المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تقرير القواعد وتحرير الفوائد   تصنيف الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن - قواعد ابن رجب - ت مشهور - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

تقرير القواعد وتحرير الفوائد

تصنيف

الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

(736 - 795 هـ)

وبآخره

فهرست كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد

تصنيف

جلال الدين أبي الفرج نصر الدين البغدادي

ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره

أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

[المجلد الأول]

ص: -1

بسم الله الرحمن الرحيم

[وهو حسبي ونعم الوكيل](1)

[(رب يسر وأعن)

قال الشيخ، الإمام، العالم، العلامة، أبو الفرج، زين الدين، عبد الرحمن [بن أحمد](2) بن رجب، الحنبلي، [البغدادي] (2)] (3) [رحمه الله ورضي عنه] (4):

الحمد للَّه الذي مهد قواعد الدين (5) بكتابه المحكلم، وشيَّد معاقد العلم بخطابه وأحكم، وفقَّه في دينه (5) من أراد به خيرًا من عباده وفهَّم،

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تغمده اللَّه برحمته وأسكنه فسيح جنته".

(5)

قولة: "قواعد" و"فقه": فيها ما يسمى عند علماء البلاغة ببراعة الاستهلال، وهو الإتيان بما يدل على المقصود في الخطبة (ع).

ص: 3

وأوقف من شاء على ما شاء من أسرار مراده وألهم؛ فسبحان من حكم فأحكم! وحلل وحرَّم! وعرف وعلم! علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.

وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له شهادة تهدي (1) التي الطريق الأقوم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المخصوص بجوامع الكلم (2) وبدائع الحكم وودائع العلم والحلم والكرم، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد؛ فهذه قواعد مهمة وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد؛ فلينعم (3) الناظر فيه النظر، وليوسع العذر؛ إنَّ اللبيب مَنْ عذر؛ فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال؛ كالارتجال أو قريبًا من الارتجال؛ في أيام يسيرة وليال، ويأبى اللَّه العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطإ المرء في كثير صوابه (4).

واللَّه المسؤول أن يوفقنا لصواب القول والعمل، وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزيغ والزلل؛ إنه قريب مجيب لمن سأل، لا يخيب من إياه رجا وعليه توكل.

(1) في (ب): "نُهدَى بها".

(2)

فيه أن هذه القاعدة تكون جامعة. (ع).

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع:"فليمعن".

(4)

الإنسان لا يخلو من الخطأ، لكن المنصف يرى الصواب ويرى الخطأ، فإذا صار الصواب أكثر، فليغتفر الخطأ، وإن كان الخطأ أكثر؛ اضمحل به الصواب. (ع).

ص: 4

[(القاعدة الأولى)](1)

الماء الجاري؛ هل هو كالراكد (2)، أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد؟

فيه خلاف في المذهب ينبني عليه مسائل

[إحداها](3): لو وقعت فيه نجاسة؛ فهل يعتبر مجموعه؟ فإن كان كثيرًا لم ينجس [بدون تغير](4) وإلا نجس، أو تعتبر (5) كل جرية بانفرادها، فإن بلغت قلتين لم [تنجس](6)، وإلا نجست (7)؟

(1) في (أ) و (ب): "قاعدة"، والترقيم من (ج) والمطبوع.

(2)

الماء الجاري والراكد هل هما سواء أم يختلفان؟ فيه خلاف في المذهب، وهذه عندي ليست من القواعد، لكنها مسألة تتفرَّعُ عليا مسائل؛ فهي أشبه ما تكون بالمسائل التي يترتب عليها الخلاف، وتنبني عليها فوائد كثيرة. (ع).

(3)

في المطبوع: "أحدها"، والتصوب من (أ) و (ب) و (ج).

(4)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"بغير".

(5)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"يعتبر".

(6)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، والتصويب من (ب).

(7)

الجرية: عبارة عن الدفعة من الماء.

إنْ قلنا: كل جرية بحكم المنفرد؛ فإنه ينجس بمجر الملاقاة، فإنه إذا نجس الذي يقابل النجاسة نجس الذي بجانبه وهكذا؛ فيعم الماء كله.

وإن قلنا: إن المعتبر هو المجموع؛ فحين ذلك ينظر: هل هو كثير فلا ينجس إلا =

ص: 5

فيه روايتان حكاهما الشيرازي وغيره.

(والثانية): المذهب عند القاضي، والثانية: لو غمس الإناء النجس في ماء جار، ومرت عليه سبع جريات (1)؛ فهل ذلك غسلة واحدة أو سبع غسلات؟

= بالتّغيُّر؟

ومنه: لو سقط في هذا الماء الجاري بعير ميت؛ فهل ينجس؟

يقولون: إنْ قلنا: كلَّ جرية تعتبر منفردة؛ فالذي يحيط بالبعير كبير، وعليه؛ فلا ينجس إلا بالتغير، ولو سقطت فيه شعرة من كلب نجس؛ صار نجسًا؛ لأن الذي يلي الشعرة لا يبلغ قلَّتين، فينجس بالملاقاة، فيؤدي إلى أن ينجس نهر كبير من شعرة كلب، ولا ينجس بجيفة بعير، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: إنهما يعتبران شيئًا واحدًا، مع أن الصحيح على كل تقدير: أن الماء لا ينجس إلا بالتَّغير. (ع).

قلت: انظر تخربج حديث القلَّتين في تعليقي على "الطهور"(ص 227 - 229) لأبي عبيد و"الخلافيات"(3/ رقم 935) للبيهقي، وفي الأخير بيان رجحان نجاسة الماء بالتغير، واللَّه الهادي.

(1)

استدل الحنابلة على تسبيع غسل النجاسة بحديث ابن عمر: "أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا"، ذكره ابن قدامة في "المغني" وذكره في "الشرح الكبير" وقال:"ذكره القاضي"(يعني: أبا يعلى)، وعزاه في "شرح الإقناع" إلى القاضي، ولم يذكره الشيخ أبو محمد في "الكافي"، ولم يتعرض له الحافظ ضياء الدين المقدسي في "تخريج أحاديث الكافي"، ولكنه ذكر حديثًا لابن عمر، فقال:"روي عن ابن عمر أنَّه قال: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، والغسل من البول سبع مرات؛ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل حتَّى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من البول مرة، والغسل من الجنابة مرة"، رواه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 109)، وأبو داود في "سننه"(رقم 247).

قال الموفق والضياء: "في رواته أيوب بن جابر، وهو ضعيف"، أفاده ابن بدران في "العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية" (ص 145) وزاد: =

ص: 6

على وجهين حكاهما أبو الحسن بن الغازي تلميذ الآمدي، وذكر أن ظاهر كلام الأصحاب أن ذلك غسلة واحدة، وفي "شرح المذهب" (1) للقاضي: أن كلام أحمد يدل عليه، وكذلك لو كان ثوبًا ونحوه وعصره [عَقِيب](2) كل جرية (3).

= "وقد كشفتُ عن الأثر المسؤول عنه أكثر كتب الحديث المشهورة حتَّى "مصنف ابن أبي شيبة"؛ فلم أجد له أثرًا، لكن رأيتُ في كتاب "الانتصار في المسائل الكبار" (1/ 2/ 487) للإمام أبي الخطاب الكلوذاني ما نصه: روى موسى بن عقبة صاحب "المغازي" عن ابن عمر: أنَّه قال. . . (وذكره)، وكذلك عزاه القاضي أبو يعلى في كتابه "المفردات" إلى موسى بن عقبة، ولم يعزه هو ولا أبو الخطاب التي غيره، وهما إمامان كبيران؛ فيقتضي صنيعهما أنَّه لم يروه غيره؛ لأنهما ذكراه في مقام الاحتجاج على الخصم، وهو يقتضي تقوية الاستدلال، ثم إن من بعدهما قلّدهما فيه، واحتج به من غير عزوٍ إلى مخرجه ايهامًا للخصم، ومع ذلك؛ فحديث أبي داود المتقدم -على ضعفه- أقل منه، وأولى بالاعتبار".

ثم أفاض الكلام على ما قصد الأصحاب من ذكر هذا الأثر، وبسط الكلام على مسألة غسل النجاسات؛ فراجع كلامه.

(1)

سيأتي التعريف به (ص 33).

(2)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"عقب".

(3)

رجل معه إناء نجس، وأراد أن يطهره بماءٍ جارٍ، فإذا قلنا: كل جرية غسلة منفردة؛ فمتى مر عليه سبع جريات صار طاهرًا، لأنَّ كل جرية غسلة، والجرية تباشر الشيء إذا مر عليه الماء سبع مرات طهره، وإذا قلنا؛ إن الجاري كالراكد؛ فلا بد أن يخرجها من الماء ثم يعيدها ثم يخرجها ثم يعيدها حتَّى تتم سبع مرات.

كذلك لو وضع فيه ثوبًا نجسًا ومر عليه سبع جريات، فإن قلنا: إن كل جرية لها حكم المنفرد ومر عليه سبع جريات، طهر، وإلا؛ فلا بد من إخراجه ثم عصره خارج الماء، وهذا كله مبني على أنَّه لا بد من سبع غسلات، والصحيح أنَّه لا يجب سبع غسلات إلا في سؤر الكلب، وأما في غيره؛ فمتى زالت النجاسة؛ طهر بأيِّ عددٍ كان. (ع).

ص: 7

(والثالثة): لو انغمس المحدث حدثًا أصغر في ماء جار للوضوء، ومرت عليه أربع جريات متوالية؛ فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا؟

على وجهين، أشهرهما عند الأصحاب: أنَّه يرتفع حدثه.

وقال أبو الخطاب في "الانتصار"(1): ظاهر كلام أحمد أنَّه لا يرتفع [حدثه](2)؛ لأنه لم يفرق بين الجاري والراكد.

قلت: بل نص أحمد على التسوية بينهما في رواية محمد بن الحكم، وأنه إذا انغمس في دِجْلَة؛ فإنه لا يرتفع حدثه حتَّى يخرج [حدثه](3) مرتبًا (4).

(1)(1/ 281) قال: "نص عليه [أي: أحمد]: إذا دخل الماء وهو يريد الوضوء، فإذا أخرج رأسه؛ جاز عنه غسل الوجه، ويتمضمض، ويستنشق، فإذا أخرج يديه؛ جاز عنه غسل يديه، ويمسح رأسه، ولم يفرق بين الماء الراكد والجاري".

وقد نقله عنه صاحب "الفروع"(1/ 154) وصاحب "الإنصاف"(1/ 139).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع، ولعل الصواب حذفها.

(4)

من فروع هذا الخلاف:

إنسان محدث حدثًا أصغر، فانغمس في الماء الذي يجري، ومر عليه أربع جريات، لماذا قلنا أربع؟ لأن فيه أربعة أعضاء، والترتيب لا بد منه، الجرية الأولى للوجه، والثانية لليدين، والثالثة للرأس، والرابعة للرجلين، نقول أربعة لأجل الترتيب؛ فهل يرتفع حدثه؟ يقول المؤلف: ينبني على الخلاف:

إن قلنا بأن الماء الجاري كل جرية منه لها حكم المنفرد؛ فإنه يطهر، وإن قلنا: إنه واحد -الجاري كأنه راكد- ما يرتفع حدثه لو مر عليه أربعين مرة، لا بد أن يخرج منه مرتبًا، وهذا بقول: وهو الذي نص عليه الإمام أحمد رحمه الله.

لا بد أن يخرج مرتبًا، لا بد أن يخرج وجهه أولًا، ثم يديه.، ثم رجليه، وهذا الأخير =

ص: 8

(والرابعة): لو حلف لا يقف في هذا الماء، وكان جاريًا؛ لم يحنث عند أبي الخطاب وغيره؛ لأن الجاري يتبدل ويستخلف شيئًا فشيئًا؛ فلا يتصور الوقوف فيه، وقياس المنصوص أنَّه يحنث؛ لا سيما والعرف يشهد له، والأيمان مرجعها إلى العرف، ثم وجدت القاضي في "الجامع الكبير"(1) ذكر [نحو هذا](2)، [واللَّه أعلم](3).

= هو الصواب بلا شك، ولو أنَّه انغمس في الماء الراكد وليس الجاري؛ يغسل وجهه، ثم يغسل يديه وهو داخل الماء -ما خرج من الماء-، ثم يمسح رأسه وكل رجليه، الظاهر في أنَّه يكفي، وظاهر كلامه أنَّه لا يكفي؛ لكن الظاهر أنَّه يكفي؛ لأن كل ماء يباشر عضوًا، فهو غير الماء الذي يباشر العضو الآخر؛ فلا يقال هنا: إن الرجل استعمل الماء مرتين لعضوين؛ لأن من المعلوم أن الماء الذي غسل به الوجه غير الذي يلي الدين، وهكذا، ولكن مع هذا نقول: إن الأحوط والأولى أن تخرج وتتوضأ مرتبًا كل عضو بعد الآخر، ولكن هذه المسائل التي يقولها العلماء تجدها مسائل نادرة عند الناس، ربما تقع إذا كنت في بحر تسبح فيه أو في نهر أو في مجمع ماء كبير، ويمكن أن يفعل هذا في بركة كبيرة: أنت واقف في ماء، أول جرية تأتي؛ تقول: هذه للوجه، والثانية لليدين، والثالثة للرأس، والرابعة للرجلين، أنت تقدرها، وهنا رتب لأنه نوى، عمل الجرية الأولى لما انفصلت ضاعت، أتت جرية جدبدة من جديد، والدلك ليس شرطًا؛ لأن الغسل في اللغة يطلق على مجرد وصول الماء المغسول بدون دلك، لكن التدلك أفضل. (ع).

(1)

صاحبه القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، أكثر المصنف من النقل عنه في كتابنا هذا، ونقل كثيرًا من كتابه هذا "الجامع الكبير"، وقد عمل المصنف قطعة منه ولم يُتمّه، توفي سنة (458 هـ).

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 193 - 230)، و"سير أعلام النبلاء"(18/ 89).

(2)

في (أ) و (ب): "ونحوه"، ولعله الصواب.

(3)

إذا قلنا: الجاري كالراكد يحنث، وإذا قلنا: الجاري ليس كالراكد، وكل جرية =

ص: 9

(القاعدة الثانية)(1)

شعر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل، وكذلك الظفر.

هذا (2) هو جادة المذهب، ويتفرع على ذلك مسائل:

- (منها): إذا مس شعر امرأة بشهوة لم ينتقض وضوؤه، وكذلك ظفرها، أو مسها بظفره أو شعره (3).

ولهذه المسألة مأخذ آخر: وهو أن هذه الأجزاء ليست بمحل للشهوة (4) الأصلية، وهي شرط لنقض الوضوء عندنا (5).

= لها حكم المنفرد؛ فإنه لا يحنث، والصحيح أنه يحنث، إحالة له على العرف، ولو أنّ المؤلف قد جاء بالمثال السابق في (الشعرة والبعير)؛ لأضعف القول بأنّ كلّ جرية لها حكم المنفرد. (ع).

(1)

في (أ) و (ب): "قاعدة".

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج):"وهذا".

(3)

في المطبوع و (أ): "بشعره".

(4)

في (أ): "لمحل الشهوة".

(5)

المذهب أنه اذا مسها بشهوةٍ انتقض وضوؤه، ولكن إذا مسَّها بشعره أو بظفره، أو مسَّ شعرها أوظفرها لم ينتقض! لأن الشعر في حكم المفصل، وكذلك الظفر، وقيل: لا ينتقض من مأخذ آخر، وهو أن هذه الأجزاء ليست محلًّا للشهوة الأصلية، وهذا التعليل =

ص: 10

- (ومنها): أن الشعر لا ينجس بالموت ولا بالانفصال على المذهب، وكذا (1) ما طال من الظفر على احتمال فيه، أما على المشهور، فإن انفصل من آدمي (2)؛ لم ينجس على الصحيح، ومن غيره ينجس؛ لأنه كانت فيه حياة ثم فارقته حال انفصاله، فمنعه الاتصال من التنجيس (3)، فإذا انفصل؛ زال المنع، فنجس (4).

- (ومنها): غسله في الجنابة والحدث.

فأما الجنابة؛ ففي وجوب غسله وجهان، والذي رجحه صاحب "المغني" (5) وذكر أنَّه ظاهر كلام الخرقي: عدم الوجوب؛ [طردًا](6) للقاعدة، ومن أوجبه؛ فيقول: وجب تعبدًا.

نعم، إن كان وصول الماء إلى البشرة لا يمكن بدون غسله؛ وجب

= فيه نظر، والصحيح خلاف هذا، بل الشعر يكون محلَّ شهوةٍ، والصحيح عدم النقض. (ع).

(1)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب)، (ج):"وكذلك".

(2)

في (ج): "الأدمي".

(3)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج):"التنجس".

(4)

المذهب المشهور: أن ما انفصل من الحيوان -ولكن بشرط أن يكون طاهرًا في الأصل-؛ فهو طاهر، وما انفصل من حيوان نجس؛ فهو نجس؛ فشعر الكلاب مثلًا نجس؛ لأنه انفصل من حيوان نجس، وشعر الهر وشعر الشاة وما أشبهها طاهر، وشعر الآدمي طاهر، وكذلك الظفر. (ع).

(5)

قال في "المغني"(1/ 227) مع "الشرح الكبير": ". . . ولأن الشعر ليس من أجزاء الحيوان؛ بدليل أنَّه لا ينجس بموته ولا حياة فيه، ولا بنقض الوضوء مسه من المرأة ولا نطلق بطلاقه؛ فلم يجب غسله كثيابها".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 11

لضرورة وجوب إيصال الماء إلى ما تحته، وأما في الحديث الأصغر؛ فلا يجب غسل المسترسل منه على الصحيح (1)، وأما المحاذي [لمحل الفرض](2)؛ فيجزئ إمرار الماء على ظاهره إذا (3) كان كثيفًا (4)؛ لأن إيصال الماء إلى الحوائل في الوضوء كافٍ؛ وإن لم تكن متصلة بالبدن اتصال خلقة (5)؛ كالخف والعمامة والجبيرة (6)؛ فالمتصل خلقة (*) أولى (7).

(1) ما استرسل من الشعر متجاوزًا لمحل الفرض لا يجب غسله في الجنابة ولا في الحدث الأصغر، لأنه في حكم المنفصل، هذا قول.

وهناك قول آخر: أنَّه يجب، ولكن تعبدًا أن يغسل في الجنابة، والذين قالوا بوجوب غسله في الجنابة يمكن أن يعللوا بتعليل آخر، وهو أنه تابع للرأس؛ فوجب غسله.

أما في مسألة الوضوء؛ فإنَّ ما تجاوز محل الفرض لا يجب مسحه، وظاهر كلام المؤلف حتى في اللحية، وهذا خلاف المشهور، وهو أن شعر اللحية يجب غسله، ويعللون ذلك بأن الوجه مأخوذ من المواجهة، ومسترسل اللحية تحصل به المواجهة، بخلاف الرأس؛ فإنه مأخوذ من الترأس وهو العلو، وما استرسل من شعره ليس من ذلك، لا شك أنَّ غسل ما استرسل من الشعر احتياطًا أفضل، وهو ظاهر المذهب، هذا في الجنابة، أما في الحدث الأصغر، فما استرسل من الشعر فلا يجب مسحه. (ع).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "اللفرض".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إنْ".

(4)

فإذا كان ما استتر بشيء من غير الخلقة؛ لم يجب غسله، فمن باب أولى أنْ المستتر بشيء من أصل الخلقة لا يغسل. (ع).

(5)

كذا "خلقة" في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"حلقة"؛ بالحاء المهملة المفتوحة.

(6)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ):"كالجبيرة والخف والعمامة"، وفي (ب):"كالجبيرة والعمامة والخف".

(7)

المشهور من المذهب أن إيصال الماء إلى ما تحت الشعر في غسل الجنابة =

ص: 12

- (ومنها): لو أضاف طلاقًا أو عتاقًا أو ظهارًا إلى الشعر أو الظفر؛ لم يثبت [به](1) الطلاق ولا العتاق ولا الظهار على الأصح (2).

- (ومنها): لو كان جيبه واسعًا تُرى (3) منه عورته في الصلاة، لكن له لحية كبيرة تستره؛ فالمذهب أنَّه يكفيه (4) في الستر.

قال في "المغني"(5): "نص عليه"، مع أنَّه قرر في كتاب الحج: إن

= واجب، وفي الحديث الأصغر غير واجب، ويقال -بزيادة تفصيل-: إن ما تحت الشعر باعتبار

وصول الطهور إليه ينقسم ثلاثة أقسام:

الأول: في الجنابة، فيجب إيصال الماء إلي ما تحته خفيفًا كان أو ثقيلًا.

الثاني: في طهارة التراب (التيمم) لا يجب إيصال التراب إلى ما تحته، سواء كان في الجنابة أو في الحديث الأصغر، خفيفًا كان أو كثيفًا.

الثالث: في الوضوء ففيه تفصيل: فإن كان كثيفًا؛ لم يجب إيصال الماء إلى ما تحته، وإنْ كان خفيفًا؛ وجب إيصال الماء إلى ما تحته، فصار عندنا شيئان مطلقان، وواحد فيه التفصيل، المطلقان هما: غسل الجنابة: يجب إيصال الماء إلى ما تحته مطلقًا، والتيمم؛ لا يجب مطلقًا، أما إذا كان وضوءً، ففيه تفصيل: إن كان خفيفًا؛ وجب الإيصال، وإن كان كثيفًا؛ لم يجب.

هذه هي قاعدة المذهب في الشعر بالنسبة إلى إيصال الماء إلى ما تحته أو إيصال الطهور. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، (ب)، (ج).

(2)

في (أ): "على الصحيح".

وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "إذا قال: شعرك طالق؛ لم تطلق، وإذا قال: ظفرك طالق؛ تطلق؛ لأن [الأول] في حكم المنفصل، و [الثاني] في حكم المتصل".

(3)

في (ب): "يرى".

(4)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج):"يكفي".

(5)

قال في "المغني"(1/ 340/ 812): "فعلى هذا متى ظهرت عورته له أو =

ص: 13

الستر بالمتصل كاليد [ونحوها] لا فدية فيه (1).

وخالفه صاحب "شرح الهداية"(2)، وقال: هو ستر في الموضعين.

= لغيره؛ فسدت صلاته، فإن لم تظهر لكون جيب القميص ضيقًا، أو شد وسطه بمئزر، أو حبل فوق الثوب، أو كان ذا لحية تسد الجيب فتمنع الرؤية، أو شد إزاره، أو ألقى على جيبه رداءً أو خرقة فاستترت عورته به؛ أجزأه ذلك، وهذا مذهب الشافعي" اهـ.

(1)

قال في "المغني"(3/ 153/ 2367): "ولنا: أن هذا لا يقصد به الستر غالبًا، فلم تجب به الفدية؛ كما لو وضع يده [أي: المحرم] عليه".

ثم قال: "وإن ستر رأسه [أي: المحرم] بيديه، فلا شيء عليه لما ذكرنا، ولأن الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم الستر، ولذلك لو وضع يديه على فرجه لم تجزئه في الستر".

قلت: وما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

شَرَحَ "الهداية" -وهو من تأليف محفوظ بن أحمد بن حسن الكَلْوذاني، (المتوفى سنة 510 هـ)، مطبوع بالرياض في جزئين- جمعٌ، منهم:

عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العُكبَري محبُّ الدين أبو البقاء، المعروف بـ "الضرير"(ت 616 هـ)، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 109 - 110) و"السير"(22/ 91 - 93).

ومنهم: أسعد -ويسمى محمد- بن المُنْجَّى بن بركات بن المؤمل التَّنوخي، (ت 606 هـ)، من كتبه "النهاية في شرح الهداية" في بضعة عشر مجلدًا، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 49 - 51)، و"السير"(21/ 436 - 437)، وذكره في "كشف الظنون" (2/ 2031) وقال:"بلغ نصفه إلى عشر مجلدات".

ومنهم: إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين النّهرواني الرزَّاز، (ت 556 هـ)، له "شرح الهداية"، قال ابن رجب:"كتب منه تسع مجلدات، ومات ولم يُكمله"، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 239 - 241) و"المنهج الأحمد"(2/ 322 - 324) و"الدُّر المنضَّد"(ص 80) ولمجد الدين ابن تيمبة شرح عليه، سيأتي التعريف به في (ص 261)، وينقل المصنف منه كثيرًا، ولعله المراد هنا. وانظر عن سائر شروحه: "المدخل =

ص: 14

وتردد فيه القاضي في "شرح المذهب"؛ فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الإحرام ولا في الصلاة، ثم ذكر نص أحمد ورجع إلى أنَّه ستر في الصلاة دون الإِحرام؛ لأن القصد في ستر الصلاة تغييب لون البشرة، وفي الإحرام إنما يحرم الستر بما يستر به عادة (1).

فأما إيجاب الفدية (2) به وضمانه [من](3) الصيد (4) وتحريم نظره على الأجنبي؛ فلما يتعلق بجملة البدن من إزالة جماله وتأذي الصيد بترويعه وإثبات اليد عليه، وهو ممتنع، والافتتان بالمرأة، ولهذا لو انفصل شعر المرأة؛ جاز النظر إليه على ظاهر كلام أبي الخطاب في "الانتصار"،

= المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" للشيخ بكر أبو زيد (1/ 298، 792 - 714).

(1)

رجل له جيب واسع، وعليه قميص، فإذا ركع بدت عورته، ولكن له لحية كثيفة تستر هذه الفتحة من القميص؛ فهل يجزي؟

نعم يجزئ؛ وإن كانت متصلة به؛ لأنها في حكم المنفصل، وفي الإحرام كذلك، مع أنَّه قرر في كتاب الحج أن الستر بالمتّصل كاليد لا تجزئ، ولكن الصحيح أن اليد متصلة حقيقةً وحكمًا، فمن غطّى رأسه يده وهو محرم؛ فليس عليه فدية؛ فلا يشملها قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"لا تخمّروا رأسه"، ولا يعد هذا تخميرًا، ثم إنّ هذا خلاف ما بدل عليه اللفظ في العادة، ولذلك لو أنَّ رجلًا حمل متاعه على رأسه لا فدية عليه. (ع).

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"الدية"، وهو خطأ. "والمراد: إذا حلقه في الإحرام". (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

أي: نتف ريش الصيد؛ فهل يضمن؟

نعم، يضمن؛ أي: نتف ريش صيدٍ -والريش في حكم المنفصل- وهو محرم، فإن الصيد يروعه نتف ريشه، فكان كقتله؛ فيضمن لأجل ذلك لأنه لا يمكن أن يطير، ولهذا قال:"تأذى الصيد بترويعه وإثبات اليد عليه"؛ لأنه لا يستطيع أن يطير، فيمسك. (ع).

ص: 15

وحكى صاحب "التلخيص"(1) فيه وجهين (2).

* * *

(1) نقل المصنف منه في أكثر من ثمانين موضعًا، ولم يُسمِّ صاحبه، ولعله "تخليص المطلب في تلخيص المذهب" لمحمد بن الخضر بن الخضر بن علي بن عبد اللَّه بن تيمية فخر الدين بن أبي القاسم، (ت 622 هـ)، له ترجمة في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 151 - 162) و"السير"(22/ 288 - 290) و"الدرّ المنضد"(ص 33).

(2)

من هذا أيضًا شعر المرأة المنفصل، أما إذا كان متصلًا بها؛ فهو يحرم النظر إليه؛ لأن النفس تتعلق بالمرأة نفسها، فلو فرض أن امرأة على كرسي هو لا يراها، ولكن شعرها قد نفشته على المسند الذي وراءها وهو يرى الشعر فقط؛ فهل يجوز النظر إليه أم لا يجوز؟

يقول المؤلف: لا يجوز، لأنه متصل بالمرأة التي هي محل الشهوة، لكن لو أنها قصت شعرها وألْقته في السوق، وجاء رجل يريد أن ينظر إلى هذا الشعر؛ يجوز أم لا؟ وهل يجوز ولو بشهوة؟

نفصل في هذا الأمر:

إذا كان شعر امرأة معينة؛ فإنه لا يجوز النظر إليه بشهوة؛ لأنه يتذكرها وتتعلق نفمه بها.

أما إذا كان شعر امرأة غير معينة، فهذا يكون تعلق الشهوة به كتعلق الشهوة بالمرأة مطلقًا، وكل إنسان تتعلق شهوته بالنساء عند تذكرهن، فهذا لا يؤثر شيئًا، هذا هو التفصيل في هذه المسألة.

والمؤلف ذكر فيها وجهين، والصواب أن نقول: إن هذين الوجهين يتزلان على حالين: إنْ كان شعرَ امرأةٍ معيّنةٍ يحرم النظر اليه شرعًا، وإلا؛ فلا بأس. (ع).

ص: 16

(القاعدة الثالثة)

من وجبت (1) عليه عبادة، فأتى بما لو اقتصر على ما (2) دونه لأجزأه؛ هل يوصف الكل بالوجوب، أو قدر الإجزاء منه (3)؟.

ان كانت الزيادة متميزة منفصلة؛ فلا إشكال في أنها نفل بانفرادها؛ كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوها (4).

(1) في (ب): "وجب".

(2)

في (ب): "على دونه".

(3)

وجبت عليه عبادة، فزاد فيها على الواجب، ولو قال المؤلف: فزاد على الواجب؛ لكان أوضح وأحرى، هو يقول:"فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه"، يعني: فأتى بزائد على الواجب، الزائد على الواجب هو ما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه.

إذن؛ القاعدة نقول فيها: من وجبت عليه عبادة فزاد فيها على الواجب؛ فهل يكون كله واجبًا، ويأخذ الكل بالوجوب، أو نقول: قدر الواجب هو الأصل الأول والباقي تطوع؟ هذا هو محل القاعدة. (ع).

(4)

لأن المؤلف رحمه الله يقول: "إذا كانت الزيادة منفردة؛ فلا شك أنها نفل بانفرادها، مثل إخراج صاعين منفردين في الفطرة، الفطرة صاع، فأخرج رجل عن فطرته صاعين، نقول. الواجب صاع، والصاع الثاني نفل.

رجل عليه عتق رقبة، فاعتق رقبتين عن ما عليه الواجب واحدة، والثانية نفل قطعًا؛ لأنها متميزة.

رجل نذر أن يذبح أُضحية شاة، فذبح عن نذره شاتين، نقول: واحدة واجبة، والثانية =

ص: 17

وأما إن لم تكن متميزة؛ ففيه وجهان مذكوران في أصول الفقه، وينبني [عليها] (1) مسائل:

- (منها): إذا (2) أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه؛ هل يكون مدركًا له في الفريضة؟

ظاهر كلام القاضي وابن عقيل تخريجها على الوجهين، إذا قلنا: لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل.

قال ابن عقيل: ويحتمل أن تجري الزيادة مجرى الواجب في باب الاتباع، خاصة إذ الاتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق، ومصلي الجمعة من امرأة وعبد ومسافر (3).

= نفل" لا إشكال في هذا، لأن الزيادة منفردة.

أما إذا لم تكن الزيادة منفردة؛ نقول: فيها وجهان، واعلم أن الفقهاء الحنابلة إذا قالوا وجهين، يعني وجهين عد الأصحاب، وإذا قالوا روايتين؛ يعني عن الإمام أحمد، وإذا قالوا قولين؛ فإما أن يكون روايتين أو وجهين، وإذا قالوا احتمالين؛ فهما قولان لكن دون الوجهين، فالحاصل أن المؤلف يقول: فيها وجهان إذا كانت غير منفردة، وهنا يجب التنبيه على شيء: أنَّه إذا فعل ذلك قاصدًا -مثلًا- أنّ الفطرة إخراج صاعين، فهذا بدعة؛ لأنه تغيير في الشرع، وأما إنْ قصد أنّ الأول هو الواجب والثاني يريد به التطوع، فهذا حسن، فيراعى هنا القصد، وينظر: هل العقيقة عن البنت بشاتين مثله؟

مثال آخر: رجل اشترى كيسًا من الأرُز لفطرته، وهو بجزم جزمًا مؤكّدًا أنَّه أكثر مما عليه، ويتصدَّق به؛ نقول: الواجب ما كان بقدر الأصواع، والزَّائد نفل، وهذا ليس بمنفصل، ولكن الكمية واضحة.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"عليه".

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"لو".

(3)

قدر الإجزاء هو الطمأنية بقدر الذكر الواجب على قول بعض العلماء، فأدركه =

ص: 18

- (ومنها): إذا وجب عليه شاة، فذبح بدنة؛ فهل كلها واجبة أو سبعها؟

على وجهين (1).

- (ومنها): إذا أدى عن خمس من الإبل بعيرًا، وقلنا يجزيه؛ فهل

= المأموم بعد قوله: سبحان ربي العظيم (ثلاث مرات) -أي: بعد الواجب-، فأدركه في الركوع على هذه الحالة، وسبَّح معه؛ فهل يُعدَّ مدركًا للركوع؛ إذ قد أدركه في ركوع يُعدّ نفلًا؛ لأن ما زاد عن الواجب نفل، إن شاء رفع وقال: سمع اللَّه لمن حمدهُ، فإذا أدركه في ركوع يعتبر نفلًا، وائتمام المفترض بالمتنفل على قاعدتهم لا يصح، وعلى هذا لا يكون مدركًا للركوع، ولكن الصواب في هذه المسألة أن ائتمام المفترض بالمتنفل جائز؛ فعلى هذا يكون مدركًا للركوع على كل تقدير.

ثم الصواب أيضًا في أصل المسألة: أن الزيادة في الركوع زيادة لا تتميز، وإذا كانت لا تتميز، فالكل في حكم الواجب، وعلى هذا إذا أدركه في آخر ركوعه يكون مدركًا للركوع حتَّى على القول بأنه لا يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لأن الصحيح أن الركوع هيئة واحدة لا ينفصل بعضها عن بعض. (ع).

(1)

هذا أيضًا على هذا النوع، ذبح بعيرًا، والواجب عليه شاة؛ هل تكون كلها واجة بمعنى أنَّه يلزمه أن يتصدق بها كلها، أو نقول: الواجب السبع، وما زاد فهو له؟

ينبني على الوجهين:

الزيادة الآن متميزة أم غير متميزة؟ غير متميزة، لأن في كل عضو منها سبعًا واجبًا، وستة أسباع غير واجبة، وهذا غير مميز.

يقول المؤلف: فيها وجهان:

وجه يقول: إنها تكون كلها واجبة؛ فيلزمه أن يتصدق بها كلها.

ووجه آخر يقول: إن الواجبَ السُبُعُ ففط، وما زاد؛ فهو نفل.

والمذهب أنها تكون كلها واجبة، وأنه لا يجوز أن يبيع ما زاد على السبع، ولا يجوز أن يهبه إلا على سبيل الهدية، نعم، الهدية لا بأس، أما المعاوضة؛ فلا. (ع).

ص: 19

الواجب كله أو خمسه الواجب (1)؟

حكى القاضي أبو يعلى الصغير فيه وجهين:

فعلى القول بأنه خمسه الواجب (1) يجزئ عن عشرين بعيرًا أيضًا.

وعلى الآخر لا يجزئ عن العشرين (2)؛ إلا أربعة أَبْعِرَة (3).

- (ومنها): إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة، وقلنا: الفرض منه قدر الناصية؛ فهل الكل فرض أو قدر الناصية منه (4)؟

(1) في (أ): "واجب" بدون "الـ".

(2)

في (ب): "عشرين".

(3)

الخمس من الإبل فيها شاة، وهو أدى بعيرًا، والبعير يجزئ عن خمس وعشرين.

وقوله: "وقلنا يجزئه" فيه إشارة إلى أن البعير لا يجزئ عن خمس من الإبل، ولا البعيران عن عشرة من الإبل، ولا الثلاثة عن خمس عشرة من الإبل، ولا الأربعة عن عشرين من الإبل، وهذه المسألة كما قال المؤلف: فيها خلاف.

فمنهم من يقول: إن الشارع أوجب في كل خمس من الإبل شاة إلى الخمس والعشرين، فإذا أخرجت بعيرًا عن خمسة؛ فقد أخرجت من غير جنس الواجب؛ فلا يجزئ، وهذا دليل واضح جدًّا.

وقال بعض العلماء؛ بل يجزئ؛ لأن الشارع إنما أوجب فيما دون الخمس والعشرين غنمًا رفعًا بالمالك، فإذا أراد المالك أن يزيد نفسه خيرًا، وأخرج عن الإبل التي دون الخمس والعشرين؛ أخرج عنها من الإبل؛ فقد رجع إلى الأصل؛ لأن الأصل في المال أن تجب زكاته من جنسه، والأرجح أنها تجزئ، لأنَّ الشارع ما يمكن أن يقول: الشاة تجزئ والبعير ما يجزئ، هذا بعيد من الشرع. (ع).

(4)

هذه المسألة فيه نظر؛ لأن كونه يمسح دفعة واحدة هذا غير ممكن، لأنه يبدأ بالمسح من الناصية إلى الخلف، فإذا قلنا: الواجب قدر الناصية؛ فمعناه إذا انتهت الناصية =

ص: 20

- (ومنها): إذا أخرج في الزكاة سنًا أعلى من الواجب؛ فهل كله فرض أو بعضه تطوع؟

قال أبو الخطاب: كله فرض (1). وقال القاضي: بعضه تطوع. وهو الصواب (2)؛ لأن الشارع أعطاه جبرانًا عن الزيادة.

= تميز الواجب عن غيره، ولكن لعله أراد بالدفعة الواحدة أنَّه وضع يديه على رأسه كاملًا. (ع).

قلت: واختار ابن عقيل في "الفنون"(1/ 194) أن الفرض الربع، وأن الاستبعاب للثلاثة أرباع سنة.

وعن الإمام أحمد فيها ثلاث روايات، إحداهن -وهي ظاهر كلام الخرقي، والمختار لعامة الأصحاب-: وجوب استيعاب جميع الرأس بالمسح؛ لأنه سبحانه أمر بمسح الرأس، ولأنه صلى الله عليه وسلم مسح جميع رأسه، وفعله وقع بيانًا لكتاب ربه سبحانه، ولأنه سبحانه أمر بمسح الرأس وبمسح الوجه في التيمم، ثم في التيمم يجب الاستيعاب؛ فكذلك في مسح الرأس.

انظر في المسألة: "المحرر"(1/ 12)، و"الكافي"(1/ 36)، و"المغني"(1/ 125)، و"الإفصاح"(1/ 73)، و"مجموع الفتاوى"(20/ 122 - 127)، و"الاختيارات العلمية"(11)، و"شرح الزركشي على الخرقي"(1/ 190)، و"الفروع"(1/ 147)، و"المبدع"(1/ 127)، و"الإنصاف"(1/ 161).

(1)

قال أبو الخطاب في "الهداية"(1/ 65): ". . . ومن وجب عليه سن، وليس عنده؛ أخذ منه الساعي سنًّا أعلا منه. . . ".

(2)

إذا أخرج أكثر من الواجب كأن تكون وجبت عليه بنت مخاض فأخرج بنت لبون؛ فهل نقول: الزائد من السن واجب أو بعضه تطوع؟

فيه خلاف مبني على القاعدة؛ لأن الواجب هنا لم يتميز، لكن صحح ابن رجب أن ما زاد على سنِّ الفرض؛ فهو تطوع، واستدل لذلك بمسألة الجُبْران، وهي أنَّه إذا كان عنده سن أقل من الواجب دفعه، ودفع معه شاتين أو عشرين درهمًا، وإن كان عنده سن أعلى من الواجب؛ دفعه وأخذ جبرانًا. =

ص: 21

فأما ما كان الأصل فرضيته ووجوبه، ثم سقط بعضه تخفيفًا، فإذا فعل الأصل؛ وُصِفَ الكل بالوجوب على الصحيح.

فمن ذلك: إذا صلى المسافر أربعًا؛ فإن الكل فرض في حقه.

وعن أبي بكر: أن الركعتين الأخيرتين تنفل (1) لا يصح (2) اقتداء المفترض به فيهما، وهو متمش على أصله، وهو عدم اعتبار نية القصر.

والمذهب الأول (3)، ومنه إذا كفر الواطئ في الحيض بدينار؛ فإن الكل واجب؛ وإن كان له الاقتصار على نصفه. ذكره في "المغني"(4).

ويتخرج فيه وجه من قول أبي بكر، فأما إن غسل رأسه بدلاً عن مسحه، وقلنا بالإجزاء؛ ففي السائل منه وجهان:

أحدهما: أنه مستعمل في رفع حدث، لأن الأصل هو الغسل، وإنما

= ولكن قد يعارَض ابن رجب في هذا التقدير بأن نقول في مسألة الزائد: أنه لم يرض أن يدفع ما زاد، فأُعطي مقابلًا له، والكلام على أنه رضي أن يدفع الزائد هنا؛ فينبغي أن يكون كله واجبًا. (ع).

(1)

في (أ) و (ب): "نفل".

(2)

في (أ): "لا يصح"، والتصويب من (ب) و (ج) والمطبوع.

(3)

ينبني على هذا ما لو جاء رجل، ووجد شخصًا مسافرًا يصلي ويتم، وأدركه في الركعتين الأخريين؛ فإنه لا نصح صلاته بناء على أن الزائد نفل، ولا تصح صلاة المفترض وراء المتنفل فى المذهب.

والصحيح -كما علمنا فيما سبق-: أن إمامة المننفل بالمفترض جائزة. (ع).

(4)

قال في "المغني"(1/ 351 - "الشرح الكبير"): "فإن قيل: فكيف تخير بين شيء ونصفه؟ قلنا: كما نخير المسافر بين قصر الصلاة وإتمامها، فأيهما فعل؛ كان واجبًا، كذا ها هنا" اهـ.

ص: 22

سقط تخفيفًا.

والثاني -وهو الصحيح-: أنه طهور؛ لأن الغسل مكروه؛ فلا يكون واجبًا، وقد يقال: والإِتمام في السفر مكروه أيضًا (1).

(1) إن الإنسان إذا أتى بالواجب وزاد عليه، فله حالاتان:

الحالة الأولى: أن تكون الزيادة متميزة.

والحالة الثانية: أن تكون الزيادة غير متميزة.

فإذا كانت الزيادة متميزة، فالزائدة نفل بلا شك، مثل أن يخرج الفطرة صاعين متفردين؛ فهنا يقال: الواجب هو الأول، والثاني نفل، ولا يمكن أن يكون واجبًا.

ونقف عند هذه النقطة: هل يشرع للإنسان أن يخرج في الفطرة صاعين؟

لا، غير مشروع، لكن هذا للتمثيل، ويكون الصاع لا يؤخذ باسم الفطرة، يؤخذ على أنه تطوع؛ لأن الشيء المحدد شرعًا تكون الزيادة عليه باعتاره مشروعًا لهذا بعينه من البدعة، كما لو أراد الإنسان أن يزيد في أذكار الصلوات ثلاثة وثلاثين أراد أن يجعلها خمسة وثلاثين، نقول له: إذا كانت تريد بهذا الزائد أن يكون مما شرع دبر الصلاة؛ فهذا بدعة، لا تؤجر عليه، أما إذا أردت أن يكون ذلك على سبيل التطوع المطلق؛ فلا حرج عليك، لكن مع هذا لا ينبغي لك أن تقرنه بالذكر المشهور أمام الناس؛ لئلا يظنوه مشروعًا.

خلاصة القاعدة عندنا: إن من زاد على ما يجب عليه في العبادة، فإذا كانت الزيادة منفردة؛ فهي نفل بلا إشكال، وإن لم تكن منفردة؛ فهل يكون كله واجبًا، أو الواجب هو مقدار الواجب، وما دون ذلك هو نفل؟

ذكر المؤلف في ذلك قولين للأصحاب، واستثنى بذلك ما إذا كان الأصل الزيادة، ولكنه نقل تخفيفًا على المكلف؛ فإنه إذا أتى بالأصل يكون الكل واجبًا، وكأنه يريد أن يكون ذلك وجه واحد، ولكن مع هذا ذكر الخلاف، وكذلك إذا كان واجبًا عليه هدي وذبح بعيرًا؛ فهل كله واجب أم لا؟

الصحيح أن كله واجب؛ إلا إذا نوى أن الواجب سُبُعه فقط؛ فهو على نيته. (ع).

ص: 23

(القاعدة الرابعة)(1)

العبادات كلها -سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب، أو قبل شرط الوجوب (2).

ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة:

(1) في (أ): "قاعدة".

(2)

معنى هذه القاعدة: إنَّ العبادات لها أسباب وشروط؛ فهل يجوز أن تقدَّم العبادات على أسبابها؟

الجواب: لا، لأنَّ السبب هو الموجب، ولهذا كان تعريفه: هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم؛ فتقديم العبادة قبل وجود سببها لا يصح، منها: لو صلى الصَّلاة قبل وقتها لا تصح، ولو قدّم الزكاة قبل أن يتم النصاب لم يصح؛ لأن السبب في وجوب الزكاة ملك النصاب، ولكن تقديم العبادة عن شرط الوجوب جائز؛ مثل: يشترط لصحة الصلاة الوضوء، فله أن يقدّم الوضوء على إرادة الصلاة، مع أن الوضوء لا يجب إلا بعد إرادة الصلاة. ورجل أخرج كفارة اليمين قبل أن يحلف، قال: أنا أحلف أن لا أكلم فلانًا، لكن أريد أن أخرج الكفارة حتى إذا حنثت أكون قد كفرت؛ لم يجز، ولو أنه حلف أنْ لا يكلم فلانًا، قال: أُخرج الكفارة قبل أن أكلمه؛ جاز؛ لأن الأول أدى العبادة قبل سببها، والثاني قبل شرط وجوبها، وكذلك تقديم الزكاة قبل النصاب فغير جائز، ولكن قبل حولان الحول فجائز. (ع).

ص: 24

- (منها)(1): الطهارة سبب وجوبها الحديث، وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة؛ فيجوز تقديمها على العبادة؛ ولو بالزمن الطويل بعد الحديث.

- (ومنها): الصلاة؛ فيجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر، والعشاء إلى وقت المغرب، لأن الشارع جعل الزوال سببًا لوجوب الصلاتين عند العذر دون عدمه (2)، ولهذا لو أدرك جزءً من وقت الزوال، ثم طرأ عليه عذر؛ لزمه قضاء الصلاتين على إحدى الروايتين، ولو زال العذر في آخر وقت العصر؛ لزمه الصلاتان بلا خلاف عندنا؛ فعلم أن الوقتين قد صارا في حال العذر كالوقت الواحد؛ لكنه وقت جواز بالنسبة إلى إحداهما ووجوب بالنسبة إلى الأخرى (3).

(1) في (ب): "فمنها".

(2)

في (ج): "غيره".

(3)

يجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر بسبب شرعي، وكذلك تقديم صلاة العشاء إلى وقت المغرب، هذا مقيد، وقول المؤلف رحمه الله:"لأن الشارع جعل الزوال سببًا لوجوب الصلاتين عند العذر" فيه نظر، فإن الزوال سبب لوجوب صلاة الظهر فقط، لا لوجوب صلاة العصر، ولذلك لو طرأ للإنسان مانع بعد زوال الشمس؛ كالمرأة أتاها الحيض بعد أن زالت الشمس، فإذًا تقضي إذا طهرت صلاة الظهر فقط، حتى على المذهب، لكن في رواية ثانية أنها تقضي الظهر والعصر، والصواب أنها لا تقضي إلا الظهر، وهذا هو المذهب؛ فهذا الفرع فيه نظر، ولذلك الصواب أنه لا يجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر إِلا لعذر، وإذا كان لعذر؛ فإنه من باب الرخصة، وليس من باب الجواز المطلق، وفرق ما بين الجواز مطلقًا والرخصة.

وقوله أيضًا: "وإذا زال العذر قبل أن تغرب الشمس بركعة"، نقول: امرأة طهرت قبل أن تغرب الثسمس بركعة؛ يجب عليها صلاة العصر؛ فهل يجب عليها الظهر؟ =

ص: 25

- (ومنها): صلاة الجمعة؛ فإن سببها اليوم؛ لأنها تضاف إليه، فيجوز فعلها بعد زوال وقت النهى من أول اليوم؛ وإن كان الزوال هو وقت الوجوب (1).

- (ومنها): زكاة المال يجوز تقديمها من أول الحول بعد كمال النصاب (2).

- (ومنها): كفارات الإحرام إذا احتح إليها للعذر، فإن العذر سببها؛ فيجوز تقديمها بعد العذر وقبل فعل المحظور (3).

= هذا شيء فيه خلاف، لكن يقول المؤلف: إنه بلا خلاف عندنا -أي: في مذهب الحنابلة-، ولعل الخلاف حصل بعد المؤلف، والصحيح أنه لا يجب عليها إلا صلاة العصر فقط، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة في أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر"، ولم يقل: والظهر.

وإذا كان الوقتان وقت واحد عند وجود العذر، كالمطر والمرض والسفر؛ فليس معناه أنه كلما حصل سبب الوجوب لإحداهما وجبت الأخرى. (ع).

(1)

وقت صلاة الجمعة، جمهور أهل العلم يرون أنها لا تفعل إِلا بعد الزوال، وأن وقتها كوقت الظهر، ولكن تقدم أن الصحيح خلاف ذلك، ومذهب الإمام أحمد أن وقتها يبدأ من انتهاء وقت النهي، المؤلف بنى على هذا، قال: إنها تسمى صلاة يوم الجمعة، ولا تفعل في وقت النهي؛ لأنه وقت نهي، فعلى هذا لو قدمها من بعد خروج وقت النهي (يعني: بعد الساعة ما تقيد قدر رمح)؛ فإنه يجوز، ولكن وقت الوجوب بعد الزوال، ولكن المذهب أن وقت الوجوب والجواز هو هذا (أعني: من أول اليوم)، وعلى هذا لو أدركت المرأة مقدار ركعة من هذا الوقت، ثم حاضت؛ وجبت في حقها ظهر قضاءً. (ع).

قلت: صلاة الجمعة صلاة قائمة برأسها؛ وهي غير الظهر، وهي ليست واجبة فى حق المرأة؛ فلا تلزم ذمتها بفرض الظهر إلا بعد دخول وقتها، واللَّه أعلم.

(2)

تقدمت آنفًا.

(3)

مثلاً: إنسان مريض وهو محرم محتاج إلى حلق الرأس؛ فقدم الفدية قبل أن =

ص: 26

- (ومنها): صيام التمتع والقران (1)؛ فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وجب السبب؛ فيجوز الصيام بعده، وإن كان وجوبه متأخرًا عن ذلك.

وأما (2) الهدي؛ فقد التزمه أبو الخطاب في "انتصاره"، ولنا رواية: أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر؛ لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر، وعلى المشهور لا يجوز في غير أيام النحر؛ لأن الشرع خصها (3) بالذبح (4).

= يحلق رأسه؛ فجائز، وإن كان وقت وجوبها يكون بعد الحلق، وإنْ قدّمها قبل مرضه؛ فغير جائز لأنه فعلها قبل سببها. (ع).

(1)

في المطبوع و (أ) و (ب): "والقرأن" والتصويب من (ج).

(2)

كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج):"فأما".

(3)

في (ج): "خصصها".

(4)

المتمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه الهدي، فإن لم يجد؛ فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، وهذا رجل أحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فوُجِد سببُ الوجوب، وهو البداءة بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج؛ فهل يجوز أن يذبح الهدي الآن لوجود سبب الوجوب؟

أبو الخطاب التزمه بناءً على القاعدة، وهناك رواية عن أحمد لمن قدم قبل دخول ذي الحجة: أنه يجوز له أن يذبح هديه، والعلّة بالعمرة؛ لأنه عالم بحالة، وأنه فقير لا يقدر على الهدي.

يقول المصنف: يجوزنا: على القاعدة، وهي قيام السبب، وقبل شرط الوجوب، والتفريق بينه وبين الهدي: أن الشرع جعل للهدي وقتًا محددًا، ولم يجعل للصيام كذلك.

ومذهب الشافعي: جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر، والصحيح عدم الجواز قبل يوم النحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا يوم النحر، والصحيح أن سبب الوجوب هو التحلل وليس الإحرام.

والخلاصة: أنه لو كان جائز لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ليتحلّل، ولكنه قال:"فلا أُحل حتى أنحر"، وبقي إلى يوم النحر. =

ص: 27

- (ومنها): كفارة اليمين يجوز تقديمها على الحنث بعد عقد اليمين؛ مالية كانت أو بدنية (1).

- (ومنها): إخراج (2) كفارة القتل أو (3) الصيد بعد الجرح وقبل الزهوق.

= على أن المعنى أنه من تمتع بالتحلل، أي: بما أحلَّ اللَّه له من محذورات الإحرام إلى الحج، هذا هو معنى الآية، ومن أجل هذه العلة ذهب بعض أهل العلم إلى أن القارن ليس عليه هدي، قالوا: لأن القارن ما تمتع بالعمرة، وهو لا يحل إلا يوم النحر، ولكن جمهور أهل العلم -ومنهم الأئمة الأربعة- على أن القارن عليه هدي، وعللوا ذلك بأنه أسقط أحدَ السّفرين، حبت جمع بين الحج والعمرة، ولو لم يجمع؛ لكان يلزمه سفر للعمرة، وسفر للحج، فيرون أن مناط الحكم هو سقوط أحد السفرين، وهذه العلة قد تناقش؛ فإنهم يقولون: لو أنه أحرم بالحج مفردًا، ثم أتى بالعمرة بعد ذلك؛ فليس عليه هدي، وإنْ كان قد سقط عنه أحدُ السفرين؛ فهذه العلة منقوضةٌ بشيئين:

• بالمفرد، فإنه لا يلزمه الهدي إنْ أتى بالعمرة بعد الحج، وهي كذلك فيها.

• وظاهر القرآن، لأن اللَّه قد أوجب الهدي على المتمتع.

ولكن لا شك أن قول الجمهور أحوط، ويشهد له فعل النبي صلى الله عليه وسلم بسوقه للهدي. (ع).

(1)

كتب على هامش نسختي (أ) و (ب) هنا: "حكى ابن الزَّاغوني في رواية: لا يجوز تقديم الكفارة البدنية؛ كالصيام، وزعم ابن عقيل في أعمدة الأدلة" أنها أصح الروايتين، ولم يوافق على ذلك".

قلت: وذكرها ابن رجب عنه في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 184)، فقال:"وحكى -أي: ابن الزَّاغوني- فيه -أي: في كتابه "الإقناع"- رواية عن أحمد: أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث إذا كان صومًا، ويجوز بالمال" اهـ.

(2)

سقطت من (ب).

(3)

في (ج): "و".

ص: 28

- (ومنها): النذر المطلق، نحو: إن شفى اللَّه مريضي؛ فلله عليَّ أن أتصدق بكذا؛ فله أن يتصدق في الحال. ذكره ابن عقيل في "فنونه"(1).

ويلتحق بهذه القاعدة ما يجوز تقديمه على شرط وجوبه بعد وجود سببه من غير العبادات؛ كالإبراء من الدية بين الجناية والموت (2)، وأما من القصاص (3)؛ ففيه روايتان، وكتوفية المضمون عنه للضامن الدين بين الضمان والأداء، وفيه وجهان، وكعفو الشفيع عن الشفعة قبل البيع، وفيه روايتان؛ فإن سبب الشفعة الملك وشرطها البيع، وأما إسقاط الورثة حقهم من وصية الموروث في مرضه؛ فالمنصوص عن أحمد أنه لا يصح، وشبهه في موضع بالعفو عن الشفعة؛ فخرجه الشيخ مجد الدين في "تعليقه على الهداية"(4) على روايتين، وكإيتاء المكاتَب رُبْعَ الكتابة بعد عقدها وقبل كمال الأداء، وهو جائز (5).

(1) سيأتي التعريف به (ص 20).

(2)

سبب الوجوب: الجناية، وشرط وجوب الدية: الموت. (ع).

(3)

أي: هل له أن يقول: لا قود عليك وإن متّ؟ (ع).

(4)

هو "شرح الهداية" المتقدم (ص 14)، وسيأتى التعريف به (ص 261).

(5)

خلاصة ما سبق: ان العبادات يجوز فعلها بعد وجود سببها وقبل وجود شرطها، أما قبل وجود السبب؛ فليست بجائزة، وأما بعد وجوب الشرط، فهي جائزة من باب أولى، بل تجب إذا كان الأمر واجبًا، فرجل قال: أنا أريد أن أحلف ألا أدخل على دار فلان، وأكفر الآن قبل أن أحلف؛ فلا يجوز، لأنه ما حلف بعد، وما وجد السبب، فإن حلف ولم يدخل ثم قال: أكفّر؛ جاز؛ لأن السبب موجود، والشرط ما وجد بعد، وإذا دخل يجوز من باب أولى، بل يجب عليه. (ع).

ص: 29

(القاعدة الخامسة)(1)

من عجل عبادة قبل وقت الوجوب، ثم جاء وقت الوجوب وقد تغير الحال بحيث لو فعل المعجل في وقت الوجوب لم يجزئه؛ فهل تجزئه (2) أم لا؟

هذا على قسمين:

(أحدهما): أن يتبين الخلل في نفس العبادة بأن يظهر وقت الوجوب أن الواجب غير المعجل، ولذلك صور:

- (منها): إذا كفر بالصوم قبل الحنث، ثم حنث وهو موسر؟

قال صاحب "المغني"(3) لا يجزئه؛ لأنا تبينا أن الواجب غير ما أتى

(1) في (أ): "قاعدة".

(2)

في (ج): "يجزه"، والصواب ما في المطبوع و (أ) و (ب).

(3)

قال في "المغني"(1/ 224 - "الشرح الكبير"): "قال ابن عبد البر: العجب من أصحاب أبي حنيفة! أجازوا تقديم الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقدم الكفارة، ويأبون تقديم الكفارة مع كثرة الرواية الواردة فيها، والحجة في السنة، ومن خالفها محجوج بها".

ثم قال عنه: "ولأن الصيام نوع تكفير؛ فجاز قبل الحنث كالتكفير بالمال، وقياس الكفارة على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع" اهـ.

ص: 30

به، وإطلاق الأكثر [ين] مخالف لذلك (1)؛ لأنه كان فرضه في الظاهر، فبرئ به، وانحلت يمينه، بمعنى أنها لم تبق منعقدة بالتكفير، فصادف فعل المحلوف عليه ذمة بريئة من الواجب؛ فلم يحصل به الحنث؛ لأن الكفارة حلته.

وقد صرح أبو بكر عبد العزيز بأن الكفارة قبل الفعل تحل اليمين المنعقدة وبعده تكفر أثر المخالفة (2).

(1) و (2) إذا فعل الإنسان العبادة قبل أن تجب عليه، ثم تغيرت حال هذا الرجل؛ بحيث لو فعل ما عجله وقت الوجوب، لم يجزئه؛ فهل يقوم بالإجزاء أو لا؟

يقول: هذا على قسمين:

القسم الأول: أن يتبين الخلل في نفس العبادة.

والقسم الثاني: أن يتبين الخلل في جهة أخرى.

مثال ذلك فيما لو تبين في نفس العبادة: رجل حلف أن لا يدخل بيت فلان، ثم ندم وأراد أن يكفر عن يمينه، وما كان يستطيع الإطعام، فشرع في الصيام، فأكمل الصيام، ثم دخل بيت فلان، ولما كان وقت الحنث؛ كان قد ورث من قريبه المتوفى، فتغر حاله من الإعسار إلى الإيسار؛ فهل نقول: إن صيامه يجزئه؟

قال صاحب "المغني": "إنه لا يجزئه، لأنه في وقت الوجوب ليس من أهل الصيام، بل من أهل الإطعام أو العتق"، وقال الأكثرون: إنه يجزئه؛ لأنه بالصيام قد انحلت اليمين، فإذا انحلت اليمين، فحين ذلك صادف الحنث شخصًا برئ الذمة، وهذا القول هو الصحيح، واللَّه سحانه وتعالى سمى ذلك تحلة؛ فقال:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، فإذا كان هذا تحلة؛ فإنه يصادف الحنث شخصًا بريئًا ما عليه كفارة؛ لأنه قد حل بالتكفير السابق.

[كذلك] النية، نية الحنث، لو قال: أنا الآن حلفت وأنا أُريد أنْ أفْتَكَّ من هذا اليمين حتى أصير حرًا، رحت أو لم أرّح؛ نقول: كفر الآن ولا حرج عليك، انحل اليمين نهائيًا.=

ص: 31

- (ومنها): إذا كفر المتمتع بالصوم، ثم قدر على الهدي وقت وجوبه؟

فصرح ابن الزاغونى في "الإقناع"(1) بأنه لا يجزئه الصوم، وإطلاق الأكثرين يخالفه (2)، بل وفي كلام بعضهم تصريح به، وربما أشعر كلام أحمد (3) بذلك؛ لأن صومه صح؛ فبرئت ذمته به، فصادف وقت وجوب

= لو اغتنى في أثناء صيامه؛ فهل عليه إثم؟

لا، ما عليه صيام؛ لأنه يصادف آخر صيامه، وهو ليس أهلاً لذلك. (ع).

قلت: والمثبت من (أ) والمطبوع، وفي (ب):"يخالف ذلك"، وفي (ج):"بخلاف ذلك".

(1)

قال ابن رجب: "في مجلد"، وصاحبه علي بن عبيد اللَّه بن نصر بن السري أبو الحسن الزَّاغوني (ت 527 هـ).

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 180 - 184)، و"السير"(19/ 605 - 607)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"(417).

(2)

في (ج): "بخلافه".

(3)

قال في رواية حنبل: "في المتمتع إذا صام أيامًا ثم أيسر: أرجو أن يجزئه الصيام، ويمضي فيه".

وقال في رواية ابن منصور: "في متمتع لم يجد ما يذبح، فصام، ثم وجد يوم النحر ما يذبح؛ فمتى دخل في الصوم؛ فليس عليه".

نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة"(3/ 347)، وعقب عليه بقوله:"ونقول في الكفارات كلها: إذا دخل في الصوم، يمضي فيه"، وقال:"وهذا أصل مطرد لنا في الكفارات كلها، إذا قدر على التكفير بالمال بعد الشروع في الصيام؛ لم يلزمه الانتقال؛ لأن الصومَ لا يبطل بوجود الرقبة والهدي".

وما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو المذهب، وعليه الأصحاب؛ كما في "الإنصاف"(3/ 516). =

ص: 32

الهدي ذمة بريئة من عهدة الواجب.

- (ومنها): إذا عجل عن أربع وعشرين من الإبل أربع شياه، ثم نتجت واحدة قبل الحول؛ ففيه وجهان:

أحدهما: لا يجزئه، ويجب عليه إخراج بنت مخاض.

والثاني: يجزئه عن العشرين، ويخرج عن الباقي خمس بنت مخاض.

ولا يقال: إنه يجب عليه شاة عن الخمس الزائدة التي لم يؤد عنها؛ لئلا يفضي إلى إيجاب خمس شياه عن خمس وعشرين (1).

- (ومنها): إذا صلى الصبي في أول الوقت، ثم بلغ؛ ففي وجوب الإعادة وجهان: المنصوص أنه يجب، واختار القاضي في "شرح المذهب"(2) خلافه؛ لأنه فعل المأمور يه في أول الوقت، فصادفه وقت

= وانظر: "المغني"(3/ 480)، و"الفروع"(3/ 327)، و"المبدع"(3/ 178).

(1)

يخرج خُمس بنت مخاض؛ لأن أربعة أخماس بنت مخاض قد أجزأته على العشرين الأُولِ؛ فيبقى يخرج عن الخَمْس بنت مخاض؛ لأن خمسة وعشربن فيهنَّ بنتُ مخاض، إذا قسمت الواحدة على خمسة وعشرين يخرج خُمْس، لكن كيف يخرجه؟ يُقَدّر قيمته إلا إذا أراد أن يذبح بنت مخاض ويخرج خُمسها للفقراء، هذا جائز.

(2)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"شرح المهذب"، -هكذا خطأً- في خمسة مواطن، هي:(ص 8، 21، 37، 40، 343 - ط القديمة)، وفي سائر المواطن على الجادّة، وما أثبتناه هنا من "طبقات الحنابلة"(2/ 206) لابنه، وعده أستاذنا الشيخ محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية"(ص 246) من كتبه المفقودة.

ص: 33

الوجوب وقد فعل المأمور (1)؛ فامتنع تعلق الوجوب به لذلك، وهذا بخلاف ما إذا حج ثم بلغ؛ فإن حجه ليس بمأمور به ولا معاقب على تركه؛ بخلاف الصلاة (2).

(والقسم الثاني): أن يتبين الخلل في شرط العبادة المعجلة؛ فالصحيح أنه يجزئه، ويتفرع عليه مسائل:

- (منها): إذا عجل الزكاة إلى فقير مسلم، فحال الحول وقد مات أو ارتد أو استغنى من غيرها (3).

(1) في (ج): "المأمور به".

(2)

الصلاة التي يعاقب على تركها الصغير الذي لم يبلغ ليس من جهة اللَّه، ولكن من جهة وليه، "واضربوهم عليها لعشر"، أما الحج؛ فلا يعاقب على ذلك، والصحيح القول الثاني: وهو أنَّ الصبي إذا صلى ثم بلغ؛ فإنه لم تجب عليه الإعادة لأنه فعل ما أمر به، فبرئت ذمته منه. (ع).

(3)

يجزئه؛ لأن الخلل هنا في شرط العبادة المعجلة؛ إذ شرط الزكاة أن تصادف محلًّا، وهذا الرجل عجل الزكاة فتصدق على شخص مسلم فقير، وعند تمام الحول وإذا هذا الذي أخذ الزكاة صار غنيًا، يجزئه أم لا؟

يجزئه؛ لأن العبادة نفسها ما صارفيها خللًا، والخلل في شرطها، أي في الموضع الذي جعلت فيه. (ع).

قلت: في (ج) زيادة: "يجزئه".

وانظر في المسألة: "مسائل عبد اللَّه"(565)، و"مسائل أبي داود"(84)، و"مسائل ابن هانئ"(552)، و"المحرر"(1/ 225)، و"الكافي"(1/ 438)، و"شرح الزركشي"(2/ 425 - 426)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(25/ 85)، و"المبدع"(2/ 408)، و"الفروع"(2/ 571)، و"كشاف القناع"(2/ 310)، و"قواعد ابن اللحام"(ص 118).

ص: 34

- (ومنها): إذا جمع بين الصلاتين في وقت أولاهما بتيمم ثم دخل وقت الثانية وهو واجد للماء (1).

- (ومنها): إذا قصر الصلاتين في السفر في وقت أولاهما ثم قدم قبل دخول وقت الثانية (2).

* * *

(1) يعيد أم لا؟ لا، ما يعيد؛ لأن العبادة وقعت في محلها؛ لأنه يجوز له الجمع، على وجه مأمور به؛ فلا يضر إذا تغيرت حاله بعد ذلك. اهـ. (ع).

(2)

وصل إلى البلد قبل دخول العصر، يلزمه أن يصلي العصر أم لا؟

الجواب: ما يلزمه؛ لأنه برئت ذمته، ولكن هنا سؤال: هل يقال: أن له أن يجمع وهو يعلم أن سيدخل البلد قبل العصر؟ نقول: له ذلك، ولكن الأفضل أن لا يجمع ما دام يعرف أنه سيصل قبل دخول وقت الثانية، إنما لو جمع، فلا حرج عليه؛ لأنه ما زال في سفر، ومثل ذلك لو علم أنه يقدم في آخر الوقت وأراد أن يصلي القصر؛ نقول: لا حرَج عليه. (ع).

ص: 35

(القاعدة (1) السادسة) (1)

إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيره؛ فإنه يجزئه.

ولذلك صور:

- (منها): إذا أحج المعضوب عن نفسه، ثم برئ؛ فإنه يجزئه على المذهب؛ لأنه فعل الواجب (2) عليه في وقته، لا سيما [إن] (3) قيل: إن ذلك عليه على الفور (4).

(1) في (أ): "قاعدة".

(2)

في (ج): "الواجب عليه كان. . .".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

المعضوب: هو الذي لا يستطيع أن يحج، وذلك لمرض لا يُرجى بُرؤه، أحَجَّ أي: نوَّب من يحج عنه ثم برئ، فإنه يجزئه.

وأما إذا علم أنه سوف يبرئ؛ فلا يحجج عنه أحد، وهذا يعود إلى عرف الناس؛ فالذي لا يرجى برؤه؛ كالسرطان والسل في الزمن السابق وما أشبه ذلك؛ فإذا أحجَّ عنه -أي: نوَّب- عنه ثم بعد ذلك أبرأه اللَّه؛ يجزئه الحج، سواء كان على الفور أم لا، والقول بالإجزاء إن كان الحج على الفور من باب أولى، والصحيح أنه على الفور. (ع).

قلت: انظر في المسألة: "مسائل أبي داود"(135)، و"المحرر"(1/ 233)، و"الكافي"(1/ 520)، و"الفروع"(3/ 250)، و"شرح الزركشي"(3/ 42 - 43)، و"الإنصاف"(3/ 409).

ص: 36

- (ومنها): إذا كفر العاجز عن الصيام بالإطعام للإياس من برئه، ثم عوفي؛ فإنه لا يلزمه قضاء الصوم.

- (ومنها): إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه؛ فإنها تعتد عندنا سنة، فإذا اعتدت سنة، ثم رأت الحيض؛ لم يلزمها الاعتداد به.

- (ومنها): إذا صلى الظهر من لا جمعة عليه لأجل العذر، ثم زال العذر قبل تجميع الإمام؛ فإنه لا يلزمه إعادة الجمعة مع الإمام، وأما ما حكي عن أبي بكر أنه لا يجزئه فعل الظهر قبل تجميع الإمام؛ فمن الأصحاب من بناه على هذا الأصل، وأنه تجب (1) الإعادة لتبيننا أن الواجب عليه الجمعة، وليس هذا مأخذ أبي بكر؛ فإنه صرح بمأخذه، وهو أن وقت الظهر في حق من لا جمعة عليه إنما يدخل بفعل الجمعة من الإمام (2)، كما لا يدخل وقت الذبح في الأضاحي إلا بعد صلاة الإِمام.

ويلتحق بهذه القاعدة: ما إذا خفي الاطلاع على خلل الشرط، ثم تبين؛ فإنه يغتفر في الأصح.

- (فمن ذلك): إذا أدى الزكاة إلى من يظنه فقيرًا، فبان أنه غني؛ فإنها تسقط على أصح الروايتن.

- (ومنها): إذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى القبلة، ثم تبين الخطأ؛ فإنه لا إعادة (3) على الصحيح (4).

(1) في (ج): "وأنه تجب عليه الإعادة".

(2)

في المطبوع: "الإمام".

(3)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"لا إعادة عليه على الصحيح".

(4)

لكن بالاجتهاد، وليس بالتحري، هذا يكون عنده علم بعلامات القبلة، ثم =

ص: 37

- (ومنها): إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين في الظاهر، ثم تبين فسقهما؛ ففي النقض روايتان، رجح ابن عقيل في "الفنون" عدمه، وبه جزم القاضي في (كتاب الصيد) من "خلافه"(1) والآمدي لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والمشهور النقض؛ لتعلق حق الغير به، وأما إذا اصطاد بكلب علمه ثم أكل من الصيد؛ فإنه لا تحرم صيوده (2) المتقدمة على الصحيح؛ لكن مأخذه أنا لم نتبين فساد تعليمه لجواز أن يكون نسيه بعد تعلمه أو نسي إرساله، فأما الإعادة على من نسي الماء في رحله وتيمم ثم صلى، أو على من صلى صلاة شدة الخوف لسواد ظنه عدوًّا، فلم يكن أو كان بينه وبينه ما يمنع العبور؛ فإنه مبني على أنه فرط بترك البحث والتحقيق.

* * *

= اجتهد فأخطأ، أما لو كان في البيت أو في البلد ثم صلى ظانًّا أن هذه القبلة ثم تبين أنها ليست القبلة؛ فعليه الإعادة؛ لأن البلد ليس محلًا للاجتهاد؛ إذ حقه أن يسأل أو يخرج إلى المساجد وينظر. (ع).

(1)

اسمه: "التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة"، سيأتي التعريف به في التعليق على (ص 144 - 145)، وفي دار الكتب المصرية المجلد الرابع منه، تحت رقم (140 - فقه حنبلي)، وعنه مصورة في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ذات رقم (18)، كما في "فهارسها"(1/ 330).

(2)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"صويده".

ص: 38

(القاعدة السابعة)(1)

من تلبس بعبادة، ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجدًا له قبل الشروع لكان هو الواجب دون ما تلبس به؛ هل يلزمه الانتقال إليه، أم يمضي ويجزئه؟.

هذا على ضربين:

أحدهما: أن يكود المتلبَّس (2) به رخصة عامة شرعت تيسيرًا على المكلف وتسهيلًا عليه، مع إمكان إتيانه بالأصل على ضرب من المشقة والتكلف؛ فهذا لا يجب عليه الانتقال منه بوجود الأصل؛ كالمتمتع إذا عدم الهدي فإنه رخص له في الصيام رخصة عامة، حتى لو قدر على الشراء بثمن في ذمته وهو موسر في بلده؛ لم يلزمه (3).

(الضرب الثاني): أن يكون المُتَلَبَّس به إنما شرع ضرورة للعجز عن الأصل وتعذره بالكلية، فهذا يلزمه الانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه؛

(1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم.

(2)

في (ج): "للمتلبس به".

(3)

المتمتع الذي لم يجد الهدي؛ فله أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، لكن في أثناء الصوم وجد الهدي؛ هل يلزمه الانتقال أو لا يلزمه؟

يقول المؤلف: إنه لازمه؛ لأن هذا البديل شرع رخصة عامة وليس لتعذر الأصل بالكلية، ولكن من أجل الرخصة على المكلف. (ع).

ص: 39

ولو في إثناء التلبس بالبدل؛ كالعِدَّة بالأشهر؛ فإنها لا تعتبر بحال مع القدرة على الاعتداد بالحيض، ولهذا تؤمر من ارتفع حيضها لعارض معلوم أن تنتظر زواله ولو طالت المدة (1)، وإنما جوز لمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه أن تعتد بالأشهر؛ لأن حيضها غير معلوم، ولا مظنون عوده، وسواء كانت هذه المعتدة مكلفة قبل هذا بالاعتداد بالحيض؛ كمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فاعتدت بالأشهر ثم حاضت في أثنائها، أو لم تكن مكلفة به؛ كالصغيرة إذا حاضت في أثناء العدة بالأشهر (2).

وها هنا مسائل [كثيرة](3) مترددة بين الضربين:

- (منها)(4): من شرع في صيام كفارة ظهار أو يمين أو غيرهما، ثم

(1) ولهذا لو طلقت وهي ترضع؛ فإنّ عدتها تنتهي إذا حاضت ثلاث مرات، أمَّا لو بقيت سنتين وهي ترضع ولم يأتها الحيض؛ فالعدة سنتان، خلافًا لما يفهمه العوام أنها إذا كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، والمقصود أنها متى كان تخلف حيضها لسببٍ معلوم يُرجى زواله، فالعدّة ثلاث حيضات، ولو طالت مدّتها. (ع).

(2)

فالاعتبار في العدة بالحيض، والأشهرُ فرع عنه، وعلى هذا؛ فلو شرعت في الاعتداد بالأشهر بناءً على أن الحيض لم يأتها، ثم أتاها في أثناء الأشهر؛ فإنه يلزمها أن تعتد بالحيض حتى لو لم يبق عليها إلا يوم واحد؛ لأن اللَّه يقول:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} ، ومع وجود الحيض لا تكون آية، ومعه أيضًا لا تكون صغيرة لا تحيض، فإذا عاد عليها الحيض ولو في آخر يوم من الأشهر الثلاثة؛ انتقلت إليه، أما إذا انتهت الأشهر قبل أن يأتيها الحيض؛ فقد انتهت العدة، ولو جاءها الحيض بعد انتهاء الأشهر بلحظات. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

(4)

في (ج): "فمنها".

ص: 40

وجد الرقبة؛ فالمذهب لا يلزمه الانتقال؛ لأن ذلك رخصة، فهو كصيام المتمتع، وفيه وجه يلزمه الانتقال؛ لأن الكفارات مشروعة للردع والزجر، وفيها من التغليظ ما ينافي الرخصة المطلقة، ولهذا يلزم شراء الرقبة بثمن في الذمة إذا (1) كان ماله غائبًا، ولو لم يجد من يبيعه رقبة بالدين وماله غائب؛ فهل يلزمه انتظاره، أو يجوز له العدول (2) إلى الصيام للمشقة، أو يفرق بين الظهار وغيره؟ على أوجه معروفة.

- (ومنها): المتيمم إذا شرع في الصلاة، ثم وجد الماء؛ ففي بطلانها روايتان (3)؛ لأن التيمم من حيث كونه رخصة عامة؛ فهو كصيام المتمتع، ومن حيث كونه ضرورة يشبه العدة بالأشهر، وبيان الضرورة أنه تستباح معه الصلاة بالحدث، فإنه غير رافع له على المذهب؛ فلا يجوز (4) إتمام الصلاة محدثًا مع وجود الماء الرافع له (5).

(1) في (ج): "إن".

(2)

كتب ناسخ (ب) على هامشها: "وهو الصحيح".

(3)

على هامش (ب) كتب أيضًا: "الصحيح: أنها تبطل".

قلت: قال في "الإنصاف"(1/ 298): "إن وجده فيها؛ بطلت"، وفيه:"هذا المذهب بلا ريب؛ وعليه جماهير الأصحاب"، ونص عليه أحمد؛ كما في "مسائله وإسحاق"(1/ 19).

(4)

في (أ): "فلا يجوز له".

(5)

هذا مبني على كون التيمم رافعًا للحدث، أو مبيحًا للصلاة، فإن قلنا: إنه رافع للحدث؛ فقد ارتفع حدثه، وإن قلنا: إنه مبيح؛ فإن الحديث لم يرتفع، فإذا وجد الماء؛ فإنه لا يمكن أن يستبيح الصلاة بالتيمم؛ لأنه واجد للماء، وعندي أن هذا البناء فيه نظر؛ لأن القائلين بارتفاع الحديث بالتيمم يقولون: إن هذا الارتفاع ارتفاع مؤقت إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء؛ زال الارتفاع، كذلك الاستباحة. =

ص: 41

- (ومنها): إذا نكح المعسر الخائف للعنت أمة، ثم زال أحد الشرطين؛ فهل ينفسخ نكاحه؟

على روايتين (1)، والنكاح فيه شوب عبادة (2).

* * *

= نعم، البناء الحقيقي أن يقال: الآن شرع في البدل أي شرع فيما يجب له البدل وهو الصلاة، ولما كان ابتداء الصلاة صحيحًا؛ لأنه لم يجد الماء؛ فليكن آخرها صحيحًا أيضًا وإن وجد الماء، مثل قولنا: إذا وجد المتمتع ثمن الهدي بعد أن شرع في الصوم؛ فإنه لا يلزمه، وهذا هو المأخذ الصحيح، والمذهب في هذه المسألة أنه يبطل تيممه، فتبطل صلاته، وعلى هذا فتلزمه الصلاة.

وكذلك في الكفارات؛ فالظاهر أنه متى شرع في البدل؛ فإنه لا يلزمه الانتقال، وإلا؛ ألزمناه بالأصل أيضًا، فهذا الرجل يقول: أنا شرعت بالبدل وقد أذن لي فيه؛ فما الذي يبطله؟.

ملاحظة: الغالب أنْ ما اتفق عليه الموفق ابن قدامة والمجد ابن تيمية هو المذهب، لا سيما إذا وافقهما القاضي أبو يعلى؛ وإن اختلفا، فما رجّحه القاضي هو المذهب. (ع).

قلت: انظر في مسألة التيمم السابقة: "الخلافيات"(2/ 449 - 459) للبيهقي وتعليقنا عليه، وفيه ترجيح بطلان الصلاة.

وقد استنكر جدًّا الحافظ ابن رجب القول بجواز التيمم بالتراب مع القدرة على الماء في كتابه "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 30).

(1)

كتب في هامش (ب): "الصحيح أنه لا ينفسخ".

(2)

الصواب أنه لا ينفسخ، والشرطان اللذان يبيحان نكاح الإماء: عدم وجود المهر للحرة، وخوف العنت، وهو الزِّنا. (ع).

ص: 42

(القاعدة الثامنة)(1)

من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها؛ هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟

هذا أقسام:

(أحدها)(2): أن يكون المقدور عليه ليس مقصودًا في العبادة، بل هو وسيلة محضة إليها؛ كتحريك اللسان في القراءة، وإمرار الموسى على الرأس في الحلق والختان؛ فهذا ليس بواجب؛ لأنه إنما وجب ضرورة القراءة (3) والحلق والقطع، وقد سقط الأصل؛ فسقط ما هو من ضرورته، وأوجبه القاضي في تحريك اللسان خاصة، وهو ضعيف جدًّا (4).

(1) في (أ): "قاعدة".

(2)

في (ج): "الأول".

(3)

في (ج): "للقراءة".

(4)

إذا قدر على فعل بعض دون بعض؛ فهل يلزمه الاتيان بما قدر عليه؟

هذا على أقسام:

الأول: أن يكون هذا الشيء الذي قدر عليه ليس مقصودًا، لكنه وسيلة، مثل فرض اللَّه على المصلي أن يقرأ القرآن، وإذا قرأ تتحرك شفتاه. لكن هذا إنسان أخرس ما يقدر ينطق أبدًا، وأراد أن يصلي، هل يحرك لسانه وشفتيه؟

القاضي يوجب ذلك. =

ص: 43

(القسم الثاني): ما وجب تبعًا لغيره، وهو نوعان:

(أحدهما): ما كان وجوبه احتياطًا للعبادة ليتحقق حصولها؛ كغسل المرفقين في الوضوء، فإذا قطعت اليد من المرفق، هل يجب غسل رأس المرفق الآخر أم لا؟

على وجهين، أشهرهما (1) عند الأصحاب الوجوب، وهو ظاهر كلام أحمد، واختيار (2) القاضي في (كتاب الحج) من "خلافه": أنه يستحب (3)، وحمل كلام [الإِمام](4) أحمد على الاستحباب.

هذا إذا بقي شيء من العبادة؛ كما في وضوء الأقطع، أما إذا (5) لم يبق شيء بالكلية؛ سقط التبع؛ كإمساك جزء من الليل في الصوم؛ فلا يلزم من أبيح له الفطر بالاتفاق.

(والثاني): ما وجب تبعًا لغيره على وجه التكميل واللواحق؛ مثل رمي الجمار، والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج؛ فالمشهور: أنه لا يلزمه،

= ومعلوم أن تحريك اللسان والشّفتين بدون نطق نوع من العدم، كذلك الإنسان المحرم بحج أو عمرة يلزمه الحلق، وهذا رجل أصلع لا شعر له؛ فهل عليه أن يمر الموسى على الجلد؟ وكذلك الختان في حق من ولد مختونًا؟ إمرار الموسى وسيلة محضية؛ فلا يجب. (ع).

قلت: انظر في هذه الفروع: "الموافقات"(2/ 34 - 35 - بتحقيقي) للشاطبي.

(1)

في (ج): "الأشهر فيهما".

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"واختار".

(3)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"مستحب".

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من (أ).

(5)

كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج):"أما إنْ".

ص: 44

لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة، فلا يلزم من لم يقف بها.

وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى بلزومها، لأنها عبادات في نفسها مستقلة (1)، ومن أمثلة ذلك: المريض إذا عجز في الصلاة عن وضع وجهه (2) على الأرض وقدر على وضع بقية أعضاء السجود؛ فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح؛ لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعًا للسجود على الوجه وتكميلًا له (3).

(والقسم الثالث): ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه [بانفراده](4)، أو هو غير مأمور به لضرورة:

(فالأول): كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه وعجز عن إتمامه؛ فلا يلزمه (5) بغير خلاف.

(1) الصواب الذي لا شك فيه أنها تسقط؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، فإذا فاته الوقوف بعرفة؛ فات الحج، فلا وجه للتشاغل بهذه الأمور، والمبيت بمنى ليست عادة إلا في الحج. (ع).

(2)

في (ب): "الجبهة".

(3)

هذا فيه نظر. والصواب: أن العاجز عن السجود على الوجه إنْ كان لا يتمكَّنُ من الدنو من الأرض؛ فيسقط الفرض، وإن كان يمكن يجب عليه أن يجد على بقية الأعضاء؛ لأنه حين يدنو يكون إلى السجود أقرب منه إلى الجلوس، فالصواب في هذه المسألة خلاف ما أطلقه المؤلف، فعليه إنْ كان قريبًا من السجود بجيث نكون هيئته كهيئة الساجد، ولكن ما يتمكن من مس جبهته الأرض أن يسجد ببقية أعضاء السجود، وإلا؛ فلا، واللَّه أعلم. (ع).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(5)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"يلزم".

ص: 45

(والثاني): كعتق بعض الرقبة في الكفارة؛ فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل؛ لأن الشارع قصده تكميل العتق مهما أمكن، ولهذا شرع السراية والسعاية (1)، وقال:"ليس للَّه شريك"(2)، فلا يشرع عتق

(1) في هامش المطبوع: "السعاية: أن يعتق الشريك الففير نصيبه من العبد، ويستسعى العبد لتحصيل قيمة نصيب ما بقي منه، ليكون حرًا، فيعمل، ويكسب، ويصرف ثمنه إلى مولاه، والسراية: هي الحكم بسريان عتق باقيه تبعًا لعتق بعضه السابق".

قلت: وتعريف السعاية غلط، كما سيأتي في كلام الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه.

(2)

أخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 3933)، والنسائي في "الكبرى"(4970)، وأحمد في "المسند"(5/ 75)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 107) وفي "المشكل"(13/ رقم 5381، 5382)، والطبراني في "الكبير"(1/ رقم 507)، والبيهقي في "الكبرى"(10/ 273)، وأبو نعيم في "المعرفة"(2/ 191/ رقم 777)؛ من طريق همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي المَليح، عن أسامة الهذلي، به.

وإسناده صحيح، وقوّاه ابن حجر في "الفتح"(9/ 159).

وخالف همامًا:

* سعيد بن أبي عَروبة؛ كما عند: النسائي في "الكبرى"(4971)، وأحمد فى "المسند"(5/ 74)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 107) وفي "المشكل"(13 / رقم 5383)، والبيهقي في "الكبرى"(10/ 274)، والحارث بن أبي أسامة، ومن طريقه أبو نعيم في "المعرفة"(2/ 190/ رقم 776).

* وهشام الدَّسْتُوائي؛ كما عند: النسائي في "الكبرى"(4972)، وأحمد (5/ 75)، والطحاوي في "المشكل"(13/ رقم 5384).

فروياه عن قتادة عن أبي المليح ولم يتجاوزا به إلى أبيه؛ فروياه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، وأجاب الطحاوي على هذه العلة بقوله في "المشكل" (13/ 425): ". . . وقد زاد عيهما عن قتادة فيه همام ما زاد، وهمام ممن لو روى حديثًا فتفرّد بروايته إياه وإن مأمونًا عليه، مقبولةٌ روايتهُ فيه، ومن كان كذلك في تفرُّده برواية حديث؛ كان =

ص: 46

بعض الرقبة (1).

(القسم الرابع): ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه؛ فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بغير خلاف، ويتفرع عليه مسائل كثيرة:

=كذلك في تفرُّده برواية زيادةٍ في حديث".

ثم أسهب في بيان معناه، واختلاف العلماء في القول به، وقال:"فكان هذا الحديث صحيح الإسناد، مكشوف المعنى".

وصححه شيخنا الألباني في "الإرواء"(5/ 359/ رقم 1522) وقال: "على شرط الشيخين".

(1)

تقدم في هامش (ص 46): "إن السعاية هي الترخيص للعبد الذي عن سيده بعضه أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه"، وهذا غلط، لِيس بصحيح، والصواب:

إن السعاية: إذا أعتق بعض الشركاء نصيه ولم يكن عند الشريك الآخر ما يوفي به بقية الثمن، فيُستسعى العبد لتحصيله قيمة نصيب ما بقي منه ليكون حرًا؛ فهذه السعاية، أما إذا أعتق الإنسان جزءً من عبده المملوك؛ فإنه يسري إلى باقيه تبعًا لعتق بعضه السابق؛ فهي السراية.

بيني وبين رجل عبد، لي نصف وله نصف، فأعتقتُ نصفي الذي لدي من هذا العبد، إذا اعتقت؛ سرى إلى البقية وأعتق كله، ووجب علىّ لشريكي قيمة النصف، إذا كت أنا فقيرًا ما عندي شيء؛ فإنه يُعتق العبدُ كلَّه، لكن يستسعى فيما بقي، بمعنى أن يقال له: اذهب واكتسب وأوفِ سيدك الذي لم يعتقك نصيبه، هذه السعاية، وأما السراية؛ فهو رجل له عبد كامل فأعتق نصف العبد، قلنا: لا يُعتق نصفه، قال: نصفه يبقى لي، نقول: يسري العتق إلى جميعه سواءً كان غنيًّا أو فقيرًا.

