها الذي يلزمنا أن نسعى للحصول عليه فهو ما أنتجته من الماديات والتنظيمات في جميع نواحي الحياة باعتبار تطوراتها الراهنة. فإن السعي في الحصول على أسباب القوة المادية من صميم ديننا وتعاليم ربنا لنا كما قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآية [الأنفال: 60] ولفظ الآية الكريمة بدلالة مطابقته يساير تطور الحياة مهما بلغت القوة من الكمال.
أما الضار منها وهو الانحطاط الخلقي ونبذ التعاليم السماوية وعدم الاستنارة بأنوارها فيجب علينا أن ننتبه إلى أنه شر محض لا تخالطه شائبة خير؛ لأنه ليس فيه إلا إضاعة الشرف والمروءة والتمرد على نظام خالق السموات والأرض -جل وعلا- من غير فائدة دنيوية، ومن ذلك: الموضة الجديدة والأزياء المزرية فإنها وإن سموها حضارة وتقدمًا ورقيًّا وحرية فهي في الحقيقة إهدار للفضيلة وإماتة للشرف والصيانة والعفاف والكرامة، فلا تغتروا وفقكم الله بتلك الشعارات الزائفة التي تحمل في طياتها كل سوء مضاد للإنسانية بمعناها الصحيح، ومضاد لمكارم الأخلاق والشرف والفضيلة، ومضاد أيضًا للتعاليم السماوية المتضمنة الآداب الكريمة ومكارم الأخلاق والسير على أحسن المناهج والعادات، ولا يخفى عليكم أن العرب كانوا يغارون على نسائهم ولا يرضون بابتذالهن، وكانوا يرون أن عفاف النساء وصيانتهن وعدم تدنسهن بالريبة من أكبر الأسباب في نجابة الأولاد ونبلهم وعلو شأنهم وشجاعتهم، ومن ذلك قول جرير يمدح بني قيس عيلان بن مضر:
فلا تأمنن الحي قيسًا فإنهم
…
بنو محصنات لم تدنس جحورها
ولما كان صخر أخو الخنساء يشاطرها ماله كل سنة، ولامته امرأته ونهته عن إعطائه إياها خير ماله لأن زوجها متلاف قال لها صخر:
وكيف لا أمنحها خيارها
…
وهي حَصَانٌ قد كفتني عارها
وأمثال هذا كثير، ومرادنا التمثيل ليعلم به أن من طبيعة العرب الغيرة على الحريم وعدم الدياثة، وضمائرهم حية وطبائعهم أبية لا
ترضى تَدَنس نسائهم بما لا ينبغي، وقد أوضح تلك السجية التي جبلوا عليها من قال:
وإياك واسم العامرية إنني
…
أغار عليها من فَمِ المتكلِّمِ
وأحسد كاساتٍ تقبِّلْنَ ثغرَها
…
إذا وضعتها موضع اللثْمِ في الفَمِ
وقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا أحد أَغْيَر من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه".
أما البخاري فقد روى هذا الحديث في كتاب التفسير في تفسير سورة الأنعام في باب قول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وفي تفسير سورة الأعراف في باب قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] وأخرجه مسلم في كتاب التوبة في باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش بأربع روايات بأسانيد، وهذا الحديث من أحاديث الصفات فنُمِرُّه كما جاء وننزه الله عن مشابهة خلقه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وأما نتائج الاختلاط؛ من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين، فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم، ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضادة للحمل.
وختامًا نسأل الله أن يوفِّق جميع إخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه، وبما ذكرنا يُعلم أن اللائق عدم الاختلاط، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أملاه الفقير إلى عفو الله
محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي