الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في الجاهلية
المبحث الثالث: حكم مخالفة أهل الجاهلية
…
المبحث الثالث: حكم مخالفة أهل الجاهلية
لقد تظاهرت النصوص من الكتاب والسنة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية، وتحريم التشبه بهم، سواء في عباداتهم أو في أعيادهم، وأجمع أهل العلم على ذلك1.
ولكثرة النصوص الواردة في هذا، اجتهدت في حصر دلالاتها، مع الاستدلال لكل دلالة بنص أو أكثر، فكانت على النحو الآتي:
أولا: الأمر الصريح بالمخالفة:
جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية، مما يعني وجوب مخالفتهم، لأن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف2، ولا صارف هنا، ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"3.
1 انظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/82و320)
2 انظر: "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى (1/224) ، "التمهيد" لأبي الخطاب الكلوذاني (1/145) ، "المحصول في علم الأصول" للرازي (2/66) ، روضة الناظر لا بن قدامة ص193، وغيرها من كتب الاصول
3 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب اللباس- باب تقليم الأظافر- (7/56) ومسلم في صحيحه-كتاب الطهارة- (1/122) ح259، واللفظ له.
وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة الأنصار، بيض لحاهم، فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرو، فقال صلى الله عليه وسلم تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب، قال فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصّون عثانينهم1 ويوفرون سبالهم2، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب"3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم"4.
1 العثانين: جمع عثنون وهو اللحية ، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (3/133)
2 السبال جمع سبلة بالتحريك، وهي الشارب، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الاثير (3/339)
3 أخرجه أحمد في مسنده (5/264) والطبراني في الكبير (8 / 282)، قال الهيثمي في مجمه الزوائد (5 /131) :"رجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم، وهو ثقة وفيه كلام لا يضر" وجسّن إسناد أحمد ابن حجر في فتح الباري (10/367) ، والألباني في السلسلة الصحيحة (3/249) .
4 أخرجه أبو داود في سننه – كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعل- (1/427) ح652، وابن حبان كما في الإحسان- كتاب الصلاة-باب فرض متابعة الإمام (3/306) ح 2183، والحاكم في مستدركه –كتاب الصلاة- (1/260) ، والبيهقي في السنن الكبرى-كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعلين (2/432) ، والبغوي في شرح السنة-كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعال (2/443) ح 534.
ثانيا: النهي عن مشابهة أهل الجاهلية في أهوائهم بصيغته:
كما جاءت الأدلة صريحة في الأمر بمخالفة أهل الجاهلية، فقد جاءت أيضا صريحة في النهي عن مشابهتهم في أهوائهم بصيغة النهي الحقيقية "لا تفعل" ومن هذه الأدلة:
قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} 1
وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك} 2
وقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} 3
وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 4
ففي هذه الآيات نهي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهواء الذين لا يعلمون، "وقد في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته.
واهواؤهم هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك، فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه"5.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} 6.
1 المائدة: 48
2 المائدة: 49
3 الشورى: 15
4 الجاثية:18
5 اقتضاء الصراط المستقيم (1/85)
6 البقرة: 104
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم"1.
فهذه بعض الأدلة على النهي عن مشابهة أهل الجاهلية بصيغته.
ثالثا: بيان سوء عاقبة من اتبع أهل الجاهلية:
لقد جاءت الأدلة صريحة في بيان العاقبة المخزية التي أعدها الله تعالى لمن خالف أمره، وتشبه بأعدائه، مما يدل على شناعة الفعل وقبحه، ومن هذه الأدلة:
وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} 3.
ففي هاتين الآيتين تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعدما علموا من القرآن والسنة، والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته4، ووصف –تعالى- التابعين بأنهم ظالمون ، {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 5.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ومتابعتهم فيما
1 تفسير ابن كثير (1/148)
2 البقرة:120
3 البقرة: 145
4 انظر تفسير ابن كثير (1/163)
5 الانسان: 31
يختصون به من دينهم وتوابع دينهم، اتباع لأهوائهم، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك"1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ثم قوله فاستمتعتم وخضتم، خبر عن وقوع ذلك في الماضي، وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة، كسائر من أخبر الله به عن الكفار والمنافقين عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه ذم لمن حالهم كحالهم إلى يوم القيامة"3.
رابعا: نعت المتشبهين بما يفيد شناعة فعلهم:
كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، وبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطَّلِب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريقه"4.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع،
1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/-8685)
(التوبة:69)
3 اقتضاء الصراط المستقيم (104-105)
4 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الديات- باب من طلب دم امرئ بغير حق (8/39)
حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن"
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ: " لتتبعن سنن من كان قبلكم
…
".
وقال المناوي: "وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي والكفر، ثم إن هذا لفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم، ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام".
فهذه بعض الأدلة الدالة على وجوب مخالفة أهل الجاهلية وحرمة التشبه بهم، وبقي كثير تركتها اختصارا ، والله تعالى أعلم.
1" أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الأنبياء- باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم" - (8/151) ، ومسلم في صحيحه –كتاب العلم- باب اتباع سنن اليهود والنصارى- (4/2054) ح 1669.
2"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/45) .
3"فيض القدير بشرح الجامع الصغير (5/261)
4" راجعها في مقدمة شرح المحقق لمسائل الجاهلية.
المبحث الثاني
أنواع الجاهلية
تنوع الجاهلية أنواعا بحسب اعتبارات مختلفة، وغليك بعض أنواعها:
أولا: أنواعها من حيث الإطلاق والتقييد:
تتنوع الجاهلية من حيث الإطلاق والتقييد نوعين:
النوع الأول: جاهلية مطلقة، وهي الجاهلية العامة، وهذه كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أما بعد المبعث فلا، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: "فأما في زمان مطلق،
1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب المناقب- باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر- (4/187)، وفي كتاب التوحيد-باب قوله تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} - (8/189)، مسلم في صحيحه- كتاب الإمارة-باب قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم"- (3/1524) من حديث معاوية.
وأخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة –باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"، وهم أهل العلم- (8/149)، ومسلم في صحيحه-كتاب الإمارة- باب قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي....."(3/1425) ح 1923 من حديث المغيرة بن شعبة.
فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم
…
"1 وذكر معنى الحديث السابق.
ومن هذا النوع قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} 2
وقول حذيفة رضي الله عنه: "إنا كنا أهل جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير
…
"3.
وعلى هذا، فلا يجوز إطلاق الجاهلية على قرن من القرون منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وما يقع فيه بعض الكتاب من هذه الإطلاقات ينبغي أن يتفادى بالتصحيح4.
النوع الثاني: جاهلية مقيدة، وهي الجاهلية التي تقوم في بعض البلدان، أو ببعض الأشخاص والجماعات.
وهذا النوع يكون حتى بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية"5.
ثانيا: أنواعها من حيث الفترة الزمنية:
تتنوع الجاهية من حيث الفترة الزمنية نوعين:
1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/227) .
(الأحزاب: 33)
3 أخرج البخاري في صحيحه –كتاب المناقب- باب علامات النبوة في الإسلام (4/176) ، ومسلم في صحيحه-كتاب الإمارة- باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة- (3/1474) ح 1847 ضمن حديث طويل.
4 انظر: تعليق الدكتور ناصر العقل على " اقتضاء الصراط المستقيم"(1/227) .
5 أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الإيمان- باب المعاصي من أمر الجاهلية، ومسلم في صحيحه –كتاب الإيمان- باب إطعام المملوك مما يأكل..- (3/1282-1283) ح 1661
النوع الأول: جاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا النوع يطلق عليه بعضهم " الجاهلية الأولى".
قال قتادة في قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} : "هي ما قبل الإسلام"1
النوع الثاني: جاهلية ما بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم.
ويطلق عليها بعضهم " الجاهلية الأخرى".
والمراد بها: ما شابه فيه الناس بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية.
قال ابن جرير-رحمه الله تعالى-: "فإن فال قائل: أو في الإسلام جاهلية حتى يقال عنى بقوله: {الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} التي قبل الإسلام، قيل: فيه أخلاق من أخلاق الجاهلية"2.
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: "ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى ما يقع في الإسلام من التشبه بأهل الجاهلية بقول أو فعل"3.
ثالثا: أنواعها من حيث متعلقها:
تتنوع الجاهلية من حيث متعلقها أنواعا كثيرة جدا، يصعب حصرها، فمنها جاهلية المعتقد، ومنها جاهلية الأخلاق، ومنها جاهلية الاقتصاد، ومنها جاهلية الحكم والسياسة، ومنها جاهلية الفن....إلخ4
1 ذكره البغوي في تفسيره (4/528)
2 تفسير ابن جرير (22/4-5)
3 فتح القدير (4/278)
4 انظر بتوسع في هذا: "جاهلية القرن العشرين" لمحمد قطب، "مصطلحات إسلامية" لمحيي الدين القضماني (ص46-52)
وبالجملة، فكل أمر من الأمور خولف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أمر جاهلي1.
رابعا: أنواعها من حيث الحكم
تتنوع الجاهلية من حيث الحكم نوعين:
النوع الأول: جاهلية كفر.
ومن هذا النوع قوله-تعالى-: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} 2، وقوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 3.
النوع الثاني: جاهلية معصية، وهي ما تكون بترك واجب أو فعل محرم دون الكفر4، وهذه لا يكفر صاحبها5.
ومن هذا النوع قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية"6 وكذا الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت.
هذه أهم أنواع الجاهلية حسب علمي، والله تعالى أعلم.
1 انظر: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص261.
2 آل عمران: 154
3 المائدة: 50
4 انظر: فتح الباري (1/85) .
5 انظر صحيح البخاري –كتاب الإيمان- باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك.
6 سبق تخريجه ص34.
