المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الزكاة للقرابة ولكن لأحمد نصوصٌ أُخر تدل {عَلَى} (1) كراهة إجرائها - قاعدة في إخراج الزكاة على الفور - جـ ٢

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: ‌ ‌الزكاة للقرابة ولكن لأحمد نصوصٌ أُخر تدل {عَلَى} (1) كراهة إجرائها

‌الزكاة للقرابة

ولكن لأحمد نصوصٌ أُخر تدل {عَلَى} (1) كراهة إجرائها عليهم شيئًا فشيئًا قبل الحول. معللاً بأنّه يخص بزكاته {قرابته} (2) دون غيرهم ممن هو أحوج منهم وقال لا يُعجبني، فإن كانوا مع غيرهم سواء في الحاجة فلا بأس نقله عنه جعفرُ بن محمد.

وكذا نقل عنه أبو داود إذا كان غيرُهم أحوج، وإنَّما يريد أن يُغنيهم ويدع غيرهم، فلا فإن استووا في الحاجة فهم أولى.

ونقل عنه أيضًا إذا كان له قرابةٌ يجري عليهم، أيعطيهم من الزكاة؟ قال إِن كان {عدَّها} (3) من عياله، فلا قيل إنَّما يُجري عليها شيئًا معلومًا كلَّ شهر قال إذا كفاها ذلك قيل لا يكفيها فلم يُرخِّص له أن يُعطيها من الزكاة ثم قال لا يُوقى بالزكاة {مال} (4) قال ومعنى هذا إِن كان عوَّدها الإجراء عليها من غير الزكاة قال لا توقى بالزكاة فقد وقى به ماله ولم يذكر الخلال ولا أبو بكر آخر الرواية فأشكل فقهها من كلامها ومما يتفرَّع علي جواز تأخير أداء الزكاة أنَّه يجوز أن يُتحرَّى. بها شيء معين تُضاعف فيه الصدقة.

فمن قال: إنّه يجوز تأخيرها لمن لا يجد مثلهم في الحاجة لم يبعُد عَلَى قوله أن يجوز تأخيرُها لشهر يفضُل فيه الصدقة أيضًا وقد يتخرَّج عَلَى ذلك أنه يجوز نقل الزكاة إِلَى بلدٍ بعيد لقرابة فقراء حاجتُهم شديدة.

وقد توقف أحمدُ في هذه الصورة في رواية الأثرم وقال لا أدري ومسائل التوقف تُخرَّج عَلَى وجهين غالبًا.

(1) في الأصل "منع" ولعل المثبت هو الصواب.

(2)

في الأصل "قرابتهم".

(3)

في الأصل "يجدها"، وما نقلته من مسائل أبي داود لأحمد برقم (579).

(4)

زيادة من مسائل أبي داود. والسياق يقتضيها.

ص: 613

وأجازه النخعي لذي القرابة خاصة، وأجازه مالك في النقل إِلَى المدينة خاصة والنقلُ فيه تأخيرُ الإخراج؛ فكما يؤخّر الأداء إِلَى الوصول إِلَى مكانٍ فاضل، تفضل فيه أبوابُ النفقة؛ فكذلك تُوخِّر إِلَى زمان فاضل تفضل فيه الصدقة.

بل التأخير إِلَى الزمان أولى؛ لأنّه ليس فيه عدولٌ عن فُقراء بلد الصدقة، ولا نقلٌ لها عن غيرهم.

وقد استشكل أحمدُ قولَ عُثمان: هذا شهرُ زكاتكم.

قال إبراهيم بنُ الحارث: سُئل أحمد عن قول عثمان: هذا شهر زكاتكم.

قال: ما فُسِّر أي وجه هو. قيل: فليس يُعرف وجهه؟ قال: لا.

قال الأثرم: قلتُ لأبي عبد الله: حديثُ عثمان: هذا شهر زكاتكم. ما وجهه؟ قال: لا أدري.

وأما {حديثُ} (1) عثمان: فحدَّثنا به من قال: ثنا ابنُ المبارك، ثنا معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: سمعتُ عثمان، يقول:"هذا شهرُ زكاتكم"(2). يعني: رمضان.

قال القاضي أبو يعلى: لقد نُقل عن السائب بن يزيد، أنَّه قال ذلك في شهر رمضان. ونُقل عنه أنّه قال ذلك في المحرَّم.

قلتُ: قوله: يعني رمضان. ليس هو من قول السائب، بل من قول من بعده من الرُّواة.

وحمل القاضي هذا الحديث: عَلَى أنَّ الإمام يبعثُ سُعَاته في أوَّل السنة، وهو أول المحرَّم. فمن كان حال حولُه أخذ منه زكاته، ومن تبرَّع بأداء زكاة لم تجب عليه قُبل منه، ومن قال: لم يحل حولي أخَّره.