فالسراية: هي الحكم براية العتق لباقيه تبعًا لعتق بعضه السابق.

فعتق بعض الرقبة يجوز، لكن إنْ كان ملكك سرى إلى جميعه، وإنْ كان ملكًا لغيرك سرى إلى الجميع، ولزمتَ بدفع القيمة؛ إِلا إنْ كنت فقيرًا، فيستسعى في البقية ويكون كله حرًّا. (ع).

ص: 47

- (منها): العاجز عن القراءة يلزمه القيام؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة؛ لكنه أيضًا مقصود (1) في نفسه، وهو عبادة منفردة (2).

- (ومنها): من عجز عن بعض الفاتحة؛ لزمه الإتيان بالباقي (3).

- (ومنها): من عجز عن بعض غسل الجنابة؛ لزمه (4) الإتيان بما قدر منه؛ لأن تخفيف الجنابة مشروع ولو بغسل [بعض](5) أعضاء الوضوء كما يشرع للجنب إذا أراد النوم أو الوطء أو الأكل (6) ويستبيح به اللبث في المسجد عندنا (7)

ووقع التردد في مسائل أخر:

(1) في (ب) تقديم وتأخير؛ فقال: "مقصود أيضًا".

(2)

هذا الفرق فيه نظر؛ لأنّ القيام ليس جزءً من القراءة، فالمصنف يقول:"من عجز عن القراءة؛ يلزمه القيام"؛ فيقال: هذه ليست عبادة واحدة؛ فالقيام شيء، والقراءة شيء آخر، هل القراءة جز من القيام؟ لا، ولهذا تجب القراءة على القاعد الذي لا يقدر على القيام، وليس القيام أيضًا جزءً من القراءة. (ع).

(3)

هذا صحيح؛ لأنه من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بالباقي، ولو أن المؤلف قال: لزمه الإتيان بما قدر عليه منها، لكان أوضح، أي: لو قال: "من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بالباقي" صحيح أن قصده المقدور عليه، لكن لو صرح به؛ لكان أولى، ووجه ذلك أن قراءة بعض الفاتحة عبادة في نفسها. (ع).

(4)

في (ج): "يلزمه"، ولعل الأصوب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من (ج) فقط.

(6)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"الأكل أو الوطء".

(7)

أي: إذا توضأ الجنب؛ فله اللبث في المسجد؛ فالوضوء شرعًا يُخفف الجنابة. (ع).

ص: 48

- (منها): المحدث إذا وجد ما يكفي بعض أعضائه؛ ففي (1) وجوب استعماله وجهان، ومأخذ من لا يراه واجبًا: إما أن الحدث الأصغر لا يتبعض رفعه فلا يحصل به مقصود، أو أنه يتبعض لكنه يبطل بالإخلال بالموالاة فلا يبقى له فائدة، أو أن غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب كما تقدم (2).

(ومنها): إذا قدر على بعض صاع في صدقة الفطر؛ فهل يلزمه إخراجه؟

على روايتين، ومأخذ عدم الوجوب أنه كفارة بالمال؛ فلا يتبعض كما لو قدر على التكفير بإطعام بعض المساكين، والصحيح الوجوب، والفرق بينه وبين الكفارة من وجهين:

(1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"وفي".

(2)

المذهب في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يستعمل ما قدر عليه، وهذا أولى، لعموم قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ولأن الإنسان إذا كان عليه جبيرة في بعض أعضاء الوضوء يتوضأ فيما لا جبيرة عليه، ويتيمم على الجبيرة؛ فالصواب في هذه المسألة المذهب: "أنه إذا وجد ماءً يكفي بعض أعضاء الوضوء؛ استعمله وتيمم للباقي، ومن وجد ماءً يكفي بعض بدنه في الجنابة يستعمله ويتيمم للباقي، ولكن أين يستعمله؟ يستعمله في أعضاء الوضوء يتوضأ لأن الوضوء شرعًا يخفف الجنابة، بخلاف ما لو صب الماء على ظهره أو بطنه، أو استخدمه في رفع الأذى؛ فإنه لا يستفيد من ذلك جواز المكث في المسجد، ولا النوم، وأما إذا وجد ماءً يكفي بعض أعضاءه في الحدث الأصغر؛ فذكر المؤلف في ذلك وجهين:

أحدهما: وجوب الاستعمال مع التيمم عن الباقي.

الثاني: عدم وجوب الاستعمال، ويتيمم للوضوء كله.

والصحيح أنه يستعمل ما وجد. (ع).

ص: 49

(أحدهما): أن الكفارة بالمال تسقط إلى بدلٍ هو الصوم، بخلاف الفطرة.

(والثاني): أن الكفارة لا بد من تكميلها، والمقصود من التكفير بالمال تحصيل إحدى المصالح الثلاث على وجهها، وهي العتق والإطعام والكسوة، وبالتلفيق يفوت ذلك؛ فلا تبرأ الذمة من الوجوب إلا بالإتيان بإحدى الخصال بكمالها أو بالصيام، وفي الفطرة لا تبرأ الذمة منها بدون إخراج الموجود (1).

* * *

(1) رجل عنده نصف صاع للفطرة، وما يملك غيره؛ فيجب عليه إخراجه؛ لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولأن إخراج نصف الصاع فيه طعمة للمساكين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في صدقة الفطر:"إنها طهرة للصائم، وطعمة للمساكين".

وكذلك إنْ كان غير صائم. تجب عليه الفطرة؛ لأجل طعمة المساكين، وحديث ابن عمر صريح في فرضها على الصغير والكبير.

والتلفيق في الكفارة لا يجوز، مثاله: لو وجد إطعام خمسة مساكين في كفارة اليمين؛ فليس له أن يطعمهم ويصوم يومًا أو يومين، وتكون الكفارة ملفقة حينئذٍ؛ ولأن هذا بدل، فإذا عجز عن إطعام العشرة؛ انتقل إلى بدل.

ولكن لو لفَّق الطعام والكسوة؛ فالظاهر أنه يصح؛ لأنه من جنس واحد. (ع).

ص: 50

(القاعدة التاسعة)(1)

[في](2) العبادات الواقعة على وجه محرم. إن كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها؛ لم يصح، وإن كان عائدًا إلى شرطها؛ فإن كان على وجه يختص بها؛ فكذلك أيضًا، وإن كان لا يختص بها؛ ففي الصحة روايتان (3) أشهرهما عدمها، وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها؛ ففي الصحة وجهان (4)، واختار

(1) في (أ): "قاعدة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

قال هنا: "روايتين" وسيأتي قوله "وجهان": الفرق بينهما أن الروايتين عن الإمام أحمد، والوجهين للأصحاب، والمراد العلماء الكبار في المذهب إذا قالوا قولًا؛ صار قولهم هذا وجهًا. (ع).

(4)

إذا وقعت العبادة على وجه محرم، فإذا كان التحريم يعود إلى ذات العبادة؛ فإنها لا تصح؛ لأن الأمر والنهي متضادان؛ فكيف نقول بصحة شيء منهي عنه؟!

وإذا عاد التحريم إلى شرط العبادة لا إلى ذاتها كما لو صلى في ثوب محرم عليه، هذا يعود إلى شرط ستر العورة، فإن كان على وجه يختص؛ فكذلك لا تصح، وإن كان على وجه لا يختص؛ ففيه روايتان، وإن عاد إلى أمر خارج، فإن العبادة تصح على قول الأكثر، مثل أن يصلي وعليه عمامة حرير؛ فهذا اللباس حرام، لكن لا يعود إلى شرط العبادة؛ لأن ستر الرأس ليس بشرط، بخلاف القميص من الحرير. وذكر المصنفُ هنا مثال صوم يوم العيد؛ النهي فيه عاد إلى ذات العبادة؛ لأن الشارع نهى عن صوم يوم العيد؛ فلا يصح. (ع). =

ص: 51

أبو بكر (1) عدم الصحة، وخالفه الأكثرون.

فللأول (2) أمثلة كثيرة:

- (منها): صوم يوم العيد؛ فلا يصح بحال على المذهب (3).

= قلت: تشعّب كلام الأصوليين في هذه المسألة المسماة "هل النهي يقتضي الفساد"؛ فمنهم من فرق بين انفكاك محل النهي وعدمه، ومنهم من نظر إلى موطن النهي ووصفه وعينه، ومنهم من فرق بين حق اللَّه وعبده، والأخير نصره المازري واعترض عليه العلاني في كتابه "تحقيق المراد في أن النهي يقنضى الفساد"، وعلى اعتراضه اعتراضات.

وانظر: "الموافقات"(2/ 536 - 542) للشاطبى وتعليقي عليه.

(1)

في نسخة (ب): "واختيار أبي بكر".

(2)

في نسخة (أ): "وللأول".

(3)

هذا يعود إلى ذات عبادة الصوم، وقد ثبت النهي عن صوم يوم العيد، قال النبي عليه الصلاة والسلام:"لا تصم يوم العيد"، والقول بالجواز مضاد لحكم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذا نقول: لا يصح. (ع).

قلت: أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد بيت المقدس، 3/ 70/ رقم 1197، وكتاب الصيام، باب صوم يوم الفطر، 4/ 239/ رقم 1991)، ومسلم في "الصحيح"(كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، 2/ 799 - 800/ رقم 827)؛ عن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(29/ 288) بخصوص صوم يوم العيد ومنعه مخرجًا إياه على القاعدة المذكورة: ". . . قالوا: إنه قد يكون لوصف في الفعل لا في أصله؛ فيدل على صحته؛ كالنهي عن صوم يومي العيدين، قالوا: هو منهي عنه؛ لوصف العيدين لا لجنس الصوم، فإذا صام صح؛ لأنه سماه صومًا. فيقال لهم: وكذلك الصوم في أيام الحيض، وكذلك الصلاة بلا طهارة وإلى غير القبلة، جنس مشروع، وإنما النهي لوصف خاص وهو الحيض والحديث واستقبال غير القبلة، ولا يعرف بين هذا =

ص: 52

- (ومنها): الصلاة في أوقات النهي (1).

- (ومنها): الصلاة في مواضع النهي؛ فلا يصح على القول بأن النهي للتحريم، وإنما يصح على القول بأن النهي للتنزيه، هذه طريقة المحققين؛ لأن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة مع القول بالتحريم (2).

= وهذا فرق معقول له تأثير في الشرع؛ فإنه إذا قيل. الحيض والحديث صفة في الحائض والمحدث، وذلك صفة في الزمان (يعني: بالنسبة إلى صوم العيدين)؛ قيل: والصفة في محل الفعل -زمانه ومكانه- كالصفة في فاعله؛ فإنه لو وقف بعرفة في غير وقتها أو غير عرفة؛ لم يصح، وهو صفة الزمان والمكان، وكذلك لو رمى الجمار في غير أيام منى أو المرمى، وهو صفة في الزمان والمكان واستقبال القبلة هو لصفة في الجهة لا فيه، ولا يجوز، ولو صام بالليل؛ لم بصح، وكان كان هذا زمانًا، فإذا قيل: الليل ليس بمحل للصوم شرعًا؛ قيل: ويوم العيد ليس بمحل للصوم شرعًا، كما أن زمان الحيض ليس بمحل للصوم شرعًا؛ فالفرق لا بد أن يكون فرقًا شرعيًّا، فيكون معقولًا، ويكون الشارع قد جعله مؤثرًا في الحكم، بحيث علق به الحل أو الحرمة، الذي يختص بأحد الفعلين".

(1)

ورد نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، فلا صلاة بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح؛ لحديث عقبة بن عامر:"ثلاث ساعات نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن"، فلو أنَّ أحدًا صلى في هذا الوقت؛ لقلنا: إنك أتيت بعبادة منهي عنها بذاتها؛ فهي باطلة، ولو صححناها؛ لكان في ذلك مضادة لحكم اللَّه ورسوله، أمَّا الصلاة التي لها سبب؛ فإنها جائزة. (ع).

(2)

الصلاة في المواقع المحرمة؛ كأعطان الإبل، ورد نهى من النبي عليه الصلاة والسلام عنها؛ فالنهي يتعلق بمكانها، والصلاة في وقت النهي يعود إلى ذات العبادة، ويتعلق بزمانها؛ فالصلاة في أعطان الإبل لا تصح لأنه منهي عنها، ولو صححناها؛ لكان في هذا مضادة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولا فرق بين النهي عن الصلاة في الزمان وعن الصلاة في المكان، لكن يقول المؤلف: إن هذا بناءً على أن النهي للتحريم، أما إذا قلنا: =

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إن النهي للتنزيه؛ فإنها تصح، ولكن تكون مكروهة، ومع هذا؛ فإن بعض العلماء يقول: إن الصلاة في أمكنة النهي صحيحة مع الإثم، فيفرقون بين الزمان وبين المكان، ولكن في النفس من هذا شيء، والأقرب أنها لا تصح إذا كان المكان منهي عنه لذاته، أما إذا كان المكان منهي عنه لحق الغير، كالصلاة في المغصوب؛ فإن الصحيح أن الصلاة تصح فيها. (ع).

قلت: وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية فروع هذه المسألة والجامع بينها (اجتماع الأمر المطلق مع النص المطلق)، فقال في "مجموع الفتاوى" (19/ 299): "التحقيق أن الفعل المعين كالصلاة في الدار المعينة لا يؤمر بعينها ولا ينهى عن عينها، لأنه تكليف ما لا يطاق، فإنه تكليف للفاعل أن يجمع بين وجود الفعل المعين وعدمه، وإنما يؤمر بها من حيث هي مطلقة وينهى عن الكون في البقعة؛ فيكون مورد الأمر غير مورد النهي، ولكن تلازما في المعين، والعبد هو الذي جمع بين المأمور والمنهي عنه لا أن الشارع أمره بالجمع بينهما، ولم يعين النهي عن الجمع بينها؛ فأمره بصلاة مطلقة ونهاه عن كون مطلق.

وأما المعين؛ فالشارع لا يأمر به ولا ينهى عنه كما في سائر المعينات، وهذا أصل مطرد في جميع ما أمر اللَّه به من المطلقات، بل في كل أمر؛ فإنه إذا أمر بعتق رقبة مطلقة كقوله؛ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أو بإطعام ستين مسكينًا، أو صيام شهرين متتابعين، أو بصلاة في مكان أو غير ذلك؛ فإن العبد لا يمكنه الامثال إلا بإعتاق رقبة معينة وإطعام طعام معبن لمساكين معينين، وصيام أيام معينة، وصلاة معينة في مكان معين؛ فالمعين في جميع المأمورات المطلقة ليس مأمورًا بعينه، وإنما المأمور به مطلق، والمطلق يحصل بالمعين.

فالمعين فيه شيئان: خصوص عينه، والحقيقة المطلقة.

فالحقيقة المطلقة هي الواجبة.

وأما الحصول المعين؛ فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق، بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للأمر في خصوص التعيين.

قال: فتبين بذلك أن تعيين عين الفعل وعين المكان ليس مأمورًا به، فإذا نهى عن الكون فيه لم يكن هذا المنهي عنه قد أمر به، إذ المأمور به مطلق، وهذا المعين ليس من =

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لوازم المأمور به، وإنما يحصل به الامتثال كما يحصل بغيره.

فإن قيل: إن لم يكن مأمورًا به؛ فلا بد أن يباح الامتثال به، والجمع بين النهي والإباحة جمع بين النقيضين، قيل: ولا يجب أن يباح الامتثال به، بل يكفي أن لا ينهى عن الامتثال به، فما به يؤدي الواجب لا يفتقر إلى إيجاب ولا إباحة، بل يكفي أن لا يكون منهيًّا عن الامتثال به، فإذا نهاه عن الامتثال به، امتنع أن يكون المأمور به داخلًا فيه من غير معصية، فها هنا أربع أقسام:

1 -

أن يكون ما يمثل به واجبًا؛ كإيجاب صيام شهر رمضان بالإمساك فيه عن الواجب.

2 -

وأن يكون مباحًا؛ كخصال الكفارة؛ فإنه قد أبيح له نوع كل منهما، وكما لو قال: أطعم زيدًا أو عمرًا.

3 -

وأن لا يكون منهيًّا عنه؛ كالصيام المطلق والعتق المطلق؛ فالمعين ليس منهيًّا عنه ولا مباحًا بخطاب بعينه؛ إذ لا يحتاج إلى ذلك.

4 -

وأن يكون منهيًا عنه؛ كالنهي عن الأضاحي المعيبة وإعتاق الكافر، فإذا صلى في مكان مباح؛ كان ممتثلًا لإتيانه بالواجب بمعين ليس منهيًّا عنه، وإذا صلى في المغصوب؛ فقد يقال: إنما نهي عن جنس الكون فيه لا عن خصوص الصلاة فيه، فقد أدى الواجب بما لم ينه عن الامتثال به، لكن نهي عن جنس فعله فيه، فاجتمع في الفعل المعين ما أمر به من الصلاة المطلق، وما نهي عنه من الكون المطلق، فهو مطيع عاص، ولا نقول: إن الفعل المعين مأمور له منهي عنه، ولكن اجتمع فيه المأمور به والمنهي عنه كما لو صلى ملابسًا لمعصية من حمل مغصوب.

وقد يقال: بل هو منهي عن الامتثال به كما هو منهي عن الامتثال بالصلاة في المكان النجس والثوب النجس: لأن المكان شرط في صحة الصلاة، والنهي عن الجنس نهي عن أنواعه، (يعني من أنواعه الكون في المكان المغصوب)، فيكون منهيًا عن بعض هذه الصلاة، بخلاف المنهي عنه إذا كان منفصلًا عن أبعاضها كالثوب المحمول (يعني: وهو مغصوب)؛ فالحمل ليس من الصلاة؛ فهذا محل نظر الفقهاء، وهو محل للاجتهاد، لا أن =

ص: 55

- (ومنها): صيام أيام التشريق؛ فلا يصح تطوعًا بحال، والخلاف في صحة صومها فرضًا مبني على أن النهي هل يشمل الفرض أم يختص بالتطوع (1).

= عين هذه الأكوان هي مأمور بها ومنهي عنها؛ فإن هذا باطل قطعًا، بل عينها وإن كان منهيًّا عنها؛ فهي مشتملة على المأمور به، وليس ما اشتمل على المأمور به المطلق يكون مأمورًا به.

ثم يقال: ولو نهى عن الامتثال على وجه معين مثل أن يقال: صل ولا تصل في هذه البقعة، وخط هذا الثوب ولا تخطه في هذا البيت، فإذا صلى فيه وخاط فيه؛ فلا ريب أنه لم يأت بالمأمور به كما أمر، لكن هل يقال: أتى ببعض المأمور به أو بأصله دون وصفه؟ وهو مطلق الصلاة والخياطة دون وصف، أو مع منهي عنه بحيث يثاب على ذلك الفعل وإن لم يسقط الواجب أو يعاقب على المعصية، وقد تقدم القول في ذلك، وبينت أن الأمر كذلك (أي: يعاقب)، وهي تشبه مسألة صوم يوم العيد ونحوه مما يقول فيه أبو حنيفة بعدم الفساد".

قلت: وسيأتي كلام ابن تيمية أيضًا في الصلاة في الدار المغصوبة وبالماء المغصوب قريبًا إن شاء اللَّه.

(1)

رجل صام أيام التشريق؛ فالنهي عائد إلى ذات العبادة متعلقًا بزمنها، فيكون كصوم يوم العبد فذا إذا كان تطوعًا؛ فلا يصح، وأما إنْ كان فرضًا كرجل عليه كفارة أو عليه قضاء رمضان؛ فينبني على الخلاف في النهي؛ هل هو للتطوع أم للعموم، والصحيح أن النهي عام؛ لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، قالا:"لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".

فهؤلاء يجوز لهم أن يصوموا أيام التشريق، ومن سواهم لا يجوز، وإنما جاز لهؤلاء للضرورة، لأن اللَّه قال:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]، ولو لم يصم القارن والمتمتع في هذه الأيام؛ لانتهى الحج قبل أن يصوموا. (ع).

قلت: والمثبت من نسخة (ب)، وفي المطبوع ونسخ (أ) و (ج):"التطوع".

وأثر عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم 1997، =

ص: 56

وللثاني أمثلة كثيرة:

- (منها): الصلاة بالنجاسة وبغير سترة (1) وأشباه ذلك.

= 1998، 1999)، والدارقطني في "سننه"(2/ 185)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 243)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 298)، والمذكور لفظ البخاري بحروفه.

وانظر في المسألة: "مسائل ابن هانئ"(658)، و"المحرر"(1/ 231)، و"الكافي"(1/ 491)، و"الإنصاف"(3/ 351)، و"الفروع"(3/ 128)، و"المبدع"(3/ 56)، و"شرح منتهى الإرادات"(1/ 461).

(1)

لبس الثوب من شروط الصلاة:

1 -

لأن فيه ستر العورة.

2 -

امتثال أمر اللَّه عز وجل في قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].

فإذا صلى بثوب نجس؛ فالنهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه يختص، أي إنه لا يحرم عليك لبس الثوب النجس إِلا إذا كت تريد أن تصلي، وإلا لو فرض أن إنسانًا لبس ثوبًا في غير الصلاة؛ فلا بأس، ومن ذلك ثياب الجزارين التي تصاب بالدماء المسفوحة، وهي نجسة، ولهذا تجدهم إذا أرادوا أن يصلوا خلعوا هذه الثياب.

ومن ذلك أيضًا: ثياب النساء؛ فإن كئيرًا من النساء تكون قد ابتليت بنوع من السلس؛ فلا تصلي في ثوبها الذي عليه نجاسة، مع ارتدائها إياه خارج الصلاة، ومنها أيضًا ثياب المرضعة، إذا تنجس من الرضيع لا حرج عليها أن تبقى في ثيابها حتى تصلي، المهم أن هذا النهي يعود إلى شرط العبادة على وجه يختص، أى أنه لا يحرم لبس الثوب النجس في غير الصلاة.

وكذلك أيضًا قوله: "بغير السترة" يعود إلى شرطها على وجه يختص، عام في الصلاة وغيرها، اللهم إذا كان الإنسان في خلوة ما يشاهده أحد؛ فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: هل يحرم عليه ان يتعرى في الخلوة أو لا يحرم؛ أما مع أهله؛ فلا يحرم؛ لأن اللَّه يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5، 6]. =

ص: 57

وللثالث أمثلة [كثيرة](1):

- (منها): الوضوء بالماء المغصوب (2).

= والحاصل أن التمثيل بغير السترة فيه شيء من النظر، اللهم إلا أن يراد بالسترة هنا السترة الواجبة في الصلاة؛ لأن السترة الواجبة في الصلاة أغلظ من السترة الواجبة في النظر، فإذا أراد ذلك؛ فنعم. (ع).

قلت: قال النووى في "شرح صحح مسلم"(4/ 32): "أما كشف الرجل عورته في حال الخلوة، بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لحاجةٍ، جاز، وإنْ كان لغير حاجة؛ ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه، والأصح عندنا أنه حرام".

قلت: والحاجة المشار اليها من بول أو استحداد أو معاشرة أهل من زوج وأمة يباح له وطؤهما، والاستمتاع بهما، وكذلك يجوز له الاغتسال عريانًا بحضرتهما وفي الخلوة، والتستر أفضل؛ لأن اللَّه أحق أن يستحى منه، قاله الحموي في "أحكام النظر"(ص 116).

وناقش ابن القطان في "أحكام النظر"(ص 112) كلام النووي السابق.

وانظر كتابي: "المروءة وخوارمها"(ص 149 - 150)، و"الموافقات"(3/ 390 - بتحقيقي) والتعليق عليه.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

الوضوء شرط لصحة الصلاة، فإذا توضأ الإنسان بماء مغصوب، هل تصح صلاته أم لا؟

فيه روايتان؛ لأن التحريم هنا بعود إلى شرط العبادة، لكن على وجه لا يختص، ليس النهي عن استعمال المغصوب خاصًّا بالوضوء، بل لو استعملت الماء المغصوب في شرابك وطعامك وغسل ثيابك؛ صار حرامًا، ولهذا فيه روايتان عن الإمام أحمد.

والصحيح أن الوضوء والصلاة تصح؛ لأن التحريم هنا لم يثبت بنص؛ مثل: "لا تتوضؤا بالمغصوب"، حتى يكون عائد على الشرط، لكن نهى عن استعمال المغصوب؛ لأنه حق للغير، فالنهي هنا ليس موقوفًا على العبادة نفسها ولكنه عن انتهاك حرمة مال الغير؛ فلهذا؛ فإن الرواية الثانية أنه يصح الوضوء بالمغصوب، والمذهب لا يصح. (ع). =

ص: 58

- (ومنها): الصلاة في الثوب المغصوب والحرير (1).

وفي [الصحة](2) روايتان (3)، وعلى رواية عدم الصحة؛ فهل المبطل

= قلت: تلحق هذه المسألة بمسائل ذكرها شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(29/ 286)، ورجح عدم البطلان، قال رحمه الله بعد كلام: "وكذلك الصلاة في الدار المغصوبة، والذبح بآلة مغصوبة، وطبخ الطعام بحطب مغصوب، وتسخين الماء بوقود مغصوب، كل هذا إنما حرم لما فيه من ظلم الإنسان، وذلك يزول بإعطاء المظلوم حقه، فإذا أعطاه ما أخذه من منفعة ماله، أو من أعيان ما له فأعطاه كرى الدار وثمن الحطب، وتاب هو إلى اللَّه تعالى من فعل ما نهاه عنه؛ فقد برئ من حق اللَّه وحق العبد، وصارت صلاته كالصلاة في مكان مباح، والطعام كالطعام بوقود مباح، والذبح بسكين مباحة، وإن لم يفعل ذلك؛ كان لصاحب السكين أجرة ذبحه، ولا تحرم الشاة كلها لأجل هذه الشبهة، وإذا أكل الطعام ولم يوفه ثمنه؛ كان بمنزلة من أخذ طعامًا لغيره يه شركة، ليس فعله حرامًا ولا هو حلالًا محضًا، فإن نضج الطعام لصاحب الوقود فيه شركة.

وكذلك الصلاة (يعني: في الدار المغصوبة) يبقى عليه إثم الظلم ينقص من صلاته بقدره ولا تبرأ ذمته؛ كبراءة من صلى صلاة تامة، ولا يعاقب كعقوبة من لم يصل، بل يعاقب على قدر ذنبه، وكذلك أكل الطعام يعاقب على قدر ذنبه، واللَّه تعالى يقول:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] ".

(1)

هذا يعود إلى شرط العبادة، وهو الستر بالثوب، وهل هو يختص أم لا؟

لا يختص؛ فالثوب المغصوب والحرير منهي عن لبسه، سواء في الصلاة أو في غير الصلاة، ومثل ذلك الثوب الذي فيه الصور منهي عن لبسه في الصلاة وغير الصلاة، فلو صلى الإنسان بهذه الثياب المحرمة؛ فهل تصح صلاته أم لا؟: فيه روايتان. (ع).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "الصحيح"، والصواب ما في المطبوع و (ب) و (ج).

(3)

فيه روايتان، وعلى رواية عدم الصحة؛ فالنهي عن لبس الثوب يعود إلى الشرط، لكن لا على وجه يختص، لو قال: لا تلبس الثوب في الصلاة؛ لصار يعود على شرطه على وجه يختص. (ع).

ص: 59

ارتكاب النهي في شرط العبادة، أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به؟

للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبًا مغصوبًا فصلى فيه؛ فإن عللنا بارتكاب النهي؛ لم تصح صلاته، وإن عللنا بترك المأمور صحت؛ لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها (1)، وأما من لم يجد إلا ثوب حرير؛ فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين (2)؛ لإِباحة لبسه في هذه الحال (3).

(1) لو صلى بثوب حرير أو مغصوب، وعنده مباح؛ فقد ترك المأمور لارتكاب المحظور، وإذا لم يجد ثوبًا مباحًا؛ فليس عنده شيء يؤمر به، فإذا صلى بهذا الثوب المحرّم صحت صلاته؛ لأنه لم يترك المأمور، وهو لبس الثوب المباح، وإذا قلنا: العلة ارتكاب النهي؛ فهذا الرجل ارتكب النهي بالصلاة في ثوب الحرير، يقال: هل نقول: ارتكبت محرمًا أو تركت مأمورًا؟

إن قلنا: تركت مأمورًا؛ فإنها تصح الصلاة في هذا الثوب، إذا لم يوجد ثوب تكون مأمورًا به، وإذا قلنا: العلة ارتكاب النهي؛ فأنت الآن ارتكبت النهي، سواء وجدت أم لم تجد، فلا تصح بناءً على الخلاف.

والمذهب عدم صحة الصلاة في الثوب المغصوب؛ لأن الممنوع منه شرعًا، كالممنوع منه حِسًّا، لكن لو قال قائل: إذا كنت أعلم أن صاحب الثوب يسمح لي إذا كانت هذه حالتي؛ نقول: لا بأس إذا علمت أن هذا الرجل إذا علم أنه ليس عندك ثوب تصلي فيه فَسيسمح لك؛ فلا حرج. (ع).

(2)

في نسخة (أ): "الطريقين".

(3)

إذا لم يجد إِلا ثوب حرير أو ثوبًا فيه صور أو ما شابه ذلك مما حُرِّم لحقِّ اللَّه؛ يصلِّي به ولا إعادة، لأنَّ المحرَّم لحقِّ اللَّه إذا اضطررتَ إليه؛ فإنَّه يباح. (مسألة).

رجل ليس عنده إلا ثوب نجس، وآخر ليس عنده إلا ثوب مغصوب، وثالث ليس عنده إلا ثوب حرير، أما الذي عنده ثوب نجس؛ فنقول له: صل فيه وأعدٍ الصَّلاة إذا وجدت ثوبًا طاهرًا، فتُفْرَض عليه صلاتان، وأما من لم يجد إلا ثوبًا مغصوبًا، لنقول له: صلِّ عريانًا؛ =

ص: 60

- (ومنها): الصلاة في البقعة المغصوبة، وفيها الخلاف.

وللبطلان مأخذان أيضًا:

أحدهما: أن البقعة شرط للصلاة، ولهذا لا تصح الصلاة في الأرجوحة ولا على بساط في الهواء (1).

والثاني: أن حركات المصلي وسكناته في الدار المغصوبة هو نفس المحرم (2)؛ فالتحريم عائد إلى نفس الصلاة؛ وإن كان غير مختص بها؛ فهو كإخراج الزكاة والهدي من المال المغصوب (3).

= لأن هذا ليس لك، فوجوده كالعدم، وأما من وجد ثوب حرير؛ فنقول له: صلِّ فيه ولا حرج؛ لأن هذا محرَّم لحقِّ اللَّه، وأنت في هذه الحال قد أُبيح لكَ أن تلبسه ولا تعيد، هذا هو المذهب.

لكن في المسألة الأولى إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا؛ الصحيح أنه يصلي فيه ولا إعادة عليه؛ لأنَّه مأمور بستر العورة، ومأمور بإزالة النجاسة عن الثوب؛ فستر العورة قادر عليه، وإزالة النجاسة عن الثوب عاجز عنها؛ فيكون هنا قد فعل ما كلف به؛ فصلاته صحيحة على القول الراجح. (ع).

(1)

ظاهر كلام المصنف أن هذه قضية مسلَّمة، ولا نزاع فيها، فأما الأرجوحة؛ فالصَّلاة لا تصح فيها لعدم الاستقرار، والسجود لا بد فيه من الاستقرار، وأما البساط في الهواء؛ فهو كذلك غير مستقر في عصر المؤلف، ولكن الطائرات يكون فيها الاستقرار تمامًا، ولا تدخل في كلام المؤلف، وكذا قال الفقهاء إذا كان السجود على الأشياء المنتفشة، مثل القطن والصوت، فضغطت عند السجود؛ فإن الصلاة تصح، وإلا؛ فلا. (ع).

(2)

إن حركات المصلي في الدار المغصوبة هو نفس المحرم، لكنه لا يختص، أي حرمة الحركات لا تختص بالصلاة، وإنما بمجرد وجوده في هذا المكان؛ لأنه لا حق له فيه. (ع).

(3)

وهذا أيضًا فيه خلاف: منهم من يقول: إنه صحيح، ومنهم من يقول: إنه غير =

ص: 61

وللرابع أمثلة:

- (منها): الوضوء من الإناء المحرم (1).

- (ومنها): صلاة من عليه عمامة غصب أو حرير أو في يده خاتم ذهب، وفي ذلك كله وجهان، واختيار أبي بكر عدم الصحة (2).

وأما من عليه ثوبان أحدهما غصب؛ فقيل: هو مخرج على هذين الوجهين، وقيل:[بل](3) هو كمن ليس عليه سوى الثوب المغصوب؛ لأن

= صحيح، بخلاف ما لو أصبت شاةً وأهديتها؛ فهذا حرام، لأن التحريم وقع في عينها. (ع).

قلت: انظر في هذا: "مدارج السالكين"(1/ 391 - 392 - ط الفقي).

(1)

هذا حرام، لكن لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها، يعني: إنسان يتوضأ من إناء فضة على القول بأن استعمال الفضة حتى في غير الأكل والشرب حرام؛ نقول: الوضوء صحيح، والفعل محرم، لماذا كان الوضوه صحيحًا؟

لأن هذا التحريم لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها؛ فشرطها الوضوء بالماء حتى لو وجدت الماء على الأرض، فتوضأت منه، فالإناء ليس بشرط. (ع).

قلت: وحصر الشوكاني في "النيل" والصنعاني في "السبل" حرمة الأكل والشرب فقط في آنية الذهب والفضة، لظاهر النصوص، دونما الالتفات إلى أيّ علةٍ أو حكمة!

(2)

الصحيح هو الصحة؛ لأن هذا التحريم لا يعود إلى ذات العبادة ولا إلى شرطها، والعمامة ليست شرطًا في الصلاة، ويجوز للإنسان أن يصلي ورأسه مكشوف، ويجوز أن يصلي ورأسه مستور بغير عمامة؛ فليست العمامة شرط للصلاة، ولهذا نقول: إن الصلاة الآن تصح، وكذلك من في يده خاتم ذهب: الفعل حرام والصلاة صحيحة، لأن التحريم هنا لا يعود إلى الصلاة ولا إلى شرطها، يعني: ما قيل لنا: لا تصلوا في خاتم ذهب، بل قيل لنا: لا تلبسوا الذهب، أما الثوب الذي فيه التصاوير، فلا تصح الصلاة به لأن التحريم يعود إلى شرطها، وهو الثوب. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقطت من (أ).

ص: 62

المباح [لم يتعين](1) للستر، بل الستر حصل بواحد غير معين (2).

وأما الحج بالمال المغصوب؛ ففي صحته روايتان: فقيل: لأن المال شرط لوجوبه، وشرط الوجوب كشرط الصحة (3)، ورجح ابن عقيل الصحة وجعله من القسم الرابع، ومنع كون المال شرطًا لوجوبه؛ لأنه يجب على القريب بغير مال، وليس بشيء، فإنه شرط في حق البعيد خاصة، كما أن المحرم شرط في حق المرأة دون الرجل، [واللَّه أعلم](4).

* * *

(1) كذا فى المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج):"غير متعين".

(2)

إذا كان على الإنسان ثوبان، أحدهما محرم والثاني مباح؛ فالمذهب أن الصلاة لا تصح؛ لأن المباح لم يتعين للسِّتر، بل الستر حصل بواحد غير معين؛ كرجل لبس ثوبين: ثوب حرير وثوب قطن، فصلى بهما؛ فلا تصح الصلاة، فإن قال قائل: الستر لم يختص به هذا المحرم؛ قلنا: ولم يتعين في هذا المباح، فالستر حاصل بأحدهما، فلا تصح الصلاة.

وقال بعض أهل العلم -بعض الأصحاب-: إنها تصح الصلاة؛ لأن الستر لم يتعين في المحرّم، وفضل بعضهم فقال: إن كان الثوب المباشر للجسد هو المباح؛ صحت الصلاة، لأنَّ الستر حصل به، والأعلى يعتر زائدًا وفضلة، وإنْ كان المباشر للبدن هو الثوب المحرم، فالصلاة لا تصح، وهذا التفصيل جيد، على أنه ينظر إذا كان الذي يباشر الجسد هو الذي حصل به الستر، إذا كان مباحًا؛ فإن الصلاة صحيحة، وإنْ كان الخارج هو المباح؛ فإن الصلاة غير صحيحة. (ع).

(3)

كتب هنا على هامش نسخة (ب): "كالتوقف على كل منهما".

(4)

كذا في المطبوع و (ب)، وسقطت من نسخة (أ)، وفي نسخة (ج):"واللَّه سبحانه أعلم".

ص: 63

(القاعدة العاشرة)(1)

الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات.

- (منها): ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن، لإعجازه بلفظه ومعناه؛ فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى.

- (ومنها): ما يعتبر معناه دون لفظه؛ كألفاظ عقد البيع وغيره من العقود وألفاظ الطلاق (2).

- (ومنها): ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه، ويدخل تحت ذلك صور:

- (منها): التكبير والتسبيح والدعاء في الصلاة لا تجوز الترجمة عنه مع القدرة عليه، ومع العجز عنه؛ هل يلحق بالقسم الأول فيسقط، أو بالثاني فيأتي به بلغته؟

على وجهين (3).

- (ومنها): خطبة الجمعة لا تصح مع القدرة بغير العربية على

(1) في نسخة (أ): "قاعدة".

(2)

انظر تأصيلًا وتفصيلًا حسنًا في: "إعلام الموقعين"(2/ 4 - 5، 3/ 131 - ط محمد محيي الدين عبد الحميد)، وقد فرغت -وللَّه الحمد- من تحقيقه، يسر اللَّه نشره.

(3)

في هامش نسخة (ب): "الصحيح يأتي به".

ص: 64

الصحيح، وتصح مع العجز.

- (ومنها): لفظ النكاح ينعقد (1) مع العجز بغير العربية ومع القدرة على التعلم (2)؛ فيه وجهان (3).

- (ومنها): لفظ اللعان، وحكمه حكم لفظ النكاح.

* * *

(1) في نسخة (ج): "فينعقد".

(2)

في نسخة (ب): "التعليم".

(3)

على هامش (ب) كتب: "الصحيح أنه ينعقد".

ص: 65

(القاعدة الحادية عشرة)(1)

من عليه فرض؛ هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا؟

هذا نوعان:

(أحدهما)(2): العبادات المحضة؛ فإن كانت موسعة؛ جاز التنفل قبل أدائها؛ كالصلاة بالاتفاق، وقبل قضائها أيضًا؛ كقضاء رمضان على الأصح، وإن كانت مضيقة؛ لم تصح على الصحيح، ولذلك صور:

- (منها): إذا تضايق وقت المكتوبة؛ هل ينعقد [التنفل المطلق](3) حينئذ؟

على وجهين.

- (ومنها): من عليه صلاة فائتة؛ هل يصح التنفل المطلق قبل قضائها؟

على وجهين؛ لأن قضاء الفوائت على الفور (4).

(1) في نسخة (أ): "قاعدة".

(2)

في (ج): "الأول".

(3)

كذا في المطبوع وسقطت كلمة "المطلق" من (أ) و (ب) و (ج)، وفي (أ):"النفل".

(4)

انظر: "القواعد الفقهية النورانية" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 49 - 50).

ص: 66

- (ومنها): إذا شرع في التنفل بعد إقامة الصلاة المكتوبة؛ فهل تصح (1)؟

على وجهين؛ لأن الجماعة واجبة (2)

- (ومنها): صوم رمضان لا يصح أن يصوم فيه عن غيره، فإن فعل؛ لم يصح عن نفله، وهل ينقلب عن فرضه؟

ينبني على وجوب نية التعيين (3).

(1) في نسخة (أ): "يصح".

(2)

في "مسائل البغوي" للإمام أحمد (73/ 57، 58): "وسمعت أحمد يقول: إذا أقيمت الصلاة؛ فلا صلاة إلا المكتوبة".

وقال أيضًا: "سمعت أحمد يقول: إذا سمع الرجل إقامة الصلاة ولم يركع ركعة الفجر؛ خرج إلى الصلاة" اهـ.

قلت: ولعل هذا هو الصواب؛ لموافقه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة". رواه مسلم وغيره، وعند أحمد:"فلا صلاة إِلا التي أقيمت"، يؤيده حديث ابن عباس؛ قال:"كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة؛ فجذبني نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربعًا؟! ".

ففي الحديت شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ابن عباس السنة عند البدء في الإقامة بمن يصلي الصبح أربع ركعات، والمشبَّه به غير جائز بمرةٍ، فكان كذلك المشبَّه، واللَّه أعلم.

(3)

هذا لا شك أنه لا يصح النفل؛ لأن الوقت مضيق، فلو أن الإنسان صام نفلًا في شهر رمضان ما صح النفل، لكن هل ينقلب إلى فرض وقد نواه نفلًا؟

قال: ينبني على وجوب نية التعيين، أي نعيين النية، والصواب بلا شك أن التعيين واجب، وعلى هذا؛ فلايصح نفلًا ولا فرضًا.

صوم غير رمضان لا يصح في رمضان أبدًا، سواءً كان فرضًا أو نافلة؛ لأنّ الوقت مخصص له. (ع).

قلت: في نسخة (أ): "التعين".

ص: 67

- (ومنها): إذا حج تطوعًا قبل حجة الإسلام؛ لم يقع عن التطوع، وانقلبت عن حجة الإسلام على المذهب الصحيح (1).

- (ومنها): لو حج عن نذره أو عن نفل وعليه قضاء حجة فاسدة؛ وقعت عن القضاء دون ما نواه على المذهب أيضًا، فأما إن تنفل بالحج بعد قضاء حجة الإسلام وقبل الاعتمار أو بالعكس؛ فهل يجوز أم لا؟

قال في "التلخيص": ينبني على أن النسك هل هو على الفور أم

(1) هذا مضيق باعتبار أن الحج لا بد أن يبدأ بفرضه قبل نفله، ولكن هنا يقول: إنه ينقلب عن الواجب؛ لأن الحج يختلف عن غيره، يجوز فيه قلب النية؛ حتى إذا حج عن غيره ولم يحج عن نفسه، ولبى عن غيره وأكمل الحج عن غيره، يكون الحج له مع أن النية من أولها إلى آخرها عن الغير، أو لو نوى نفلًا بهذا الحج -وهو ما أدى الفريضة- من أوله إلى آخره؛ انقلب إلى فريضة؛ لأن الحج في الحقيقة يختلف عن غيره من عدة وجوه.

حديث ابن عباس: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: "لبيك عن شبرمة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من شبرمة؟ قال: قريب لي أو أخ. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة". (ع).

قلت: أخرجه ابن ماجه في "سننه"(رقم 2903)، والطحاوي في "المشكل"(3/ 223)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 499)، وابن حبان في "صحيحه"(962 - زوائده)، والدارقطني في "السنن"(2/ 270)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 336) بلفظ:"اجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة".

وانظر غير مأمور في المسألة: "مسائل أبي داود"(134)، و"الكافي"(1/ 522)، و"الشرح الكبير"(3/ 198)، و"الفروع"(3/ 265)، و"المبدع"(3/ 102)، و"الإنصاف"(3/ 416)، و"شرح الزركشي"(3/ 45 - 46)، و"كشاف القناع"(2/ 462)، و"شرح منتهى الإرادات"(2/ 287).

ص: 68

لا (1)، فإن قلنا: على الفور؛ لم يجز، وإلا؛ جاز، وفيه نظر (2).

وأما الزكاة؛ فقال الأصحاب: يصح أن يتنفل بالصدقة قبل أدائها؛ وإن كانت على الفور.

وكذلك نص أحمد في رواية مهنا فيمن عليه زكاة ونذر لا يبالي بأيهما يبدأ، وهذا إذا كان ماله يتسع لهما، فأما إن لم يتسع؛ فسنذكره (3).

(النوع الثاني): التصرفات المالية؛ كالعتق والوقف والصدقة والهبة؛ إذا تصرف بها وعليه دين، ولم يكن حُجِر عليه؛ فالمذهب صحة تصرفه وإن استغرق ماله في ذلك (4)، واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: أنه لا ينفذ شيء من ذلك مع مطالبة الغرماء، وحكاه قولًا في المذهب (5)، ويمكن

(1) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"أو لا".

(2)

لا شك أن فيه نظر، والصواب أنه يجوز أن يتنفل بالعمرة من عليه فريضة الحج، وأن يتنفل بالحج من عليه فريضة العمرة، وذلك لأنّ أفعالهما تختلف، وزمنهما يختلف؛ فلا يضيق هذا على هذا. (ع).

(3)

رجل عليه زكاة؛ فهل له أن يتصدّق قبل إخراجها؟

هذا جائز، لأنه إنْ قلنا: إن الزكاة على التراخي ووقتها موسع؛ فالأمر ظاهر، وإن قلنا: هي على الفور، فإنه أيضًا جائز؛ لأنها غير موقتة بوقت محدود كالصلاة، كل هذا إذا كان ماله يتسع للزكاة والصدقة، أما إذا لم يتسع؛ فسيذكره. (ع).

قلت: وكتب هنا مصحح (أ) على هامشها: "واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يصح، واحتج على ذلك بقوله سبحانه:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 17 - 19].

(4)

كتب في هامش (أ): "وكذا هو اختيار الشيخين، وذكر عن مالك، وذكر صاحب "المغني" أن نفوذه لا يعلم فيه خلافًا".

(5)

انظر: "الاختبارات الفقهية"(ص 179) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ص: 69

تخريجه في المذهب من (1) أصلين (2):

(أحدهما): ما نص عليه أحمد [رحمه الله](3) في رواية حنبل فيمن تبرع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان: أن لهما رده، واحتج بالحديث المروي في ذلك (4).

(1) في (ج): "على"، ولعله الصواب.

(2)

التصرفات المالية؛ كالعتق والوقف والصدقة والهبة؛ إذا تصرف فيها الإنسان وعليه دين، إذا كان الدين لا يستغرق ماله، فالتصرف صحيح، وإذا كان الدين يستغرق ماله؛ فإما أن يحجر عليه، وإما أن لا يحجر، فإن حجر عليه (أي: مُنع مِن التصرف بواسطة القاضي)؛ فإن تصرفه لا يصح لأنه محجور عليه، وإن لم يحجر عليه وكان دينه مستغرقًا؛ فالمذهب أن تصرفه صحيح لأنه حر في ماله، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يصح مع مطالبة الغرماء، وهذا أصح؛ لأنهم لما طالبوه تعلق به حق الغرماء، مثاله: شخص عليه عشرة آلاف ريال دين، وما عنده إلا هذا العبد الذي يساوي عشرة آلف ريال فقط، فأعتقه مع مطالبة الغرماء بديونهم؛ فعلى المذهب يصح لأنه ما حجر عليه، وعلى رأي شيخ الإسلام ما يصح، ورأي الشيخ أصحُّ. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

يشير المصنف إلى ما أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 611)، والخطيب في "تالي التلخيص" (رقم 310 - بتحقيقي)؛ عن عائشة؛ قالت:"تفوت رجل من مال نفسه بمال، فجاء أبوه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأعلمه ذلك؛ فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليه، فقال له: اردُد على أبيك ما حبستَ عليه؛ فإنك ومالك كسهم من كنانته".

وإسناده ضعيف، فيه الحارث بن عبيدة الحمصي الكلاعي، ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 224):"يأتي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (20/ 1/ 81):"شيخ ليس بالقوي". =

ص: 70

(والثاني): أنه نص في (1) رواية أخرى على: [أن](2) من أوصى لأجانب وله أقارب (3) محتاجون أن الوصية ترد عليهم.

فتخرج من ذلك أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين ليس له وفاء: أنه يرد، ولهذا يباع (4) المدبر في الدين خاصة على رواية (5).

ونقل ابن منصور عن أحمد فيمن تصدق عند موته بماله كله، قال: هذا مردود، لو (6) كان في حياته؛ لم أجوز له إذا كان له ولد (7).

= قلت: يشهد له حديث: "أنت ومالك لأبيك"، وسيأتي تخريجه مفصلًا في التعليق على (ص 433 - 444)،

(1)

في نسخة (ب): "من"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج)، وأثبتناها من (أ).

(3)

في نسخة (ج): "قرابة".

(4)

كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب):"نبيع"، وفي (ج):"بيع".

(5)

المدبر: هو العبد الذي عن بعد موت صاحبه، يقول: إذا متُّ فأنت حر، فإذا مات وعليه دين، فإننا نقدم الدبن على التدبير؛ نبيع المدبر ونوفي الدين. (ع).

(6)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ):"ولو"، وفي (ج):"إنْ".

(7)

إحدى الروايتين عن أحمد: أنه لا يجوز التصدق بجميع ماله إذا كان له ولد؛ لأنه يدع واجبًا لتطوع.

ولكن الرواية الثانية عن أحمد جواز ذلك، وفد فعل ذلك أبو بكر؛ فتصدق بماله كله، فإذا علم الإنسان من نفسه أنه سيحصل لأولاده ما يجب لهم ووثق بما عند اللَّه؛ فإنه يجوز أن يتصدق بماله كله، ولكن الأفضل أن لا يتصدق بزائد عن الثلث، ولهذا لما أراد كعب بن مالك أن يتصدق بماله، أو أبو لبابة بن المنذر أن يتصدق بماله بتوبة اللَّه عليه؛ قال له رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام:"أمسك عليك بعض مالك". (ع).

قلت: أخرج أبو داود في "السنن"(2/ رقم 1678)، والترمذي في "جامعه" (4/ =

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رقم 3675) -وقال: "هذا حديث حسن صحيح"-، والبزار في "البحر الزخار"(1/ رقم 270)، والدارمي في "السنن" (1/ 391) بإسنادٍ صحيح عن عمر؛ قال:"أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلتُ: اليوم أسبق أبا بكر، إنْ سبقتُه يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده؛ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله. قلتُ: لا أسابقك إلى شيء أبدًا".

وأخرجه عبد اللَّه بن أحمد في "زوائده على فضائل الصحابة"(رقم 527) من طريق آخر ضعيف.

وأما حديث أبي لبابة بن عبد المنذر حين تاب اللَّه عليه أراد أن يتصدَّق بجميع ماله؛ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يُجزيك من ذلك الثلث". أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 481)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله، 3/ 613 رقم 3320)، وأحمد في "المسند"(3/ 452 - 453)، والدارمي في "السنن"(1/ 391)، وهو حديث صحيح.

وأما قصة توبة كعب بن مالك؛ فإنه قال: "قلتُ: يا رسول اللَّه! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر".

أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، 8/ 113 - 116/ رقم 4418)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، 4/ 2120/ رقم 2769).

فالثابت قوله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك" من غير تحديد بالثلث، وقول كعب:"أمسك سهمي الذي بخيبر" لا نعلم؛ هل هو بقدر ثلث ماله أو أكثر من ذلك أو أقل؟ قاله ابن العربي في "أحكامه"(2/ 1010).

ص: 72

(القاعدة (1) الثانية عشرة) (1)

المذهب أن العبادات الواردة على وجوه متعددة (2) يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه الواردة فيها من غير كراهة لبعضها؛ وإن كان بعضها أفضل من بعض، لكن هل الأفضل المداومة على نوع منها، أو فعل جميع الأنواع في أوقات شتى؟

ظاهر كلام الأصحاب الأول (3).

(1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم.

(2)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج):"متنوعة".

(3)

هذه القاعدة مهمة: العبادات الواردة على وجوه متنوعة نحن أمامها بين أمور ثلاثة:

إما أن نجمعها في آن واحد.

وإما أن نقتصر على نوع منها دائمًا.

وإما أن نفعل بعضها مرة وبعضها مرة.

المؤلف لم يذكر إلا وجهين فقط، وهما:

الأولى: أن نفعل هذا مرة وهذا مرة.

والثانية: أن نقتصر على واحد منها ونداوم عليه.

مع أن الاحتمال الأول وارد، وهو أن نجمعها. (ع).

قلت: رجح ابن القيم في "جلاء الأفهام"(ص 453 وما بعد - بتحقيقي) -وهذا اختيار شيخه كما سيأتي في كلام المصنف- فعل جميع الأنواع في أوقات شتى، ونصره =

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بقوَّةٍ، وهذه قاعدة سلفية مهمة، ومما قال رحمه الله: "ذكر قاعدة في هذه الدعوات والأذكار. . .:

قد سلك بعض المتأخرين -قلت: لعله يريد الإمام النووي؛ فالمذكور هناك: طريقته في كتابه "الأذكار". انظر مثالًا فيه (1/ 196)، وإنما أبهم اسمه على حد قول النووي فيه (2/ 924) تحت باب (في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها، وليست بمكروهة): "واعلم أني لا أسمي القائلين بكراهة هذه الألفاظ؛ لئلا تسقط جلالتهم، ويُساءُ الظن بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نُقِلَت عنهم"- في ذلك طريقة في بعضها، وهو أن الداعي يُستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة"، ثم قال رحمه الله: "ونازعه في ذلك آخرون، وقالوا: هذا ضعيف من وجوه: أحدها: أن هذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.

الثاني: أن صاحبها إن طَرَّدَها؛ لزمه أن يستحبَّ للمصلِّي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعًا؛ فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبه أحد من أهل العلم، وهو بدعة، وإن لم يُطَرِّدْها؛ تناقض، وفَرَّقَ بين متماثِلَيْن.

الثالث: أن صاحبها ينبغي أن يستحبَّ للمصلِّي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها؛ قالوا: ومعلوم أن المسلمين متَّفقون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبُّر، وإنما يفعل ذلك القرَّاء أحيانًا؛ ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع القراءات وإحاطته بها واستحضاره إياها والتمكن من استحضارها عند طلبها؛ فذلك تمرين وتدريب، لا تعبد يستحبُّ لكل تالٍ وقارئ، ومع هذا؛ ففي ذلك للناس كلام ليس هذ موضه. . .

الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة؛ كألفاظ الاستفتاح والتشهد وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يُقال هذا مرة وهذا مرة، وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضُها؛ صار إليه، وإن لم يترجح عنده =

ص: 74

واختار الشيخ تقي الدين [رحمه الله](1) الثاني؛ لأن فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تنوعه.

وقال (2) ابن عقيل في صلاة الخوف: إنها تنوعت بحسب المصالح؛ فتصلى (3) في كل وقت على صفة تكون مناسبة له (4).

= بعضها؛ كان مخيرًا بينها، ولم يُشرعْ له الجمع؛ فإنَّ هذا نوع ثالث لم يُرْوَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال؛ لأنه قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففعل ما لم يفعله قطعًا.

الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدِّية له، فإذا عبَّر عنه بإحدى العبارتين؛ حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة.

السادس: أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يُستحب الجمع بين البدل والمبدل معًا، كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال، واللَّه تعالى أعلم"، انتهى كلامه رحمه الله باختصار.

ومال ابنُ العربي المالكي إلى هذا وسبق به ابن القيم؛ فانظر شرحه "الموطأ": "القبس"(1/ 241 - 242).

(1)

أثبتناها من المطبوع و (ب)، وسقطت من (أ) و (ج).

قلت: راجع كلام ابن تيمية في "القواعد الفقهية النورانية"(ص 19).

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"وقاله".

(3)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"فيصلي".

(4)

كلام شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو أن تفعل هذا تارة وهذا تارة؛ لأنك لو اقتصرت على واحد منهما تركت السنة في الثاني، وأما ما ذكره ابن عقيل في صلاة الخوف؛ فهر صحيح أيضًا، وهو أن تنوعها في السنة بناءً على أن هذا أنفع وأصلح للجيش؛ فتتنوع بحسب المصالح، ولكن لا تخرج عن المشروع. (ع).

قلت: انظر كلام ابن القيم السابق؛ ففيه تأصيل وتقعيد لهذه المسألة.

ص: 75

وهل الأفضل الجمع بين ما أمكن جمعه من تلك الأنواع أو الاقتصار على واحد منها؟

هذا فيه نزاع في المذهب، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): مسح الأذنين، المذهب أنه يستحب مسحهما مرة [واحدة](1)؛ إما مع الرأس، أو بماء جديد، ولا يسن الجمع بينهما، وحكي عن القاضي عبد الوهاب بن جَلَبة (2) -قاضي حران-: أن الأفضل الجمع ببنهما؛ عملًا بالحديثين (3).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(2)

قال ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 43): "ذكر أبو العباس أحمد بن تيمية في أول "شرح العمدة": أن أبا الفتح بن جَلَبَة كان يختار استحباب مسح الأذنين بماء جديد بعد مسحهما بماء الرأس، وهو غريب جدًّا".

قلت: نقله ابن تيمة في "شرح العمدة"(1/ 191)؛ فقال: "وذكر القاضي عبد الوهاب وابن حامد أنهما يمسحان بماءٍ جديد بعد أن يمسحان بماء الرأس، وليس بشيء، لأنّ فيه تفضيلًا لهما على الرأس، ولأنّ ذلك خلاف المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه".

ونقله عنه أيضًا المرداوي في "الإِنصاف"(1/ 135 - 136).

وفي هامش نسخة (ب): "حكاه مجد الدين عنه -أي: القاضي ابن جلبة- في "شرح الهداية"".

والقاضي عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جَلَبة البغدادي ثم الحراني المقتول على يد الرافضة صلبًا سة (476 هـ) له ترجمه في "ذيل طبقات الحنابلة"(3/ 43) و"شذرات الذهب"(3/ 352).

(3)

مسح الأذنين، الصحيح أنك تمسحهما بما فضل من الرأس ولا تجدد، لكن على القول بأن التجديد وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ هل الأفضل أن تجدد مرة ولا =

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تجدد مرة أخرى؟

هذا هو الأفضل بناءً على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الأفضل أن تأخذ دائمًا، تجدد الماء؛ كما هو المذهب أخذ ماء جديد للأذنين، أو الأفضل أن تجمع بينهما وتمسح الرأس، ثم تمسح الأذنين بما فضل، ثم تأخذ ماءً جديدًا، ثم تمسح الأذنين.

يقول المؤلف: على رأي القاضي الحراني: إنك تجمع بينهما، ويرى أن هذا جمع بين الدليلين، وليس كذلك، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يفعل ذلك، ما فعلهما جميعًا، فإما أن نصحح حديث تجديد الماء ونقول: إنه من باب تنوع العبادات، وإما أن نضعفه ونقول: إنك لا تجدد مطلقًا. (ع).

قلت: والمذهب أنه لا يسن أخذ ماءٍ جديد للأذنين.

قال ابن تيمية في "الاختيارات"(ص 12): "وهو أصح الروايتين عن أحمد".

وفي "الإنصاف"(1/ 135): "اختاره القاضي في "تعليقه"، وأبو الخطاب في "خلافه الصغير"، والمجد في "شرح الهداية"، والشيخ تقي الدين".

وانظر في المسألة: "مسائل أبي داود"(ص 8)، و"مسائل ابن هانئ"(1/ 8).

أما دليل القائلين بالتجديد؛ فهو ما أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 151) و"معرفة علوم الحديث"(97 - 98) -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات"(رقم 132 - بتحقيقي) عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى؛ قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع، عن أبيه عبد اللَّه بن زيد الأنصاري؛ قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضّأ، فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه.

قال الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد اللَّه هذا؛ فقد احتجا بجميع رواته".

وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 151 - 152)، وفي السادس عشر من "الأمالي القديمة" -ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات" (8/ رقم 132) -: حدثنا أبو الوليد الفقيه غير مرة، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حرملة، به بلفظ:"مسح أذنيه غير الماه الذي مسح به رأسه"، وقال:"وهذا يصرح بمعنى الأول، وهو صحيح مثله". =

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحسنه النووي في "المجموع"(1/ 412)، وصرح بتصحيحه أيضًا (1/ 414)!!

قلت: ظاهر إسناد الحاكم الصحة من هذا الطريق؛ إلا أنَّ حرملة وعبد العزيز قد خالفهما غيرهما، فلم يذكرا الأذنين، بل وقع فيه اختلاف على حرملة نفسه كما سيأتي.

وقد تابعهما في روايته عن ابن وهب بذكر الأذنين: الهيثم بن خارجة.

أخرجه البيهقي في "الكبرى"(1/ 65) وفي "الخلافيات"(1/ رقم 133 - بتحقيقي) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا الهيثم بن خارجة، ثنا عبد اللَّه بن وهب، به، وقال:"وهذا إسناد صحيح، وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى عن ابن وهب، ورواه مسلم بن الحجاج في "الصحيح" (1/ 211/ رقم 336) عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأبي الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح: أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فذكر وضوءه؛ قال: "ومسح رأسه بماء غير فضل يديه"، ولم يذكر "الأذنين"".

ثم أخرجه من طريق أبي داود السجستاني في "السنن"(1/ 30/ رقم 120): ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا ابن وهب، به، وقال:"وهذا أصح من الذي قبله".

ونحوه في "المعرفة"(1/ 177) له أيضًا.

قلت: نعم، عدم ذكر الأذنين أصح من ذكرهما.

كذلك رواه غير واحد عن ابن وهب، خلافًا لهيثم بن خارجة وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص.

واختلف فيه على حرملة؛ فرواه ابن سلم، ثنا حرملة، به.

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (3/ 366 - 367/ رقم 1085 - مع "الإحسان": ثنا ابن سلم، به بلفظ مسلم بإسناد صحيح على شرطه.

وفي رواية ابن المقري عن ابن قتيبة عن حرملة به، ولم يذكر الأذنين أيضًا.

ذكره ابن دقيق العيد في "الإمام" كما في "التلخيص الحبير"(1/ 90).

وقد رواه عن ابن وهب هكذا جماعة، تقدم منهم ثلاثة ونزيد هنا أربعة:

الأول: علي بن خَشْرَم. =

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخرجه الترمذي في "الجامع"(1/ 50/ رقم 35): ثنا علي بن خشرم، أخبرنا ابن وهب، به، وقال:"حديث حسن صحيح".

الثاني: سريج بن النعمان.

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 41): ثنا سريج، ثنا ابن وهب، به.

الثالث: أحمد بن عبد الرحمن بن وهب.

أخرجه ابن خزيمة في "الصحيح"(1/ 79 - 80/ رقم 154)؛ نا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، نا عمي، ثني عمرو، به.

وأخرجه من طريقه أيضًا أبو عوانة في "المسند"(1/ 249).

والرابع: حجاج بن إبراهيم الأزرق.

أخرجه من طريقه أبو عوانة في "المسند"(1/ 249).

فهؤلاء السبعة رووا الحديث عن ابن وهب من غير ذكر أنه أخذ ماءً جديدًا لأذنيه!

وقد خالف ابن لهيعة عمرًا بن الحارث على زعم الترمذي بناءً على أن الرواية المعتمدة عنه أنه أخذ ماءً جديدًا!! كما رواه الهيثم وعبد العزيز بن عمران، فقال في "جامعه" (1/ 52):"ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد اللَّه بن زيد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديدًا".

واستشكل الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه عليه" هذا الموطن، وخَطَّأَ وقوعَ المخالفة بين الروايتين، وذلك بسبب عدم تتبع طرقه عن ابن وهب!!

ومن خلال تتبع الطرق السابقة عن ابن وهب عن عمرو يتبيَّن خطأ كلام الترمذي؛ إذ رواه ستةً على الوجه الذي رواه ابن لهيعة من غير ذكر الأذنين، وهذا هو الصواب، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 89 - 90/ رقم 95).

بقي بعد هذا أن نقول: أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 39 و 40) عن موسى بن داود، و (4/ 41) عن الحسن بن موسى؛ كلهم عن ابن لهيعة، عن حبان، به. من غير ذكر الأذنين أيضًا.

وعلَّق الحاكم عليه بقوله في "معرفة علوم الحديث"(98): "هذه سنة غريبة، تفرد =

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بها أهل مصر، ولم يشركهم فيها أحد".

ثم وجدتُ شيخنا الألباني حفظه اللَّه تعالى في تعليقه على حديث رقم (995) من "السلسلة الضعيفة" قد استطرد في الكلام على هذا الحديث، ووصل إلى ما ذكرته من شذوذ ذكر أخذ الماء الجديد للأذنين في هذا الحديث؛ فالحمد للَّه على فضله وتوفيقه.

واستدلَّ عبد الحق الإشبيلي بحديث آخر على الأخذ بماء جديد للأذنين، ولكنه لم يصح من جهة، ووهم في لفظه من جهة أخرى.

انظر: "نصب الراية"(1/ 22)، و"التلخيص الحبير"(1/ 90)، و"السلسلة الضعيفة"(رقم 995)، وتعليقي على "الخلافيات"(1/ 450).

والخلاصة: ما قاله ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 404) -ونقله عنه ابن تيمية في "شرح العمدة"(1/ 190) وأقرّه-: "وغير موجودٍ في الأخبار الثابتة التي فيها صفة وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذه لأذنيه ماءً جديدًا، بل في حديث ابن عباس: "أنه غرف غرفة؛ فمسح برأسه وأذنيه، داخلهما بالسبابتين، وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه؛ فمسح ظاهرهما وباطنهما" انتهى.

قلت: هذا من أدلة القائلين أنه يمسح بما يفضل من ماء الرأس.

وأخرجه عن ابن عباس ابن المنذر في "الأوسط"(1/ رقم 399، 400)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 18، 21)، وابن ماجه في "السنن"(1/ رقم 439)، والترمذي في "الجامع"(1/ 47).

وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 90): "صححه ابن خزيمة وابن منده".

واعتمد القائلون بالتجديد على أثر لابن عمر أخرجه مالك في "الموطأ"(رقم 82 - رواية أبي مصعب، و 47 - رواية يحيى) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(1/ 65 - 66) وفي "الخلافيات"(1/ رقم 135) - عن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه.

وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(1/ 65) وفي "الخلافيات"(1/ رقم 137) عن عبد اللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، ومالك بن أنس عن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر =

ص: 80

- (ومنها): الاستفتاح؛ فالمذهب أن الأفضل الاستفتاح بسبحانك اللهم (1) مقتصرًا عليه.

= كان يعيد أصبعيه في الماء؛ فيمسح بهما أذنيه.

قال البيهقي عقبه في "الخلافيات": "هذا إسناد صحيح، لا يشتبه على أحد".

وتابع مالكًا وعبد اللَّه في الرواية عن نافع:

1 -

أيوب، وعنه معمر، وعنه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 10، 12 - 13/ رقم 20، 30)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 402/ رقم 397).

2 -

ابن جريج، وعنه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 10، 11 - 12/ رقم 19، 26)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 402 - 403/ رقم 398).

3 -

يحيى بن سعيد، أخرجه أبو عبيد في "الطهور" (رقم 349 - بتحقيقي): ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد وابن جريج، به بلفظ:"كان يأخذ لرأسه ماء جديدًا".

قال ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 405): "وقد كان ابن عمر يشدّد على نفسه في أشياء من أمر وضوءه، من ذلك أخذه ماءً جديدًا. . . ".

واعتمد القائلون بالمسح من الماء الذي يمسح به الرأس على "الأذنان من الرأس"، وهو مروي عن جمع من الصحابة موقوفًا ومرفوعًا، والصحيح الأول كما بيّنتة بما لا مزيد عليه في تعليقي على "الخلافيات"(1/ 347 - 450)، وللَّه الحمد.

(1)

ورد هذا الاستفتاح فى جملة أحاديث، أقواها موقوفًا على عمر رضي الله عنه.

أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، 1/ 299/ رقم 52) من طريق الأوزاعي عن عبدة، عن عمر، به.

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(4/ 111 - 112): "قال أبو علي الغساني: هكذا وقع: عن عبدة أن عمر، وهو مرسل، يعني أن عبدة وهو ابن ابي لبابة لم يسمع من عمر".

ثم ذكر أن مسلمًا أورده عرضًا لا قصدًا، وكذا قال رشيد الدين العطار في "غرر الفوائد المجموعة"(ص 778 - بتحقيقي)، وكذا الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 229) وقال:"وفي إسناده انقطاع". =

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وانظر: "جامع التحصيل"(رقم 481).

وأخرجه من طريق الأسود بن يزيد؛ قال: سمعتُ عمر افتتح الصلاة وكبر. . (وذكره): عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 43)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 92)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 198)، والدارقطني في "السنن"(1/ 300)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 34 - 35).

وإسناده صحيح، صححه الحاكم والذهبي والدارقطني؛ فقال بعد أن أورده مرفوعًا:"والمحفوظ عن عمر من قوله كذا رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر، وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر من قوله، وهو الصواب".

قلت: وأخرجه من طريق إبراهيم عن علقمة به: ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 143)، وأبو عبيد في "الطهور"(رقم 96)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 198)، وابن المنذر في "الأوسط"(3/ 82/ رقم 1267)، وأبو يوسف في "الآثار"(رقم 101)، والدارقطني في "السنن"(1/ 301).

والحديث صح مرفوعًا من غير طريق عمر رضي الله عنه.

أخرجه الترمذي في "الجامع"(رقم 243)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 806)، وإسحاق بن راهويه في "المسند"(رقم 457)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 617)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 198)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 239)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 289)، وابن المنذر في "الأوسط"(3/ 81 - 82 رقم 1265)، والطبراني في "الدعاء"(رقم 502)، والدارقطني في "السنن"(1/ 301)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 34)؛ من طريق حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة؛ قالت:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال. . . "(وذكرته).

قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تُكلِّم فيه من قِبَلِ حفظه".

وقال البيهقي: "وهذا لم نكتبه إلا من حديث حارثة بن أبي الرجال، وهو ضعيف".

وأخرجه أبو داود في "سننه"(رقم 776)، والدارقطني في "السنن"(1/ 299)، =

ص: 82

واختار ابن هبيرة (1) أن الجمع بينه وبين الاستفتاح بوجهت وجهي (2)

= والحاكم في "المستدرك"(1/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 34)؛ من طريق طلق بن غنام، عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة.

قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 228): "ورجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع".

قلت: نعم، أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة.

قال العقيلي عقبه: "وقد روي من غير وجهٍ بأسانيد جياد".

قلت: نعم، ورد عن أبي سعيد عند أبي داود في "السنن"(رقم 775)، والنسائي في "المجتبى"(1/ 143)، والترمذي في "الجامع"(4/ رقم 242)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 804)، وأحمد في "المسند"(3/ 50)؛ والدارمي في "السنن"(1/ 282)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 116)، والطبراني في "الدعاء"(رقم 501)، والدارقطني في "السنن"(1/ 300)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 34 - 35).

وإسناده حسن، وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار"(ق 37/ أ)، وضعفه أحمد كما في "بدائع الفوائد"(4/ 91).

وفي الباب عن أنس وابن مسعود.

ونقل ابن القبم في "بدائع الفوائد"(3/ 92 و 4/ 91) عن أحمد في رواية حنبل: أنه كان يستفتح استفتاح عمر، وكذا في "مسائل أبي داود"(30).

(1)

في كتابه "الإفصاح"(1/ 275 - 278)، ونقله عنه ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 280).

(2)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم 771)، وأبو داود في "السنن"(رقم 760)، والترمذي في "الجامع"(رقم 266، 3421، 3422)، والنسائي في "المجتبى"(2/ 129، 130)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 231)، والدارمي في "السنن"(2/ 282)، وأحمد في "المسند" (1/ =

ص: 83

أفضل، وذكر الشيخ تقي الدين [رحمه الله](1) أنه يستفتح كذلك (2)، ولكن ورد في الجمع أحاديث (3) متعددة، وفيها ضعف، وبتقدير ثبوتها؛ فلا (4) تكون المسألة من هذا القبيل (5).

= 102)، والطيالسي في "المسند"(رقم 152)، وابن المنذر في "الأوسط"(3/ 81/ رقم 1264)، والطبراني في "الدعاء"(رقم 493 - 498)، وأبو عوانة في "مسنده"(2/ 110 - 112)، وأبو يعلى في "المسند"(رقم 285، 574)، وابن خزيمة في "الصحيح"(رقم 462 - 464)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 179)، وابن حبان في "الصحيح"(5/ رقم 1762 - 1765 - "الإِحسان")، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 32، 33) وفي "الدعوات الكبير"(رقم 72)، وغيرهم؛ عن علي بن أبي طالب؛ قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبَّر، ثم يقول. . . "(وذكره).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(2)

كذا في المطبوع ونسختي (أ) و (ب)، وفي نسخة (ج):"بذلك".

(3)

منها: حديث عبد اللَّه بن عمر؛ قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة؛ قال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].

أخرجه الطبراني في "الدعاء"(رقم 500) و"الكبير"(12/ 353) بسندٍ ضعيف من أجل عبد اللَّه بن عامر الأسلمي.

وانظر: "المجمع"(2/ 107).

(4)

في (ج): "لا" بدون الفاء.

(5)

الاستفتاح ورد على وجوه متعددة، الأفضل أن تستفتح على المذهب بسبحانك اللهم وبحمدك، هذا الذي اختاره الإمام أحمد رحمه الله، ومشى عليه أصحابه.

وذكر ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 205 - 206 - ط مؤسسة الرسالة) نحو عشرة =

ص: 84

- (ومنها): إجابة المؤذن؛ هل يشرع فيها الجمع بين الحيعلة والحوقلة، أم لا؟ وكذا في التثويب في الفجر؟

فيه وجهان (1).

= أوجه ترجحه على غيره، ولكن الصحيح خلاف ذلك، الصحيح أنك تستفتح بهذا وتستفتح بهذا؛ لحديث أبي هريرة:"اللهم باعد بيني وبين خطاياي".

وحديث أبي هريرة يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجمع بين الاستفتاحات؛ لأنه سئل ماذا نقول؟ فقال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي. . . "، ولو كان يقول شيئًا آخر؛ لبينه. (ع).

قلت: قال ابن القيم في "الزاد"(1/ 204) بعد أن سرد جمعًا من الأحاديث الصحيحة فيها بيان هديه صلى الله عليه وسلم فى الاستفتاح: "فكل هذه الأنواع صحت عنه صلى الله عليه وسلم"، ثم قال:"وإنما اختار أحمد هذا -أي: استفتاح عمر-؛ لعشرة أوجه، قد ذكرتُها في مواضع أخرى. . . وسرد ستة منها".

وحديث: "اللهم باعد. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه"(744)، ومسلم في "صحيحه"(رقم 598)، وأبو داود في "السنن"(رقم 781)، والنسائي في "المجتبى"(2/ 129)، وغيرهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

(1)

والصحيح أنه لا يجمع، لأنَّ جمعه بعيد من المعنى، المؤذن يقول:(حي على الصلاة)؛ فهو يدعوك، فإذا قلت أنت:(حي على الصلاة)؛ دعوته، فكأنه يقول: تعال صلِّ في المسجد، وتقول: تعال صلِّ في البيت، فيتنافيا، ولهذا نقول: إنه يقول: (لا حول ولا قوة إلا باللَّه) فقط، وكذلك التثويب، وهو قوله:(الصلاة خير من النوم)، وسمي تثويبًا من الثوب، وهو الرجوع؛ كأن المؤذن رجع إلى الدعوة مرة أخرى، والصحيح في التثويب أنك تقول كما يقول فقط، دون (لا حول ولا قوة إلا باللَّه)، ولا يوجد دعاء. (ع).

قلت: أخرج الطبراني في "الدعاء"(رقم 458)، وأبو يعلى في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك" -كما في "فتح القدير"(1/ 249 - 250) لابن الهمام، وساق سنده ومتنه، وهو ليس في مطبوعه-؛ عن أبي أمامة رفعه: "من نزل به كرب أو شدة؛ فليتحيّن المنادي، =

ص: 85

- (ومنها): سنة الجمعة بعدها نقل إبراهيم الحربي عن أحمد رحمه الله: أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأربع ركعات (1)، وصلى هو ركعتين (2)، فأيهما

= فإذا كبَّر؛ كبَّر. . . إلخ"، وفيه: "وإذا قال: حي على الصلاة؛ قال: حي على الصلاة، وإذا قال: حي على الفلاح؛ قال: حي على الفلاح".

فهذا حديث فيه تصريح بقول مستمع الأذان، "حي على الصلاة"، و"حي على الفلاح"، ولكن إسناده ضعيف، فيه عفير بن معدان.

وحجة القائلين بالجمع بن الحوقلة والحيعلة ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم الصحيح: "فقولوا مثل ما يقول"، ولكنه ورد مفسرًا بطرق صحيحة:". . . ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. . . "؛ فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين، ويؤيّده فعل السلف؛ إذ لو كان الجمع مشروعًا ومرغبًا فيه؛ لنقل عنهم رضوان اللَّه عليهم.

ونقل ابن الهمام في "فتح القدير"(1/ 249، 250) عن القائلين بالجمع صحة اعتبار المحيب بهما، فيكون داعًا لنفسه، محركًا منها السواكن، مخاطبًا لها، ثم قال:"وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما؛ فيدعو نفسه، ثم يتبرأ من الحول والقوة، ليعمل بالحديثين".

قلت: ما أحسنه لو نُقل عن السلف، أَمَا والأمر ليس كذلك؛ فيتوقف على المبيّن، واللَّه الموفق.

أما الدعاء بعد التثويب بـ: "صدقت وبررت" كما عليه عامة الناس من العوام؛ فهو مما "لا أصل له"؛ كما قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 211).

(1)

أخرج مسلم في "صحيحه"(رقم 881) عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم الجمعة؛ فَلْيُصَلِّ بعدها أربعًا".

وأخرجه أيضًا الحميدي في "مسنده"(رقم 976)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 133)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ رقم 1878، 1879)، وابن خزيمة في "الصحيح"(3/ رقم 1874)، وغيرهم.

(2)

أخرج البخاري في "صحيحه"(رقم 937، 1165، 1172، 1180)، ومسلم في "صحيحه"(رقم 729، 882)، وأبو داود في "السنن"(رقم 1132)، والترمذي في =

ص: 86

فعلت فحسن، وإن أردت أن تحتاط؛ صليت ركعتين وأربعًا؛ جمعت فعله وأمره. وهذا مذهب غريب لاستحباب الست، [و](1) أما الأصحاب؛ فلم يستندوا [إلا](2) إلى ما نقل عن بعض الصحابة من صلاته ست [ركعات](3).

= "الجامع"(رقم 521)، والنسائي في "المجتبى"(3/ 112)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 247)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 132)، وابن خزيمة في "صحيحه"(3/ 82)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ رقم 1877)، وغيرهم؛ عن ابن عمر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي قبل الظُّهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يُصلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين". لفظ البخاري.

(1)

سقطت "و" من نسخة (أ).

(2)

سقطت "إلا" من نسخة (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ويشير المصنف إلى قول الترمذي في "جامعه"(2/ 401 - 402): "وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه أمر أن يُصَلَّى بعد الجمعة ركعتين ثم أربعًا، وقال عطاء: رأيتُ ابن عمر رضي الله عنهما صلَّى بعد الجمعة ركعتين ثم صلى بعد ذلك أربعًا".

قلت: أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 5525)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 132)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ رقم 1881)؛ من طريق عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي؛ قال: "كان عبد اللَّه بن مسعود يأمرنا أن نصلي

قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا، حتى جاءنا علي؛ فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا".

وفات هذا الأثر الأستاذ يوسف أوزبك في "مسند علي"، وهو على شرطه في الجزء الخامس منه؛ لأن ذكر عليٍّ جاء في آخره؛ فلا ينتبه له منى يجمع جمعه، وفقنا اللَّه وإياه للخيرات.

وأخرج أبو داود في "السنن"(رقم 1130)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ =

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 246 - 247)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ رقم 1882) بسندٍ جيد:"إذا كان ابن عمر بمكة، فصلَّى الجمعة؛ تقدّم فصلَّى ركعتين، ثم تقدّم فصلَّى أربعًا".

وأخرج ابن المنذر في "الأوسط"(4/ رقم 1883) عن أبي موسى الأشعري: "أنه كان يصلِّي بعد الجمعة ستًّا".

تنبيه:

المراد من صلاة ابن مسعود قبل الجمعة أنه كان يفعل ذلك تطوعًا إلى خروج الإمام، انظر تفصيل ذلك في "الباعث"(ص 288 - بتحقيقي) لأبي شامة المقدسي.

قال الشيخ ابن عثيمين: "أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي الإنسان بعد صلاة الجمعة أربعًا، ثبت ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الجمعة؛ فليصل بعدها أربعًا"، وثبت عن فعله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه كان يصلي ركعتين.

ولم يقل أحد: إن اقتصرت على ركعتين فحسن، وإن اقتصرت على أربع فحسن، وإن جمعت بينهما فحسن أيضًا؛ لكن شيخ الإسلام رحمه الله جمع بين الصفتين بجمع آخر، فقال: إن صليت في المسجد مكانك؛ فصل أربعًا، وإن صليت في بيتك؛ فصل ركعتين. فحمل أمر النبي عليه الصلاة والسلام على شيء، وفعله على شئ، وهو جمع حسن، وقال بعضهم، من فوائد ذلك: إنَّك إنْ صلَّيتَ أربعًا في المكان؛ فإنَّ هذا لإِبعاد أن تكون صليت ركعتين في هذا المكان تكميلًا للجمعة، فإذا صليت أربعًا؛ زال هذا الإيهام، وهذا إنما يتأتى إذا كانت الأربعة بتسليمةٍ واحدةٍ، أما إن كانت بتسليمتين، فلا تقبل هذه العلة، واللَّه أعلم" انتهى.

قلت: ورجع ابن القيم في "الزاد"(1/ 440) التفصيل المذكور، ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية.

والتعليل المذكور في كلام الشارح حفظه اللَّه يتحقق بما ورد في الأدلة من النهي عن وصل السنة بصلاة الجمعة، وحثت على الفصل بينهما بقيامٍ أو كلامٍ، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، على ما فصله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(24/ 202 - 203). =

ص: 88

- (ومنها): ألفاظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد؛ فإنه [قد](1) ورد فيها: كما صليت على آل إبراهيم (2)، وورد: كما صليت على إبراهيم (3)؛ فهل يقال: الأفضل الجمع بينهما؟

فإن من الأصحاب من اختار الجمع بينهما (4)، وقد يكون مستنده جمع الروايتين، وأنكر الشيخ [تقي الدين](5) رحمه الله ذلك، وقال: لم

= فهما (أي: الفصل أو الكلام) أقوى في عدم قبول العلّة من حصول الأربع ركعات بتسليمة واحدة، وإن فصل بينهما بسلام؛ فلعل العلة المذكورة تتحقق بوجه قوي عند العوام؛ إذ يقع الظن عندهم أن أول ركعتين تتمة للظهر، والأخرتان هما السنة البعدية.

وعلى أيّ حال التفريق المذكور يحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ.

وقال شيخنا الألباني في "تمام المنة"(341): "هذا التفصيل لا أعرف له أصلًا في السنة"؛ فالصواب تخيير المصلي أن يفعل أيهما شاء، والتنويع هو الهدي؛ إذ يدور حينئذ بين الامتثال للقول وإصابة الفعل، واللَّه الموفق والهادي.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(2)

ورد هذا اللفظ في حديث كعب في "صحيح البخاري"(رقم 4797)، وحديث أبي حميد الساعدي في "صحيح البخاري"(رقم 3369، 6360)، وغيرهما؛ كما تراه في "جلاء الأفهام".

(3)

ورد هذا اللفظ في أحاديث عديدة؛ منها: حديث أبي سعيد الخدري في "صحيح البخاري"(رقم 4798، 6358)، وحديث طلحة بن عبيد اللَّه عند أحمد في "المسند"(1/ 162)، وغيره؛ كما تراه في "جلاء الأفهام"(ص 81 - 82 - بتحقيقي).

(4)

وإليه ذهب النووي في "الأذكار"(1/ 196 - تحقيق الأخ سليم الهلالي).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وأثبتناه من النسخ الخطية، وقد أنكر الجمع ابنُ القيم في "جلاء الأفهام"(ص 419 - بتحقيقي)، ونقله عن شيخه ابن تيمية -وهو في "فتاويه"(1/ 16) -، وتعقبهما ابن حجر في "الفتح"(11/ 134) وشيخنا الألباني في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"(ص 166 - ط المعارف).

ص: 89

يبلغني فيه حديث مسند ثابت بالجمع بينهما، ولا يصح أن يجمع بين الروايتين؛ لأنه كان يقول هذا تارة وهذا تارة؛ فأحد اللفظين بدل عن الآخر، ولا يصح الجمع بين البدل والمبدل. كذا قال، وقد ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما من حديث كعب بن عجرة (1)، وأخرجه النسائي من حديث كعب أيضًا ومن حديث طلحة (2).

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 6357)، وخرَّجتهُ بإسهابٍ وتفصيلٍ في تحقيقي لـ"جلاء الأفهام"(ص 72 - 73) لابن القيم رحمه اللَّه تعالى.

(2)

حديث كعب بالجمع بين اللفظين عند النسائي في "المجتبى"(3/ 48)، وفي "عمل اليوم والليلة"(رقم 54)؛ وفي "السنن الكبرى"(1/ رقم 1212)؛ وغيره؛ كما تراه في تعليقي على "جلاء الأفهام"(ص 72، 73).

وحديث طلحة عد النسائي في "المجتبى"(3/ 48)، و"السنن الكبرى"(رقم 1122)، و"عمل اليوم والليلة"(رقم 52).

وورد الجمع من أحاديث غيرهما؛ كما بيّنتهُ في تعليقي على "جلاء الأفهام"(ص 419).

ووقع في مطبوع كتابنا "ومن حديث أبي طلحة"، وكذا في نسخة (ج) بزيادة (أبي) دون نسختي (أ) و (ب)، وكلمة (أبي) مثبتة فيهما في الهامش، والصواب حذفها.

قال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "العلماء إذا نقلوا كلام شخص من أهل العلم ثم قالوا: "كذا قال" يسمون هذا تعقيبًا، يعني أن الناقل لم يرتضِ ما قاله المنقول عنه، وهو كذلك؛ فإن لحديث ثابت في "صحيح البخاري"، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد"، أو: "كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ولا يجمع بينهما بناءً على أنه لم يبلغه الحديث، ولكن ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما، يعني مع الإِفراد، لا يعني أنه ما ورد إلا مجموعًا، ورد منفردًا ومجموعًا، يعني ورد: "كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد"، وورد: =

ص: 90

(القاعدة الثالثة عشرة)(1)

إذا وجدنا [أثرًا](2) معلولًا لعلة، ووجدنا في محله علة صالحة له، ويمكن أن يكون الأثر معلولًا لغيرها، لكن لا يتحقق وجود غيرها؛ فهل يحال ذلك الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا؟

في المسألة خلاف، ولها صور كثيرة [قد يقوى](3) في بعضها الإِحالة

= "كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ويجمع بين هذا وهذا، فيقال:"كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم".

وقول شيخ الإسلام: لا يجمع بينهما، لأنه لم يرد فيما بلغه الجمع بينهما، وكل واحد عنده بدل عن الأخرى، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه، هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام، لكن يقول ابن رجب:"كذا قال"، ولم يرتضه، وبين أنه قد ثبت في "صحيح البخاري" الجمع بينهما، وعلى هذا؛ فلا يكون من هذه القاعدة؛ لأنه وردت النصوص في الجمع بينهما، حينئذٍ نقول: الأفضل أن يجمع بينهما؛ لأنه زيادة، وفي هذا دليل على قصور الإنسان مهما بلغ في العلم؛ فمثلًا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال فيه الذهبي رحمه الله:"كل حديث لا يحفظه شيح الإسلام؛ فليس له أصل" يفوته مثل هذا، لكن فيما يظهر لي أن النسخة التي كانت عند شيخ الإسلام ابن تيمية من "الصحيح" سقط على نساخها هذا الحديث، واللَّه أعلم". (ع).

(1)

في (أ): "قاعدة".

(2)

في المطبوع: "أثر"، والصواب ما أثبتناه؛ كما في النسخ الخطية.

(3)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ):"تقوى"، وفي (ج):"وقد يقوى".

ص: 91

وفي بعضها العدم؛ لأن الأصل (1) أن لا علة سوى هذه المتحققة (2)، وقد يظهر في بعض المسائل الإحالة عليها؛ فيتوافق الأصل [و](3) الظاهر، وقد يظهر الإِحالة على غيرها؛ فيختلفان (4).

- (فمن صور [تلك] (5) المسألة): ما إذا وقع في الماء نجاسة، ثم غاب عنه، ثم وجده متغيرًا؛ فإنه يُحْكَمُ بنجاسته عند الأصحاب إحالة للتغيير (6) على النجاسة المعلوم وقوعها فيه، والأصل عدم وجود مغير غيرها.

وخرج بعض المتأخرين فيه وجهًا آخر: أنه طاهر من مسألة الصيد الآتية.

و [الأولى](7) أولى؛ لأن الأصل طهارة الماء؛ فلا يزال عنها بالشك (8).