المبحث الأول: تعريف الجاهلية لغة واصطلاحا
…
المبحث الأول
تعريف الجاهلية
أولا التعريف اللغوي:
الجاهلية في اللغة: مصدر صناعي مأخوذ من الجاهلي نسبة على الجاهل المشتق من الجهل.
والجهل خلاف العلم ونقيضه.
يقال جَهِل فلان جهلا وجهالة، وجُهِل عليه وتجاهل واستجهل.
والجمع منه: جُهل، وجُهُل، وجُهَّل، وجُهَّال، وجُهلاء.
قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} 1.
ومنه قولهم للمفازة التي لا علم بها: "مَجهَل".
ويطلق الجهل ويراد به الخفة التي هي خلاف الطمأنينة، ويراد به الطيش، ومنه قولهم للخشبة التي يحرك بها الجمر"مجهل"2، ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
1 البقرة: 273
2 انظر: معجم " مقاييس اللغة" لابن فارس: جهل (1/489)، وتهذيب اللغة للأزهري: جهل (6/56-57)، "المحكم" لابن سيده:"جهل"(4/119) ، الصحاح للأزهري "جهل"(4/1663-1664)، "لسان العرب" لابن منظور:"جهل"(11/129)، "تاج العروس" للزبيدي:"جهل"(7/368) .
??
??
??
??
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا1
والجهل ثلاثة أنواع:
أحدها: بسيط، وهو خلو النفس من العلم.
ثانيها: جهل مركب، وهو اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
ثالثها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل2.
التعريف الاصطلاحي:
اختلفت عبارات الناس في تعريف الجاهلية والمراد منها، وسأذكر هنا بعضا منها، ثم أختم ذلك بالمختار.
التعريف الأول:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "المراد بالجاهلية الفترة قبل الإسلام"3
ويؤخذ على هذا التعريف كونه غير جامع، وذلك أن الجاهلية جاء إطلاقها حتى بعد البعثة، كما قال بن عباس رضي الله عنهما:"سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا كأسا دهاقا"4، وابن عباس إنما ولد بعد البعثة5.
1 " ديوان عمرو بن كلثوم"(ص78) ،" جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي ص300، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص288، "شرح القصائد المشهورات" لابن النحاس (1/2/125)
2 انظر: "المفردات في غريب القرآن" للرغاب الاصفهاني ص102، "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/224-225) .
3 شرح صحيح مسلم (2/110)
4 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب لمناقب الأنصار- باب أيام الجاهلية (4/236) .
5 انظر طبقات ابن سعد: (2/365-372) ، "تهذيب الكمال" للمزي (15/154-162) ، فتح الباري لابن حجر (7/183) .
التعريف الثاني:
قال ابن الأثير- وتبعه ابن منظور-: " هي-أي الجاهلية- الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام، من الجهل بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك"1.
ويؤخذ على هذا التعريف:
أ-تخصيصه العرب بذلك، مع أن غيرهم من الأمم يشركهم فيه.
ب- أنه جعل نهاية هذه الحال بظهور الإسلام، وقد مرّ قبل قليل أن الجاهلية أطلقت حتى بعد الإسلام.
التعريف الثالث:
وهو للأستاذ محمد قطب حيث قال: " هي-أي الجاهلية- حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدى الله، ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله"2.
ويؤخذ على هذا التعريف كونه غير جامع، لأنه أخرج الحال التي تكون عليه أمة من الأمم قبل مجيئها هدى الله.
وفيه قصر على الوضع التنظيمي الذي يرفض الحكم بما أنزل الله، مع أن الأمر أعظم من ذلك، فحكم الله ليس في الأمور التنظيمية فقط، بل هو أعم من ذلك كله.
التعريف الرابع:
وهو التعريف الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "الجاهلية:
1 "التهاية في غريب الحديث"(1/232) ، لسان العرب "جهل"(11/130) .
2 جاهلية القرن العشرين ص11
هي الحالة التي تكون عليها الأمة قبل أن يجيئها الهدى والنبوة".
ويؤخذ على هذا التعريف ما أخذ على التعريف الأول.
التعريف الخامس:
" الجاهلية: هي الحالة التي تكون عليها أمة قبل مجيئها هدى الله، والحالة التي تمتنع فيها أمة ما أو بعض أمة من الاستجابة لهدى الله".
وهذا التعريف هو المختار عندي، والذي أراه مناسبا لهذا المقام، وذلك للآتي:
1-
كون هذا التعريف أدخل أهل الفترات، وأدخل من امتنع من أتباع الهدى بعد إذ جاءه.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في قوم أميين لا علم لهم بالكتاب، فهؤلاء يناسبهم الجزء الأول من التعريف، كما أنه صلى الله عليه وسلم لعموم رسالته بعث –أيضا لقوم أهل كتاب، وهؤلاء يناسبهم الجزء الثاني، كما أن في أمته صلى الله عليه وسلم من يمتنع من الاهتداء بهديه.
2-
موافقة هذا التعريف لما ذكره العلماء من أقسام الجهل.
1 "معجم ألفاظ القرآن الكريم" الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1/220)