(1) إضافة يقتضيها السياق.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 194) وتتمته: "فمن كان عليه دين فليقضه، وزكوا بقية أموالكم".

ص: 614

وقد نص أحمدُ وغيره عَلَى أن من خشي أن يرجع عليه الساعي بالزكاة، أنَّه عذرٌ له في تأخير إخراجها.

وقال مالك وغيرُه من العُلَمَاء: لا تجب الزكاةُ في الأموال الظاهرة إلا يوم مجيء السُّعاة. نقله عنه أبو عُبيد.

وقالت طائفة: معنى قول عُثمان: "هذا شهيرُ زكاتكم". يُستحب فيه تعجيل زكاتكم. نقل ذلك القاضي في "خلافه"، وردَّه عَلَى قائله.

وروى أبو عبيد في كتاب "الأموال"(1): ثنا إبراهيمُ بن سعد، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، قال: سمعتُ عُثمان بن عفان، يقول:"هذا شهرُ زكاتكم. فمن كان عليه دينٌ فليؤدِّه حتى تُخرجوا زكاة أموالكم، ومن لم يكن عنده لم يُطلب منه حتى يأتي بها تطوعًا، ومن أُخذ منه لم تُؤخذ منه حتى يأتي هذا الشهر من قابل" قال إبراهيم: أراه يعني شهر رمضان.

قال أبو عُبيد: وقد جاءنا في بعض الأثر، ولا أدري عمَّن هو: أنَّ هذا الشهر الَّذِي أراد عُثمان المحرَّم.

وقد قال بعضُ السَّلف: ذلك الشهر الَّذِي كان يُخرج فيه الزكاة نُسي، وأنَّ ذلك من المصائب عَلَى هذه الأمة. فروى أبو زرعة في تاريخه، قال: سألت أبا مُسهر، عن عبد العزيز بن الحُصين: هل يُؤخذ عنه؟ فَقَالَ: أمَّا أهلُ الحزم فلا يفعلون. قال: فسمعتُ أبا مُسهر يحتجّ بما أنكره عَلَى عبد العزيز بن الحُصين. ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري فَقَالَ: كان من البلاء عَلَى هذه الأمة أن نسوا ذلك الشهر. يعني: شهر الزكاة. قال أبو مُسهر: قال عبد العزيز: سمَّاه لنا الزُّهري.

وقد رُوي أنَّ الصحابة كانوا يُخرجون زكاتهم في شهر شعبان إعانة عَلَى الاستعداد لرمضان، لكن من وجهٍ لا يصح (2).

(1) ص 395.

(2)

وقال المؤلف في "لطائف المعارف" ص 174 وفي الإسناد ضعف.

ص: 615

وروى يحيى بن سعيد العطَّار الحمصي، ثنا سيفُ بن محمد، عن ضرار ابن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: "كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلَّ شهر شعبان أكبّوا عَلَى المصاحف فقرءوها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين عَلَى صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاةُ أهل (السجون)(1) فمن كان عليه حدٌّ أقاموه عليه وإلا خلَّوا سبيله.

يحيى، ومن فوقه إِلَى يزيد: كلُّهم ضُعفاء.

وأمَّا مذاهب العُلَمَاء في هذه المسألة: قال ميمون بن مهران: إذا حال الحولُ أخرج زكاته، وله أن يشتغل بتفرقتها شهرًا لا يزيد عليه.

قال أبو عُبيد: ثنا علي بن ثابت، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: اجعلها صررًا ثم ضعها فيمن تعرف، ولا يأتي عليك الشهر حتى تفرقها.

وصرَّح أصحابُنا: بجواز تأخير إخراجها يسيرًا من غير تقدير.

وحكوا عن مالك، والشافعي، ومحمد بن الحسن أنه يجب إخراجُها علي الفور. وعن أبي يوسف: لا يجب ما لم يُطالبه الإمام.

وحكوا في كُتب الخلاف -منهم القاضي وابن عقيل- عن الحنفية أنهم قالوا: تسقط الزكاة بتلف المال قبل إمكانه وبعده. عَلَى أنَّه لا يجب إخراجها عَلَى الفور، وأنَّه لا يجب بدون مطالبة الساعي. وهذا يُشبه المحكي عن أبي يوسف، كما تقدَّم.

آخر ما وجدنا من خط المؤلف -رحمه الله تعالى- والحمد لله وحده وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين. هذا آخر القاعدة في إخراج الزكاة عَلَى الفور، للشيخ الإمام العالم العلامة بقية الحفاظ زين الدين ابن رجب البغدادي الدمشقي، رحمه الله وأسكنه فسيح جنته بمنه وكرمه، وغفر لنا ولجميع المسلمين أجمعين. بلغ مقابلة وتصحيحًا عَلَى حسب الطاقة.

(1) في الأصل: "السنجوق"، وما أثبته هو الصواب.

ص: 616