(1) على هامش (ب) قال: "المراد بالأصل هنا المستحب".

(2)

في (ب): "المحققة".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(4)

كتب هنا على هامش (ب): "كما في مسألة الصيد الآتية على الرواية الثالثة".

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"للتغير".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(8)

معنى (معلولًا لعلة): يعني أثرًا سببه ظاهر، وجدنا هذا الأثر وسببه معلوم، ووجدنا في محله علة صالحة له، العلة الثانية يعني في نفس المحل، ويمكن أن يكون الأثر معلولًا لغيرها، لكن لا يتحقق وجود غيرها؛ فهل يحال الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا؟

فيه خلاف، مثاله: ماء سقطت فيه نجاسة شاهدناها، النجاسة علة معلومة للتنجيس، تركنا هذا الماء ثم جئنا بعد مدة ووجدناه متغيرًا، لكن هذا التغير يحتمل أنه من =

ص: 92

- (ومنها): ما إذا وجد من النائم قبل نومه سبب يقتضي خروج

= النجاسة التي كانت معلومة عندنا، ويحتمل أنه من شيء آخر طارئ غير النجاسة؛ هل نحيل الحكم على العلة المعلومة لنا وهي النجاسة، أو نحيل الحكم على العلة الثانية التي يحتمل أن تكون هي المؤثرة؟

فيه خلاف.

يقال بوجه عام: إذا وقع في الماء نجاسة، ثم غاب عنه، ثم وجده متغيرًا؛ فإنه يحكم بنجاسته عند الأصحاب، إحالة للتغير على النجاسة المعلوم وقوعها فيه، يعني إحالة للحكم على السبب المعلوم الذي هو النجاسة، والأصل عدم وجود مغيّر غيرها.

مثال آخر: روث حمار سقط في ماء وما تغير، فوجدناهُ بعد مدة متغيرًا بروث، ولكن ما تدري هو روث الحمار الذي علمناه أو أنه روث بعير -وهو طاهر-؛ فهل نقول: إن الأصل لم يتغير إلا بالعلة المعلومة؛ فعلى هذا يكون نجسًا، أو نقول: يمكن أن يكون متغيرًا لعلة أخرى، وهي روث البعير، وهي طاهرة؛ فيكون طاهرًا.

المذهب عند الأصحاب: يحال الحكم على العلة المعلومة؛ لأن الأصل عدم وجود غيرها.

بعض المتأخرين خرّج وجهًا آخر من مسألة الصيد، وهي أن الإنسان إذا رمى صيدًا وغاب عنه ووجده بعد يوم أو يومين ميتًا وليس فيه إلا أثر سهمه؛ يكون حلالًا، مع ورود احتمال أنه مات بغير السهم، فمن الممكن أن يكون هذا الطائر لما عجز عن الطيران بسبب السهم مات من الجوع أو من الظمأ، فيكون حرامًا، لكننا نحيله على السبب المعلوم، ولكن لو وجدته غريقًا في الماء؛ هل يحل أم لا؟

لا يحل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا تدري الماء قتله أم سهمك؟ "، لكن إذا علمت أن الذي قتله سهمك؛ فهذا يحل؛ لأن التعليل الذي علل به الرسول صلى الله عليه وسلم قد زال، ومسألة الصيد ستأتي إن شاء اللَّه.

وفيه أيضًا وجه آخر خرجه بعض المتأخرين، قال: إن الأصل طهارة الماء؛ فلا تزول بالشك، لكن الأصل أنه ما تغير إلا بما هو معلوم. (ع).

ص: 93

المذي منه من تفكر أو ملاعبة ونحوهما (1) ثم نام واستيقظ ووجد بللًا لم يتيقنه منيًا، ولم يذكر حلمًا؛ [فإن] (2) المنصوص عن أحمد [رحمه الله] (3): أنه لا غسل عليه؛ إحالة للخارج على السبب المتقين، وهو المقتضي لخروج المذي؛ لأن الأصل عدم وجود غيره، وقد تيقن وجوده.

وحكي عن أحمد [رحمه الله](4) رواية أخرى بوجوب الغسل (5).

- (ومنها): لو جرح صيدًا جرحًا غير مُوَحّ (6)، ثم غاب عنه ووجده ميتًا ولا أثر فيه غير سهمه؛ فهل يحل أكله؟

على روايتين:

أصحهما: أنه يحل؛ لحديث عدي بن حاتم (7).

(1) في (أ): "ونحوها".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "فـ".

(3)

و (4) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(5)

الأصل عدم وجوب الغسل، فلا يجب الا بيقين، والاحتياط أن تغسل ما أصابك منه؛ لاحتمال أن يكون مذيًا، وتغتسل لاحتمال أن يكون منيًا؛ فتجمع بين الأمرين، أما إذا وجد سبب ظاهر يمكن إحالة الحكم عليه، مثل أن يتقدم نومه مداعبة أو تفكير، ثم ينام على ذلك ولا يذكر احتلامًا في نومه؛ فإن الحكم يحال على ما تيقنه؛ فيجب عليه أن يغسل ما أصابه ويغسل ذكره وأنثيبه، ولا يجب عليه الغسل إحالةً على هذا السبب المعلوم، أما إذا تيقنت أنه مني؛ فالأمر ظاهر، يجب عليه أن يغتسل لأنه تيقنه، وقد ينام الانسان ويحتلم ولا يذكر احتلامًا، والشارع علق الحكم على رؤية الماء. (ع).

(6)

يقال: وحَّى فلان ذبيحته إذا ذبحها ذبحًا سريعًا، والمراد هنا المميت والقاتل يقينًا.

(7)

قال في هامش نسخة (ب): "قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إذا أرسلت كلبك =

ص: 94

والثانية: لا يحل؛ لقول ابن عباس [رضي الله عنهما](1): "كل ما أصميت، ودع ما أنميت"(2)، ولذلك تسمى مسألة الإصماء والإنماء.

= المعلم، فقتل؛ فكل، وإذا أكل؛ فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه. قلت: أرسل كلبي فأجدُ معه كلبًا آخر؟ قال: فلا تأكل؛ فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر".

قلت: والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم 5476)، ومسلم في "صحيحه"(رقم 1929) بنحوه؛ عن عدي.

وله ألفاظ عديدة تجدها مع تخريجها في "الموافقات" للشاطبي (4/ 362 - بتحقيقي).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(2)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 27/ رقم 12370) عن ابن عباس مرفوعًا بإسناد ضعيف، فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، قاله ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 136).

وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(9/ 241) و"المعرفة"(13/ 449/ رقم 18800، 18802)، من طريقين عن ابن عباس موقوفًا، وهو أشبه.

وصححه البيهقي موقوفًا، وضعَّف المرفوع.

وانظر: "فتح الباري"(9/ 611)، و"مجمع الزوائد"(4/ 162)، و"تخريج العراقي لأحاديث الإحياء"(2/ 96).

وللمرفوع شاهد من حديث عمرو بن تميم عن أبيه عن جده؛ كما عند أبي نعيم في "المعرفة"، وفيه محمد بن سليمان بن مشمول، وقد ضعفوه.

وانظر: "من روى عنه أبيه عن جده"(ص 493)، و"لسان الميزان"(2/ 73).

ومعنى الحديث: أي ما أصابه السهم فأسرع بموته وأنت تراه، من (الإِصماء)، وهو أن تقتل الصيد مكانه، و (الإِنماء) أن تصيبه إصابة غير قاتلة في الحال، ومعناه: أن ما أصبته ثم غاب عنك فمات بعد ذلك؛ فلا تأكله؛ فإنك لا تدري أمات بصيدك أم بعارضٍ آخر.

قلت: انظر في تفصيل هذا المعنى وأحكامه: "تفسير القرطبي"(6/ 71 - 72)، =

ص: 95

وفيه رواية ثالثة: أن غاب عنه ليلة لم يحل، وإلا؛ حل.

وفيه حديث مرفوع، [و] فيه ضعف (1)، وعلل بأن هوام الليل كثيرة (2)؛ فكأن الظاهر هنا -وهو وجود سبب آخر حصل منه الزهوق- قوي على الأصل، وهو عدم إصابة غير السهم له (3).

= و"فتح الباري"(9/ 611)، و"معرفة السنن والآثار"(13/ 449 - 450)، و"الاستذكار"(15/ 280).

(1)

يشير المصنف إلى المراسيل في هذا الباب، من مثل ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" (رقم 282) من طريق عطاء بن السائب؛ قال: عن عامرٍ "أن أعرابيًا أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظَبْيًا، فقال: من أين أصبت هذا؟ قال: رَمَيْتُة أمس، فطلبتُه، فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت، فلما أصبحت اتبعت أثره، فوجدته في غار أو في أحجار، وهذا مشقصي فيه أعرفه. قال: بات عنك ليلةً ولا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه، لا حاجة لي فيه".

وما أخرجه أبو داود في "المراسيل" أيضًا (رقم 483)، والبيهقي في "الكبرى" (9/ 241) عن أبي رزين؛ قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصيد فقال: إني رميته بالليل فأعياني، ووجدت سهمي فيه من الغد، وقد عرفت سهمي؛ فقال: الليل خلق من خلق اللَّه عظيم، لعله أعانك عليها بشيء أبعدها عنك".

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"كثير".

(3)

جرح صيدًا جرحًا غير مُوحٍّ -أي: مميت-، ثم غاب عنه ووجده ميتًا ولا أثر له غير سهمه؛ فيأكله إعمالًا للسبب المعلوم والعلة الظاهرة، وهو أنه لم يمت بغير هذا السهم، مع احتمال أنه مات بغيره، لكن الأصل أنه مات به، فيكون حلالًا؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا غاب عنك ولم تجد فيه إلا أثر سهمك؛ فكل إن شئت"، فأذن النبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل إذا لم يجد فيه إلا أثر سهمه، وإن كان موحيًّا الجرح، فإنه أبلغ، ويكون حِلُّه أوضحَ، وفيه الرواية الثانية عن أحمد: لا يحل؛ لأثر ابن عباس الذي ذكره، ولكن هذه الرواية ضعيفة، لأنها مخالفة للحديث، وفي الرواية الثالثة =

ص: 96

- (ومنها): لو جرح المحرم صيدًا جرحًا غير مُوَحٍّ، ثم غاب عنه، ثم وجده ميتًا؛ فهل يضمنه كله أو أرش الجرح؟

على وجهين، وجزم بعض الأصحاب بضمان أرش الجرح فقط؛ لأنه المتيقن، والأصل براءة الذمة (1).

- (ومنها): لو جرح آدميًا معصومًا جرحًا غير موح، ثم مات وادعى أنه مات بسبب غير سراية جرحه، وأنكر الولي؛ فالقول قول الولي مع يمينه، ولم يحك أكثر الأصحاب في ذلك خلافًا إحالة للزهوق على الجرح المعلوم.

وفي "المجرد"(2): أنه إن مات عقيب الجرح؛ فالقول قول الولي؛

= التفصيل بأنه إن غاب عنك ليلة لم يحل، وإلا لو وجدته في نهارك حل، تعليل هذه الرواية يقول: لأنه في الليل تكثر الهوام، ربما أنه أصابه شيء من هذه الهوام؛ فمات به، فنحن في شك: هل مات بالسهم أو مات بهذه الهوام؛ فلا يحل، لكن هذا أيضًا ما دام الحديث الذي أشار إليه المؤلف ضعيفًا؛ فإننا نأخذ بالحديث الصحيح: حديث عدي بن حاتم، وهو أوسع وأيسر. (ع).

(1)

المُحْرِم يَحْرم عليه الصيد، فلو جرح صيدًا جرحًا غير موح، وغاب الصيد ثم وجده ميتًا؛ هل يضمنه أو يضمن أرش الجرح فقط، يضمنه كله؛ لأن الأصل أنه لم يمت إلا بسهمه، وأما الوجه الثاني؛ فإنه يقول: لا يضمنه؛ لأن الأصل براءة الذمة، لكن هذا الأصل عورض بظاهر، وهو أن الظاهر أنه مات بهذا السهم، والصحيح أنه يضمنه، وعلى القول بأنه يضمن أرش الجرح فقط، نقول: هذا الصيد يساوي لو لم يكن مجروحًا خمسة دراهم، وإذا كان مجروحًا أربعة دراهم؛ فيكون الضمان الذي عليه درهمًا واحدًا، واللَّه أعلم. (ع).

(2)

هو للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفرَّاء (ت 458 هـ)، =

ص: 97

وإن مات بعد مدة يندمل الجرح في مثلها، [فإن قامت](1) بينة بأنه لم يزل ضمنًا من الجرح حتى مات؛ فكذلك (2)، وإلا؛ فالقول قول الجاني.

وفيه وجه آخر: أن القول قول الولي (3).

- (ومنها): لو قال لأمته ولها ولد: هذا الولد مني؛ فهل يثبت بذلك استيلاد الأمة؟

= ونَقْلُ المصنف عنه كثير جدًّا، وعدّه أستاذنا محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية"(ص 247) من الكتب المفقودة.

ومن الفوائد المهمة جدًّا عنه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(30/ 299 - 300)، قال:"فالقاضي رضي الله عنه صنَّف "المجرد" قديمًا، بعد أن صنف "شرح المذهب"، وقبل أن يحكم "التعليق" و"الجامع الكبير"، وهو يأخذ المسائل التي وضعها الناس، وأجابوا فيها على أصولهم؛ فيجيب فيها بما نص عليه أحمد وأصحابه، وبما تقتضيه أصوله عنده؛ فربما حصل في بعض المسائل التي تتفرع وتتشعّب ذهول للمفرع في بعض فروعها عن رعاية الأصول والنصوص في نحو ذلك". وقارنه بـ"المدخل المفصَّل"(2/ 709) للشيخ بكر أبو زيد.

(1)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"وقامت".

(2)

قال هنا في هامش (أ) و (ج): "أعني: [في] الصورة الثالثة".

(3)

الصواب الأول إحالةً للحكم على السبب المعلوم؛ فهذا إنسان جرح شخصًا جرحًا غير قاتل، ثم إن هذا الرجل المجروح مات، فادعى ولي المقتول أنه مات بهذا الجرح، وادعى الجارح أنه مات بسبب آخر؛ فالقول قول الولي؛ لأنّ لدينا سببًا معلومًا، والسبب الثاني غير معلوم، والأصل عدمه، ومثل ذلك لو أنَّ أحدًا أكل سمًّا ثم نام ومات، وادعى الأولياء أنه من السم الذي أسقيه، وقال الساقي للسم {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] ربما مات هذا في منامه!! نقول: الأصل أنه من السم؛ لأنه هو السبب المعلوم، ومثل ذلك لو أن الأم استيقظت ووجدت جنينها في حضنها ميتًا؛ فنحيله عليها إحالةً للحكم على السبب المعلوم. (ع).

ص: 98

على وجهين:

أحدهما: نعم؛ لأنا لا نعلم سببًا يتحقق به لحوق النسب هنا غير ملك اليمين، فيحال اللحوق عليه، فيستلزم ذلك ثبوت الاستيلاد في الأمة.

والثاني: لا؛ لاحتمال استيلاده قبل ذلك في نكاح أو وطء شبهة (1).

- (ومنها): لو ادعى رق مجهول النسب، فشهدت له بينة أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه؛ فهل يحكم له به؟

على وجهين، رجح الشيخ مجد الدين أنها إن شهدت أن أمته ولدته ونحو ذلك مما فيه إضافة الولد إلى الأمة المضافة إليه؛ حكم له بالولد، فإن (2) لم يكن كذلك بأن شهدت أن هذا ولد هذه الأمة، وأن أمه ملك له؛ لم يحكم له بالولد.

- (ومنها): لو قال رجل: هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى؛ فهو ابن الرجل، وهل ترجح زوجته على الأخرى؟

[على] وجهين:

أحدهما: ترجح؛ لأن زوجها أبوه؛ فالظاهر أنها أمه.

[والثاني: يتساويان]؛ لأن كل واحدة منهما لو انفردت لأُلْحِقَ بها، فإذا اجتمعتا تساوتا. [ذكره في "المغني"](3).

(1) في (أ): "وطئ بشبهة".

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"وإن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب). =

ص: 99

- (ومنها): لو باع أمة له من رجل، فولدت عند المشتري، فادعى البائع أنه ولده، فصدته المشتري؛ أنها تصير أم ولد للبائع، وينفسخ البيع، نص عليه أحمد [رحمه الله](1) فى رواية مهنا، وذكره أبو بكر، وذكر ذلك القاضي في "خلافه"، وتأوله على أنه ادعى أنها ولدت في ملكه وصدقهن المشتري على ذلك.

- (ومنها): لو ولدت المطلقة الرجعية ولدًا لا يمكن إلحاقه بالمطلق إلا بتقدير وطء حاصل منه في زمن العدة؛ فهل يلحق به الولد في هذه الحال أم لا؟

على روايتين، أصحهما لحوقه؛ لأن الفراش لم يزل بالكلية؛ فإحالة الحمل عليه أولى؛ كحالة صلب النكاح، وعلى هذا؛ فهل يحكم بارتجاعها بلحوق النسب؟

على وجهين، أصحهما -وهو المنصوص-: أنها [تصير] مرتجعة بذلك، وينبني على ذلك مسألة مشكلة في تعليق الطلاق بالولادة، ذكرها صاحب "المحرر" فيه (2).

= وما نقله عن "المغني"؛ فهو فيه بالنص (6/ 51/ 4582)، وفيه بدل ما بين المعقوفتين الأولتين "يحتمل"، وبدل ما بين المعقوفتين الأخرتين:"ويحتمل أن تتساويا".

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).

(2)

انظرها في "المحرر"(2/ 101).

واسم الكتاب كاملًا: "المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل"، تأليف الإمام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية (ت 652 هـ)، طبع في مجلدين بعناية محمد حامد لفقي، وشرحه جمع كبير، منهم المصنف ابن رجب وشيخ الإسلام ابن تيمية. =

ص: 100

وأما شكل (1) توجيهها (2) على الأصحاب؛ [فقد](3) أفردنا لها جزءً.

- (ومنها): أنه يجوز استيفاء الحق من مال الغريم إذا كان ثم سبب ظاهر يحال الأخذ عليه، ولا يجوز [ذلك](4) إذا كان السبب خفيًّا، هذا [هو](5) ظاهر المذهب؛ فيباح للمرأة أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف، وللضيف إذا نزل بالقوم فلم يقروه أن يأخذ من أموالهم بقدر قراه بالمعروف؛ لأن السبب إذا ظهر لم ينسب [أخذ](6) إلى خيانة، بل يحال أخذه على السبب الظاهر، بخلاف ما إذا خفي؛ فإنه ينسب بالأخذ إلى الخيانة (7).

= وانظر سائرها في: "الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد"(ص 43، 47، 48، 86، 90).

وما زال مخطوطًا منها: "المقرر على أبواب المحرر" لأبي المحاسن يوسف المرداوي (ت 782 هـ)، منه نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم (25922 - ب)، وطبع منها "النكت والفوائد السنية على المحرر" لمجد الدين ابن تيمية بذيله.

(1)

في (ب): "وأشكل"، ولعل الصواب:"وما أشكل".

(2)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي (أ):"توجهها".

(3)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"وقد".

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من (ب).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(6)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"الأخذ".

(7)

يجوز استيفاء الحق من الغريم إذا كان السبب ظاهرًا، ولا يجوز إذا كان السبب خفيًّا، مثال السبب الظاهر: النفقة، يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه لأجل أن تنفق على نفسها وأولادها، وقد أفتى بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لأن السبب ظاهر، وهي أنها زوجته، وزوجته لا بد أن ينفق عليها، فإذا أخذت ما نسبت إلى الخيانة، ويحال السبب على =

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الزوجية، وكذلك الضيف الذي لم يُضَيَّف؛ فإنه يأخذ من طعامهم ما يكفيه؛ لأن السبب ظاهر، وهو الضيافة، أما إذا كان السبب خفيًّا؛ فلا يجوز، كما لو طلبت زيدًا مئة درهم -وكنت قد أقرضته هذا المبلغ-، فجحدك، ولا بيّنة لك؛ فلا يجوز أن نأخذ من ماله؛ لأن السبب خفي، غير ظاهر، هذه معاملة بينك وبينه، ولا نعلم أن هناك سببًا يقتضي أن تأخذ من ماله، وهذا هو القول الوسط.

والدليل على الأخذ إذا كان السبب ظاهرًا حديث هند بنت عتبة: "أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لها أن تأخذ من مال أبي سفيان"، وأما إن لم يكن السبب ظاهرًا، فدليله قوله عليه الصلاة والسلام:"أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". (ع).

قلت: ورد نص في مسألة (الضيافة) التي ذكرها المصنف، وهو ما أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 380)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 242) وفي "مشكل الآثار"(7/ رقم 2816، 2817) بسندٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أيُّما ضيفٍ نزل بقومٍ، فأصبح الضيف محرومًا؛ له أن يأخذ بقدر قِراهُ، ولا حرج

عليه".

وحديث: "أدّ الأمانة إلى من. . . " أخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 3535)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1264) -ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات"(رقم 973) -، والدارمي في "السنن"(2/ 264)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 360)، والطحاوي في "المشكل"(5/ رقم 1831، 1832)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"(ص 30)، والدارقطني في "السنن"(3/ 35)، وتمام في "الفوائد"(رقم 707 - ترتيبه)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 46)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(رقم 742)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 271)؛ من طرق عن طلق بن غنَّام، عن شريك وقيس، عن أبي حَصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه.

قال ابن القطان: "المانع من تصحيحه أنّ شريكًا وقيس بن الربيع مختلف فيهما". كذا في "نصب الراية"(4/ 119).

قلت: يقوِّي كلٌّ منهما الآخر؛ فهو حسن إن شاء اللَّه تعالى. =

ص: 102

- (ومنها): لو قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا؛ فسالم حر، وإن برئت منه؛ فغانم حر، ثم مات، ولم يعلم؛ هل مات من المرض أو برئ منه؟

ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يعتق سالم؛ لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء، [ولأننا](1) قد تحققنا انعقاد سبب الموت بمرضه وشككنا في حدوث سبب آخر غيره؛ فيحال الموت على سببه المعلوم.

والثاني: يعتق أحدهما بالقرعة؛ لأن أحد الشرطين وجد ظاهرًا وجهل عينه.

= وانفرد طلق بهذا الحديث، وعلّق أبو حاتم العصابة به؛ فقال -كما في "العلل" (1/ 375) لابنه-:"طلق بن غنَّام روى حديثًا منكرًا عن شريك وقيس"، وقال:"ولم يرو هذا الحديث غيره".

قلت: ورد عن جمع، منهم: أنس، وأبي بن كعب، وأبو أمامة، ومبهم من الصحابة، ومن مرسل الحسن؛ فهو صحيح بهذه الشواهد إن شاء اللَّه، وطلق وثقه: ابن سعد، وعثمان بن أبي شيبة، وابن نمير، والعجلي، والدارقطني، وابن حبان، وقال أبو داود: صالح، ولم يضعفه إلا ابن حزم!

انظر: "تهذيب الكمال"(13/ 456 - فما بعد) والتعليق عليه.

وأما حديث: "خذي ما يكفيك. . . "؛ فأخرجه البخاري في "صحيحه"(رقم 2211، 2460، 5370، 7161، 7180)، ومسلم في "صحيحه" (رقم 1714)؛ عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت:"قالت هند أمُّ معاوية لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني إلا أنْ آخذ من مالِه سرًّا. قال: خُذي ما يكفيك وبنَيكِ بالمعروف".

(1)

في (أ): "ولأنا".

ص: 103

والثالث: لا يعتق واحد منهما؛ لاحتمال أن يكون مات في مرضه ذلك بسبب حادث فيه من قتل أو غيره، فلم يمت من مرضه، ولم يبرأ منه؛ فلم يتحقق وجود واحد من الشرطين.

- (ومنها): لو أصدقها تعليم سورة [من القرآن](1) ثم طلقها ووجدت حافظة لها، وتنازعا: هل علمها الزوج فبرئ (2) من الصداق أم لا؛ فأيهما يقبل قوله؟

فيه وجهان، وخرج عليهما الشيخ تقي الدين [رحمه الله] (3) مسألة اختلافهما في النفقة والكسوة مدة مقامها عند الزوج: هل كانت من الزوج أو منها (4)؟

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

في نسخة (ب): "برئ"، والصواب ما في المطبوع والنسخ الأخرى.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(4)

رجل أصدق زوجته تعليم سورة الممتحنة، ثم طلقها، قالت: أعطني الصَّداق. فقال: فقد أعطيتُك أياه. قالت: لا. قال: اقرئي سورة الممتحنة. فقرأتها، قال: هذا الصداق، أن تعلمي سورة الممتحنة وقد علمتيها. فقالت: إني تعلمتُها من غيرك؛ فالأصل أنه هو الذي علمها، ويبرئ الزوج من الصداق.

وهناك وجه آخر في المسألة.

وخرج شيخ الإسلام رحمه الله على هذين الوجهين مسألة أهم منهما، وهي: ما إذا ادعت المرأة أن زوجها لم ينفق عليها؛ فالأصل عدم الإنفاق، والمذهب يُغلِّبونه، وعليه يلزم أن يدفع الرجل لزوجته النفقة كل هذه المدة، أما شيخ الإسلام؛ فيقول: هذا شيء لا يمكن أن تأتي به الشريعة، بل القول قول الزوج، ولو فتح الباب للناس وقيل: إن الزوجة لها الحق في أن تدعي أن الزوج لم ينفق عليها في هذه المدة؛ كان في ذلك شر كثير، والصواب ما =

ص: 104

- (ومنها): لو ادعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت (1) فيه ليلًا، ووجد في الزرع أثر غنمه (2)؛ قضي بالضمان على صاحب الغنم، نص عليه في رواية ابن منصور (3)، وجعل الشيخ تقي الدين هذا وأشباهه من القيافة في الأموال، وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب.

ويتخرج فيه وجه آخر: أنه لا يكتفي بذلك (4).

= قاله ابن تيمية؛ لأن هذا هو الظاهر وهو أقوى من الأصل.

وإذا ثبت في المثال السابق أنّ الرجل لم يعلم المرأة السورة التي كانت صداقها؛ فيعلِّمها سورة أخرى غيرها مثلها، وإذا كانت قد طلقت منه؛ فيعلمها بوجود أحد محارمها ولا يخلو بها؛ إلا إنْ كان رجعيّة؛ فلا إشكال، وقد سبق بيان أن في الخلوة الظاهر أقوى من الأصل، ويقدم عليه إذا تزاحما، ومثله: رجل كببر حاسر الرأس، يركض وراء إنسانٍ مُغَطٍّ رأسه بعمامةٍ وفى يده أيضًا عمامة، ويقول حاسرُ الرأس للآخر: أعطني عمامتي؛ فالأصل أن ما بيد الإنسان فهو له، والظاهر أنها لحاصر الرأس؛ فيقدم الظاهر على الأصل. (ع).

قلت: انظر توجيه المثال الأخير عند ابن القيم في "الطرق الحكمية"(ص 8 - ط العسكري)، وقد فرغتُ من تحقيقه، يسر اللَّه نشره.

(1)

في نسخة (أ): "نشبت".

(2)

فى نسخة (أ): "غنم".

(3)

في "مسائل ابن منصور"(ص 397/ رقم 311): ". . . قال أحمد: أما بالنهار، فإذا أرسلها عمدًا؛ فعليه الغُرْمُ، وإذا انفلتت؛ فليس عليه شيء، وإن انفلتت بالليل؛ فعلى صاحبها الغرم، فإن قال صاحب الزرع: أفسدت غنمك زرعي بالليل؛ يُنظر في الأثر، فإن لم يكن أثر غنمه في الزرع؛ لا بد لصاحب الزرع من أن يجيء [بـ] البينة. قال إسحاق: كما قال أحمد؛ لأنه مدعي" اهـ.

(4)

رجل عنده زرع وحوله راعي غنم، فادعى صاحب الزرع أن الغنم نفشت في زرعه ووجدنا أثرًا للغنم، ونفى صاحب الغنم ذلك؛ بحال على السبب الظاهر على غنم =

ص: 105

- (ومنها): لو تزوج بكرًا، فادعت أنه عنين، فكذبها [وادعى](1) أنه أصابها، وظهرت ثيبًا فادعت أن ثيوبتها بسبب آخر؛ فالقول قول الزوج. ذكره الأصحاب.

ويتخرج فيه وجه آخر من المسائل المتقدمة (2).

= هذا الرجل، وابن تيمية يقول: إنها من باب القيافة في الأموال، بمعنى أنا نأتي بالقائف فننظر: هل خفاف إبل هذا تطابق آثارها الموجودة فى الزرع أو لا؟ فيحكم بمقتضى القيافة، والقيافة في الأموال يعتبرها شيخ الإسلام كالقيافة في الأنساب، والمذهب لا يعتبرها.

والقيافة: الاستدلال على الشيء بالأثر، وقال بعضهم: إذا رأيت أثرًا لإنسان كأنما رأيت وجهه.

أما القيافة في النسب؛ فهي ثابتة بدليل حديث زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، لأن زيد بن حارثة كان أبيض، وابنه كان أسود؛ فكان المشركون يعيبونه إغاظة للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهما من مواليه صلى الله عليه وسلم، فدخل ذات يوم مُجزَّز المدلجي، ورآهما نائمين، وعليهما رداء، ولم يظهر إلا أقدامهما، فقال:"إنَّ هذه الأقدام بعضها من بعض"، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة مسرورًا تبرق أسارير وجهه، وقال: ألم تَرَ إلى مُجزَّز المدلجي، دخل على زيد بن حارثة وأسامة؛ فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض".

والمذهب على إعمال قيافة النسب دون المال؛ لأن النسب يحتاط فيه أكثر من الأموال، والصحيح ما ذهب الشيخ رحمه الله: أنه يعمل بالقيافة بالنسب وبالأموال. (ع).

قلت: حديث مُجزّز الديلمي المذكور أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الفرائض، باب القائف، 12/ رقم 6770، 6771)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القافة بالولدِ، 2/ رقم 1459)؛ عن عائشة رضي الله عنها.

(1)

هكذا في نسختي (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ):"ودعى".

(2)

وهذا واضح، والوجه الآخر: أن لا يقبل قوله احتمال أن نكون البكارة زالت بغير الجماع، أو بجماع رجل آخر مثلًا، ولكن الواجب إحالة الحكم على السبب الظاهر. (ع).

ص: 106

- (ومنها): اللوث في القسامة (1)،

(1) القسامة: هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.

وأصلها قصة عبد اللَّه بن سهل، خرج هو وعبد الرحمن بن سهل وحُويّصة ومُحَيِّصة إلى خيبر؛ فوجد عبد اللَّه بن سهل مقتولًا في خيبر، وعداوة اليهود للمسلمين معروفة، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقسامة.

وكيفيتها: إذا ادعى أولياء المقتول أن فلانًا هو الذي قتل صاحبهم؛ فإننا نقول: هاتوا بيّنة، فإنْ لم يجدوا بيِّنة؛ فإننا نجرى عليهم القمامة، فنقول: تحلفون خمسين يمينًا على أنَّ الذي قتل صاحبكم هذا الرجل تُوزَّع على الورثة، ويجبر الكسر، فإذا كانوا ثلاثة؛ فعلى كل واحد سنة عشر يمينًا وشيء يجبر الكسر؛ فتصبح سبعة عشر، فإذا حصلت قُتل المدَّعى عليه، فإن أبى أولياء المقتول أن يحلفوا؛ قلنا للمدَّعى عليهم: احلفوا خمسين يمينًا، فإن حلفوا برئوا، وإنْ لم يرضَ أولياء المقتول بأيمان المدَّعى عليهم؛ فإن الإمام يديه من بيت المال.

والقسامة فيها مخالفة للأصول في ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: إنَّ الأيمان في حق المدَّعين، والأصل أنَّ الأيمان في حق المدَّعى عليهم.

الوجه الثاني: إنَّ الأيمان كررت فيها، والأصل عين واحدة.

الوجه الثالث: إن أولياء المقتول سيحلفون على شيء لم يروه؛ فإنهم لو رأوه فواضح، لكن في الغالب لا يرون.

والجواب على ذلك أن نقول: إنها في الحقيقة لم تخالف الأصول، بل هي جارية على الأصول، أمّا كون الأيمان فيها في جانب المدعي؛ فلأنَّ الأيمان ليست في جانب المدَّعى عليه دائمًا، بل الأيمان في جانب أقوى المتداعيين، ولهذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين فيما لو ادعى شخص على آخر بشيء ولا بيّنة عنده إلا شاهد واحد؛ فنقول له: احلف مع هذا الشاهد؛ فاليمين هنا في جانب المدعي؛ لأن جانبه قوي بالشاهد، فاليمين في حقه هنا في القسامة، وإنما كانت الأيمان في جاب المدعين؛ لأن جانبهم أقوى بسبب العداوة الظاهرة التي ترجح أن هذا قد قتل على أيدي هؤلاء، وأما كونها تكرر؛ فنقول أيضًا: =

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هذا على مقتضى الأصول؛ لأنه كلما قوي الشيء كررت فيه الأيمان، مثل الملاعنة تكرر الأيمان فيها خمس مرات؛ لأن مسألته هامة وعظيمة، وهذا قتل؛ فمسألته هامة وعظيمة، فلهذا كررت فيه الأيمان.

الثالث: لم يخالف الأصول؛ لأن اليمين على ما يغلب على الظن جائز، ودليله قصة الرجل الذي جامع زوجته في رمضان، فقال: "واللَّه ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، وبهذا يتبين أن القسامة لا تخرج عن الأصول الشرعية، ثم على فرض أنها خالفت غيرها من الأصول الشرعية؛ فهي أصل برأسها؛ لأنها قد ثبتت بأصل شرعي. (ع).

قال أبو عبيدة عفى اللَّه عنه وغفر زلّاته: قصة مقتل عبد اللَّه بن سهل أخرجها البخاري في "صحيحه"(كتاب الأدب، باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال، رقم 6142، 6143، وكتاب الصلح، باب الصلح مع المشركين، رقم 2702، وكتاب الجهاد، باب الموادعة والمصالحة، رقم 3173، وكتاب الديات، باب القسامة، رقم 6898)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب القسامة، باب القسامة، رقم 1669)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الدّيات، باب القتل بالقسامة، رقم 4520 - 4522)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب القسامة، باب تبرئة أهل الدم في القسامة، 8/ 8 - 11)، والترمذي في "جامعه"(أبواب الديات، باب ما جاء في القسامة، رقم 1422)، عن سهل بن أبي حَثْمَة ورافع بن خديج.

وأما قضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين والشاهد؛ فقد أخرج مسلم في "الصحيح"(كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، 3/ 1337/ رقم 1712)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، 4/ 32/ رقم 3608)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "مختصر سنن أبي داود"(5/ 225) للمنذري-، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين، 2/ 793/ رقم 2370)، وأحمد في "المسند"(1/ 248، 315)، والشافعي في "المسند"(2/ 178/ رقم 627، 628 - ترتيبه)، والدارقطني في "السنن"(4/ 214)، والبيهقي في "الكبرى" (10/ 167)؛ عن ابن عباس: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد. =

ص: 108

ومسائله معروفة (1).

* * *

= وأما حديث: "واللَّه ما بين لابتيها. . "؛ فقد أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الصوم، باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج، رقم 1937، وكتاب الهبة، باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت، رقم 2600، وكتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسر في الكفارة، رقم 6710)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، رقم 1111)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

إن ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: إن اللوث كل ما يغلب على الظن صدق قول المدعي، سواء كان ذلك بعداوة ظاهرة أو بتهديد بالقتل أو بوجود رجل عند إنسان يتشحَّط في دمه ومعه سكين فيها دم، فقال: إنه قد ذبح خروفًا؛ فهذا عقلًا ممكن، ولكن لا شك أن هذه الصورة قرينة ظاهرة على أنه هو القاتل.

والمذهب عند الحنابلة أنهم لا يرون هذا من باب القسامة؛ لأنهم يخصون اللوث بالعداوة الظاهرة التي تكون بين القبائل، وأما العداوة الباطنة التي تكون بين شخصين يهدد أحدهما الأخر بالقتل، أو كصورة الذي يتشحّط بدمه، أو ما يكون بشاهدة واحد على القتل؛ فلا يرون هذا من باب القسامة. (ع).

ص: 109

(القاعدة الرابعة عشرة)(1)

إذا وجد سبب إيجاب أو تحريم من أحد رجلين لا يعلم عينه منهما؛ فهل يلحق الحكم بكل [واحد](2) منهما، أو لا يلحق بواحد منهما شيء؟.

في المسألة خلاف، ولها صور:

(إحداها)(3): إذا وجد اثتان مَنِيًّا في ثوب ينامان فيه، أو سمعا صوتًا خارجًا ولم يعلم من أيهما هو؛ ففي المسألة روايتان:

(إحداهما): لا يلزم واحدًا منهما غسلٌ ولا وضوءٌ؛ نظرًا إلى أن كل واحد منهما متيقن للطهارة شاك في الحدث.

(والثانية): يلزمهما الغسل والوضوء، لأن الأصل زال يقينًا في أحدهما؛ فتعذر البقاء عليه، وتعين الاحتياط، ولم يلتفت إلى النظر في كل واحد بمفرده؛ كثوبين أو إناءين نجس أحدهما (4).

(1) في نسخة (أ): "قاعدة" بدون ترقيم.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(3)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب):"أحدها"، وفي (ج):"منها".

(4)

الموجود في المثال الذي ذكره المؤلف سبب إيجاب الوضوء أو الغسل كلٌّ سمع صوت ريح خرجت أو شم ريحًا، ولكنهما لم يعلما هل هو من زيد أو من عمرو؟ هل يلزمهما =

ص: 110

(الصورة الثانية)(1): قال أحد الرجلين: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فامرأتي طالق. وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق، وغاب ولم يعلم ما هو؛ ففيها (2) وجهان:

= أن يتوضئا، أو لا يلزم واحد منهما أن يتوضأ؟

فيه خلاف:

فقال بعض العلماء: يلزم أن يتوضأ كل واحد منهما؛ لأننا علمنا يقينًا أن أحدهما قد فسد وضوءه وتعذر التعيين؛ فكان الاحتياط أن نلزم كل واحد منهما بالوضوء وهذا على القياس.

والقول الثاني: أننا لا نلزم واحدًا منهما بالوضوء؛ لأن كل واحد منهما بمفرده متيفن للطهارة، شاك للحدث، والأصل بقاء الطهارة، لكنه لا يصح أن يجتمعا في عبادة يشترط فيها الطهارة لكل واحد منهما، يعني لو أرادا أن يصليا جماعة؛ فإنه لا يصح، السبب في هذه الحالة تيقن أن أحدهما صلاته باطلة، فإن كان معهما واحد ثالث إن كان هو الإمام؛ تصح، ويصطفا بجانبه لا وراءه؛ لأن أحدهما صلاته باطلة، فيلزم من ذلك أن يكون الآخر قائمًا منفردًا وحده خلف الإمام، والأحسن أن يكونا على يمينه؛ لأنه ربما يكون الذي على يمينه هو الذي انتقض وضوءه، فيكون قد صف على يساره مع خلو يمينه.

والأحوط والأقيس أننا نلزمهما جميعًا بالوضوء، وكذلك فيما لو ناما في ثوب أحدهما في الصباح والآخر في القيلولة مثلًا، ثم وجدا أثر منيٍّ بعد الظهر مثلًا، ولم يعلما؛ هل هو من الأول أم من الثاني؛ فأحدهما قد وجب عليه الغسل، لكن لا بعينه؛ فهل نلزمهما جميعًا بالغسل، أو لا نلزم واحدًا منهما؟ (ع).

قلت: ذكر هذه المسألة ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 26)، وقال:"لكن أرجحهما: لا يجب"، أي: لا يجب الوضوء ولا الغسل عليهما، ولا على واحد منهما.

(1)

في نسخة (ج): "ومنها إذا".

(2)

في نسخة (أ): "ففيهما".

ص: 111

أحدهما: ما قال القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب وغيرهما: يبني كل واحد منهما على يقين نكاحه.

والثاني: وهو اختيار الشيرازي في "الإيضاح"(1) وابن عقيل: أنه تخرج المطلقة منهما بالقرعة، وقال القاضي في "الجامع" (2): هو قياس المذهب؛ لأن واحدة منهما طلقت يقينًا، فأخرجت بالقرعة كما لو كانت الزوجتان لرجل واحد.

وذكر بعض الأصحاب احتمالًا يقتضي وقوع الطلاق بهما حكمًا كما تجب الطهارة عليهما في المسألة الأولى، وقد أومأ إليه أحمد في رواية صالح (3)، وحكى له قول الشعبي في رجل قال لآخر: إنك لحسود. فقال له الآخر: أَحْسَدُنا امرأتُه طالقٌ ثلاثًا. فقال الآخر: نعم. قال الشعبي: حنثتما وخسرتما، وبانت منكما امرأتاكما جميعًا (4)، وحكى له قول

(1) صاحبه هو أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي (ت 486 هـ)، ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 71)، والسُّبيعي في "الدُّر المنضّد"(رقم 23). وله فيه إغرابات انتقدها العُليمي في "المنهج الأحمد".

(2)

لأبي يعلى "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" و"الجامع المنصوص"، وسيأتي (ص 144 - 145) التعريف بـ"الكبير"، ولعله المراد هنا، وسيأتي التعريف بـ"الصغير"، ومنه نسخة في مكتبة الأوقاف بالكويت تحت (رقم 260)، وحقق رسالة علمية بجامعة الإمام ابن سعود.

(3)

انظر منه: (2/ 324/ رقم 954).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 221)، وصالح بن أحمد في "مسائل أبيه"(2/ 324/ رقم 954)؛ عن جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب؛ قال:"سئل الشَّعبي. . . "(وذكره). وسماع جرير من عطاء بعد الاختلاط؛ فسنده ضعيف.

ص: 112

الحارث: أُدِيْنُهما وآمُرُهما بتقوى اللَّه [عز وجل](1)، وأقول: أنتما أعلم بما حلفتما عليه (2). فقال أحمد: "هذا شيء لا يدرك ألقاهما في التهلكة"(3)؛ فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي بوقوع الطلاق لهما (4).

هذا هو الظاهر (5)، ذكره الشيخ تقي الدين، وقال: هو بناء على

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 221)، وصالح بن أحمد في "مسائل أبيه"(2/ 324 - 325/ رقم 955)؛ عن جرير، عن مغيرة بن مقسم، عن الحارث -وهو ابن يزيد العكلي-، به، وعندها زيادة:"وباب التديين في هذا وأشباهه".

والمغيرة مدلس، وقد عنعن.

(3)

"مسائل صالح"(2/ 325)، وقوله:"لا يدرك"؛ لأن الحسد قلبيّ.

(4)

كذا في نسختي (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"فهما".

(5)

المسألة صار فيها ثلاثة أقوال:

قال أحد الرجلين: إن كان هذا الطاثر غرابًا؛ فزوجتي طالق.

فقال الثاني: إن لم يكن غرابًا؛ فزوجتي طالق.

الآن هذا الطائر إما أن يكون غرابًا أو غير غراب، فأحدهما إذن طلقت زوجته، لكن ما ندري أيهما.

فقال بعض العلماء: إنهما لا تطلقان، لأن كل واحد منهما شك بوقوع الطلاق بامرأته، والأصل بقاء النكاح.

وقال آخرون: إنه يقع طلاق أحدهما بقرعة، كما لو كان له زوجتان، وقال: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فزوجتي الأولى طالق، وإن لم يكن غرابًا؛ فزوجتي الثانية طالق، وذهب الطائر ولا يدري ما هو؛ فإنه تخرج إحداهما بقرعة.

ولكن هذا القياس فيه نظر؛ لأنَّ الزوجين لرجل واحد، والضرر عليه قد تحقق بإحدى امرأتيه، بخلاف المثال المذكور؛ فإنهما لرجلين، =

ص: 113

أنه (1) حلف على ما لم (2) يعلم صحته أو ما لا (3) تدرك صحته؛ فيحنث؛ كقول مالك (4).

= القول الثالث في المسألة: أن الطلاق يقع عليهما جميعًا؛ لأن هذا هو الأحوط.

وهذه المسائل التي نستبعدها الآن موجودة في زمن التابعين.

قال الشعبي في رجل قال لآخر: إنك لحسود، فقال الثاني: أحْسَدُنا امرأته طالق ثلاثًا، قال الآخر: نعم موافق؛ هذه مسألة خفية لا ندري أيَّهما أحسد.

وقد نقل المؤلف عن الإمام أحمد: أنه حكي له قول الشعبي: حنثتما، وخسرتما، وبانت منكما امرأتاكما جميعًا، وحكي له قول الحارث: أُدِيْنُهما، وآمرهما بتقوى اللَّه عز وجل، وأقول: أنتما أعلم بما حلفتما عليه.

أُدِيْنُهما: يعني أجعل الأمر موكولًا إلى دينهما، وأقول: هذا شيء بينكما وبين اللَّه، لينظر أحدكما أيُّه أحسد، هو أو أخوه، فإذا علمت أنك أحسد منه، فامرأتك هي التي تطلق، وإذا علمت أنه أحسد منك، وعلم هو ذلك أيضًا؛ فامرأته هي التي تطلق.

قال أحمد: هذا شيء لا يُدْرَك؛ لأن الحسد محله القلب، ما ندري أيَّهما أحسد، ولهذا قال: ألقاهما في التهلكة؛ فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي، هذا هو الظاهر. (ع).

(1)

في نسخة (ج): "أنه لو حلف".

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"مالا".

(3)

في نسخة (أ): "ما لم".

(4)

قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات الفقهية"(ص 260): "مسألة: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وقال آخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وطار، ولم يعلم ما هو؟ فإنهما يعتزلان نساءهما حتى يتيقنا. وحمله القاضي على الاستحباب.

وما كان من هذه الشروط مما يئسا من استبانته؛ ففيه مع العلم بوقوعه" اهـ.

ص: 114

ويدل عليه تعليل أحمد وقوع (1) الطلاق على من قال: أنت طالق إن شاء اللَّه؛ بأن (2) مشيئة اللَّه لا تدرك، وهذا القول فيه بعد؛ لأن إيقاع طلاقهما يفضي إلى أن يباح للأزواج من هي في زوجية الغير باطنًا، وفي إجبارهما على تجديد الطلاق إجبار للإنسان على قطع ملكه بغير حق، وهو ضرر، بخلاف إيجاب الطهارة عليهما؛ فإنه لا ضرر فيه.

ولنا وجه آخر بوجوب اعتزال كل منهما زوجته حتى يتيقن الأمر، ونص عليه أحمد [رحمه الله](3) في رواية عبد اللَّه (4)، ونقل حرب عن أحمد رحمه الله: أنه ذكر [له](5) هذه المسألة؛ فتوقف فيها وقال: أحب إلي أن لا أقول فيها شيئًا، وتوقف عنها (6).

(الصورة الثالثة): قال أحدهما: إن كان غرابًا فأمتي حرة، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فأمتي حرة.

وفيها الوجهان المذكوران في الطلاق، وقياس المنصوص (7) ها هنا أن يكف كل واحد عن وطئ أمته حتى يتيقن، فإن اشترى أحدهما أمة

(1) في نسخة (ج): "بوقوع".

(2)

في نسخة (ج): "فإن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(4)

انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد اللَّه"(رقم 1363)، ونص أحمد هناك:"يعتزلان نساءهن حتى يتبين" اهـ.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(6)

الإمام أحمد رحمه الله يتوقف في مثل هذه المسائل، وأحيانًا يسلك سبيل الاحتياط، ولكن ما علل به الشيخ تقي الدين رحمه الله قوي جدًّا. (ع).

(7)

في نسخة (ج): "النصوص".

ص: 115

الآخر؛ عين (1) المعتقة منهما بالقرعة على أصح الوجهين؛ لاجتماعهما في ملكه، وإحداهما عتيقة (2) كما قلنا، لا يصح أن يأتم أحدهما بالآخر في الصورة الأولى؛ لأن أحدهما محدث يقينًا، فينظر إليهما مجتمعين في حكم يتعلق باجتماعهما.

وليس من هذه القاعدة إذا وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر وأتت بولد وضاع نسبه لفقد القافة أو غير ذلك، وأرضعت أمه بلبنه ولدًا آخر؛ فإنه يصير حكم كل من الصغيرين حكم ولد لكل واحد من الرجلين على الصحيح؛ لأنه لم يتعين أن يكون الولد لواحد منهما (3)، بل يجوز عندنا أن يكون لهما؛ فليس مما نحن فيه.

* * *

(1) في نسخة (أ): "غير".

(2)

ذكر ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 26) عن أكثر الأصحاب: "في رجلين علَّق كل منهما عتق عبده على شرط، ووُجد أحدُ الشرطين يقينًا، ولا يُعلم عينه أنه لا يحكم بعتق عبد واحد منهما، ويستصحب أصل ملكه، فإن اشترى أحدُهما عبدَ الآخر؛ أخرج المعتق منهما بالقرعة على الصحيح أيضًا" اهـ.

(3)

كتب هنا على هامش (ب): "يعني: والقاعدة فيها: إذا وجد سبب من أحدهما، ولم يعلم عينه حتى يلحق الحكم به فقط".

ص: 116

(القاعدة الخامسة عشرة)

إذا استصحبنا أصلًا، [أو](1) أعملنا ظاهرًا في طهارة شيء، أو حله، أو حرمته، وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه، أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله؛ لم يلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح (2).

ولذلك صور:

- (منها): إذا استيقظ من نومه، فوجد في ثوبه بللًا، وقلنا: لا يلزمه الغسل على ما سبق فيما إذا تقدم منه سبب المذي؛ فلا يلزمه أيضًا غسل ثوبه بحيث نقول: إنما سقط عنه الغسل؛ لحكمنا بأن البلل مذي، بل نقول في ثوبه: الأصل طهارته؛ فلا ينجس بالشك، والأصل طهارة بدنه؛ فلا يلزمه الغسل بالشك؛ فيبقى في كل منهما على أصله، ذكره ابن عقيل في "فنونه"(3) عن الشريف أبي جعفر، وينبغي على هذا التقدير أن لا تجوز

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"و".

(2)

على هامش (ب) قال: "يعني: أن ذلك اللازم ليس مبنيًّا على أصل آخر، ولا على ترك العمل بظاهرآخر، ولا يلتفت إليه".

(3)

قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 155 - 156) في ترجمة (ابن عقيل): "وأكبر تصانيفه كتاب "الفنون"، وهو كتاب كبير جدًّا، فيه فوائد كثيرة جليلة؛ في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات، =

ص: 117

له الصلاة قبل الاغتسال في ذلك [الوقت في ذلك](1) الثوب [قبل غسله](2)؛ لأنا (3) نتيقن وجود المفسد للصلاة (4) لا محالة (5).

- (ومنها): إذا لبس خفًا، ثم أحدث، ثم صلى وشك: هل مسح على الخف قبل الصلاة أو بعدها، وقلنا: ابتداء المدة من المسح؛ جعلنا

= وفيه مناظراته، ومجالسه التي وقعت له، وخواطره ونتائج فكره قيَّدها فيه".

قال: "وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو من مئة وخمسين مجلدة".

وأسند إلى أبي حكيم النهرواني قال: "وقفتُ على السِّفر الرابع بعد الثلاث مئة من كتاب "الفنون".

وقال: "وقال الحافظ الذهبي في "تاريخه": لم يُصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربع مئة".

قلت: طبع منه مجلدان، عن قطعة وحيدة من مخطوطة باريس، بتحقيق جورج المقدسي!!

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (أ)، وكتبه ناسخ (أ) على الهامش.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وأثبته مصححها على هامشها، وسقط أيضًا من (ج).

(3)

في نسخة (ج): "لأننا".

(4)

كتب على هامش نسخة (ب): "وهو أن البلل إما مني؛ فيجب الغسل، أو مذي؛ فيجب غسل الثوب".

(5)

إن وجب عليه الاغتسال -إذ صار البلل منيًّا-؛ لم يجب عليه غسل الثوب، وإن وجب عليه غسل الثوب -إذ صار البلل مذيًا-؛ لم يجب عليه الاغتسال؛ فالاحتياط أن يجمع بين الأمرين؛ فيغتسل، ويغسل الثوب، وينبغي أن لا تجوز الصلاة حتى يجمع بين الاغتسال والغُسْل. (ع).

ص: 118

ابتداءها قبل الصلاة، وأوجبنا إعادة الصلاة؛ لأن الأصل وجوب غسل الرجلين (1)، والأصل بقاء الصلاة في الذمة (2).

- (ومنها): إذا رمى حيوانًا مأكولًا بسهم ولم يوحه، فوقع في ماء يسير، فوجده ميتًا فيه؛ فإن الحيوان لا يباح خشية أن يكون الماء أعان على قتله، والأصل تحريمه حتى يتيقن وجود السبب المبيح [له](3)، ولا يلزم من ذلك نجاسة الماء أيضًا؛ لحكمنا على الصيد بأنه ميتة، بل يستصحب في الماء أصل الطهارة؛ فلا [ينجسه](4) بالشك، ذكره ابن عقيل في "فصوله"(5).

- (ومنها): لو قال لامرأته في غضب: اعْتَدِّي، وظهرت منه قرائن

(1) في (أ): "الرِّجل".

(2)

كتب هنا على هامش نسخة (ب): "يعني: والمسح مشكوك فيه".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

وفي "الفنون" لابن عقيل (2/ 563/ 493): "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصيد -يصيبه السهم ويقع في الماء-: "لا تأكله؛ لعل الماء أعان على قتله"؛ فجعل التخنيق بالماء المجوِّر مانعًا من إباحة روح خرجت من محل بجراحة لأجل شوب الجراحة بالتخنيق بالماء؛ فكان يبنيها على ما مات إلا بالتخنيق" اهـ.

(4)

في نسخة (ج): "ننجسه".

(5)

في عشرة أجزاء، ويسمّى:"كفاية المفتي"، منه نسخة في شستربتي، ومنه الجزء الثالث في دار الكتب المصرية تحت رقم (أصول فقه - 13)، ومنتخب منه في الظاهرية عام (750).

وانظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 156)، و"الدُّر المنضد"(ص 25).

ص: 119

تدل على إرادته (1) التعريض بالقذف أو فسره [بالقذف](2)؛ فإنه [مُحَدُّ بذلك، وهل](3) يقع به الطلاق [لأنه كنا اقترن بها غضب، وهل يحد معها](4)؟

ذكر ابن عقيل في "المفردات"(5) احتمالين:

(أحدهما): وبه جزم في "عُمدة الأدلة"(6): أنه [يحد](7)؛ لأنهما

(1) في نسخة (ب): "إرادة".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في نسختي (ب) و (ج): "بذلك".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين مضروب عليه في نسخة (أ).

(5)

ذكره له المصنف في ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 156)، وابن بدران في "المدخل" (ص 455) -وعرف بالمفردات بقوله:"فهي من جنس الخلاف"-، والمرداوي في "الإنصاف"(1/ 14).

وبنى ابن عقيل كتابه على كتاب إلكيا الهراسي الذي صنفه في الرد على "مفردات الإمام أحمد"، ولكنه رد عليه بذكر الأدلة، وأوضح المسائل بإقامة البرهان عليها، ولكن ابن عقيل جارى إلكيا في "الانتصار" لما قدمه؛ وإنْ كان غير الأشهر عن الإمام أحمد، وجاراه أيضًا؛ حيث عد من المفردات ما وافق أحمدُ مالكًا، مع أنه ليس المفردات كما هو واضح، ولم يقتصر كتاب ابن عقيل على هذا، وإنما زاد على ما عند إلكيا.

وانظر: "النظم المفيد الأحمد"(ص 8)، و"مفردات مذهب الإمام أحمد في الصلاة"(ص 10).

(6)

وقع في المطبوع وجميع النسخ: "عمد" وفي "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 156) و"الدر المنضد"(رقم 34): "عمدة الأدلّة"، وهو الصواب، وسيذكره المصنف مختصرًا "العمدة" في (ص 281 - 282)، وترجمة ابن عقيل هناك.

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "يُعْفَى".

ص: 120

حقان عليه؛ فلا يصدق فيما يسقط واحدًا منهما.

(والثاني): لا يحد؛ لأنه لو كان [طلاقًا لم يكن قذفًا](1) لتنافيهما.

[قال ابن عقيل في معنى تنافيهما: بأن كنايات القذف في حالة الخصومة كالصرائح، وصرائح القذف لا يقع به الطلاق. ثم ذكر مسألة القذف بالكنايات أنها صرائح في حال الغضب](2).

ومن هذه القاعدة الأحكام التي يثبت (3) بعضها دون بعض؛ كإرث الذي أقر بنسبه من لا يثبت النسب بقوله، والحكم بلحوق النسب في مواضع كثيرة لا يثبت فيها لوازمه المشكوك فيها من بلوغ أحد أبويه (4)، [أو](5) استقرار المهر، أو ثبوت العدة والرجعة أو الحد، أو ثبوت الوصية له أو الميراث، وهي مسائل كثيرة (6).

(1) في نسخة (أ): "طلاقًا لم يكن قذفًا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب)، وأثبتناه من (ج).

(3)

في (أ): "ثبت".

(4)

هنا على هامش (ب) قال: "بيان لهذه اللوازم التي تلزم لحوق النسب".

(5)

هكذا فى (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"و".

(6)

هذه مسائل كثيرة تتبعض فيها الأحكام، يوجد شروط ثبوت أحدها دون بعض، ومنها: لو شهد رجل وامرأتان على شخص أنه سرق مال فلان؛ ثبت المال دون القطع؛ فيلزمه ضمان المال ولا يلزمه القطع؛ لأن القطع لا يثبت إلا بشاهدين رجلين، والمال يثبت بشهادة رجل وامرأتين.

أما مسألة إذا وطء اثنان امرأة بشبهة، فهذه حصل السبب منهما جميعًا، لكن اشتبهنا فيها، أما تلك -أي القاعدة الرابعة عشرة- أحدهما ما وجد منه شيء إطلاقًا.

أما (إرث الذي أقر بنسبهِ من لا يثبت النسب بقوله)؛ فالنسب لا يثبت إلا بقول رجل =

ص: 121

(القاعدة السادسة عشرة)(1)

إذا كان للواجب بدل (2)، فتعذر الوصول إلى الأصل حالة الوجوب؛ فهل يتعلق الوجوب بالبدل تعلقًا مستقرًا بحيث لا يعود إلى الأصل عند وجوده؟

للمسألة صور عديدة:

- (منها): هدي المتعة إذا عدمه ووجب الصيام عليه (3)، ثم وجد الهدي قبل الشروع فيه، فهل يجب عليه الانتقال، أم لا ينبني على أن

= معروف بالإصابة بالقافة، أو بشهادة رجلين، أو بالاشتهار والاستفاضة، فإذا مات رجل وله ابنان، فأقرَّ أحدُهما بابنٍ ثالث، فقال: هذا الرجلُ أخٌ لي، وقال أخوه: ليس بأخٍ لي؛ فيكون هذا الولد أخًا للمقر، وليس أخًا للمنكر؛ فتتبعض الأحكام، فيكون للمقرّ به كأخيه تمامًا في الإِرث والنكاح والولاية وفي جميع الأحكام التي تترتب على النسب، ويكون بالنسبة للمنكر أجنبيًا، ولهذا يُلغز في هذه المسألة؛ فيقال: أخوان شقيقان، ورجل ثالث، تكون بنات أحد الأخوين له محارم، وبنات الأخر له أجانب، ويجوز أن يتزوج منهم؛ إلا إذا كان هو يعتقد أنه ابن؛ فلا يجوز له أن يتزوج من بنات الأخ الذي أنكر؛ لأنه يعتقد أنه عمهن، ولكن بالنسبة لهن يجب عليهن أن يتحجبن عنه؛ لأنهن يعتقدن أنه ليس بعمٍّ، هذا معنى تبعض الأحكام. (ع).

(1)

في (أ): "قاعدة".

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"الواجب بدلًا".

(3)

في (أ) و (ب): "ووجب عليه الصيام".

ص: 122

الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب (1) أو بحال الفعل؟

وفيه روايتان، فإن قلنا بحال الوجوب؛ صار الصوم أصلًا [لا بدلًا، وعلى هذا؛ فهل يجزئه فعل الأصل -وهو الهدي-؟ المشهور أنه يجزئه؛ لأنه الأصل](2) في الجملة، وإنما سقط رخصة، وحكى القاضي في "شرح المذهب" عن ابن حامد: أنه لا يجزئه (3).

(1) كتب هنا على هامش نسخة (ب): "وهو الصحيح".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(3)

رجل متمتع، وفي صباح يوم العيد لم يجد هديًا، فشرع في الصوم لأنه وجب عليه صيام ثلاثة أيام التشريق، فلما شرع في الصوم رزقه اللَّه مالًا يستطيع أن يشتري به هديًا؛ فهل يلزمه الهدي؟

الجواب: لا يلزمه؛ لأنه وجب عليه الصوم؛ إذ إنه في يوم العيد كان معدمًا.

لكن؛ هل يجزئه أن يذبح هديًا، ويدع الصوم؟

فيه خلاف، فإذا قلنا بحال الوجوب؛ صار الصوم أصلًا لا بدلًا، وعلى هذا؛ فهل يجزئه فعل الأصل وهو الهدي؟

المشهور أنه يجزئه؛ لأنه الأصل في الجملة، وإنما سقط رخصة، وحكى القاضي في "شرح المذهب" عن ابن حامد: أنه لا يجزئه، والصحيح أنه يجزئه، لأن اللَّه تعالى أوجب الصوم عن الهدي تيسيرًا.

ومعنى (حال الوجوب): إذا وجد السبب الموجب للكفارة.

و (حال الفعل): إذا كان الوقت الذي يريد أن يفعل فيه.

والمعتبر هنا حال الوجوب، والصحيح أنه إذا رجع إلى الأصل؛ فإنه يجزئه على كل حال، ولا يلزمه الانتقال؛ لأنه حين الوجوب ليس واجدًا، ولكن لو انتقل؛ فالصحيح أنه لا بأس به. (ع).

قلت: كلام المصنف فيمن وجب عليه الصوم ولم يشرع فيه حتى وجد الهدي؛ فهل =

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يلزمه الانتقال إليه؟

قال ابن تيمية في "شرح العمدة"(3/ 348 - 349): "ذكر أصحابنا فيه روايتين، أصحهما: لا يلزمه الانتقال أيضًا، وبنوا ذلك على الروايتين في الكفارة: هل العبرة بحال الوجوب أو بأغلظ الحالين من حال الوجوب والأداء؟ وهذا ينبني على حال وجوب الصوم، فإن قلنا: يجب إذا أحرم بالحج، وكان قد أحرم قبل النحر بأيام؛ فهذه صورة مستقيمة.

وأما إن قلنا: إنه لا يجب الصوم ولا الهدي إلى يوم النحر، أو قلنا: إذا أحرم الحج فلم يحرم به إلى اليوم السابع أو الثامن أو التاسع؛ فإنما معناه لا يجب وجوب استقرار في الذمة، وإلا؛ فإنه يجب عليه فعل الصوم قبل يوم النحر بلا تردد، كما قلنا في المظاهر يجب عليه إخراج الكفارة قبل الوطء، وإن قلنا: لا يستقر في ذمته إلا بالوطء؛ فنقول على هذا، إنما يجب عليه أداء الصوم قبل النحر بثلاث ليالٍ، فإذا وجد الهدي بعد انقضاء بعضها من غير صوم، ثم وجد الهدي؛ فهذه الصورة يجب أن يجب فيها الهدي، ولا يجزئه الصوم، كما لو عزم المظاهر على العود ولم يصم حتى وجد الرقبة، وذلك لأنه وجد الهدي قبل أن يجب الصوم؛ فإن الصوم لا يجب في الذمة إلا إذا أحرم بالحج، أو وقف بعرفة".

وقال أيضًا: "وأما إن كان فرضه الصوم ودخل يوم النحر ولم يصم، ثم وجد الهدي؛ فها هنا يشبه مسألة الكفارات؛ إلا أن الصوم هنا فات وقته بخلاف الصوم في الكفارات؛ فقد فرط بتفويته، وقد اختلفت الرواية عنه؛ فعنه: أنه يهدي هديان ولا يجزئه الصوم، وعنه: يقضي الصوم ويهدي، وعنه: يقضيه من غير هدي إن شاء اللَّه، فإن هذه المسألة لها مأخذان:

أحدهما: أنه قد استقر البدل في الذمة.

والثاني: أنه قد فوته". اهـ.

ورجح المراوي في "الإنصاف"(3/ 516) عدم إلزامه الانتقال حتى إذا وجد الهدي ولم يشرع في الصيام، قال:

"إحداهما: لا يلزمه، وهي المذهب، قال في "القواعد الفقهية": هذا المذهب، وصححه في "الهداية" و"المذهب" و"مسبوك الذهب" و"المستوعب" و"الخلاصة" =

ص: 124

- (ومنها): كفارة الظهار واليمين ونحوهما، والحكم فيهما (1)؛ كهدي المتعة.

- (ومنها): اذا أتلف شيئًا له مثل، وتعذر وجود المثل، وحكم الحاكم بأداء القيمة، ثم وجد المثل قبل الأداء؛ وجب أداء المثل، ذكره الأصحاب؛ لأنه قدر على الأصل قبل أداء البدل؛ [فيلزمه كما إذا](2) وجد الماء قبل الصلاة، وينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ثم عدمه، أما إن عدمه ابتداءً؛ فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خِلافٌ.

وأما التيمم؛ فلا يشبه ما نحن فيه؛ لأنه لو وجد الماء بعد فراغه منه لبطل، ووجب استعمال الماء بنص الشارع، وها هنا لو أدى القيمة؛

= و"التلخيص".

والرواية الثانية: يلزمه؛ كالمتيمم يجد الماء، صححه في "التصحيح" و"النظم" والقاضي الموفق في "شرح المناسك"، وجزم به في "الإفادات"، وهو ظاهر ما جزم به في "الوجيز" و"الخرقي" و"المنور" و"المنتخب"؛ لأنهم قالوا: لا يلزمه الانتقال بعد الشروع".

وانظر: "الفروع"(3/ 325)، و"المبدع"(3/ 178)، و"المغني"(3/ 381).

أما شروعه في الصيام؛ فيشرع له ذلك إنْ غلب عليه أنه لم يجد الهدي في يوم النحر، فإذا شرع في صوم الثلاثة؛ لم يلزمه الانتقال إلى الهدي، بل يمضي في صومه، وإن انتقل إليه؛ فهو أفضل. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة"(3/ 346 - 347)، ونقله عن الإمام أحمد في رواية ابن منصور وحنبل.

(1)

في نسخة (ب): "فيها".

(2)

كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ج):"فيلزمه كما لو"، وفي (ب):"فلزمه كما لو".

ص: 125

لبرئ، ولم يلزمه أداء المثل بعد وجوده، وقال في "التلخيص": على الأظهر، وهو يشعر بخلاف فيه (1).

- (ومنها): لو جعل [الإِمامُ](2) لمن دله على حِصْنٍ جاريةً من أهله (3)، فأسلمت بعد الفتح أو قبله، وكانت أمة؛ فإنه يجب له قيمتها إذا كان كافرًا؛ لأنه تعذر تسليم عينها إليه، فوجب له البدل، فإن أسلم بعد إسلامها؛ فهل يعود حقه إلى عينها فيه؟

لأصحابنا وجهان:

أحدهما: لا يعود؛ لأنه حقه استقر في القيمة، فلا ينتقل إلى غيرها.

والثاني: بلى؛ لأنه إنما انتقل إلى القيمة لمانع، وقد زال؛ فيعود حقه إليها.

- (ومنها): لو أصدقها شجرًا فأثمرت، ثم طلقها قبل الدخول،

(1) مثال ذلك: إذا أتلف صاعًا من بُرٍّ؛ وجب عليه الضمان بمثله، لكن ما وجد صاعًا من البر نرجع إلى القيمة، فحكم الحاكم بقيمة الصَّاع، ولكن قبل أن يسلّم القيمة لصاحبها وجد البُر (أي: وجد الأصل قل أداء البدل)؛ فهل نبقي على البدل، أم نرجع إلى الأصل؟

فالأصحاب يقولون: يرجع إلى رد المثل؛ لأنه الأصل وقدر عليه قل أداء البدل؛ فلزمه كما لو وجد الماء قبل الصلاة؛ فإنه يبطل التيمم ويجب عليه الوضوء، وكأن ابن رجب رحمه الله ناقش هذه المسألة، ورأى أنه لا يلزمه رد المثل (أداء الأصل)؛ لأنه لم يُؤدِّه بعد إلى صاحبه؛ فلا يلزمه رد المثل لأن الحاكم حكم بوجوب القيمة. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

أي: من أهل حصن من حصون العدوّ.

ص: 126

وامتنعت من دفع نصف الثمرة مع الأصل؛ تعينت له القيمة (1)، فإن قال: أنا أرجع في نصف الشجرة (2)[وأترك الثمرة](3) عليها، أو أترك الرجوع حتى تجدي ثمرتك (4)، ثم أرجع فيه؛ ففيه وجهان، حكاهما القاضي وغيره:

(أحدهما): لا يجبر (5) على قبول ذلك، وهو الذي ذكره ابن عقيل؛ لأن الحق قد انتقل من العين، فلم يعد إليها إلا بتراضيهما.

(والثاني): يجبر (6) عليه؛ لأنه لا ضرر عليها؛ فلزمها كما لو [وجدها](7) ناقصة فرضي بها؛ فعلى هذا الحق (8) باق في العين لبقائها في ملكها، وكذلك ذكر القاضي في موضع من "المجرد": أنه إذا لم يأخذ القيمة حتى قطع الطلع وعاد النخل كما كان أن للزوج الرجوع في نصفه.

- (ومنها): لو طلقها قبل الدخول وقد باعت الصداق، فلم يأخذ نصف قيمته حتى فسخ البيع؛ لعيب (9).

(1) كتب على هامش (ب): "أي: قيمة نصف الشجر".

(2)

في (ج): "الشجر".

(3)

في (ج): "وأترك نصف الثمرة".

(4)

كذا في المطبوع، وفي (أ) و (ب) و (ج):"ثمرك".

(5)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"لا تجبر".

(6)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"تجبر".

(7)

كذا في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"جدها"، بسقوط الواو.

(8)

كتب على هامش (ب): "أي: حق الزوج".

(9)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"بعيب"، ولعله الصواب.

ص: 127

قال الأصحاب: ليس له أخذ نصفه؛ لأن حقه وجب في القيمة، ولم تكن العين [حينئذ](1) في ملكهما (2).

ولا يبعد أن يخرج (3) فيه وجه آخر بالرجوع كالتي قبلها، وهذا إذا لم نقل: إنه يدخل (4) في ملكه قهرًا كالميراث؛ فإن قلنا: يدخل قهرًا؛ عاد حقه إلى العين بعودها إليها [بعيب](5)، ولا يقال: هذا عاد إليها ملكًا جديدًا؛ فلا يستحق الرجوع فيه كما لا يستحق الأب الرجوع فيما خرج عن ملك الابن ثم عاد؛ لأنهم قالوا: لو عاد إليها قبل الطلاق لرجع فيه بغير خلاف؛ لأن حقه فيه ثابت بنصّ القرآن (6).

وفي "شرح الهداية" لأبي البركات ما يدل على عكس ما ذكرنا، وهو أنا إن قلنا: يدخل نصف المهر في ملك الزوج قهرًا؛ فليس له العود (7) إلى عينه بحال نظرا إلى أن القيمة تقوم مقام العين عند امتناع الرجوع في العين؛ فيملك نصف القيمة قهرًا حينئذ، ولا ينتقل حقه عنها بعد ذلك.

- (ومنها): لو اشترى عينًا ورهنها أو تعلق بها حق شفعة أو جناية،

(1) كتب على هامش (ب): "أي: حين وجوب القيمة".

(2)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج):"ملكها".

(3)

في نسخة (ب): "يتخرج"، ولعله الصواب.

(4)

في نسخة (ب): "دخل".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"ثابت بالقرآن".

(7)

كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، وعلى هامش (ب):"وهو الصحيح"، وفي (أ):"له الرجوع".

ص: 128

ثم أفلس، ثم أسقط المرتهن أو الشفيع أو المجني عليه حقه؛ فالبائع أحق بها من الغرماء لزوال المزاحمة على ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، ذكره أبو البركات في "شرحه".

ويتخرج فيه وجه آخر: أنه أسوة الغرماء.

* * *

ص: 129

(القاعدة السابعة عشرة)(1)

إذا تقابل عملان: أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة؛ فأيهما يرجح؟

ظاهر كلام أحمد ترجيح الكثرة، ولذلك صور (2):

(1) في (أ): "قاعدة 17" هكذا.

(2)

إذا وجد عملان، أحدهما أكثر، والثاني أفضل، وتعارضا في الكمية والكيفية؛ فأيُّهما نُقدِّم، الكمية أو الكيفية؟

مثاله: رجل عنده عبد كاتب حاسب عالم جيد، وعنده عبدان، لكنهما جاهلان؛ فهل الأفضل أن يعتق العبد، أو أن يعتق العبدين؟

فإن قلنا باعتبار الكيفية؛ فالأفضل أن يعتق العبد، وإن قلنا باعتبار الكمية؛ فصار الأفضل أن يعتق العبدين، وكذلك في الصلاة؛ هل الأفضل أن يصلي ركعتين يطيل فيهما القراءة والذكر والدعاء، أو الأفضل أن يصلي أربع ركعات لكنها خفيفة؟ (ع).

قلت: ذكر ابن القيم في "بدائع الفوائد"(3/ 163 - 164) قواعد علمية متينة للمفاضلات، قال رحمه اللَّه تعالى: "فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولًا، ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيًا، ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثًا كثرة وقوة، ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعًا؛ فرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالًا لغيره، بل كمال غيره بسواها؛ فكمال خالد ابن الوليد بشجاعته وحروبه، وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه، وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا؛ فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل، وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض، وها هنا نكتة خفية لا ينتبه لها الا من بصره اللَّه، =

ص: 130

(أحدها): إذا تعارض صلاة ركعتين طويلتين وصلاة أربع ركعات في زمن واحد؛ فالمشهور أن الكثرة أفضل، وحكي عن أحمد رواية أخرى بالعكس، وحكي عنه رواية ثالثة بالتسوية (1).

= وهي أن كثيرًا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسبته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله، وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإغضاء عما سواها، ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس، ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا، وهذا منافٍ لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل اللَّه سواها ولا يرضى غيرها، ومن هذا تفضيل كثير من أصحاب المذاهب والطرائق وأتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته أو شيخه، وكذلك الأنساب والقبائل والمدائن والحرف والصناعات، فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى، وهو أنه يشهد حظه ونفعه المتعلق بتلك الجهة ويغيب عن نفع غيره بسواها؛ لأن نفعه مشاهد له أقرب إليه من علمه بنفع غيره فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه؛ فهذه نكت جامعة مختصرة، إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها، واستقام له نظره ومناظرته، واللَّه الموفق".

(1)

الغالب أن الكيفية أنفع للقلب إذا كان فيها طول وخشوع وتأمل وتدبر، أما بالنسبة لمن يصلي بغيره؛ فالغالب أنَّ الكثرة مع التخفيف أيسر للناس، وهل الأفضل تطويل الركوع والسجود، أو تطويل القراءة؟

فمن العلماء من يقول: إذا أردت أن تصلي متطوعًا؛ فالأفضل كثرة القراءة؛ لأن القرآن أفضل من غيره، وتخفف الركوع والسجود، ومنهم من قال: بل تخفف القراءة، وتطيل في الركوع والسجود، لأن الركوع محل تعظيم الرب، والسجودُ محل دعاء وقرب من اللَّه عز وجل، ولكنه في مسألة الصلاة يقال: إن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون الصلاة متقاربة متوازنة، إذا أطلت القيام؛ أطل الركوع والسجود، وإذا خففت القيام، فخفف الركوع والسجود. (ع).

قلت: المفاضلة بين أداء ركعتين طويلتين أو أربع ركعات في زمن واحد، والذي =

ص: 131

(والثانية): أهدى بدنة سمينة بعشرة وبدنتين بعشرة أو بأقل.

قال ابن منصور: قلت لأحمد: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة. قال: ثنتان (1) أعجب إلي.

ورجح الشيخ تقي الدين تفضيل البدنة السمينة، وفي "سنن أبي داود" حديث يدل عليه (2).

= يظهر لي -واللَّه أعلم- أن الكيفية والطول أنفع للطائعين والمقرِّبين، ودليله: لما سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيَّ الصّلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت"، أخرجه مسلم في "صحيحه"(رقم 756) عن جابر، والمراد بالقنوت هنا القيام، وجاء مصرحًا به عند أبي داود في "السنن"(رقم 1325، 1449) والحميدي في "المسند"(رقم 1276)، وأن الكثرة وتعداد الركعات أنفع للعصاة؛ لما ورد عند أحمد بإسناد حسن -كما في "الترغيب" (رقم 377 - صحيحه) عن أبي ذر رفعه:"إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه اللَّه؛ فتهافت عنه ذنوبه كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة"، وكذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (رقم 225) عن ثوبان: "عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد للَّه سجدة إلا

وحط بها عنك خطيئة".

(1)

في نسخة (ج): "بدنتان".

(2)

يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، رقم 2796)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الأضاحي، باب ما جاء فيما يستحب من الأضاحي، 4/ 85/ رقم 1496)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب الضحايا، باب الكبش، 7/ 221)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأضاحي، باب ما يستحب من الأضاحي، رقم 3128)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 228)؛ عن أبي سعيد الخدري:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشٍ أقرن فحيلٍ، يأكل في سواد، ويشرب في سواد". وإسناده صحيح على شرط مسلم.

والأقرن: ذو القرنين، والفحيل: الكريم المختار للفحلة، ويقال: المنجب في =

ص: 132

(والثالثة): رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة وآخر قرأ في تلك المدة سورًا عديدة سردًا.

قال أحمد في رواية جعفر بن أحمد بن أبي قيماز و [قد](1) سئل: أيما أحب إليك: الترسل أو الإسراع؟ قال: أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة (2)؟ قالوا له: في السرعة؟ قال: إذا صور الحرف بلسانه ولم

= ضرابه، وأراد به النبل وعِظَم الخلقة، و"يأكل في سواد. . . " أراد أن فمه وما أحاط بملاحظ عينه من وجهه وأرجله أسود، وسائر بدنه أبيض.

ويؤيده ما أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 424)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 231)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3/ 69/ رقم 1384)، والبيهقي في "الكبرى"(9/ 268)؛ عن أبي الأسد -بالسين، وقيل: بالشين المعجمة- السلمي، عن أبيه، عن جده؛ قال:"كنتُ سابعَ سبعة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأمر فجمع كلُّ رجلٍ منا درهمًا، فاشترينا أضحية بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول اللَّه! لقد أغلينا بها. قال: إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنًا وأنفسها".

وإسناده ضعيف.

أبو الأسد -أو الأشد- مجهول، وكذا أبوه، وقيل: إن جده عمرو بن عبس.

وفيه أيضًا عثمان بن زفر الجهني، وهو مجهول أيضًا؛ كما في "التقريب"، وممن أشار إلى ضعفه الهيثمي في "المجمع" (4/ 21). وانظر:"السلسلة الضعيفة"(رقم 1678).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(2)

يشير إلى حديث ثبت عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا نصه: "من قرأ حرفًا من كتاب اللَّه تعالى؛ كتب اللَّه له عشر حسنات، أما إني لا أقول {الم} حرف، ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة".

ولأبي القاسم عبد الرحمن بن منده جزء مفرد فيه، انظره مع تعليقات المحقّق، وقد خرجته في تحقيقي لـ"الموافقات"(4/ 184 - 185)؛ فانظره.

ص: 133

يسقط من الهجاء. وهذا ظاهر في ترجيح الكثرة على التدبر.

ونقل عنه حرب: أنه كره السرعة؛ إلا أن يكون لسانه كذلك لا يقدر أن يترسل.

وحمل القاضي (1) الكراهة على ما إذا لم يبين الحروف (2)، نقل (3) عنه مثنى بن جامع (4) في رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، ورجل أقل الأكل فقلت نوافله وكان أكثر فكرة (5)؛ أيهما أفضل؟ فذكر ما جاء في

(1) في هامش نسخة (أ): "ما نص عن أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه، ونقل عن [هنا اسم غير واضح] في "مصنفه" عنه كذلك".

(2)

يقال بالتفصيل في هذا الأمر: إذا كانت قراءته بالتدبر أكثر خشوعًا وانتفاعًا بالقرآن؛ فهو أفضل بلا شك، وأما إذا تساويا؛ فإن الإسراع أكثر، لا سيما إذا كان الرجل قد اعتاد وردًا معينًا من القرآن يقرأه كل يوم، وخاف إن تركه هذا اليوم تكثر عليه العوائد ويعجز عن متابعة ورده؛ فبهذه الحال نقول: إن الإسراع أفضل، والحاصل إن مثل هذه الأشياء قد يعتريها أمور أخرى تقتضي أن يكون المفضول أفضل من الفاضل، وإلا بالنظر إلى مجرد السرعة والتدبر لا شك أن التدبر أفضل، والقرآن إنما نزل {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، لكن هناك أمور أخرى نسبية تجعل المفضول أفضل من الفاضل.

(ع).

قلت: رجّح القرطبي في "تفسيره"(15/ 192) التدبر على الهذّ، وهو سرعة القراءة.

(3)

في نسخة (ج): "ونقل".

(4)

هو مثنى بن جامع أبو الحسن الأنباري، قال الخلال:"كان مذهبه أن يهجر ويباين أهل البدع، وكان أبو عبد اللَّه يعرف قَدَره وحقَّه، ونقل عنه مسائل حسانًا"، له ترجمة في "طبقات الحنابلة"(1/ 336)، ونقل عنه المسألة المذكورة هنا عند ابن رجب.

(5)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"أكثره فكرة".

ص: 134

الفكر: تفكر ساعة خير من قيام ليلة (1). قال: فرأيت هذا عنده أكثر (يعني: [التفكر])(2)، وهذا (3) يدل على تفضيل قراءة التفكر على السرعة. وهو اختيار الشيخ تقي الدين (4)، وهو المنصوص صريحًا عن الصحابة

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(13/ 507)، وأحمد في "الزهد"(139)، وهناد في "الزهد"(رقم 943)، وابن سعد في "الطبقات"(7/ 392)، والبيهقي في "الشعب"(1/ 1/ 35)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 208 - 209)؛ عن أبي الدرداء قوله.

وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة"(1/ 297 - 298/ رقم 42)، والديلمي في "الفردوس"(2/ ق 46/ الزهر- نسخة الجامعة الإسلامية، رقم 1451)، عن ابن عباس قوله.

وفي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو متروك.

وأخرج أبو الشيخ في "العظمة"(1/ 305/ رقم 48) عن عمرو بن قيس الملائي قوله: "بلغني أن تفكر ساعة خير من عمل دهر من الدهر".

وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "خير من عبادة ستين سنة"، وهو موضوع.

انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"(رقم 173)، و"الموضوعات"(3/ 143 - 144)، و"التعقبات" للسيوطي وتعليقنا عليه، و"اللآلئ المصنوعة"(2/ 325).

وانظر في فضيلة التفكر: "مفتاح دار السعادة"(ص 196 - 197).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"الفكر"، والأول الصواب.

(3)

في نسخة (أ): "وهذه تدل".

(4)

لم يختر هذا شيخ الإسلام على الإطلاق، بل فصل حسب حال الناس؛ فمنهم من يجد في السرعة من اجتماع قلبه وقوة إيمانه واندفاع الوسواس عنه ما لا يجده في غيره؛ فكل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له.

راجع له -مثلًا-: "مجموع الفتاوى"(19/ 119 - 121، 22/ 345 - 348).

ص: 135

والتابعين.

(والرابعة): رجلان: أحدهما ارتاضت نفسه على الطاعة وانشرحت بها وتنعمت وبادرت إليها طواعية ومحبة، والآخر يجاهد نفسه على تلك الطاعات ويكرهها عليها (1)؛ أيهما أفضل؟

قال الخلال: كتب إليَّ يوسف بن عبد اللَّه الإسكافي: حدثنا الحسن بن علي بن الحسن: أنه سأل أبا عبد اللَّه عن الرجل يشرع له وجه بر فيحمل نفسه على الكراهة، وآخر يشرع له فيسر بذلك؛ فأيهما أفضل؟ قال (2): ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعلم القرآن وهو كبير يشق عليه؛ فله أجران"(3)؟!

(1) كتب على هامش (ب) هنا: "كون هذه المسألة الرابعة من جزئيات القاعدة هو أن المجاهد نفسه وجد منه عملان: الجهاد والطاعة، والمرتاضة نفسه وجد مه عمل الطاعة فقط".

(2)

في نسخة (ج): "فقال".

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب التفسير، باب منه، 8/ 691/ رقم 4937)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه، 1/ 549 - 550/ رقم 798)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الوتر، باب في ثواب قراءة القرآن، رقم 1454)، والنسائي في "فضائل القرآن"(رقم 70)، والترمذي في "الجامع"(أبواب فضائل القرآن، باب منه، رقم 2904)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأدب، باب ثواب القرآن، رقم 3824)، وأحمد في "المسند"(6/ 48، 98، 170، 239، 266)، والدارمي في "السنن"(2/ 444)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(10/ 490)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3/ 375)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1499)، وإسحاق بن راهويه في "المسند"(رقم 1313)، والفريابي (3، =

ص: 136

وهذا ظاهر في ترجيح المكره نفسه؛ لأن له عملين: جهادًا، وطاعة أخرى، ولذلك كان له أجران، وهذا قول ابن عطاء وطائفة من الصوفية من أصحاب أبي سليمان الداراني.

وعند الجنيد وجماعة من عباد البصرة: أن الباذل لذلك طوعًا ومحبة أفضل، وهو اختيار الشيخ تقي الدين (1)؛ لأن مقامه في طمأنينة النفس

= 4)، وابن الضُّريس (29، 30، 32، 35)، وأبو عبيد (ص 38)، وأبو الفضل الرازي (98)؛ جميعهم في "فضائل القرآن"، وتمام في "الفوائد"(4/ 96 - مع ترتيبه)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1/ 505)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 430)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 395) و"الشعب"(4/ 537)، وابن عبد البر في "التمهيد"(14/ 134)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(1/ 261)، وأبو جعفر النحاس في "القطع والائتناف"(ص 79)، وعلّم الدين السخاوي في "جمَّال القُرَّاء"(1/ 101)، والشجري في "الأمالي"(1/ 72 - 73)، وابن الجوزي في "المشيخة"(171 - 172)؛ عن عائشة رضي الله عنها.

قال القسطلاني في "لطائف الإشارات لفنون القراءات"(1/ 14): ". . . وأما الذي يتعتع فيه؛ فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه؛ فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتعبه ومشقّته، فإنْ قلتَ: يلزم أن يكون المتعتع أفضل من الماهر، من حيث إن له أجرين، ولم يذكر للماهر أجرين؛ أجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر لكل واحدٍ فضيلة؛ ليكون حثًّا له على القراءة، فذكر للمتعتع أجرين، وللماهر كونه مع السفرة، والكون مع السفرة لا يتقاعد عن حصول الأجرين، وليس معناه أن الذي يتعتع له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا؛ فإنه مع السفرة، وله أجور كثيرة، وكيف يلتحق به من لم يعتنِ بكتاب اللَّه وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودراسته؛ كاعتنائه به حتى مهر به؟! ".

(1)

وفصل ابن القيم في "طريق الهجرتين"(ص 378 - 386 - ط دار ابن القيم) أدلة الفريقين، وقال: "وقد اختلف أرباب السلوك هنا في هذه المسألة، وهي: أيهما أفضل: =

ص: 137

أفضل من أعمال متعددة، ولأنه من أرباب المنازل والمقامات، والآخر من أرباب السلوك والبدايات؛ فمثلهما كمثل [رجلين: أحدهما] (1) مقيم بمكة يشتغل بالطواف، والآخر يقطع المفاوز والقفار في السير إلى مكة؛ فعمله أشق، والأول أفضل، واللَّه أعلم (2).

= من له داعية وشهوة وهو يحبسها للَّه ولا يطيعها حبًّا له وحياءً منه وخوفًا، أو من لا داعية له تنازعه، بل نفسه خالية من تلك الدواعي والشهوة، قد اطمأنت إلى ربِّها، واشتغلت به عن غيره، وامتلأت بحبه وإرادته؛ فليس فيها موضع لإرادة غيره ولا حبه؟ ".

