المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة - المقدمة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب

أمده الله بمواهب وطاقات أهلته لحمل لواء السنة وراية التوحيد وشجعته أن يتصدى للباطل وأهله في كل مجال بقوة وشجاعة وعلم واسع قل أن تتوافر في غيره بعد القرون المفضلة؛ فكان من ثمار ذلك الجهاد والعلم مؤلفاته الكثيرة النافعة التي لا يوجد لها نظير في شمولها وقوتها وعمقها وذيادها عن الحق ودك صروح الباطل في شتى ألوانه وصوره والتي هي المنار المضيء بعد كتاب الله وسنة رسول الله لكل مصلح ناصح يريد للأمة الإسلامية السعادة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.

ومن بين مؤلفاته النافعة الجليلة "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" أحببت أن أقدمها للقرّاء الكرام في أحسن ثوب وأجمل صورة ولقد بذلت أقصى ما عندي من جهد في خدمتها من ضبط نصوصها وتخريج أحاديثها والحكم عليها وتخريج الآثار وعزو الأقوال إلى مصادرها وعمل الفهارس النافعة لها، ولا أدعي الكمال فالنقص والتقصير لازمة من لوازم البشر.

أسأل الله أن ينفعني والقراء الكرام بما حوته من عقيدة وقواعد ومقاصد ونصوص ضمنها المؤلف العظيم هذا الكتاب المبارك.

‌الأسباب الدافعة إلى العمل في هذا الكتاب

أول الأسباب وأهمها هو أني في إحدى مطالعاتي في هذا الكتاب استوقفتني كلمة استبعدت أن تكون ممن هو دون شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فضلاً عن أن تكون منه والكلمة هي: "والرغبة إلى الله ورسوله" في ص 44 س 12 كما في نسخة محب الدين الخطيب رحمه الله نشر المكتبة العلمية. بيروت وص 44 س 4 من طبعة زهير الشاويش سنة 1390هـ 1970م والتي راجعها - بطلب من الشيخ زهير -

ص: 6

كل من الشيخ شعيب أرناؤوط والشيخ أحمد القطيفاني على المخطوطة المحفوظة في الظاهرية.

وتكرر الخطأ نفسه في الطبعة الثانية لزهير سنة 1398هـ - 1978م ولم ينج من هذا الخطأ الشيخ عبد القادر أرناؤوط حيث خدم هذا الكتاب مشكورًا ونشره له مكتبة دار البيان في دمشق سنة 1405هـ- 1985م وجاء الخطأ نفسه في نسخته ص 49 س 18 وكذلك جاء الخطأ نفسه في الطبعة التي راجعها الشيخ عطية محمد سالم، والخطأ جسيم جداً ولا أدري كيف خفي على هؤلاء الأفاضل وواضح جداً من كتاب الله ومن سنة رسوله أن الرغبة كسائر قضايا التوحيد من العبادات التي لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا إلى الله وحده جل جلاله، كما قال تعالى (94: 7، 8) :{فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} . وكما قال تعالى (9: 59) : {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} .

وكم رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كتبه أن الرغبة من العبادات الخاصة بالله حتى في هذا الكتاب "التوسل والوسيلة" قرر فيه عدة مرات قبل هذا الموضع وبعده أن الرغبة من العبادات التي لا يجوز صرفها إلى غير الله، انظر إليه وهو يقرر أن الرغبة والحسب من خصائص الله لا يشركه فيها غيره.

قال رحمه الله: "وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة وتركه توكلاً على الله أفضل، قال تعالى (94: 7، 8) :{فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي ارغب إلى الله لا إلى غيره.

ص: 7

وأما الحسب فأمرهم أن يقولوا: {حسبنا الله} ، لا أن يقولوا حسبنا الله ورسوله، ويقولوا:(9: 59){إنا إلى الله راغبون} ، لم يأمرهم أن يقولوا: إنا إلى الله ورسوله راغبون.

فالرغبة إلى الله وحده، كما قال تعالى في الآية الأخرى (24: 52) : {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون} ، فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده "التوسل والوسيلة" ص 56 الفقرتان (154، 155) وانظر ص 237 الفقرة 659 فإنه تكلم عن الرغبة وغيرها بمثل هذا الكلام الذي سقناه لك.

وقال رحمه الله في كتاب الرد على الأخنائي (ص 98) : "ويدخل في العبادة جميع خصائص الرب، فلا يتقى غيره، ولا يخاف غيره، ولا يتوكل على غيره، ولا يدعى غيره، ولا يصلى لغيره، ولا يصام لغيره، ولا يتصدق إلا له ولا يحج إلا إلى بيته، قال تعالى (النور: 52) : {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقهِ فأولئك هم الفائزون} فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده وقال تعالى (التوبة: 59) : {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} فجعل الإيتاء لله والرسول. كما قال تعالى (الحشر: 7) : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وجعل التوكل والرغبة إلى الله وحده. وكثيراً ما يذكر هذا في كثير من مؤلفاته رحمه الله.

كان الخطأ السابق وما أعرفه في هذه القضية وما أعرفه من منهج شيخ الإسلام فيها وفي مثيلاتها من الجزم بأنها من العبادات الخاصة بالله، من أقوى الدوافع للقيام بخدمة هذا الكتاب فرأيت لزاما البحث أولاً عن

ص: 8

أصوله الخطية في المكتبات الإسلامية ومظان وجودها؛ فشرعت في البحث والسؤال عنها، وكنت أعلم أن هذه الطبعات كلها ترجع إلى الأصل الذي ضمنه ابن عروة كتابه العظيم "الكواكب الدراري" لكني سمعت من بعض المعنيين بالمخطوطات أنه يوجد نسختان في الرياض، إحداهما في مكتبة عبد الرحمن بن قاسم، والثانية في المكتبة السعودية فطلبت من والدنا الكريم وشيخنا الكبير سماحة رئيس الإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله أن يحاول الحصول على النسختين المذكورتين فبذل جهدًا مشكورًا للحصول عليهما ثم بعد البحث تبين له أنهما لا يوجدان في المكتبتين المذكورتين فأبلغني بذلك ثم لعله كلف الشيخ سعدًا الحصين بأن يصور لي صورة عن مخطوطة الكواكب بالظاهرية فتكرم مشكورًا بإرسال صورة منها فتناولتها مبتهجاً بها شاكراً ومقدرًا جهود شيخنا الكبير نفع الله به ثم تعاون أخينا سعد الحصين ومبادرته بإرسالها وأول شيء بدأت بقراءته من المصورة هوتلك الكلمة فوجدت ما حقق اعتقادي في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أن الكلمة كما وضعها المؤلف "والرغبة إلى الله وسؤاله" فطرت بذلك فرحًا ثم شمرت عن ساعد الجد لخدمة هذا الكتاب العظيم خدمة تليق بمكانته العظيمة بين كتب شيخ الإسلام وكتب التوحيد وبعد إنجازه ظهرت للكتاب طبعة جديدة للشيخ عبد القادر أرناؤوط.

فأول شيء أحببت الاطلاع عليه هو تلك الكلمة الخاطئة راجياً أن يكون قد انتبه لها وقام بتصحيحها فصدمت بأنه قد اشترك مع سابقيه

ص: 9