وأفاض في ذكر أدلة الفريقين، ثم ختم الكلام على المسألة بقوله:

"والحق أن كلا الطائفتين على صواب من القول، لكن كل فرقة لحظت غير ملحظ الفرقة الأخرى؛ فكأنهما لم يتواردا على محل واحد، بل الفرقة الأولى نظرت إلى نهاية سير المجاهد لنفسه وإرادته وما ترتب له عليها من الأحوال والمقامات؛ فأوجب لها شهود نهايته رجحانه، فحكمت بترجيحه واستحلت بتفضيله، والفرقة الثانية نظرت إلى بدايته في شأنه ذلك ونهاية النفس المطمئنة؛ فأوجب لها شهود الأمرين الحكم بترجيح القلب الخالي من تلك الدواعي ومجاهدتها، وكل واحدة من الطائفتين قد أدلت بحجج لا تمانع، وأتت ببينات لا ترد ولا تدافع، وفصل الخطاب في هذه المسألة يظهر بمسألة يرتضع معها من لبانها ويخرج من مشكاتها، وهي أن العبد إذا كان له حال أو مقام مع اللَّه، ثم نزل عنه إلى ذنب ارتكبه ثم تاب من ذنبه؛ هل يعود إلى مثل ما كان أو لا يعود؟ بل إن رجع رجع إلى أنزل من مقامه وأنقص من رتبته، أو يعود خيرًا مما كان؟ ".

(1)

هكذا في نسخ (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع بدل ما بين المعقوفتين:"رجل"!!

(2)

رجل أعجمي يجاهد نفسه في قراءة القرآن، لا يقرأ إلا القليل مع تعبٍ شديدٍ، وآخر لسانه طليق وحر، يقرأ القرآن، ويتلذذ به، فهل المجاهد نفسه ليس له أجر؟

الجواب: إن لكل واحد نصيب؛ فالأول له أجران: أجر المشقة والتعب، وأجر القراءة، والثاني أكمل منه في أجر القراءة؛ لأنه وصل إلى حال صارت الطاعة عنده هي قرة =

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عينه؛ فهذا من نعم اللَّه عليه، والإنسان إذا فعل الطاعة مع المشقة؛ يعطى على أجر النَّصَب، ولا شك من جهة الكمال والمرتبة والمقام أن الذي يفعلها وهو منقاد لها منشرح بها صدره أفضل، وتتضح المفاضلة في مسألة الجماعة؛ الرجل الذي إذا أذن قام وهو منشرح الصدر مطمئن القلب راغب في ما عند اللَّه وذهب يصلي، والثاني يذهب إلى الجماعة بمشقة وهو يعالج نفسه؛ فلا شك أن الأول أكمل حالًا من الثاني؛ لأن كونه ينطبع على العبادة حتى تكون راحة قلبه وطمأنيته، هذا أعلى مقام، ولهذا قال رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام:"وجعلت قرة عيني في الصلاة"، أما الثاني؛ فإنه يؤجر على أصل العمل، لكنه عمل ناقص في حد ذاته، ويؤجر أجرًا آخر على الجهاد والمشقة لإرغام النفس على فعل الطاعة.

فالأول -كما قال شيخ الإسلام رحمه الله من أرباب المقام والمنازل، والثاني من أرباب السلوك والجهاد؛ فالأول بلا شك أكمل حالًا، والثاني أكثر مشقة، فيؤجر على المشقة، ولكن منزلته في العبادة دون الأول، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم عملهم أفضل من غيرهم، "لو أن أحدكم أنفق مل أحُد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، لكن في أيام الصبر للعامل أجر خمسين من الصحابة؛ لأنه يكابد العمل ويشق عليه، لكن الأولون أكمل حالًا، هذا هو التفصيل في هذه المسألة.

والمجاهد قد يصل إلى المرتبة الأولى، وترتاض نفسه على الطاعة، ويطمئن إليها وينشرح لها صدره، وقد لا يصل إلى هذا، قد يبقى دائمًا في جهاد، وربما تكون هناك عوائق أيضًا، لأنه ما دامت النفس غير منساقة إلى العمل؛ ربما يكون له عوائق أيضًا، مع المجاهدة يمل ويتعب. (ع).

قلت: حديث "وجعلت قرة عينى. . . " أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 128، 199، 285)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 39)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، 7/ 61)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 160)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(1/ 331، 332/ رقم 322 و 323)، وأبو يعلى في "المسند"(6/ 199 - 200، 237/ رقم 3482 و 3530)، والبيهقي في "السنن =

ص: 139

(والخامسة): تعارض عتق رقبة نفيسة بمال وعتق رقاب متعددة بذلك المال.

قال القاضي وابن عقيل: الرقاب أفضل.

وفيه أيضًا نظر، وقد كان طائفة من السلف؛ كابن عمر (1) والربيع بن

= الكبرى" (7/ 78)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 98، 229 - 230)، والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 262).

وسنده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 150 - 151) وقال:"ومن رواه "حبب إليَّ من دنياكم ثلاث"؛ فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم "ثلاث"، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها".

وقال ابن كثير في "الشمائل"(ص 38) في الرواية التي فيها "من دنياكم": "وليس بمحفوظ بهذا؛ فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا، وإنما هي من أهم شؤون الآخرة".

وكذا قال العراقي وابن حجر والسخاوي.

وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 116)، و"المقاصد الحسنة"(ص 180).

وحديث "لو أن أحدكم أنفق. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا. . . "، 7/ رقم 3673)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، 4/ رقم 2541)، وأفرد له ابن حجرجزءً مفردًا مطبوع بتحقيقي، وللَّه الحمد.

(1)

ورد ذلك في قصص كثيرة عنه تجدها في: "الزهد" لأبي داود (رقم 300، 312)، و"الزهد"(رقم 635) لهنَّاد، و"الحلية" لأبي نعيم (1/ 295، 298)، و"صفة الصفوة"(1/ 568) لابن الجوزي.

وعزى نحوه ابن كثير في "التفسير"(1/ 389) للبزار، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 360) لعبد بن حميد والبزار.

ص: 140

خثيم (1) يستحبون (2) الصدقة بما يشتهون (3) من الأطعمة؛ وإن كان المسكين ينتفع بقيمته أكثر؛ عملًا بقوله [تعالى](4): {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وهذا في العتق أولى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم:"خير الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنًا"(5)، واللَّه أعلم (6).

(1) في نسخة (ج)؛ "خيثم"؛ بتقديم الياء -آخر الحروف- على الثاء -المثلثة-، والصواب ما في المطبوع و (أ) و (ب).

وأخرج هناد في "الزهد"(رقم 636، 637، 638) -ومن طريقه ابن العديم في "بغية الطلب"(8/ 3578 - 3579) -، وابن أبي شيبة في "المصنف"(13/ 398، 401 و 14/ 35)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(6/ 188)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(2/ 567، 568)، وعبد اللَّه بن أحمد في "زوائد الزهد"(329، 334، 337)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 107، 115) قصصًا عن الربيع جميعها تدل على ما ذكر المصنِّف.

(2)

في نسخة (ب): "يستحبان".

(3)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ):"يشتهونه"، وفي (ج):"يشتهيانه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(5)

أخرج البخاري في "الصحيح"(26، 2518)، ومسلم في "الصحيح" (رقم 84)؛ عن أبي ذر؛ قال:". . . قلت: أيُّ الرقاب أفضل؟ قال: أنْفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا". لفظ مسلم، ولفظ البخاري:"أعلاها ثمنًا وأنْفَسُها عند أهلها".

(6)

رجل عنده عبد قيمته عالية لنفاسته، ورجل عنده أعبد قيمتهم كقيمة هذا العبد النفيس؛ هل الأفضل عتق العبد النفيس أو الأعبد؟

فمنهم من يرى أن عتق العبد النفيس أفضل؛ لأن النفس تتعلق به أكثر، وإذا أخرجه للَّه مع تعلق النفس به؛ كان ذلك دليلًا على أن الخير أحب إليه، وبعضهم يقول: التعدد أفضل؛ لأنك إذا أعتقت عبدين خير مما إذا أعتقت عبدًا واحدًا، والصواب أنه ينظر فيها إلى النتيجة؛ فقد تكون النتيجة في انعتاق هذين العبدين أكمل، كما لو كان هذان العبدان =

ص: 141

(القاعدة الثامنة عشرة)

إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد (1) ليست إحداهما [مفعولة] على جهة (2) القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد.

وهو على ضربين (3):

= معذبين عند سيدهما؛ فإن شراءهما وإعتاقهما أفضل، وقد يكون الأمر بالعكس، كما لو يكون هذا الرجل النفيس كاتبًا صانعًا وما أشبه ذلك؛ فها هنا الأفضل أن يعتق هذا؛ فالمهم أن مسائل التفضيل يراعى فيها المعاني والأوصاف التي توجب فضل هذا على هذا. (ع).

قلت: وعليه يخرج: أيهما أفضل؛ عتق الرقبة الكافرة ذات الثمن، أم المؤمنة قليلة الثمن؟ كما تراه في "تفسير القرطبي"(20/ 68 - 69).

(1)

في نسخة (ج): "من جنس واحد".

(2)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"وجه".

(3)

اجتمعت عبادتان من جنس واحد -كصلاة مثلًا-، ولم تكن إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى، احترازًا على ما لو اجتمع صلاة عصر حاضرة وصلاة ظهر مقضية، العبادتان من جنس واحد، لكن إحداهما مفعولة على جهة القضاء؛ فهنا لا يكتفي بالواحدة عن الأخرى، ومن هنا نعلم خطأ من أفتى بأن الإنسان يجوز أن ينوي بقضاء رمضان القضاء والست من شوال جميعًا؛ فهذا لا يجزئ لأن ستة أيام من شوال تابعة لرمضان:"من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال"، وكذلك أيضًا الموالاة على =

ص: 142

(أحدهما): أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا؛ [فيشترط](1) أن ينويهما [معًا](2) على المشهور.

ومن أمثلة ذلك: من عليه حدثان أصغر وأكبر؛ فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين [جميعًا](3) بها، وعنه: لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء، واختار أبو بكر أنه يجزئه عنهما إذا أتى بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة، وإلا؛ فلا، وجزم به صاحب "المبهج"(4)، ولو كان عادمًا للماء، فتيمم تيممًا واحدًا ينوي به الحدثين؛

= وجه التبعية للأخرى، فإن كان على وجه التبعية للأخرى؛ فإن هذا تجزئه إحداهما على الأخرى، مثال ذلك: لو أن أحدًا قال: أريد أن أصلي الظهر وأنويها عن الفريضة وعن الراتبة؛ لا تصح لأن الراتبة تبع، وكذلك من أراد أن يصلي الفجر، فقال: أنويها عن الفجر وعن الراتبة؛ لأنها تبع لها. (ع).

قلت: حديث "من صام رمضان. . . " أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوَّال إتباعًا لرمضان، 2/ رقم 1164) عن أبي أيوب الأنصاري رفعه.

وانظر عنه: "لطائف المعارف" (ص 389 - ط دار ابن كثير" للمصنف، و"رفع الإشكال" للحافظ العلائي، طبع دار ابن حزم.

(1)

هكذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"يشترط".

(2)

هكذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"جميعًا".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(4)

هو لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي (ت 486 هـ)، ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 71)، والسُّبيعي في "الدُّر المنضَّد"(رقم 24).

ص: 143

أجزأه عنهما بغير خلاف، ونص عليه أحمد في رواية مهنا (1).

- (ومنها): القارن إذا نوى الحج والعمرة؛ كفاه لهما طواف واحد، وسعي واحد على المذهب الصحيح، وعنه: لا بد من طوافين وسعيين؛ كالمفرد.

والقاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما"(2) حكيا هذه الرواية على وجه

(1) رجل عليه جنابة، فنوى بغسله رفع الحدثين؟

المذهب أنه يجزئ، ويندرج الحدث الأصغر تحت الحدث الأكبر، وهنا اكتفينا بفعل واحد وهو الغسل، لكنه أجزأ عنهما بالنية.

في قول آخر: أنه لا يجزئ حتى يأتي بالوضوء، يتوضأ أولًا ثم يغتسل ثانيًا، أو يغتسل ثم توضأ، المهم أن يأتي بهما معًا؛ فالنيتان بالغسل لا تجزئ عن الحدثين.

قول ثالث: لا يأتي بالوضوء، ولكن يجب أن يأتي بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة.

وفيه قول رابع، وهو أصحها: إنه إذا نوى رفع الحدث الأكبر أجزأ عن الأصغر؛ لأنَّ اللَّه تعالى يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ولم يذكر وجوب الوضوء ولا وجوب نيته، وهذا القول هو الراجح على أنه يجزئ إذا نوى رفع الحدث الأكبر، أدى عن الأصغر؛ لأن اللَّه تعالى لم يذكر شيئًا آخر سوى أن يطهّر الإنسان. (ع).

قلت: انظر في أدلة المسألة: "سنن البيهقي"(1/ 177)، و"فتح البارى"(1/ 287)، و"المحلى"(2/ 28)، و"تمام المنة"(ص 129 - 130).

ويخرج عليه أيضًا اجتماع غُسْلَي الجمعة والجنابة، وتبويب البيهقي في "السنن الكبرى" على أثر أبي قتادة الأنصاري يساعد عليه؛ فقال (1/ 298):"باب هل يكتفي بغسل الجنابة عن غسل الجمعة إذا لم ينوها مع الجنابة؟ "، وسبقه "باب الاغتسال للجنابة والجمعة جميعًا إذا نواهما معًا"، وكذلك اجتماع غسل الجنابة والحيض، خلافًا لما قرره شيخنا الألباني حفظه اللَّه في "تمام المنة"(ص 126 - 129).

(2)

نقل المصنف من "الخلاف" للقاضي أبي يعلى وأكثر جدًّا، وسمّاه تارةً =

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخرى "التعليق"، واسم الكتاب كاملًا:"التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمّة"، ذكره جماعة لأبي يعلى؛ منهم: المصنف في "الاستخراج لأحكام الخراج"(43)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(2/ 206)، والمرداوي في "الإنصاف"(1/ 13)، والعليمي في "المنهج الأحمد"(2/ 112)، والبعلي الحنبلي في "القواعد والفوائد الأصولية"(281).

ويقع هذا الكتاب في أحد عشر مجلدًا، استفدنا ذلك من رسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كتبها وهو في مصر لأهله في الشام، جاء فيها:"وترسلون أيضًا من "تعليق القاضي أبي يعلى" الذي بخط القاضي أبي الحسين إن أمكن الجميع، وهو أحد عشر مجلدًا، وإلا؛ فمن أوّله مجلدًا أو مجلدين أو ثلاثة". من "العقود الدّرية"(285).

ومدحه ابن بدران في "المدخل"(452) بقوله: "وأجمع ما رأيتُه لأصحابنا في هذا النوع "الخلاف الكبير" للقاضي أبي يعلى، وهو في مجلدات، لم أطلع منه إلا على المجلد الثالث، وهو ضخم، أوله: كتاب الحج، وآخره: باب السَّلَم، وقد سلك فيه مسلكًا واسعًا، وتفنَّن في هدم كلام الخصم تفنُّنًا لم أرَهُ في غيره، واستدلَّ بأحاديث كثيرة، لكن تعقبه في أحاديثه الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي، وسمّى كتابه هذا "التحقيق في مسائل التعليق". . . ".

قلت: بقي هنا أمران:

الأول: وقعت أخطاء لابن الجوزي في "التحقيق" -وقد طبعه سنة (954 م) الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، ثم حديثًا محمد فارس عن دار الكتب العلمية، عمل على تصويبها محمد بن عبد الهادي والذهبي في عملين مستقلَّين، واسم كتابيهما متشابه:"تنقيح التحقيق"، طبع قسم العبادات من الأول، والثاني قيد الطبع.

والآخر: يوجد من كتاب "الخلاف الكبير" لأبي يعلى المجلد الرابع في دار الكتب المصرية تحت (رقم 140 - فقه حنبلي)، وعنه نسخة مصورة في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ذات (رقم 18 - اختلاف الفقهاء)؛ كما في "فهارسها"(1/ 330).

أما كتاب "الخلاف" لأبي الخطاب الكَلْوذاني؛ فهو "الانتصار في المسائل الكبار"، =

ص: 145

آخر، وهو أنه لا تجزئه العمرة الداخلة في ضمن الحج عن عمرة الإسلام، بل عليه أن يأتي بعمرة مفردة بإحرام مفرد لها (1).

- (ومنها): إذا نذر الحج من عليه حج الفرض، ثم حج (2) حجة الإسلام؛ فهل يجزئه عن فرضه ونذره؟

على روايتين (3):

= يوجد في دار الكتب الظاهرية تحت (رقم 5454) قسم منه، يشتمل على (كتاب الطهارة والصلاة وبعض الزكاة)، وقد حقق الأول منه سليمان العمير -وهو قسم الطهارة-، وحقق الثاني عوض العوفي -وهو قسم الصلاة-، وحقق الثالث عبد العزيز البعيمي -وهو قسم الزكاة-، ونشر عن مكتبة العبيكان سنة (1413 هـ -1993 م).

وله أيضًا "الخلاف الصغير"، وهو "رؤوس المسائل"، وسيأتي التعريف به في (ص 267).

(1)

الصحيح فيها القول الأول: أن طوافه وسعيه يجزئه عن الحج والعمرة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك"، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنًا كما قال الإمام أحمد:"لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا"، ومع ذلك؛ لم يطف إلا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا.

وأما الرواية الثانية عن أحمد؛ فهي كمذهب أبي حنيفة، يقول:"لا بد للقارن من طوافين وسعيين"، وأما التوجيه الذي ذكر عن القاضي وأبي الخطاب؛ فهو توجيه غير وجيه، وهو أنه إذا كان ذلك في واجب العمرة لم يجزئه، وفي التطوع يجزئ، والصواب أنه يجزئ فى العمرة الواجبة وفي التطوع. (ع).

قلت: "وردت نصوص كثيرة تدلك على صحة ما ذكره المصنف من إجزاء طواف واحد بالبيت وبالصفا والمروة في حق القارن، انظرها والتعليق عليها في: "شرح العمدة" (3/ 548 - 549) لابن تيمية.

(2)

في نسخة (أ): "يحج".

(3)

الصحيح في هذا التفصيل أنه إن نذر أن يحج حج الفريضة؛ فحجه يجزئه عن =

ص: 146

(إحداهما): يجزئه عنهما، نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، ونقله عن ابن عباس (1)، وهي اختيار أبي حفص (2).

(والثانية): لا يجزئه، نقلها ابن منصور وعبد اللَّه (3)، وهي المشهورة.

وقد حمل بعض الأصحاب؛ كأبي الحسين في "التمام"(4) الرواية الأولى على صحة وقوع النذر قبل الفرض، [وفرضهما](5) فيما إذا نوى

= الفريضة وعن النذر، وأما إذا نوى بالنذر حجًا مفردًا -أي: مستقلًّا عن حجة الإِسلام-؛ فإنه لا يجزئه الفرض عن النذر. (ع).

قلت: انظر في المسألة: "الهداية"(1/ 89) للكلوذاني، و"المغني"(13/ 645)، و"الفروع"(3/ 268 - 269)، و"الإنصاف"(3/ 417).

(1)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 162/ ب)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 68)، وابن حزم في "المحلى"(8/ 10).

(2)

هو أبو حفص العكبري، ونقله عنه القاضي أبو الحسين في "التمام"(2/ 242)، وستأتي ترجمته في (1/ 154).

(3)

قلت: الذي في "مسائل عبد اللَّه"(رقم 840): أنه قال: "قلت لأبي: فإن هو حج [أي: الذي نذر أن يحج] ولم يكن حج حجة الإسلام؛ تجزئه عن حجة الإسلام؟

قال: كان ابن عباس يقول: "تجزئه عن حجة الإسلام، وقال ابن عمر: هذه حجة الإسلام، أوفِ بنذرك".

وهذا يخالف نقل المصنف؛ فتأمل.

(4)

انظر: "كتاب التمام" للقاضي أبي الحسين (2/ 241 - 242).

قلت: وقد وقع في نسخة (ج) بدل "التمام": "النهاية"! وهو خطأ.

(5)

في نسختي (أ) و (ج): "وفرضها".

ص: 147

النذر أنه يجزئه عنه، وتبقى عليه حجة الاسلام، ولا يصح ذلك (1).

- (ومنها): إذا نذر صوم شهر يقدم فيه فلان، فقدم في أول رمضان؛ [فهل](2) يجزئه رمضان عن فرضه ونذره؟

على روايتين:

أشهرهما عند الأصحاب: لا يجزئه عنهما.

والثانية: يجزئه عنهما، نقلها المروذي، وصرح بها الخرقي في "كتابه"، وحملها المتأخرون على أن ندره لم ينعقد لمصادفته رمضان، ولا يخفى فساد هذا التأويل.

وعلى رواية الإجزاء؛ فقال صاحب "المغني"(3): لا بد أن ينويه عن فرضه ونذره، وقال الشيخ مجد الدين: لا يحتاج إلى نية النذر، قال: وهو ظاهر كلام [أحمد والخرقي](4)؛ لأنا نقدره كأنه نذر هذا القدر (5) منجزًا عند القدوم؛ فجعله كالناذر لصوم رمضان لجهة (6) الفرضية.

وفيه بعد، ولو نذر صوم شهر مطلق فصام رمضان ينويه عنهما؛ فإنه

(1) وجوب القضاء هو مذهب الشافعية؛ كما في "المجموع"(7/ 101)، و"روضة الطالبين"(3/ 322).

(2)

هكذا في (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"هل".

(3)

انظر المسألة في: "المغني"(11/ 356 - "الشرح الكبير").

(4)

كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع:"الخرقي وأحمد" بتقديم وتأخير.

(5)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"النذر".

(6)

في نسخة (ج): "بجهة".

ص: 148

يخرج على مسألة الحج، ذكره ابن الزاغوني وغيره (1).

- (ومنها): لو نذر الصدقة بنصاب من المال وقت حلول (2) الحول؛ فهل تجب فيه الزكاة؟

على وجهين.

وعلى القول بالوجوب؛ فهل تجزيه الصدقة [به](3) عن النذر والزكاة إذا نواهما؟

على وجهين، [واختار](4) صاحب "المغني"(5) الإجزاء، وخالفه صاحب "شرح الهداية".

- (ومنها): لو طاف عند خروجه من مكة طوافًا [واحدًا](6) ينوي به الزيارة والوداع؛ فقال الخرقي في "شرح المختصر" وصاحب "المغني"(7)

(1) الصواب أنه يجزئه صوم رمضان عن النذر؛ لأنه صدق عليه أنه صام شهرًا من وقت قدومه، فيجزئه عن النذر. (ع).

قلت: قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 169): (قلت: الإِمام أحمد يراعي المعاني في مسائل الأيمان. . . "؛ فينظر في قصده، وعليه مدار الجواب، واللَّه أعلم.

(2)

في نسخة (ب): "حؤول".

(3)

ما بين المعقوفتين من نسخة (ب) فقط.

(4)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"واختيار".

(5)

لا يلزم من قول المؤلف رحمه الله "صاحب المغني" أنه يعزو إلى "المغني"، كما هو واضح، ولم أجد هذه المسألة في "المغني" ولا "الكافي" ولا "المقنع".

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من (ب)، (ج).

(7)

قال في "المغني"(1/ 298/ 700): ". . . لو طاف الحاج طواف الزيارة =

ص: 149

في (كتاب الصلاة): يجزئه عنهما.

ويتخرج فيه خلاف من المسألة التي بعدها (1).

= عند خروجه من مكة؛ أجزأه عن طواف الوداع".

ولكنه قال في موضع آخر منه (3/ 228/ 2558) عن طواف الزيارة: ". . . أنه ركن الحج، لا يتم إلا به، ولا بد من تعيينه، فلو نوى به طواف الوداع أو غيره؛ لم يجزه".

(1)

هذه المسألة لها ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن ينوي بالطواف طواف الزيارة والوداع.

والثانية: أن ينوي طواف الزيارة فقط.

والثالثة: أن ينوي طواف الوداع فقط.

فإذا نواهما؛ حصلا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وإذا نوى طواف الزيارة -وهو طواف الإِفاضة-؛ أجزأهُ عن الوداع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:"لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وهذا الرجل كان آخر عهده بالبيت، وإذا نوى الوداع فقط؛ لم يجزئه عن طواف الإِفاضة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات"، وهذا لم ينوِ إلا طواف الوداع؛ فلا يجزئه.

وقال بعض أهل العلم: أنه يجزئه عن طواف الإِفاضة، ووجه ذلك أن طواف الإفاضة ركن، وإذا فعل الإنسان شيئًا من المناسك وعليه ركن؛ انقلب إلى ذلك الركن، قالوا: مثال ذلك: لو أنَّ رجلًا حج تطوعًا وعليه الفريضة؛ ينقلب إلى الفريضة وإن لم ينوها، ولو أن رجلًا حج لآخر وهو عليه الفريضة، انقلبت الحجة إلى فريضته، مع أنه قد نوى غيرها. قالوا: هذا أيضًا مع أنه نوى طواف الوداع وعليه طواف الإفاضة ينقلب إلى طواف الإفاضة.

هذا القول قد يكون متعذرًا إذا لم يجد الإنسان الوقت لطواف الإفاضة، أما إذا كان غير متعذر؛ فلا يجزئه لحديث "إنما الأعمال بالنيات"، وهذا الرجل ما نوى إلا الوداع، ولا يلزم من كون النسك كاملًا ينقلب إلى الفرض أن يكون أيضًا بعض أجزاء النسك ينقلب إلى الفرض؛ للفرق الظاهر بينهما. (ع).

ص: 150

- (ومنها): لو أدرك الإمام راكعًا، فكبر تكبيرة ينوي بها [تكبيرتي](1) الإحرام والركوع؛ فهل يجزئه؟

على [روايتين](2) حكاهما أبو الخطاب وغيره (3).

و [اختيار](4) القاضي عدم الإجزاء؛ للتشريك بين الركن وغيره، وأخذه من نص أحمد [رحمه الله](5) فيمن رفع رأسه من الركوع وعطس، فقال: الحمد للَّه (6)، ربنا ولك الحمد؛ ينوي به الواجب، وسنة الحمد للعاطس:[أنه](7) لا يجزئه (8).

(1) كذا في نسخة (ج): "تكبيرتي"، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"تكبيرة".

(2)

هكذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع:"وجهين".

(3)

قال أبو الخطاب رحمه الله في "الهداية"(1/ 43): "ومن أدرك الإمام في الركوع؛ فقد أدرك الركعة، وعليه تكبيرتان للافتتاح والركوع، وإن كبر واحدة ونواهما؛ لم يجزه، وعنه: أنه يجزيه".

(4)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"واختار".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

كذا في (أ)، ولعلها الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"أن".

(8)

المذكور رواية صالح بن أحمد في "مسائله"(1/ 388/ رقم 367)، وزاد:"إذا عطس في الصَّلاة؛ يحمد اللَّه في نفسه"، ونقله عنه ابن مفلح في "الفروع"(1/ 443)، ونحوه عن أحمد في رواية حنبل؛ كما في "الإنصاف"(2/ 63)، وقال:"وهذا هو الصحيح؛ لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع"، وكذا في "مسائل أبي داود"(ص 37) و"مسائل ابن هانئ"(9/ 110/ رقم 545 - 446) و"مسائل عبد اللَّه"(102/ رقم 366). =

ص: 151

واختار ابن شاقلا الإجزاء، وشبهه بمن أخرج في الفطرة أكثر من صاع (1)، ولا يصح هذا التشبيه.

ومن الأصحاب من قال: إن قلنا تكبيرة الركوع سنة؛ [أجزأه](2)، وحصلت السنة بالنية تبعًا للواجب، وإن قلنا: واجبة؛ لم يصح التشريك، وفيه ضعف.

وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام خلاف ما يقوله المتأخرون (3).

(والضرب الثاني): أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها، وتسقط (4) عنه الأخرى، ولذلك أمثلة:

= وقال ابن قدامة في "المغني"(1/ 512 - 513): "يجزئه"، وحمل كلام الإِمام أحمد على الاستحباب؛ فعلى المذهب لا تبطل صلاته على الصحيح.

(1)

إذا نوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال إلى الركوع، وهي سنة؛ فكأنه عمل بالواجب والسنة؛ فتكون هذه النية بمنزلة الزائد عن الصاع في الفطرة. (ع).

(2)

كذا في جميع النسخ المخطوطة، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"أجزأته".

(3)

المتأخرون رحمهم الله يرون أن تكبيرات الانتقال لا بد أن تكون فيما بين الركن المنتقل منه والمنتقل إليه، فإن بدأها قبل أو كمّلها بعد؛ فإنها لا تجزئه، يعني مثلًا: واحد يكبر للسجود: اللَّه أكبر، ثم هوى، يقول: ما تجزئه التكبيرة، لا بد أن يكون التكبير فيما بين الركن إلى الركن، ولو قال: اللَّه أكبر، والباء والراء عقب السجود؛ فإنها لا تجزئه، لا بد أن يكون التكبير فيما بين الركانين، ولا يشترط أن يستوعب ما بين الركنين، فلو قال: اللَّه أكبر، وكمّل التكبير قبل أن يصل الأرض؛ فإن ذلك يجزئه، لكن بعض الأصحاب اختار بأنه يجزئ التكبير، ولو ابتدأ به قبل أو أكمله بعد، وهذا ما ذكره ابن رجب رحمه الله هنا. (ع).

(4)

في نسخة (أ): "وتقسط" وهو خطأ من الناسخ.

ص: 152

- (منها): إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم؛ سقطت عنه التحية.

- (ومنها): لو سمع سجديتن معًا؛ فهل يسجد سجدتين أم يكتفي بواحدة؟

المنصوص في رواية البرزاطي (1): أنه يسجد سجدتين، ويتخرج أنه (2) يكتفي بواحدة.

وقد خرج الأصحاب بالاكتفاء بسجدة الصلاة عن سجدة التلاوة وجهًا؛ فهنا (3) أولى (4).

- (ومنها): إذا قدم المعتمر مكة؛ فإنه يبدأ بطواف العمرة، ويسقط عنه طواف القدوم، وقياسه إذا أحرم بالحج من مكة ثم قدم يوم النحر: أنه يجزئه طواف الزيارة عنه.

والمنصوص ها هنا: أنه يطوف قبله للقدوم، وخالف فيه صاحب "المغني"(5)، وهو الأصح (6).

(1) وقع في نسخة (ج): "البزراطي"، وهو خطأ، وسيأتي التعريف به في التعليق على (2/ 47).

(2)

في نسخة (ب): "أن".

(3)

في نسخة (ب): "فهذا".

(4)

انظر نحوه في: "القواعد النورانية" لابن تيمية (ص 101).

(5)

انظر: "المغني"(3/ 228/ 2558).

(6)

لا شك في هذا أنّ طواف الإفاضة يجزئه عن طواف القدوم، كما يجزئه طواف العمرة عن طواف القدوم فيما لو لم يقدم مكة، أحرم من الميقات، ثم ذهب إلى منى، ثم =

ص: 153

- (ومنها): إذا صلى عقيب (1) الطواف مكتوبة؛ فهل يسقط عنه ركعتا الطواف؟

على روايتين، قال أبو بكر: الأقيس إنها لا تسقط، ونقل أبو طالب عن أحمد [رحمه الله] (2): يجزئه، ليس هما واجبتين، ونقل الأثرم عنه: أرجو أن يجزئه، وهذا قد يشعر بأنه يحصل له بذلك الفرض ركعتا الطواف؛ فيكون من الضرب الأول؛ لكن لا يعتبر هنا نية ركعتي الطواف.

ويشبه هذه الرواية التي حكاها أبو حفص البرمكي (3) عن أحمد في الجنب إذا اغتسل ينوي الجنابة وحدها: أنه يرتفع حدثه الأصغر تبعًا، وهي اختيار الشيخ تقي الدين (4).

وقد يقال: المقصود أن يقع عقيب (1) الطواف صلاة، كما أن المقصود أن يقع قبل الإحرام صلاة، فأي صلاة وجدت؛ حصلت المقصود.

= عرفة، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم دخل يوم العيد في طواف الإفاضة؛ فها هنا يجزئه طواف الإفاضة عن طواف القدوم. (ع).

(1)

في نسخة (ج): "عقب".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(3)

هو عمر بن أحمد بن إبراهيم، أبو حفص البرمكي، كان من الفقهاء والأعيان النساك الزهاد، ذو الفتيا الواسعة والتصانيف النافعة، من ذلك "المجموع" و"شرح بعض مسائل الكوسج"، مات سنه سبع وثمانين وثلاث مئة.

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(2/ 153 - 155)، و"تاريخ بغداد"(11/ 268 - 269).

(4)

انظر: "شرح العمدة في الفقه" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1/ 376).

ص: 154

- (ومنها): لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه، [فطافه](1)؛ فهل يسقط عنه طواف الوداع أم لا؟

على روايتين، ونص في رواية [ابن](2) القاسم على سقوطه.

- (ومنها): إذا أدرك الإمام راكعًا، فكبر للإِحرام؛ فهل تسقط عنه تكبيرة الركوع؟

على روايتين (3) أيضًا، والمنصوص عنه الإِجزاء.

وهل يشترط أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح أم لا؟

على روايتين، نقلهما عنه [ابن] (4) منصور:

(1) هكذا في نسخة (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"فطاف".

(2)

في نسخة (ب): "أبي".

(3)

هكذا "روايتين" في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"رايتين"، ولعله خطأ مطبعي.

والصحيح من قولي العلماء -في هذه المسألة-: أنها تجزئه إن خاف فوْت الركعة.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 217 - 218): "وصرح جماعة من العلماء الأقدمين؛ كالزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك، بأن التكبيرة الواحدة في مثل هذه الحالة تجزئ" اهـ.

قلت: ويشترط أن يأتي بتكبيرة الإحرام قائمًا، فإن أتى بها أو ببعضها في غير حال القيام؛ لم تجزئه لأنه أتى بها في غير محلها، هذا بلا خلاف في الفرض، أما النفل؛ ففيها خلاف.

وانظر: "المغني"(1/ 544 - مع "الشرح الكبير")، و"المجموع"(3/ 296) للنووي، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 169 - ط دار الغرب)، و"الموافقات" للشاطبي (5/ 106 - 107 - بتحقيقي)، وكتابنا "القول المبين في أخطاء المصلين"(ص 256 - 257).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 155

إحداهما: لا يشترط، بل يكفيه أن يكبر بنية الصلاة؛ وإن لم يستحضر بقلبه أنها تكبيرة الإحرام، كما لو أدرك الإمام في القيام.

والثانية: لا بد أن ينوي بها الافتتاح؛ لأنه قد اجتمع ها هنا تكبيرتان، فوقع الاشتراك؛ فاحتاجت تكبيرة الإحرام إلى نية تميزها، بخلاف حال القيام؛ فإنه لم يقع فيه اشتراك.

- (ومنها): إذا اجتمع في يومٍ [جمعةٌ وعيدٌ](1)؛ فأيهما قدم أولًا في الفعل؛ سقط به الثاني، ولم يجب حضوره مع الإمام.

وفي سقوطه عن الإمام روايتان.

وعلى رواية عدم السقوط؛ فيجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك الصلاة، ذكره صاحب "التلخيص" وغيره؛ فتصير الجمعة ها هنا فرض كفاية تسقط بحضور أربعين.

- (ومنها): إذا اجتمع عقيقة وأضحية؛ فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟

على روايتين منصوصتين، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية، واختار (2) الشيخ تقي الدين (3) أنه لا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي.

- (ومنها): اجتماع الأسباب التي يجب بها الكفارات وتتداخل في

(1) هكذا في نسختي (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"عيد وجمعة" بتقديم وتأخير.

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"واختيار".

(3)

انظر: "شرح العمدة"(3/ 405 - 406).

ص: 156

الأيمان والحج والصيام والظهار وغيرها، فإذا (1) أخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين؛ أجزأه، وسقطت سائر الكفارات؛ وإن كان مبهمًا، فإن كانت من جنس واحد؛ أجزأه أيضًا وجهًا واحدًا عند صاحب "المحرر"(2)، وعند صاحب "الترغيب"(3) أن فيه وجهين، وإن كانت من جنسين؛ فوجهان في اعتبار نية التعيين.

وأما الأحداث الموجبة للطهارة من جنس أو جنسين موجبهما (4) واحد؛ فيتداخل موجبهما بالنية أيضًا بغير إشكال، وإن نوى أحدهما؛ فالمشهور أنه يرتفع الجميع، ويتنزل ذلك على التداخل كما قلنا في الكفارات (5)، أو على أن الحكم الواحد يعلل بعلل مستقلة، وإذا (6) نوى رفع حدث البعض؛ فقد نوى واجبه، وهو واحد لا تعدد فيه.

وعن أبي بكر: لا يرتفع إلا ما نواه. قال في "كتاب المقنع"(7): إذا

(1) في (ج): "فإنه إذا".

(2)

انظر: "المحرر في الفقه"(2/ 93 - 94) لمجد الدين أبي البركات.

(3)

أكثر المصنف من النقل منه ولم يُسمِّ مؤلِّفه، وهو لإبراهيم بن محمد بن أحمد ابن الصَّقِّال الطيبي الأزْجي، توفي سنة (599 هـ)، ذكره له في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 441).

(4)

في نسخة (ب): "موجبها"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

التفرقة بين الطهارة والكفارات -مع العلم أن الموجب واحد-؛ لأن الحدث يزول بالوضوء مع اختلاف نواقضه، وأما الكفارات على الأفعال؛ فإن كل فعل مستقل عن الآخر إلا في حال التداخل. (ع).

(6)

في نسخة (ب) و (ج): "فإذا".

(7)

الذي في "المقنع"(1/ 200 - مع شرحه "المبدع"): "وإذا اغتسل ينوي الطهارتين؛ أجزأ عنهما".

ص: 157

أجنبت المرأة ثم حاضت؛ يكون الغسل الواحد لهما جميعًا إذا نوتهما به.

ويتنزل هذا على أنه لا يعلل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين، بل إذا اجتمعت أسباب موجبة؛ تعددت الأحكام الواجبة بتعدد أسبابها، ولم تتداخل وإن كانت جنسًا واحدًا.

ورجح صاحب "المحرر"(1) قول أبي بكر في غسل الجنابة والحيض؛ لأنهما مختلفا الأحكام؛ إذ المنع المرتب على الحيض يزيد على المنع المرتب (2) على الجنابة؛ [لأنهما مختلفا الأجناس](3) بخلاف غيرهما؛ فهما كالجنسين، وغيرهما كالجنس الواحد.

ومن الأصحاب من قال: إن نوت رفع حدث الحيض؛ ارتفعت الجنابة [لدخول](4) موانعها فيه، ولا عكس.

* * *

(1) قلت: بل الذي في "المحرر"(1/ 21) هو مجرد تفريع على قول أبي بكر، وليس مُرَجِّحًا له.

(2)

في (أ): "المترتب".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، (ب).

(4)

في المطبوع و (ج): "الدخول"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 158

(القاعدة التاسعة عشرة)(1)

إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب.

ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): الطهارة، فإذا وصل عادم الماء إلى الماء وقد ضاق الوقت؛ فعليه أن يتطهر ويصلي بعد الوقت، ذكره صاحب "المغني"(2)، وخالفه صاحب "المحرر"(3)، وقال: يصلي بالتيمم (4)، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح (5).

(1) هذه القاعدة بتمامها سقطت من (أ)، وأشار إلى ذلك الناسخ بترقيم القاعدة الآتية برقم (20).

(2)

انظر: "المغني"(1/ 150 - 151/ 340).

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 23)؛ حيث قال: "وإذا وصل المسافر إلى ماء وقد ضاق الوقت؛ صلى بالتيمم".

(4)

بعدها في نسخة (ج) زيادة: "في أول وقت الصلاة"، وما أظنها صحيحة المعنى، فضلًا عن أنها غير موجودة في كتاب "المحرر".

(5)

في "مسائل صالح"(2/ 473/ 1190): "قلت: من تيمم ثم وجد الماء يعيد الصلاة؟ قال؛ لا يعيد، قد تيمم ابن عمر في وقت فلم يعد الصلاة" اهـ.

قلت: وأثر ابن عمر عند البخاري في "صحيحه" (كتاب التيمم، باب التيمم في =

ص: 159

- (ومنها): الصلاة، فإذا طرأ على المكلف ما يسقط تكليفه بعد الوقت وقبل التمكن من الفعل؛ فعليه القضاء في المشهور، وقال ابن بطة وابن أبي موسى: لا قضاء عليه.

- (ومنها): الزكاة، فإذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء؛ فعليه أداء زكاته على المشهور؛ إلا المعشرات (1) إذا تلفت بآفة سماوية لكونها لم تدخل تحت يده؛ فهي كالدين التاوي قبل قبضه.

وخرج الشيرازي وغيره وجهًا بالسقوط مطلقًا (2).

= الحضر إذا لم يجد الماء، 1/ 441) معلقًا بصيغة الجزم، ووصله عبد الرزاق في "مصنفه"(1/ رقم 884)، ومالك في "الموطأ"(1/ 56 - رواية يحيى، ورقم 153 - رواية أبي مصعب)، والشافعي في "مسنده"(رقم 20) وفي "الأم"(1/ 45 - 46)، وابن المنذر في "الأوسط"(رقم 531، 532، 555، 558)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 224 و 233) وفي "الخلافيات"(2/ رقم 860 - بتحقيقي)، والدارقطني في "سننه"(1/ 186).

وانظر: "مسائل عبد اللَّه"(36/ 138)، و"مسائل ابن هانئ"(1/ 11/ 55)، و "تغليق التعليق"(1/ 184).

(1)

المعشرات هي الحبوب والثمار. (ع).

قلت: قال ابن رجب في "الذيل"(1/ 72) في ترجمة عبد الواحد بن محمد الشيرازي: "إنه خرج وجهًا: إنه يعتبر لوجوب الزكاة في جميع الأموال إمكان الأداء، من رواية اعتبار إمكان الأداء لوجوب الحج"، وقال قبله:"وله غرائب كثيرة".

(2)

الصحيح في هذه المسألة ما قاله الشيرازي، وهو سقوط الزكاة بشرط ألا يحصل من المالك تفريط، مثاله: رجل تم الحول على زكاة ماله، وهو صاحب دُكَّانٍ، فما تمكّن من إخراج زكاة ماله عند تمام الحول، وهو عازم على إخراجها غدًا، فسرقت دكانته، فلم يبق عنده شيء؛ فها هنا نقول: إن هذا تسقط عنه الزكاة؛ لأن هذا الرجل لم يفرِّط، والزكاة في ماله أمانة، والأمين إذا لم يفرط؛ فلا ضمان عليه، أما إذا فرط بأن وجبت الزكاةُ وتمكن =

ص: 160

- (ومنها): الصيام، فإذا بلغ الصبي مفطرًا في أثناء يوم من رمضان، أو أسلم فيه كافر، أو طهرت حائض؛ لزمهم القضاء (1) في أصح الروايتين (2).

- (ومنها): الحج؛ فلا يشترط [لثبوت وجوبه](3) في الذمة التمكن من الأداء على أظهر الروايتين، وإنما يشترط للزوم أدائه بنفسه (4).

= من أدائها، لكنه ماطل وتأخّر؛ ففي هذه الحال لا تسقط عنه الزكاة؛ فينظر في تأخيره؛ هل كان بتفريط أو بدونه. (ع).

(1)

في نسخة (ج): "على".

(2)

الصحيح أن الصبي والكافر لا يلزمهما القضاء، ويلزمهما الإمساك؛ لأنهما صارا من أهل الوجوب، ولا يلزمهما القضاء؛ لأن شرط الوجوب تأخر، والقضاء يلزمهم إذا كان يلزمهم الصيام من أول النهار، وهؤلاء لم يلزمهم الصِّيام من أول النهار، وأما المرأة إذا طهرت من الحيض؛ فالصحح أنه يلزمهم القضاء وليس عليها الإمساك، والفرق بينهما أنَّ مسألة الصبي والكافر تأخر وجود سبب الوجوب في حقهما، وأما الطهارة من الحيض؛ فهو زوال مانع الوجوب، والمسافر إذا قدم مضطرًا؛ فالصحيح أنه لا يلزمه الإمساك، وعلى هذا، فإذا قدم المسافر ووجد زوجته قد طهرت من الحيض؛ فيجوز له أن يجامعها على أحد القولين. اهـ. (ع).

(3)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"لثبوته".

(4)

الحج لا يشترط لثبوته في الذمة التمكن من الأداء، ما دام الرجل قد استطاع وعنده مال؛ فإنه لا يشترط أن يتمكن من الأداء، لكن هذا شرط يشترط للزوم أداءه بنفسه، مثاله: رجل عنده مال، لكنه مريض مرضًا لا يُرْجى بُرْءُهُ، ولا يستطيع معه أن يحج بنفسه؛ فهذا الرجل التمكن من الأداء في حقه غير ممكن، لكن مع ذلك نقول: هذا شرط للزوم أداءه بنفسه؛ فلا يلزم أن يؤديه بنفسه، ولكن يلزم أن يؤديه بنائبه؛ فيقيم من يحج عنه، ومثل ذلك على رأي بعض الفقهاء المحرم للمرأة؛ هل هو شرط للوجوب، أم هو شرطٌ للزوم الأداء بنفسها؟ =

ص: 161

وأما قضاء العبادات؛ فاعتبر الأصحاب له إمكان الأداء، فقالوا فيمن أخر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله: إنه لا يُطْعم عنه، وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء؛ أطعم عنه (1).

وأما [قضاء](2) المنذورات؛ ففي اشتراط [التمكن](3) من الأداء وجهان، فلو نذر صيامًا أو حجًّا، ثم مات قبل التمكن منه؛ فهل يقضي عنه؟

= فالمشهور من المذهب أنه شرط للوجوب، وقال بعض العلماء من بعض الأصحاب: إنه شرط للزوم الأداء، وبناءً على ذلك إذا كانت امرأة غنية لكن ليس لها محرم يسافر معها؛ فالمذهب أنه لا يلزمها، وإذا ماتت لا يحج عنها من تركتها؛ لأنّ وجود المحرم شرط للوجوب لا للزوم الأداء بنفسها، والقول الثاني في المسألة أن وجود المحرم شرط للزوم الأداء بنفسها، وبناءً عليه إذا لم تجد محرمًا وأيست منه؛ فإنها تنيب من يحج عنها، والظاهر أنه شرط للوجوب؛ لأن من لا تستطيع شرعًا كالتي لا تستطيع حسًّا، والأحسن أن تحتاط وتوصي أن يحج عنها بعد موتها. (ع).

(1)

رجل أخّر قضاء رمضان لعذر ثم مات؛ فإنه لا يطعم عنه ولا يصام عنه من باب أولى، وآخر أخَّره لغير عذر ثم مات؛ فإنه يطعم عنه على المذهب، أو يصام عنه على القول الصحيح، مثال ذلك: إنسان مسافر في رمضان، والمسافر يجوز له الفطر، أفطر الرجل، وفي يوم العيد مرض الرجل، ودام به المرض حتى مات، فلا يطعم عنه، ولا يصام عنه؛ لأنه أخّر الصوم لعذر. رجل آخر سافر في نهار رمضان، ورجع من سفره، وبقي معافًا إلى خامس ذي القعدة، ثم مرض ومات؛ فإنه يصام عنه على القول الصحيح، أو يطعم عنه على المذهب؛ لأنه أخّر القضاء لغير عذر؛ إذ بقي معافًى مدة يتمكن منها من قضاء الصوم؛ فلم يفعل. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 162

على الوجهين.

وعلى القول بالقضاء؛ فهل يقضي الصيام الفائت بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت؟

أيضًا على وجهين (1).

* * *

(1) والصواب اشتراط التمكن من الأداء، فلو نذر أن يحج هذا العام، ومات قبله؛ فالصحيح أنه لا يقضي عنه؛ لأن اللَّه عز وجل يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ومن تقوى اللَّه عز وجل قضاء النذر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالوفاء بالنذر، فإن كان من التقوى ولم يستطعه، فالصواب أنه لا شيء عليه. (ع).

ص: 163

(القاعدة العشرون)

النِّماءُ المتولِّد من العين حكمه حكم الجزء، والمتولد من الكسب بخلافه على الصحيح.

ويظهر أثر ذلك في مسائل (1):

- (منها): لو كان عنده دون نصاب، فكمل نصابًا بنتاجه؛ فهل يحسب (2) حوله من حين كمل كما لو كان النتاج من غيره، أو من حين ملك الأمهات؛ لأن النتاج جزء من الأمهات، فهو موجود فيها بالقوة من أول الحول؟

في المسألة روايتان (3)، ولو كان له مئة وخمسون درهمًا، فاتجر بها

(1) مثل الولد من البهيمة، أي: المتولد منها، والمتولد من الكسب مثل أجرة العبد وأجرة الدابة وما أشبه ذلك، هذا من النماء، ولكنه متولد من الكسب. (ع).

(2)

في نسخة (أ): "يحتسب".

(3)

عنده ثلاثون شاة، وبقيت على هذا العدد مدة عشرة شهور، ثم ولد منها عشرة أطفال؛ فأصبحت أربعين؛ فهل يحسب الحول من حين كمالها، أو حولها من حين ملك الأمهات؟

يقول المصنف: في المسألة روايتان عن أحمد، والصحيح أنّ ابتداء الحول من حين بلغت النصاب إلا أن تكون دخلت ملكه وهي حوامل؛ فكأنها في حكم الموجود، وإما أن تكون حوائل ثم حملت بعد؛ فالصحيح أنه لا يعتبر. (ع).

ص: 164

حتى صارت مئتين؛ فحولها من حين [كملت](1) بغير خلاف؛ لأن الكسب [متولد](2) من خارج، وهو رغبات الناس، لا من نفس العين (3).

- (ومنها): لو عجل الزكاة عن نماء النصاب قبل وجوده؛ فهل يجزئه؟

فيه ثلاثة أوجه، ثالثها: يفرق بين أن يكون النماء نصابًا؛ فلا [يجزئ](4)؛ لاستقلاله بنفسه في الوجوب، وبين أن يكون دون نصاب [يجزئ](5) لتبعيته للنصاب في الوجوب.

ويتخرج [فيه](6) وجه رابع [بالفرق](7) بين أن يكون النماء نتاج ماشية أو ربح تجارة؛ فيجوز في الأول دون الثاني من المسألة التي قبلها.

- (ومنها): لو اشترى شيئًا فاستغله ونما عنده، ثم رده بعيب، فإن كان نماؤه كسبًا؛ لم يرده معه.

قال كثير من الأصحاب بغير خلاف. وإن كان متولدًا من عينه؛

(1) كذا في نسخة (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"كمل".

(2)

كذا في نسخة (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"يتولد".

(3)

أي: إنّ كسبَ الدَّراهم ليس متولدًا من العين، وإنما هو من دراهم أخرى، وبسببها رغبات الناس في السلع، أو بسبب قلبة السلع؛ فتزيد القيمة وما أشبه ذلك. (ع).

(4)

هكذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"يجوز".

وفي (أ) من قوله: "فلا بجزئ. . . " إلى قوله: "دون نصاب؛ يجزئ" مضروب عليه.

(5)

كذا في (أ)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"فيجوز".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

في نسخة (ج): "في الفرق".

ص: 165

كالولد واللبن والصوف الحادث [وثمر](1) الشجر؛ فهل يرده معه؟

فيه روايتان معروفتان (2).

- (ومنها): لو قارض المريض في مرض الموت، وسمى للعامل أكثر من تسمية مثله صح، ولم يحتسب من الثلث، ولو ساقى وسمى للعامل أكثر من تسمية المثل؛ فوجهان أشهرهما أنه يعتبر [الزيادة على تسمية المثل](3) من الثلث؛ لحدوث الثمر من عين ملكه.

- (ومنها): لو فسخ [المالك](4) المضاربة قبل ظهور الربح؛ لم يستحق المضارب شيئًا، ولو فسخ المساقاة قبل ظهور الثمرة؛ استحق العامل أجرة المثل؛ لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"ثمرة".

(2)

النماء المنفصل للمشتري والنماء المتصل فيه خلاف، والصحيح أنه له أيضًا.

المذهب أنَّ المتصل يتبع العين، فإذا انفسخ البيع؛ كان مع العين، والصحيح كلاهما للمشتري، وإذا كان النماء كسبًا؛ لم يرده، مثل أن يشتري عبدًا ويبقى عنده أيامًا وهذا العبد يكتسب، ثم رده لسبب من الأسباب؛ فالكسب للمشتري وإن كان متولدًا من عينه؛ كالولد والصوف وثمر الشجر واللبن يرده على روايتين، والصحيح أنه للمشتري. (ع).

قلت: ذكر ابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 73) عن الشيرازي: أنه قال: "إذا اشترى شيئًا، فبان معيبًا ونما عنده نماءً متصلًا ثم رده؛ أخذ قيمة الزيادة من البائع".

قال ابن رجب: "وقد وافقه على ذلك ابن عقيل في كتاب الصداق من فصوله".

وفي نسخة (ب): "على روايتين معروفتين".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(4)

هكذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع:"العامل".

ص: 166

العمل، ولم يحصل بعمله ربح، والثمر متولد من عين الشجر، وقد عمل على الشجر عملًا مؤثرًا في الثمر؛ فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ (1).

- (ومنها): أن المشاركة بين اثنين بمال أحدهما وعمل الآخر إن [كانت](2) المشاركة فيما ينمو من العمل كالربح؛ جاز؛ كالمضاربة، وكمن دفع دابته أو عبده إلى من يعمل عليه بشيء (3) من كسبه، فإنه يجوز على الأصح، وإن كانت المشاركة فيما يحدث [من](4) عين المال؛ كدر الحيوان ونسله؛ ففيه روايتان.

وكثير من الأصحاب [اختار](5) فيه المنع؛ لأن العامل [لا](6) يثبت حقه في أصل عين المال، والمتولد من العين حكمه حكمها، ولكن هذا ممنوع عند من أجاز الاستئجار على حصاد الزرع بجزء منه أو على نسج الثوب ببعضه (7)، وذلك منصوص عن أحمد أيضًا.

(1) لو فسخ العامل أو المالك المضاربة قبل ظهور الربح؛ لم يستحق المضارَب شيئًا، وأما في المساقاة، فله أجرة العمل إذا ظهر الثمر، وإن فسخ قبل ظهور الثمرة، فإن كان الفاسخ المالك؛ فللعامل أجرة المثل لأنه عمل، ولعمله هذا تأثير على الشجرة، وبالتالي على الثمرة، وإن كان العامل؛ فلا شيء له. (ع).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"كان".

(3)

في (أ): "بجزء".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

هكذا في نسخة (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"يختار".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

أعطيت لهذا الرجل الدابة وقيل له: اعمل عليها ولك نصف الكسب؛ فهذا =

ص: 167

واستثنى ذلك أبو الخطاب في "انتصاره"(1) ثمر الشجر، فإذا عمل الشريكان في شجر (2) بينهما نصفين، [واشترطا](3) التفاضل في ثمره (4)؛ جاز عنده،، وفرق بين الثمر وغيره مما يتولد من عين المال: بأن للعمل تأثيرًا في حصول الثمر بخلاف غيره، ولهذا المعنى جازت المساقاة.

فأما الإجارة المحضة، [فتجوز](5) فيما ينتفع باستغلاله وإجارته من العقار وغيره، ولا يجوز فيما ينتفع بأعيانه؛ إلا فيما استثني من ذلك للحاجة؛ كالظئر ونحوها.

وعند [الشيخ](6) تقي الدين [رحمه الله](7): أن الأعيان التي

= جائز لأنه يشبه المضاربة؛ فهذا أعطيته مالي يعمل به وله جزء من كسبه، وكذلك السيارة، وإن كانت المشاركة فيما يحدث من عين، كدر الحيوان ونسله، مثاله رجل قال لآخر: خذ هذه الشياه الثلاثة نمها ولك نصف نمائها؛ ففيه روايتان؛ لأن الجزء المسمى للعامل من عين المال، وكذلك لو قلت: خذ هذه الشاة قم بمصالحها ولك نصف ما يحصل من لبنها، فيه روايتان، والصحيح الجواز، وكذلك أن يقال: احصد هذا الزرع ولك الثلث، وكذلك انسج الثوب ولك بعضه. (ع).

(1)

لم يطبع منه إلا ثلاثة مجلدات في مسائل الطهارة والصلاة والزكاة فقط.

(2)

في نسخة (أ): "شيء"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"وشرط"، وفي المطبوع و (ب):"وشرطًا".

(4)

في نسخة (أ): "ثمنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

هكذا في نسخة (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"فيجوز".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج). =

ص: 168

تستخلف شيئًا فشيئًا حكمه حكم المنافع؛ فيجوز استيفاؤها بعقد الإجارة كما [تستوفى بالوقف](1) والوصية (2).

* * *

= وانظر: "القواعد النورانية"(ص 149) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

(1)

كذا في نسخة (ج)، وفي المطبوع و (ب):"يستوفى بالوقف"، وفي (أ):"يستوفى الوقف".

(2)

الإجارة عقد على منفعة، ولا يجوز أن تكون على الأعيان إلا ما استثني للحاجة؛ كالظئر (أي كالمرأة المرضعة)؛ فإنه يجوز أن تستأجر امرأة ترضع ولدك مع أن المعقود عليه لبن المرأة، واللبن عين والإجارة لا تكون على الأعيان؛ فقالوا: هذا مستثنى للضرورة؛ لأن جواز استئجار المرأة للبّن منصوص عليه في القرآن بقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، لكن ماذا قال بعض العلماء في الجواب على ذلك؟ قالوا: إن عقد الإجارة في الظئر ليس على اللبن، وإنما هو على نقل الطفل ووضعه على اليد وإلقامه الثدي ونحو ذلك، وهذه منافع، ولكن يقال في رد ذلك: أنه لو كان صحيحًا لأجزأ أن يؤتى بامرأة ليس فيها لبن، وهذا غير مراد، بل العقد قام على اللبن، ومبنى كلامهم هذا أنهم اعتقدوا قبل أن يستدلوا، فلما اعتقدوا أن الإجارة لا تكون الا على المنافع في جميع الصور؛ قالوا ما قالوا في هذه الصورة.

وقد رد شيخ الإسلام على هؤلاء بأن الأعيان التي تحدث شيئًا فشيئًا، كالمنافع واللبن يحدث شيئًا فشيئًا فيكون كالمنفعة؛ فيجوز عقد الإجارة عليه، مثل ما تستوفي هذه المنافع في الوقف والوصية مع أنك في الوقف لا تملك عين الوقف، وإنما تملك الاستغلال، والوقف قد يكون ثمرًا يؤكل، ولكنه لما كان يحدث شيئًا فشيئًا صار كالمنفعة، وبناءً على ذلك قال شيخ الإسلام:"يجوز للإنسان أن يستأجر دابة لمدة أسبوع للبنها مثلًا"، والمذهب يمنع ذلك. (ع).

ص: 169

(القاعدة الحادية والعشرون)

وقد يختص الولد من بين سائر النماء المتولد من العين بأحكام.

ويعبر عن ذلك بأن:

الولد هل هو كالجزء أو كالكسب؟ والأظهر أنه [كالجزء](1).

فمن ذلك لو ولدت الأمة الموقوفة ولدًا؛ فهل يكون ملكًا للموقوف عليه كثمر الشجرة، أو يكون وقفًا معها؟

على وجهين، أشهرهما: أنه وقف معها؛ لأنه جزء منها، ولهذا يصح [وقفه ابتداءً](2)، بخلاف الثمرة (3).

- (ومنها): لو ولدت الموصى بمنافعها، فإن قلنا: الولد كسب؛ فكله لصاحب المنفعة، وإن قلنا: هو جزء، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه بمنزلتها.

والثاني: أنه للورثة؛ لأن الأجزاء لهم دون المنافع.

(1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"جزء".

(2)

في نسخة (أ): "الوقف عليه".

(3)

مثاله أن يوقف الأمة على خدمة المسجد، ووقفها لا يمنع زواجها. (ع).

ص: 170

- (ومنها): هل يتبع الولد أُمَّهُ في الكتابة الفاسدة كالصحيحة؟

فإن قلنا: هو جزء منها؛ تبعها، وإن قلنا: هو كسب؛ ففيه وجهان بناء على سلامة الاكتساب في الكتابة الفاسدة (1).

* * *

(1) القاعدة الحادية والعشرون كلها في شيء غير موجود في واقعنا، والكتابة هي شراء العبد نفسه من سيده، والفاسدة ما اختل شرط من شروطها، والصحيحة ما تمت شروطها. (ع).

ص: 171

(القاعدة الثانية والعشرون)(1)

العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها؛ فهل هي كالمعدومة حكمًا أو لا؟

فيه خلاف، وينبني عليه مسائل (2):

- (منها): الماء الذي استهلكت فيه النجاسة، فإن كان كثيرًا؛ سقط حكمها بغير خلاف، وإن كان يسيرًا؛ فروايتان.

ثم [إن](3) من الأصحاب من يقول: إنما سقط حكمها، وإلا؛ فهي موجودة، ومنهم من يقول: بل الماء أحالها؛ لأن له قوة الإحالة، فلم يبق لها وجود، بل الموجود غيرها؛ فهو (4) عين طاهرة، وهي طريقة أبي الخطاب (5).

(1) في (أ): "قاعدة" بدون ترقيم.

(2)

وهذه القاعدة من أهم القواعد، وأيضًا تتعلق بمسائل كثيرة موجودة في العصر الحديث. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(4)

في نسخة (ج): "وهو"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

الصحيح أنه إذا لم يظهر أثر النجاسة، فهو طهور، فلو سقطت نقطة نجسة في قدر من الماء، ولم يظهر لها لون ولا أثر ولا طعم ولا ريح؛ فهو طهور، لكن هل نقول: إنها ذهبت واضمحلت وقضى عليها الماء، أو هي موجودة ولكن سقط حكمها؟ والخلاف أشبه =

ص: 172

- (ومنها): اللبن المشوب بالماء المنغمر فيه؛ هل يثبت به تحريم الرضاع؟

فيه وجهان:

أحدهما -وهو المحكي عن القاضي-: أنه يثبت.

والثاني: لا، واختاره صاحب "المغني"(1).

وعلى الأول؛ فإنما يحرم إذا شرب الماء كله؛ ولو في دفعات، ويكون رضعة واحدة، ذكره القاضي في "خلافه"(2).

- (ومنها): لو خلط خمرًا بماء، واستهلك فيه ثم شربه؛ لم يحد، هذا هو المشهور، وسواء قيل بنجاسة الماء أو لا.

وفي "التنبيه"(3) لأبي بكر عبدالعزيز: مَنْ لتَّ بالخمر سويقًا أو

= ما يكون باللفظي. (ع).

قلت: انظر كلام أبي الخطاب في "الانتصار"(1/ 133، 134)، و"شرح العمدة"(1/ 33) لابن تيمية.

(1)

قال في "المغني"(8/ 140/ 6417): "ولنا: أن هذه ليس برضاع، ولا في معناه؛ فوجب أن لا يثبت حكمه فيه".

(2)

امرأة حلبت من لبنها في إناءٍ، وصببنا عليه ماءً، فقضى الماء على اللبن، وصار ما يوجد له أثر، ثم شربه الطفل؛ هل يثبت به تحريم الرضاع؟

فيه وجهان، والصحيح أنه لا يثبت لزوال الأثر، والذين قالوا بثبوت الرضاع قالوا: لا بد من شُرب جميع الماء حتى نتيقن أن هذا الجزء المحلوب قد شربه الطفل، ويكون رضعةً واحدةً. (ع).

(3)

صاحبه عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، وعُرِفَ بـ"غلام الخلَّال" لكثرة ملازمته له، وله اختيارات خالف فيها شيخه الخلال، (ت 363)، =

ص: 173

صبها في لبن أو ماءٍ جارٍ ثم شربها؛ فعليه الحد. ولم يفرق بين أن يستهلك أو لا يستهلك (1).

= ذكره له ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(2/ 120) والسُّبيعي في "الدر المنضد"(رقم 8).

وانظر: "السير"(16/ 143)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"(135، 415)

(1)

والصواب الأول، أنه إذا استهلك ولم يظهر له أثر؛ فإنه لا عبرة به، ولا يحد حتى لو شرب كل الماء الذي خلط فيه الخمر، وبناءً على ذلك تكون هذه المواد التي يكون فيها شيء من الخمر طاهرة ما دام أثر الخمر لم يظهر عليها، فلو فرضنا أن هذا الطيب فيه مادة من الكحول تساوي (2 %)؛ فإن (2 %) لا تؤثر، فلا يكون حرامًا، وأما النجاسة، فقد سبق لنا أن الصحيح طهارة الخمر، وأن نجاسته نجاسة معنوية، ولا يحدّ، لأنه لم يشرب الخمر، وإنما شرب شيئًا استهلك فيه خمر، وذهب أثره، فإنْ قلت: أليس قد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام"؟ فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ما خلط فيه قليل من الخمر فهو حرام، بل قال:"ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام"، بمعنى: لو كان هذا الشراب إذا شربت منه كثيرًا سكرت، وإن شربت قليلًا لم تسكر؛ فهو حرام لأنه وإن كنت لا تسكر من القيل، لكن ربما تنجر حتى تشرب الكثير ويحصل السكر. (ع).

قلت: في نسخة (ج): "تستهلك أولًا".

وحديث "ما أسكر كثيره. . . ." أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، 3/ 327/ رقم 3681)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، 4/ 292/ رقم 1865)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، 2/ 1125/ رقم 3393). وأحمد في "المسند"(3/ 343) و"الأشربة"(148)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 860)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 217)، والبيهقي في "الكبرى"(8/ 296)، والبغوي في "شرح السنة"(11/ 350 - 351)؛ من طريق داود بن بكر بن أبي الفرات، عن محمد ين المنكدر، عن جابر، به مرفوعًا. =

ص: 174

- (ومنها): لو خلط (1) زيته بزيت غيره على وجه لا يتميز؛ فهل هو استهلاك بحيث يجب لصاحبه عوضه من أي موضع كان، أو هو اشراك؟

في المسألة روايتان:

المنصوص في رواية عبد اللَّه (2) وأبي الحارث أنه اشتراك، واختاره ابن حامد والقاضي في "خلافه"، واختار في "المجرد" أنه استهلاك (3).

= وإسناده حسن من أجل داود، وقد تابعه موسى بن عقبة وهو ثقة، أخرجه من طريقه ابن حبان في "الصحيح"(12/ 202/ رقم 5382 - "الإحسان").

وسلمة بن صالح -وهو ضعيف- أخرجه من طريقه ابن عدي في "الكامل"(3/ 1177).

والحديت صحيح بمجموع طريقيه، واللَّه الموفق.

قال الترمذي: "وفي الباب عن سعد وعائشة وعبد اللَّه بن عُمر وابن عَمرو وخوَّات بن جبير"، وقال عن حديث جابر:"هذا حديث حسن غريب من حديث جابر".

وانظر: "نصب الراية"(4/ 301 - 305).

(1)

في نسخة (ج): "اختلط".

(2)

قال عبد اللَّه في "مسائله" لأبيه (ص 309/ رقم 1149): "سألت أبي عن دقيق لقوم اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير دقيق، جميعًا طحنا فاختلطا، قال: هذا لا يقدر أن يميز؟ فقال أبي: إن كان يعرف قيمة دقيق الشعير من دقيق الحنطة مع هذا، أو أعطى كل واحد منهما قيمة ماله؛ إلا أن يصطلحوا بينهم على شيء ويتحالَّوا. قلت لأبي: فإن قال هذا: أريد حنطتي، وقال [الأخرُ]: أريد شعيري؟ قال: يباع إن عرف قيمتها. قلت لأبي: فإن لم يعرف؟ قال: لا بد لهم أن يصطلحوا على شيء ويتحالَّوا" اهـ.

(3)

إذا قلنا: إنه استهلاك؛ تعطيه بدل زيته من مكان آخر، وإذا قلنا: إنه اشتراك؛ فمعناه أنَّ له نصيه من الزيت نفسه، فمثلًا: عندي صاع من الزيت، وعندك صاع من الزيت، اختلط صاعي بصاعك، إن قلنا بأنَّه استهلاك؛ يعطيك صاعًا من زيت آخر، وإن =

ص: 175

وأما إن كان المختلط غصبًا؛ فقال في رواية أبي طالب: هذا قد اختلط أوله وآخره، أعجب إليَّ أن يتنزه عنه كله يتصدق به، وأنكر قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه.

واختار ابن عقيل في "فنونه" التحريم؛ لامتزاج الحلال بالحرام، واستحالة انفراد أحدهما عن الأخر.

وعلى هذا؛ فليس له إخراج قدر الحرام منه بدون إذن المغصوب منه؛ لأنها قسمة؛ فلا يجوز بدون رضا الشريكين.

لكن لأصحابنا وجه في المكيل والموزون المشترك: أن لأحد الشريكين الانفراد بالقسمة دون الآخر، وهو اختيار أبي الخطاب، ونص عليه أحمد في "الدراهم"، ومنعه القاضي؛ لكنه قال في "خلافه" (1): إن كان الحق في القدر المختلط لآدمي معين؛ لم تجز القسمة بدون إذنه، وإن كان لغير معين كالذي انقطع خبر مالكه ووجب التصدق به؛ فللمالك الاستبداد بالقسمة؛ لأن له ولاية التصرف فيه بالصدقة، وهذا [كله](2) بناءً على أنه اشتراك، وعن أحمد [رحمه الله] (2) رواية أخرى: أنه استهلاك. قال في رواية المرُوْذِي: يخرج العوض منه، وهذا يحتمل أنه أراد [أن](3) يخرج بدله عوضًا منه.

= قلنا اشتراك؛ فيعطيك من هذا الزيت، ولا يملك أن يعطيك من زيت آخر إلا برضاك، واللَّه أعلم. (ع).

(1)

في نسخة (ب): "في "خلافة" قال" بتقديم وتأخير.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).

ص: 176

وكذا ساقه المروذي في كتاب "الورع"(1) له: أن أحمد قال: يعطي العوض، ولم يقل: منه، وإن كان أراد أنه يخرج العوض من نفس المخْتَلِط؛ فهو بناءً على أنه شركة، وأن له الاستبداد بقسمة (2) ذلك (3).

- (ومنها): لو وصى له برطل من زيت معين، ثم خلطه بزيت آخر، فإن قلنا: هو اشتراك؛ لم تبطل الوصية، وإن قلنا: هو استهلاك؛ بطلت (4).

- (ومنها): لو حلف لا يأكل شيئًا، فاستهلك في غيره ثم أكله؟

قال الأصحاب (5): لا يحنث، ولم يخرجوا فيه خلافًا؛ لأن مبنى

(1) انظر منه (ص 84/ رقم 373).

(2)

في نسخة (ب): "بقسم".

(3)

إذا كان غصبًا؛ ففيه هنا الخلاف؛ فالإمام أحمد يرى أن الورع أن يتجنَّبه لأنه اختلط بالحرام، ولا يمكن التمييز؛ فالأولى أن يتصدَّق به، وابن عقيل حرَّمه، والقول الثاني إنه استهلاك، وإذا جعلناهُ استهلاكًا؛ فإنَّ لصاحب المال الذي اختلط ماله بالمغصوب أن يخرج بدل المغصوب من محل آخر ما دام قد استهلك؛ لأنه لم تبق عينُه حين ذلك، وهذا الذي اختلط يبقى ملكًا لصاجه. (ع).

(4)

لأن الوصية تبطل إذا تلف الموصى به؛ فقولنا: "استهلاك" معناه: أنَّه تلف، فتبطل الوصية، وإن قلنا: إنَّه "اشتراك"؛ فيبقى، فلا تبطل الوصية، والأقرب واللَّه أعلم أنَّه اشتراك في جميع الصور؛ فإنّ صاعي لما اختلط بصاع الأخر أصبحا صاعين، ولو استهلك لم يكن إلا صاعًا واحدًا. (ع).

(5)

لو كان عنده حلاوة، وسقطت في الماء وذابت، ولم يظهر طعمُها في الماء؛ فهل يكون حانثًا؟

الجواب: لا؛ لأن الحلاوة قد استهلكلت في هذا الشيء، ولو خلط لحم إبل في =

ص: 177

[الأيمان](1) على العرف، ولم يقصد الامتناع من مثل ذلك.

وقد يخرج فيه وجه بالحنث، وقد أشار إليه أبو الخطاب كما سنذكره، وهذا كله في المائعات والأدقة (2) ونحوها مما يختلط بعض أجزائه ببعض.

فأما الحبوب والدراهم ونحوها؛ فمن الأصحاب من قال: حكمها حكم المائعات فيما سبق، وفرعوا على ذلك مسائل:

- (منها): لو اشترى ثمرة، فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها، ولم تتميز؛ فهل ينفسخ البيع؟

على وجهين، اختار القاضي في "خلافه" الانفساخ، وفي "المجرد" عدمه.

- (ومنها): لو حلف لا يأكل حنطة، فأكل شعيرًا فيه حبات حنطة؟

ففي حنثه وجهان ذكرهما أبو الخطاب، وغلطه صاحب "الترغيب" وقال: يحنث بلا خلاف؛ لأن الحب متميز لم يستهلك، بخلاف ما لو طحنت الحنطة بما فيها فاستهلكت؛ فإنه لا يحنث.

- (ومنها): لو اختلطت دراهمه (3) بدراهم مغصوبة؛ فالمنصوص

= جريش، ثم أكل الجريش؛ فهل ينتقض وضوءه؟ الأظهر أن وضوءه ينتقض؛ لأكله اللحم يقينًا. (ع).

(1)

الزيادة من نسخ (أ) و (ب) و (ج)، وسقط من المطبوع، وفيه:"لأنه مبني على".

(2)

يريد به المدقوقات.

(3)

في نسخة (أ): "دراهم".

ص: 178

عن أحمد في رواية المروذي: إن كانت الدراهم قليلة؛ كثلاثة فيها درهم حرام؛ وجب التوقف عنها حتى يعلم، وإن كانت كثيرة؛ كثلاثين فيها درهم حرام؛ فإنه يخرج منها درهمًا [واحدًا](1)، ويتصرف في الباقي.

وله نصوص كثيرة في هذا المعنى، وعلل بأن الكثير يجحف بماله إخراجه، وأنكر على من قال:[يخرج قدر الحرام](2) من القليل؛ كالثلاثة إنكارًا شديدًا.

وأما القاضي؛ فتأول كلامه على الاستحباب؛ لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام، وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل، قال: والواجب في الجميع إخراج قدر الحرام.

وكذلك ذكر ابن عقيل في "فصوله"، وخالف في "الفنون" وقال: يحرم الجميع (3).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

هكذا في النسخ المخطوطة الثلاث، وفي المطبوع:"يخرج هذا قدر الحرم"، وهو خطأ.

(3)

الصواب أنه يخرج قدر الحرام، سواءً: أكان كثيرًا أم قليلًا؛ لأنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]؛ فكيف يجب عبه أن يتصدق بما له، وهو يستطيع أن يخرج قدر الحرام منه، فإذا اختلط درهم مغصوب بثلاثة دراهم، إذا قلنا: إن الدرهم لا تتعين؛ فالواجب إخراج واحدًا منها، ولكن إذا أخرجت واحدًا يحتمل أنه ليس هو، يحتمل أنه الثاني، وإن أخرجت الثالث يحتمل أنه الرابع، وهكذا، ولكن لوأصبحت ألفًا؛ فلا يلزمه إلا في القليل، ويعترض عليه بأنه رب شخص عنده ألف درهم، وهي بالنسبة لماله ليست شيئًا، ورب شخص عنده أربعة دراهم، وهي بالنسبة له كل ماله؛ فالصواب في هذه المسألة أنه لا يجب عليه إلا إخراج مقدار الحرام فقط. (ع).

ص: 179

- (ومنها): لو خلط الوديعة -وهي دراهم- بماله، ولم تتميز؛ فالمشهور الضمان؛ لعدوانه حيث فوت تحصيلها (1).

وعنه رواية أخرى: لا ضمان عليه؛ لأن النقود لا يتعلق الغرض بأعيانها، بل بمقدارها، وربما كان خلطها مع ماله أحفظ لها، وعلى هذه الرواية؛ فإذا تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التالف كله من ماله، وجعل الباقي من الوديعة، نص عليه؛ لأن هذه [الأمانةَ الأصلُ](2) بقاؤها ووجوب تسليمها، ولم يتيقن زوال ذلك، ولهذا قلنا: لو مات وعنده وديعة وجُهِلَ بقاؤها أنها تكون دينًا على التركة.

وتأول القاضي وابن عقيل كلام أحمد [رحمه الله](3) في الضمان هنا على أن الخلط كان عدوانًا، وهذا يدل على أنه لا ضمان عندهما إلا مع التعدي، [ولو](4) اختلطت الوديعة بغير فعله، ثم ضاع البعض؛ جعل من مال المُوْدَع في ظاهر كلام أحمد، ذكره أبو البركات [ابن تيمية](5) في "شرح الهداية"، وقد تقدم أن القاضي ذكر في "الخلاف" أنهما يصيران شريكين، قال أبو البركات: ولا يبعد على هذا أن يكون الهالك منهما (6).

(1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"تخليصها".

(2)

كذا في نسخة (أ) و (ج)، وفي المطبوع:"الأصل أمانة"، وفي (ب):"أمانة الأصل".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(4)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي نسخة (ج):"وإن".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(6)

هذا هو الأحسن ما لم يكن بتعدٍّ، وتكون بينهما بالنسبة؛ فمثلًا: عندي وديعة ألف درهم، وأملك ألفي درهم، فوضعت الألف مع الألفين، ثم سرق ألف وخمس مئة، =

ص: 180

وذكر القاضي أيضًا في بعضِ "تعاليقه" فيمن معه دينار أمانة لغيره، فسقط منه مع دينار له في رحى، فدارت عليهما حتى نقصا، وكان نقص أحدهما أكثر من نقص الآخر، ولم يدر أيهما له؛ أنه يحتاط فيدفع إلى صاحب الأمانة ما يغلب على ظنه أنه قدر حقه، فإن ادعى أن الثقيل له؛ فالقول قوله في الظاهر؛ لأن يده عليه، [واللَّه أعلم](1).

* * *

= إنْ جعلتُ الضَّرر عليَّ؛ صار معاه أعطي صاحب الوديعة ألفًا كاملة، وإن جعلناها مشتركًا، صار لكل واحد منا نصفُ حقِّه، فيكون الألف والخمس مئة الباقة لي منها ألفٌ، وله منها خمسة مئة، وهذا هو الراجح. (ع).

(1)

وهذا على سبيل الاحتياط، أما على سبيل الوجوب؛ فلا بد من المصالحة، ويحتمل أنه مبني على الخلاف. (ع).

قلت: وما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 181

(القاعدة الثالثة والعشرون)

من حرم عليه الامتناع من بذل شيءٍ سُئله فامتنع؛ فهل (1) يسقط إذنه بالكلية، أو يعتبر ويجبره الحاكم عليه؟

هذا نوعان:

(أحدهما): أن يكون المطلوب منه إذنًا مجردًا (2)، ويندرج تحته صور:

- (منها): وضع الخشب على جدار جاره إذا لم يَضُرَّ به، وقد نص أحمد على عدم اعتبار إذنه [بالكلية](3) في ذلك، وفي "التلخيص" أنه يجبر عليه إن أباه (4).

(1) في نسخة (ب): "هل".

(2)

في نسخة (أ): "إذن مجرد"، وهو لا شك خطأ!

(3)

أثبتها مصحح (أ) في الهامش.

(4)

إنسان وجب عليه أنْ يذل شيئًا، فامتنع؛ فهل يسقط إذنهُ، أم لا بد من إجباره على الإذن؟

مثال ذلك: الإنسان يجب عليه الإنفاق على قريبه، فامتنع؛ فهل يسقط إذنه ونأخذ من ماله بغير إذنه، أو إذنه معتبر يجب أن يأذن، ولكن يجبره الحاكم على أن يأذن؟

مثال آخر: هذا الجار لم يسمح لجاره بوضع الخشب على جداره، مع أنه لا يضرَّه؛ فهل يسقط إذنه ونضع نحن أذِنَ أو لم يأذن، أو لا بد من إذنه والقاضي يجبره؟ =

ص: 182

- (ومنها): حج الزوجة الفرض، ونص أحمد في رواية صالح على أنها لا تحج إلا بإذنه، وأنه ليس له منعها؛ فعلى هذا يجبر (1) على الإذن لها، ونقل ابن أبي موسى عن أحمد: أن استئذانها له مستحب ليس بواجب.

- (ومنها): إذا قلنا بوجوب الجمعة على العبد؛ فهل يتوقف على إذن السيد [له](2)؟

حكى الأصحاب فيه روايتين:

إحداهما: لا تجب على العبد حتى يأذن له السيد.

والثانية: تجب بدون إذنه، ويستحب له استئذانه، فإن أذن له، وإلا؛ خالفه وذهب.

- (ومنها): أخذ فاضل الكلأ والماء من أرضه؛ هل يقف جواز

= بينهما فرق، إذا قلنا: إنه يسقط إذنه، فللجار أن يضع ولا يذهب إلى القاضي، وإذا قلنا: يعتبر ويجبر؛ فمعناه لا بد من المرافعة إلى القاضي لأجل أن يجبره.

ورد في المسألة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"، والنَّص يوحي باعتبار الإذن، وعندي أن حديث هندٍ مع أبي سفيان كان بدون إذنه. (ع).

قلت: قصة هند سبق تخريجها، وحديث "لا يمعن جار جاره. . . " أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب المظالم، باب لا يمنع جاره أن يغرز خشبة في جداره، 5/ 110/ رقم 2643، وكتاب الأشربة، باب الشرب من فم السِّقاء، 9/ 90/ رقم 5627)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار، 3/ 1230/ رقم 1609)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

في نسخة (ج): "يجب"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين من نسخة (ج)،

ص: 183

الدخول الى الأرض على إذنه [ويُجْبَر عليه إن أباه](1)، أم يجوز بدون إذنه؟

على وجهين (2).

(1) ما بين المعقوفتين من نسخة (أ) و (ج).

(2)

الناظر الى النص "لا يمنعن جار جاره" يبدو له أنه لا بد من إذنه، لأنه يقول:"لا يمنعن"، فلو لم يكن له إذن، لقال الرسول صلى الله عليه وسلم "وللجار أن يضع خشبة على جدار جاره"، والأصح أنه يجبر؛ لأنه إذا منع قد يكون له عذر، فإذا قلنا بسقوط إذنه؛ لقلنا: إن الجار يضع الخشبة بدون إنذار، وهذا قد يكون فيه ضرر ونزاع كبير وعداوة دائمة وفتنة، فإذا جاء الإجبار من قبل الحاكم؛ زالت هذه المحاذير. (ع).

قلت: يتأيَّد هذا الترجيح بما ورد أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العُرَيض، فاراد أن يمُرَّ في أرض محمد بن سلمة، فأبى محمد، فقال الضحاك: لِمَ تمنعي وهو لك منفعة تشرب منه أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم الضحاكُ عمرَ بن الخطاب، فدعا عمرُ محمد بن سلمة، فأمره أن يخلِّي سبيله، فقال: لا. فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟ فقال محمد ابن مسلمة: لا واللَّه. فقال عمر رضي الله عنه: واللَّه؛ ليمرن به ولو على بطنك. فأمر عمرُ أن يمر به؛ ففعل الضحاك.

أخرجه مالك في "الموطأ"(746 - رواية يحيى، ورقم 2897 - رواية أبي مصعب، و 358 - رواية محمد بن الحسن) -ومن طريقه الشافعي في "المسند"(2/ 135)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 157)، و"معرفة السنن والآثار"(9/ رقم 12264) -، ويحيى ابن آدم في "الخراج"(رقم 353)؛ من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه.

وشك فيه يحيى؛ فقال: "أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، وإسناده رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل كما قال البيهقي.

وله طريق أخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار"(22/ 229/ رقم 32544)، ثم ظفرتُ بها في "الخراج" ليحيى بن آدم (رقم 348، 349، 350)، وهو مرسل أيضًا، أفاده البيهقي، ويتقوى بالمرسل الأول.

ص: 184

ونص أحمد على جواز الرعي في الأرض المغصوبة يدل على عدم اعتبار الإذن في ذلك، ومن الأصحاب من قال: الخلاف في غير المُحَوَّط، فأما المُحَوَّط؛ فلا يجوز دخوله بغير إذن بغير خلاف. [قال] (1): ومتى تعذر الاستئذان لغيبة المالك أو غيرها، أو استؤذن فلم يأذن؛ سقط إذنه كما في الولي في النكاح، ونقل مثنى الأنباري (2) عن أحمد ما يشعر بالفرق بين الدخول للماء والكلأ؛ فيتعين الاستئذان للدخول للكلأ دون الماء.

- (ومنها): بذل الضِّيافة الواجبة إذا امتنع منها جاز الأخذ من ماله، ولا يعتبر إذنه في أصح الروايتين.

نقلها علي بن سعيد عن أحمد، ونقل عنه حنبل: لا يأخذ إلا بعلمهم ويطالبهم بقدر حقه (3).

- (ومنها): نفقة الزوجة الواجبة (4).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).

(2)

في نسخة (ب): "ابن مثنى بن الأنباري".

(3)

الصحيح أنه يأخذ بقدر ما يكفيه لسدِّ حاجته، ولو دون إذنٍ إن منعوه، وهي واجبة يوم وليلة؛ إلا أن الفقهاء اشترطوا أن تكون في القرى دون الأمصار؛ لأنها لا تخلو من المطاعم والفنادق وغيرها من سبل الأكل والشرب والمبيت. (ع).

(4)

يجوز للزوجة أن تأخذ نفقتها بدون إذن زوجها إن منعها النفقة وإن لم يعلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لهند بنت عتبة:"خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وكذلك الأم إذا رفض ابنُها أن ينفق عليها وقدرت على أن تأخذ شيئًا من ماله؛ فلتأخذ، ولا يلزمها أن ترفع أمرها للحاكم، وهند رفعت أمرها للرسول صلى الله عليه وسلم من باب معرفة الحكم لا من باب التحاكم، ولو كان من باب التحاكم ما حكم لها صلى الله عليه وسلم وزوجها غائب ولم يسمع منه. (ع).

ص: 185

- (ومنها): الطعام الذي يضطر إليه غيره؛ فإنه يلزمه بذله له بقيمته، فإن أبى؛ فللمضطر أخذه قهرًا، وإنما سقط اعتبار الإذن في هذه الصور؛ لأن اعتباره يؤدي إلى مشقة وحرج، وربما [أفضى](1) إلى فوات الحق بالكلية (2).

(النوع الثاني): أن يكون المطلوب منه تصرفًا [بعقد](3) أو فسخ أو غيرهما، ويندرج تحته صور:

- (منها): إذا طُلِبَ منه القسمة التي تلزمه الإجابةُ إليها، والأصحابُ يقولون: يجبر على ذلك، فإن كان المشْتَرَكُ مثليًا -وهو الكيل والموزون-، وامتنع أحدُ الشَّريكين من الإذن في القسمة أو غاب؛ فهل يجوز للشريك الأخر أخذ [قدر](4) حقه منه بدون إذن الحاكم؟

على وجهين:

(أحدهما): الجواز، وهو قول أبي الخطاب.

(والثاني): المنع، وهو قول القاضي؛ لأنَّ القسمة مختلف في كونها

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"أدى".

(2)

فالمضطر للطعام -إذا قلنا: لا بد من الإذن- قد يموت جوعًا قبل أن يرفع أمره إلى القاضي حتى يأخذ له الإذن، وهنا مسألة: إذا انقطع الإنسان بسيارته في الصحراء، وأراد أن يشتري شيئًا من صاحب محل قريب، وعلم هذا باضطراره؛ فرفع قيمة السلعة أكثر من الثمن؛ فله أن يأخذها بقيتمها؛ ولو أن يحتال عليه أو يهرب. (ع).

(3)

في المطبوع و (أ) و (ب): "لعقد"، والتصويب من (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 186

بيعًا، وإذن الحاكم يرفع النزاع (1).

- (ومنها): إذا امتنع من بيع الرهن؛ فإنَّ الحاكمَ يجبره عليه ويحبسه، فإن أصرَّ؛ باع عليه، ومن الأصحاب من يقول: الحاكم مخير؛ إن شاء أجبره على البيع، وإن شاء باع عليه. وهو المجزوم به في "المغني"(2).

- (ومنها): إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه؛ فإنه يجبر على الإنفاق (3) أو البيع، كذا أطلقه كثير من الأصحاب، وقال ابن الزاغوني: إن أبى؛ باع الحاكم عليه.

(1) إذا كان المطلوب منه تصرفًا بعقد أو فسخ وامتنع، فهنا لا بد أن يجبر؛ إذ لا بد أن يفعله هو بنفسه؛ ففي النوع الأول: المطلوب منه الإذن فقط، وفي هذا المطلوب منه الصرف بعقدٍ أو فسخٍ، مثال ذلك: إذا طب منه القسمة التي تلزمه الإجابة إليها، وهي القسمة فيما لا ضرر في قسمته، مثاله: بيني وبينك مئة صاع من بُرٍّ، لكل واحد منا خمسون صاعًا، فقلت له: اقسم، أريد حقي؛ ففي هذه الحالة يلزمه أن يقسم، فإن امتنع؛ فلا استقلُّ أنا بالقسمة، بل لا بد أن أذهب الى الحاكم ويجبره إن كان حاضرًا، فإن لم يكن حاضرًا، فالحاكم يقوم مقامه، وكذلك كانت هناك أرض مشتركة، ونحن فيها أنصافًا؛ فإنه في هذه الحال إذا طلب أحد الشريكين القسمة أجبر الآخر، ولا يستطيع أحد أن يستقل بالقسمة، بل لا بد من رفع الأمر الى الحاكم. (ع).

(2)

انظر: "المغني"(4/ 262/ 3399).

وقال هناك: "وبهذا قال الشافعي"، وقال الشيح ابن عثيمين:"الصحيح أنه مخير، كما قال صاحب "المغني"، وينبغي له أن لا يقدم على بيعه حتى يرجع إلى صاحبه".

(3)

في نسخة (أ): "ذلك".

ص: 187

- (ومنها): المؤلي (1) إذا وُقِّفَ، ثم امتنع من الفَيْئَةِ (2)؛ فإنه يُؤْمَرُ بالطَّلاقِ، فإن طلق؛ فذاك، وإلا؛ ففيه روايتان:

(إحداهما): يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق.

(والثانية): يُطَلِّقُ الحاكم عليه (3).

- (ومنها): العِنِّين إذا انقضت مدته وتحقَّق عجزُه وأبى أن يُفارقَ زوجَته (4)؛ فَرَّق الحاكمُ بينهما (5).

(1) في المطبوع: "المولى"، والصواب:"المؤلي"؛ كما في النسخ الخطية، وفي هامش المطبوع:"يريد بـ"المؤلي" هنا الذي حلف لا يطأ زوجهُ أربعة أشهر أو أكثر".

(2)

في نسخة (ب): "الفئة"، وفي هامش المطبوع:"الفيئة: الرجوع".

(3)

اختلف العلماء في المؤلي؛ فمنهم من يقول: إذا تمت الأربعة أشهر؛ انفسخ العقد، ولا حاجة لتخييره، ومنهم من قال: إذا تمت الأربعة أشهر يقال له: إما أن ترجع، وإما أن تطلق؛ فهل للحاكم أن يطلق عليه، أو أن يجْبره على الطلاق؟

فيه روايتان كما قال المؤلف:

أحدهما: يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق حتى يُطَلِّقُ.

والثانية: يُطَلِّقُ الحاكمُ عليه. (ع).

قلت: الصواب أن العقد لا ينفسخ بمضي الأربعة أشهر؛ لقول اللَّه: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227]، ورجح هذا الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 355)؛ فقال عند قوله تعالى:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227]: "والطلاق حل عقدة النكاح، وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضيّ أربعة أشهر، كما قال مالك، ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة"، وقال في هذا:"ومعناه ظاهر واضح".

(4)

في نسخة (ج): "امرأته".

(5)

العِنّين: هو الذي لا يستطيع الوصل؛ أي: لا يستطيع أن يجامع زوجته، فإنه يؤجّل سنة كاملة، فإن قدر؛ فبها ونعمت، وإلا؛ فُسِخ العقد. (ع).

ص: 188

- (ومنها): إذا مُثِّل بعبده، قال أحمدُ في رواية الميموني (1): يعتقه السلطان عليه، وظاهر هذا أنه لا يعتق بمجرد التمثيل، ولكن يعتقه السلطان عليه بغير اختياره؛ لأن عتقه صار محتمًا (2) لا محالة؛ كما فعل عمر رضي الله عنه (3)، بخلاف طلاق المؤلي (4)؛ فإنه لو فاء لم يطالب

(1) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، أبو الحسن الميموني، الرَّقِّي، له "مسائل الإمام أحمد"، عرفها الخلال بقوله:"في ستة عشر جزءً، منها جزآن كبيران بخط جليل، مئة ورقة أو نحو ذلك"، توفي سنة (274 هـ) رحمه اللَّه تعالى.

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 212 - 216)، و"تهذب التهذيب"(6/ 400)، و"المنهج الأحمد"(1/ 249 - 252).

(2)

في نسخة (ج): "متحتمًا".

(3)

انظر آخر الهامش الآتي.

(4)

وورد نحو ما نقله المصنف عن عمر في الحديث المرفوع، وفيه أن ابن عمر وقع له ذلك. أخرج مسلم في "صحيحه"(كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، 3/ 1278/ رقم 1657)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأدب، باب حق المملوك، رقم 5168)، وأحمد في "المسند"(2/ 25، 45، 61)، وأبو يعلى في "المسند" (10/ 158 - 159/ رقم 5782)؛ عن زاذان أبي عمر؛ قال: أتيتُ ابنَ عمر وقد أعتق مملوكًا، قال: فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا، فقال: ما فيه من الأجر ما يَسْوَى هذا؛ إلا أني سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه؛ فكفَّارتُه أن يُعتِقَه".

قال النووي في "شرح صحيح مسلم"(4/ 206): "قال العلماء: في هذا الحديث الرفق بالمماليك، وحُسنِ صحبتهم، وكفِّ الأذى عنهم". وقال: "وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبًا، وإنما هو مندوب رجاء كفّارة دينه، فبهِ إزالةُ إثم ظلمه".

قلت: وفي نقل النووي الإجماع نظر، وفي نقل المصنف ما يشوش على هذا الإجماع!! =

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ويشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 2/ 182)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 182)، والطبراني في "الأوسط"(9/ 298 - 299/ 8652)، وأبو بكر الإسماعيلي في "مسند عمر" -كما في "مسند الفاروق"(1/ 371 - 372) لابن كثير-، وابن عدي في "الكامل"(ق 596)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 215، 216)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 36)؛ من طريق عمر بن عيسى المدني الأسدي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ قال:"جاءت جارية إلى عمر، وقالت: إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى أحرق فرجي. فقال: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا. قال: أفاعترفت له بشيء؟ قالت: لا. قال: عليَّ به. فلما رأى الرجل قال: أتعذب بعذاب اللَّه؟ قال: يا أمر المؤمنين! اتهمتها في نفسها. قال: رأيت ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فاعترفت؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده، لو لم أسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده"؛ لأخذتها منك. فبرزه فضربه مئة سوط، ثم قال: اذهبي فأنت حرة، مولاة للَّه ورسوله، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من حُرِّق بالنار أو مثل به، فهو حر، وهو مولى اللَّه ورسوله"".

قال الليث: هذا أمرٌ معمول به.

قال ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 372): "هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلى في مسند عمر، وهو إسناد حسن؛ إلا أن البخاري قال في عمر بن عيسى هذا: هو منكر الحديث؛ فاللَّه أعلم.

والحديث فيه دلالة ظاهرة توضح لمذهب مالك وغيره من السلف، في أن من مثَّل بعبده يُعتق عليه حتى عداه بعضهم إلى من لاط بمملوكه، أو زنى بأمة غيره أنها تعتق عليه.

وفيه أيضًا أنه لا ولاء له عليه والحالة هذه؛ لقوله: "وهو مولى اللَّه ورسوله"، وقد نصّ الإمام الليث بن سعد على قول هذا الحديث، وأنه معمول به عندهم".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وتعقبه الذهبي فى "التلخيص" بقوله:"قلت: بل فيه عمر بن عيسى القرشي، وهو منكر الحديث".

وقال الهيثمي في "المجمع"(6/ 288): "فيه عمر بن عيسى القرشي، ذكره =

ص: 190

بالطلاق [كما هو المشهور عند الأصحاب؛ فـ](1) يحتمل أن يكون مراده أن السلطان يحكم عليه بوقوع العتق كما هو المعروف في المذهب، وفيه بُعْدٌ.

- (ومنها): الموصى بعتقه إذا امتنع الوارث من إعتاقه؛ أعتقه السلطان عليه.

- (ومنها): إذا اشترى عبدًا بشرط العتق، وقلنا: يصح على الصحيح، فأبى أن يعتقه؛ ففيه وجهان، وقيل روايتان:

= الذهبي في "الميزان"، وذكر له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا، وبيَّض له، وبقية رجاله وثِّقوا".

قلت: الموجود في مطبوع "الميزان"(3/ 316) الذي بين أيدينا: "قال البخاري: منكر الحديث، وقال العقيلي: مجهول بالنقل، وقال النسائي ليس بثقة، منكر الحديث".

وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 87): "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عن الأثبات بالطامات؟! ".

فالحديث المذكور إسناده ضعيف جدًّا.

ومدار الحديث على عمر هذا، قال الطبراني:"لم يروه عن ابن جريج إلا عمر بن عيسى، تفرد به الليث".

وانظر: "اللسان"(4/ 320 - 322).

وأخرج مالك في "الموطأ"(2/ 776/ رقم 7): "أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أتَتْهُ وليدةٌ قد ضربها سيِّدُها بنارٍ، أو أصابها بها؛ فأعتقها".

وأخرجه موصولًا من طرقٍ عنه عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 438/ رقم 17929، 17930، 17931).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 191

(إحداهما) -ونص عليها أحمد في رواية الأثرم-: أن للبائع الفسخ؛ بناءً على أنه حق له.

(والثاني): أنه يجبر المشتري على عتقه؛ بناءً على أنه حق للَّه [تعالى](1).

فعلى هذا [إنْ](2) امتنع وأصر؛ توجه أن يعتقه الحاكم عليه.

- (ومنها): الحوالة على المليء؛ هل يُعتبر لبراءة المُحِيل رضا [المحتال](3)، فإن أبى أجبره الحاكم عليه؛ لأن احتياله على المليء (4) واجب عندنا أو يبرأ بمجرد الحوالة؟

فيه عن أحمد روايتان (5) حكاهما القاضي في "خلافه" وطائفة من

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي المطبوع:"إذا".

(3)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"المحال".

(4)

الملئ: هو القادر على الوفاء، الباذل له، الممكن إحضاره لمجلس الحكم؛ فهو من جمع ثلاثة أوصاف: أن يكون قادرًا، باذلًا، يمكن إحضاره لمجلس الحكم، فإن كان فقيرًا؛ فليس بملئ، وإن كان غنيًّا مماطِلًا -أي: غير باذل-؛ فليس بملئ، وإن كان قادرًا باذلًا، لكن لا يمكن إحضاره إلى مجلس الحكم، فليس بملئ، مثل: لو أحالني على أبي، أو أحالني على أمير، أو ليس موجودًا. (ع).

(5)

الحوالة على ملئ؛ هل يعتبر فيها رضا المحال أم لا؟

في روايتان، والمذهب أنه يجب القبول، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أُتْبِعَ على مَلئ؛ فَلْيَتَّبِعْ".

قالوا: فالأمر للوجوب، وهذا هو مذهب أحمد، والجمهور على أن الأمر للاستحباب، وليس للوجوب، وقالوا: إنَّ المحال لا يلزمه القبول؛ لأن له أن يقول: "حقي =

ص: 192

الأصحاب، ومبناهما على أن الحوالة هل هي نقل للحق أو تقبيض؛ فإن [كانت](1) نقلًا؛ لم يعتبر لها قبول، وإن كانت تقبيضًا؛ فلا بد من القبض بالقول، وهو [قبولها](2)؛ فيجبر المحتال عليه.

- (ومنها): الولي في النكاح إذا امتنع من التزويج؛ فهل يسقط حقه وينتقل إلى غيره ممن هو أبعد منه، [أو لا فيقوم](3) الحاكم مقامه؟

على روايتين (4).

- (ومنها): إذا أسلم على أكثر من [أربع](5)، وأبى أن يختار منهن؛ أجبره الحاكم على الاختيار، وعزَّره مرَّةً بعد أُخرى حتى يختار ولم يختر له؛ إذ الاختيار موكول إلى شهوته وغرضه لا غير.

- (ومنها): الكتابة إذا أوجبناها بسؤال العبد، فأبى السيد؛ أجبره

= عندك، وفي ذمَّتك؛ فلا أقْبَلُ غيرَك". (ع).

قلت: أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب الحوالة، باب إذا أحال على ملئٍ فليىس له رَدٌّ،4/ رقم 2287، 2288) بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: "مطلُ الغنيّ ظُلمٌ، ومَنْ أُتْبِعَ على مَلئٍ؛ فَلْيَتبِعْ".

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"قلنا".

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"قولها"! وهو خطأ.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إن عدم؛ فهل يقوم".

(4)

والصواب أن الحق ينتقل إلى من هو أبعد منه، وهو أولى من الحاكم، ولو قيل: إن الحاكم يجبره على أن يعقد؛ لم يكن بعيدًا؛ لأنه قد يمتنع الأبعد خوفًا من الفتنة؛ فيتولى الحاكم حينئذ العقد. (ع).

(5)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"أربعة".

ص: 193

الحاكم عليها (1).

- (ومنها): إذا أتاه الغريمُ بدينه الذي يجب عليه قَبْضُهُ، فأبى أن يقبضه؟

[قال في](2)"المغني"(3): يقبضه الحاكمُ، وتبرأ ذمة الغريم لقيام الحاكم مقام الممتنع بولايته، ولو أتاه الكفيل بالغريم، فأبى أن يتسلمه؛ فقال في "المغني" (4): يُشهد على امتناعه، ويبرأ لوجود الإحضار (5) وذكر عن القاضي: أنه يرفعه إلى الحاكم أولًا لِيُسَلمَهُ إليه، فإن تعذَّر؛ أشهد على امتناعه.

* * *

(1) الكتابة: شراء العبد نفسه من سيِّده.

والمذهب أنها لا تجب، وظاهر الآية {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أنها تجب، ولا سيما أن الشارع يتطلع إلى العتق؛ فالصحيح أن العبد إذا طبها وعلمنا فيه الخير، وجبت مكاتبتُه. (ع).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في نسختي (ب) و (ج): "ففي".

(3)

انظره في "المغني"(4/ 358).

(4)

انظره في "المغني"(4/ 358/ 3598).

(5)

الكفيل: هو الذي التزم بإحضار بَدَن المكفول، وهو غير الضامن؛ فالضامن يكفل الدين (أي: المال)، وأما الكفيل؛ فإنه يكفل إحضار البدن، مثاله: أردتُ أن أقرض زيدًا مئة درهم، ولكن قلت له أنا لا أعرفك، فأحضر لي إنسانًا يكفلك؛ فأتي لي بشخص يكفله -أي: بحضره-؛ فالكفيل جاء لي بالغريم، وقال: هذا غريمك استوفِ حقَّك منه، فإنْ امتنعتُ من استيفاء حقي منه، وأشهد عليَّ -أي: على امتناعي- برأ الكفيل، وذلك لأنه وجد إحضاره. (ع).

ص: 194

(القاعدة الرابعة والعشرون)

من تعلق بماله حق واجب عليه، فبادر إلى نقل الملك عنه؛ صح، ثم إن كان الحق متعلقًا بالمال نفسه؛ لم يسقط، وإن كان متعلقًا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه؛ سقط، وإن كان لا يزول بانتقاله؛ لم يسقط على الأصح.

ويدخل تحت ذلك صور:

- (منها): لو بادر الغال قبل إحراق رحله وباعه؛ ففيه وجهان حكاهما في "المغني"(1):

(أحدهما): يصح؛ لأنَّ مُلْكَهُ باقٍ لم يَزُل، ويسقط التحريق لانتقاله عنه؛ فهو كما لو مات وانتقل إلى وارثه.

(والثاني): ينفسخ البيع ويحرق؛ لأن حق التحريق أسبق، وقد تعلق بهذا المال عقوبةً لمالكِهِ على جريمته السَّابقة (2).

- (ومنها): لو باع المشتري الشقص المشفوع قبل المطالبة

(1) انظره: (9/ 246/ 7604).

(2)

وصورة هذه المسألة: أنه إذا غَلَّ زيدٌ شاةٌ، فإنَّ القائد يحرِّقُ رَحْلَ زيدٍ مجازاةً له على غلِّهِ الشَّاة، وإذا باعَ زيدٌ رحله قبل أن يُحرِّقه القائد؛ ففيه الوجهان، ومن قال بالتحريق؛ فإنه يستثني السِّلاحَ والمصحفَ، وما فيه روح من الرَّحل ويُحرِّق الباقي. (ع).

ص: 195

بالشفعة؛ ففيه وجهان:

(أحدهما): أن البيع باطل؛ لأن ملكه غير تام (1)، وهو ظاهر كلام أبي بكر في "التنبيه".

(والثاني): أن البيع صحيح، وهو قول الخرقي (2) والمشهور في المذهب؛ لأن أخذ الشفيع من المشتري الثاني ممكن، فإن اختار ذلك؛ فعل، وإلا؛ فسخ البيع الثاني، وأخذ من الأول لسبق حقه عليه.

- (ومنها): لو أمر الذمي بهدم بنائه العالي، فبادر وباع من مسلم؛ صح، وسقط الهدم لزوال علته؛ فإنه لم يجب الهدم إلا لإزالة ضرر استدامة تعلية الذمي، لا عقوبة للتعلية الماضية، وقد زال الضرر بانتقاله إلى المسلم؛ فهو كما لو بادر المالك وأسلم؛ فإن الهدم يسقط بلا تردد (3).

- (ومنها): لو مال جداره الى ملك جاره، فطولب بهدمه، فباع داره؛ صح، وهل يسقط الضمان عنه بالسقوط بعد ذلك على رواية التضمين أم لا؟

قال القاضي: يسقط؛ لأن الوقوع في غير ملكه.

وقال ابن عقيل: إنْ قصد ببيعه الفرارَ من المطالبة بهدمه؛ لم يسقط الضَّمان لانعقاد سببه في ملكه، كما لو باع سهمًا بعد خروجه من كبد

(1) في نسخة (أ): "تمام"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

انظر: "الخرقي"(5/ 218/ 4092 - مع "المغني").

(3)

كتب ناسخ (أ) هنا في الهامش: "هذه المسألة متفرعة على ما تعلق بالمالك لمعنى زال بانتقاله عنه، ولهذا لم يذكر فيها خلافًا، وما قبلها مما لا يزول بانتقاله".

ص: 196

القوس؛ فإنَّ عليه ضمان ما يتلفه. قال: وكذا لو باع فَخًّا أو شبكة منصوبتين، فوقع فيهما صيد في الحرم أو مملوك للغير؛ لم يسقط عنه ضمانه.

والظاهر أن القاضي لا يخالف في هذه الصور؛ فإنه قال فيما إذا أخرج جناحًا أو ميزابًا إلى الطريق، ثم باع ملكه بعد المطالبة بإزالته، ثم سقط؛ فعليه الضمان؛ لأن خروجه إلى غير ملكه حصل بفعله، بخلاف ميل الحائط؛ فإنه لا فعل له فيه، وإنما يلزمه إزالته على وجه ممكن، ولا يمكنه نقضه بعد زوال ملكه عنه.

- (ومنها): لو اشترى عبدًا بشرط العتق، ثم باعه بهذا الشرط؛ فهل يصح أم لا؟

على وجهين حكاهما الأزجي في "نهايته"(1)، وصحح عدم الصحة؛ لأنه يتسلسل، ولأن تعلق حق العتق الواجب عليه يمنع الصحة كما لو نذر

(1) قال المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 120): "يحيى بن يحيى الأزجي الفقيه، صاحب كتاب "نهاية المطلب في علم المذهب"، وهو كتاب كبير جدًّا وعبارته جزلة، حذا فيه حذو "نهاية المطلب" لإمام الحرمين الجويني الشافعي، وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل في "الفصول" و"المجرد"، وفيه تهافت كثير؛ حتى في (كتاب الطهارة، وباب المياه)؛ حتى إنه ذكر في فروع الآجر المجبول بالنجاسة كلامًا ساقطًا يدل على أنه لم يتصور هذه الفروع ولم يفهمها بالكلية، وأظن هذا الرجل كان استمداده من مجرد المطالعة ولا يرجع إلى تحقيق، وقد ذكر في كتابه أنه قرأ بنفسه على ابن كليب الحراني، ولم أعلم له ترجمة ولا وجدته مذكورًا في تاريخ، ويغلب على ظني أنه توفي بعد الست مئة بقليل".

قلت: حدد السبيعي في "الدر المنضد"(رقم 73) تأريخ وفاته سنة (616 هـ)، وقال عنه:"كتاب كبير جدًّا. وانظر: "المقصد الأرشد" (357)

ص: 197

عتق عبد؛ فإنه لا يصح بيعه، وعندي أن هذا الخلاف مترتب على أن الحق هل هو للَّه ويجبر عليه إن أباه، أو للبائع؟ فعلى الأول هو كالمنذور عتقه، وعلى الثاني يسقط الفسخ لزوال المُلْكِ، وللبائع الرجوع بالأرْشِ، فإن هذا الشرط ينقص به الثَّمنُ عادة، ويحتمل أن يثبت له الفسخُ لسبق حقه.

- (ومنها): لو باع العبدَ الجاني لزمه افتداؤه، فإن كان معسرًا؛ فُسخ البيع تقديمًا لحق المجني عليه لسبقه.

- (ومنها): لو باع الوارث التركة مع استغراقها الدَّين (1) ملتزمًا لضمانه، ثم عجز عن وفائه؛ فإنه يفسخ البيع.

- (ومنها): لو باع نصاب الزكاة بعد الوجوبِ، ثم أعسر؛ فهل يفسخ في قدر الزكاة أم لا؟

فيه وجهان مرتبان على أن الزكاة هل كانت متعلِّقةً بعين المال أو بذمة ربِّه؟ فإن قيل بعين المال؛ فُسخ البيعُ لاستيفائها منه، وإلا؛ فلا (2).

* * *

(1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"بالدين"، وقد كانت كذلك في (أ)، فضرب عليها مصححها، وأثبت ما في (ب) و (ج).

(2)

أقرب الأقوال أنّ الزكاة تجب في عين المال، ولكن لها تعلُّقٌ بالذِّمَّة. (ع).

ص: 198

(القاعدة الخامسة والعشرون)(1)

من ثبت له ملك عين ببينة أو إقرار؛ فهل يتبعها ما يتصل بها، أو [يتولَّدُ](2) منها أم لا؟

في المسألة خلاف، ولها صور:

- (منها): أن من ثبت له ملك أمة في يد غيره ومعها ولدها؛ فهل يتبعها في الملك إذا ادعاه؟

على وجهين:

(أحدهما): لا، وهو الذي ذكره القاضي؛ لأنه لا يتبعها في بيع ولا غيره، ويجوز أن تكون ولدته قبل ملكه لها.

(والثاني) -وإليه ميل ابن عقيل-: أنه يتبعها؛ لأنه من أجزائها، وقد ثبت سبق اليد الحكمية لليد المشاهدة؛ فتكون مرجحة عليها.

ويشبه هذه المسألة ما إذا ادعى أمة في يد غيره أنها أم ولده، وأن ولدها منه [حر]، وأقام بذلك شاهدًا أو حلف معه أو رجلًا وامرأتين، ثبت ملكه عليها، وثبت استيلادها بإقراره.

(1) في نسخة (أ): "قاعدة" بدون ترقيم.

(2)

كذا في (ب)، ولعله الأصوب، وفي المطبوع و (ج):"تولد"، وفي (أ):"متولد".

ص: 199

وفي الولد روايتان حكاهما أبو الخطاب:

(إحداهما): يثبت نسبه وحريته لكونه من نمائها؛ فيتبعها، ويكون ثبوت ذلك بالإقرار لا بالبينة.

(والثانية): لا يثبت النسب ولا الحرية؛ لأنهما لا يثبتان بهذه الشهادة.

وفيه وجه يثبت النسب دون الحرية، وتبقى [صحة](1) الولد على ملك من كانت بيده بناءً على صحة استلحاق نسب العبد؛ كما جزم به صاحب "التلخيص".

- (ومنها): لو ثبت له ملك أرض في يد غيره ببينة أو إقرار، وفيها شجر قائم؛ فهل يتبعها أم لا؟

يحتمل أن يخرج على وجهين بناءً على أن الشجر هل يتبع في البيع أم لا؟ وأفتى الشيخ تقي الدين (2) رحمه الله [تعالى](3): أن ما كان متصلًا بالأرض من الشجر؛ فيد أهل الأرض ثابتة عليه ما لم تأت حجة تدفع موجب اليد، مثل أن يكون الغارس قد عرف أنه غرسه بماله، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل في الرهن فيما إذا اختلف المتراهنان في رهنية الشجر في الأرض المرهونة: أن القول قول المالك؛ لأن الاختلاف هنا في عقد واليد لا تدل عليه، بخلاف ما لو كان الاختلاف في ملك.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

انظر: "القواعد النورانية"(ص 124) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من نسخة (ج).

ص: 200

وصرح صاحب "التلخيص" بأن ما في دار الإِنسان يكون في يده؛ ولو كان منفصلًا منقولًا، ويحتمل تخريج ذلك على الروايتين في ملك المباحات الحاصلة في أرضه بمجرد حصولها في الأرض؛ نظرًا إلى أن الأرض هل هي كاليد أم لا؟ فإن قامت البينة أن هذه الشجرة له وعليها ثمر؛ فقال ابن عقيل: يحكم له به، حتى لو كان الثمر [في يد](1) رجل [وثبت](2) سبق ملك الشجرة لغيره؛ حكم له بالثمرة؛ لثبوت سبق ملكه على أخذ غيره [للثمر](3)، ويتخرج فبه وجه آخر؛ كالولد، وبه جزم ابن عقيل في كتاب "القضاء"(4).

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بيد".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"وتبين".

(3)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"للثمرة".

(4)

هذا الفرع الصواب فيه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا حكم لإنسان بأرض، فإن ما كان متصلًا بها يدخل معها؛ وإن كان فيه احتمال أن يكون الذي هي في يده قد وضع هذا الشجر أو وضع هذا البناء؛ لأن الأصل أن الشجر تابع للأرض، وأن البناء تابع للأرض، فإذا حكم لشخص بأن هذه الأرض له، وهي بيد إنسان آخر وفيها شجر، فادعى الذي هي عده أن الشجر له؛ يكون الشجر لصاحب الأرض حتى يقيم من هي في يده بينة بأنه هو الذي أوجده فيها، فإن قلت: الأصل عدم وجود هذا الشيء؛ يترجح أن الذي هي في يده قد وضعه، سواءً كان غرسًا أو بناءً؛ قلنا: هذا صحيح، أي إنَّ الأصل عدم وجود هذا البناء، أو عدم وجود هذا الشجر، لكن عندنا ظاهر أقرى من هذا الأصل، وهو أن ما كان متصلًا بالأرض فهو تبع لها، هذا هو الصحيح في هذه المسألة، على أنه إذا ثبت لشخص ملك أرض وفيها غراس أو بناء؛ فإن الغراس والبناء يتبعه، أما ما كان منفصلًا عنها؛ كالأحجار والدواليب وما أشبه ذلك؛ فإنه يكون لمن هي في يده إلا أن يقر بأن ذلك لصاحب الأرض؛ فعلى إقراره". (ع). =

ص: 201

- (ومنها): لو ثبت أن هذا العبد ملك له وهو في يد غيره، وعلى العبد ثياب فادعاها من العبد في يده؛ فقال صاحب "الكافي" (1) و"الترغيب": هي له؛ لأن يده عليها، وهي منفصلة عن العبد.

ويحتمل وجهين آخرين:

(أحدهما): أن ما يتبع العبد من الثياب في البيع يتبعه ها هنا، وما لا؛ فلا (2).

(والثاني): إن تطاولت مدة هذه اليد، بحيث تبلى فيها ثياب العبد عادة؛ فالقول قول من هي في يده، وإلا؛ فلا إلحاقًا لها بالعيب المتنازع في حدوثه عند البائع أو المشتري إذا لم يحتمل الحال إلا قول أحدهما وحده.

- (ومنها): لو تنازع المُؤْجِر والمستأجر في شيء من الدار المستأجرة، فذكر الأصحاب أن ما يتبع في البيع؛ فهو للمؤجر، وما لا يتبع إن كانت جرت به العادة في المنازل؛ ففيه خلاف، والمنصوص أنه للمؤجر أيضًا، وكذلك الوجهان لو تنازع المؤجر والمستأجر في كنز مدفون في الأرض، وهل الحكم مختص بحالة بقاء يد المستأجر أم لا؟

=قلت: وكتاب "القضاء" لابن عقيل لعله جزء من "الفنون" المتقدّم وصفه في التعليق على (ص 117).

(1)

لا يلزم من قول المؤلف رحمه الله: "فقال صاحب الكافي" أنه موجود في "الكافي"، بل نسبة القول إلى مؤلفه فقط، ولم أجد هذه المسألة في "الكافي" مع البحث عنها فيه في مظانِّها، واللَّه الهادي والواقي.

(2)

وعلى هذا؛ فثياب الجمَّال للبائع، وثياب العادة للمشتري. (ع).

ص: 202

صرح في "التلخيص" في مسألة الكنز بأن الخلاف في صورة بقاء الإجارة وانقضائها، ويشهد له مسألة المال المدفون إذا ادعاه من كانت الأرض له، ووصفه أنه يقبل منه، وكذلك حكم اختلاف الزوجين في متاع البيت [جارٍ](1) مع بقاء الزوجة وزوالها في أحد [الطريقتين](2) للأصحاب (3).

- (ومنها): لو أقر له بمظروف في ظرف؛ كتمر في جراب، أو [سيف](4) في قراب، أو فص في خاتم، أو رأس وأكارع (5) في شاة، أو نوى

(1) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"جاز".

(2)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"الطريقين".

(3)

انتهت مدة المستأجر في بيت، وتنازع مع مالكه على دولاب مثلًا؛ فأقرب الأقوال أن نقول: ما يتبع في البيت؛ فهو له، أي: المؤجِّر، وما لا؛ فلا، فعلى هذا: المتصلُ يكون للمؤجر، والمنفصلُ يكون للمستأجر، ويمكن أن ننظر إلى المدة، مثلًا: هذه مروحة سقفية، والإجارة لها عشر سنوات، وإذا نظرنا إلى المروحة وجدنا أنها جديدة؛ فهنا يترجح قول المستأجر وإن كانت ثابتة، والمنفصل أيضًا ربما تكون قرينة ظاهرة على أنه للمستأجر كما لو كان من الأشياء التي جرت العادة بأن تكون في البيت؛ كمسألة الستائر، فإذا لم يكن هناك قرينة ظاهرة، فإننا نرجع إلى ما يتبع في البيت، فما كان يتبع في البيت؛ فهو للمؤجر، وما لا يتبع؛ فهو للمستأجر، فإن قامت قرية ظاهرة على ترجح قول المؤجر أو المستأجر؛ عمل بهذه القرينة.

أما مسألة الكنز إذا تنازع فيه المؤجر والمستأجر؛ فإنه يكون حسب ما ذكره المؤلف، ولكن هذا إذا كان حفُره وأخذه، أما إذا لم يحفر ولم يأخذ؛ فهو لمن وجده، حتى لو أن أحدًا استأجر عمالًا لحفر بيارة، وعثر العمال على هذا الكنز؛ فالكنز يكون للعمال، إلا إذا كانوا مستأجرين على أن يحفروا له عن الكنز؛ فيكون لصاحب البيت. (ع).

(4)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"كسيف".

(5)

كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ب):"الكارع"!!

ص: 203

في تمر؛ ففيه وجهان:

أشهرهما: يكون مقرًّا بالمظروف دون ظرفه، وهو قول ابن حامد والقاضي وأصحابه؛ لأن الظرف غير مقر به، وإنما هو موصوف به؛ فهو كقوله: دابة في إصطبل.

والوجه الثاتي: هو مقر بهما، وإلا؛ لم يكن [ثَمَّ](1) فائدة [لذلك](2) الظرف.

وفرق بعض المتأخرين بين ما يتصل بظرفه عادة أو خلقة، فيكون إقرارًا به دون ما هو منفصل عنه عادة، ويحتمل التفريق بين أن يكون الثاني تابعًا للأول، فيكون إقرارًا به؛ كتمر في جراب أو سيف في قراب، وبين أن يكون متبوعًا؛ فلا يكون إقرارًا به؛ كنوى في تمر ورأس في شاة.

وأما إذا قال: خاتم فيه فص، وجراب فيه تمر، وقراب فيه سيف؛ فقيل: هو على الوجهين مطلقًا.

وقيل في قوله: خاتم فيه فص: أنه إقرار بهما جميعًا بغير خلاف؛ لأن إطلاق الخاتم يدخل فيه الفص، فإذا وصفه بالفص، تيقن دخوله فيه، ولم يجز إخراجه منه؛ كقوله: نعل لها شراك، أو شاة عليها صوف أو في ضرعها لبن، ونحو ذلك.

وفي "التلخيص": لو أقر بخاتم ثم جاء بخاتم فيه فص، وقال: ما أردت الفص؛ احتمل وجهين، أظهرهما دخوله لشمول الاسم. قال: ولو قال: له عندي جارية؛ فهل يدخل الجنين في الإقرار إذا كانت حاملًا؟

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(2)

كذا في المطبوع و (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج):"الذكر".

ص: 204

يحتمل وجهين (1).

(1) لو أقر بمظروف في ظرف؛ فالأصل أن المظروف والظرف ثابت، مثل: يقال: عندي حبر في دواة: الجر مظروف والدواة ظرف، يقول: تمر في جراب (الجراب وعاء من جلد يوضع فيه التمر، سيف في قراب (القراب الذي يدخل فيه السيف)، فص في خاتم: الظرف الخاتم والفص مظروف، رأس وأكارع في شاة، كان المتبادر أن يقول: أكارع من شاة، لكن قال: أكارع في شاة؛ فجعل الشاة ظرفًا للأكارع، ومثله أيضًا نوى في تمر؛ هل يكون مُقِرًّا بالتمر أم لا؟

فيه وجهان، أظهرهما يكون مُقِرًّا بالمظروف دون ظرفه، وعلى هذا؛ فيلزمه التمر دون الجراب: الجراب يكون للمقر والتمر للمقرِّ له، سيف في قراب: يكون القراب للمقر والسيف للمُقرِّ له

إلخ.

وكل هذا ممكن، يعني ممكن أن يسرق الإنسان تمرًا ويضعه في جراب عنده ويقول: له عندي تمر في جراب، أو أن يغصب سيفًا ثم يضعه في قراب عنده ثم يقول: له عندي سيف في قراب، وممكن أن يغصِب فصًا ويصنع له خاتمًا ويضع الفص في هذا الخاتم ويقول: له عندي فصٌّ في خاتم، كل هذا واضح، لكن يقول: له عندي رأس في شاة؟! هذا لا يكون إلا إذا صح القول ببيع رأس الشاة دون الشاة، وقد مر علينا أن في المسألة خلافًا، فإذا قلنا بالجواز؛ فممكن، وإلا؛ فيمكن بالهبة، لكن هذا أبعد من السيف في القراب والتمر في الجراب والفص في الخاتم، وإجراء الخلاف في هذا فيه نظر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:"أشهرهما يكون. . . " إلى قوله: "دابة في إصطبل"، فواضح أن الاصطبل لا يتبع الدابة، كما لو قال: له عندي دابة في بيتي، أو قال: له عندي سيارة في الكراج؛ فالقياس بين هذا وذاك بعيد.

قال المصنف: "والوجه الثاني: هو مُقِرٌّ بهما جميعًا"، فإذا قال: عندي سيف في قراب؛ فالقراب يتبع، وكذلك تمر في جراب، وأكارع في شاة، ونوى في تمر، ووجه ذلك قال:"إلا؛ لم يكن ثمة فائدة لذلك الظرف"، يعني: لو لم نقل بأن الظرف يتبع المظروف؛ لم يكن هناك فائدة لذكره؛ فكان ينبغي أن يقال: له عندي سيف، له عندي تمر، وهكذا، فلولا أنه يريد الإقرار ما جمع بينهما، وإلا؟ ما كان لذكر الظرف فائدة. (ع).

ص: 205

(القاعدة السادسة والعشرون)

من أتلف شيئًا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به؛ ضمنه.

ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): لو صال عليه حيوان آدمي أو [بهيم](1)، فدفعه عن نفسه بالقتل؛ لم يضمنه، ولو قتل حيوانًا لغيره في مخمصة ليحيي به نفسه؛ ضمنه (2).

(1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"بهيمة".

(2)

هذه القاعده مهمة، وهي:"من أتلف شيئًا لدفع أذاه له؛ لم يضمنه، ومن أتلفه لدفع أذاه به؛ ضمنه".

يعني: إذا أتلفت شيئًا لدفع أَذْيته عنك؛ فإنك لا تضمنه لأنه صائل، والصائل يدفع بالتي هي أحسن، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام في الذي صال عليك لأخذ مالك أن تقاتله، وإنك إن قلته؛ فلا ضمان عليك، وهو في النار، فإذا أتلفت الشيء لدفع إذاه؛ فلا ضمان عليك، مثاله: بعير فلان صال عيك، فواقفته قدر الإمكان، فلم يمكن دفْعُهُ، فَقَتَلْتَه؛ فلا تضمنه لأنك دفعت أذيته عنك، وهو في هذه الحال ليس له حرمة؛ فلا تضمن، ولكنك لو جُعْتَ فوجدتَ شاة في البر، فذبحتها وأكلتها، وأنت في مخمصة ومضطر إليها؛ فأنت ضامن، فإنك دفعتَ أذيتك بها (أي: بسببها)، ولو صال عليك آدمي، فدفعته فلم يندفع، فقلته؛ فلا قصاص عيك لأنه صائل، فأنت دفعت أذيته، ولو جُعتَ ومعك صبي، فذكيته وأكلْتَه؛ فأنت ضامن، والضمان هنا أنك تقتل به، ويضاف إليه عذاب اللَّه، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا =

ص: 206

- (ومنها): لو صال عليه صيد في إحرامه فقتله دفعًا عن نفسه؛ لم يضمنه على أصح الوجيهن، وإن (1) اضطر فقتله في المخمصة ليحيي به نفسه؛ ضمنه.

- (ومنها): لو حلق المحرم رأسه لتأذيه بالقمل والوسخ؛ فداه لأن الأذى من غير الشعر، ولو خرجت في عينه شعرة فقلعها أو نزل الشعر على عينيه فأزاله؛ لم يُفْدِهِ (2).

- (ومنها): لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها، ضمنه، ولو سقط عليه متاع غيره فخشي أن يهلكه، فدفعه فوقع

= عَظِيمًا} [النساء:93]، فإن قلت: إن لم آكله متنا جميعًا، وإن أكلته بقيت أنا؛ فماذا نقول: موتوا جميعًا وهذا من اللَّه، ولكن لا تمت غيرك لإحياء نفسك؟

ومن هذا الباب لو أن امرأة فيها حمل حي نفخت يه الروح، وقال الأطباء لها: إن بقي الولد في بطنك مت أنتِ وإياه؛ فلا نسقطه لأننا إذا أسقطناه فقد تعمدنا قتل نفس مؤمنة، وإذا تركناه وماتت أمه به؛ فالذي أماتها اللَّه عز وجل، ثانيًا: لو أننا أسقطناه وقتلناه؛ فهل نضمن أنَّ الأم تَسْلَمْ؟ لا نضمن، قد تعطب حتى في نفاسها. (ع).

(1)

كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"ولو".

(2)

هذا رجل في رأسه قمل أو جروح، فإذا أزال الشعر لدفع الأذية، فعليه الفدية لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ. . .} [البقرة: 196]، فأما إن تسلط الشعر على جرح أو على عينه فأزال الشعر؛ فلا حرج عليه، مثل أن يكون في جبهته جرح وشعره ينزل، فله أن يقص ما كان على الجرح، ولا شيء عليه؛ لأن ذلك لدفع أذاه، ومثله لو نزل بعينه شعر -نسأل اللَّه العافية-، بعض الناس بخرج الشعر في جفنه من الداخل، ويؤذي عينه، فإذا نقشه بالمنقاش وهو محرم؛ فلا شيء عليه لأن هذا لدفع أذاه، على أنه سبق لنا أنَّ في شعر غير الرأس خلاف بين أهل العلم، هل يحرم على المحرم أم لا؟ (ع).

ص: 207

في الماء؛ لم يضمنه.

- (ومنها): لو وقعت بيضة نعامة من شجرة في الحرم على عين إنسان، فدفعها فانكسرت؛ فلا ضمان عليه، بخلاف ما لو احتاج إلى أكلها لمخمصة (1).

- (ومنها): لو قلع شوك الحرم [لأذاه؛ لم يضمنه](2)، ولو احتاج إلى إيقاد غصن شجرة؛ ضمنه، ذكره أبو الخطاب (3) وغيره، وخالف صاحب "المغني"(4) في جواز قطع الشوك؛ للنص (5) الوارد فيه (6).

(1) لو نام رجل تحت شجرة فيها عشُّ طائر نعام أو غيره، فسقطت بيضةٌ على عينة، فأبعدها بيده، فانكسرت؛ فإنه لا يضمنها لأنه دفعها لأذاه، ومثله: لو جاء رجل وربض عليه وألقاه فانكسرت يده؛ فهذا لا شيء عليه لأنه دفع أذاه.

وفي العمليات الجراجة أحيانًا يزيلون شعر اللحية أو شعر البطن أو شعر الصدر لعملية جراجة؛ فهذا لا بأس فيه، فقد أزال الرسول صلى الله عليه وسلم شعر الرأس للحجامة وهو محرم، مع أن شعر الرأس ما يجوز إزاله للمحرم؛ فالشعر المحترم الذي لا يجوز حلقه، إذا دعت الحاجة إلى حلقه لجراحة أو غيرها؛ فلا بأس بإزالته. (ع).

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"لم يضمنه لأذاه" هكذا بتقديم وتأخير.

(3)

انظر: "الهداية"(1/ 96) لأبى الخطاب رحمه الله.

(4)

انظر: "المغني"(3/ 169/ 2411).

(5)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الحج، باب فضل الحرم، 3/ 449 / رقم 1587)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشدٍ على الدوام، 3/ 986 - 987/ رقم 1353)؛ عن ابن عباس؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إنَّ هذا البد حرَّمه اللَّه: لا يُعضَد شوكُه، ولا يُنَفَّر صيدُه". لفظ البخاري.

(6)

الصواب مع صاحب "المغني" في هذه المسألة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا =

ص: 208

(القاعدة السابعة والعشرون)

من أتلف نفسًا أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه؛ فلا ضمان عليه، وإن كان النفع يعود إلى غيره؛ فعليه الضمان.

- فمن ذلك: الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على أنفسهما؛ فلا فدية عليهما، وإن أفطرتا خوفًا على ولديهما؛ فعليهما الفدية في المشهور عند الأصحاب (1).

= يُعضَدْ شوكُه"؛ فنص على الشوك، فالشجر ذو الشوك في الحرم لا يجوز قطعه ولو كان لدفع أذاه؛ لأن الشجر لم يأت اليك، أنت الذي جئت إليه وقلعته لأجل أن تسلم من أذيته، بخلاف الطير الصائل، ومثل ذلك أيضًا لو أن إنسانًا عض يدك، فأخرجتها من فمه بقوة، فانقلعت ثناياه ورباعيه العليا والسفلى، وبقي فمه أجوف؛ فلا تضمنه.

والمهم من هذه القاعدة وهي مهمة ومفيدة لطالب العلم: إذا أتلف الإنسان الشيء لدفع أذيته؛ فهو غير ضامن؛ لأنه هو الذي أهدر حرمة نفسه، وإن أتلفه لدفع أذًى في المتلف، فإنه يضمنه. (ع).

(1)

هذه المسألة فيها خلاف؛ فإن الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان؛ فمن العلماء من يقول: عليهما الفدية فقط ولا صيام، كالشيخ الكبير، ومنهم من يقول: عليهما الصيام فقط دون الفدية؛ كالمريض، ومنهم من يقول بالتفصيل: إن أفطرتا خوفًا على أنفسهما؛ فعليهما الصيام دون الإطعام، وإن أفطرتا خوفًا على الولد؛ فعليهما الصيام، وأقربُ الأقوال أنّ عليهما القضاء فقط؛ لأنهما أفطرتا لعذر، سواءً كان يعود إليهما أو إلى غيرهما، كما لو أفطر الإنسان لإنقاذ غريق؛ فعليه القضاء فقط دون الإطعام، فهكذا المرأة =

ص: 209

- (ومنه)(1): لو نجَّى غريقًا في رمضان، فدخل الماء [في](2) حلقه، وقلنا: يفطر [به](3)؛ فعليه الفدية، وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر؛ فلا فدية عليه؛ كالمريض في قياس المسألة التي قبلها، [أفتى بذلك ابن الزاغونيي](4)، وفي "التلخيص" بعد أن ذكر الفدية على الحامل والمرضع للخوف على جنينيهما، وهل يلحق بذلك من افتقر إلى الافطار لإنقاذ غريق (5)؛ يحتمل وجهين (6).

- (ومنه)(1) لو دفع صائلًا عليه بالقتل لم يضمنه، ولو دفعه عن غيره بالقتل؛ ضمنه، ذكره القاضي، وفي " [الفتاوى] (7) الرحبيات" عن ابن عقيل وابن الزاغوني: لا ضمان عليه أيضًا.

- (ومنه)(1): لو أكره على الحلف بيمين لحق نفسه، فحلف دفعًا

= الحامل أو المرضع إذا أفطرنا خوفًا على الولد؛ فعليهما القضاء فقط، ثم يلها القول بأن عليهما الإطعام فقط دون الصيام، والجمع بينهما محل نظر، (ع).

(1)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"ومنها".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين (أ) و (ج): "إلى".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المبطوع و (أ) و (ب).

وقال ابن رجب في كتاب "الذيل"(ا / 125): "ومنها [أي: من فتاوى ابن عقيل]: إذا رأى إنسانًا يغرق، يجوز له الإفطار إذا تيقن تخليصه من الغرق، ولم يمكنه الصوم مع التخليص، ووافقه ابن الزاغوني" اهـ.

(5)

في نسختي (أ) و (ب): "غيره"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

المذهب أنه لا فدية، إذا أفطر لإنقاذ الغريق؛ فعليه القضاء فقط. (ع).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 210

للظلم عنه؛ لم تنعقد يمينه، ولو أكره على الحلف لدفع الظلم عن غيره فحلف؛ انعقدت يمينه، ذكره القاضي في "شرح المُذْهَب"، وفي "الفتاوى الرحبيات" عن أبي الخطاب أيضًا: لا تنعقد. وهو الأظهر (1).

* * *

(1) الصحيح أنها لا تنعقد مع الإكراه، وهذه القاعدة في معظم فروعها خلاف، وهي مع هذا فيها نظر، لأن قوله:"من أتلف نفسًا لنفع يعود إلى نفسه؛ فلا ضمان عليه" غير صحيح لو أخذناه بظاهره، وقد مضى في القاعدة السابقة أنه من جاع فأتلف نفسًا، ضمنها، وهذا يتنافى مع إطلاقها، فلو قيدت "من أتلف نفسًا يجوز إتلافها"؛ صار قوله "النفع يعود إلى نفسه أو إلى غيره؛ لا محل له، ومثاله في الصَّائِل إذا صال على نفسه؛ فإنه لا يضمنه، فإن صال على غيره، ضمنه على ما في كلام المؤلف، والقول بضمانه فيه نظر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسول اللَّه! هذا ننصره مظلومًا؛ فكيف ننصره ظالمًا؛ قال: تأخذ فوق يده". (ع).

قلت: حديث "انصر أخاك ظالمًا. . . " أخرجه البحاري في "صحيحه"(رقم 2443، 2444، 6952)، وتكلمتُ على طرقه بإسهاب في تحقيقي لـ"جزء فيه أحاديث مننقاة من حديث أبي القاسم الطبراني" انتخاب ابن مردويه (رقم 6).

ص: 211

(القاعدة الثامنة والعشرون)

إذا حصل التلف من فعلين، أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه؛ وجب الضمان كاملًا على الصحيح، وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما؛ فالضمان بينهما نصفين حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه؛ لم يجب على الآخر أكثر من النصف.

ويتفرع على ذلك مسائل:

- (منها): إذا زاد الإِمام سوطًا في الحد، فمات المحدود؛ فحكى أبو بكر في المسألة قولين:

(أحدهما): يجب كمال الدية.

(والثاني): يجب نصفها.

والأول هو المشهور، وعليه القاضي وأصحابه؛ لأن المأذون فيه لا أثر له في الضمان، وإنما الجناية ما زاد عليه فأسند بالضمان إليها (1).

(1) حصل التلف من فعلين:

أحدهما: مأذون فيه، وهو الحد، مثلًا: الزاني يجلد مئة جلدة؛ فهذا الإمام جلده مئة جلدة وجلدة، المئة مأذون فيها، والزائدة غير مأذون فيها، فمات المحدود من الجميع؛ لأن الواحدة لو انفردت ما أماتته. =

ص: 212

- (ومنها): لو اقتص من الجاني ثم جرحه هو أو غيره عدوانًا، [فمات](1)؛ وجب كمال الدية.

وفيه وجه آخر: أنه يجب نصفها.

- (ومنها): لو رمى صيدًا فأثبته ولم يُوَحِّه، ثم رماه آخر رمية غير مُوَحِّية ومات من الجرحين؛ وجب ضمان الصيد كله مجروحًا بالجرح الأول على الثاني على المشهور من المذهب، لكن من الأصحاب من يعلله بأن رمي الثاني انفرد بالعدوان؛ فاستقل بالضمان، ومنهم من يعلله بأن رميه كان سببًا للتحريم؛ فلذلك وجب عليه كمال الضمان.

ويتخرج على التعليل الأول وجه آخر: بأنه يضمنه بنصف القيمة مما قبلها (2).

= يقول المؤلف: في المسألة قولين:

أحدهما: يجب كمال الدية؛ لأن القتل حصل من فعلين، أحدهما مأذون فيه، والآخر غير مأذون فيه؛ فغلب جانب الحظر الذي هو المنهي، فجعل الحكم له.

والثاني: يجب نصفها بناءً: على التقسيم ما دام التلف حصل من فعلين: أحدهما مأذون فيه، والثاني غير مأذون؛ فيسقط للمأذون فيه النصف.

ولو قال قائل: إنه يلزمه بقسطه -فإذا كان مثلًا ثمانين، وزاد ثمان جلدات، ومات؛ يجب عليه واحد من إحدى عشر؛ لأنه مات من ثمانٍ وثمانين، وثمان من ثمانٍ وثمانين نسبتها واحدة من إحدى عشر؛ لكان له وجه، ولعله أجود الأقوال الثلاثة، أجود من القول بأنه يضمن الجميع، وأجود من القول بأنه يضمن النصف. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(2)

هذا رجل رمى صيدًا في الحرم، فأثبته -يعني: حبسه فصار لا يقدر أن يطير-، وجاء إنسان آخر فرماه ومات؛ مات من الجرحين، قال المؤلف:"وجب ضمان الصيد كله"، =

ص: 213

- (ومنها): لو استأجر دابة لمسافة معلومة فزاد عليها، أو لحمل مقدار معلوم فزاد عليه فَتَلِفَت الدابة؛ فإنه يضمنها بكمال القيمة، نص عليه في الصورة الأولى.

وخرج الأصحاب وجهًا آخر بضمان النصف من مسألة الحد، وكذلك حكم ما إذا ركب الدابة مع المستأجر غيره فتلفت تحتهما (1).

- (ومنها): إذا اشترك مُحِلٌّ ومُحْرِمٌ في جرح صيد ومات من الجرحين؛ فإنه يلزم المحرم ضمانه كاملًا. هذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية ابن منصور ومُهَنَّا، وقال القاضي في "المجرد": مقتضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء. وقاسه على مشاركة من لا ضمان عليه في

= أي: وجب ضمان الصيد كله مجروحًا بالجرح الأول على الثاني؛ فيكون الضمان على الثاني، والأول ليس عليه ضمان، ولكن عليه أرش الجرح فقط؛ لأن الأول جَرْحُه ليس بمُوحٍّ -أي: ليس بقاتل-، وإنما أثبته إثباتًا، والذي جرحه وأماته هو الثاني.

ومن الأصحاب من يعلله بأن رمي الثاني انفرد بالعدوان، فاستقل بالضمان، ومنهم من يعلله بأن رميه كان سببًا للتحريم، فلذلك وجب عليه كمال الضمان؛ فالضمان على الثاني دون الأول على اختلاف التعليلين، وقول المصنف:"ويتخرج على التعليل. . . " إلى: "مما قبلها" معناه: إذا كان هناك سبب مباح وسبب محرم، فإن الضمان بينهما نصفين، والظاهر في هذه المسألة أن يقال: إن الضمان على القاتل، وعلى من جرحه غير قاتل عليه ضمان إرشه فقط؛ فيُجازى كلٌّ بحسب عدوانه. (ع).

(1)

استأجر دابةً لمسافة معلومة، فزاد عليها، فَتَلِفَتْ؛ فيكون الضمان بكامل القيمة، وقيل: يلزمه النصف؛ لأنّ تلفها كان من التعب الأوَّل والثاني، والكن الظاهر أنه يضمنها بكمال القيمة، لأن التعب الأول ليس سببًا لهلاكها، لكن الذي أهلكها هو التعب الثاني، وكذلك لو استأجرها لحمل مئة رطل، فحمل عليها مئة وخمسين، فهلكت؛ فإنه يضمنها بكمال القيمة. (ع).

ص: 214

إتلاف النفوس والأموال، والفرق واضح؛ إذ الإذن هناك منتف، وها هنا موجود.

نعم، إن قصد المحل إعانة المحرم ومساعدته على قتل الصيد توجه ما ذكره القاضي؛ فإنه يكره له ذلك أو يحرم عليه، كما إذا باع من لا جمعة عليه [لمن](1) عليه [الجمعة](2) بعد النداء (3).

(1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"ممن".

(2)

في نسخة (أ): "جمعة".

(3)

إذا اشترك محل ومحرم في قتل الصيد؛ فإنه باعتبار قتل المحرم إياه يكون حرامًا بلا شك، وباعتبار قتل المحل يكون حلالًا، كما أنه باعتبار قتل المحرم يكون مضمونًا، وباعتبار قتل المحل لا يكون مضمونًا، ولهذا لا يلزم المحرم ضمانه كاملًا، لأن فعل غير المحرم ليس حرامًا، بل هو مأذون فيه؛ فأحيل الضمان على من كان حرامًا عليه، هذا هو الذي نص عليه أحمد في ظاهر كلامه، وقال القاضي: مقضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء؛ لأن موت الصيد حصل بفعلين، أحدهما جائز والثاني حرام، وقاسه على مشاركة من لا ضمان عليه في إتلاف النفوس والأموال؛ فإنه إذا اشترك اثنان في إتلاف نفس أحدهما لا ضمان عليه والثاني عليه ضمان؛ فإن الضمان يكون على من عليه الضمان بالنصف فقط، مثل: اشترك رجل وأجبي في إتلاف مال نفسه؛ فالرجل لا ضمان عليه، والأجنبي عليه الضمان، ولكن يقول المؤلف هنا: إن بينهما فرق، والفرق واضح، إذ الإذن هناك منتف، والإذن هنا موجود؛ فالإذن في مسألة الصيد منتف؛ إذ ليس للمحل أن يشارك المحرم في قتل الصيد، بل الواجب عليه إذا رأى محرمًا يريد أن يصطاد صيدًا؛ فعليه أن ينهاه عن ذلك لأنه من المنكر، وأما من شارك في حال يحل له إتلافه وشارك غيره؛ فإن هذا الذي شارك مأذون له فيه لأنه ماله، أو مأذون له في إتلافه، لكن يقول؛ نعم، إن قَصَدَ المحل إعانة المحرم ومساعدته على قتل الصيد، توجه ما قاله القاضي، فإنه يكره له ذلك أو يحرم عليه، وحينئذٍ يكون مشاركًا في أمر محرم؛ فيكون الضمان بينهما نصفين، كما لو باع من لا جمعة عليه لمن عليه الجمعة بعد النداء، فالبيع حكمه حرام، مع أن من لا جمعة عليه =

ص: 215

- (ومنها): لو اشترك في جرح آدميّ مُقْتَصٌّ وغيرُهُ؛ فهل يجب على شريك المقتص كمال الدية [أو](1) نصفها؟

= العقد في حقه حلال، ولكن هذا عقد لا يكون إلا بين اثنين. (ع).

فائدة:

يجوز للمحرم أن يأكل من الصيد إذا لم يصده ولم يُعِن عليه ولم يُصَد له؛ لحديث أبي قتادة: "أنه كان مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلَّف مع أصحابٍ له مُحرمين وهو غيرُ مُحرم، فرأى حمارًا وحشيًّا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سَوْطَه، فأبَوْا عليه، فسألهم رُمْحَهُ، فأبو عليه، فأخذه، ثم شدَّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعضُ أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبى بعضُهم، فلما أدركوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك؛ فقال: إنما هي طُعْمَةٌ أطعَمَكُم اللَّه".

وإذا صاد المحرم صيدًا؛ فهو حرام عليه وعلى غيره، حتى على المُحِلّ، لأنَّ قتل المحرم له يجعله بمثابة الميتة. (ع).

قلت: حديث أبي قتادة السابق أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 350)، وأحمد في "المسند"(5/ 302)، والبخاري في "صحيحه"(كتاب الجهاد، باب ما قيل في الرَّماح، 6/ رقم 2914)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الحج، باب تحريم الصّيد للمحرم، رقم 1196)، وأبو داود في "السنن"(كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم، رقم 1852)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، 5/ 182)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الحج، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، رقم 847)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب المناسك، باب الرخصة في ذلك إذا لم يُصَدْ له، رقم 3093)، وغيرهم.

وورد عن جابر رفعه: "صيد البر حلال لكم ما لم يصيدوه أو يُصَد لكم"، وهو ضعيف، فيه ثلاث علل كما فصّلته في تعليقي على "الموافقات"(3/ 10 - 12)، وللَّه الحمد.

(1)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"و".

ص: 216

على وجهين.

- (ومنها): لو تزوج امرأة ثم دفعها هو وأجنبي فأذهب عذرتها، ثم طلقها قبل الدخول؛ فنصَّ أحمد في رواية مُهَنَّأ على أنه يجب على الأجنبي نصف [الغرم](1)، وهو أرش البكارة، وعلى الزوج نصف المهر فقط من غير أرش، ووجه ذلك أن إذهاب البكارة على هذا الوجه غير مأذون فيه؛ فيسقط الضمان به، ولزم الأجنبي نصف الأرش، وأما الزوج؛ فأرش البكارة غير مضمون عليه، وإنما المضمون عليه المهر، ولم يوجد ما يقرره.

وخرج صاحب "المغني"(2) وجهًا آخر: أنه يتقرر المهر كله على الزوج بهذا الفعل مع انفراده به؛ لأن الأجنبي لو استقل بهذا الفعل للزمه مهر المثل كله على رواية منصوصة نقلها مهنا أيضًا، فإذا كان موجبًا للمهر ابتداءً؛ فلأن يقرره أولى، ولكن في صورة الاشتراك في الفعل غير المأذون فيه إنما يجب على الزوج نصف الضمان.

نعم، يتخرج من هذه الرواية رواية أخرى: أن الأجنبي هنا عليه [نصف مهر المثل](3).

واختار ابن عقيل: أن الزوج هنا يجب عليه نصف أرش البكارة مع نصف المهر؛ لأن الزوج إنما يستحق إتلاف البكارة تبعًا لاستيفاء حقه من الوطء، فإذا أتلفه على غير هذا الوجه، ضمنه (4)؛ كالمستعير إذا أتلف

(1) في (أ) و (ج): "العقر"، وفي المطبوع و (ب):"الغرم".

(2)

انظره في: "المغني"(7/ 194/ 5621).

(3)

في نسخة (أ): "نصف المهر".

(4)

الظاهر أن أقرب الأقوال هذه هو قول ابن عقيل: أن الزوج عليه نصف المهر =

ص: 217

خَمْل المِنْشَفَة مثلًا بغير استعمال (1)؛ فإنه يضمن (2).

= ونصف إرش البكارة، وعلى الثاني نصف إرش البكارة، مثاله: رجل تزوج امرأة بكرًا، ثم قابلها في السوق ومعه صديق له، فأمسكا بها ودفعاها، فذهبت بكارتها، ثم طلقها زوجها قبل الدخول، والرجل إذا طلق زوجته قبل الدخول؛ يجب عيه نصف المهر، بقينا في البكارة الآن، المرأة إذا كانت بكرًا ليست كما لو كانت ثيبًا، إذا كان مهرها ثيبًا مئة درهم؛ فمهرها بكرًا مئتا درهم مثلًا؛ فأرش البكارة مئة، هذه المئة هل نقول: نصفها على الأجنبي وليىس على الزوج منها شيء؛ لأن أرش البكارة دخل في نصف المهر، أو نقول: إن الأجنبي عليه الضمان كاملًا، ضمان أرش البكارة، والمهر على التخريج الأخير، أو نقول: إن الزوج عليه نصف المهر ونصف الأرش والأجنبي عليه نصف أرش البكارة؟

هذا القول الأخير هو اختيار ابن عقيل، وهو قياس، فإن قلت: يلزم على هذا القول أن الرجل إذا جامع زوجته ثم طلقها لزمه المهر كاملًا وأرش البكارة، لأنك قلت: إذا طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر وأرش البكارة؛ فالجواب على ذلك ذكره ابن عقيل؛ قال: إن ذهاب البكارة بالوطء إنما ذهب لحق الاستمتاع بها، بخلاف ما إذا ذهب من أجل دفعها، فإن دفعها غير مأذون فيه للزوج، فيجب أن يحمَّل من الضمان بقدرة، بخلاف الوطء، ولهذا سقط أرش البكارة فيما إذا جامعها ثم طلقها، بخلاف ما إذا دفعها ثم طلقها قبل الدخول؛ فيكون على الزوج نصف أرش البكارة، وعلى الأجنبي نصف أرش البكارة، وعلى الزوج نصف المهر؛ لأنه طلق قبل الدخول، فلو لم يطلقها ورضي بها زوجةً له، فيسقط عنه نصف أرش البكارة، وعليه المهر كاملًا، وعلى صديقه نصف أرش البكارة، فهذا القول -قول ابن عقيل- هو الذي تطمئن له النفس. (ع).

(1)

في نسخة (أ): "الاستعمال".

(2)

المُخْمَل: نسيج له خَمْل، أي: وبر، وهو كالهدب في وجهه، والمُخْمَل: ضرب من الثياب، ومخْمَلْة: طنفسة من القطن ذات أهداب، وتجمع على مُخْمَلات. انظر:"تكملة المعاجم العربية"(4/ 212 - 213).

قال الشيخ ابن عثيمين: "إذا ذهب خمل المنشفة بالاستعمال؛ فلا ضمان للإذن بذلك، ولكن لو ذهب بالحتِّ ونحوه؛ فيما لا يأذن فيه المالك يضمن لعدم الإذن بذلك، =

ص: 218

وأيضًا، فلو وجب لرجل قصاص على آخر في نفسه، فقطع بعض أعضائه عدوانًا؛ ضمنه لأنه لم يستحق إتلاف بعض أعضائه إلا تبعًا لإتلاف جملته لا استقلالًا.

[ويتخرج](1) فيه وجه آخر: أن الأرش كله أو مهر المثل على الأجنبي؛ لأنَّ الزَّوجَ مأذونٌ له في إتلاف هذا الجزء في الجملة، فيكون الأجنبي منفردًا (2) بالجناية عليه، [فيكتمل الضمان عليه](3)، [ولو رمى ثلاثة بالمنجنيق، فرجع الحجر على أحدهم فقتله؛ فهل تجب على الآخَرَيْنِ ثُلثا ديته أو كمالها؟

على روايتين] (4).

* * *

= وهذا يوضح المسألة السابقة؛ فهو قياس في غاية الوضوح؛ فالبكارة إذا أتلفها الزوج بالوطء؛ فقد أتلفها فيما أُذن له فيه، وإن أتلفها بالدفع؛ فقد أتلفها في شيء غير مأذون فيه".

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(2)

في نسخة (أ): "منفردٌ"!

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"فيستكمل عليه الضمان".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

ص: 219

(القاعدة التاسعة والعشرون)

من سُومح في مقدار يسير فزاد عليه؛ فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع؟

فيه وجهان، وللمسألة صور:

- (منها): الوكيل في البيع مع الإطلاق يملك البيع بثمن المثل وبدونه بما (1) يتغابن بمثله عادةً، فإذا باع بما لا يُتغابن بمثله عادة؛ فهل يضمن بقية ثمن المثل كله، أو القدر الزائد عما يُتغابن به عادة؟

على وجهين.

ورجَّح ابنُ عقيل ضمانَ بقية ثمن المثل كله (2)، واستشهد له

(1) في نسخة (ج): "مما".

(2)

يقول ابن عقل -وهو من العلماء الكبار-: يضمن بقية ثمن المثل كلَّه، واستشهد لكلامه بالصور الآتية:

النجاسة الكثيرة في الثوب يجب غسلها، أو يُغسل منها ما لا يُعفى عنه؟

يجب غسلها كلها، مثال ذلك: رجل فيه بقعة دم يسيرة ما يجب غسلها، ولكنها زادت حتى أصبحت كبيرة لا يُعفى عنها؛ فهل نقول: اغسل من هذه البقعة حتى يبقى جزء يُعفى عنه، أو نقول: اغسل البقعة كلها؟

اغسل البقعة كلها، فيقول ابن عقل: كما أننا أوجبنا أن نغسل البقعة كلها ولا نترك منها ما يُعفى عنه، كذلك نضمنه النقص كله ولا نترك ما يعفى عنه، هذا أصل قاس عليه. =

ص: 220

بالنجاسة الكثيرة في الثوب يجب غسلها، ولا يفرد [منها](1) ما يعفى عنه بانفراده، وكذلك العمل الكثير في الصلاة؛ فإنه لو أفرد (2) منه القدر المعفو عنه بانفراده؛ فقد يصير الباقي يسيرًا، فيلزم العفو عن الكل، وكذلك [إذا](3) ضرب الصبي معلمه أو المرأة زوجها ضربًا مبرحًا وماتا؛ ضمن الدية كلها، ولو عفى عن القدر المباح بانفراده؛ لم يجب كمال الدية (4).

= وأصل ثان كذلك، وهو العمل الكثير في الصلاة؛ فإنه لو أفرد الجزء المعفو عنه؛ بقي الثاني غير كثير، ولو فرضنا أن العمل الكثير في الصلاة ما بلغ ست حركات مثلًا، فلو أننا قلنا: إننا نؤاخذه بما زاد على ما يُعفى عنها لكان الزائد ثلاث حركات، وقد قلنا: إن ثلاث حركات يُعفى عنها؛ فيلزم من ذلك أن يعفو عن هذا العمل الكثير، ولذلك نؤاخذه بكل العمل؛ فنقول: هذا عمل كثير مبطل للصلاة، والمقصود أننا لو قلنا: إن الثلاث حركات عمل يُعفى عنه والست لا يُعفى عنه، فلو أننا ألغينا العمل المعفو عنه، لقلنا: كذلك الزائد يُعفى عنه، وعلى هذا؛ فلو تحرك ست حركات وهي كثيرة، فإن الصلاة لا تبطل لأننا إذا ألغينا ما يُعفى عنه بقي حركات يُعفى عها، وحينئذ لا تبطل الصلاة، وإذا كنا لا نعفوا عن القدر المتسامح فيه في العمل الكثير في الصلاة؛ فكذلك البيع.

وهنالك أصل ثالث سيأتي التنبيه عليه قريبًا. (ع).

(1)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) والمطبوع:"ها ها".

(2)

في نسخة (ج): "انفرد"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"حكم".

(4)

لو فرضنا أن الصبيَّ يتأدب بعشر ضربات، لكن ضربه المعلم عشرين ضربة فمات، فلو قلنا: إن القدر المعفو عنه من أجل التأديب يسقط، فإنه يلزمه نصف الدية لأنه مات بعشر وعشر؛ فعفي عن عشر، فبقي نصف الدية، ولكن في هذه الحال نقول: يلزم الدية كاملة، فابن عقيل قاس مسألة البيع على هذا الأصل كذلك، ولكن ابن رجب في هذه الصورة الأخيرة قال: إنها تُرَدُّ إلى القاعدة؛ فهذا التلف تولد من ضرب مأذون فيه وغير مأذون فيه، فأوجب كمال الضمان كما لو زاد على الحدّ سوطًا؛ فلا دلالة فيها، أي فلا دلالة فيها =

ص: 221

وهذه الصورة الأخيرة ترد إلى القاعدة التي قبل هذه؛ حيث كان التلف تولد من ضرب مأذون فيه وغير مأذون، فأوجب كمال الضمان، كما لو زاد على الحد سوطًا؛ فلا دلالة له فيها.

- (ومنها): لو أكل المضحي جميع أضحيته؛ فهل [يلزمه](1) ضمان ثلثها أو ما يقع عليه الاسم؟

على وجهين.

ولو تصدق أولًا بما يقع عليه الاسم أجزأه؛ لأن الصدقة بالثلث [كله](2) مستحب ليس بواجب على المشهور في المذهب (3).

= على ما قال، واستفدنا من قول ابن رجب رحمه الله؛ فلا دلالة فيها على ما قال أن الفقهاء رحمهم الله يجعلون القياس على المسائل المتفق عليها دليلًا.

وعندي أن قول ابن عقيل قوي وجيد؛ لأن تصرفك في اليسير مأذون فيه، ولكن الكثير غير مأذون فيه؛ فينبغي أن يُغلظ العقوبة، وكذلك مثل هذا التوكيل في الشراء، فإذا اشترى الوكيل لي شيئًا يساوي مئة، فاشتراه بمئة ودرهم؛ فإنه لا يضمن الدرهم لأن هذا مما يُتغابن به عادة، ولكنه اشتراه بمئة وخمسين؛ فهل يضمن الخمسين أم تسعة وأربعين؟

الدرهم مما يتغابن فيه عادة؛ فيقال: يُضمّن الخمسين على الصحيح. (ع).

(1)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يلزم".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

الصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أن يتصدق بالثلث؛ لأنه لا يجب الثلث أصلًا، وهذا من حقوق اللَّه، فلو أكلها كلها ضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم، ودليل ذلك (أعني: الإطعام) منها: قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]؛ فالإطعام واجب، وهل الأكل منها واجب؟

هذا هو الظاهر، بل هو الصحيح؛ لأن الأمر واحد، وقال بعضهم: إن الأمر بالأكل =

ص: 222

- (ومنها): لو تعدى الخارج من السبيل موضع العادة؛ فهل يجب غسل الجميع أو القدر المجاوز لموضع العادة ويجزئ الحَجَرُ في موضع العادة؟

على وجهين:

أشهرهما: أن الواجب غسل المتعدي خاصة، وهو قول القاضي، وربما نسبه إلى نص أحمد؛ لأن هذا لا ينسب فيه إلى تفريط، وتعد بخلاف الوكيل والمضحي.

والثاني: يلزمه غسل الجميع، وبه جزم القاضي أبو يعلى الصغير، ولم يحك فيه خلافًا (1).

= للإباحة والأمر بالإطعام على سبيل الوجوب، وعللوا ذلك بأن الصدقة لمنفعة الغير والأكل لمنفعتك، ولكن يقال: حتى لو كان لمنفعتك؛ فأنا مأمور أن أتبسط بنعمة اللَّه، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ من كل بعير قطعة -وهي مئة بعير-، وطبخت؛ فأكل من لحمها وشرب من مرقها. (ع).

قلت: أخرج مسلم في "صحيحه"(كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 1218) ضمن حديث جابر الطويل: "ثم انصرف إلى المَنْحَر، فَنَحَر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا؛ فنحر ما غبر -أي: ما تبقّى-، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة؛ فجُعِلَتْ في قِدْر، فطبخَتْ؛ فأكلا من لحمها وشَربا من مرقها".

(1)

القاضي أبو يعلى الصغير والكبير، فإذا أطلق القاضي، فهو الكبير، وكلاهما من أتباع أحمد، وهذه المسألة مرت علينا في باب الاستنجاء، وذكرنا هناك في الاستجمار ألا يتعدى الخارج موضع العادة، فإن تعدى موضع العادة؛ فإنه لا يجزئ فيه إلا الماء.

وهنا فائدة جديدة: فهل نقول: إن الماء يجب فيما زاد على موضع الحاجة وما كان في موضع العادة يكفي فيه الحجر، أم لا بد من غسل الجميع؟ =

ص: 223

- (ومنها): [لو](1) أدى زكاته إلى واحد، وقلنا يجب الأداء إلى ثلاثة؛ فهل يضمن الثلثين [أو](2) يقع عليه الاسم؟

على وجهين (3).

= فيها قولان، وقول المؤلف: إن هذا ليس من تفريطه؛ فربما يقال: إن الخارج إسهالٌ، ويكون مضجعًا فيكون هذا من تفريطه. (ع).

قلت: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات": "ويجزئ الاستجمار ولو تعدّى الخارج"، وحد المخرج في "شرح العمدة" بأن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الألية فأكثر، والبول إلى نصف الحشفة فأكثر، وقال ابن عقيل في "الفصول":"وحد المخرج نفس الثقب"، وقال الخرقي:"وما عدا المخرج؛ فلا يجزئ فيه إلا الماء"، قال الزركشي في "شرحه" (1/ 231):"وإطلاق الخرقي يقتضي غسل ما جاور المخرج مطلقًا، وهو ظاهر كلام بعضهم، قال ابن عقيل والشيرازي: لا يستجمر في غير المخرج".

وانظر في المسألة: "المحرر"(1/ 10)، و"الهداية"(1/ 12)، و"المقنع"(1/ 31)، و"المبدع"(1/ 89)، و"الكافي"(1/ 65)، و"الإنصاف"(1/ 105)، و"كشاف القناع"(1/ 73)، و"مطالب أولي النهى"(1/ 73 - 75).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"و".

(3)

فالوجه الأول: إنه يضمن ما يقع عليه الاسم.

والوجه الثاني: بضمن الثلثين.

مثاله: زكاتي ثلاث مئة، فأديتها إلى فقير واحد، فإذا قلنا: إنه لا بد أن تؤدى إلى ثلاثة؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، واللَّه يقول:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]؛ فأقل الجمع ثلاثة، فلا بد من تأديتها إلى ثلاثة فقراء، فإذا أدى ثلاث مئة إلى واحد، فهل يضمن مئتين إلى الثاني والثالث، أو يضمن أقل ما يقع عليه الاسم؟

فإذا قلنا الأخير؛ فكل واحد يعطى ريالًا أو درهمًا، وإذا قلنا: يضمن الثلثين؛ فيعطى كل واحد مئة، والصواب في هذه المسألة أن الزكاة تجزئ إلى فقير واحد؛ لحديث قبيصة: =

ص: 224

(القاعدة الثلاثون)

إذا [أخرج](1) عن ملكه [مالًا](2) على وجه العبادة، ثمَّ طرأ ما يمنع إجزاءه [أو](3) الوجوب؛ فهل يعود إلى ملكه أم لا؟

فيه خلاف.

- (فمن ذلك): إذا أوجب هديًا أو أضحية عن واجب في ذمته، ثم تَعَيَّبَتْ؛ فإنها لا تجزئه، وهل يعود المعيب إلى ملكه؟

على روايتين (4).

= "أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها".

قلت: حديث قبيصة أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، رقم 1044)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، رقم 1640)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب الزكاة، باب الصدقة لمن تحمل بحمالة، 5/ رقم 2580)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 210)، وعبد الرزاق في "المصنف"(رقم 2360)، والطيالسي في "المسند"(رقم 834 - المنحة)، والدارمي في "السنن"(رقم 1685)، وأحمد في "المسند"(3/ 477 و 5/ 60)، وابن خزيمة في "الصحيح"(2359 - 2361، 2375)؛ عن قُبيصَة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"خرج".

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"مال".

(3)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"و".

(4)

والصحيح أنها تعود؛ فمثلًا إنسان عليه هدي تمتع، واشترى شاة وعينها =

ص: 225

- (ومنها): إذا عجل الزكاة، فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال؛ فهل يرجع بها أم لا؟

على وجهين (1).

- (ومنها): لو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعًا، ثمَّ نتجت عشرة قبل الحول وقلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ فهل [يسترجع؟

تخرج] (2) على الوجهين (3).

= وتَعَيَّبَتْ؛ فهي واجبة في ذمته قبل التعييب، وهي الآن لا تجزئ، لو ذبحها؛ فلا بد من شراء غيرها، وإذا اشترى غيرها؛ فهل يعود المعيب إلى ملكه أو لا يعود؟

فيه قولان: قول يلزم ذبحها؛ لأنه عيبها ولا تجزئ عن ذمته لأنها واجبة قبل التعييب، وقول ثان: إنه لما ذبح بدلها ترجع إلى ملكه، وهذا هو الصحيح، ولكن بشرط أن يكون المذبوح مثلها أو أحسن. (ع).

(1)

الصحيح أنه ما يرجع؛ لأن الفقير ملكها، ولو أنه فتح هذا الباب؛ لكانت مشكلة، فلو كان عندي عشرة آلاف؛ فزكاتها مئتان وخمسون، فأعطيتها الفقير قبل؛ تحل، وهي تحل في رمضان مثلًا، وأنا أعطته إياها في محرم، ولكن ما جاء رمضان إلا والمال قد تلف؛ فهل أرجع على الفقير بالمئتين والخمسين لأن المال الذي دفعت الزكاة من أجله قد تلف، أو لا أرجع لأنه ملكها؟

هذا هو الخلاف، والصواب كما ذكرنا عدم الرجوع. (ع).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"يسترجع؟ المخرج"، وفي المطبوع:"يرجع به بخرج"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

الذي يجب في أربعين من البقرة مسنة، فإذا قلنا: لا يجزئ التبيع عن شيء منها؛ فهل يرجع به؟

على الوجهين، والظاهر في مثل هذا أنه يخرج الفرق بين التبيع والمسنة.

ص: 226

(القاعدة الحادية والثلاثون)

من شرع في عبادة تلزم بالشروع، ثمَّ فسدت؛ فعليه قضاؤها على صفة التي أفسدها، سواء كانت واجبة في الذمة على تلك الصفة أو دونها.

ويتخرج على ذلك مسائل (1):

- (منها): إذا صلى المسافر خلف مقيم وفسدت صلاته؛ فإنه يجب عليه قضاؤها تامة (2).

- (ومنها): إذا أحرم من بلده ثم أفسد نسكه بجماع؛ وجب قضاؤه والإحرام من موضع إحرامه أولًا، نص عليه أحمد، بخلاف ما إذا أحصر في نسكه ذاك ثم قضاه؛ فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات، نص عليه

(1) معنى هذه القاعدة أن الإنسان المكلف إذا شرع في عادة تلزمه ثمَّ أفسدها؛ فعليه أن يقضيها على الصفة التي أوجدها، سواء كانت واجبة في الأصل على هذه الصفة أو دونها؛ فهذا إنسان اشترى أضحية سمينة طيبة، ثم ذبح هذه الأضحية قبل يوم النحر؛ فنقول: إنه يجب ضمانها بمثلها، فإذا قال: أفلا يكفيني أن أضحي بشاة مجزئة؟ قيل: لا؛ لأنك أنت الذي فوّت تلك الأضحية. (ع).

(2)

فالمسافر فرضه اثنتان، فإذا صلى خلف مقيم؛ كان فرضه أربعًا، فإذا أفسد هذه الصلاة؛ لزمه أن يقضي أربعًا وإن كان في الأصل لا يلزمه إلا ركعتان.

ص: 227

أيضًا؛ لأن المحصر فيه [لا](1) يلزمه إتمامه (2).

- (ومنها): إذا عين عما في ذمته من الهدي [أو الأضحية](3) ما هو أزيد صفة من الواجب ثمَّ تلف، فإن كان تلفه بتفريطه؛ فعليه إبداله بمثله، وإن كان بغير تفريط؛ ففيه وجهان حكاهما القاضي في "شرح المذهب"، وجزم صاحب "المغني"(4) بأنّه لا يلزمه أكثر مما [كان](5) في ذمته؛ لأن الزيادة وجبت [بتعيينه](6)، وقد تلفت بغير تفريط؛ فسقطت كما لو عين هديًا تطوعًا ثمَّ تلف (7).

- (ومنها): لو نذر اعتكافًا في شهر رمضان ثمَّ أفسده؛ فهل يلزمه

(1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع:"لم".

(2)

رجل يريد الحج وهو في القصيم، فأحرم من القصيم، وفي أثناء نسكه جامع زوجته قبل التحلل الأول؛ فإن نسكه يفسد، ويلزمه قضاؤه من العام القادم، ولكن يُحرم من القصيم، ولا يقول: أنا أحرم من الميقات؛ لأنه أفسد عبادة تلزم بالشروع فلزمه أن يقضيها على صفتها من حين الشروع، أما إذا أحصر وتحلل؛ فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات الأصلي؛ لأن هذا بغير اختياره، بخلاف المجامع. (ع).

(3)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"والأضحية".

(4)

انظر قوله في: "المغني"(3/ 285/ 2710).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"بتعينه".

(7)

الصحيح ما ذكره صاحب "المغني"، فإذا كان بغير تفريطه؛ فإنه لا يُلزم بأكثر مما يجب عليه؛ فمثلًا: هذا إنسان عليه هدي تمتع، فعيّن شاة طيبة جيدة ثم تلفت الشاة، فإن كان تلفها بتفريط منه أو تعد؛ وجب عليه مثلها وإن كانت أزيد مما في الذمة، أما إذا كانت بغير تفريط منه، مثل لو انطلقت وهربت وعجز عن لحاقها؛ فإنه لا يلزمه أكثر مما يجب في ذمته؛ لأن الزائد تلف من غير تعد ولا تفريط، فلا يلزمه. (ع).

ص: 228

قضاؤه في مثل تلك الأيام؟

على وجهين، وظاهر كلام أحمد لزومه، وهو اختيار ابن أبي موسى؛ لأن في الاعتكاف في هذا الزمن فضيلة لا توجد في غيره؛ فلا يجزئ القضاء في غيره، كما لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ثم أفسده؛ فإنه يتعين القضاء فيه، ولأن نذر اعتكافه يشتمل على نذر اعتكاف ليلة القدر؛ فتعين لأن غيرها لا يساويها.

وعلى هذا؛ فنقول: لو نذر اعتكاف عشرة أيام، فشرع في اعتكافها في أول العشر الأواخر ثمَّ أفسده؛ لزمه قضاؤه في العشر من قابل؛ لأن اعتكاف العشر لزمه بالشروع عن نذره، فإذا أفسده؛ لزمه قضاؤه على صفة ما أفسده (1).

* * *

(1) وقول المؤلف: "لو نذر" لا يعني هذا أن النذر جائز جوازًا مستوي الطرفين؛ لأن النذر إما مكروه أو محرم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، والقاعدة التي تقررت الآن هو أنه إذا شرع الإنسان في عبادة تلزمه، وهذا احتراز من التي لا تلزمه؛ كالتطوع، ثمَّ أفسدها لزمه قضاؤها على الصفة التي أفسدها، وإن كان أكثر أو أزيد مما في ذمته، والتعليل لأنها لزمت بالشروع، ودخوله في هذا الأمر الواجب عبارة عن إلزام نفسه بأن يفعله على هذه الصفة. (ع).

ص: 229

(القاعدة الثانية والثلاثون)

يصح عندنا استثناء منفعة العين المنتقل ملكها من ناقلها مدة معلومة.

ويتخرج على ذلك مسائل (1):

- (منها): المبيع، إذا استثنى البائع منفعته مدة معلومة؛ صح.

حُكي فيه رواية أخرى بعدم الصحة (2).

(1) قوله: "عندنا"؛ أي: عند الحنابلة.

ومعنى القاعدة: إنك إذا نقلت عينًا من ملكك، سواء كان هذا النقل إلى ملك آخر من الناس أو نقلته نقلًا مطلقًا؛ كعبد أعتقته واستثنيت منفعة هذا المنقول مدّة معينة؛ فإن ذلك جائز، مثاله: بعت عليك بيتي واستثنيت سكناه سنة؛ فالآن استثنيت منفعة المنقول مدة معينة؛ فهذا جائز، والأصل فيه حديث جابر رضي الله عنه حيث باع على النبي صلى الله عليه وسلم جمله واستثنى حُملانه إلى المدينة، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط. (ع).

قلت: وفصة جابر أخرجها البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير، رقم 2097).

(2)

الرواية الأولى أصح، وهي المذهب، أي أنه إذا استثنى منفعة مدة معلومة صح ذلك، مثاله: بعت عليك السيارة بكذا، واشترطت عليك أن أسافر بها وأرجع؛ فهذا جائز كما فعل جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا استثنيت المنفعة مدة مجهولة، مثل أن أقول: بعت عليك بيتي هذا بمئة ألف واستثنيت البقاء فيه حتى أشتري بيتًا؛ فهذا لا يصح؛ لأن المدة غير =

ص: 230

- (ومنها): الوقف، يصح أن يقف ويستثني منفعته مدة معلومة أو مدة حياته؛ لأن جهالة المدة هنا لا تؤثر؛ فإنها لا تزيد على جهالة مدة كل بطن بالنسبة إلى من بعده (1).

= معلومة، فإنه لا يدرى متى تشتري البيت، وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الثُّنَيَا إلا أن تُعلم، فإن قدرت أقصى المدة، فقلت: بعت عليك هذا الببت بشرط أن أسكنه حتى أشتري بيتًا إلى مدة سنة؛ فهل هذا حائز؟

المذهب لا يجوز؛ لأن المدة دون السنة نجر معلومة، ولكن الصحيح أن هذا جائز؛ لأنني إذا اشتريت البيت قبل السنة وخرجت من هذا البيت الذي بعته؛ فليس علي ضرر، وأنت انتفعت. (ع).

قلت: حديث "نهى عن الثُنَيَّا إلا أن تُعْلَم" أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب المحاقلة والمزابنة، رقم 1536)، وأبو داود في "السنن"(كتاب البيوع، باب في المخابرة، رقم 3404، 3405)، والنسائي في "الكبرى"(كتاب الشروط) -كما في "تحفة الأشراف"(2/ 246) - وفي "المجتبى"(كتاب المزارعة، باب النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع، 7/ 37 - 38، وكتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثنيا حتى يعلم، 7/ 296)، والترمذي في "الجامع"(أبواب البيوع، باب ما جاء في النهي عن الثنيا، رقم 1290)، وأحمد في "المسند"(3/ 313، 356، 364)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 304)، عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.

والثنيا: أن يبيع ثمر بستانه ويستثني منه جزء غير معلوم.

(1)

فلو قال: وَقَّفْتُ هذا البيت على أن لي سكناه مدة حياتها، وهي غير معلومة، وهي أيضًا عندنا غير معلومة، فلو قال: هذا البيت وقف على أولادي ثم أولادهم، فأولاد الأولاد لا يستحقون السكنى إلا بعد موت الأولاد، وموت الأولاد غير معلوم؛ فكما أن الموقوف عليهم مدتهم غير معلومة؛ فكذلك الواقف إذا استثنى مدة حياته؛ فهو كما لو انتفع الموقوف عليه بهذا الوقف مدة حياته.

ووجه آخر: بأن نقول: إن الواقف متبرع وليس عقده عقد معاوضة، حتى نقول: إن =

ص: 231

- (ومنها): العتق، [و](1) يصح أن يعتق عبده ويستثني [منفعته](2) مدة معلومة، نص عليه لحديث سفينة (3) وكذا لو استثنى خدمته مدة حياته، وعلى هذا يتخرج أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها؛ لأنه استثنى الانتفاع بالبضع و [تَمَلَّكَهُ](4) بعقد النكاح، وجعل العتق عوضًا عنه؛ [فانعقدا](5) في آن واحد (6).

= الجهالة تؤثر فيه وعقد التبرع يُوسع فيه ما لا يوسع في عقد المعاوضة، وهذا على القول الراجح يجوز أن أهبك شيئًا مجهولًا ولا حرج في ذلك. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"نفعه".

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "سننه"(رقم 3913)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2626)، وأحمد في "المسند"(5/ 221)، والطبراني في "الكبير" (7/ رقم 6447) بسند صحيح إلى سفينة؛ قال:"كنت مملوكًا لأم سلمة، فقالت: أعتقك، وأشرط عليك أن تخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما عشت. قلت: لو لم تشترطي عليَّ؛ ما فارقتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فأعتقتني، واشترطت عليَّ".

ويشهد لهذا المعنى حديث آخر عند مسلم في "الصحيح"(رقم 1658)، وأبي داود في "السنن"(رقم 5144، 5145)، وعبد الرزاق في "المصنف"(رقم 17937)، وأحمد في "المسند"(3/ 447، 447 - 448 و 5/ 444)، وغيرهم.

(4)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"ويملكه".

(5)

كذا في (أ)، وهو الصواب، وفي (ب):"عنها فانعقدا"، وفي المطبوع و (ج):"فانعقد".

(6)

ومعناها: أعتق عبده واستثنى خدمته لمدة سنة؛ فإن هذا جائز لحديث سفينة أنه أعُتق واشرط في عتقه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم لمدة كذا وكذا، وأيضًا إذا أعتق الأمة وجعل عتقها صداقها؛ فإن هذا نوع من الاستثناء، فإنه استثنى البضع لأنه لو أعتقها ولم يجعل =

ص: 232

- (ومنها): إذا كاتب أمته واستثنى منفعة الوطء؛ فإنه يصح على المذهب المنصوص؛ فإنه إنما نَقَلَ بالكتابة عن ملكه منافعها دون رقبتها (1).

- (ومنها): الوصية؛ فيصح أن يوصي برقبة عين لشخص وبنفعها لآخر مطلقًا أو مدة معلومة، أو [يبقيها](2) للورثة (3).

- (ومنها): الهبة، يصح أن يهبه شيئًا ويستثني نفعه مدة معلومة، وبذلك أجاب الشيخ موفق الدين (4) رحمه الله [تعالى](5).

- (ومنها): عوض الصداق والخلع والصلح على مال، [و](6) قياس المذهب صحة استثناء المنفعة فيها.

= عتقها صداقها؛ صارت حرامًا عليه لأنها ليست زوجة ولا مملوكة، فإذا جعل عتقها صداقها؛ صارت كالمستثنى منفعتها. (ع).

(1)

قوله: "فإنه إنما نقل بالكتابة عن ملكه منافعها دون رقبتها"، هذا كالتعليل للمسألة؛ لأنه قد يقول قائل: كيف يطؤها وهي قد خرجت عن ملكه بالكتابة؛ فيُقال: إن الذي قد خرج عن ملكه المنافع، أما الرقبة؛ فلم تخرج. (ع).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب؛ وفي المطبوع:"نفعها".

(3)

مثاله: أن يوصي بالبيت لشخص وبمنافعه لآخر، سواء كان ذلك مدة معينة بأن قال: ينتفع فلان به عشر سنوات، أو على سبيل الإطلاق، وفائدة الذي أوصي له بالرقبة أنه يملك الأصل، ولو أوصى لشخص ببعير وبمنافعها لآخر؛ فإن هذا يصح، ولو تعطلت منافع البعير فذبحت مثلًا؛ كانت للتي أوصي بها له. (ع).

(4)

انظر: "المغني"(4/ 81/ 2920).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 233

(القاعدة الثالثة والثلاثون)

الاستثناء الحكمي؛ هل هو كالاستثناء اللفظي، أم تُغْتَفَر فيه الجهالة بخلاف اللفظي؟

فيه وجهان، والصحيح عند صاحب "المغني"(1) الصحة، وهو قياس المذهب، خلافًا للقاضي.

[ويتخرج](2) على ذلك (3) مسائل (4):

- (منها): لو باعه أمة حاملًا بحر، وقلنا: لا يصح استثناء الحمل لفظًا؛ فهل يصح أم لا؟

على وجهين (5).

(1) انظر: "المغني"(4/ 85/ 2936).

(2)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع:"ويخرج".

(3)

في (ج): "هذا".

(4)

اللفظي سبق أن الاستثناء فيه يكون معلومًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثُنْيا إلا أن تُعلم، وهذا في باب المعاوضات، أما في التبرعات؛ فيصح وإن كان مجهولًا، ولهذا يصح أن يعتق الإنسان أمة ويستثني حملها. (ع).

(5)

كيف تحمل الأمة بحر؟

هذا رجل تزوج أمة واشترط على مالكها أن ولده منها حُرّ، فحملت الأمة منه، فصار الجنين حرًّا، ثم باع المالك هذه الأمة وكانت حاملًا بِحُرّ، فصار البيع يقع على الأمة دون =

ص: 234

- (ومنها): لو باعه عقارًا تستحق فيه السكنى (1) الزوجة المعتدة من الوفاة بالحمل؛ فهل يصح؟

قال في "المغني"(2): لا؛ لأن مدة الحمل مجهولة، بخلاف مدة الأشهر.

وقال الشيخ مجد الدين في "مُسَوَّدَته على الهداية"(3): قياس المذهب صحة البيع. وأطلق (4).

- (ومنها) بيع الدار المؤجرة يصح، وسواء علم المشتري بالإجارة أو لم يعلم، نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد (5)، وقال في رواية

= الحمل، فصار استثناء الحمل حكيمًا لا لفظيًا؛ لأنه مستثنى شرعًا، سواء قلنا إلا حملها أم لم نقل، ولو أن رجلًا جامع أمة يظنها زوجته؛ فالحمل الناشئ عن هذا الوطء حُرّ؛ لأن الواطئ حين الوطء يعتقد أن هذه الأمة حرة؛ فيكون الجنين حرًا، فإذا باعها سيدها؛ فمعلوم أن المبيع لا يقع على الحمل لأنه حرّ؛ فهل يصح أم لا يصح؟

يقول المؤلف: فيه وجهان، والصحيح أنه يصح، ولكن للمشتري الخيار إذا كان لا يعلم أن الجنين حُرّ؛ لأنه يفوت عليه مصلحة. (ع).

(1)

في (ج): "سُكنى".

(2)

انظره: (8/ 187/ 6528).

(3)

اسمه: "منتهى الغاية لشرح الهداية"، سيأتى التعريف به في (ص 261).

(4)

قول صاحب "المغني" أقيس، ذلك لأن مدة الحمل مجهولة، ولكنه الذي يظهر أنه على قول مجد الدين رحمه الله بالصحة يحمل على المعتاد، فلو تم للحمل تسعة أشهر ولم تضع؛ فإنه يكون سكناها بأجرة أو تخرج. (ع).

(5)

هنالك جماعة ممن يتسمّون بـ (جعفر بن محمد)، ترجم لهم ابن أبي بعلى في "طبقات الحنابلة"(1/ 123 - 127)، ولهم "مسائل" للإمام أحمد، وذكر شيئًا يسيرًا =

ص: 235

الميموني: ليس له أن يبيعها حتى يُبَيِّن. فقد يكون مأخذه اشتراط العلم بالمستثنى من المنافع في العقد، وقيل: لأن البيع المطلق يتناول المنافع وهي الآن ملك لغيره؛ فيشبه تفريق الصفقة، ولكن أحمد إنما أوجب بيان ذلك؛ لأن تركه تدليسٌ وتغريرٌ، ولم يتعرض للصِّحَّة والبُطْلان (1)، وسواء عَلِمَ بمقدار مدة الإجارة أو لم يعلم. هذا قياس المذهب.

وقد ذكروا أنه لو اشترى صُبْرَةً من طعام، فبان تحتها دَكَّةً، فإن علم بذلك؛ فلا خيار له، وإلا؛ فله الخيار، وعلمه بها يفضي إلى دخوله على جهالة مقدار الصبرة، ولو استثنى بلفظه [مقدار](2) ذلك؛ لم يصح (3).

= منها، وعرضت ما أورده المصنف في تراجمهم جميعًا من مسائل، على المذكور عند ابن رجب في كتابه هذا -ونقل عنه في ثمانية مواضع-؛ فلم يسعفني ذلك في تحديد المراد، واللَّه الهادي والموفق.

(1)

معنى هذه المسألة أن رجلًا عنده بيت مؤجر لمدة سنة، فباعه على إنسان، والآن هذا البيت فيه منفعة مستثناة للمستأجر لأن حقه سابق على العقد؛ فالإمام أحمد نص على صحة البيع، وهو كذلك، والرواية الثانية عنه يقول:"لا بيع حتى يُبَيِّن"؛ فهل هذا بقتضي أن البيع لا يصح، أو يقتضي أنه يجب على البائع أن يبين أن البيت مستأجر؟

والثاني هو المتعين لأجل أن تتفق الروايتان على الصحة، لكن تكون الرواية الثانية مبنية أنه يجب على البائع أن يبين؛ لأنه إذا لم يبين صار في هذا غش؛ لأن المستأجر سيبقى على حقه والمشتري يظن أنه ملك العين بمنافعها من حين العقد، فإذا قُدِّر أنه لم يبين وباعها؛ فهل يكون للمثشري الخيار؟

نعم، له الخيار، أي بين ان يبقى على شرائه للبيت وتكون الأجرة من حين الشراء للمشتري وبين أن يفسخ العقد. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

فهذا رجل باع على آخر كومة من الطعام بألف، ثم تبيّن بعد ذلك أن تحتها =

ص: 236

- (ومنها): لو اشترى أمة مزوجة؛ صح، سواء علم بذلك أو لم يعلم، وتقع منافع البضع مستثناة في هذا العقد حكمًا، ولو استثناها في العقد لفظًا؛ لم يصح (1).

- (ومنها): لو اشترى شجرًا [و](2) عليه ثمر، [أو](3) أرضًا فيها زرع، أو دارًا فيها طعام كثير؛ صح، ووقع بقاء الثمر والزرع والطعام مستثنى إلى أوان تفريغه على ما جرت به العادة، وذلك مجهول، ولو استثنى بلفظه مثل هذه المدة؛ لم يصح.

= دَكّة، وهذا على سبيل التَّمثيل، وإلا؛ فقد يكون تحتها أكياس من الرمل أو حجر كبير أو نحو ذلك للغش؛ فيقول المؤلف: إن له الخيار؛ إلا إنْ علم بالغِش؛ فلا خيار له.

وقوله: "لو استثنى بلفظه مقدار ذلك" معناه: لو بعتك هذه الصَّبْرة إلا مقدار دَكّة؛ فإن ذلك لا يصح، ولو قلت: إن الدكة طولها كذا وعرضها كذا وارتفاعها كذا لأن هذا المستثنى معلوم، واستثناء المعلوم من المجهول يصيِّره مجهولًا، ولكن الصواب صحة البيع. (ع).

(1)

هذا رجل عنده أمة وقد زوجها لرجل فباعها على شخص آخر؛ فإن العقد يصح، فمنافع البضع للزوج؛ لأن حقه سابق والمشتري ينتفع بها إلا في البضع، ومثل هذا البيع يصح، ولكن لو قال: بعتك هذه الأمة على أن تكون منافعها لك إلا البضع أي استثنى انتفاعه بالبضع؛ فإن هذا لا يجوز؛ فالأول الثناء حكمي، والثاني استثناء لفظي؛ فصار الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي.

وقوله: "سواء علم أم لم يعلم"؛ أي: المشتري، وهذا لا يؤثر على صحة العقد، أي علم المشتري وعدمه بكونها مزوجة، ولكن إن لم يعلم؛ فإن له الخيار، ولكن العقد صحيح. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(3)

في (أ): "و"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 237

- (ومنها): لو اشترى أمة أو عبدًا مُحرمًا؛ صَحَّ، ووقع مدة إحرامه مستثنى من البيع، وسواء علم بذلك المشتري أو لم يعلم، نص [على ذلك](1) أحمد؛ مع أن مدة الإحرام لا تنضبط، لا سيما بالعمرة (2) قد يقع الإبطاء في السير لعائق أو غيره، لكن قد يقال: إن المسافة معلومة وأفعال النسك [مدة](3) معلومة؛ فصار كاستثناء ظهر الدابة إلى بلد معين (4).

* * *

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"عليه".

(2)

في (ج): "العمرة".

(3)

ما بين المعقوفتين من هامش (ب).

(4)

هذا بالنسبة للعبد صحيح، ولكن بالنسبة للأمة؛ فإنها قد تحيض أو قد تنفس ويطول مكثها، ولكن الحاصل أن هذه المدد متقاربة والجهل بها مغتفر عند الناس كما لو أردنا بيع بصل؛ فإن الجهالة فيه يسيرة إذا بيع قبل أن يُقلع.

وخلاصة القاعدة المتقدمة: أن الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي، ولذلك يصح الاستثناء الحكمي في مواضع لا يصح فيها الاستثناء اللفظي. (ع).

ص: 238

(القاعدة الرابعة والثلاثون)

استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها.

كالاستثناء في العقد، وأولى؛ لأن الاستثناء الحكمي أقوى، ولهذا يصح بيع العين المؤجرة والأمة المزوَّجة عند من لا يرى استثناء المنافع في العقد، خلافًا للشيخ تقي الدين [رحمه الله] (1) في قوله: يسري العتق إليها إن لم يستثن.

ويتفرع على هذا مسائل (2):

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب)، وفي (ج):"رحمة اللَّه عليه".

(2)

ذكرنا فيما سبق أن الرجل لو أعتق عبده واستثنى منفعته لمدة سنة؛ فإن هذا جائز، أما هنا؛ فالعبد قد استحقت منافعه بعقد لازم، فأنا مثلًا أجرت عبدي بعقد لازم لزيد لمدة ستة شهور، ثم أعتقته، ومن المعروف أن العبد إذا عتق ملك نفسه؛ فهل نقول: إن هذه المنفعة التي استحقت بعقد لازم مستثناة بمعنى أن المستأجر بملك استخدام هذا العبد في هذه المدة أم لا؟

يقول المؤلف: إن استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها؛ لأن المنفعة في هذه المدة لم تحرر، وهي مملوكة للمستأجر، وذلك لأن الاستثناء الحكمي أقوى، فأنا مثلًا لما أجرت العبد سنة وتبدأ هذه السنة في رمضان ثم أعتقته في شوال، فبقي من خدمته للمستأجر أحد عشر شهرًا؛ فهل نقول: إنه يخدمه في هذه المدة الباقية أو لا؟ =

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يخدمه؛ لأن هذه المدة مستثناة حكمًا؛ لأن العقد وقع على عبد مُسْتَحق المنافع للمستأجر.

وقوله: "ولهذا يصح بيع العين المؤجرة

إلخ"؛ فأنا لي بيت وأجرته فلانًا لمدة عشر سنوات، ثم بعته على فلان آخر؛ فإن العقد يصح، وفي هذه المدة الذي ينتفع بالبيت هو المستأجر، فلو بعت هذا البيت واستثنيت سكناه عشر سنوات؛ فإن من العلماء من يقول: هذا ليس بجائز، ويجوّز المسألة الأولى؛ لأن الاستثناء الحكمي أقوى من الاستثناء اللفظي، وقولنا: الاستثناء الحكمي أي أن منافع هذا البيت مستثناة حكمًا بمقتضى عقد الإجارة، أما الاستثناء اللفظي بأن أقول: بعتك هذا البيت واستثنيت سكناه لمدة عشر سنوات؛ فإن لم يعلم المشتري بالإجارة؛ فيقال له: إن لك الخيار، فإن شئت أن تبقى على العقد ولك الأجرة من حين العقد، وإن شئت فسخت العقد، والأجرة للبائع، وهكذا الأمة المزوجة إذا بيعت؛ فالبضع الذي ينتفع به الزوج، وهذا الاستثناء حكمي، وحق الزوج سابق على حق المشتري، والبيع يصح، وإن لم يكن البائع قد علم بزواجها؛ فإن له الخيار: إن شاء أن يبقى على عقده أبقى عليه، وإن شاء فسخه، وهنا؛ فإن اختار أن يبقى العقد فيستخدمها في غير الوطء ويكون أولادها عبيدًا للمشتري ولو كان زوجها حُرًّا، فلو تزوج حُرٌّ مملوكة أو أمةً؛ صار أولاده منها أرقاء لمالكها، ولهذا حرّم اللَّه عز وجل علينا الزواج من الإماء، والحكمة في ذلك أنه إذا تزوج أمة صار أولاده أرقاء، قال الإمام أحمد: إذا تزوج الحرّ أمة؛ رَقَّ نصفُهُ، أي صار نصفه رقيقًا؛ لأن أولاده يصبحوا رقيقًا، والحاصل أن الأمة المزوجة إذا اشتراها أحد وهو لم يعلم بزواجها؛ فإنها تبقى على زوجها بحق الاستمتاع، ويكون الاستمتاع بالوطء منها مستثنى حكمًا، ويبقى للمشتري الخدمة والأولاد، ولو قال المشتري: لا أمنع من استمتاع الزوج ولكن أريد الاستمتاع كذلك بها أي بالوطء وهي ملك يميني؛ فهو يستمتع بها بطريق الزوجية، وأنا استمتع بها بطريق ملك اليمين؛ قيل له: البضع ليس لك، ولم تملكه؛ فإنه مستثنى من البيع حكمًا، وهو للزوج، ولهذا لا يمكن أن تكون امرأة لاثنين في آن واحد، بل إن المالك لو أراد أن يستحل بضع مملوكته بطريق الزواج وهو لم يعتقها، فأتى بالمأذون والشهود وأعلن النكاح ونحو ذلك؛ نقول: هذا غير جائز، فلو قال: زوجت =

ص: 240

- (منها): إذا عُتقت الأمة المزوجة لم تملك منفعة البضع التي هي موردُ النكاح، وإنما يثبت لها الخيار تحت العبد؛ لأنها كملت تحت ناقص فزالت كفاءته بذلك، أو تعبدًا غير معقول المعنى، ومن قال بسراية العتق؛ قال: قد ملكت بِضْعَها، فلم يبق لأحد عليها ملك؛ فصار الخيار لها في المقام مع الزوج أو مفارقته، سواء كان حرًّا أو عبدًا (1)، وعلى هذا

= نفسي مملوكتي؛ قيل: هذا لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يرد عقد الزواج على الملكية؛ فالملك أقوى وإن ورد الملك على الزوجية، هذا ممكن، أي يمكن أن يشتري الرجل زوجته التي هي أمة، ولكن إذا اشتراها انفسخ النكاح وصارت تحل له بملك اليمين لا بعقد النكاح؛ لأن ملك اليمين أقوى، والأقوى يرد على الأضعف، ولا عكس، ولهذا لا يتزوج الإنسان مملوكه ولكنه يملك زوجته.

وقوله: "للشيخ تقي الدين" هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو جدُّ ابن رجب من جهة العلم لا من جهة النسب؛ فابن رجب تلميذ ابن القيم، وابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن

وقوله: "خلافًا للشيخ. . . إلخ"؛ أي: إن الشيخ رحمه الله يقول: إذا أعتق الإنسانُ العبد؛ فإن العتق يسري إلى الذات والمنافع إلا باستثناء لفظي. (ع).

(1)

معنى المسألة: إذا عتقت الأمة تحت زوج؛ فهل لها الخيار أم لا؛ كقصة بريرة ومغيث، ولذلك لم تختره هي وإن كان متعلقًا بها جدًّا، وإنما جعل لها الخيار، لماذا؟ هل نقول: لأنها ملكت بضعها؟

إذا قلنا: إن هذه هي العلة؛ فإنه يكون لها الخيار، سواء كان زوجها عبدًا أو حُرًّا، أو لأنها لمّا كملت تحت عبد صارت أعلى منه ففقدت الكفاءة بينها وبينه؛ فهو غير كفء لها؛ لأنه عبد وهي حُرّة، فكان لها الخيار لأجل هذا، والمسألة فيها خلاف.

والخلاصة أنه إذا استحقت منافع العبد بعقد قبل العتق، ثم عَتق العبدُ؛ فهل تزول هذه المنافع وتنفسخ؟

المذهب لا تزول، بل تبقى على ما هي عليه، ومثاله أن يعتق الرجل عبده الذي =

ص: 241

لو (1) استثنى منفعة بضعها للزوج؛ صح، ولم تملك الخيار، سواء كان زوجها حرًّا أو عبدًا، ذكره الشيخ وقال: هو مقتضى المذهب.

ويرد على [هذا](2) القول بملكها بضعها: أنه يلزم منه انفساخ نكاحها؛ حيث لم يبق للزوج ملك عليها ولا قائل بذلك، على أنه يمكن أن يقال: عِتْقُ [بضعها](3) لا يلزم منه ثبوت الخيار لها على الحر؛ لأن حرية البضع لا تنافي [ثبوت](4) استحقاق منفعته بعقد النكاح ابتداءً؛ فالحرية الطارئة [به](5) أولى.

- (ومنها): لو أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها؛ لم تنفسخ الإجارة على المذهب، وعند الشيخ [تقي الدين](6) تنفسخ؛ إلا أن يستثنيها في العتق.

= آجره لمدة سنة؛ فيقول: العتق نافذ والمنفعة المستحقة للأجير ليس عليها عتق؛ فتبقى حتى تتم المدة. (ع).

قلت: انظر قصة بربرة والمغيث في "صحيح البخاري"(كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تحت العبد، رقم 5280، 5281، 5582، وباب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة، رقم 5283).

(1)

في (ج): "فلو".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"بعضها".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (أ) و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

وانظر: "القواعد النورانية"(259).

ص: 242

وخرج صاحب "المقنع"(1) ذلك وجهًا لنا لا بناءً على السراية، بل [بناءً](2) على زوال ولاية السيد عن عبده بعتقه؛ فيكون كما لو أجر الولي الصبي مدة ثم بلغ في أثنائها؛ فإنه ينفسخ في وجه، وهو ضعيف؛ فإن الولي تنقطع ولايته بالكلية عن الصبي ببلوغه رشيدًا، بخلاف السيد، فإنَّ له استثناء منافعه بالشرط، والاستثناء الحكمي أقوى كما تقدم.

- (ومنها): لو أعتق الورثة العبد المُوْصى بمنافعه؛ صح، ولم يَسْرِ إلى المنافع.

* * *

(1) في "المقنع"(5/ 83 - مع شرحه "المبدع").

(2)

من بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 243

(القاعدة الخامسة والثلاثون)

من ملك منفعة عين بعقد، ثم ملك العين بسبب آخر؛ هل ينفسخ العقد الأول أم لا؟

ها هنا صورتان:

(إحداهما): أن يكون العقد الذي ملك به المنفعة عقدًا مؤبدًا، فإن لم يكن عقد معاوضة؛ فلا معنى لانفساخه؛ كالموصى له بمنافع الأمة إذا اشتراها؛ فإنه يجتمع له ملكها بالعقدين، ولا ضرر في [ذلك](1)؛ فهو كما لو كان ملكه للمنفعة بغير عقد؛ كملك الورثة لمنافع العين الموصى [برقبة عينها](2) إذا [اشتروا العين](3) من الموصى له، وإن كان عقد معاوضة -وهو النكاح- انفسخ بملك الرقبة؛ لأنه ملك ضعيف ومختلف في مورده؛ هل هو المنفعة أو الانتفاع؟ ويختص بمنفعة البضع ويملك به الاستمتاع بنفسه دون المعاوضة عليه؛ فلا يجتمع مع الملك القوي وهو ملك الرقبة، [بل يندفع به، ولا نقول: إنه يدخل ملكه في ملك الرقبة]؛ لأن مالك الرقبة لم يكن مالكًا له؛ فكيف يتضمن عقده على الرقبة [ملكه](4)؟ بل نقول:

(1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"هذا".

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"برقبتها".

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"اشتروها".

(4)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"بملكه".

ص: 244

[إنه](1) قد اجتمع له ملك الرقبة بجميع (2) منافعها بجهة، وملك البضع [ملكًا](3) بجهة أخرى ضعيفة؛ فبطلت خصوصيات الجهة الضعيفة كلها لمصيره مالكًا للجميع ملكًا تامًّا، وهذا صحيح؛ فإنه لا يمكن بعد هذا الملك أن يقال: إنه يملك الانتفاع بالبضع دون منفعته، ولا أنه يملك الانتفاع به بنفسه دون المعاوضة عليه؛ فتعين إلغاء خصوصيات عقد النكاح كلها (4).

(والصورة الثانية): أن يكون العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد؛ كالإجارة، فإذا ملك العين بعد ذلك؛ فهل ينفسخ؟

فيه وجهان، ويندرج تحت ذلك صور:

(1) ما بين المعقوفتين من (ج).

(2)

في (ب): "لجميع"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

(4)

رجل تزوج أمة؛ فهو يملك بضعها، ولكنه يملك الانتفاع لا النفع، والفرق بينهما أن الذي يملك النفع يمكن أن يستوفيه بنفسه وبغيره، وأما الذي يملك الانتفاع؛ فلا يملك أن يستوفيه بغيره، وهنا الزوج لا يملك إلا الانتفاع إذ لا يمكن أن يؤجر زوجته لغيره، بخلاف الذي استأجر بيتًا؛ فإنه يملك النفع فيؤجره إلى غيره، وهذا الرجل الذي تزوج الأمة؛ هل يجوز له ذلك؟

نعم، بشرطين، فإذا اشتراها من سيدها؛ هل ينفسخ النكاح أو لا؟

يقول المؤلف: إنه ينفسخ النكاح، وعلى هذا؛ فيكون وطؤه إياها بغير عقد البيع وطء ملك يمين، فإذا حملت منه صارت أُمّ ولد، ولكن لو قلنا: يبقى النكاح؛ صار وطؤه إياها بعد الشراء وطء زواج، فيكون الولد مملوكًا ولا تكون أم ولد، وبطل النكاح بالشراء؛ لأن الشراء أقوى من النكاح، فمالك الأمة يملك كل منافعها، وكل الانتفاع بها؛ فالملك أقوى من النكاح، وإذا ورد الأقوى على الأضعف؛ زال حكم الأضعف. (ع).

ص: 245

- (منها): لو اشترى المستأجر العين المستأجرة من مؤجرها؛ ففي انفساخ الإِجارة وجهان حكاهما الأصحاب، وربما حُكي روايتان:

(أحدهما): ينفسخ؛ لأنه ملك الرقبة، فبطل ملك المنفعة كما لو اشترى زوجته.

(والثاني): لا ينفسخ، وهو الصحيح، [وهو](1) اختيار القاضي وابن عقيل والأكثرين؛ لأن المنافع ملكها أولًا بجهة الإِجارة وخرجت عن ملك المؤجر، والبيع بعد ذلك يقع على ما يملكه البائع، وهو العين المسلوبة النفع؛ فصار كما لو اشترى العين الموصى بمنافعها من الورثة، واستأجر المنافع من مالكها في عقد أو عقدين؛ فإن الإجارة لا تنفسخ بغير خلاف ولا منافاة بين ثبوت البيع والإجارة، بخلاف النكاح.

وأيضًا؛ فالملك ها هنا أقوى من ملك النكاح؛ لأنه يملك [به](2) الانتفاع والمعاوضة، ويملك به عموم المنافع؛ فلا تنفسخ بملك الرقبة (3)،

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(3)

إذا ورد عقد على عقد؛ فهل يبطله أم لا؟

سبق التفصيل في ذلك، أما الصورة الثانية إذا كان العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد كالإجارة، فمثاله: آجرت فلانًا هذا البيت لمدة سنة، وبعد مضي شهرين اشتريت البيت منه؛ فقد ورد الآن عقد على عقد لأن المشتري يملك العين والمنفعة، فصارت المنفعة الآن مستحقة للمشتري بعقد الإجارة السابق وبعقد البيع اللاحق؛ فهل تبطل الإجارة السابقة أو لا تبطل؟ فيه خلاف ولكن ما الذي يترتب على الخلاف؟

إذا قلنا: إنها تنفسخ؛ فإن المشتري يرجع على البائع بأجرة بقية المدة، وإذا قلنا: إنها لا تنفسخ؛ فإنه لا يرجع عليه بشيء. (ع).

ص: 246

فإن قيل: لو لم تنفسخ الإجارة؛ لعادت المنافع بعد انقضاء مدتها إلى المؤجر؛ [لأنها لم تدخل](1) في عقد البيع، وإنما استأجرها مدة مؤقتة، بخلاف الزوج؛ لأنه ملك المنفعة ملكًا مؤبدًا.

فالجواب: أن البائع باع ما يملكه من العين ومنافعها التي يستحقها بعد انقضاء مدة الإجارة؛ فإنه يملك العقد على المنافع التي تلي العقد والتي تتأخر عنه بالإجارة عندنا؛ فبالبيع أولى، أما إن كان الاستئجار من غير البائع، وكان مالكًا للمنافع [مؤبدة](2)؛ فالإجارة باقية، وتعود إليه بعد انقضاء المدة بغير تردد، ولو ملك المستأجر العين بهبة؛ فهو كما لو ملكها بشراء، صرح به الشيخ مجد الدين في "مُسَوَّدته على الهداية"، فأما إن وهب العين المستعارة من المستعير؛ فإنه تبطل العارية.

[و](3) ذكرهُ القاضي وابن عقيل؛ لأنه عقد غير لازم.

- (ومنها): لو استأجر دارًا من أبيه، ثم مات الأب [فورثها](4)؛ فهل تنفسخ الإِجارة؟

فيه وجهان أيضًا، وخرجهما صاحب "التلخيص" من المسألة التي قبلها، والمذهب عند القاضي في "الخلاف": أنه لا ينفسخ؛ كشراء المستأجر، وقال في "المجرد": ينفسخ. وتوجه بأن الملك بالإرث قهري

(1) كذا في نسخة (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"لأنه لم يدخل".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"المؤبدة".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(4)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"وورثها".

ص: 247

يقتضي تملك مالًا يتملك مثله بالعقود؛ فجاز أن يملك به المنافع المستأجرة [من](1) مستأجرها، فتنفسخ الإجارة.

وأيضًا؛ فقد ينبني هذا على [أن](2) المنافع المستأجرة هل تحدث على ملك المؤجر ثم تنتقل إلى ملك المستأجر؟ فإن قلنا بذلك؛ فلا معنى لحدوثها على ملكه وانتقالها إليه، هذا إذا كان ثَمَّ وارث سواه؛ لأن فائدة بقاء الإجارة استحقاق بقية الأجرة، فإذا لم يكن وارث سواه؛ فلا معنى لاستحقاقه العوض [على نفسه](3)؛ إلا أن يكون على أبيه دين لغيره، وقد مات مفلسًا بعد أن أسلفه الأجرة (4).

- (ومنها): لو اشترى طلعًا لم يؤبر في رؤوس نخله بشرط قطعه، ثم اشترى أصله في الحال؛ فهل يتخرج انفساخ البيع في الطلع على ما مر من الوجهين؛ لأنه بمنزلة المنفعة لتبعه في البيع، أم لا لأنه عين مستقلة؟

فيه تردد، والمجزوم به في "الكافي" (5): أنه لا ينفسخ بغير

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

يعني: أنه إذا كان ليس له وارث سوى ابنه الذي ورثها بعد أبيه، وقد أستأجرها من أبيه؛ فسواء قلنا تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ؛ فإنه يعود إليه، فلا معنى لقولنا تنفسخ ثم يستحق العوض من التركة؛ لأنه ليس له وارث سواه؛ إلا إذا كان على أبيه دين؛ فهنا يصبح هناك فائدة، وهو أنه إذا قلنا: إنها لا تنفسخ؛ ألزمنا الابن بالأجرة ليسلمها إلى صاحب الدين، وفي هذه الحال نقول: لا يرد ميراثه إلا بعد قضاء الدين؛ فالذي يظهر أنه إذا لم يكن هناك وارث سواه؛ فليس هناك فائدة في الخلاف في النسخ. (ع).

(5)

انظر: "الكافي"(2/ 69 - 70) لابن قدامة رحمه الله.

ص: 248

خلاف (1).

* * *

(1) هل يلزم في هذه الحال أن يقطعه أم لا؟

أي: لو اشترى لرجل عشرًا على رؤوس النخل مثل أن يبدو صلاحه؛ فإن هذا جائز بشرط القطع، ولكن بعد شرائه للثمر بشرط القطع اشترى أصوله؛ فهل يلزمه القطع أو لا يلزمه؟

فإذا قلنا: إن البيع ينفسخ؛ فإنه لا يلزمه القطع، وإذا قلنا بعدم الفسخ؛ فهل يلزمه القطع؟

يقول المقطوع به في "الكافي": إنه لا ينفسخ، فيبقى على ما هو عليه، ويكون ملكًا للمشتري بمقتضى العقد الأول لأنها عين مستقلة سبقت ملكيتها على ملكية الأصل، وعليه يبقى البيع على حاله، ولو أصيب بجائحة؛ فإنه يُرجع على البائع، ويلزمه القطع على القول بعدم فسخ البيع. (ع).

ص: 249

(القاعدة السادسة والثلاثون)

من استأجر عينًا ممن له ولاية الإيجار، ثم زالت ولايته قبل انقضاء المدة؛ فهل تنفسخ الإِجارة؟

هذا قسمان:

(أحدهما): أن تكون إجارته بولاية محضة، فإن كان وكيلًا محضًا؛ فالكلام في موكله دونه؛ وإن كان مستقلًا بالتصرف، فإن انتقلت الولاية إلى غيره؛ لم تنفسخ الإجارة لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم المالك الثاني مقام الأول؛ وإن زالت الولاية عن المولى عليه بالكلية؛ كصبي يبلغ بعد إيجاره (1) أو إيجار عقاره والمدة باقية؛ ففي الانفساخ وجهان:

أشهرهما: وهو قول القاضي وأصحابه؛ لأنه تصرف له تصرفًا لازمًا؛ فلا ينفسخ ببلوغه كما لو زوجه أو باع عقاره.

والثاني: ينفسخ، ذكره في "المغني"(2) وجهًا؛ لأنه أجره مدة لا ولاية له عليه فيها بالكلية، فأشبه إجارة البطن الأول للوقف إذا انقرض قبل انقضاء المدة، وفارق البيع؛ لأنه ينبرم في الحال وتنقطع [علته](3).

(1) في نسخة (ب): "الإجارة".

(2)

انظره: (5/ 272/ 4202).

(3)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب):"علقه"، وفي المطبوع:"علقته".

ص: 250

نعم، لو كان بلوغه في مدة الخيار؛ ففيه نظر، [وكذلك](1) النكاح ينبرم من حينه، ويستقر المهر [فيه](2) بالدخول، بخلاف الإِجارة؛ لأن الأجرة تتقسط فيها على المدة ولا يستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئًا بعد شيء.

وذكر في "المغني"(3) وجهًا آخر: أنه إن أجره مدة يعلم بلوغه فيها قطعًا؛ لم يصح في [الزائد](4)، ويخرج الباقي على تفريق الصفقة ونحوه، ذكره صاحب "التلخيص"(5).

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"وكذا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

انظر: "المغني"(5/ 272 - 273/ 4203).

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"الزيادة".

(5)

هذا رجل وليّ على يتيم وآجر بيت اليتيم لمدة سنة، فبلغ اليتيم بعد ستة أشهر؛ فهل تنفسخ الإجارة فيما بقي لأن ولاية الرجل على اليتيم قد زالت ببلوغه أو لا تنفسخ؟

فيه وجهان:

وجه: تنفسخ؛ لأن الولاية تمت وزالت.

ووجه: لا تنفسخ؛ لأن الوليّ آجر هذا البيت على وجه شرعي صحيح، فلا ينفسخ.

وهناك رأي ثالث وسط، وهو إن آجره مدة يعلم بلوغه فيها انفسخت الأجرة فيما بقي، وإن كان لا يعلم؛ فإنها لا تنفسخ، فإذا آجره وهو يعلم أنه بعد ستة أشهر يتم له خمسة عشر سنة وآجره لمدة سنة؛ فإنه يكون آجره مدة يعلم بلوغه فيها؛ فتصح الإجارة في الستة الأولى، وتنفسخ في الستة الباقية، أما لو كان له من العمر ثلاث عشرة سنة؛ فإنه يعلم أنه لن يبلغ في هذه المدة بالسن لكن يمكن أن يبغ بالاحتلام واحتلم في هذه السنة؛ ففي هذه الحال نقول: لا تنفسخ؛ لأن الرجل آجره مدة يرى أن له فيها الولاية، وهذا القول الأخير الذي فيه التفصيل هو الصحيح. =

ص: 251

(والقسم الثاني): أن تكون إجارته بملك ثم تنتقل إلى غيره، وهو أنواع:

(أحدها): أن تنتقل عنه إلى من يملك بالقهر ما يستولي عليه؛ فتنفسخ الإجارة لملكه المنافع الباقية منها، ودخل تحت هذا إذا أجر مسلم شيئًا ثم استولى عليه الكفار، وإذا أجر الحربي شيئًا لحربي ثم استولى عليه المسلمون، أما إن أجر الحربي شيئًا لمسلم أو ذمي ثم استولى عليه المسلمون؛ فالإجارة باقية لأن المنافع ملك لمعصوم؛ فلا تملك (1).

(وثانيها): أن ينتقل الملك إلى من [يخلفه](2) في ماله ويقوم مقامه ويتلقى الملك عنه؛ فلا اعتراض له على عقوده، بل هو منفذ لها، وذلك كالوارث والمشتري والمتهب والموصى له بالعين والزوجة إذا أخذت العين صداقًا أو أخذه الزوج منها عوضًا عن خلع أو صلحًا أو غير ذلك (3).

= فصار في المسألة ثلاثة أقوال: الفسخ مطلقًا، وعدمه مطلقًا، والثالث: إن علم أنه يبلغ أثناء المدة؛ انفسخت الإجارة فيما بقي، وإلا؛ فلا. (ع).

(1)

إذا انتقل ملكٌ مستأجر على وجه قهري؛ انفسخت الإجارة، مثاله: استأجر إنسان هذا البيت من مسلم لمدة سنتين، ولما تمت سنة استولى الكفار على هذا البيت، وحين ذلك يكونون قد ملكوه ملكًا قهريًا؛ فتنفسخ الإجارة، ومثله: إذا آجر حربيٌّ حربيًّا، ثم استولى عليه المسلمون؛ فإن الإجارة تنفسخ. (ع).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"خلفه".

(3)

قلت: كذا في "المطبوع" و (أ)، وفي (ب) و (ج):"تتملك".

حكم هذا أن الثاني يقوم مقام الأول، ولا يُعترض عليه، فإذا آجر الموروث بيته في موته لمدة سنتين، ثم مات بعد أن آجره بعد سنة؛ فإن الملك ينتقل إلى الوارث والوارث منفذ لتصرفات الموروث؛ فيبقى الأمر على ما هو عليه، فتبقى المنافع مملوكة للمستأجر؛ لأن الوارث خلف الموروث في ملكه، فهو منفذ لما عقده المالك الأول. (ع).

ص: 252

(وثالثها): أن يكون مزاحمًا للأول في الاستحقاق [و](1) متلقيًا للملك عمن تلقاه الأول، لكن لا حق له في العين إلا بعد انتهاء استحقاقه؛ كالبطن الثاني من أهل الوقف إذا أجر البطن الأول ثم انقرض والإجارة قائمة.

[وفي المسألة](2) وجهان:

(أحدهما): وهو ما قال القاضي في "المجرد" أنه قياس المذهب: إنه لا [ينفسخ](3)؛ لأن الثاني لا حق له في العين إلا بعده؛ فهو كالوارث.

(والثاني): وهو المذهب الصحيح، وبه جزم القاضي في "خلافه"، وقال: إنه ظاهر كلام أحمد وابنه أبو الحسين (4) وحكياه عن أبي إسحاق بن شاقلا، واختاره ابن عقيل وغيره: أنه ينفسخ؛ لأن الطبقة الثانية تستحق العين بجميع منافعها تلقيًا عن الواقف بانقراض الطبقة الأولى؛ فلا حق للأولى فيه بعد انقراضهم، بخلاف الورثة؛ فإنهم لا يتلقون عن [موروثهم](5) إلا ما خلفه في ملكه من الأموال ولم يخلف هذه المنافع، وحق المالك لم ينقطع عن ميراثه بالكلية، بل آثاره باقية، ولذلك (6) تقضى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وفيه".

(3)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"تنفسخ".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "أبي"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

قال الشيخ ابن عثيمين حفظه اللَّه: "قوله: "وابنه أبو الحسين" معطوف على قوله: "وبه جزم القاضي"؛ أي: جزم القاضي وابنه أبو الحسين، بدليل قوله: "وحكياه"" اهـ.

(5)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"مورثهم".

(6)

في (ب): "ولهذا".

ص: 253

ديونه وتنفذ وصاياه من [التركة](1)، وهي ملكه على قول (2) إلى أن [تقضى ديونه](3)؛ فكيف [يعترض](4) عليه في تصرفاته بنفسه؟!

وأيضًا؛ فهو كان يملك التصرف في ماله على التأبيد بوقف عقاره والوصية به وبما [يحمل شجره](5) أبدًا، والموقوف عليه بخلافه في ذلك كله.

وخرج صاحب "المغني"(6) وجهًا آخر ببطلان العقد من أصله بناءً على تفريق الصفقة كما سبق، لكن الأجرة إن كانت مُقَسَّطة على أشهر مدة الإجارة أو أعوامها؛ فهي صفقات متعددة على أصح الوجهين؛ فلا تبطل جميعًا (7) ببطلان بعضها، وإن لم تكن مقسطة؛ فهي صفقة واحدة، فيطرد فيها الخلاف المذكور.

واعلم أن في ثبوت الوجه الأول [نظرًا](8)؛ لأن القاضي إنما فرضه فيما إذا أجر الموقوف عليه لكون النظر له مشروطًا (9)، وهذا محل تردد

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"الشركة".

(2)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"قوله".

(3)

كذا في (ب) والمطبوع، وفي (أ):"تقضى دينه"، وفي (ج):"يقضي دينه".

(4)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"يتعرض"، وفي (ب):"نعترض"، وفي المطبوع:"يعرض".

(5)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"تحمل شجرته".

(6)

انظر: "المغني"(5/ 272/ رقم 4202).

(7)

في (ب): "جميعها".

(8)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"نظر".

(9)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"مشروطًا له" تقديم وتأخير.

ص: 254

(أعني: إذا أجر بمقتضى النظر المشروط له)؛ هل يلحق بالناظر العام [فلا ينفسخ](1) بموته الأجارات (2) أم لا؟ فإن من أصحابنا المتأخرين من ألحقه بالناظر العام في ذلك، وهكذا حكم المُقْطَع إذا أجر إقطاعه ثم انتقلت عنه [إلى غيره](3) بإقطاع [آخر](4).

(1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ):"فلا تنفسخ".

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، وفي (ج):"الإجارة".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

المعنى للمسألة الثالثة هو أن يكون الثاني مزاحمًا للأول في الاستحقاق، لكن استحقاقه لا يكون إلا بعد زوال الأول، مثل أن يكون هذا البيت وقفًا بأن يقول الواقف: هذا البيت وقف على ذريتي، ثم على ذريتهم؛ فالذرية الأخيرة مشاركة للأولى في الوقف، ولكنها لا تستحق شيئًا مع وجود الأولى، مع أنها مشاركة للأولى، ولهذا لا تتمكن الأولى من التصرف بالوقف كيف تشاء، وهنا آجر البطن لأول البيت لمدة عشر سنوات ثم ماتوا بعد مضي خمس سنوات، فلم يبق من البطن الأول أحد؛ فهل تنفسخ الإجارة أو لا؟

فيه وجهان؛ فمنهم من قال؛ لا تنفسخ؛ لأن الأولين آجروا حين آجروا ولهم حق التأجير، ومنهم من قال: إنها تنفسخ؛ لأنه ليس لهم حق في هذا الموقوف عليهم إلا مدة وجودهم، وبعد ذلك يتلقاه البطن الثاني عن الواقف الأول، ولكن المتأخرين يقولون: إن كان الناظر قد شُرط له النظر أو كانت ولايته بالنظر العام؛ فإنها لا تنفسخ، وإن كان نظره باستحقاقه؛ فإنها تنفسخ، فالذي يتصرف في الوقف إما ناظر عام وإما ناظر مشروط له النظر، وإما ناظر بأصل الاستحقاق؛ فالناظر بالنظر العام هو القاضي، وهذا إذا أجّر؛ لم تنفسخ إجارته بموته أو زوال ولايته؛ لأن نظره عام، والثاني الناظر بالشرط بأن يقول الواقف: هذا وقف على ذريتي والناظر عليهم فلان وهذا أيضًا إذا آجر لم تنفسخ الإجارة بموته؛ لأنه آجر بمقتضى شرط الواقف، فقام مقامه، والثالث الناظر بأصل الاستحقاق، وهم الموقوف عليهم، وهم لهم النظر إذا لم يكن هنا إلا ناظر مشروط؛ فله النظر بأصل الاستحقاق، فإذا قلت: هذا وقف على فلان؛ ففلان هو الناظر إذا لم تحدد ناظرًا أنت أيها الواقف. =

ص: 255

(ورابعها): أن يكون مزاحمًا للأول في استحقاق التلقي عمن تلقى عنه الأول بسبق حقه وتقديمه عليه، وهو المشتري للشِّقْص المشفوع إذا أجَّر، وقلنا بصحة تصرفاته بالإجارة [و](1) غيرها ثم انتزعه الشفيع، وفيه ثلاثة أوجه (2):

(أحدها): وهو ما ذكره صاحب "المقنع"(3): لا تنفسخ الإجارة؛ لأن ملك المؤجر ثابت، ويستحق الشفيع الأجرة من يوم أَخْذِهِ؛ لأنه يستحق انتزاع العين والمنفعة، فإذا فات أحدهما؛ رجع إلى بدله وهو الأجرة ها

= والخلاصة أن الموقوف عليهم إذا آجروا الوقف ثم انقرضوا قبل تمام المدة؛ فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟

فيها قولان، المذهب أنه إذا كان المؤجر الناظر العام أو كان ناظرًا بالشرط؛ فإنها لا تنفسخ لأن المؤجر قائم مقام الواقف، وأما إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه بأصل الاستحقاق لا بالشرط؛ فإن الإجارة تنفسخ، هذا هو تحرير المذهب في هذه المسألة، مع أن المحاكم الآن عملها على أن الإجارة لا تنفسخ مطلقًا. (ع).

قلت: في المطبوع و (ب): بدل "آخر": "أحد"، والمثبت من (أ) و (ج).

(1)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"أو".

(2)

فهذه أرض بين اثنين (ناصر وآخر) نصفين، فباع واحد منهما نصفه على آخر؛ فهذا النصف الذي باعه هو الشقص المشفوع، وليكن المباع له عبد الرحمن، وعبد الرحمن أجَّرَهُ إلى ياسر، وناصر هنا شفع على عبد الرحمن؛ أي: انتزع ما باعه شريكه من يد عبد الرحمن؛ لأن الشريك إذا باع فلشريكه أن يشفع، وهنا أخذ ناصر بالشفعة لياسر، فقال لياسر: ارفع يدك عن الأرض، فقال ياسر: لكني أنا مستأجر لمدة سنة، فقال له: إن الملك انتقل من عبد الرحمن إليَّ، وأنا لا أرض بالإجارة؛ فهذه هي المسألة، يقول المصنف: فيها ثلاثة أوجه. (ع).

(3)

في "المقنع"(5/ 81 - 82 - مع شرحه "المبدع").

ص: 256

هنا، كما نقول في الوقف إذا انتقل إلى البطن الثاني ولم تنفسخ إجارته: إنهم يستحقون الأجرة من يوم الانتقال.

وكذلك نص أحمد في رواية جعفر بن محمد على مثل ذلك في بيع العين المؤجرة، وأن المشتري يستحق الأجرة من حين البيع (1)، وهو مشكل؛ لأن المنافع [في](2) مدة الإجارة غير مملوكة للبائع؛ فلا [تدخل](3) في عقد البيع.

ويجاب عنه: بأن البائع يملك عوضها، وهو الأجرة، ولم يستقر بعد، ولو انفسخ العقد؛ لرجعت المنافع إليه، فإذا باع العين ولم يستثن شيئًا؛ لم تكن تلك المنافع ولا عوضها مستحقًا له؛ لشمول البيع للعين ومنافعها، فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها، وهو [استحقاق](4) عوض المنافع مع بقاء الإجارة وفي رجوعها إليه مع الانفساخ.

[وهذا هو أحد الوجهين للأصحاب، وهو [قياس](5) نص أحمد المذكور أولًا، وما ذكرناهُ قبل ذلك من رجوع المنافع إلى البائع عند الانفساخ هو الذي ذكره صاحب "المغني"] (6).

(1) كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"العقد".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(3)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"يدخل".

(4)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"استحقاقه".

(5)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"مثال".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "عوض".

وانظر: "المغني"(5/ 272/ رقم 4202).

ص: 257

(والثاني): أنه تنفسخ الإجارة بأخذه، وهو المجزوم به في "المحرر"(1)؛ لما قلنا من ثبوت حقه في العين والمنفعة، فيملك انتزاع كل منهما ممن هو في يده وفارق إجارة الوقف على وجه؛ لأن البطن الثاني لا حق لهم قبل انقراض الأول، وهنا حق الشفيع ثابت قبل إيجار المشتري، فينفسخ بأخذه لسبق حقه، ولهذا قلنا على رواية: أن تصرف المشتري في مدة الخيار مراعى، فإن فسخ البائع؛ بطل.

وأيضًا؛ فلو لم تنفسخ الإجارة؛ لوجب ضمان المنافع على المشتري بأجرة المثل لا بالمسمى لأنه ضمان حيلولة، كما قلنا في أحد الوجهين إذا أعتق عبده المستأجر لزمه ضمان قيمة منافعه فيما بقي من المدة.

والثالث: أن الشفيع بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يتركها، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه" في مسألة اعارة [العارية](2)، وهو أظهر؛ فإن الإجارة بيع المنافع، ولو باع المشتري العين أو بعضها؛ كان الشفيع مخيرًا بين الأخذ ممن [هي](3) في يده وبين الفسخ؛ ليأخذ من المشتري (4).

(1) انظر: "المحرر في الفقه"(1/ 356).

(2)

في المطبوع: "العارة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"هو".

(4)

القضية هي أن الرجل إذا باع نصيبه من الملك المشترك؛ فلشريكه أن يَشفع، أي بأخذه من المشتري بثمنه، لكن المشتري قبل أن يشفع صاحبُه آجر هذا الذي اشتراه، فلو كان طلال وياسر شريكين في بيت، فباع طلال على محمد نصيبه من البيت؛ فلياسر أن يشفع فيأخذ الشقص المباع من محمد، ولكن محمدًا آجر نصيبه الذي اشتراه قبل أن يشفع، ثم شفّع ياسرُ؛ فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ فيها ثلاثة أقوال: =

ص: 258

وخامسها: أن ينفسخ ملك (1) المؤجر ويعود إلى من انتقل الملك إليه منه؛ فالمعروف من (2) المذهب أن الإجارة لا تنفسخ بذلك؛ لأن فسخ العقد رفع له من حينه لا من أصله.

وصرح أبو بكر في "التنبيه" بانفساخ النكاح لو أنكحها المشتري ثم ردها بعيب؛ بناءً على أن الفسخ رفع للعقد من أصله.

وقال القاضي وابن عقيل في "خلافيهما": الفسخ بالعيب (3) رفع للعقد من حينه، والفسخ بالخيار رفع للعقد [له](4) من أصله؛ لأن الخيار يمنع اللزوم بالكلية، ولهذا يمنع معه من التصرف في المبيع وثمنه، بخلاف العيب (5).

= قول: إنها تنفسخ.

وقول: لا تنفسخ.

وقول: إن الشفيع له الخيار: إن شاء فسخ، وإن شاء أبقى، وقال المصنف: إنه الأظهر. (ع).

(1)

في (ج): "بملك".

(2)

في (ج): "في".

(3)

في (ج): "الفسخ العيب".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(5)

لو بعت هذا البيت عليك بمئة ألف، ثم أجرته إلى زيد، وبعد أن أجرته تبين أن في البيت عيبًا فرددته إليّ؛ فهل تنفسخ إجارة زيد أو لا؟

المعروف كما قال المصنف من المذهب أن الإجارة لا تنفسخ، وهذا هو الراجح إذا كان بعيب، أما إذا كان بشرط، فإنها تنفسخ لأن الفسخ بالشرط رفع للعقد من أصله، والفسخ بالعيب رفع للعقد من حين الفسخ. (ع).

قلت: كتب هنا على هامش نسخة (أ): "بلغ قراءة على الشيخ".

ص: 259

(القاعدة السابعة والثلاثون)

في توارد العقود (1) المختلفة بعضها على بعض وتداخل أحكامها.

ويندرج تحتها صور:

- (منها): إذا رهنه شيئًا ثم أذن له في الانتفاع به؛ فهل يصير عارية حالة الانتفاع أم لا؟

قال القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "نظرياته"(2) وصاحب "المغني"(3) و"التلخيص": يصير مضمونًا بالانتفاع؛ لأن ذلك حقيقة العارية.

وأورد ابن عقيل في "نظرياته" في وقت ضمانه احتمالين:

(أحدهما): أنه لا يصير مضمونًا بدون الانتفاع.

(والثاني): يصير مضمونًا بمجرد القبض إذا قبضه على هذا الشرط؛

(1) على هامش (أ) كتب: "وما يقارب العقود".

(2)

اسمه: "المجالس النظريات" لعلي بن عقيل بن محمد بن عقيل أبي الوفاء البغدادي، توفي سنة (513 هـ).

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 142 - 165)، و"السير"(19/ 443 - 451).

(3)

انظر: "المغني"(4/ 251/ 3369).

ص: 260

لأنه صار ممسكًا للعين لمنفعة نفسه منفردًا [بها](1).

وهل يزول لزومه أم لا؟ ينبني على أن إعارة الراهن بإذن المرتهن هل يزيل لزوم الرهن أم لا؟

وفيه [طريقتان](2):

(إحداهما): أنه على روايتين، وهي طريقة "المحرر"(3).

(والثانية): إن أعاره من المرتهن لم يزل اللزوم بخلاف غيره، وهي طريقة "المغني"(4).

وقال صاحب "المحرر" في "شرح الهداية"(5): ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونًا بحال.

ويشهد له قول أبي بكر في "خلافه": شرط منفعة الرهن باطل، وهو

(1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج) و (ب):"به".

(2)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ)، و (ج):"طريقان".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 335).

(4)

انظر: "المغني"(4/ 250/ 3368).

(5)

اسمه: "منتهى الغاية لشرح الهداية"، وسماه في "المقصد الأرشد":"مبتغى الغاية في شرح الهداية"، قال ابن رجب:"بيّض منه أربع مجلدات كبار إلى أوائل الحج، والباقي لم يبيِّضه"، ومؤلفه هو أبو البركات عبد السلام بن عبد اللَّه بن الخضر الحراني، جد شيخ الإسلام ابن تيمية، توفي سنة (652 هـ)، وذكر المصنف في (1/ 235) أنه ينقل عن مسوّدته.

وانظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 249 - 254)، و"المقصد"(ص 189 - 190)، و"السير"(23/ 291 - 293)، و"المدخل المفصَّل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل"(2/ 714) للشيخ بكر أبو زيد.

ص: 261

رهن بحاله (1).

- (ومنها): إذا أودعه شيئًا، ثم أذن له في الانتفاع به؛ فقال القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "نظرياته" وصاحب "التلخيص" (2): يصير مضمونًا حالة الانتفاع؛ لمصيره عارية حينئذ.

قال ابن عقيل: ولا يضمن بالقبض قبل الانتفاع ها هنا؛ لأنه لم يمسكه لمنفعة نفسه منفردًا، بل لمنفعته ومنفعه مالكه، بخلاف الرهن.

ومن المتأخرين من قال: ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونًا أيضًا؛ كالرهن، وفرق صاحب "المحرر"(3) بينهما.

ولا اختلاف ها هنا بين العقدين في الجواز؛ إلا أن يكون مدة الانتفاع مؤقتة، فيخرج فيها وجه باللزوم من رواية لزوم العارية المؤقتة (4).

(1) الذي ورد عقد العاريّة على عقد الرهن؛ فهل يزول حكم عقد الرهن أم لا؟

في هذا خلاف ذكره المؤلف، ومن ذلك أنه عاريّة، وقنا: إن العاريّة مضمونة بكل حال صار هذا المرهون مضمونًا بكل حال، وأما لو قلنا: إنه يبقى على كونه رهنًا صار لا يُضمن إلا إذا تعدى أو فرط. (ع).

(2)

في المطبوع: "التخليص".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 359).

(4)

أودعه شيئًا وأذن له بالانتفاع فيه؛ فهل يصير مضمونًا أو لا يصير؟

مثاله: قلت: خذ هذا الكتاب احفظه لي حتى أعود من السفر، ثم بعد ذلك قلتُ: إذا أحببت أن تنتفع به؛ فلك ذلك، فلما أذنت لك صار الآن عاريّة؛ فهل يصير مضمونًا بناءً على أن العاريّة مضمونة، أو لا بناءً على أنه رهن أذن له بالانتفاع به؟

فيه خلاف، والصحيح كما قلنا أولًا: أن العارية لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط؛ فلا يكون هناك فرق بين الوديعة وبين العارية. (ع).

ص: 262

- (ومنها): إذا أعاره شيئًا ليرهنه؛ صح، [نص](1) عليه، ونقل ابن المنذر (2) الاتفاق عليه، ويكون مضمونًا على الراهن؛ لأنه مستعير وأمانة عند المرتهن عليه.

وأما اللزوم وعدمه؛ فقال الأصحاب: هو لازم بالنسبة إلى الراهن والمالك، لكن للمالك المطالبة بالافتكاك، فإذا انفك؛ زال اللزوم، فيرجع فيه المالك.

واستشكل ذلك الحارثي وقال: إما [أن يكون](3) لازمًا [اعتبارًا بحكم العارية، وفي كلام أحمد إيماء إليه، وإما أن يكون لازمًا](4)؛ فلا يملك المالك المطالبة [بالافتكاك](5) قبل الأجل، وتكون العارية هنا لازمة لتعلق حق الغير وحصول الضرر بالرجوع كما في العارية؛ كبناء حائط، ووضع خشب وشبههما. انتهى.

وصرح أبو الخطاب في "انتصاره" بعدم لزومه، [وأن](6) للمالك انتزاعه من يد المرتهن؛ فيبطل الرهن (7).

(1) ما بين المعقوفتين من (أ)، وسقطت من الباقي.

(2)

بقوله في كتابه "الإجماع"(ص 110/ رقم 526): "وأجمعوا على أن الرجل إذا استعار من الرجل الشيء يرهنه على دنانير معلومة عند رجل سمّي له إلى وقتٍ معلوم؛ فرهن ذلك على ما أذن له فيه أن ذلك جائز".

(3)

و (4) و (5) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(6)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"فإن".

(7)

جاء إنسان إلي وقال: أنا أخذت من فلان قرضًا وطب مني رهنًا وليس عندي شيء؛ فقلت: خذ هذا الكتاب عاريّه ارهنه عند فلان؛ فصار الكتاب بالنسبة للراهن عارية وبالنسبة لصاحب الحق رهنًا؛ فهذا فيه تداخل عقود؛ لأن هذه العين صارت بالنسبة لواحد =

ص: 263

- (ومنها): لو أعاره شيئًا ثم رهنه عنده؛ فقال أبو البركات في "الشرح": قياس المذهب [يصح](1)، ويسقط ضمان العارية؛ لأنها ليست لازمة، وعقد هذه الأمانة لازم (2). ثم أخذه من كلام [الإمام](3) أحمد في ورود عقد الإعارة على الرهن كما سبق.

ويتخرج في هذه المسألة ما في تلك.

- (ومنها): ورود عقد الرهن على الغصب؛ فيصح عندنا، ذكره أبو بكر والقاضي، ويبرأ به الغاصب، وكذا لو أودعه عنده أو أعاره إياه أو استأجره لخياطته (4) أو نحوها، ذكره أبو الخطاب (5) وغيره.

وذكر القاضي في "خلافه" فيما إذا استأجرهُ لخياطته (4) ونحوها؛ هل يبرأ به؟

على وجهين.

وذكر [هو](6) في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في المضاربة:

= رهنًا وبالنسبة للآخر عاريّة، والرهن لازم والعاريّهُ غير لازمة؛ فهل العاريّة لمّا دخل عليها الرهن هنا تكون لازمة أو لا؟

فيه خلاف، وكلام الحارثي جيد. (ع).

(1)

في المطبوع: "صحته"، والمثبت من النسخ الخطية.

(2)

كذا في المطبوع و (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج):"ألزم".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (أ): "لخياطه".

(5)

انظر: "الهداية"(1/ 180) لأبي الخطاب.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 264

إذا جعل المالك المغصوب مع الغاصب مضاربة؛ صح، ولم يبرأ من ضمانه إلى أن يدفعه ثمنًا فيما يشتري به، فيبرأ حينئذ من الضمان، وعلى قول أبي الخطاب يبرأ في الحال.

- (ومنها): رهن المبيع المضمون على البائع قبل قبضه على ثمنه أو غيره إذا قيل بصحته يزول به الضمان على قياس التي قبلها؛ لأن يده صارت يد ارتهان.

- (ومنها): لو قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى وقت كذا، وإلا؛ فالرهن لك بالدين، وقبل ذلك؛ فهو أمانة عنده إلى ذلك الوقت، ثم يصير مضمونًا؛ لأن قبضه صار بعقد فاسد، ذكره القاضي وابن عقيل.

والمنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحسن (1) بن هارون: أنه لا يضمنه بحال، ذكره القاضي في "الخلاف"؛ لأن الشرط يفسد فيصير وجوده كعدمه (2).

(1) في (ج): "محمد بن الحسين بن هارون"، والتصويب من المطبوع و (أ) و (ب) و"المقصد الأرشد"(2/ 388).

وهو محمد بن الحسن بن هارون بن بَدِيْنا أبو جعفر الموصلي، سكن بغداد، وحدَّث عن الإمام أحمد رحمه الله، وممن روى عنه أبو بكر الخلال وتوفي رحمه الله في شوال سنة ثلاث وثلاث مئة.

انظر: "تاريخ بغداد"(2/ 191)، "طبقات الحنابلة"(1/ 288)، و"المنهج الأحمد"(1/ 317).

(2)

إذا رهنه شيئًا وقال: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا؛ فالرهن لك؛ فهذا صحيح. (ع).

ص: 265

- (ومنها): لو كاتب المدبَّر أو دبَّر المكاتب؛ صح، نص عليه، ثمَّ إن مات السيد ولم يؤد العبد من الكتابة شيئًا؛ عتق بالتدبير من الثلث، وهل يكون كسبه له كما لو عتق في حياة السيد وهو مكاتب، أو للورثة كعتقه بالتدبير؟

على وجهين.

وهكذا حكم [اجتماع](1) الاستيلاد والكتابة؛ [إلا أنها تعتق من رأس المال](2).

ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على بطلان التدبير بالكتابة بناءً على أن التدبير وصية، فيبطل بالكتابة (3).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(3)

التدبير تعليق عتق العبد بموت سيده، والكتابة أن يبيع العبد على نفسه، أي على نفس العبد. (ع).

ص: 266

(القاعدة الثامنة والثلاثون)

فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها؛ فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟

فيه خلاف يَلْتَفِتُ إلى أنَّ المغلب هل هو اللفظ أو المعنى، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): لو أعاره شيئًا وشرط عليه العوض؛ فهل يصح أم لا؟

على وجهين:

(أحدهما): يصح، ويكون كناية عن القرض؛ فيملكه بالقبض إذا كان مكيلًا أو موزونًا، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره".

وكذلك ذكر القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في موضع من "رؤوس المسائل"(1): أنه يصح عندنا شرط العوض في العارية كما يصح شرط العوض في الهبة؛ لأن (2) العارية هبة منفعة ولا تفسد بذلك، مع أن

(1)"رؤوس المسائل" هو "الخلاف الصغير" لمحفوظ بن أحمد بن حسن الكَلْوذاني، توفي (510 هـ). قال فيه مجد الدين ابن تيمية:"ما ذكره فيه هو ظاهر المذهب".

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 116 - 127)، و"السير"(19/ 348 - 350)، و"الدُّر المنضَّد"(رقم 31)، و"المدخل المفصَّل"(1/ 295، 298، 303، 2/ 903).

(2)

في (ج): "لا أن".

ص: 267

القاضي قرر أن الهبةَ المشروطَ فيها العوض ليست بيعًا، وإنما الهبة تارة تكون تبرعًا وتارة تكون بعوض، وكذلك العتق، ولا يخرجان [عن](1) موضوعها؛ فكذلك العارية، وهذا (2) مأخذ آخر للصحة.

(والثاني): إنها تفسد بذلك، وجعله أبو الخطاب في موضع آخر المذهب؛ لأن العوض يخرجها عن موضوعها (3)، وفي "التلخيص": إذا أعاره عبده على أن يعيره الآخر فرسه؛ فهي إجارة فاسدة غير مضمونة، [وهذا](4) رجوع إلى أنها كناية في عقد آخر، والفساد إما أن يكون لاشتراط عقد في عقد [آخر](5)، وإما لعدم تقدير المنفعتين، وعليه خرجه الحارثي [وقال] (6): وكذلك لو قال: أعرتك عبدي لتمونه، أو دابتي لتعلفها، وهذا يرجع إلى أن مؤنة العارية على المالك، وقد صرح الحلواني في "التبصرة"(7) بأنَّها على المستعير (8).

(1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"من".

(2)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج):"فهذا".

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "موضعها".

(4)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"فهذا".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في (ج): "قال" بدون الواو.

(7)

"التبصرة في الفقه" لعبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد أبو محمد بن أبي الفغ، والحُلْواني -بضم الحاء- نسبة إلى حُلوان بلد معروف بالعراق، وقيل: الحَلواني -بفتح الحاء- نسبة إلى بيع الحلواء، توفي سنة (546 هـ).

انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 221 - 222)، و"شذرات الذهب"(4/ 144)، و"الدر المنضد"(رقم 49).

(8)

هذه القاعدة معناها: إذا وصل الإنسان بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها؛ =

ص: 268

- (ومنها): لو قال: خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك أولي؟

فقال القاضي وابن عقيل: هي مضاربة فاسدة يستحق فيها أجرة المثل. وكذلك قال صاحب "المغني"(1)؛ لكنه قال: لا يستحق شيئًا في الصورة الثانية؛ لأنه دخل على أن لا شيء له ورضي به.

[وقاله](2) ابن عقيل في موضع آخر من المساقاة، وقال في

= فهل تفسد أو تنزل على ما تصح عيه على ذلك الوجه؟

مثاله: العارية معناها إباحة الانتفاع بالعين مع ردّها، أي ردّ العين مثل: أعطيتك هذا الكتاب لتقرأ به لمدة شهر وتردّه عليّ؛ فهذه عارية لأنني ملكتك الانتفاع بهذا الكتاب ثم تردّه علي، فإذا شرطت عوضه إذا تلف؛ يقول المؤلف: إنه يكون قرضًا، أي إذا قلت: خذ هذا الكتاب عاريّة بشرط أن تعطيني مثله، المؤلف يقول: هذا قرض، وأما إن اشترط عليك عوضًا غير البدل، بأن أقول: خذ هذا عارية على أن تعطيني كل يوم عشر دراهم؛ فهذا يكون قرضًا، هذا إذا قلنا بصحة العقد، أما إذا قلنا بعدم صحة العقد، فالأمر ظاهر، أي أن العارية لا تصح ويجب أن تردها إلى صاجها، وليس له عوض، ولماذا لا يصح العقد؟ قالوا: لأن العاريّة من عقود التبرعات وليست من عقود المعاوضات، وأنت الآن جعلتها من عقود المعاوضات، فأخرجتها عن موضوعها؛ فتبطل؛ فالقاعدة أنه إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرج العقد عن موضوعه؛ فهل يبطل العقد أو لا يبطل ويحمل على الصحة ويكون عقدًا آخر غير الذي تلفظ به؛ فالعارية هنا إذا صححنا العقد؛ قلنا: هي قرض أو إجارة، إن جعل من كل يوم شيئًا معلومًا؛ فهذه إجارة، وإن جعل عنها بدلًا كانت قرضًا، وأما القول الأول؛ فإن العقد لا يصح، وذلك لأنه لما شرط فيها العوض أخرجها عن موضوعها، ولما أخرجها عن موضوعها لم تصح، والظاهر الصحة؛ لأنه متى أمكنه تصحيح العقود؛ فإنه هو الواجب. (ع).

(1)

انظر: "المغني"(5/ 21/ 3652)، وقال هناك:"وبه قال الشافعي".

(2)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"وقال".

ص: 269

"المغني"(1) في موضع آخر: إنه إبضاع صحيح. فراعى الحكم دون اللفظ.

وعلى هذا؛ فيكون [في](2) الصورة الأولى قرضًا (3).

- (ومنها): لو استأجر المكيل أو الموزون أو النقود أو الفلوس ولم يذكر ما يستأجرها له؟

فقال القاضي في "خلافه" في الإجارات: يصح ويكون قرضًا، [ولنا] (4) وجه آخر: أنه لا يصح (5).

(1) انظره: (5/ 21/ 3652).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

إذا قال: خذ هذا المال مضاربة، والمضاربة أن يدفع الأول المال لآخر يتجر به والربح بينهما، فإذا قال: خذ هذا مضاربة ولك جميع الربح، أو خذ هذا المال مضاربة ولي جميع الربح؛ فهنا قد أخرج المضاربة عن موضوعها؛ فهل تصح أم لا؟

فيه خلاف:

فمنهم من قال: إن المضاربة لا تصح ويكون الربح كله لصاحب المال وعليه للعامل أجرة المثل؛ لأن العامل عمل بالمال بإذن صاحبه ولا عمل إلا بعوض؛ فيستحق أجرة المثل، وفي هذه الحال قد تكون أجرة المثل أكثر من الربح وقد تكون أجرة المثل أقل من الربح.

والقول الثاني: أنها تصح، ولكنّ المضارَب لا يستحق شيئًا لأنه دخل على أنه يعمل في هذا المال متبرعًا، والقريب عندي أن العقد صحيح، وإنه يُمشى فيه على ما قال، أي إذا قال له: والربح كله لك؛ فلا حرج؛ لأنه ربما يريد منفعته بهذا، وإذا قال العامل: الربح كله لك، فلا مانع أيضًا لأنه تبرع بنفع بدنه لصاحب المال، ومعنى الإبْضاع هنا: أنه يعمل بالمال ولا شيء له. (ع).

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"وله".

(5)

فلو قال: استأجرت منك مئة صاع بُرّ؛ فإن البُرّ هنا يكون لصاحبه، ولا انتفاع =

ص: 270

- (ومنها): لوأجره الأرض بثلث ما يخرج منها من زرع؟

نص أحمد على صحته، واختلف الأصحاب في معناه؛ فقال القاضي: هي إجارة على حدّ المزارعة تصح بلفظ الإجارة، وحكمها حكمها، وقال أبو الخطاب (1) وابن عقيل وصاحب "المغني" (2): هي مزارعة بلفظ الإِجارة؛ فتصح على قولنا، يجوز أن يكون البذر من العامل، وإلا؛ فلا (3).

- (ومنها): لو أسلم في شيء حالًا؛ فهل يصح ويكون بيعًا أو لا يصح؟

فيه وجهان.

(أحدهما): وهو ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي: لا يصح البيع

= هنا به، ولهذا لو حاسبناه على لفظه؛ لكان كلامه لغوًا، لكن هناك قول أنه يصح، ويكون قرضًا؛ فكأنني استسلفت منك مئة صاع بُر، وكذلك إذا قال الرجل: أستأجر منك هذه الدراهم، ولا يعلم انتفاع بالدراهم إلا بالتصرف بها، وإذا تصرف بها صارت قرضًا ولا تصح الإجارة. (ع).

قلت: وعندي أنّ استئجارها متصوّر بدون تصرف، وذلك كاستئجار الحُليّ، وهذا يكون متصورًا جدًّا في إظهار الملاءَة في الأسواق ومَحالِّ الصفقات وإن كان مبني هذا الفعل في الغالب على الغش والخديعة.

(1)

انظر: "الهداية"(1/ 179) لأبي الخطاب رحمه الله.

(2)

انظر: "المغني"(5/ 249/ 4151).

(3)

والظاهر أنها تصح، سواء قنا إنها إجارة أو قلنا مزارعة؛ إذ لا مانع، فلو قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها، أو قال: زارعتك بثلث ما يخرج منها وإن كانت الصورة صورة مزارعها ولكنها صحيحة فيهما. (ع).

ص: 271

بلفظ السلم.

(والثاني): يصح، قاله القاضي في موضع من "خلافه"(1).

- (ومنها): إذا قال: أنت علي حرام، أعني به الطلاق. وقلنا: الحرام صريح في الظهار؛ فهل يلغو تفسيره ويكون ظهارًا، أو يصح ويكون طلاقًا؟

على روايتين (2).

(1) الصحيح أنه يصح، سواء بلفظ البيع أو بلفظ السَّلَم. (ع).

(2)

الصحيح أنه على ما نوى، وإذا قال: أعني به الطلاق؛ فقد صرح بنيته؛ فيكون طلاقًا لا ظهارًا، على أن المسألة فيها خلاف في الأصل؛ هل تحريم الرجل زوجته ظهار، أو هو كتحريم الطعام والشراب؟

والصحيح أنه كتحريم الطعام والشراب، أي إذا قال الرجل لزوجته: أنت عليّ حرام؛ فليس هذا ظهارًا، بل هو تحريم؛ كقوله: هذا الطعام علي حرام؛ لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2]، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: "إذا حرّم الرجل امرأته، فهي يمين يكفرها"، وبعض أهل العلم يقول: هذا لغو؛ أي: ليس بشيء.

فقول: إنه ظهار؛ فلا تطلق ولكن لا يقربها حتى يفعل ما أمر به، والقول الثاني: إنه يمين أي لا تطلق وعليه كفارة يمين، والثالث: إنه لغو، وهذا القول الثالث إن صح عمن نُسِب اليه؛ فإنما يكون كذلك إذا كان قصده الخبر لا الإِنشاء، فإنه إذا قال: زوجتي علي حرام، وأراد الخبر؛ قل له: كذبت، بل هي حلال لك، بخلاف إذا ما قصد تحريمها إنشاءً، فإن الصحيح أن حكمه حكم ما لو حرم غير الزوجة. (ع).

قلت: الصواب الذي لا معدل عنه أن تحريم الرجل امرأته يمين يكفرها، وذلك لأمرين:

الأول: لعموم الآية؛ كما قال الشيخ آنفًا. =

ص: 272

- (ومنها): لو قال له في دَيْن السَّلم: صالحني منه على مثل الثمن؟

قال القاضي: يصح ويكون إقالة، وقال هو وابن عقيل: لا يجوز بيع الدين من الغريم بمثله؛ لأنه نفس حقه.

فيخرج في المسألة (1) وجهان؛ التفاتًا إلى اللفظ والمعنى (2).

= والثاني: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما.

واعلم أن رواية البخارى فيها زيادة، وهو قوله: وقال -أي: ابن عباس-: لقد كان لكم في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وهذا منه رفع كالصربح للحديث، وأما قوله في رواية البخاري:"ليس بشيء"، فهنا في شأن بقاء الزوجيّة وعدمها، والصواب في جميع الألفاظ التي تتعلق بالنكاح عقدًا ونسخًا أن يُنظر إلى اللفظ، فإن جَعَلَ الشارعُ حكمًا مترتبًا على هذا اللفظ بعينه؛ صرنا إليه، ولم نعدل الى ما سواه، ولو نوى خلافَه وإن لم يكن له حكم خاص؛ عُمل بمقتضى نيته، وقبلت فيه الكناية.

وأظهر ما يُستدل به لما قلته آنفًا حادثة الظهار، فإن الرجل لمّا ظاهر امرأته كان قد نوى طلاقًا، وهو المعروف عندهم في الجاهلية، أعني: أن أوس بن الصامت -وهو أوّل مظاهر في الإسلام- كان قد نوى طلاق امرأته ولكن لمّا جعل الشارع للظهار حكمًا خاصًا به تترتب عليه أحكام؛ لم يُنظر إلى نيّة المظاهِر، وهنا التحريم قد جعل الشارع له حكمًا خاصًا به؛ فلا يُلتفت إلى نية المحرم، ويصار إلى حكمه، أي من كونه يلزم منه كفارة اليمين، واللَّه أعلم.

(1)

في (أ): "المسألتين".

(2)

الخلاصة في هذه القاعدة أنه متي أمكن تصحيح العقود؛ فإنه يجب ذلك.

ومعنى هذه المسألة أنه لما أخذ من المال سلمًا وجاء الأجل قال: أريد أن أصالحك عن مئة صاع التي هي بدل المال والتي هي في ذمتك بمثل الثمن، أي بمئة إذا كان المال مئة. (ع).

قلت: انظر في تحرير المسألة: "مسائل عبد اللَّه"(1070)، و"مسائل ابن هانئ"(2/ 19)، و"المحرر"(1/ 333)، و"الكافي"(2/ 112)، و"المحرر"(1/ 333)،=

ص: 273

(القاعدة التاسعة والثلاثون)

في انعقاد العقود بالكنايات واختلاف (1) الأصحاب في ذلك.

فقال القاضي في مواضع: لا كناية إلا في الطلاق والعتاق، وسائر العقود لا كناية فيها (2).

وذكر أبو الخطاب في "الانتصار" نحوه، وزاد: ولا تحل العقود بالكنايات غير النكاح والرق.

وقال في موضع آخر منه: تدخل الكنايات في سائر العقود سوى النكاح؛ لاشتراط الشهادة عليه، وهي لا تقع على النية.

وأشار إليه صاحب "المغني"(3) أيضًا، وكلام كثير من الأصحاب يدل عليه [أيضًا](4)، وهل المعاطاة التي ينعقد بها البيع والهبة ونحوهما إلا

= و"الفروع"(4/ 181)، و"الإنصاف"(5/ 97)، و"مجموع الفتاوى"(29/ 52، 497) لابن تيمية، و"الاختيارات العلمية"(131)، و"شرح المنتهى"(2/ 219)، و"مطالب أولي النهى"(3/ 221).

(1)

في (ب): "واختلف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (ب): "لها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

انظر: "المغني"(4/ 3 - مع "الشرح الكبير").

(4)

ما بين المعقوقتين من نسخة (أ) فقط.

ص: 274

كنايات؟!

وكذلك كنايات الوقف تنعقد به في الباطن؛ [إذا لم يقترن بحكمه أو أحد ألفاظه؛ فإنه ينعقد به الظاهر أيضًا](1)، صرح به الحلواني، وقد تقدم في القاعدة التي قبلها كثير من فروع هذه القاعدة (2).

- (ومنها): لو أجره عينًا بلفظ البيع، ففي الصحة وجهان.

وقال صاحب "التلخيص": إن أضاف البيع إلى العين؛ لم يصح، والوجهان في إضافتها إلى المنفعة (3).

- (ومنها)؛ الرجعة بالكنايات ان اشترطنا الإشهاد عليها؛ لم يصح، وإلا؛ فوجهان.

[وأطلق الوجهين صاحب "الترغيب"](4)[والأجود](5) ما

(1) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج)، وفي (أ):". . . تقترن به حكمة. . . ألفاظ. . . ".

(2)

الصريح ما لا يحتمل غير معناه، والكناية ما يحتمل معناه وغيره. (ع).

(3)

إذا قال: بعتك هذه الدار كل سنة بألف ريال؛ فهذه إجارة، ولكنها وقت بلفظ البيع؛ فهل تصح أولا؟

فمنهم من يقول: إنها تصح؛ لأن الإجارة نوع من البيع، ولما قيدها بما يدل على الإجارة؛ صارت كذلك، ومنهم من قال: لا تصح؛ لأن البيع المطلق يراد به بيع العين والإجارة بيع المنفعة، والصواب في كل ما قيل هنا وفيما تقدم أنه يُرجع في ذلك إلى معنى اللفظ في عرف الناس وإلى ما تقتضيه القرينة. (ع).

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"وأطلق صاحب الترغيب الوجهين" بتقديم وتأخير.

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"والأوْلى".

ص: 275

ذكرنا (1).

فأما قوله لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك؛ فجعله ابن حامد كناية، ولم [ينعقد] (2) به النكاح حتى يقول: وتزوجتك، وقال القاضي: هو صريح بقرينة ذكر الصداق، فإن الصريح قد يكون مجازًا إذا اشتهر وتبادر فهمه؛ ولو مع القرينة، وفسره القاضي بأنه الظاهر، ولا يشترط أن يكون نصًّا.

وكلام أحمد صريح في أن هذا اللفظ كناية؛ فإنه قال في رواية صالح: إذا قال: "أَجْعَلُ عتْقَكِ صَدَاقك، أو قال: صداقُك عتقُك؛ كل ذلك جائز إذا كانت له نية مبيتة"(3)؛ [فصرح](4) باعتبار النية [له](5)، وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدًّا.

وكذلك نص [أحمد](6) على ما إذا قال الخاطب للولي: أزوَّجتَ وليتك؟ [فقال](7): نعم. وقال للمتزوج: أَقَبِلْتَ؟ قال: نعم: أن النكاح

(1) الرجعة: إعادة المطلقة إلى النكاح في العدة، يقول: راجعت زوجتي أو رددتها أو أمسكتها، فإذا جاء بكناية؛ فالراجح أنها تصح ما دامت القرية دالة على مرادِه. (ع).

(2)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"يعقد".

(3)

انظره في: "مسائل صالح"(3/ 83/ رقم 1389)، وعنه ابن قدامة في "المغني"(6/ 529). وانظر في المسألة "الإنصاف"(8/ 97 - 99).

(4)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"فنيته تصرح"، وفي (ب):"فبنيته فصرح"، وفي (ج):"فنيته عتقك فصريح".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"قال".

ص: 276

ينعقد [به](1)، وذكره الخرقي (2).

ونعم، ها هنا كناية؛ لأن التقدير: نعم زوجت، ونعم قبلت. وأكثر ما يقال: إنها صريحة في الإعلام بحصول الإنشاء؛ فالإنشاء إنما استفيد منها وليس فيها من ألفاظ [صرائح](3) الإنشاء شيء؛ فيكون كناية عن لفظ النكاح وقبوله (4).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في "مختصره"(7/ 59/ رقم 5289 - مع "المغني") بتصرف يسير جدًّا، وقال تتميمًا لهذا النص:"إذا حضره شاهدان".

(3)

كذا في جميع النسخ الخطية، وفي المطبوع:"صريح".

(4)

هذا اللفظ (أعني: اعتقتك وجعلت عقك صداقك) سبق (ص 276) أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لصفية، وقول ابن حامد: إنه لا بد من قوله: "تزوجتك" هذا غلط؛ لأن السنة ليس فيها ذلك، وهذا يدل على أن العقود تنعقد بما يدل عليها حتى لو قال ملكتك بنيتي، فقال: قبلت؛ انعقد النكاح، كما أنه لو قيل للولي: أزوجتك ابنتك فلانًا؟ قال: نعم، وقال للزَّوج: أقبلتَ النكاح؟ فقال: نعم؛ يصح النكاح، مع أن الولي في هذه الحال لم يقل: زوجتك ولكن قال: نعم، وكذلك الزوج لم يقل: قبلت بل قال: نعم في جواب قبلت، وهذا يدل على ما قررناه من أن العقود تنعقد بما دلّ عليها. (ع).

ص: 277

(القاعدة الأربعون)

الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها.

عليها نوعان (1):

(1) هذه القاعدة نصورها، فنقول؛ إذا كان هناك حكم متعلِّق بالعين، ثم زالت الحين من ملك صاحبها، ثم عادت إلى ملك صاحبها؛ فهل يعود الحق الذي تعلق بمنافعها بعودها أو لا يعود؟

ذكر أن هذا على نوعين:

الأول: ما يتعلق به الحكم بملكٍ واحدٍ، فإذا زال ذلك الملك؛ سقط الحكم، وأوضح مثال لهذا الإعارة، فلو أعرتك شيئًا، ثم بعته، بطلت العاريّة؛ لأنه انتقل ملكي عن هذا الشيء المعار، فيأخذه المشتري، فإذا اشتريته فيما بعد؛ فهل يعود حكم الإعارة أولا؟

والجواب: أنه لا تعود الإعارة؛ لأن إعارتي إياك إنما كانت بملك سابق فزال هذا الملك ببيعي لها، وشمل هذا الزوال العين والمنفعة؛ فلا تعود المنفعة لك إلا بعقد جديد.

ومنها كذلك الوصية، فلو أوصي شخص بهذا الكتاب بعد موته لطلبة العلم، ثم باع الكتاب؛ فإن الوصية تبطل لأنه إذا باع الموصى به؛ فهو رجوع عن الوصية، لكنه بعد بيعه اشتراه ثانية؛ فهل تعود الوصية أو لا؟

والجواب: لا تعود الوصية؛ لأن وصيتي بهذا المال كانت في مُلْك سابق حال بينه وبين ملكي الثاني ملك رجل آخر؛ فلا تعود الوصية مرة ثانية، وكذلك الهبة قبل القبض، فلو وهبتك هذا الكتاب وقلت أنت: قبلت، ولكن قبل قبضك إياه بعت الكتاب؛ فهذا جائز لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض وأنت لم تقبض، وبعد بيعي للكتاب اشتريته مرة أخرى؛ فهل =

ص: 278

(أحدهما): ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد، فإذا زال ذلك الملك؛ سقط الحكم، وصور ذلك كثيرة:

- (منها): الإجارة، فمن استأجر شيئًا مدة، فزال ملك صاحبه عنه بتملك قهري يشمل العين والمنفعة، ثم عاد إلى ملك المؤجر والمدة باقية؛ لم تعد الإجارة، هذا هو الظاهر؛ لأن ملك المستأجر زال عن المنافع وثبت له الرجوع على المالك بقسطه من الأجرة، فإذا استوفاه منه؛ لم يبق له حق، فتعود العين بمنافعها ملكًا للمؤجر، أما إن لم يستوف شيئًا؛ فقد سبق نظائرها في قاعدة من تعذر عليه الأصل واستقر حقه في البدل ثم وجد الأصل؛ فيحتمل وجهين، والأظهر هنا عدم استحقاق المنافع؛ لأن حقه سقط منها وانتقل إلى بدلها.

- (ومنها): الإعارة، فلو أعاره شيئًا، ثم زال ملكه عنه، ثم عاد؛ لم تعد الإِعارة.

- (ومنها): الوصية تبطل بإزالة الملك، ولا تعود بعوده.

-[(ومنها): الهبة قبل القبض وسائر العقود الجائزة؛ كالوكالة وغيرها.

- (ومنها): لو أذن السيد لعبده في النكاح، فتزوج ثم طلق، فإن كان

= تعود الهبة؟

لا تعود؛ لأن الهبة كانت في ملك سابق، ولم تلزم، لأنني لم أقبضك إيّاها؛ فعلى هذا لا يعود حقك لأنه ليس بلازم، فصارت هذه الأحكام لا تتبع العين إذا انتقل ملكها عن صاحبها الأول، فإن الأحكام المتعلقة بالعين تطل، فإن جدّدها؛ فذاك، وإلا؛ فقد بطلت. (ع).

ص: 279

الطلاق رجعيًا؛ فله الرجعة بدون إذن السيد، ذكره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب؛ لأن الملك قائم بعد أن كان بائنًا لم بملك إعادتها بغير إذنه؛ لأنه تجديد ملكه، والإذن مطلق؛ فلا يتناول أكثر من مرة] (1).

(النوع الثاني): ما يتعلق الحكم فيه بنفس العين من حيث هي تعلقًا لازمًا؛ [فلا](2) يختص تعلقه بملك دون ملك، وله (3) صور:

- (منها): الرهن، فإذا رهن عينًا رهنًا لازمًا، ثم زال ملكه عنها بغير اختياره، ثم عاد؛ فالرهن باقٍ بحاله لأنه وثيقة لازمة للعين، فلا تنفك بتبدل الأملاك؛ كأرش الجناية؛ غير أن الأرش لازم لرقبة الجاني بدون القبض، والرهن لا يلزم أو لا يصح بدون القبض.

وذكر الأصحاب صورًا يعود فيها الرهن بعود الملك:

- (منها): لو سبا الكفار العبد المرهون، ثم استنقذ منهم؛ عاد رهنًا بحاله، نص عليه الإمام أحمد.

- (ومنها): لو تخمر العصير المرتهن، ثم تخلل؛ فإنه يعود رهنًا كما كان، وكذلك يعود الرهن بعد زواله؛ وإن كان ملك الراهن باقيًا عليه في مواضع:

- (منها): لو صالحه من دين الرهن على ما يشترط قبضه في

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) والمطبوع، وهو من نسختي (أ) و (ج)، وفي (ج) قال:"فلا يتناول العرف" بدل قوله: "فلا يتناول أكثر من مرة".

(2)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"لا".

(3)

في (ب): "ولها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 280

المجلس؛ صح الصلح (1)، وبرئت ذمته من الدين، وزال الرهن، فإن تفرقا قبل القبض؛ بطل الصلح، وعاد الدين والرهن بحاله.

- (ومنها): ما قاله أبو بكر: إنه إن [أعاد](2) الرهن إلى الراهن بطل الرهن، فإن عاد إليه عاد رهنًا كما كان.

وفي كلام أحمد نحوه، وتأوله القاضي وابن عقيل على أنه بطل لزومه؛ لأنه لو بطل بالكلية؛ لم يعد بدون عقد، وهذا باطل بمسألة الصلح، وقد وافقا عليها، والظاهر أن الرهن لا يبطل بعد لزومه بدون رضى المرتهن.

- (ومن صور [هذا] (3) النوع): المكاتب؛ فإن المكاتبة (4) عقد لازم ثابت في الرقبة؛ فلا يسقط بانتقال الملك فيه.

- (ومنها): الأضحية المعينة، فإن الحق ثابت في رقبتها لا يزول بدون اختيار المالك، فإذا تعيبت؛ خرجت عن كونها أضحية، فإذا زال العيب؛ عادت أضحية كما كانت، ذكره ابن عقيل في "عُمَده"(5).

(1) في (ب) و (ج) والمطبوع: "لصلح"، والصواب "الصلح".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"عاد".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في (أ): "الكتابة".

(5)

صاحبه علي بن عقيل، أبو الوفاء، حامل لواء المذهب، قال في مدح أصحاب مذهبه:"الغالب على أحداث طائفة أصحاب الإمام أحمد الفقه، وعلى مشايخهم الزهد والنظافة"، وقال:"هم قومُ خشُنٌ تقلَّصت أخلاقهم عن المخالطة، وغلظت طباعهم عن المداخلة؛ حتى غلب عليهم الجَدُّ، وقلَّ عندهم الهزلُ"، له كتب عديدة؛ منها "عُمدة =

ص: 281

- (ومنها): التدبير على إحدى الروايتين.

- (ومنها): رجوع الزوج في نصف الصداق بعد الفرقة؛ فإنه يستحقه؛ سواء كان قد زال ملك الزوجة عنه ثم عاد أو لم يَزُلْ؛ لأن حقه متعلق بعينه.

- (ومنها): عروض التجارة إذا خرجت عن ملكه بغير اختياره، ثم عادت؛ فإنه لا ينقطع الحول بذلك كما إذا تخمر العصير ثم تخلل، ذكره ابن عقيل وغيره.

- (ومنها): صفة الطلاق تعود بعود النكاح، وسواء وجدت في زمن البينونة أو لم توجد على المذهب الصحيح.

- (ومنها): صفة العتق تعود بعود ملك الرقيق في أشهر الروايتين، وفي الأخرى لا تعود إذا وجدت الصفة بعد زوال الملك.

وفرق القاضي بين الطلاق والعتاق: بأن ملك الرقيق لا يُبْنَى فيه أحد الملكين على الآخر، بخلاف النكاح؛ فإنه يبنى فيه أحد الملكين على الآخر في عدد [الطلقات](1) على الصحيح، وهذا التفريق لا أثر له؛ إذ لو كان معتبرًا، لم يشترط لعدم الحنث وجود الصفة في غير الملك (2).

= الأدلّة"، وهو في الخلاف، ومن آخر كتبه، ذكره ابن القيم في "الإعلام" (2/ 156)، وابن حميد السبيعي في "الدُّرّ المنضد" (رقم 34)، والمرداوي في "الإنصاف" (5/ 13).

وانظر "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 142 - 165)، و"السير"(19/ 443 - 451)، و"المدخل المفصَّل"(1/ 303 و 2/ 903 - 904).

(1)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"الطلاق".

(2)

صفة العتق، أي لو قال لعبده: إذا فعلت كذا فأنت حُرّ، ثم باعه قبل أن يفعل، =

ص: 282

- (ومنها): الرد بالعيب لا يمتنع (1) بزوال الملك إذا لم يدل على الرضى، وها هنا صور مختلف في إلحاقها بأحد النوعين، وهي محتملة:

- (فمنها): رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا أخرجه الابن عن ملكه ثم عاد إليه؛ فهل يسقط حقه من الرجوع أم لا؟

- (ومنها): رجوع غريم المفلس في السلعة التي وجدها بعينها، وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه ثم عادت إليه.

وفي المسألتين ثلاثة أوجه:

أحدها: لا حق لهما فيها؛ لأن حقهما متعلق بالعقد الأول المتلقى عنهما (2).

(والثاني): لهما الرجوع نظرًا إلى أن حقهما ثابت في العين، وهي موجودة؛ فأشبه الرد بالعيب.

(والثالث): إن عاد بملك جديد؛ سقط حقهما، وإن عاد بفسخ العقد؛ فلهما الرجوع؛ لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الأول؛ فإن

= ثم اشتراه بعد ذلك، فهل تعود الصفة؟ فإذا فعلها بعد الراء عتق أو لا؟

والظاهر أنها لا تعود؛ لأن العقد الثاني عقد مستقل، بخلاف ما إذا طلقها ثم راجعها؛ فإن الصفة نعود لأن النكاح واحد مثل أن يقول لزوجته: إذا قدم فلان فأنت طالق، ثم طلقها قبل قدومه، ثم راجحها أثناء العدة، ثم قدم بعد الرجعة؛ فإنها تطلق لأن المراجعة مبنية على النكاح السابق، أما إذا عقد عليها عقدًا جديدًا؛ فإن الصفة لا تعود. (ع).

(1)

في (ج): "لا يمنع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في نسختي (ب) و (ج) زيادة بعدها: "والثاني: غير متلقٍّ عنهما؛ فلا يستحقَّان فيه رجوعًا"، وهو مضروب عليه في نسخة (أ).

ص: 283

الفسخ رفع للعقد الحادث [من أصله على قول](1)؛ فيعود الملك كما كان (2).

- (ومنها): الفراش، فإذا وطئ أمة [له](3) ثم باعها ووطئ أختها بالملك (4)، ثم عادت الأولى إلى ملكه؛ فهل يعود الفراش أم لا؟

على وجهين:

أشهرهما: أنه يعود، وهو المنصوص؛ فيجب عليه اجتنابهما حتى يحرم إحداهما.

والثاني: له استدامة استفراش الثانية ويجتنب الراجعة؛ لزوال الفراش فيها بزوال الملك، وهو اختيار صاحب "المحرر"(5).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين من هامش (أ) فقط.

(2)

في المسألة الأولى الأقرب التفصيل، وهو إن عاد بفسخ؛ فله الرجوع، وإن عاد بملك جديد؛ فلا رجوع، لأنه إذا عاد بفسخ؛ فإن العقد الأول لم ينته، بخلاف ما إذا عاد بعقد جديد؛ فإن العين قد ملكلت الآن من طريق آخر، فهذا رجل وهب ابنه كتابًا؛ فله أن يرجع عن هذه الهبة، ولكن الابن باع الكتاب قبل رجوع أبيه، ثم اشتراه منه مرة أخرى؛ فهل يملك الأب الرجوع؟

لا يملك؛ لأن الابن ملكه ملكًا جديدًا من غير أبيه، وانقطعت صفة الملك ببيعه، أما لو فسخ فسخًا، مثل أن يكون في الكتاب عيب فيرده المشتري على الابن؛ فإن أباه يرجع لأن الكتاب لم يرجع بعقد جديد. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

كتب هنا في هامش (أ): "والأوْلى أن يقال بالملك وغيره".

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 20).

ص: 284

(القاعدة الحادية والأربعون)

إذا تعلق بعين (1) حق تعلقًا لازمًا، فأتلفها من يلزمه الضمان؛ فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر؟

فيه خلاف، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): لو أتلف الرهن مُتلف، وأُخِذت قيمته؛ فظاهر كلامهم أنها تكون رهنًا بمجرد الأخذ.

وفرع القاضي على ذلك: أن الوكيل في بيع المُتْلَف يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد.

وخالفه [صاحبا](2)"الكافي"(3) و"التلخيص"، وظاهر كلام أبي الخطاب في "الانتصار" في مسألة إبدال الأضحية: أنه لا يصير رهنًا إلا بجعل الراهن.

- (ومنها): الوقف إذا أتلفه مُتْلِف، وأخذت قيمنه فاشترى (4) بها بدله؛ فهل يصير وقفًا بدون إنشاء الوقف عليه من الناظر؟

(1) في (ج): "إذا تعلق حقه بعين حق".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وهو الصواب، وفي (ج) والمطبوع:"صاحب".

(3)

انظر: "الكافي"(2/ 135).

(4)

في (ج): "واشترى".

ص: 285

حكى بعض الأصحاب في ذلك وجهين.

- (ومنها): إذا أتلف الأضحية متلف، وأخذت منه القيمة أو باعها من أوجبها، ثم اشترى [بالثمن أو القيمة](1) مثلها؛ فهل تصير [متعينة](2) بمجرد الشراء؟

يتخرج على وجهين (3).

- (ومنها): الموصى له بعين إذا أتلفها متلف بعد الموت وقبل القبول؛ فحقه باقٍ في بدلها.

* * *

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بالقيمة أو الثمن" بتقديم وتأخير.

(2)

كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ):"معينة".

(3)

الصحيح في هذه المسائل كلها أن البدل يحل محل المدل، ولا حاجة إلى إعادة التوكيل في المسألة الأولى، ولا إلى إعادة التعيين في مسألة الأضحية، ولا إلى إعادة الوقف في مسألة الوقف؛ لأن نيتي أن هذا بدل عن الأول؛ فيكون له حكمه. (ع).

ص: 286

(القاعدة الثانية والأربعون)

في أداء الواجبات المالية.

وهي منقسمة إلى دين وعين:

فأما الدين؛ فلا يجب أداؤه بدون مطالبة المستحق إذا كان آدميًّا؛ حتى ذكر ابن عقيل في جواز السفر قبل المطالبة وجهين، وهذا ما لم يكن قد عين له وقتًا للوفاء (1)، فأما إن عين وقتًا؛ كيوم كذا؛ فلا ينبغي أن يجوز تأخيره عنه؛ لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الأداء (2) فيه بدون مطالبة (3) فإن تعيين (4) الوفاء فيه أوَّلًا كالمطالبة به (5)، وأما إن كان الدين للَّه عز وجل؛

(1) في (ب): "وفاءً"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (ب): "الوفاء"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (أ): "مطالبته".

(4)

في المطبوع و (ج): "تعين".

(5)

الحقوق الواجبة إما دين وإما عين، والدين لا يجب الوفاء به قبل المطالبة، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"مطل الغني ظلم"، والمطل بمعنى الممانعة، ولا ممانعة إلا بعد مطالبة، وذكر المؤلف شرطًا لا بد منه وهو ألا يعيّن وقتًا للوفاء، أما إذا عين وقتًا للوفاء، فإذا جاء ذلك الوقت؛ وجب أن يؤديه، مثاله: قلت: خذ هذا الشيء بعشرة مؤجلة إلى الخامس عشر من الشهر، فإذا جاء الخامس عشر؛ وجب تأدية الدين، وإلا؛ لكان تعيينه اليوم عبثًا لا فائدة منه. (ع).

قلت: حديث "مطل الغني ظلم" أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الحوالة،=

ص: 287

فالمذهب أنه يجب أداؤه على الفور؛ لتوجه الأمر بأدائه من اللَّه عز وجل، ودخل في ذلك الزكاة والكفارات والنذور (1)، وقد نص أحمد على إجبار المظاهر على الكفارة في رواية ابن هانئ (2).

وأما العين؛ فأنواع (3):

- (منها): الأمانات التي حصلت في [يد](4) المُؤْتَمَن برضى صاحبها؛ فلا يجب أداؤها إلا بعد المطالبة منه، ودخل في ذلك الوديعة

= باب وهل يرجع في الحوالة، رقم 2287، وباب إذا حال على مليء فليس له رد، رقم 2288، وكتاب الاستقراض، باب مطل الغني ظلم، رقم 2400)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغنى، رقم 15643)، وغيرهما؛ عن أبي هريرة مرفوعًا.

(1)

في (ب): "النذر"، ولعل الصواب ما أثبتاه.

(2)

انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ"(1/ 239).

(3)

إذا كان الدين للَّه، فإنه يجب أداؤه على الفور؛ لأنه إما مؤقت بزمن، وإما محدد بسبب، فإذا جاء ذلك الزمن؛ فمعناه أن اللَّه عز وجل يقول: أدِّه، وإذا جاء ذلك السبب؛ فمعناه أن اللَّه عز وجل يقول: أدِّه، فمثلًا: الزكاة مؤقتة بزمن، فكأن اللَّه عز وجل يقول: إذا جاء ذلك الوقت وهو تمام الحول؛ فأدِّ الزكاة، والكفارات محددة بسبب، فإذا وجب سبب الكفارة؛ وجب أداؤها فورًا، لكن من الكفارات ما يعلق بفعل ويشترط أن يتقدم هذا الفعل، بمعنى أنه يكون له سبب، ومع هذا تفعل قبل فعل آخر؛ فالظهار مثلًا هو سبب كفارته ويجب فعل الكفارة قبل المماسة، واليمين له كفارة ولها سبب؛ فسببها عقد اليمين وشرطها الحنث؛ فيجوز أن تؤديها قبل الحنث، وتسمى تَحِلّة، أو بعده وتسمى كفارة.

والحاصل أن الواجب أداؤه من الديون المحددة بوقت أو سبب وجب أداؤه في ذلك الوقت أو بوجود ذلك السبب، ولم يحدد؛ فإنه على التراخي، والدين هو ثبت في الذمة، سواء كان قرضًا أو ثمن مبيع. (ع).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 288

وكذلك أموال الشركة والمضاربة والوكالة؛ مع بقاء عقودها.

- (ومنها): الأمانات الحاصلة في يده بدون رضى أصحابها؛ فيجب المبادرة إلى ردها مع العلم بمستحقها والتمكن منه، ولا يجوز التأخير مع القدرة، ودخل في ذلك اللقطة (1) إذا علم صاحبها والوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المُؤتَمَن وانتقلت إلى وارثه؛ فإنه لا يجوز له الإمساك بدون إذن؛ لأن المالك لم يرض به وكذا (2) من أطارت الريح [إلى داره ثوبًا](3) لغيره لا يجوز له الإِمساك مع العلم بصاحبه (4).

ثم إن كثيرًا من الأصحاب قالوا ها هنا: الواجب الرد، وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين: إما الرد، أو الإعلام؛ كما في "المغني"(5) و"المحرر"(6) و"المستوعب"(7) ونحوه، ذكر [هـ](8) ابن عقيل، وهو مراد

(1) في نسخة (أ): "اللفظة"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في نسخة (ج): "وكذلك".

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"ثوبًا إلى داره" بتقديم وتأخير.

(4)

الأعيان الحاصلة فى يد غير مالكها برضا مالكها لا يلزم ردّها إليه إلا بعد المطالبة، مثل الوديعة والعارية والرهن والشركة والمضاربة. . . إلخ. (ع).

(5)

انظر: "المغني"(5/ 177/ 4009).

(6)

انظر: "المحرر"(1/ 372).

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

مؤلفه نصير الدين محمد بن عبد اللَّه السَّامِريّ (ت 616 هـ)، ضمن كتابه هذا كثيرًا من أمهات كتب المذهب؛ فقال في مقدمته (1/ 78 - 79): "فمن حصل كتابي هذا أغناه عن جميع هذه الكتب المذكورة؛ إذ لم أخل بمسألةٍ منها إلا وقد ضمّنْتُه حكمها، أو =

ص: 289

غيرهم؛ لأن مؤنة الرد لا تجب عليه، وإنما الواجب التمكين من الأخذ.

ثم إن الثوب هل يحصل في يده بسقوطه في داره من غير إمساك له أم لا؟

قال القاضي: لا يحصل في يده بذلك. وخالف ابن عقيل (1)، والخلاف هنا مُنَزَّل (2) على الخلاف فيما [حلَّ](3) في أرضه من المباحات؛ هل يملكها بذلك أم لا؟

وكذلك حكم الأمانات إذا فسخها المالك؛ كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة؛ يجب الرد على الفور لزوال الائتمان، صرح به القاضي في "خلافه"، وسواء كان الفسخ في حضرة الأمين أو غيبته، وظاهر كلامه أنه يجب فعل الرد، فإن العلم هنا حاصل (4) للمالك، وكذلك جعل ضمان الزكاة مبنيًّا على حصولها في يده بغير رضى المستحق، وأوجب عليه البداءة بالدفع، وقاسها على اللقطة ونحوها؛ فدل على أن فعل الدفع في

= ما فيها من الروايات وأقاويل أصحابنا"، ومدحه ابن بدران في "المدخل" (ص 217) بقوله: "هذا الكتاب أحسن متن صُنِّف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه"، وضبط اسمه بكسر العين المهملة "المستوعِب"، طبع منه قسم العبادات بتحقيق الشيخ مساعد بن قاسم الفالح عن مكتبة المعارف بالرياض في أربعة مجلدات.

(1)

الأملاك الحاصلة بدون رضا أصحابها، مثل اللقطة، فإذا علمتُ صاحبها؛ فإنه يجب عليّ أن أؤديها إليه فورًا بدون مطالبة؛ لأن بقاءها عدي بغير رضا صاحبها، ومنها إذا أطارت الريح إلى داري ثولًا، فإنه لا يجوز إمساكه مع العلم بصاحبه، وهذا يقع. (ع).

(2)

في نسخة (ب): "متنزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"حصل".

(4)

في نسخة (ج): "ها هنا".

ص: 290

هذه الأعيان عنده واجب، وعلى قياس ذلك الرهن بعد استيفاء الدين والعين المؤجرة بعد انقضاء المدة.

وذكر طائفة من الأصحاب في العين المؤجرة: أنه لا يجب علي المستأجر فعل الرد، ومنهم من ذكر في الرهن كذلك، وسيأتي في القاعدة التي تليها (1).

وأما الأعيان المملوكة بالعقود قبل تقبيضها؛ فالأظهر أنها من هذا القبيل؛ لأن المالك لم يرض بإبقائها في يد الآخر؛ فيجب التمكين من الأخذ ابتداءً بدليل أنه لا يجوز عندنا حبس المبيع على الثمن (2).

(1) خلاصة هذا أن الأعيان التي في يدك لغيرك إذا وقعت في يدك، فإن كان لا يعلم بها؛ وجب عليك أحد أمرين: إما الردّ، وإما الإعلام، ومثاله: ألقت الريح ثوبًا من بيت جارك إلى بيتك؛ فيجب عليك في هذه الحال إما الإعلام أو الرد، فإن حصلت هذه الأعيان بعلوا صاحبها وانتهى وقت الائتمان؛ فإنه يجب عليك الردّ دون الإِذن، مثل وديعة أودعتك إياها، فقال: خذ هذه الرديعة عندك حتى أرجع من الحج، فرجع؛ فيجب عليك على ظاهر كلام القاضي أن تحمل الوديعة إليه حتى وإن كانت تحتاج إلى مؤونة، ولكن الصحيح أنه لا يجب عليه الردّ، بل إذا علم صاحبها بأنها عندك؛ فهو الواجب، أي الإِعلام، ومتى جاء أخذها؛ إلا إن غلب على الظن أنه علم بأنه عندي ثم نسي؛ فحينئذ الواجب الردّ، ومن ذلك الرهن، فإذا أوفى صاحب الرهن الدين؛ انفك الرهن؛ فهل يبقى الرهن عند المرتهن، أم بجب الردّ؟

لا، لا يجب على القول الراجح، ولكن الواجب أن يُمكن منه إذا طلبه. (ع).

(2)

حبس المبيع على ثمن معناه أنه إذا بعت عليك هذا الكتاب بعشرة، فقلت: أعطني الكتاب، فأقول: ما أعطيك الكتاب حتى تسلمني الثمن؛ فالمذهب لا يجوز، والقول الثاني أنه يجوز حبس المبيع على ثمنه، فأقول: هات الثمن حتى أعطيك الكتاب، وهذا هو الصحيح. (ع).

ص: 291

وذكر ابن عقيل في الصداق: أنه إذا تلف قبل المطالبة أو بعدها [و](1) قبل التمكن (2) من الأداء، أنه لا يضمن؛ كسائر الأمانات، وقاسه على من أطارت الريح إلى داره ثوبًا.

وهذا الكلام فيه نظر؛ فإن الثوب لا يقف ضمانه على المطالبة، لكن مراده -واللَّه أعلم- أن العلم يكفي، فمتى كان المالك عالمًا ولم يطلب؛ فلا ضمان إذا لم يكن مؤنة الرد واجبة على من هو عنده، وهذا أحسن (3).

- (ومنها): الأعيان المضمونة؛ فتجب المبادرة إلى الرد بكل حال، وسواء كان حصولها في يده بفعل مباح أو محظور أو بغير فعله:

فالأول: كالعواري يجب ردها إذا استوفى منها الغرض المستعار له. قاله الأصحاب، وهذا إذا انتهى قدر الانتفاع المأذون فيه متوجه، وسواء طالب المالك أو لم يطالب؛ لأنها من قبيل المضمونات؛ فهي شبيهة (4) بالمغصوب، وكذلك (5) حكم المقبوض للسوم، ويستثنى من ذلك المبيع المضمون على بائعة؛ فلا يجب عليه سوى تمييزه وتمكين المشتري من قبضه؛ لأن نقله على المشتري دون البائع.

والثاني: كالمغصوب والمقبوض بعقد فاسد ونحوهما.

والثالث: كالزكاة إذا قلنا تجب في العين؛ فتجب المبادرة إلى الدفع

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(2)

في (أ): "التمكين".

(3)

في (ب): "حسن".

(4)

في (ب): "شبيه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ب): "وكذا".

ص: 292

إلى المستحق مع القدرة عليه من غير ضرر؛ لأنها من قبيل المضمونات عندنا، وكذلك الصيد إذا أحرم وهو في يده أو حصل في يده بعد الإحرام بغير فعل منه (1).

* * *

(1) قوله الأول والثاني والثالث هذا تفسيره بأن يقال: سواء كان حصولها في يده بفعل مباح؛ كالعاريّة، أو محظور، كالمعضوب، أو بغير فعله؛ كالزكاة، والأعيان المضمونة كل ما يجب على من هي يده ضمانها؛ فهي أعيان مضمونة، مثل المقبوض للسوم، ومثل المعضوب، ومثل العارية على المذهب، وهكذا. (ع).

ص: 293

(القاعدة الثالثة والأربعون)

فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد (1).

القابض لمال غيره لا يخلو؛ إما [أن يقبضه](2) بإذنه أو بغير إذنه، فإن قبضه بغير إذنه، فإن استند إلى إذن شرعي كاللقطة؛ لم يضمن، وكذا إن استند إلى إذن عرفي كالمنقذ لمال غيره من التلف ونحوه، وحكي في "التلخيص" وجهًا بضمان هذا، وفيه بعد.

ونصَّ أحمد على أن من أخذ عبدًا آبقًا ليرده، فأبق منه؛ فلا ضمان عليه، لكن قد يقال: هنا إذن شرعي في أخذ الآبق لرده، وإن خلا عن ذلك كله؛ فهو متعد، وعليه الضمان في الجملة، هذا إذا كان أصل القبض غير مستند إلى إذن (3)، أما إن وجد استدامة قبض من غير إذن في الاستدامة؛ فها هنا ثلاثة أقسام (4):

(1) هذا هو عنوان القاعدة، أي يقال: القاعدة فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد.

(2)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يقضبه".

(3)

في (ج): "إذا كان أصل القبض مستند إلى غير إذن".

(4)

القابض لمال غيره إما أن يكون بإذن أو بغير إذن، والإِذن إما أن يكون شرعًّا أو عرفيًّا أو لفظيًّا، مثال: الإذن الشرعي اللقطة، فإن المال حصل في يده بغير إذن له وبغير إذن عُرفي، ولم يبق إلا الإذن الشرعي، والإذن العرفي هو ما حصل عند الإنسان لإنقاذه، =

ص: 294

(أحدها): أن يكون عقد على ملكه عقدًا لازمًا ينقل الملك فيه ولم يقبضه المالك بعد، فإن كان ممتنعًا من تسليمه؛ فهو غاصب؛ إلا حيث يجوز الامتناع من التسليم؛ كتسليم العوض على وجه، أو لكونه رهنًا عنده، أو لاستثنائه منفعته مدة، و [أما](1) إن لم يكن ممتنعًا من التسليم، بل باذلًا له؛ فلا ضمان عليه على ظاهر المذهب (2)؛ إلا أن يكون المعقود

= مثاله: وجدت لصًّا يريد أن يأخذ ماشية هذا الرجل، فاستنفذتها منه واستوليت عليها؛ فهذا إذن عرفي، ولو وجدت الماء قد جرى ليجترف مال هذا الرجل فأخذت هذا المال لئلا يجرفه السيل؛ فإنه لم يأذن لك، وهذا إذن عُرفي، وعندي أن هذا النوع من الاستيلاء عرفي شرعي، شرعي لأنك مأمور بإنقاذ مال غيرك، وعرفي لأن صاحب المال لو قلت له: هل تأذن لي أن أنقد مالك من التلف؛ لقال نعم ويشكرني على ذلك، وبعدم الإنقاذ ألام على ذلك.

والحاصل أن الإذن في قبض مال الغير ثلاثة أقسام: إذن لفظي، وإذن شرعي، وإذن عرفي، وإذا كان القابض إنما قبض بإذن (أي: لفظي أو عرفي أو شرعي)، فهل يضمن القابض أو لا؟

يقول: إنه لا يضمن إلا إذا تعدَّى أو شرط. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(2)

إذا عقد على ملكه عقدًا لازمًا؛ كالبيع، ولم يقبض المشتري بعد، فإن كان ممتنعًا عن تسليمه (أي: البائع)؛ فهو غاصب، ويترتب عليه ما يترتب على الغاصب من الضمان، مثاله: اشترى مني سيارة شراءً لا زمًا، فهنا يجب عليّ أن أسلم السيارة له بطلبه، فإن امتنعت؛ فأنا غاصب أضمن كل ما يحصل من ضرر على هذه السيارة، سواء كان بتفريط مني أو غير تفريط، وأضمن كذلك أجرة السيارة؛ لأنها بقيت عندي بغير إذن. لا من المالك ولا من الشرع ولا من العرف، ويقول المؤلف: إلا أن يمتنع عن تسليم العوض على وجه آكد على قول، أي هناك قول بجواز الامتناع عن تسليم المبيع حتى تقبض العوض، وهو ما يُعبر عنه بحبس المبيع على ثمنه، أو لكونه رهنًا عده، أي لما باع البائع السلعة قال للمشتري: أنا أريدها رهنًا عندي حتى تعطيني الثمن؛ فصار بقاؤها عندي عند ذلك بحق =

ص: 295

عليه مبهمًا لم يتعين بعد؛ كقفيز من صبرة، فإن عليه ضمانه في الجملة (1) وبماذا يخرج من ضمانه.

قال الخرقي والأصحاب: لا يزول ضمانه بدون قبض المشتري، وهل يحصل القبض بمجرد التخلية مع التمييز، أو لا يحصل بدون النقل فيما ينقل؟

على روايتين، فإن اعتبرنا النقل؛ امتد الضمان إليه.

وهل يسقط بتفريط المشتري في النقل؟

على وجهين:

أشهرهما: أنه يسقط به (2).

والثاني: لا يسقط حتى يوجد النقل بكل حال.

وذكر القاضي في "خلافه" في مسألة الجوائح أنه ظاهر كلام أحمد، وفيه بعد، ثم وجدته منصوصًا [صريحًا](3) عن أحمد في الثمرة المشتراة قبل صلاحها بشرط القطع إذا أخرها المشتري حتى تلفت بجائحة قبل

= أو لاستثناء منفعته مُدّة، مثل أن أقول: بعت عليك هذه السيارة وأستثني منفعتها لي عشرة أيام، والمقصود هنا أن بقاءها عندي كان بإذن. (ع).

(1)

إن كان باذلًا له، فلا ضمان عليه في ظاهر المذهب؛ إلا أن يكون المعقود عليه مبهمًا، كقفيز من صُبْرة، والقفيز مكيال، والصُبْرة الكومة، فإذا بعت عليك قفيزًا من هذه الصبرة؛ فهل علىّ ضمانه؟

نعم؛ لأنه مبهم، ولم يتعين ملكي في هذه الصُبْرة، بل لي منها قفيز. (ع).

(2)

لأن المفرط في هذه الحالة هو المشتري.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 296

صلاحها: أنها من ضمان البائع؛ معللًا بأنها في ملك البائع وفي [حكمه](1). نقله عنه الحسن بن ثواب (2)، وإن اعتبرنا التخلية مع التمييز، وهو الصحيح؛ فلأنه يحصل به التمكن من القبض، ولهذا ينتقل الضمان في بيع الأعيان المتميزة بمجرد العقد على المذهب؛ لحصول التمكن من القبض، ولعل اشتراط النقل إنما يخرج على الرواية الأخرى، وهي ضمان جميع الأعيان قبل القبض؛ فلا ينتقل الضمان هنا إلا بحقيقة القبض دون التمكن منه، والأول أظهر؛ لأن الذي يجب على البائع التمييز والتخلية، وهو التسيلم، فأما (3) النقل؛ فواجب على المشتري؛ لأن فيه تفريعًا لملك البائع من ماله، فيكون بتركه مفرطًا، فينتقل الضمان إليه، ويشهد له شراء (4) الثمر في رؤوس النخل، فإن الضمان ينتقل فيه بمجرد انتهاء الثمر إلى أوان أخذه وصلاحيته له، سواء قطعه المشتري أو لم يقطعه على الصحيح، ولكن هل يعتبر لانتقال الضمان التمكن من القطع [أو](5) لا؟

(1) كذا في المطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب):"نخله"، وفي (ب):"محله".

(2)

هو الحسن بن ثواب بن علي الثّعلبي المخرّمي، كان شيخًا جليلَ القدر، وكان له بالإمام أحمد أُنْسٌ شديدٌ، وكان عنده عنه جزءٌ كبيرٌ فيه مسائلٌ كبارٌ، لم يجيء بها غيره، مات سنة ثمان وستين ومئتين.

ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 131)، و"المنهج الأحمد"(1/ 235) ، و"المقصد الأرشد"(1/ 317)، و"تاريخ بغداد"(7/ 291).

(3)

في (ج): "وأما".

(4)

في (أ): "بشراء"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"أم".

ص: 297

خرجها ابن عقيل على وجهين من الزكاة، ورجَّح عدمَ اعتبار التَّمكّن، والذي عليه القاضي والأكثرون اعتبار التمكن من النقل في جميع الأعيان؛ فلا يزال في ضمان البائع حتى يحصل تمكن المشتري من النقل.

وصرح ابن عقيل بخلاف ذلك، وأنه يضمن الأعيان المتميزة بمجرد العقد، سواء تمكن من القبض أو لم يتمكن، كما قال في مسألة الجوائح، وكذلك حكم المملوك بصلح أو خُلْع أو صَدَاق (1).

(القسم الثاني): أن يعقد عليه عقدًا وينقله إلى يد المعقود له، ثم ينتهي العقد أو ينفسخ، وهو نوعان:

(أحدهما): أن يكون عقد معاوضة؛ كالبيع إذا انفسخ بعد قبضه بعيب أو خيار، والعين المستأجرة إذا انتهت المدة أو العين التي أصدقها

(1) إذا باع إنسان ثمرة النخل على رؤوس النخل، وتلفت هذه الثمار؛ فإنها من ضمان البائع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا بعت لأخيك ثمرًا فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا" الحديث، ولكن إذا أوصلت إلى أوان الأخذ وفرط المشتري بترك أخذها؛ فإنه لا ضمان على البائع حينئذ، وكذلك إذا كانت الثمرة مما يؤخذ رطبًا وفرط المشتري في أخذه رطبًا؛ فإنه لا ضمان على البائع، والخلاصة أن نقول: إن الأعيان المتميزة التي تنتقل عن مالكها انتقالًا لازمًا تكون من ضمان المشتري، لكن هل يشترط الثمن من القبض أو لا؟

على قولين، أكثرهم على اشتراطه، أما الأشياء المهمة؛ فإنها من ضمان البائع لأنها لم تتميز للمشتري حتى تكون من ضمانه. (ع).

قلت: أخرج مسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، 3/ رقم 1554) عن جابر بن عبد اللَّه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لو بعْتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحةً؛ فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مالَ أخيك بغير حقٍّ؟! ".

ص: 298

المرأة وأقبضها ثم طلقها قبل الدخول.

(والثاني): أن يكون [فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد](1) غير معاوضة؛ كعقد الرهن إذا وفى الدين، وكعقد الشركة والمضاربة والوديعة والوكالة إذا فسخ العقد والمال في أيديهم.

فأما عقود المعاوضات؛ فيتوجه فيها للأصحاب وجوه:

(أحدها): أن حكم الضمان بعد زوال العقد حكم ضمان المالك الأول قبل التسليم، فإن كان مضمونًا عليه؛ كان بعد انتهاء العقد مضمونًا له، وإلا؛ فلا، وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب "الكافي"(2) في آخرين اعتبارًا لأحد الضمانين بالآخر، فعلى هذا إن كان عوضًا في بيع أو نكاح، وكان متميزًا؛ لم يضمن على الصحيح، وإن كان غير متميز؛ ضمن، وإن كان في إجارة؛ ضمن (3) بكل حال.

(والوجه الثاني): إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من هو في يده؛ كفسخ المشتري، أو يشارك فيه الآخر؛ كالفسخ منهما؛ فهو ضامن له لأنه [تسبب](4) إلى جعل ملك غيره في يده، وإن استقل به الآخر؛ كفسخ البائع وطلاق الزوج؛ فلا ضمان لأنه حصل في يد هذا بغير سبب منه ولا عدوان، فهو كما لو ألقى ثوبه في داره بغير أمره.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(2)

انظر: "الكافي"(2/ 227/ 233).

(3)

في (أ): "يضمنه"، ولعل المناسب ما أثبتناه.

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"بسبب".

ص: 299

وهذا الوجه ظاهر ما ذكره صاحب "المغني"(1) في مسألة الصداق، وعلى هذا يتوجه (2) ضمان العين المؤجرة بعد انتهاء المدة؛ لأنه تسبب إلى رفع العقد مع المؤجر، ووجهه أن الإذن في القبض إنما كان لازمًا [لوجوب](3) الدفع للملك، ولهذا [يملك](4) المشتري والمستأجر أخذه بدون إذنه، فبعد زوال الملك لا يوجد إذن سابق ولا لاحق، ولو قدر وجود الإذن في القبض؛ فإنما أذن في قبض ما ملك عليه؛ فلا يكون إذنًا في قبض ملكه، وهو:

(والوجه الثالث): حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله، فإن كان مضمونًا؛ فهو مضمون، وإلا؛ فلا يكون (5) البيع بعد فسخه مضمونًا؛ لأنه كان مضمونًا على المشتري بحكم العقد، [فلا](6) يزول الضمان بالفسخ، صرح بذلك القاضي في "خلافه".

ومقتضى هذا ضمان الصداق على المرأة، وهو ظاهر كلام صاحب "المحرر"(7)، وأنه لا ضمان في الإِجارة؛ لأن العين لم تكن مضمونة (8) من

(1) انظر: "المغني"(7/ 177/ 5588).

(2)

في (أ): "فيتوجه".

(3)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"للوجوب".

(4)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"يتملك".

(5)

في نسخة (أ): "فيكون"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"ولا".

(7)

انظر: "المحرر"(2/ 36).

(8)

في (ج): "لم تكن فيها مضمونة".

ص: 300

قبل، وصرح بذلك القاضي وغيره (1) يُوجَّه بأنَّ المبيع (2) والصداق إنما أقبضه لانتقال ملكه [عنه، بخلاف العين المستأجرة؛ فإنه أقبضها مع علمه بأنها ملكه](3)؛ فكان إذنًا في قبض ملكه، بخلاف الأول؛ حتى قال القاضي وأبو الخطاب: لو عجل أجرتها، ثم انفسخت قبل انتهاء المدة؛ فله حبسها حتى يستوفي الأجرة، ولا يكون ضامنًا.

(والوجه الرابع): أنه لا ضمان في الجميع، ويكون المبيع بعد فسخه أمانةً محضةً، صرح بذلك أبو الخطاب في "الانتصار"؛ لأنه حصل تحت يده ملك غيره بغير عدوان، فلم يضمنه كما لو أطارت الريح إليه ثوبًا، وكذلك إختاره القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الصداق بعد الطلاق"(4).

(والوجه الخامس): التفريق بين أن ينتهي العقد أو يطلق الزوج، وبين أن ينفسخ العقد.

(1) في (ب) و (ج): "وصرح القاضي وغيره بذلك".

(2)

في (ج): "العين".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

الظاهر أن هذا هو أصح الأقوال، وأصل المسألة مثاله: بعت عليك ثوبًا، وتبين أن فيه عيبًا؛ فللمشتري الفسخ، فأبلغني المشتري بفسخ العقد، وبقي الثوب عده يومًا أو يومين ولم آخذه منه فتلف؛ فالصحيح أنه في هذه الحال لا يضمن لأن وجوده بيده كان بإذن مالكه، فليس معتديًا حتى يضمن، وهكذا العين المؤجرة، فأجرتني سيارة لمدة يومين، وأبقيت السيارة عدي فتلفت؛ فلا ضمان علي لأن وجودها بيدي كان بإذن المالك، فلم أكن معتديًا، والحاصل أن الوجه الرابع هو أحسن الأقوال، نعم، لو أن صاحبه طالبه به، فامتنع؛ فإنه ضامن في هذه الحال. (ع).

ص: 301

ففي الأول يكون أمانة محضة؛ لأن حكم [المُلْك](1) ارتفع وعاد ملكًا للأول.

وفي الفسخ يكون مضمونًا؛ لأن الفسخ يرفع حكم العقد بالكلية؛ فيصير [مقبوضًا](2) بغير عقد أو على وجه السوم في صورة البيع، وممن صرح بذلك الأزجي في "النهاية" وصاحب "التلخيص"، وهو ظاهر كلام ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب، وصرح بأنه يضمن نقصه (3) فيما قبل الفسخ وبعده بالقيمة لارتفاع العقد، [ويصيره](4) مقبوضًا على وجه السوم.

ونقل الأثرم عن أحمد فيمن دفع إلى آخر دينارًا من شيء كان له عليه، فخرج فيه نقض، فقال للدافع: خذه وأعطني غيره. فقال: أمسكه معك حتى أبدله لك. فضاع الدينار، فقال: ما أعلم عليه شيئًا، إنما هو السَّاعةَ مُؤْتَمَن؛ فيحتمل أنه يكون مراده أن المفسوخ بعيب بعد فسخه أمانة، ويحتمل -وهو الأظهر- أن يكون [إنما](5) جعله أمانة لأمر المعطى [لإِمساكه](6) له؛ فهو كإيداعه منه.

(والنوع الثاني): عقود [الأمانات](7)؛ كالوكالة والوديعة والشركة

(1) في المطبوع و (ج): "المالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

كذا في جميع النسخ، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"مضمونًا".

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب):"بقبضه".

(4)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"ويصير".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"بإمساكه".

(7)

كذا في جميع النسخ، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"الشركات".

ص: 302

والمضاربة والرهن؛ إذا انتهت أو انفسخت، والهبة إذا رجع فيها الأب أو قيل بجواز فسخها مطلقًا؛ كما أفتى به الشيخ تقي الدين (1)؛ ففيها وجهان:

(أحدهما): أنها غير مضمونة، صرح به القاضي وابن عقيل في الرهن، وأنه لا يجب رده إلى صاحبه استصحابًا للإِذن السابق والائتمان، كما صرحوا به في الإِجارة، وكذلك صرح به القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما" في بقية العقود المسماة، وأنها تبقى أمانة كما لو أطارت الريح إلى داره ثوبًا، وهذا (2) يحتمل أنه مع علم المالك بالحال لا يجب الدفع؛ لأن الواجب التمكين (3) منه لا حمله إليه كما تقدم.

والفرق بين عقود الأمانات المحضة والمعاوضات: أن المعاوضات تضمن بالعقد وبالقبض، فإذا كان عقدها مضمنًا (4)؛ كان فسخها كذلك، وعقود الأمانات لا تُضمن بالعقد، فكذلك بالفسخ (5).

(والوجه الثاني): أنه يصير مضمونًا إن لم يبادر إلى الدفع إلى المالك؛ كمن أطارت الريح إلى داره ثوبًا، وصرح به القاضي في موضع آخر من "خلافه" في الوديعة والوكالة، وكلام القاضي وابن عقيل يشعر بالفرق بين الوديعة والرهن (6)؛ فإنهما عللا كون الرهن أمانة بأنه أمانة

(1) انظر: "القواعد النورانية"(ص 114)، و"مجموع الفتاوى"(31/ 283).

(2)

في المطبوع و (ب): "وثوبًا هذا"، وفي (ج):"ثوبًا هذا" والمثبت من (أ).

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي المطبوع:"التمكن".

(4)

في نسخة (ج): "مضمونًا".

(5)

ولكن يقال: إن كان العقد مضمنًا؛ كان الفسخ كذلك، وهذا في نظر؛ لأنّ الفسخ ما دام أن هذه بقيت في يده بإذن صاحبها، فإنه لا ضمان عليه. (ع).

(6)

في نسخة (ب): "الرهن والوديعة" بتقديم وتأخير.

ص: 303

ووثيقة، فإذا زالت الوثيقة بقيت الأمانة، كما لو كان عنده وديعة فأذن له في بيعها ثم نهاه، وهذا التعليل مقتضاه الفرق بين الوديعة وبين الشركة والمضاربة والوكالة؛ لأن هذه العقودَ كلها مشتملةٌ على ائتمان وتصرف، فإذا زال التصرف بقي الائتمان، بخلاف الوديعة؛ فإنه ليس فيها غير ائتمان مجرد، فإذا زال صار ضامنًا، وحكم المغصوب إذا أبرأ المالِكُ الغاصِبَ (1) من ضمانها كما ذكرنا.

(القسم الثالث): أن تحصل في يده بغير فِعْلِه؛ كمن مات مَورُوثه وعنده وديعة أو شركة أو مضاربة فانتقلت إلى يده؛ فلا يجوز له الإمساك بدون إعلام المالك كما سبق؛ لأن المالك لم يأتمنه.

وقد نص أحمد في رواية ابن هانئ (2) في الرهن: أنه لا يقر في يد الوصي حتى يقره الحاكم في يده، فإن تلفت تحت يده قبل التمكن من الأداء؛ فلا ضمان لعدم التفريط، وكما (3) لو تلفت اللقطة قبل ظهور المالك.

ويتخرج وجه آخر بالضمان كما خرجه ابن عقيل في البيع، وإن تلفت بعده؛ فالمشهور الضمان؛ لتعديه بترك الرد مع إمكانه وهو غير مؤتمن.

وحكى صاحب "المقنع"(4) وجهًا آخر، وأشار إليه صاحب

(1) في نسخة (ج): "المالك والغاصب"، والصَّوابُ ما أثبتناه.

(2)

(2/ 49/ رقم 1382).

(3)

في (ج): "وكذا لو".

(4)

انظر: "المقنع"(4/ 257 - 258 - مع شرحه "المبدع").

ص: 304

"التلخيص": أنه لا ضمان، ويكون أمانة عنده؛ كما لو انقضت مدة الإِجارة ثم تلفت العين عند المستأجر، ولينهما فرق؛ فإن المستأجر مستصحب للإِذن [له](1) في القبض، بخلاف هذا، وكذلك حكم من أطارت الريح إلى بيته ثوبًا كما سبق، [وفي كلام ابن عقيل وأبي الخطاب في الثوب لا يجب دفعه بدون العلم والمطالبة](2).

ووقع في بعض كلام القاضي أنها أمانة عنده، ولعل مراده مع علم المالك وإمساكه عن المطالبة؛ فيكون تقريرًا، ولو دخل حيوان لغيره أو عبد له إلى داره؛ فعليه أن يخرجه ليذهب كما جاء؛ لأن يده لم تثبت عليهما، بخلاف الثوب، ذكره ابن عقيل.

فصل

وأما ما قبض من مالكه بعقد لا يحصل به الملك (3)؛ فثلاثة أقسام:

(أحدها): ما قبضه أخذه لمصلحة نفسه كالعارية؛ فهو مضمون في ظاهر المذهب، قالوا: لأن الإِذن إنما تعلق بالانتفاع وقبض العين وقع من حيث اللزوم؛ فهو كقبض المضطر مال غيره لإِحياء نفسه لا يسقط عنه الضمان؛ لأن إذن الشرع تعلق بإحياء نفسه، وجاء الإذن في الإِتلاف من باب اللزوم، ولو وهبه شقصًا من عين ثم أقبضه العين كلها.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب)، وفي (أ):"بدون علم ومطالبة" بدل قوله في (ج): "بدون العلم والمطالبة".

(3)

في نسخة (ج): "المالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 305

ففي "المجرد" و"الفصول" يكون نصيب الشريك وديعة عنده، واستدرك ذلك ابن عقيل في "فنونه" وقال: بل هو عارية، حيث قبضه لينتفع به بلا عوض. وهذا صحيح إن كان أذن له في الانتفاع به مجانًا، أما إن طلب منه أجرة؛ فهي إجارة وإن لم يأذن [له](1) في الانتفاع، بل في الحفظ؛ فوديعة، ولو قال أحد الشريكين للعبد المشترك: أنت حبيس على آخرنا موتًا؛ لم يعتق لموت (2) الأول منهما، ويكون في يد الثاني (3) عارية، فإذا مات؛ عتق، ذكره القاضي في "المجرد"(4).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

في (أ): "بموت".

(3)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب):"الباقي".

(4)

فلو أعرتك منشفة فاستعملتها، ومع طول الاستعمال تلف الخَمَلُ وهو هدبها؛ فهل يُضمن ذلك أو لا؟

الجواب: لا تضمن، ولو أعرتني قلمًا فتلف بالكتابة به؛ فهل يُضمن؟

لا أضمنه؛ لأنه تلف بنفس العمل الذي أعرتني إياه من أجله، أما إذا تلفت بغير ذلك؛ فإنها مضمونة في ظاهر المذهب، مثل: أعرتني ساعة لمدة عشر أيام، فانكسرت الساعة؛ فعليّ الضمان، ولو أعرتني سيارة فاحترقت؛ فعلي الضمان، ولو أعرتني بهيمه فماتت؛ فعليّ الضمان، وهذا ظاهر المذهب، سواء كان بِتَعَدٍّ أو تفريط أو لم يكن، وتعليل ذلك عندهم: قالوا: لأن الإذن إنما تعلق بالانتفاع. . . إلخ.

فيقال أولًا: هذا القياس فيه نظر؛ لأن استعمال المضطر مال غيره ليس بإذن مالكه، بل هو بإذن الشرع، والشرع إنما أباح لي هذا مع الاحتفاظ بحق صاحبه؛ فالصحيح أن العارية لا تضمن الا بالتعدي أو التفريط، سواء هذا في العقد المطلق، فأما إذا اشترط المعير على المستعير أن يضمن العارية؛ فهل يصح هذا الشرط أو لا؟

الجواب: يصح؛ لأن المستعير هو الذي التزم بذلك، وعليه؛ فإن الصحيح أن يقال: إن العاريّة لا تضمن إلا بتعد أو تفريط أو شرط. (ع).

ص: 306

(القسم الثاني): ما أخذه لمصلحة مالكه خاصة؛ كالمودع؛ فهو أمين محض، لكن إذا تلفت الوديعة من بين ماله؛ ففي ضمانه خلاف؛ فمن الأصحاب من يبنيه على أن قوله: هل يقبل في ذلك أم لا، ومنهم من يقول: تلفها من بين ماله أمارة على تفريطه فيها.

وقد فرق أحمد بين العارية والوديعة بأن اليد في العارية آخذة وفي الوديعة [معطاة](1)، وهو يرجع إلى تعيين جهة المصلحة فيهما، وكذلك الوصي والوكيل بغير جعل، حتى لو كان [له دين و](2)[لآخر](3) عليه دين، فوكله في قبض دينه (4) وأذن له أن يستوفي حقه منه، فتلف المال قبل استيفائه؛ فإنه لا يضمنه، نص عليه أحمد في رواية مثنى الأنباري (5).

(القسم الثالث): ما قبضه لمنفعة تعود إليهما، وهو نوعان:

أحدهما: ما أخذه على وجه الملك فتبين فساده، أو على [وجه](6) السوم.

فأما الأول؛ فهو المقبوض بعقد فاسد، وهو مضمون في المذهب؛

(1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"معاطاة".

(2)

و (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في المطبوع و (ب): "مال له".

(5)

فلو دفعت مالي لشخص يحفظه، فتلف المال عنده؛ فالمذهب -وهو الصحيح- أنه لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط، وقول ثانٍ: أنه ليس عليه ضمان إلا إذا تعدى أو فرط أو تلفت من بين ماله، أي تلفت هي ومالي لم يتلف؛ لأنها إذا تلفت من بين ماله يدل على التفريط. (ع).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 307

لأنه قبضه على وجه الضمان ولا بد، ونقل ابن مشيش وحرب عن أحمد ما يدل على أنه غير مضمون؛ كالمقبوض على وجه السوم، وكذلك صرح بجريان الخلاف فيه ابن الزاغوني في "فتاويه"(1)، ونقل حنبل عن أحمد في الهبة للثواب (2): إن أراد ردها على صاحبها وقد نقصت بغير استعماله؛ لم يضمن النقص، وشبهه بالرهن وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدًّا، وقد رده (3) أبو البركات في "تعليقه على الهداية"، ثم اختار هو تخريجه على أن الهبة للثواب يغلب فيها حكم الهبات، ومن حكم الهبة أن لا يضمن نقصها. قال: ولازم هذا أن نقول: لا يضمن قيمتها إذا (4) تلفت بغير تعد. قال: وهذا عندي أحسن الوجوه. [قال](5): ومع هذا؛ ففيه نظر، وهو كما قال؛ لأنه لو كان كذلك؛ لما فرق بين أن تنقص (6) بفعله أو بغير فعله، ولما صح [تشبيهُهُ](7) بالرهن، ويحتمل عندي تخريجه على أحد وجهين:

إما أن يكون على أن الهبة بالثواب المجهول فاسدة، فيكون ذلك

(1) صاحبه هو علي بن عُبيد اللَّه بن نصر بن السري، أبو الحسن المعروف بابن الزَّاغُوني.

له ترجمة في: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 180 - 184)، و"السير"(19/ 605 - 607).

(2)

في (ب): "الثواب".

(3)

في نسخة (ج): "ذكره"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في نسخة (أ): "إن".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في (ج): "ينقص".

(7)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"تشبهه".

ص: 308

موافقًا لما روي عنه في المقبوض بعقد فاسد: أنه غير مضمون.

وإما على أنها صحيحة، وهو الأظهر لقوله، ثم أراد رده إلى مالكه؛ فدل على أن له إمساكه، وذلك لا يكون إلا مع الصحة.

فعلى هذا إنما لم يضمنه النقص؛ لأن الهبة للثواب لا تملك بدون دفع العوض، وكذلك (1) شبهها بالرهن، وسنزيده إيضاحًا في المقبوض بالسوم إن شاء اللَّه [تعالى](2).

وأما المقبوض على وجه السوم؛ فمن الأصحاب من يحكي في ضمانه روايتين، سواء أخذ بتقدير الثمن أو بدونه، وهي طريقة القاضي وابن عقيل، وصحح الضمان؛ لأنه مقبوض على وجه البدل والعوض؛ فهو كالمقبوض بعقد فاسد (3)، ثم إن كان لم يُقَدِّر الثمن ضَمِنَهُ بقيمته، وإلا؛ فهل

(1) في (ج): "ولذلك".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

المقبوض لمنفعة الطرفين بعقد فاسد، مثاله: لو بعتك شيئًا بعد أذان الجمعة الثاني؛ فإن البيع بعد الأذان الثاني ممن تلزمه الجمعة فاسد؛ فلا يحل للبائع أن يتصرف في الثمن ولا للمشتري أن يتصرف في المبيع، لكن هل هو مضمون أو غير مضمون؟

المذهب أنه مضمون؛ لأن الملك لم ينتقل فيه؛ فهو مضمون عليك عينه ومنفعته؛ فالمنفعة إن كان مما يؤجر، مثاله: لو أنني بعت عيك بيتًا بعد نداء الجمعة الثاني؛ فالبيع باطل، فالبيت على ملكي أنا، فعلى المذهب تلزم بأجرته؛ فنقول: إذا بقي عنده سنة؛ فيلزم بأجرة البيت سنة، وإن نقص اليت أو تلف فيه شيء؛ ضمن التلف أو النقص، وأنا أريد الثمن، وإن تصرفت فيه؛ فالربح بيني وبينه. (ع).

قلت: وفي هذا نظر، أعني الاشتراك في الربح، هذا هو المذهب، ونقل بعض أصحاب أحمد أنه كالمقبوض على وجه السَّوْم.

ص: 309

يضمنه بالقيمة أو بالثمن المقدر؟

على وجهين، ذكرهما ابن عقيل، وقال ابن أبي موسى: إن أخذه مع تقدير الثمن ليريه أهله، فإن رضوه؛ ابتاعه؛ فهو مضمون بغير خلاف، وكذلك إن ساوم صاحبه [به](1) ولم يقطع ثمنه وأخذه ليريه أهله، وإن أخذه بإذن مالكه من غير سوم ولا قطع ثمن ليريه أهله، فإن رضوه؛ وَزَنَ ثمنه؛ ففيه روايتان أيضًا، أظهرهما أنه غير مضمون [عليه](2).

وجعل السَّامُرِيُّ الضمان فيما قطع ثمنه مبنيًّا على أنه بيع بالمعاطاة بشرط الخيار، وهذا يدل على أنه يجرى فيه الخلاف إذا قلنا: لم ينعقد البيع بذلك.

وفي كلام أحمد إيماء إلى ذلك؛ لأنه علل الضمان في رواية ابن منصور بأنه ملكه، وعلل في رواية غيره انتفاء الضمان فيما إذا لم يقطع ثمنه بأنه ملك للبائع بعد حتى يقطع (3) ثمنه فَفُهِمَ منه أنه مع القطع ينتقل الملك فيه إلى المشتري، ويؤخذ من ذلك أن المقبوض بعقد فاسد لا يضمن [أيضًا](4) لبقاء الملك فيه لمالكه.

وكذلك فرق بين أن يكون المأخوذ سلعتين ليختار أيتهما (5) شاء فلا

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في (ج): "ينقطع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

في (أ) و (ب) و (ج): "أيهما"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 310

يضمنها (1)، وبين أن يكون سلعة واحدة، وهذا يحتمل ثلاثة أمور:

(أحدها): ما قال السامري أنه بيع بشرط الخيار، ويكون المعلق على الرضا فسخه لا عقده.

(والثاني): أن يكون بيعًا معلقًا على شرط؛ فقد فعله أحمد بنفسه لما رهن نعله بالثمن (2)، ويبعد هذا أنه لم يفرق بين أن يتلف قبل الرضى به أو بعده.

(والثالث): أن يكون بيعًا بمعاطاة تراخي القبولُ فيه عن المجلس، وقد نص على صحة مثل ذلك في النكاح في رواية أبي طالب، ومن هذا النوع ما إذا قبض المشتري زيادة على حقه غلطًا؛ فإنها تكون مضمونة عليه؛ لأنه قبضها على وجه العوض (3)، ذكره (4) القاضي وابن عقيل

(1) المقبوض على وجه السوم هو ما تذهب به إلى أهلك، فإن رضوه؛ اشتريتة، وإلا؛ فلا، ولكن هذا الشيء تلف مني بعد قبضه، فهل عليّ ضمانه؟

فيه روايتان، والصحيح أنه غير مضمون إذا لم يكن تعد أو تفريط، والقاعدة في ذلك أن كل شئ أخذ بإذن الشرع أو بإذن مالكه؛ فإنه غير مضمون إلا بتعد أو تفريط، وبناءً على هذا؛ فإن المقبوض بعقد فاسد فيه إذن الشارع دون إذن الشرع؛ فيكون على القول الراجح غير مضمون إلا إذا تحدى أو فرط، ونقول؛ صحيح أن الملك باقٍ على يد صاحبه، ولكن لا ضمان عليه، أما في مالة الأجرة، فإن أجره المشري بالعقد الفاسد؛ فالأجرة للمالك لأنه لم يأمره، وإن لم يؤجره بل انتفع به؛ فلا أجرة عليه لأنه أنتفع به بإذن المالك؛ فلا ضمان عليه. (ع).

(2)

في (أ): "باليمن"!

(3)

مثاله: اشتريت منه عشرة أشياء، فأعطاني أحد عشر؛ غلطًا؛ فالزائدة تكون مضمونة على الاحتمال الأول، وتكون أمانة على الاحتمال الثاني. (ع).

(4)

في (أ): "وذكره".

ص: 311

والأصحاب.

ويحتمل أن لا يضمن على معنى تعليل أحمد في المقبوض بالسوم أنه على ملك البائع، ومن ذلك لو دفع إليه كيسًا وقال له: استوف منه قدر حقك، ففعل؛ فهل يصح؟

على وجهين بناءً على قبض الوكيل لنفسه من نفسه، والمنصوص الصحة، نص عليه في رواية الأثرم، ويكون الباقي في يده وديعة، وعلى عدم الصحة قدر حقه؛ كالمقبوض [على وجه السوم](1) والباقي أمانة، ذكره في "التلخيص"، ولو دفع إلى غريم له نقدًا من غير جنس ما عليه ليصارفه عليه فيما بعد؛ فهي أمانة محضة، نص عليه؛ مع أنها قبضت للمعاوضة، وقياس قول الأصحاب أنها مضمونة؛ كما قالوا في الضامن إذا قبض من المضمون عنه قبل الأداء على وجه الاستيفاء منه عند الوفاء: أنه مضمن لقبضه على وجه المعاوضة، و [هو](2) أولى؛ لأن القبض هنا وجد قبل الاستحقاق؛ فهو كما لو أقبضت المرأة زوجها مالًا عوضًا عما يستحقه عليها بالطلاق قبله.

(النوع الثاني): ما أخذ (3) لمصلحتهما (4) على غير وجه التمليك لعينه؛ كالرهن والمضاربة والشركة والوكالة بجعل والوصية كذلك؛ فهذا كله

(1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (أ):"على السوم"، وفي المطبوع:"بالسوم".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج):"قبض".

(4)

في نسخة (ب): "لمصلحتها".

ص: 312

أمانة على المذهب.

وفي الرهن رواية أخرى تدل على ضمانه، وتأولها القاضي وأثبتها ابن عقيل. والأعيان المستأجرة والموصى بنفعها (1) أمانة كالرهن؛ لأنه مقبوض على وجه الاستحقاق.

تنبيه:

من الأعيان المضمونة ما ليس له مالك من الخلق، وما له مالك غير معين (2).

فالأول: كالصيد إذا قبضه المحرم؛ فإنه يجب تخليته وإرساله، وسواء ابتدأ قبضه في الإِحرام أو كان في يده ثم أحرم؛ وإن تلف قبل إرساله، فإن كان بعد التمكن منه؛ وجب ضمانه للتفريط، وإن كان قبله؛ لزمه الضمان فيما ابتدأ قبضه في الإحرام دون ما كان في يده قبله لتفريطه في الأولى دون الثانية، هذا قول القاضي وصاحب "المغني"(3)، وخرج ابن عقيل الضمان فيهما؛ لأنها عين مضمونة، فلا يقف ضمانها على [عدم](4) التمكن من الرد؛ كالعواري والغُصُوب.

والثاني: الزكاة، إذا قلنا تجب في العين؛ فالمذهب وجوبُ الضَّمان بتلفها بكل حال؛ لأنها وجبت شكرًا لنعمة المال النامي الموجود في جميع

(1) كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) والمطبوع:"بمنفعته".

(2)

يلاحظ إذا قيل: أنه أمانة؛ فهو لا يُضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وإذا قيل: إنه مضمون؛ فإنه يُضمن بكل حال. (ع).

(3)

انظر: "المغني"(3/ 144/ 2345).

(4)

ما بين المعقوفتين ضرب عليها في (أ)، وسقطت من (ب).

ص: 313

الحول؛ فهي شبيهة (1) بالمعاوضة، ويُستثنى من ذلك ما لم يدخل تحت اليد؛ كالديون والثمر في رؤوس الشجر؛ لانتفاء قبضه وكمال الانتفاع به، ومن الأصحاب من خرج وجهًا بسقوط الضمان قبل إمكان الأداء مطلقًا (2).

* * *

(1) في نسخة (ب): "شبية".

(2)

الصواب في هذا أن الزكاة أمانة، فإذا تلفت بعد استحقاقها بغير تعد ولا تفريط؛ فلا ضمان عليه لأنها بيده أمانة، وقد يفرق بين الإِنسان المؤخِّر وغير المؤخِّر، ولكن هذا التفريق لا وجه له؛ لأن مثاله لو أن عندي زرع فحصدته ودرسته، ثم كان حبًّا، فجاء سيل فاجترفه، فإن كنت لم أدفع الزكاة؛ فعلي الضمان؛ لأني أخرت الزكاة. (ع).

ص: 314

(القاعدة الرابعة والأربعون)

في قبول قول الأمناء في الرد والتلف.

أما التلف؛ فيقبل فيه قول كل أمين؛ اذ لا معنى للأمانة إلا انتفاء الضمان، ومن لوازمه قبول قوله في التلف، وإلا؛ للزم الضمان باحتمال التلف، وهو لا يلزمه الضمان مع تحققه، ويستثنى من ذلك الوديعة إذا هلكت [دون](1) مال المودع على طريقة من يحكي الخلاف فيها في قبول قول المودع في التلف لا في أصل ضمانه، وكذلك العين المستأجرة والمستأجر على عمل فيها، حكى فيها رواية بالضمان؛ فمن الأصحاب من جعلها رواية بثبوت الضمان فيها؛ فلا تكون أمانة، ومنهم من حكى الخلاف في قبول دعوى التلف بأمر خفي، وهي طريقة ابن أبي موسى؛ فلا تخرج بذلك عن الأمانة.

وأما الرد؛ فالأمناء [فيه](2) ثلاثة أقسام (3):

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين من نسخة (ج) فقط.

(3)

الأمانة، يقبل قول الأمين بغير خلاف في التلف، ويستثنى من ذلك إذا ادعاه بسب ظاهر؛ فإنه يكلف البينة في وجود ذلك السب، مثاله: أودعت مالي عند شخص وأنا أريد السفر، فلما رجعت من السفر، قال: لقد شب حريق في البيت فتلف مالك؛ فإنه الآن يحتاج إلى بينة ليصدق في ادعاء التلف، أما لو قال: تلف أو سُرق أو غير ذلك؛ فإنه يقبل =

ص: 315

الأول: من قبض المال لمنفعة مالكه وحده؛ فالمذهب أن قولهم في الرد مقبول، ونقل أبو طالب وابن منصور عن أحمد: أن الوديعة إذا ثبتت ببينة؛ لم تقبل دعوى الرد بدون بينة، وخرجها ابن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب؛ فيكون تركه تفريطًا، فيجب [به](1) الضمان، وكذلك خرج طائفة من الأصحاب في وصي اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة.

وعزاه القاضي في "خلافه" إلى قول الخرقي، وهو متوجه على هذا المأخذ؛ لأن الإِشهاد بالدفع إلى اليتيم مأمور به بنص القرآن، وقد صرح أبو الخطاب في "انتصاره" باشتراطه الإِشهاد (2) عليه؛ كالنكاح.

القسم الثاني: من قبض المال لمنفعة نفسه كالمرتهن؛ فالمشهور أن قوله في الرد غير مقبول لشبهه بالمستعير، وخرج أبو الخطاب وأبو الحسين وجهًا آخر بقبول قوله في الرد؛ لأنه أمين في الجملة، وكذلك الخلاف في المستأجر (3).

= قوله، ولكن كل من قلنا القول قوله، فإنه يقبل قوله مع يمينة، وتستثنى مسألة أخرى، وهي إذا تلفت الوديعة من بين ماله، والصحيح أنها لا تستثنى، ولا ضمان عليه، وإذا تعدى أو فرط؛ وجب الضمان، والخلاصة أن التلف يقبل في قول كل الأمناء، كالمودَع والمستأمن والمرتهن؛ فكل من وقعت العين في يده بإذن من صاحبها أو من الشارع؛ فإن قوله في التلف مقبول ما لم يدعه بسبب آخر فيحتاج إلى البينة؛ فكل أمين يدعي التلف فإنه مقبول قوله. (ع).

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"فيه".

(2)

في (ب) و (ج): "الشهادة".

(3)

يختلف الأمناء في الرد؛ فمن قبض العين لمصلحة مالكها فقوله مقبول؛ =

ص: 316

القسم الثالث: من قبض المال لمنفعة مشتركة (1) بينه وبين مالكه؛ كالمضارب والشريك والوكيل بجعل (2) والوصي كذلك؛ ففي قبول قولهم في الرد وجهان معروفان لوجود الشائبتين في حقهم:

(أحدهما): عدم القبول، ونص عليه أحمد في المضارَبْ في رواية ابن منصور: أن عليه البينة بدفع رأس المال (3)، وهو اختيار ابن حامد وابن

= كالمودَع، فإنه إنما قبض العين لمصلحة المدِع، فإذا قال المودِع: أعطني وديعتي، فقال: رددتها عليك؛ قبل قوله لأنه محسن، وقد قال اللَّه عز وجل:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، والثاني من قبضها لمصلحة نفسه مثل المستعير؛ فإنه قبضها لمصلحة نفسه، فإنه لا يُقبل قوله في الرد، بل لا بد من البينة. (ع).

(1)

في (ب): "مشترك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

الوكيل بجعل فيه الشائبتان والوكيل بغير جُعل من القسم الأول؛ فهو محسن. (ع).

(3)

في "مسائل ابن منصور"(ص 496/ رقم 467): "قلت [أي: ابن منصور]: قال سفيان: إذا دفعت إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألفين، فقال: هذا ألف رأس المال، وألف ربح. فقال صاحب المال: مالي ألفان؟ قال [أي: سفيان]: القول قول المدفوع إليه، وبينة صاحب المال أنه دفع ألفين. قال أحمد: جيد. قال إسحاق: كما قال" اهـ.

وفيها أيضًا (ص 345/ رقم 228): "قلت [أي: ابن منصور]: قال الثوري: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألف درهم؛ فقال: هذا ربح، وقد دفعت إليك ألفًا رأسَ مالِك. قال: هو مصدق فيما قال. قال إسحاق: كما قال، وعليه اليمين إن شاء" اهـ.

وسيذكرها المصنف قريبًا.

قلت: وانظر هناك أيضًا: المسائل (رقم 229، 468، 469). =

ص: 317

أبي موسى والقاضي في "المجرد" وابن عقيل وغيرهم (1).

(والثاني): قبول قولهم [في ذلك](2)، [و](3) هو اختيار القاضي في "خلافه" وابنه أبي الحسين والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في "خلافه".

ووجدت ذلك منصوصًا عن أحمد في "رواية ابن منصور"(4) في المضارب أيضًا في رجل دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة، فجاء بألف، فقال: هذا ربح، وقد دفعت إليك ألفًا رأس مالك. قال: هو مصدق فيما قال (5).

ووجدت في "مسائل أبي داود"(6) عن أحمد نحو هذا أيضًا.

= ومثله في "مسائل أبي داود"(ص 199)، وسيشير إليها المصنف قريبًا إن شاء اللَّه تعالى.

(1)

هذا هو المذهب: أن من قبض لمال لمصلحة مشتركة، فإنه لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

انظر: "مسائل الإِمام أحمد وإسحاق"(رواية ابن منصور، ص 345/ رقم 228).

(5)

انظرها في: "مسائل ابن منصور"(ص 345/ رقم 228)، وقد نقلتها قريبًا في تعليق سابق مضي في (ص 317).

(6)

في "مسائل أبي داود للإمام أحمد"(ص 199) قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن رجل دفع إلى رجل مالًا مضاربة، فكان يجيئه، فيعطيه العشرين درهمًا والدينار ونحوه، ويقول: هذا من الربح، فلما حاسبه، قال: إنما أعطيتكه كله من رأس المال. قال =

ص: 318

وكذلك نقل عنه مهنا في مضارب دفع إلى رب المال كل يوم شيئًا، ثم قال: كان من رأس المال أن القول قوله مع يمينه، وحكم الأجير المشترك حكم هؤلاء، وكذلك من يعمل في عين بجزء من نمائها؛ لأنه إما أجير أو شريك، والفرق بينهم وبين المستأجر أن المستأجر قبض مال المؤجر ليستوفي منه حق نفسه؛ فصار حفظه لنفسه [وهؤلاء](1) المال في أيديهم أمانة لا حق لهم فيه، وإنما حقهم فيما يُنَمِّى منه أوفي ذمة المالك، فأما من يعمل في المال بجزء من عينه؛ فهو كالوصي الذي يأكل من مال اليتيم، [و](2) القول قوله في الرد أيضًا، صرح به القاضي؛ لأن المال لم يقبضه لحق نفسه، بل للحفظ على المالك وحقه فيه متعلق بعمله بخلاف المرتهن والمستأجر.

ثم ها هنا أربعة أقسام:

(أحدها): أن يدعي الأمين أنه رد الأمانة إلى من ائتمنه، وهذا هو الذي ذكرناه.

(والثاني): أن يدعي الرد إلى غير من ائتمنه بإذنه؛ فهل يقبل قوله؟

على وجهين:

(أحدهما): وهو المنصوص، وهو اختيار أبي الحسن التميمي: أنه

= أحمد: هذا إعطاء ماله جائن (وفي نسخة: أعطى ماله خائن). قال: له عليه يمين؟ قال: أدنى ما عيه اليمين".

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"وصار"، ولكن في (أ):"وهؤلاء المال وفي. . . ".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

ص: 319

يقبل قوله.

(والثاني): لا يقبل؛ فقيل: لتفريطه بترك الإشهاد على المدفوع إليه، فلو صدقه [الآمر](1) على الدفع؛ لم يسقط الضمان، وقيل: بل لأنه ليس أمينًا للمأمور بالدفع إليه؛ فلا يقبل قوله في الرد إليه؛ كالأجنبي.

وكل من هذه الأقوال الثلاثة قد نسب إلى الخرقي، بل ونسب إليه أن دعوى الوصي الرد إلى اليتيم غير مقبول كما سبق؛ فربما أطرد هذا في دعوى الرد [من](2) جميع الأمناء إلى من ائتمنهم، وهو بعيد جدًّا، وربما اختص بالوصي؛ لأن ائتمانه ليى من جهة الصبي؛ فهو كالأجنبي معه، هذا إذا ادعى الرد بإذن المالك، وإن ادعاه مع عدم إذنه؛ فلا يقبل منه حتى ولا الأداء إلى الوارث والحاكم؛ لأنهما لم يأتمناه، نقله في "التلخيص"؛ إلا أن يدعي الرد إلى من يده كيد المالك؛ كوكيله، أو رد الوديعة إلى عبده وخازنه ونحوهما ممن يحفظ ماله؛ لأن أيديهم كيده، ويتوجه في دعوى الرد إلى الحاكم والوارث بعد موت الموروث القبول؛ لقيامهما (3) مقام المؤتمن، وهو رد مبرئ (4).

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، لكن في (ب):"الأمر بالدفع"، وفي المطبوع:"الأمين".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"لمقامهما".

(4)

لو قال: أنا رددته إلى زيد بإذنك، فيقول المؤتمن: أثبت أني قلت لك ذلك، فإذا أثبت؛ فنعم، يقبل قولي، وإلا؛ فلا، ومرة ثانية لو أعطاني الكتاب وديعة ثم قال لي بعد ذلك: هات الكتاب، فقلت: إني قد أعطيته زيدًا بإذنك، فإن قلتَ: نعم، أنا أذنت لك؛ فالقول قولي، وإذا لم تقل لي ذلك، أي قلت: أنا لم آذن لك؛ فأحتاج إلى إثبات قولك =

ص: 320

القسم الثالث: أن يدعي غير الأمين؛ كوارثه: أن الأمين رد إلى المالك؛ فلا يقبل لأنه غير مؤتمن، فلا يقبل قوله.

ومن المتأخرين من خرج وجهًا بالقبول؛ لأن الأصل عدم حصولها في يده، وجعل أصل (1) أحد الوجهين فيما إذا مات من كان عنده أمانة، ولم توجد في تركته، ولم يعلم بقاؤها عنده: أنها لا تضمن، ولا حاجة إلى التخريج إذًا؛ لأن الضمان على هذا الوجه منتفٍ، سواء ادعى الوارث الرد أو التلف أو لم يدع شيئًا.

القسم الرابع: أن يدعي من حكمه حكم الأمناء في سقوط الضمان عنه بالتلف قبل التمكن من الرد؛ كوارث المودع ونحوه، والملتقط بعد ظهور المالك، ومن أطارت الريح إلى داره ثوبًا إذا ادعوا (2) الرد إلى المالك؛ ففي "التلخيص": لا يقبل؛ لأن المالك لم يأتمنه، ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف؛ لأنه مؤتمن شرعًا في هذه الحالة.

تنبيه:

عامل الصدقة مقبول القول في دفعها إلى المستحقين؛ ولو كذبوه

= بالإذن، ثم يقبل قولي في الردّ مع أن المسألة في أصلها فيها وجهان: أحدهما القبول، والثاني عدم القبول مطلقًا، ولو أنه ادعى الرد إلى الحاكم أو إلى ورثة الموروث، فهل يقبل قوله؟ نعم، يُقبل قوله. (ع).

(1)

في أصله.

(2)

قوله: "ادعوا" الضمير يعود على الوارث المودع والملتقط ومن أطارت الريح إلى داره ثوبًا. (ع).

ص: 321

بغير خلاف، وإن كان وكيلًا بجُعْل (1)، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية"(2)؛ لأن الصدقة عبادة؛ فلا استحلاف فيها، ولذلك (3) لا يستحلف أربابها إذا ادعوا الدفع إلى العامل وأنكر، فكذلك العامل؛ لأنه أمين لأربابها، فيقبل قوله عليهم في الرد.

وأما عامل الخراج؛ فلا يقبل قوله في الدفع إلا ببينة أو تصديق، ذكره القاضي أيضًا، وعلل بأن الخراج دين؛ فلا يقبل قول مستوفيه في دفعه إلى مستحقه، وهذا التعليل منتقض بالوكيل في استيفاء دين ودفعه إلى مستحقه، فإن قوله مقبول في ذلك كما سبق، والأظهر تخريج حكم عامل الخراج على الوكيل، فإن كان متبرعًا؛ فالقول قوله، وإن كان بجعل؛ ففيه وجهان، وكذلك يخرج فى عامل الوقف وناظره.

* * *

(1) عامل الصدقة يقبل قوله في دفعها إلى مستحقيها ولو كذبوه؛ لأنه مؤتمن شرعًا؛ كالقاضي إذا ادعى أنه قضى لزيد أو على زيد؛ فإنه مقبول، وأرباب الصدقة إذا ادعوا دفعها إلى العامل وأنكر العامل؛ فقولهم مقبول، لكن في عدم مطالبتهم بها لا في تغريم العامل إياها إلا إذا أشهدوا عليه، وإنما قلنا ذلك لأنهم مُدَّعون، وعلى المدَّعي البينة، هذا في تغريم العامل، أما بالنسبة لبراءة ذمتهم، لأن هذه عبادة، والعبادة لا يُستحلف عليها. (ع).

(2)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 135) للقاضي أبي يعلى الفراء.

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"ولذلك".

ص: 322

(القاعدة الخامسة والأربعون)

عقود الأمانات؛ هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها أم لا؟

المذهب أن الأمانة المحضة تبطل بالتعدي، والأمانة المتضمنة لأمر آخر لا تبطل على الصحيح، ويتخرج على هذا مسائل:

- (منها): إذا تعدى في الوديعة؛ بطلت، ولم يجز له الإمساك، ووجب الرد إلى الفور؛ لأنها أمانة محضة وقد زالت بالتعدي؛ فلا تعود بدون عقد متجدد، هذا هو المشهور، ولو كانت عينين؛ فتعدي في إحداهما؛ فهل يصير ضامنًا لهما، أو لما وجد فيه التعدي خاصة؟

فيه تردد، وذكره القاضي أبو يعلى الصغير، [وذكر](1) ابن الزاغوني أنه إذا زال (2) التعدي وعاد إلى الحفظ؛ لم تبطل، وقد يوجه بأن المالك أسند إليه الحفظ لرضاه بأمانته، فمتى وجدت الأمانة؛ فالإِسناد موجود لوجود علته؛ [فهو] (3) كما لو صرح بالتعليق فقال: كلما خنت ثم عدت؛ فأنت أمين؛ فإنه يصح لصحة تعليق الإيداع على الشرط؛ كالوكالة، صرح

(1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"وذكره".

(2)

في (أ): "أزال".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

ص: 323

به القاضي (1).

- (ومنها): الوكيل إذا تعدى؛ فالمشهور أن وكالته لا تنفسخ، بل تزول أمانته ويصير ضامنًا، ولهذا لو باع بدون ثمن المثل صح وضمن النقص؛ لأن الوكالة إذن في التصرف مع [ائتمان](2)، فإذا زال أحدهما؛ لم يزل الآخر، هذا هو المشهور، [و](3) على هذا؛ فإنما يضمن ما [وقع] فيه التعدي خاصة حتى لو باعه وقبض ثمنه لم يضمنه؛ لأنه لم يتعد في عينه، ذكره في "التلخيص"، ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدي بحال إلا على طريقة ابن الزاغوني في الوديعة، وظاهر كلام كثير من

(1) هذه القاعدة تقول: إذا تعدى الإنسان في الأمانات؛ فهل تبطل الأمانة ويزول حكمها أو لا تبطل؟

يقول: إذا كانت الأمانة محضة؛ فإنها تبطل بالعدي، وإذا تضمنت الأمانة معنى آخر، فلا؛ فالوديعة أمانة محضة؛ لأنه ليس للمودَع مصلحة فيها، فإذا تعدى فيها بطلت، وصار بعد الأمانة خائنًا، فيضمن الوديعة على كل حال؛ لأنه تعدى فيها، فإن عاد إلى الأمانة؛ فهل يعود الائتمان أو لا؟

في خلاف، والمذهب لا يعود، مثاله: أودعتك إبربقًا فاستعملته؛ فإنه هنا زالت الأمانة، وتكون ضامنًا لهذا الإبريق على كل حال، لكن لو أنك رجعت إلى نفسك وقلت: من الخطأ أن أتصرف في مال الغير بغير إذنه، وعدت إلى الأمانة وحفظت الإبريق بدون استعمال؛ فهل تعود الأمانة؟

المذهب أنها لا تعود إلا بعقد جديد، والقول الثاني: أنه يعود الائتمان؛ لأنه عاد إلى شرطه، صار كما لو علقه بشرط فقال: كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة؛ فأنت أمين، والأقرب إلى حفظ أموال الناس أنه يكون خائنًا ولا يعود ائتمانه. (ع).

(2)

في المطبوع: "استئمان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

ص: 324

الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة لا بطلانها؛ فيفسد العقد، ويصير متصرفًا بمجرد الإذن.

وحكى ابن عقيل في "نظرياته" وصاحب "المحرر"(1) وجهًا آخر، وبه جزم القاضي في "خلافه": أن الوكالة تبطل كالوديعة لزوال الائتمان، والإذن في التصرف كان منوطًا به (2).

- (ومنها): الشركة والمضاربة إذا تعدى فيهما (3)؛ فالمعروف من المذهب أنه يصير ضامنًا، ويصح تصرفه لبقاء الإذن [فيه](4)، ويتخرج بطلان تصرفه من الوكالة.

- (ومنها): الرهن إذا تعدى المرتهن فيه؛ زال ائتمانه وبقي مضمونًا عليه ولم تبطل توثقته، وحكى ابن عقيل في "نظرياته" احتمالًا ببطلان الرهن، وفيه بُعْدٌ؛ لأنه عقد لازم وحق للمرتهن على الراهن، لا سيما إن كان مشروطًا في عقد وقلنا: يلزم بمجرد العقد؛ فإن الراهن يجبر على تقبيضه، فكيف يزول بالتعدي؟!

- (ومنها): إذا استأجره لحفظ شيء مدة، فحفظه في بعضها ثم ترك؛ فهل تبطل الإِجارة؟

فيه وجهان:

(1) انظر: "المحرر"(1/ 349).

(2)

الظاهر أن التصرف صحيح، ولكنه يضمن بتعديه فيما لو تلف، وكذلك يضمن الأجرة، أي أجرة انتفاعه به قبل بيعه. (ع).

(3)

في (ب): "فيها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

ص: 325

قال ابن المثنى: أصحهما: لا تبطل، بل يزول الاستئمان ويصير ضامنًا، وفي "مسائل ابن منصور" (1) عن أحمد: إذا استاجر أجيرًا شهرًا معلومًا، فجاء إليه في نصف ذلك الشهر أن للمستأجر الخيار.

والوجه الآخر: يبطل العقد؛ فلا يستحق شيئًا من الأجرة بناءً على أصلنا فيمن امتنع من تسليم بعض المنافع المستأجرة أنه لا يستحق أجرة، وبذلك أفتى ابن عقيل في "فنونه".

- (ومنها): الوصي إذا تعدى في التصرف؛ فهل يبطل كونه وصيًا أم لا؟

ذكر ابن عقيل في "المفردات" فيه احتمالين:

أحدهما: لا يبطل، بل تزول أمانته ويصير ضامنًا؛ كالوكيل.

والثاني: تبطل؛ لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط، فزالت ولايته بانتفاء شرطها؛ كالحاكم إذا فسق.

وفرض المسألة فيما إذا أقدم على البيع بدون [قيمة](2) المثل، وعلى هذا يتخرج بيع العدل الذي بيده الرهن له بدون ثمن المثل أو الثمن المقدر؛ هل يصح [أم](3) لا لأن الأمانة معتبرة فيه؟

(1) في "مسائل ابن منصور للإمام أحمد"(ص 426/ رقم 359): "قلت: إذا استأجر الرجل أجيرًا شهرًا معلومًا، فجاء نصف ذلك الشهر؟ قال: الذي استأجره بالخيار: إن شاء عمل، وإن شاء لم يعمل. قال أحمد: هو كما قال، إنما استأجره في أول الشهر".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ثمن".

(3)

في (ب): "أو".

ص: 326

واختيار (1) صاحب "المغني"(2) أنه لا يصح بيعه بدون ثمن المثل، لكنه علل بمخالفة الإذن، وهو منتقض بالوكيل، ولهذا ألحقه القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" ببيع الوكيل؛ فصححاه وضمناه للنقص، ومثله إجارة الناظر للوقف بدون أجرة المثل.

* * *

(1) في (ج): "واختار".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 263/ 3401).

ص: 327

(القاعدة السادسة والأربعون)

في العقود الفاسدة؛ هل هي منعقدة [أو](1) لا؟

وهي نوعان:

أحدهما: العقود الجائزة؛ كالشركة والمضاربة والوكالة، وقد ذكرنا آنفًا أن [فسادها](2) لا يمنع نفوذ التصرف فيها بالإذن، لكن خصائصها تزول بفسادها؛ فلا يصدق عليها أسماء العقود الصحيحة إلا مقيدة بالفساد.

وصرح القاضي في "خلافه" بأنه لو حلف على الشركة الفاسدة من أصلها أنها شركة حنث. قال: ويمنع من التصرف فيها والمنع من التصرف مع القول بنفوذه وبقاء الإذن مشكل، لا سيما وقد قرر أن العامل يستحق (3) المسمَّى (4).

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "أم".

(2)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"إفسادها".

(3)

في (ج): "لا يستحق".

(4)

العقود الفاسدة: هي التي اختل فيها شرط، أو وُجد فيها مانع؛ فمثلًا: البيع مع جهالة الثمن فاسد؛ لاختلال الشرط، والبيع بعد أذان الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة لا يصح؛ لوجود مانع، والعقود إذا فسدت لفوات شرط أو لوجد مانع؛ هل فسادها يمنع نفوذ التصرف فيها أو لا؟ =

ص: 328

والنوع الثاني: العقود اللازمة، فما كان منها لا يتمكن العبد من الخروج منه بقوله كالإحرام؛ فهو منعقد لأنه لا سبيل إلى التخلص منه إلا بإتمامه أو الإحصار عنه، وما كان العبد متمكنًا من الخروج منه [بقوله](1)؛

= يقول المؤلف: العقود تنقسم إلى قسمين: عقود جائزة، وعقود لازمة، الجائزة هي التي يجوز لكل واحد من المتعاقدين فسخها بدون رضا الآخر؛ كالشركة والمضاربة والوكالة، وفساد العقود الجائزة لا يمنع التصرف فيها، أي يتصرف لكن خصائصها تزول، فإذا أعطيتك مال مضاربة على وجه فاسد، ثم تصرفت فيه، فالتصرف صحيح نافذ، لكن خصائص الشركة تزول، فإذا أعطيتك إياه على أن الربح بيننا نصفين، وتبين أن العقد فاسد، فتصرفك صحيح، ولكن هل تستحق نصف الربح؟

الجواب: لا؛ فالربح كله لصاحب المال، وأنت لك أجرة المثل؛ لأنه لما كان العقد فاسدًا زالت جميع آثاره، فرجعنا إلى الأصل، فقلنا: هذا رجل عمل بمالك؛ فلا بد أن تعطيه أجرة المثل، وهنا على أنه أجير؛ فكأنه رجل عامل عندك، فكم يُعطى مثله لو عمل هذا العمل؛ فيعطى مثله، ومذهب بعض العلماء أننا لا نعطيه أجرة المثل، بل نعطية سهم المثل؛ لأن هذا العامل قد دخل على أن العمل بينهما مرابحة؛ فكيف نعطيه أجرة المثل فيُعطى سهم المثل؟! وبناءً على ذلك؛ فإنه لو خسر المال؛ فإنه لا يستحق شيئًا، فإذا قالوا: إن سهم المثل هو النصف، فينظر كم الربح، ويأخذ نصفه وهكذا.

مثال آخر في المساقاة، وهى عقد جائز على المشهور من المذهب: فلو أعطيت نخلي لهذا الرجل يعمل فيه مساقاة، وعمل فيه، ثم تبين بعد أن العقد فاسد؛ الذي يستحقه على المذهب أجرة المثل، فنقول: كم أجرة هذا لو كان عاملًا في النخل لمدة سنة؟ فيقولون: كذا؛ فيعطى تلك الأجرة، وأما القول الثاني، فإنه يُعطى سهم المثل لأن المالك والعامل كلاهما داخل على مشاركة، فإذا بطل العقد؛ رجعنا إلى سهم المثل، فإذا كان قد أعطاه على أنه له ثلث التمر، فتبين أن المساقاة فاسدة، فرجعنا إلى أهل الخبرة وقالوا: إن العامل يستحق النصف وليس الثلث؛ فإنه يُعطى نصف الثمرة الآن لأن المعتبر هو سهم المثل. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 329

فهو منقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما يترتب عليه حكم مبني على التغليب والسراية والنفوذ؛ فهو منعقد، وهو النكاح والكتابة يترتب عليهما الطلاق والعتق؛ فلقوتهما ونفوذهما انعقد العقد المختص بهما، ونفذا فيه، وتبعهما (1) أحكام كثيرة من أحكام العقد؛ ففي النكاح يجب المهر بالعقد، حتى لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر على وجه، ويستقر بالخلوة، وتعتد فيه من حين الفرقة لا من حين الوطء، وتعتد للوفاة [فيه](2) قبل الطلاق، وفي الكتابة تستتبع الأولاد والأكساب (3).

(1) في (ب): "ويتبعها".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(3)

إذا كانت العقود لازمة؛ فهي نوعان:

الأول: ما لا يتمكن العبد من الخروج منها مثل الإحرام؛ فإنه يستمر مع الفساد، مثل لو جامع قبل التحلل الأول فسد نسكه، ومع ذلك يلزمه الاستمرار فيه، ولا يمكن أن يخرج منه، ويسمى حجه حجًا فاسدًا، وإذا صار العام القادم يقضيه؛ لأن هذا لا يمكن أن يخرج الإنسان منه، فلا يمكن التخلص منه، فيبقى مستمرًا مع فساده، ولا أظن أنه يوجد مثال سوى هذا.

وأما النوع الثاني؛ وهو ما يتمكن العبد من الخروج منه، وهو على قسمين:

الأول: ما يترتب عليه حكم مبني على السراية والتغليب؛ مثل النكاح؛ فالنكاح الفاسد كالنكاح الصحيح، مثل عقد رجل على امرأة بدون ولي؛ فالنكاح فاسد، لكن حكمه حكم الصحيح؛ لأنه ينفذ فيه الطلاق، وإذا خلا بالمرأة؛ وجب عليه الصداق كاملًا، وعليه نصف المهر على قول، والقول الثاني: ليس عليه شيء؛ لأنه نكاح فاسد؛ فلا يترتب عليه أثره، وهذا هو الصحيح: أنه إذا طلق قبل الدخول؛ فليس عليه شيء لأنه نكاح فاسد، وهل يُلزم بالطلاق؟ =

ص: 330

والثاني: ما لا يترتب عليه ذلك؛ كالبيع والإِجارة؛ فالمعروف من المذهب أنه غير منعقد، ويترتب عليه أحكام الغصب (1).

وخرج أبو الخطاب في "انتصاره" صحة التصرف في البيع الفاسد من النكاح، واعترضه أحمد الحربي في "تعليقه" وقال: النكاح الفاسد منعقد؛ فلهذا صح التصرف فيه بخلاف البيع، ولكن أبو الخطاب قد لا يسلم انعقاد النكاح الفاسد ولا غيره؛ لأنه يرى أن المجامع يحل من إحرامه، وأن الطلاق في النكاح الفاسد إنما يقع ممن يعتقد صحته؛ فمن ها هنا حسن

= نعم؛ لأنه نكاح فاسد، فإن قال الزوج: أنا لا أطلق، فما دام النكاح فاسدًا؛ فلماذا أطلق؟ قيل: تطلق خروجًا من الخلاف؛ لأن النكاح الفاسد هو الذي فيه الخلاف، فإن كان مجمعًا عليه؛ فهو نكاح باطل، ولا يحتاج إلى طلاق، ولهذا كان التفريق بين الفاسد والباطل في النكاح، فلو عقد على امرأة ثم تبين أنها أخته من الرضاع؛ فالنكاح باطل بإجماع العلماء، فلا يلزم فيه طلاق، وكذلك مسألة الكتابة، فإذا كانت فاسدة كما لو كانت على عوض مجهول أو نحو ذلك؛ فإنها مبنية على السراية والتغليب، ولهذا لو أن الإنسان أعتق من عبده أصبع من أصابعه، فقال: أصبعك حُرّ؛ فيكون كله حرًا، أو قال: شعرك حر؛ فإنه لا يعتق لأن الشعر عضو منفصل. (ع).

(1)

القسم الثاني: ما لا يترتب عليه آثار الملك، ويكون وجود العقد كعدمه، فلو آجر الإنسان إجارة فاسدة؛ فهل يترتب على هذا العقد ما يترتب على العقد الصحيح من ثبوت الأجرة وضمان العين وغير ذلك أو لا؟

المذهب أنه غير منعقد، ويترتب عليه أحكام الغصب، مثاله: أجرتك هذه السيارة إجارة فاسدة وقبضتها، ثم أصابها حادث بغير اختيارك؛ فالمذهب أنه ضامن لها على كل حال؛ لأن الغاصب ضامن على كل حال، أي مع التفريط وعدمه ومع التعدي وعدمه، وتضمن أجرة المثل لصاحب السيارة، والأجرة التي دفعت له نرجع لك، وعلى هذا؛ فيمكن أن تكون أجرة المثل أكثر مما اتفق عليها أو أقل. (ع).

ص: 331

عنده هذا التخريج؛ إذ البيع والنكاح في هذا على حد واحد.

وأبدى ابن عقيل في "عمده" احتمالًا بنفوذ الإقالة في البيع الفاسد؛ كالطلاق في النكاح الفاسد؛ قال: ويفيد ذلك أن حكم الحاكم بعد الإقالة بصحة العقد لا يؤثر.

وذكر ابن عقيل وغيره وجهين في نفوذ العتق [في البيع الفاسد؛ كالطلاق (1) في النكاح الفاسد، وفرق](2) بينهما على أحد الوجهين بأن الطلاق يسقط به حق نفسه، فنفذ (3) بخلاف العتق؛ فإنه يسقط به حق غيره، وهو البائع، وهذا كله يشعر بانعقاد البيع.

وذكر ابن عقيل في "فصوله" احتمالين فيما إذا قال لغيره بعد نداء الجمعة: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه، ففعل؛ هل ينفذ عتقه عن نفسه أو عن الأمر له؟ ولكن هذا عقد موضوع للعتق والملك تابع له؛ فهو كالكتابة بخلاف البيع (4).

(1) في (ب) بدل "كالطلاق": "والطلاق".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "في البيع الفاسد؛ كالطلاق الفاسد في النكاح، وفرق".

(3)

في (ب): "فينفذ".

(4)

خرّج أبو الخطاب صحة التصرف في العقد الفاسد على النكاح الفاسد؛ فإنه يثبت به (أي: الدخول المسمى من المهر) وينعقد به الطلاق؛ فيقول أبو الخطاب: إذا كان النكاح الفاسد تترتب عليه أحكام النكاح الصحيح، فكذلك نقول في البيع الفاسد والأجرة الفاسدة، ونُقِضي عليه بكلام أحمد الحربي بأن النكاح الفاسد منعقد؛ فلهذا صح التصرف فيه، بخلاف البيع، ولكن يمكن لأبي الخطاب أن يجيب بأني لا أسلم بانعقاده، بل ترتب الأحكام مع عدم الانعقاد؛ لأنه يرى أن المجامع يحل من إحرامه، لأنه افسده، والمذهب =

ص: 332

فإن قيل: [فهلَّا](1) قلتم: إن صحة التصرف في البيع الفاسد مستند إلى الإذن؛ كما في العقود الجائزة إذا فسدت؟

قيل: [ذلك](2) لا يصح؛ لوجهين:

(أحدهما): أن البيع وضع لنقل الملك لا للإذن، وصحة التصرف فيه تستفاد من الملك لا من الإذن، بخلاف الوكالة؛ فإنها موضوعة للإِذن، يوضحه أن الموكل أذن لوكيله أن يتصرف له وقد فعل ما أمره، والبائع إنما أذن للمشتري في التصرف لنفسه بالملك لا ملك ها هنا.

(والثاني): [أن](3) الإذن في البيع مشروط بسلامة عوضه، فإذا لم يسلم العوض؛ انتفى الإِذن، والوكالة إذن مطلق بغير شرط.

* * *

= أنه لا يحل، وحينئذ لا يُلزم أبو الخطاب بما ألزمه به أحمد الحربي، والصواب الذي يظهر لي أن الذي قبض بعقد فاسد أنه ترتب عليه أحكامه لا من حيث أنه عقد فاسد، ولكن من حيث أن هذا المؤجر قد أذن لذلك الرجل بالتصرف فيه، لكن الأجرة هي التي محل النظر؛ هل هي ما اتفقا عليه، أو هي أجرة المثل؟

وكذلك لو باع عليه بيعًا فاسدًا، وهو ممن تلزمه الجمعة؛ فهل المشتري الذي قبض المبيع كالغاصب، وعلى هذا هو ضامن على كل حال، أو نقول: لا أجرة عليه؛ لأنه قبضه بإذن مالكه، ولكن يلزم ردّ المبيع وأخذ الثمن، الأخير هذا هو الظاهر. (ع).

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج):"هلَّا"، وفي المطبوع:"فهل لا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ب):"قل: لا يصح ذلك لوجهين" هكذا بتقديم وتأخير.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 333

(القاعدة السابعة والأربعون)

في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده، وكل عقد لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب [الضمان](1) في فاسده.

ونعني بذلك أن العقد الصحيح إذا كان موجبًا للضمان؛ فالفاسد كذلك، وإذا لم يكن الصحيح موجبًا للضمان؛ فالفاسد كذلك؛ فالبيع والإِجارة والنكاح موجبة للضمان مع الصحة، فكذلك مع الفساد، [والأمانات؛ كالمضاربة والشركة والوكالة والوديعة وعقود التبرعات كالهبة؛ لا يجب الضمان فيها مع الصحة، فكذلك مع الفساد](2)، وكذلك الصدقة.

فأما قول أصحابنا فيمن عجل زكاته ثم تلف المال وقلنا: له الرجوع به: إنه إذا تلف ضمنه القابض، فليس من القبض الفاسد بشيء؛ لأنه وقع صحيحًا، لكنه مراعى، فإن بقي النصاب تبينا أنه قبض زكاة، وإن تلف [تبينا أنه لم يكن](3) زكاة؛ فيرجع بها.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في (ج): "تبينا أنها لم تكن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

قال الشيخ ابن عثيمين: "قوله: "تبينا أنه لم يكن"؛ أي: المقبوض زكاة".

ص: 334

نعم، [إذا](1) ظهر قابض الزكاة ممن لا يجوز له أخذها؛ فإنه يضمنها لكون القبض لم يملك به، وهو مفرط بقبض ما لا يجوز له قبضه؛ فهذا من القبض الباطل لا الفاسد، وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح [و](2) ضمن في مثلها [في](3) الفاسد، فإن البيع الصحيح لا يجب فيه ضمان المنفعة، وإنما يضمن (4) العين بالثمن، [و](5) المقبوضِ بالبيعِ الفاسدِ يجب ضمان الأجرة فيه على المذهب.

والإِجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين المعقود عليها، سواء انتفع بها المستأجر أو لم ينتفع.

وفي الإِجارة الفاسدة روايتان:

إحداهما: كذلك.

والثانية: لا تجب الأجرة إلا بالانتفاع.

ولعلها راجعة إلى أن المنافع لا تضمن في الغصب ونحوه؛ إلا بالانتفاع، وهو الأشبه.

وكذلك يخرج (6) في ضمان منفعة المبيع (7) ها هنا، ولكن نقل جماعة

(1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "إن".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(3)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"من".

(4)

في (ج): "تضمن".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج) والمطبوع.

(6)

في (ج): "يتخرج".

(7)

في (ب): "البيع".

ص: 335

عن أحمد ما يدل على أن الإجارة الصحيحة لا تجب فيها الأجرة إلا بقدر الانتفاع إذا ترك المستأجر بقية الانتفاع بعذر من جهته، وتأولها القاضي وابن عقيل، وأقرها صاحب "شرح الهداية" والقاضي أيضًا في "بعض تعاليقه".

والنكاح الصحيح يستقر فيه المهر بالخلوة بدون الوطء، وفي النكاح الفاسد روايتان أيضًا، وقد قيل: إن ذلك مبني على أن البضع هل يثبت عليه اليد أم لا؟ وقد نقل عن أحمد فيما إذا نكح العبد نكاحًا فاسدًا: أنه لا مهر لها، وهو محمول على أنه [لم](1) يوجد دخول [أو](2) على أنهما كانا عالمين بالتحريم؛ فتكون زانية.

ونقل ابن مشيش وحرب عنه: أن المبيع (3) المقبوض من غير تسمية ثمن لا يضمن؛ لأنه على ملك البائع، وقد سبق ذلك، والعمل في المذهب على خلافه، إذا تقرر هذا؛ فهل يضمن في العقد الفاسد بما سمى فيه أو بقيمة المثل؟

فيه خلاف في مسائل (4):

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لا".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "و".

(3)

في (ب): "البيع".

(4)

معنى هذه القاعدة أن الضمان في العقد الفاسد كالضمان في العقد الصحيح؛ فكل عقد صحيح أوجب ضمانًا فإن العقد الفاسد يوجبه، وما لا؛ فلا، فعقد البيع موجب للضمان، اي أن المشتري لم يأخذ المبيع إلا بضمانه بالثمن للبائع، فإذا اشتريت منك سلعة؛ فإنها دخلت عليّ بالضمان، أي بضمانها بالثمن، فإذا قُدِّر أن البيع فاسد وتلفت =

ص: 336

- (منها): المبيع، والمعروف في المذهب ضمانه بالقيمة لا بالثمن المسمى فيه، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب؛ لأن المسمى إنما وقع الرضى به في ضمان العقد، والعقد غير موجب للضمان،

= السلعة في يد المشتري من غير تعد ولا تفريط؛ فمن المعلوم أن العقد الفاسد يجب إلغاؤه، فهل أضمن هذه السلعة التي كانت يدي وتلفت بجر تعد ولا تفريط أو لا؟

الجواب: نعم، أضمنها؛ لأنني أخذتها من صاحبها على أنها مضمونة بالثمن، وأما العقد الذي لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب في فاسده؛ كالوكالة، فلو أعطيتني مالًا وقلت لي: بع هذا؛ فأنا لم آخذه منك على سبيل الضمان، ولهذا لم أدفع عوضه، فأخذته منك على سبيل الأمانة، ولهذا لو تلف بغير تعد مني ولا تفريط؛ فأنا غير ضامن له، وإن تلف بالتعدي والتفريط؛ فأنا ضامن من أجل التعدي والتفريط، وعلى فرض أن الوكالة كانت فاسدة وتلف مني هذا الشيء بغير تعد ولا تفريط؛ فأنا غير ضامن لأنني لو قبضته في عقد صحيح؛ فلا ضمان علي، فكذلك إذا قبضته بعقد فاسد؛ لأن العقد إن أوجب صحيحه الضمان أوجب فاسده الضمان، وإلا؛ فلا.

وهنا مسألة: أن في مسألة البيع إذا تلف المبيع في البيع الفاسد؛ فهل يضمن المشتري بالثمن المسمّى بقيمة المثل؟ فيه خلاف.

وقوله: "وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح. . . إلخ" ليس المعنى أن الضمان في العقد الفاسد مساويًا للضمان في العقد الصحيح؛ فالبيع في العقد الفاسد يجب فيه ضمان العين والمنفعة، وأما في العقد الصحيح؛ فيجب فيه ضمان العين فقط؛ لأن المنفعة في العقد الصحيح مملوكة تبعًا للعين، أما في العقد الفاسد؛ فليس هناك ملك حتى نقول: إن المنفعة تابعة للملك، وعلى هذا، فإذا تلف المبيع في البيع الفاسد؛ فإننا نضمن العين والمنفعة، أي مدة أجرتها ما دامت في يده؛ فهنا اشتركا في أصل الضمان، أي العقد الصحيح والفاسد، ولكن اختلفا في كيفية الضمان، والحاصل أن كل ما قبضه الإنسان من غيره بغير عوض؛ فهو غير مضمون عليه، وما قبضه بعوض؛ فهو مضمون عليه، سواء كان ببيع أو إجارة. (ع).

ص: 337

وإنما يترتب الضمان بأمر آخر [طارئ](1) على العقد، وهو التلف تحت يده، فيجب ضمانه بالقيمة أو المثل، كما لو اتفقا على ضمان العارية عند إقباضها بشيء ثم تلفت؛ فإنه يلغي (2) المتفق عليه، ويجب المثل أو القيمة كذلك ها هنا.

وحكى القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في الكتابة عن أبي بكر عبد العزيز: أن المقبوض بالبيع الفاسد يضمن بالمسمى، وهو اختيار الشيخ تقي الدين (3)، وقال: إنه قياس المذهب؛ آخذًا له من النكاح. قال: لأن إقباضه إياه إذن له في إتلافه بالعوض المسمى، فأشبه ما لو قال له: أتلفه بألف درهم فأتلفه؛ فإنه لا يستحق [عليه](4) غير ما سمى له، وقد يجاب عن هذا بأن المسمى إنما جعل عوضًا عن الملك لا عن الإِتلاف، ولم يتضمن العقد إذنًا في الإِتلاف، إنما تضمن نقل ملك بعوض، ولم يوجد [نقل الملك](5)؛ فلا يثبت العوض، وإنما وجب الضمان بسبب متجدد (6).

(1) في جميع النسخ والمطبوع: "طار"، ولعلها "طارئ"؛ كما أثبتناه.

(2)

في (ب): "يلغوا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

انظر: "القواعد النورانية"(ص 133) لابن تيمية.

(4)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

إذا كان المشتري يقبض المبيع مضمونًا، وإذا كان كذلك ووقع العقد فاسدًا؛ فهل يضمن ضمان المتلفات، أو يُضمن بالمسمّى؟

المذهب أن يُضمن ضمان المتلفات، مثاله: بعت عليك ثوبًا بعشرة دراهم، وتبين أن البيع فاسد، ثم إن الثوب تلف؛ فهل يضمنه المشتري ضمان المتلفات ونقول: عليك =

ص: 338

- (ومنها): الإجارة الفاسدة، والمعروف من المذهب ضمانها بأجرة المثل أيضًا، ويتخرج على قول أبي بكر أنها تضمن بالأجرة المسماة، والقول فيها كالقول في البيع سواء.

- (ومنها): الكتابة الفاسدة تضمن بالمسمى، فإذا أدى ما سمى فيها؛ حصل العتق ولم يلزمه ضمان قيمته، ذكره أبو بكر، وهو ظاهر كلام أحمد، واتفق الأصحاب على ذلك، لكن المتأخرون زعموا أن الكتابة الفاسدة تعليق بصفة؛ فلا يؤثر فسادها ولا تحريمها، كما لو قال لعبده: إن أعطيتني خمرًا فأنت حر، فأعطاه؛ عتق لوجود الصفة، وأما أبو بكر؛ فعنده أن الكتابة عقد معاوضة أبدًا، وهو اختيار ابن عقيل، وهو الأظهر، ولا يقع

= مثه إن كان مثليًا وقيمته إن كان متقومًا، أو يُضمن المسمّى؟

في هذا خلاف في المذهب؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يضمن ضمان المتلفات، فإذا قدرنا أن قيمته تساوي عشرين درهمًا؛ ألزم المشتري بعشرين درهمًا حتى وإن كان تلفه بغير تعد ولا تفريط؛ لأنه دخل على أنه مضمون عليه، وعلى رأي شيخ الإسلام يقول: إنه يُضمن بالمسمى؛ فلا يلزمه إلا عشرة دراهم. قال: لأن البائع قد رضي أن يكون عوض ثوبه عشرة دراهم، فهو كما لو قال للشخص: خذ هذا الثوب وأعطني عشرة دراهم؛ فإنه لا يلزمه أكثر من عشرة؛ ولو كان الثوب يساوي مئة، وابن رجب قال أن هذا قد يفرق بينه وبين الإذن بالتلف؛ لأن المشتري قد أخذ هذا على أنه ملكه، والمأذون له بالتلف أتلفه على أنه ملك غيره، وعندي ينبغي أن نقول في هذه المسألة: إنه إن تلف بتعد منه أو تفريط؛ ضمناه اياه ضمان إتلاف، وإن تلف بغير تعد ولا تفريط؛ فإننا لا نضمنه ضمان إتلافه؛ لأنه لما كان فاسدًا وقد قبضه من صاحبه بإذنه؛ صار بمنزلة المقبوض على وجه الأمانة، والمقبوض على وجه الأمانة إذا تلف بغير تعد وتفريط؛ فإنه لا يُضمن؛ فكيف أضمن ما زاد على ثمنه؟! فلو قيل بهذا؛ لكان له وجه، ونكون قد أخذنا بالمذهب من وجه، وبقول شيخ الإسلام من وجه آخر. (ع).

ص: 339

العتق عنده بأداء المحرم؛ لأن العقد لا ينعقد بعوض محرم، بل هو عنده باطل (1).

- (ومنها): النكاح الفاسد يستقر بالدخول فيه وجوب المهر المسمى في الرواية المشهورة عن أحمد، وهي المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى، واختارها القاضي وأكثر أصحابه في كتب الخلاف، ويفرق بين النكاح والبيع بأن النكاح مع فساده منعقد، ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح؛ من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة، ووجوب المهر فيه بالعقد، وتقرره بالخلوة؛ فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح، يوضحه أن ضمان المهر في النكاح الفاسد ضمان عقد؛ كضمانه في الصحيح، وضمان البيع الفاسد ضمان تلف، بخلاف البيع الصحيح؛ فإن ضمانه ضمان عقد.

وحكي عن أحمد رواية أخرى: أن الواجب مهر المثل (2)؛ أخذًا من

(1) هذا أقرب، وهو أنه لا يعتق، لأنه تبين أن العقد فاسد، وإذا كان كذلك خصوصًا إذا قلنا أنه يضمن بقيمة المثل؛ فإنه لا قيمة له حينئذ؛ فلا ينفذ العتق، والمذهب: إذا كانت الكتابة فاسدة؛ فكأنه عِتْقٌ علقه على شرط، والعتق المعلق على شرط إذا وجد الشرط نفذ، سواء كان هذا الشرط جائزًا أم فاسدًا؛ كقوله: إن أعطيتني خمرًا فأنت حر، فإن أعطاه خمرًا صار حرًا مع أن الشرط محرم. (ع).

(2)

قال المرداوي في "الإنصاف"(8/ 256 - 257): "هذا هو المذهب"، وبه قال جمهور العلماء، منهم ابن جريج والزهري والشافعي وغيرهم؛ لأنه وطء يوجب المهر؛ فأوجب مهر المثل، كالوطء في النكاح بلا وليّ وفي سائر الأنكحة الفاسدة.

وروى حنبل عن الإمام أحمد: أنها لا مهر لها، قال ابن قدامة: "وهذا يمكن حمله على قبل الدخول؛ فيكون موافقًا لرواية الجماعة، ويمكن حمله على عمومه في عدم =

ص: 340

رواية المروذي عنه في عبد تزوج بغير إذن سيده، فدخل بها؛ فقد جعل لها عثمان الخُمُسَيْن (1)، وأنا أذهب إلى أن يعطى شيئًا (2)؛ فلم يوجب

= الصّداق، وهذا قول ابن عمر؛ لأنه وطئ امرأةٌ مطاوعة في غير نكاح صحيح، فلم يجب به مهر، كالمطاوعة على الزنا! ويمكن حمله على أنه لا مهر لها في الحال، بل يجب في ذمة العبد، تنتفع به بعد العتق، وهو قول الشافعي في الجديد".

وقال الحنفية: لا مهر عليه حتى يعتق؛ لأنه لم يظهر في حق المولي؛ لعدم الإذن فيه.

وهذه الأقوال إذا دخل بها، أما إذا لم يدخل بها؛ فقال ابن قدامة:"لا مهر لها لأنه عقد باطل؛ فلا توجب بمجرده شيئًا؛ كالبيع الباطل، وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة لا تجب بمجردها شيئًا".

انظر في المسألة: "مصنف عبد الرزاق"(7/ 243، 262)، و"الإنصاف"(8/ 257 - 256)، و"المغني"(7/ 49 - 50)، و"تكملة المجموع"(15/ 7 - 8، 254)، و"فتح القدير"(3/ 392) لابن الهمام.

(1)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 243 - 244، 262/ رقم 12984، 13071) عن معمر، وصالح بن الإمام أحمد في "مسائله"(1/ 476 - 477/ رقم 508) عن سعيد بن أبي عروبة، وصالح (1/ 478 - 479/ رقم 509) عن أبان بن يزيد العطار؛ ثلاثتهم عن قتادة، عن خلاس:"أن غلامًا لأبي موسي تزوّج مولاةً -أحسبه تيجان التَّيمي- بغير إذن أبي موسي، وكتب في ذلك إلى عثمان؛ فكتب إليه: أنْ فرِّق بينهما، وأجر لها الخُمُسَين من صداقها، وكان صداقها خمسة أبعرة".

وأخرج نحوه من طرق أخرى يدلل مجموعها على أن لهذا الأثر أصلًا عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 262 - 263/ رقم 13074)، وسعيد بن منصور في "سننه"(رقم 796 - ط الأعظمي)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 259 - 260). وانظر:"موسوعة فقه عثمان"(ص 42).

(2)

قال عبد اللَّه بن الإمام أحمد في "مسائله"(رقم 1215): "سمعتُ أبي سئل: فإنْ تزوج بغير إذن المولى (يعنى: العبد)، فدخل بها؛ هل لها مهر؟ قال: فيه اختلاف. =

ص: 341

المسمى، وهو اختيار الخرقي (1) وصاحب "المغني"(2).

واستدلوا بقوله [عليه الصلاة والسلام](3) فيمن أنكحت نفسها: [أن] لها المهر بما استحل منها (4)؛ فأوجب المهر بالاستحلال وهو الإِصابة؛

= قال عثمان بن عفان: لها خمسا المهر، قال أبي: وأنا أذهب إليه، وهو في رقبة العبد"، وكذا في "مسائل صالح" (1/ 479).

وفي "مسائل ابن هانئ"(1/ 220/ رقم 1068): "سألتُ أبا عبد اللَّه عن العبد إذا تزوج بغير إذن سيّده؛ هل تعطى المرأة المهر؟ قال: أما ابن عمر؛ فإنه كان يقول: هو زنا، وأما عثمان بن عفان، فكان بقول: تعطى الخمسين من الصَّدَاق، وبه آخذ، قول عثمان ابن عفان رحمه الله: أعطاها بما استحلّ من فرجها".

(1)

في "المغني"(7/ 49/ 5249): "قال الخرقي: فإن دخل بها؛ فعلى سيده خمسا المهر كما قال عثمان رضي الله عنه؛ إلا أن يجاوز الخمسان قيمته، فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه" اهـ.

(2)

انظر: "المغني"(7/ 49/ 5250).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

يشير المصنف إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها؛ فلها المهر بما استحلَّ من فرجها".

أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب النكاح، باب في الولي، 2/ 229/ رقم 2083)، والترمذي في "الجامع"(أبواب النكاح، باب ما جاء لا نكاح الا بولي، 3/ 407 - 408/ رقم 1102) -وقال: "هذا حديث حسن"-، وابن ماجه في "السنن"(كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بوليّ، 1/ 605/ رقم 1879)، والنسائي في "الكبري" -كما في "تحفة الأشراف"(12/ 43) -، وأحمد في "المسند"(6/ 47، 165)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1463)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 128)، وعبد الرزاق في "المصنف"(6/ 195/ رقم 10472)، والدارمي في "السنن"(2/ 137)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 700)، والشافعي في "الأم"(2/ 11)، والحميدي في "المسند" (1 =

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= / 112 - 113/ رقم 228)، وإسحاق بن راهويه في "المسند"(رقم 698، 699)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 7)، وابن حبان في "الصحيح"(9/ 384/ رقم 4074 - "الإحسان")، والدارقطني في "السنن"(3/ 221، 225 - 226)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 168)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 105، 113، 124 - 125، 125، 138)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1115 - 1116)، والبغوي في "شرح السنة"(9/ 39/ رقم 2262)، والخطيب في "الكفاية"(ص 380)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(1/ 8)، وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 188)؛ من طرق كثيرة عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا.

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".

قلت: بل هو حسن؛ فسليمان بن موسى لم يخرج له البخاري وأخرج له مسلم في "المقدمة"، وقال ابن حجر في "التقريب":"صدوق، فقيه، في حديثه بعض لين، وخلط قبل موته بقليل".

وقد أعلّه أحمد بن صالح بقوله: "أخبرني من رأى هذا الحديث في كتاب ذاك الخبيث محمد بن سعيد (أي: المصلوب) عن الزهري، وأنا أظن أنه ألقاه إلى سليمان بن موسى وألقاه سليمان إلى ابن جريج"، كذا أسنده عنه أبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى"(1/ 290).

قلت: ولا يستلزم من وجوده في كتاب ذاك الخبيث أنه تفرد به، والمشهور أن من ضعَّف هذا الحديثُ يستدل بما ذكره أحمد في "مسنده"(6/ 27) عقبه، فقال:"قال ابن جريج: فلقيتُ الزهري، فسألته عن هذا الحديث؛ فلم يعرفه".

وتعقبه الترمذي بقوله: "وذُكر عن يحيى بن معين: أنه قال: لم يُذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم، قال يحيى بن معين: وسماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذلك، إنما صحيح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود ما سمع من ابن جريج.، وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج".

قال الترمذي: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" =

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم".

وقال الحاكم بعد أن صحيح الحديث: "فقد صحَّ وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض؛ فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج عنه، وقوله: إني سألت الزهري عنه فلم يعرفه؛ فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث".

وذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 157) وقال: "وليس أحد يقول فيه هذه الزيادة غير ابن علية، وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج، وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان ابن موسي وهم فيه.

وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 107)، و"الكامل في الضعفاء" لابن عدي (3/ 1115 - 1116).

على أن سليمان بن موسي لم يتفرد به؛ فقد تابعه جعفر بن ربيعة عند أحمد في "المسند"(6/ 66)، وأبي داود في "السنن"(رقم 2084)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 7)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 106)، وعبيد اللَّه بن أبي جعفر عند الطحاوي (3/ 7)، وحجاج بن أرطاة عند ابن ماجه في "السنن"(رقم 1886)، وأحمد في "المسند"(1/ 250 و 6/ 260)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 130) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 7)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 106 و 106 - 107).

وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 430) من طريق زمعة بن صالح، والدارقطني في "السنن"(3/ 227) من طريق محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه؛ كلاهما عن الزهري، به.

وزمعة بن صالح ومحمد بن يزيد بن سنان وأبوه فيهم ضعف؛ فبمجموع هذه الطرق يتقوَّي الحديث ويصحّ. =

ص: 344

فدل على أنه لم يجب بالعقد، وإنما وجب بالوطء، والواجب بالوطء مهر المثل.

وهذا ضعيف؛ فإن الاستحلال يحصل بمحاولة الحل وتحصيله وإن لم يوجد الوطء، وقد يطلق على استحلال [ما لا](1) يحل من الأجنبية مثله، وهو الخلوة أو المباشرة، وذلك مقرر عندنا للمهر، وقد قال [النبي](2) صلى الله عليه وسلم للملاعن مثل ذلك (3)، وليس محمولًا عندنا إلا على [مثل ما ذكرنا، لا](4)

= وصححه ابن حبان وابن الجارود وأبو عوانة وغيرهم، وأعله الطحاوي بالحكاية الباطلة عن ابن جريج.

وللحديث شواهد جمعها الشيخ مفلح بن سليمان الرشيدي في كتابه المطبوع "التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بوليّ". وانظر: "نصب الراية"(3/ 185).

وله طريق أخرى عن عائشة عند أبي عبد اللَّه الرازي في "مشيخته"(رقم 98)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 26)، وتمام في "الفوائد"(1439)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(15/ ق 264)، وإسناده ضعيف.

(1)

كذا في نسخة (أ): "ما لا"، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"ما لم".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب اللعان، باب منه، 3/ 1131 - 1132/ رقم 1493 بعد 5) عن ابن عمر؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمُتلاعنين: "حسابُكما على اللَّه، أحدُكما كاذب، لا سبيل لك عليها. قال: يا رسول اللَّه! مالي؟ قال: لا مال لك، إن كُنت صَدَقْتَ عليها؛ فهو بما استحْلَلْتَ من فرجها، وإنْ كُنتَ كذبت عليها؛ فذاكَ أبعدُ لك منها".

وانظر: "الأحكام الوسطى"(3/ 214) لعبد الحق الإشبيلي، و"تحفة الأشراف"(5/ 421) للمزِّي.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وسقط من (أ) كلمة "مثل" فقط.

ص: 345

على حقيقة الوطء.

فأما عقود المشاركات إذا فسدت؛ كالشركة والمضاربة؛ فهل يجب لمسمى فيها أو أجرة المثل؟

فيه خلاف بين الأصحاب، وليس ذلك مما نحن فيه؛ لأن كلامنا في ضمان القابض بالعقد الفاسد، وهذه العقود لا ضمان فيها على القابض، وإنما يجب له فيها العوض بعمله؛ إما المسمى، وإما أجرة المثل على خلاف فيه (1).

* * *

(1) النكاح الفاسد يستقرُّ بالدُّخول فيه وجوبُ المهر المسمَّى في الرواية المشهورة عن أحمد، والفاسد هو الذي اختلف العلماء في صحته؛ كالنكاح بلا ولي وبلا شهود، والباطل ما أجمع العلماء على فساده؛ كنكاح المعتدة ونكاح الخامسة ونحوه، وهذا اصطلاح خاص بباب النكاح، وإلا؛ فالمشهور كما في أصول الفقه أن الفاسد والباطل سواء، وكذلك فرقوا بينهما في الحج؛ فقالوا: الحج الفاسد هو الذي جامع فيه المحرم قبل التحلل الأول، والباطل هو الذي ارتد فيه، وهنا رجل تزوج امرأة بلا ولي على عشرة آلاف، ودخل بها، والنكاح فاسد؛ يجب التفريق بينهما، ولكن؛ هل يجب عليه المهر المسمّى لأن الوطء مقرر للمهر، أو يجب عليه مهر المثل؟

المذهب أن الواجب المهر المسمّى، وذلك لأن النكاح الفاسد عندهم كالصحيح في كثير من الأحكام. (ع).

ص: 346

(القاعدة الثامنة والأربعون)

كل من ملك شيئًا بعوض ملك عليه عوضه في آن واحد.

ويطرد هذا في البيع والسلم والقرض والإِجارة؛ فيملك المستأجر المنافع، والمؤجر [يملك](1) الأجرة بنفس العقد.

وكذلك في النكاح [في](2) ظاهر المذهب؛ فيملك الزوج [منفعة](3) البضع بالعقد، وتملك [المرأة به](4) الصداق كله.

وكذلك الكتابة؛ تملك (5) العبد منافعه واكتسابه، وتملك عليه النجوم بنفس العقد.

وكذلك الخلع والإِعتاق على مال.

وكذلك المعاوضات القهرية؛ كأخذ المضطر طعام الغير، وأخذ الشفيع الشقص ونحوهما.

وأما تسليم العوضين؛ فمتى كان أحدهما مؤجلًا؛ لم يمنع ذلك

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج): "علي".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "به".

(4)

في (ج): "به المرأة".

(5)

في (ج): "يملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 347

المطالبة بتسليم الآخر، وإن كانا حالين؛ ففي البيع إن كان الثمن دينًا في الذمة، فالمذهب وجوب إقباض البائع أولًا؛ لأن [حق المشتري](1) تعلق بعين؛ فقدم على الحق المتعلق بالذمة، ولا يجوز [للبايع](2) حبس المبيع عنده على الثمن على المنصوص؛ لأنه صار في يده أمانة، فوجب رده بالمطالبة كسائر الأمانات.

واختار صاحب "المغني"(3) أن له الامتناع من إقباضه حتى يحضر الثمن؛ لأن في تسليمه بدون الثمن ضررًا بفوات الثمن عليه؛ فلا [يلزمه](4) تسليمه حتى يحضره.

وقال أبو الخطاب في "انتصاره": الصحيح عندي أنه لا يلزمه التسليم حتى يتسلم الثمن كما في النكاح، وإن كان عينًا؛ فهما سواء، ولا يجبر أحدهما على البداءة بالتسليم، بل ينصب عند التنازع من يقبض منهما ثم يقبضهما، فإن كان هناك خيار لهما أو لأحدهما؛ لم يملك البائع المطالبة بالنقد، ذكره القاضي في (الإجارات) من "خلافه"، وصرح به الأزجي في "نهايته".

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "حقه".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "له".

(3)

قال في "المغني"(4/ 141/ 3076): "ويقوى عندي أنه لا يجب عليه تسليم المبيع حتى يحضر الثمن ويتمكن المشتري من تسليمه؛ لأن البائع إنما رضي ببذل المبيع بالثمن؛ فلا يلزمه دفعه قبل حصول عوضه، ولأن المتعاقدين سواء في المعاوضة؛ فيستويان في التسليم، ولأن للبائع منع المبيع قبل قبض ثمنه أو كونه بمنزلة المقبوض؛ لإِمكان تقبيضه، وإلا؛ فلا" باختصار.

(4)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"يلزم".

ص: 348

[ولا يملك المشتري قبض المببع في مدة الخيار بدون إذن صريح من البائع، نص عليه أحمد في رواية الشَّالَنْجِيّ](1).

وأما في الإجارة؛ فالمذهب أنه لا يجب (2) تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل المعقود عليه أو العين المعقود عليها، كما لا يجب دفع الثمن إلا بعد تسليم المبيع، ومتى تسلم العين؛ وجب عليه [تسليم الأجرة](3) لتمكنه من الانتفاع بقبضها، نص عليه أحمد.

وقال القاضي في "تعليقه": إن الأجير يجب دفع الأجرة إليه إذا شرع في العمل؛ لأنه قد سلم نفسه لاستيفاء المنفعة؛ فهو كتسليم الدار المؤجرة، ولعله يخص ذلك بالأجير الخاص؛ لأن منافعه تتلف تحت يد المستأجر؛ فهو شبيه بتسليم العقار.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع:". . . رواية ابن الشالنجي"، والصواب حذف "ابن".

وهو إسماعيل بن سعيد الشَّالَنْجي، أبو إسحاق، ذكره أبو بكر الخلال؛ فقال:"عنده مسائل كثيرة، ما أحسب أن أحدًا من أصحاب أبي عبد اللَّه روى عنه أحسن مما روى هذا، ولا أشبع، ولا أكثر مسائل منه، وكان عالمًا بالرأي، كبير القدر عندهم، معروفًا".

قال ابن أبي يعلى: "ولم أجد هذه المسائل عند أحدٍ رواها عنه إلا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني؛ فإنه حدث بها عن إسماعيل بن سعيد.

وله كتاب "البيان على ترتيب الفقهاء"، وحدث فيه عن: مروان الفزاري، وسفيان، وجرير، وسعيد بن عامر، وشبابة، ويزيد بن هارون، وغيرهم".

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 104 - 105)، و"المنهج الأحمد"(328).

(2)

في (ج): "لا يلزم".

(3)

كذا في (ج) والمطبوع، وفي (أ):"تسلم الأجرة"، وفي (ب):"تسليم الثمن".

ص: 349

وقال ابن أبي موسى: من استؤجر لعمل معلوم؛ استحق الأجرة عند إيفاء العمل، وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم؛ فله أجر كل يوم عند تمامه.

وظاهر هذا أن المستأجر للعمل (1) مدة يجب له أجرة كل يوم في آخره؛ لأن ذلك مقتضى العرف، وقد يحمل على ما إذا كانت المدة مطلقة غير معينة؛ كاستئجاره كل يوم بكذا؛ فإنه يصح ويثبت له الخيار في آخر كل يوم، [فتجب](2) له الأجرة فيه؛ لأنه غير ملزوم بالعمل فيما بعده، ولأن مدته لا تنتهي؛ فلا يمكن تأخير إعطائه إلى تمامها، أو على أن المدة المعينة إذا عينا (3) لكل يوم منها قسطًا من الأجرة؛ فهي إجارات متعددة، [و](4) أما النكاح؛ فتستحق المرأة فيه المهر بالعقد، ولها الامتناع من التسليم حتى تقبضه في المذهب، ذكره الخرقي والأصحاب (5).

ونقله ابن المنذر (6) اتفاقًا من العلماء، وعلله الأصحاب بأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذر استيفاء المهر عليها؛ لم يمكنها

(1) في نسخة (ب): "لعمل".

(2)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"فيجب".

(3)

في (أ): "عين"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

انظر المسألة في: "المغني"(7/ 200 - 201/ رقم 5636). وقد نقل ابن قدامة هناك قولَ ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك.

(6)

قال في كتابه "الإجماع"(ص 76/ رقم 352)؛ "وأجمعوا أن للمرأة أن تمنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها"، وقال في "الإشراف" (رقم 2277) أيضًا:"كل من نحفظ من أهل العلم يقول: للمرأة أن تمنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها".

ص: 350

استرجاع عوضها، بخلاف المبيع؛ فلذلك ملكت الامتناع من التسليم حتى تقبضه، وهذه العلة موجودة فيما لا [يتباقى](1) من المبيع؛ من المطعومات والمشروبات والفواكه والرياحين، بل [و](2) في سلع التجارة أيضًا، وكذا مما يرجح ما اختاره أبو الخطاب.

وأيضًا؛ فطرد هذا التعليل أن يجوز الامتناع من تسليم العين المؤجرة حتى [يستوفي](3) الأجرة؛ لأن المعقود عليه يتلف أيضًا ويستهلك؛ فلا يمكن استرداده عند تعذر الوصول إلى الأجرة، لكن قد يفرق بينهما بأن الزوج إذا تسلم المرأة؛ فإنه يستوفي في الحال ما يستقر به المهر، فإذا تعذر أخذ المهر منه؛ فات على الزوجة المهر وما قابله.

وأما في الإِجارة، فإذا تسلم المستأجر العين المؤجرة؛ فللمؤجر المطالبة حينئذ بالأجرة، فإذا تعذر حصولها (4)؛ ملك الفسخ، فيرجع (5) إلى المؤجر ما خرج عنه أو غالبه، [و](6) هذا إذا كانت الزوجة ممن يمكن الاستمتاع بها، فإن كانت لا تصلح لذلك؛ فقال ابن حامد وغيره: لها المطالبة به أيضًا.

ورجح صاحب "المغني"(7) خلافه، وخرجه صاحب "الترغيب" مما

(1) كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج):"يبقى".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(3)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"تستوفى".

(4)

في (ب): "حقه".

(5)

في (ب): "فرجع".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

انظر: "المغني"(7/ 199/ 5634).

ص: 351

حكى الآمدي: أنه لا يجب البداءة بتسليم المهر، بل يعدل كالثمن المعين؛ فلا يلزم تسليم المهر إلا عند التمكن من تسلم العوض المعقود عليه.

[وقال الشيخ تقي الدين: الأشبه عندي أن الصغيرة تستحق المطالبة لها بنصف الصداق؛ لأن النصف يستحق بإزاء الحبس، [فهو](1) حاصل بالعقد والنصف الآخر بإزاء الدخول؛ فلا تستحقه إلا بالتمكن] (2)، أما لو استقر المهر بالدخول، ثم نشزت المرأة؛ فلا نفقة لها، ولها [أو](3) لوليها أو سيدها إن كانت أمة المطالبة بالمهر، ذكره أبو بكر وغيره؛ لأن وجوبه استقر بالتمكن؛ فلا يؤثر فيه ما طرأ عليه بعده.

* * *

(1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ج):"وهو".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب) كلمة "المهر"، وفي (أ) و (ج) بدل التمكن:"التمكين".

(3)

في (ب): "و".

ص: 352

(القاعدة التاسعة والأربعون)

القبض في العقود.

على قسمين:

أحدهما: أن يكون من موجب العقد ومقتضاه؛ كالبيع اللازم والرهن اللازم والهبة اللازمة والصداق وعوض الخلع؛ فهذه العقود تلزم من غير قبض، وإنما القبض فيها من موجبات عقودها.

الثاني: أن يكون [القبض](1) من تمام العقد؛ كالقبض في السلم والربويات وفي الرهن والهبة والوقف على رواية والوصية على وجه وفي بيع غير المعين أيضًا؛ على خلاف فيه.

فأما السلم؛ فمتى تفرقا قبل قبض رأس ماله بطل، وكذلك في الربويات.

وأما الرهن والهبة؛ فهل يعتبر القبض فيهما في جميع الأعيان أو في المبهم غير المتميز؛ كقفيز من صبرة؟

على روايتين.

وأما الوقف؛ ففي لزومه بدون إخراج الواقف (2) عن يده روايتان

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

(2)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"الوقف".

ص: 353

معروفتان.

وأما الوصية؛ فهل تلزم بالقبول في المبهم؟

فيه وجهان، واختار القاضي وابن عقيل أنها لا تلزم فيه بدون قبض.

وخرج صاحب "المغني"(1) وجهًا ثالثًا: أنها لا تلزم بدون القبض مطلقًا؛ كالهبة.

وكذلك حكى صاحب "المغني"(2) وغيره وجهين في رد الموقوف عليه المعين للوقف؛ هل يبطل [برده](3)؟

وصرح (4) القاضي في "المجرد" بأن الملك فيه لا يلزم بدون القبض.

وأما المبيع المبهم؛ فذكر القاضي في موضع أنه غير لازم بدون القبض، وذكر في موضع آخر أنه لازم من [جهة البائع](5)، ولم يتعرض للمشتري، ولعله جعله غير لازم من جهته [البائع](6)؛ لأنه لم يدخل في ضمانه بعد، واختار صاحب "المغني" أنه لازم في حقهما جميعًا، وقال:

(1) انظر: "المغني"(6/ 70/ 622)؛ حيث قال: "ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه؛ لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين؛ فاعتبر قوله؛ كالهبة والبيع، قال أحمد: الهبة والوصية واحد. . . ".

(2)

انظر: "المغني"(5/ 349 - 350/ 4370).

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب):"رده".

(4)

في (ج): "وخرج".

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"جهته".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) و (ج).

ص: 354

هو ظاهر كلام الخرقي.

واعلم أن كثيرًا من الأصحاب يجعل القبض في هذه العقود معتبرًا للزومها واستمرارها لا لانعقادها وإنشائها، وممن صرح بذلك صاحب "المغني"(1) وأبو الخطاب في "انتصاره" وصاحب "التلخيص" وغيرهم.

ومن الأصحاب من جعل القبض فيها شرطًا للصحة، وممن صرح بذلك صاحب "المحرر"(2) فيه في الصرف والسلم والهبة، وقال في "الشرح": مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض، وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب من ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض، وقلنا: يعتبر في هبته القبض؛ ففطرته على الواهب.

وكذلك صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة؛ كالإِيجاب في غيرها، وكلام الخرقي يدل عليه أيضًا.

وكذلك ذكر القاضي أن القبض شرط في صحة الصرف والسلم، وصرح به كثير من الأصحاب، ولكن صاحب "المحرر"(3) لم يذكر في الرهن إلا أن القبض شرط للزومه.

وصرح أبو بكر بأنه شرط لصحته، وأن الرهن يبطل بزواله، وكذلك صاحب "المحرر" في "شرح الهداية" والشيرازي [والحلواني](4)

(1) انظر: "المغني"(5/ 379/ 4438).

(2)

قال صاحب "المحرر"(1/ 374): "ولا تلزم الهبة ولا تملك إلا مقبوضة بإذن الواهب".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 374).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 355

[وغيرهم](1).

وأما القرض والصدقة والزكاة (2) وغيرها؛ ففيها [طريقتان](3):

إحداهما: لا يملك إلا بالقبض، رواية واحدة، وهي طريقة "المجرد" و"المبهج"، ونص عليه أحمد في مواضع.

والثانية: أنه في المبهم لا يملك بدون القبض، بخلاف المعين؛ فإنه يملك فيه بالعقد، وهي طريقة القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "مفرداته" والحلواني وابنه، إلا أنهما حكيا في "المعين" روايتين (4)؛ كالهبة.

وأما السهم من الغنيمة؛ فيملك بدون القبض إذا عينه الإِمام بغير خلاف، صرح به الحلواني وابن عقيل [وغيرهما](5).

وأما العارية؛ فلا تملك بدون القبض إن قيل؛ إنها هبة منفعة، وخرج القاضي فيها رواية أخرى: أنها تملك بمجرد العقد؛ كهبة الأعيان، وتلزم إذا كانت مؤقتة، كان قيل: هي إباحة؛ فلا يحصل الملك فيها بحال، بل يستوفي على ملك المالك؛ كطعام الضيف.

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وغيرهما".

وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 150) عن كتابنا هذا، وقال:"وقد تقدم أنه ظاهر كلام الخرقي وغيره"، ثم قال:"فائدة: صفة قبض الرهن كالقبض المبيع".

(2)

في (أ): "كالزكاة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"طريقان".

(4)

في نسخة (ب): "رواية"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ط).

ص: 356

قال الشيخ تقي الدين (1): "التحقيق أن يقال في هذه العقود: إذا لم يحصل القبض؛ فلا عقد وإن كان بعض الفقهاء يقول بطل العقد، فكما يقال إذا: لم يقبل المخاطب؛ بطل الإيجاب؛ فهذا بطلان ما لم يتم، لا بطلان ما تم" انتهى.

ولا يستبعد توقف انعقاد العقد على أمر زائد على الإيجاب والقبول كما يتوقف انعقاد النكاح معهما على الشهادة.

وفي الهبة وجه ثالث حكي عن ابن حامد (2): أن الملك فيها يقع مراعى، فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله، وإلا؛ فهو للواهب، وفرع على ذلك حكم الفطرة، وقد يطرد قوله بالوقف والمراعاة إلى بقية هذه العقود.

وأما البيع الذي يعتبر له القبض؛ ففي كلام أبي بكر ما يدل على أنه لا ينعقد بدون القبض أيضًا؛ فإنه قال: إذا اشتراه كيلًا، فلا [بيع](3) بينهما إلا كيلًا، وتأوله القاضي على نفي [انتقال](4) الضمان، وهو بعيد، قال: لأن أحمد قيل له في رواية ابن مشيش: أليس قد ملكه المشتري؟ قال:

(1) انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (20/ 343 و 29/ 407، 506 و 31/ 272)، وقال في "الاختيارات الفقهية" (ص 126):"من اشترى شيئًا؛ لم يبعه قبل قبضه؛ سواء المكيل والموزون وغيرهما"، ثم قال (ص 127):"وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض".

(2)

في (ج): "في أن".

(3)

في المطبوع: "يقع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 357

بلى، ولكن هو من مال البائع (يعني: إذا تلف). قلت: ولكن صرح أحمد في رواية ابن منصور (1)[بانتفاء](2) الملك قبل القبض. فقال: أما ما يكال ويوزن؛ فلا بد للبائع أن يوفيه المبتاع؛ لأن ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري، وما لا يكال ولا يوزن إذا كان معلومًا؛ فهو ملك للمشتري، فما لزمه من شيء؛ فهو عليه. وقال أيضًا في طعام اشتري بالصفة: ولا يحول (3) البائع الثمن، والبائع مالك بعدما لم يكله المشتري.

وهذا صريح لا يمكن تأويله، فيكون إذًا عن أحمد في انتقال الملك في بيع المكيل والموزون بدون القبض روايتان.

* * *

(1) انظر: "مسائل ابن منصور للإمام أحمد"(رقم 159).

(2)

في المطبوع: "بانتقال"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (ب): "ولا يحرك".

ص: 358

(القاعدة الخمسون)

هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن، أو يقع بدونه مضمونًا في الذمة؟.

هذا على ضربين:

أحدهما: التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى طعام الغير ومنعه وقدر على أخذه؛ فإنه يأخذه مضمونًا، سواء كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك.

والثاني: [ما عداه](1) من التمليكات (2) المشروعة لإزالة ضرر ما؛ كالأخذ بالشفعة، وأخذ الغراس، والبناء (3) من المستعير والمستأجر، والرزع من الغاصب، وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل إنه تملك يقف على التقويم، وكالفسوخ التي يستقل بها البائع بعد قبض الثمن؛ [فيتخرج] (4) ذلك كله على وجهين؛ فإن لأصحابنا في الأخذ بالشفعة وجهين (5):

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"ما عدده".

(2)

في (ج): "التملكات"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (ب): "البناء والغراس" كذا بتقديم وتأخير.

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"يتخرج".

(5)

في (أ): "وجهان"! ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 359

أحدهما: لا يملك بدون دفع الثمن، وهو محكي عن ابن عقيل، ويشهد له نص أحمد أنه إذا لم يحضر المال مدة طويلة؛ بطلت شفعته.

والثاني: تملك (1) بدونه مضمونًا في الذمة، ونص أحمد في فسخ البائع أنه لا ينفذ بدون رد الثمن.

قال أبو طالب: قلت لأحمد: يقولون إذا كان له الخيار؛ فمتى قال اخترت داري أو أرضي؛ فالخيار له، ويطالب بالثمن؟ قال:[كيف] له الخيار ولم يعطه ماله؟! ليس هذا بشيء، إن أعطاه؛ فله الخيار، وإن لم يعطه ماله؛ فليس له [خيار](2).

واختار الشيخ تقي الدين ذلك (3)، وقد يتخرج مثله في سائر المسائل؛ لأن التسليط على انتزاع الأموال قهرًا إن لم يقترن (4) به دفع العوض، وإلا؛ حصل به [ضرر](5) فساد، وأصل الانتزاع القهري إنما شرع لدفع الضرر، والضرر لا يزال بالضرر.

وقد يفرق بين مسألة أبي طالب وبقية المسائل بأن البائع لو فسخ من غير دفع الثمن؛ [لاجتمع](6) له العوض والمعوض، وذلك ممتنع، ولا

(1) في (ج): "تملك".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع:"الخيار".

(3)

انظر: "مجموع الفتاوى"(29/ 364)، وكذلك "الاختيارات الفقهية"(ص 125).

(4)

في (ب): "يقرن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"ضرورة".

(6)

كذا فى (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"اجتمع".

ص: 360

يوجد مثله في بقية الصور؛ إذ أكثر ما فيها التملك، [و](1) يعوض في الذمة، وهو جائز كالقرض وغيره.

تنبيه:

الأملاك القهرية تخالف الاختيارية من جهة أسبابها وشروطها وأحكامها، وتملك ما لا يتملك بها.

أما الأول؛ فيحصل التملك القهري بالاستيلاء على ملك الغير الأجنبي، بخلاف الاختياري.

وأما الثاني؛ فالتملك القهري كالأخذ بالشفعة؛ هل يشترط [معرفته](2) كالبيع، أم لا لأنه قهري كالميراث؟

قال في "التلخيص": فيه تردد.

وأما الثالث؛ فقد ذكرنا اشتراط دفع الثمن للتملك القهري، وللمشتري حبس الشخص (3) المشفوع على دفع الثمن؛ وإن قلنا: يملك بدونه وينفذ تصرف الشفيع فيه قبل قبضه، وهل يثبت له فيه اختيار المجلس؟

على وجهين، قال في "التلخيص": ويخرج التردد في الجميع نظرًا إلى الجهتين.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"منفعته".

(3)

في (ج): "الشقص".

ص: 361

وأما الرابع؛ فيملك (1) الكافر العبد المسلم بالإِرث ويرده عليه بعيب ونحوه في أحد الوجهين، وباستيلاد المسلم أمته وبالقهر.

وكذلك تملك المصاحف بهذه الأسباب، وهل يملك أم ولد المسلم بالقهر؟

على روايتين.

وتملك بالميراث الخمر والكلب، وكذا الصيد في حق المحرم على أحد الوجهين [والمرهون](2)، ولا يتملك ذلك كله بالاختيار.

* * *

(1) في (ج): "فتملك".

(2)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط، وسقط من المطبوع و (ب) و (ج).

ص: 362

(القاعدة الحادية والخمسون)

فيما يعتبر القبض لدخوله في ضمان مالكه وما لا يعتبر له الملك، يقع تارةً بعقد وتارةً بغير عقد.

والعقود نوعان:

أحدهما: عقود المعاوضات المحضة؛ فينتقل الضمان فيها إلى من ينتقل الملك إليه بمجرد التمكن من القبض التام [و](1) الحيازة إذا تميز المعقود عليه من غيره وتعين.

فأما المبيع المبهم غير المتعين؛ كقفيز من صبرة؛ فلا ينتقل ضمانها بدون القبض، وهل يكفي كيله وتمييزه، أم لابد من نقله؟

حكى الأصحاب فيه روايتين، ثم لهم طريقان:

منهم من يقول: هل التخلية قبض في جميع الأعيان المبيعة أم لا؟ [على الروايتين](2).

ومنهم من يقول: التخلية قبض في المبيع المتعين رواية واحدة،

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "أو".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بد من نقله؟ حكى الأصحاب فيه روايتين".

ص: 363

وفيما ليس بمتعين إذا عين وخلى بينه وبينه روايتين (1).

وكلا الطريقين [سلكه](2) القاضي في "خلافه"، وله طريقة ثالثة سلكها في "المجرد": أن الكيل قبض للمبهم رواية واحدة، وذكر قول أحمد في رواية محمد بن الحسن بن هارون (3): قبضه كيله، [وهل](4) التخلية قبض في المعينات؟ على روايتين، وهذه أصح مما قبلها.

وقد فرق أحمد بين المبهم؛ فجعل قبضه كيله، وبين الصبرة؛ فجعل قبضها نقلها في رواية الأثرم؛ لأن المبهم إذا كيل؛ فقد حصل فيه (5) التمييز وزيادة، وهي اعتبار قدره، وكلاهما من فعل البائع، وهو الواجب عليه، ولم يوجد في بقية المعينات شيء من ذلك سوى تمييزها بنفسها.

وعلى الطريقة الأولى؛ فيكون بعد كيله وتمييزه كسائر الأعيان المتميزة، وما عدا (6) ذلك من الأعيان المتميزة؛ فهو داخل في ضمان المشتري بالعقد في ظاهر المذهب؛ لتمكنه من قبضه التام بالحيازة، وقد انقطعت علق البائع منه؛ لأن عليه تسليمه والتمكين من قبضه وقد حصل [به](7)؛ إلا الثمر المشترى في رؤوس شجره، فإن المشتري لا يتمكن من

(1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"روايتان".

(2)

في المطبوع: "مسلك"، والمثبت من النسخ الخطية الثلاث.

(3)

في (ج): "الحسن بن محمد بن هارون"، وهو خطأ، والتصويب من "المقصد الأرشد"(2/ 388).

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وهـ".

(5)

في (ج): "به".

(6)

في (ج): "وما سوى".

(7)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

ص: 364

[كمال](1) قبضه في الحال بحيازته إليه، وكذلك ما لا يتأتى نقله في ساعة واحدة لكثرته؛ فإنه لا ينتقل [إلى](2) ضمانه إلى المشتري إلا بعد مضي زمن يتأتى فيه نقله عادة، صرح به القاضي وغيره.

فالناقل (3) للضمان هو القدرة التامة على الاستيفاء والحيازة، وحكم المبهم المشتري بعدد أو ذرع كذلك، وأنكر أحمد في رواية ابن منصور دخول المعدود فيه، ولعل مراده إذا اشترى صبرة، وأما المشاع؛ فكالمتعين؛ لأن تسليمه يكون على هيئة لا يقف على إفرازه، كذلك ذكره القاضي وابن عقيل، والصبرة المبتاعة كيلًا أو وزنًا؛ كالقفيز المبهم عند الخرقي وأبي بكر والأكثرين؛ لأن علق البائع لم تنقطع منها ولم تتميز، فإن زيادتها له ونقصها عليه.

وفي "التلخيص" أن بعض الأصحاب خرج فيها وجهًا [آخر](4) بإلحاقها بالعبد والثوب بناءً على أن العلة اختلاط المبيع بغيره، قال: وهو ضعيف. قال: واستثنى بعض أصحابنا منها المتعينات في الصرف؛ لقوله عليه [الصلاة و](5) السلام: "إلا هاءً وهاء"، ومراده: أن الشارع اعتبر له

(1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"تمام".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في نسخة (ج): "والناقل".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ج):"صلى الله عليه وسلم".

ويشير المصنف بقوله: "إلا هاء وهاء" إلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفعه: "الذهب بالوَرِق ربًا، إلا هاءَ وهاءَ والبُرُّ بالبُرِّ ربًا؛ إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا؛ إلا هاءَ وهاء، والشعير بالشعير ربًا؛ إلا هاءَ وهاءَ". =

ص: 365

القبض، فالتحق بالمبهمات [بقصد سرعة انبرام العقد فيها؛ فناسبه قطع علق البائع عنها في الحال](1).

ونقل صالح (2) عن أحمد فيمن اشترى عبدًا فمات في يد المبتاع: هو من مال المبتاع؛ إلا أن يقول المبتاع (3) تسلمه؛ فلا يتسلمه، وظاهر هذا أنه يكون من ضمان البائع؛ إلا أن يمتنع المشتري من تسلمه بعد عرضه عليه، فيدخل في ضمانه.

ونقل حنبل عنه إذا عرضه البائع عليه ولم ينقده الثمن [فتلف](4)؛ فهو من مال البائع، وإن نقده الثمن وتركه عنده؛ فهو من مال المشتري.

ويلتحق بهذه المضمونات من المبيع (5) ما اشتري بصفة أو رؤية سابقة على العقد؛ لأن الغيبة مانعة من التمكن من القبض.

فأما المبيع في مكان أو زمان يغلب فيه هلاك السلعة؛ فهل يكون

= أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب ما يُذكر في بيع الطعام والحُكْرة، 4/ 247/ رقم 2134، وباب بيع التمر بالتمر، 4/ 377/ رقم 2170، وباب بيع الشّعير بالشعير، 4/ 377 - 378/ رقم 2174)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب الصَّرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، 3/ 1209 - 1210/ رقم 1586)، وغيرهما.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

انظر: "مسائله"(3/ 190/ رقم 1626). وانظر الفروع المتقدمة أيضًا: "الإنصاف"(4/ 464 - وما بعدها)، و"المبدع"(4/ 119).

(3)

في (أ): "للمبتاع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في (ب): "البيع".

ص: 366

مضمونًا (1) على البائع مطلقًا أم لا؟

هذه مسألة تبايع الغنيمة بعد القسمة في دار الحرب، إذا غلب عليها العدو بعد ذلك، وعن أحمد في ضمانها روايتان، كذا حكى الأصحاب، ولم يفرق أكثرهم بين ما قبل القبض وبعده، وظاهر كلام ابن عقل التفريق، وأنه قبل القبض من ضمان البائع قولًا واحدًا؛ كالثمر المعلق في رؤوس الشجر لتعرضه للآفات، وفيه نظر، فإن [الثمر يتمكن](2) المشتري من قبضه تامًّا بخلاف المبيع المعين في دار الحرب، وخص أكثر الأصحاب ذلك بمال الغنيمة؛ لأن تطلب الكفار لها شديد وحرصهم على استردادها معلوم، بخلاف غيرها من أموال المسلمين.

وحكى ابن عقيل في تبايع المسلمين أموالهم بينهم بدار الحرب إذا غلب عليها (3) العدو قبل قبضه وجهين؛ كمال الغنيمة، فأما ما بيع في دار الإسلام [في زمن](4) نهب ونحوه؛ فمضمون على المشتري قولًا واحدًا، ذكره كثير من الأصحاب؛ كشراء من يغلب على الظن هلاكه؛ كمريض (5) ميؤوس منه، أو مرتد، أو قاتل في محاربة، أو في زمن طاعون غالب (6)،

(1) في (أ)"مضمون"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج):"فإن الثمر لم يتمكن"، وفي المطبوع:"فإن الثمر لم ويتمكن".

(3)

في (أ): "عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ج): "بزمن" ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (أ): "كمرض"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

في (أ): "كبير".

ص: 367

ويحتمل [في هذا أن يفرق](1) بين التلف قبل القبض وبعده.

[وأما](2) الأعيان المملوكة بعقد غير البيع؛ كالصلح والنكاح والخلع والعتق ونحو ذلك؛ فحكمها حكم البيع فيما ذكرنا عند أكثر الأصحاب.

قال في "المغني"(3): ليس فيه اختلاف.

وحكى أبو الخطاب ومن اتبعه رواية بأن الصداق مضمون على الزوج قبل القبض مطلقًا؛ فإنه نص فيما إذا أصدقها غلامًا ففقئت عينة قبل أن يقبضه؛ أن عليه ضمانه.

وتأولها القاضي على أن الزوج فقأ عينه أو أنه امتنع من التسليم حتى فقئت عينه؛ فيكون ضامنًا [له](4) بلا ريب.

ويمكن أن [يتخرج](5) من هذا رواية بأن ضمان جميع الأعيان لا [ينتقل](6) إلا بالقبض في البيع وغيره.

وخرجها [طائفة من](7) الأصحاب رواية عن أحمد من نصه على ضمان صبر الطعام على البائع قبل القبض؛ فمن الأصحاب من تأولها على

(1) في (ج): "أن يفرق في هذا" هكذا بتقديم وتأخير، وسقط من (ب):"في هذا".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"فأما".

(3)

انظر: "المغني"(7/ 173/ 5583 و 177/ 5588).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(5)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"يخرج".

(6)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"تنتقل".

(7)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بعض".

ص: 368

أنها بيعت كيلًا، ومنهم من أقرها رواية في المكيل والموزون وإن بيع جزافًا، ومنهم من خرج منها رواية في جميع الأعيان المتميزة، ومأخذ ذلك أن علق الملك لا [ينقطع](1) عنه بدون القبض؛ لأن تسليمه واجب عليه بحق العقد ولم يوجد؛ فلم تتم أحكام العقد، فكان مضمونًا على المملك.

وهذه [شبهة](2) ابن عقيل التي اعتمدها في أن ضمان جميع الأعيان على البائع قبل القبض، وهي ضعيفة؛ فإن البائع عليه التمكين من القبض، وهو معنى التسليم، فإذا وجد منه؛ فقد قضى ما عليه، وأما النقل؛ فهو على المشتري دون البائع، وهو واجب عليه؛ لتفريغ ملك البائع من ملكه؛ فكيف يكون تعديه بشغل أرض المالك بملكه من غير إذنه، أو مع مطالبته بتفريغه موجبًا للضمان على البائع؟!

ويحتمل أن يفرق بين النكاح وغيره من العقود بأن المهر في النكاح ليس بعوض أصلي، بل هو شبيه بالهبة، ولهذا سماه اللَّه نِحْلَة (3)؛ فلا ينتقل ضمانه إلى المرأة بدون القبض؛ كالهبة والصدقة والزكاة، وهذا كله في الأعيان.

فأما المنافع في الإِجارة؛ فلا تدخل في ضمان المستأجر بدون القبض، [أو التمكن منه إذا فوته](4) باختياره، فإن استوفى المنافع؛ فلا

(1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"تنقطع".

(2)

في المطبوع و (ب) و (ج): "شبه".

(3)

في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4].

(4)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"أو التمكين منه إذا فوته"، وفي المطبوع:"أو التمكين منه أو تفوته".

ص: 369

كلام، وإن تمكن من استيفائها بقبض العين أو تسليم الأجير الخاص نفسه؛ [تلفت](1) من ضمانه أيضًا لتمكنه من الانتفاع.

والنوع الثاني: عقود لا معاوضه فيها؛ كالصدقة والهمة والوصية.

فالوصية تملك بدون القبض، والهبة والصدقة فيهما خلاف سبق، فإذا قيل: لا يملكان بدون القبض؛ فلا كلام، لكن؛ هل يكتفى بالقبض فيهما بالتخلية على رواية كالبيع، أم لا بد من النقل؟

جمهور الأصحاب على تسوية [الهبة والرهن](2) بالبيع في كيفية القبض، واختار صاحب "التلخيص"(3) أنه لا يكفي [التمكن](4) ها هنا في اللزوم؛ ففي أصل الملك أولى، قال: لأن القبض هنا سبب الاستحقاق، بخلاف القبض في البيع، فإن العقد سبب لاستحقاق القبض؛ فيكفي فيه التمكن (5)، وإن قيل: يحصل الملك بمجرد العقد؛ فلا ينبغي أن يكون مضمونًا على الملك إذا تلف في يده من غير منع؛ لأنها عقود بر وتبرع؛ فلا يقتضي الضمان، وكلام الأصحاب يشهد لذلك.

وأما الوصية إذا ثبت الملك للموصى له؛ إما بالموت بمجرده من غير قبول، أو بالموت مراعى بالقبول، أو بالقبول من حينه دون ما قبله على

(1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "يكون".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"الرهن والهبة" هكذا بتقديم وتأخير.

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"التمكين".

(4)

كتب ناسخ (أ) في الهامش هنا: "في التلخيص": الرهن كالهبة في كيفية القبض، ولهذا لا يغرم إلا ببيّنةٍ في العقد".

(5)

في (أ) و (ب): "التمكين".

ص: 370

اختلاف الوجوه في المسألة؛ فإن ضمانه من حين القبول على الموصى له من غير (1) خلاف نعلمه إذا كان متمكنًا من قبضه، وأما ما قبل القبول؛ ففيه وجهان:

أحدهما: أنه من ضمان الموصى له أيضًا، وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي (2)، وصرح به القاضي وابن عقيل في كتاب "العتق"، وكذلك صاحب "المغني"(3) و"الترغيب" وغيرهم، ولم يحكوا فيه خلافًا، وهذا لأنا إن قلنا: يملكه بمجرد الموت؛ إما مع القبول أو بدونه؛ فهو ملكه، فإذا تمكن من قبضه؛ كان عليه ضمانه؛ كما لو ملكه بهبة أو غيرها من العقود، وإن قلنا: لا يملكه إلا من حين القبول؛ فلأن حقه تعلق [بالعين](4) تعلقًا يمنع الورثة من التصرف فيه؛ فأشبه العبد الجاني إذا أخر المجني عليه استيفاء حقه حتى نقص أو تلف، ولأن حق الموصى له في التملك ثابت لا يمكن إبطاله؛ فكان ضمان النقص عليه وإن لم يحصل له الملك؛ كما في ربح المضاربة إذا قلنا: لا يملك إلا بالقسمة، ونصف الصداق إذا قلنا: لا يملك الا بالتملك، والمغانم إذا قلنا (5): لا تملك بدون القسمة، بخلاف بقية العقود؛ فإن الحق فيها يمكن إبطاله.

والوجه الثاني: لا يدخل (6) في ضمانه إلا بالقبول على الوجوه كلها،

(1) في (ب): "بغير".

(2)

انظر: "المغني"(6/ 69/ 4621).

(3)

وانظر: "المغني" أيضًا (6/ 70/ 4622).

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"بالغير".

(5)

في (ب): "قيل".

(6)

في (ج): "لا تدخل".

ص: 371

وهو المجزوم به في "المحرر"(1)؛ لأنه إن قيل: لا [يملكه](2) إلا من حبنه؛ فواضح لأنه لم يكن قبل ذلك على ملكه، فلا يحسب نقصه عليه، وإن قيل: يملكه بالموت؛ فالعين مضمونة على التركة بدليل ما لو تلفت قبل القبول؛ فإنها تتلف من التركة لا من مال الموصى له؛ فكذلك أجزاؤها؛ لأن القبول وإن كان مثبتًا للملك من حين الموت؛ إلا أن ثبوته السابق تابع لثبوته من حين القبول والمعدوم حال القبول، لا يتصور الملك فيه، فلا يثبت فيه ملك.

نعم، إن قيل: يملكه بمجرد الموت من غير قبول؛ فينبغي أن يكون [ضمانه عليه](3) بكل حال؛ كالموروث.

وهذا كله في المملوك بالعقد (4)، فأما ما ملك بغير عقد؛ فنوعان:

أحدهما: الملك القهري؛ كالميراث، وفي ضمانه وجهان:

أحدهما: أنه يستقر على الورثة بالموت إذا كان المال عينًا حاضرة يتمكن من قبضها.

قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل ترك مئتي دينار وعبدًا قيمته مئة دينار وأوصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد موت الرجل: وجب العبد للموصى له، وذهبت دنانير الورثة.

(1) انظر: "المحرر"(1/ 384 - 385) لمجد الدبن أبي البركات.

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"يملك".

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"من ضمانه".

(4)

في (أ) و (ج): "بالعقود".

ص: 372

وهكذا ذكر الخرقي وأكثر الأصحاب؛ لأن ملكهم استقر بثبوت سببه؛ إذ هو لا يخشى انفساخه، ولا رجوع لهم بالبدل على أحد؛ فأشبه ما في يد المودع ونحوه، بخلاف المملوك بالعقود؛ لأنه إما أن يخشى انفساخ سبب الملك فيه أو يرجع ببدله؛ فلذلك اعتبر له القبض.

وأيضًا؛ فالمملوك بالبيع ونحوه ينتقل الضمان فيه بالتمكن (1) من القبض؛ فالميراث أولى.

وقال القاضي وابن عقيل في كتاب العتق: لا يدخل في ضمانهم بدون القبض؛ لأنه لم يحصل في أيديهم ولم ينتفعوا به؛ فأشبه الدين والغائب ونحوهما ما لم يتمكنوا من قبضه، فعلى هذا إن زادت التركة قبل القبض؛ فالزيادة للورثة، وإن نقصت لم يحسب النقص عليهم، وكانت التركة ما بقي بعد النقص حتى لو تلف (2) المال كله سوى القدر الموصى به؛ صار هو التركة، ولم يكن للموص له سوى ثلثه؛ إلا أن يقال: إن الموصى له يملك الوصية بالموت بمجرده، أو مراعى بالقبول؛ فلا تزاحمه الورثة؛ لأن ملكه سبق استحقاقهم لمزاحمته بالنقص (3)؛ [فيختص](4) به كما لو لم يتلف المال إلا بعد قبوله.

وعلى ذلك خرج صاحب "الترغيب" وغيره كلام أحمد في رواية ابن

(1) في (ج): "بالتمكن".

(2)

في (ب): "تلفت"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (أ): "بالقبض".

(4)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"فيتختص"، ولعله خطأ مطبعي.

ص: 373

منصور (1)، والأول (2) أصح؛ لأن الموصى له تمكن (3) من أخذ العين الموصى بها مع حضور التركة والتمكن من قبضها بغير خلاف، ولو لم يدخل في ضمانهم إلا بالقبض؛ لم يمكن (4)[أن يأخذ](5) من العين أكثر من ثلثها وتوقف (6) قبض الباقي على قبض الورثة، فكلما قبضوا شيئًا؛ أخذ من [العين](7) بقدر ثلثه، كما لو كانت التركة دينًا أو غائبًا لا يتمكن من قبضه.

والنوع الثاني: ما يحصل بسبب [من](8) الآدمي يترتب عليه الملك، فإن كان حيازة مباح؛ كالاحتشاش والاحتطاب والاغتنام؛ فلا إشكال، ولا ضمان هنا على أحد سواه، ولو وكل في ذلك أو شارك فيه؛ دخل في حكم الشركة والوكالة، وكذلك اللقطة بعد الحول؛ لأنها في يده، وإن كان تعين ماله في ذمة غيره من الديون؛ فلا يتعين في المذهب المشهور إلا بالقبض، وعلى القول الآخر يتعين بالإذن في القبض؛ فالمعتبر حكم ذلك الإِذن.

(1) وقد سبق نقل المصنف له قريبًا.

(2)

في (ب): "والأولى".

(3)

في (أ): "يمكن".

(4)

فى (ج): "يكن"!

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في (ج): "ويوقف".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموص به"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

ص: 374

(القاعدة الثانية والخمسون)

في التصرف في المملوكات قبل قبضها.

وهي منقسمة إلى عقود وغيرها؛ فالعقود نوعان:

أحدهما: عقود المعاوضات، وتنقسم إلى بيع وغيره.

فأما [البيع](1)؛ فقالت طائفة من الأصحاب: التصرف قبل القبض والضمان متلازمان، فإن كان البيع (2) مضمونًا على البائع؛ لم يجز التصرف فيه [للمشتري حتى يقبضه، وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري؛ جاز له التصرف فيه](3)، وصرح بذلك القاضي في "الجامع الصغير" وغيره، وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالي الضمانات.

وفي المذهب طريقة أخرى، وهي أنه تلازم بين التصرف والضمان؛ فيجوز التصرف والضمان على البائع كما في بيع الثمرة قبل جدها؛ فإنه يجوز في أصح الروايتين، وهي مضمونة على البائع، ويمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافًا على إحدى الروايتين، وهي اختيار الخرقي مع أنها في ضمان المشتري، وهذه طريقة الأكثرين من الأصحاب؛ فإنهم

(1) في (ج) والمطبوع: "المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ): "المبيع".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 375

حكوا الخلاف في بيع الصبرة مع عدم الخلاف في كونها مضمونة على البائع.

وممن ذكر ذلك ابن أبي موسى والقاضي في "المجرد" و"الخلاف" وابن عقيل في "الفصول" و"المفردات" والحلواني وابنه وغيرهم.

[وصرح ابن عقيل في "النظريات" بأنه لا تلازم بين الضمان والتصرف](1)، وعلى هذا؛ فالقبض نوعان:

قبض يبيح التصرف، وهو الممكن في حال العقد.

وقبض ينقل الضمان (2)، وهو القبض التام المقصود بالعقد.

وقد حكى ابن عقيل وغيره الخلاف فيما يمتنع التصرف فيه قبل قبضه؛ هل هو المبهم، أو جنس المكيل والموزون وإن بيع جزافًا، أو المطعوم خاصة مكيلًا أو موزونًا كان أو غيرهما، أو المطعوم المكيل أو الموزون؟

ونقله مهنا عن أحمد، وضعف القاضي هذه الرواية ورجحها صاحب "المغني"(3)، ولم يذكروا في الضمان [مثل](4) ذلك.

واختار ابن عقيل المنع من بيع جميع الأعيان قبل القبض؛ معلِّلًا بأن العقد الأول لم يتم حيث بقي من أحكامه التسليم؛ فلا يرد عليه عقد آخر

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع و (ب) و (ج): "ينقل والضمان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

انظر المسألة بطولها في "المغني"(4/ 87 - 88/ 2946)؛ ففيها فوائد جمة.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 376

قبل انبرامه، ولم يجعل الضمان ملازمًا له.

وكلام القاضي في "الجامع الصغير" قد يتأول بأنه ذكر أن المتعين يجوز بيعه قبل القبض وغير المتعين لا يجوز، ثم لازم بعد ذلك بين جواز البيع والضمان، وهو صحيح على ما ذكره؛ فإنه اقتصر على ذكر جادة المذهب، وهو أن لا ضمان، ولا منع [من التصرف](1)؛ إلا في المبهم خاصة.

[ومما يبين أنه](2) لا تلازم بين التصرف والضمان: أن المنافع المستأجرة يجوز أن يؤجرها المستأجر وهي مضمونة على المؤجر الأول، والثمر المبيع على شجره (3) يجوز بيعه على المنصوص وهو مضمون على البائع الأول، والمقبوض قبضًا فاسدًا كالمكيل إذا قبض جزافًا ينتقل (4) الضمان فيه إلى المشتري، ولا يجوز التصرف فيه قبل كيله وبيع الدين ممن هو في ذمته؛ جائز على المذهب وليس مضمونًا على مالكه، وكذلك المالك يتصرف في المغصوب والمعار والمقبوض بعقد فاسد وضمانها على القابض.

والتعليل بتوالي الضمانين ضعيف؛ لأنه لا محذور فيه، كما لو تبايع الشقص المشفوع جماعة ثم انتزعه الشفيع من الأول، وكذلك التعليل

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ):"ولم يبين أن"، وفي المطبوع:"ولم يبين أنه".

(3)

في المطبوع: "شجر المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"فانتقل".

ص: 377

بخشية انتقاص الملك بتلفه عند البائع يبطل بالثمر المشترى في رؤوس الشجر وبإجارة المنافع المستأجرة، ويهذا أيضًا يتنقض تعليل ابن عقيل، وببيع (1) الدين ممن هو عليه؛ لأن البائع وفَّى [ما](2) عليه بالتخلية والتمييز (3)؛ فلم يبق [له](4) علقة في العقد، وعلل أيضًا بأنه داخل في بيع ما ليس عنده، وهو شبيه [ببيع الغرر](5) لتعرضه للآفات؛ وهو يقتضي المنع في جميع الأعيان.

وأشار الإِمام أحمد إلى أن (6) المراد من النهي عن ربح ما لم يُضْمَن (7)؛ حيث كان مضمونًا على بائعة، فلا يربح فيه مشتريه، وكأنه

(1) في (ج): "وبيع".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(3)

في (أ): "والتميز".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"بالغرر".

(6)

في (ب): "أنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(7)

يشير المصنف إلى ما أخرجه الترمذي في "الجامع"(رقم 1234) -وقال: "هذا حديث حسن صحيح"-، والنسائي في "المجتبي"(7/ 288) وفي "السنن الكبرى" -كما في "التحفة"(6/ 305) -، وأبو داود في "السنن"(رقم 3504)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2188)، والطيالسي في "المسند"(رقم 2257)، وأحمد في "المسند"(10/ رقم 6671)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 678، 5/ 1767)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 601)، والطبراني في "الأوسط"(2/ 298)، والبيهقي في "السنن الكبري" (5/ 267)؛ من طريق أيوب السختياني: حدثنا عمرو بن شعيب، حدثني أبي، عن أبيه. . . -حتى ذكر عبد اللَّه بن عمرو-: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلّ سَلَفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يُضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليس عندك". لفظ الترمذي وبعضهم اختصره. =

ص: 378

حمل النهي عن (1) الربح على النهي عن أصل البيع (2)؛ لأنه مظنة الربح.

ويتخرج له قول آخر: أن المنهي عنه (3) حقيقة الربح دون البيع بالثمن الذي اشتراه [به](4)؛ فإنه منع في رواية من إجارة المنافع المستأجرة إلا بمثل الأجرة (5) لئلا يربح فيما لم يضمن، ومنع في رواية أخرى من ربح

= وإسناده حسن.

وتابع أيوبًا جمع؛ منهم:

عامر الأحول عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 46)، والدارقطني في "سننه"(3/ 75)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 1736).

وابن عجلان عند أحمد في "المسند"(11/ رقم 6918)، والبيهقي في "السنن الكبري"(5/ 313).

وعبد الملك بن أبي سليمان عند الطحاوي (4/ 46)، والبيهقي (5/ 313).

والأوزاعي عند البيهقي (5/ 340).

وداود بن قيس عند الطحاوي (4/ 46)، والبيهقي (5/ 343، 348).

والضحاك بن عثمان عند أحمد (10/ رقم 6628).

ومطر الوراق عند النسائي في "المجتبى"(7/ 289).

وحسين المعلم عند الدارمي في "السنن"(2/ 253)، والنسائي في "المجتبى"(7/ 295).

والحديث صحيح.

(1)

في المطبوع: "عنه هو"، ولعل الصواب ما في (أ) و (ب) و (ج).

(2)

في المطبوع: "الربح"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "النهي عن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(5)

في (ج): "الأجر".

ص: 379

ما اشتراه المضارب على وجه المخالفة لرب المال؛ لأنه ضامن له بالمخالفة؛ فكره أحمد ربحه لدخوله في ربح ما لم [يضمنه](1)، وأجاز أصل البيع، وأجاز الاعتياض عن ثمن المبيع قبل قبضه بقيمته من غير ربح؛ لئلا يكون ربحًا فيما لم [يضمنه] (2)؛ فيخرج من هذا رواية [عنه] (3): أن كل مضمون على غير مالكه يجوز بيعه بغير ربح، ويلزم مثل ذلك في بيع الدين من الغريم، والتمر على رؤوس النخل، وغيرهما مما لم يضمنه البائع.

ونقل حنبل عن أحمد في بيع الطعام الموهوب قبل قبضه: لا بأس به ما لم يكن للتجارة، وهذا يدل على أن [الممنوع](4) في بيع الطعام قبل قبضه هو الربح والتكسب، ولا فرق في ذلك بين بيعه من بائعه وغيره، وقد نص أحمد على منع بيعه من بائعه حتى يكيله (5)، واختلف الأصحاب في الإِقالة فيه قبل قبضه (6)؛ فمنهم من خرجها على الخلاف في كونها بيعًا أو فسخًا، فإن قيل: إنها بيع؛ لم [تصح](7)، وإلا؛ صحت، وعن أبي بكر أنه منعها على الروايتين بدون كيل ثانٍ؛ لأنها تجديد ملك.

(1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"يضمن".

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"يضمن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في المطبوع: "المنع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في "مسائل ابن منصور"(1/ 212/ رقم 49) قال: "قلت: إذا اشترى ما يكال ويوزن؛ يُوَلِّي صاحبه أو يشرك فيه إنسانًا قبل أن يقبضه؟ قال: لا" اهـ.

(6)

في (أ): "القبض".

(7)

في المطبوع و (أ) و (ب): "يصح"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 380

ويتخرج لنا رواية ثالثة (1) بجواز البيع من البائع؛ لأن أحمد أجاز في رواية منصوصة عنه (2) بيعه من الشريك الذي حضر كيله وعلمه من غير كيل آخر؛ فالبائع أولى.

وحكى القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في (كتاب الإِجارات)[روايتين](3) في جواز بيعه قبل القبض من بائعه خاصة، وذكرا مأخذها، وهو اختلاف الروايتين عنه في بيع الدين في الذمة إذا كان طعامًا مكيلًا أو موزونًا قبل قبضه، وهذا مخالف لما [ذكراه](4) في البيع؛ فإنهما خصا [فيه](5) الروايتين بما في الذمة، سواء كان طعامًا أو غيره هذا في التصرف فيه بالبيع (6).

وأما غيره من العقود؛ فقال القاضي في "المجرد" وابن عقيل: لا

(1) في (أ): "ثابتة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في "مسائل ابن منصور"(ص 228/ رقم 68) قال: "قلت: الرجل يشتري الشيء ما لا يكال ولا يوزن؛ أبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: يبيعه قبل أن يقبضه".

وفيه أيضًا (ص 352/ رقم 240) منها: "قال أحمد. . . وكل ما لا يكال ولا يوزن؛ مثل الدار والجد والأمة وكل شيء خرج من حد المكيل والوزن؛ إذا كان ذلك معلومًا؛ فهو من مال المشتري، فما لزمه من شيء، فهو عليه".

وفي (ص 292/ رقم 159) منها أيضًا قال: "قلت: رجل باع من رجل حنطة بذهب إلى أجل، ثم يشتري به تمرًا قبل أن يقبض الذهب؛ من بيعه؟ قال: لا يجوز شيء مما يكال أو يوزن بشئ مما يكال أو يوزن، ولا بأس أن يشتري منه ما لا يكال ولا يوزن".

(3)

في المطبوع: "رواية"، ولعل الصواب ما في (أ) و (ب) و (ج)، وقد أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "ذكرناه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في (ج): "في البيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 381

يجوز رهنه ولا هبته ولا إجارته قبل القبض؛ كالبيع. ثم ذكرا في [كتاب](1) الرهن عن الأصحاب: أنه يصح رهنه قبل قبضه؛ لأنه لا يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، بخلاف البيع.

وفي هذا المأخذ نظر؛ لأن الرهن إنما يصح فيما يصح بيعه؛ لأنه يفضي إلى البيع، لكن تركه في يد البائع لا يطول غالبًا، وقبضه متيسر؛ فلذلك (2) يصح رهنه.

وعلل ابن عقيل المنع من رهنه؛ لأنه غير مقبوض ولا متميز ولا متعين، وفيه ضعف؛ لإِمكان تمييزه وقبضه.

وعلل مرة أخرى في الرهن والهبة بأن القبض شرط لهما؛ فكيف ينبني عقد من شرطه القبض على عقد لم يوجد فيه القبض؟!

وللأصحاب وجه آخر بجواز (3) رهنه على غير ثمنه، حكاه أبو الخطاب فيما كان معينًا؛ كالصبرة، وأظنه [منع](4) منه في المبهم لعدم تأتي القبض (5) وهو معتبر فيه كما ذكر ابن عقيل؛ فخرج من هذا وجهان للأصحاب في سائر العقود.

ومن الأصحاب من قطع بجواز جعله مهرًا معللًا بأن ذلك غرر (6)

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(2)

في (ب): "فكذلك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (ب): "أنه بجواز"، ولعل "أنه" زائدة.

(4)

في المطبوع و (أ): "منعه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

قال أبو الخطاب في "الهداية"(1/ 151): "ويجوز رهن المبيع المعين قبل قبضه من البائع على غير ثمنه، فأما رهنه على ثمنه؛ فيحتمل وجهين" اهـ.

(6)

في (أ): "غيور".

ص: 382

يسير؛ [فيغتفر](1) في الصَّدَاقِ، ومنهم صاحب "المحرر"(2)، وهذا وجه ثالث.

هذا كله في المبيع (3)، فأما ثمنه؛ فإن كان معينًا؛ جاز التصرف [فيه](4) قبل قبضه، سواء كان المبيع يجوز التصرف فيه قبل القبض أو لا، وصرح به القاضي، وإن كان مبهمًا؛ لم يجز إلا بعد تمييزه، وإن كان دينًا؛ جاز أن يعاوض عنه قبل قبضه.

ذكره القاضي وابن عقيل، ولم يخرجا المعاوضة [على الدين](5)، على الخلاف في بيع الدين ممن [هو](6) عليه، وقد حكيا (7) في ذلك روايتين، والأكثرون أدخلوه في جملة صور (8) الخلاف.

(1) في المطبوع: "يغتفر" بدون الفاء.

(2)

انظر: "المحرر"(2/ 31).

(3)

كتب هنا في هامش (أ): "حكى أبو الخطاب في "الانتصار" وجهًا: أنه لا يجوز التصرف في الثمن المعين فبل قضه، معللًا بأنه يخشى انفساخ العقد بتلفه، بخلاف ما إذا كان دينًا؛ فإنه يخشى انفساخ العقد بتلفه؛ فيصح التصرف فيه قبل القبض، وهذا استدلال من وجهين:

أحدهما: أن المتعين يدخل في ضمان البائع، فلا ينفسخ العقد بتلفه.

والثاني: أن الدين المستقر لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه مطلقًا، وإنما يجوز بيعه لمن هو في ذمته على رواية".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

في (ج): "حكينا".

(8)

في (أ): "صورة".

ص: 383

وقد نص أحمد على جواز اقتضاء النقدين من الآخر بالقيمة في رواية الأثرم وابن منصور وحنبل.

ونقل عنه القاضي البرتي في طعام في الذمة؛ هل يشترى به شيئًا ممن عليه فتوقف؟ قال: "فقلت له: لم لا يكون هذا مثل اقتضاء الورق من الذهب؟ فكأنه أجازه من غير أن يوضحه إيضاحًا بينًا"، وهذا يشعر [أن](1) اقتضاء أحد النقدين من الأخر يجوز من غير خلاف، لحديث ابن عمر في ذلك (2).

(1) في (ب): "بأن".

(2)

يشير المصنف إلى ما أخرجه النسائي في "المجتبى"(كتاب البيوع، باب أخذ الورق من الذهب والذهب من الورق، 7/ 282) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(8/ 504) من طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر؛ قال:"كنتُ أبيع الذّهب بالفضة، أو الفضّة بالذهب، فأتيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك؛ فقال: إذا بايعتَ صاحبَك؛ فلا تُفارته وبينك وبينه لُبْسٌ".

وأخرج أحمد في "المسند"(2/ 33، 83 - 84، 139)، والترمذي في "الجامع"(أبواب البيوع، باب ما جاء في الصرف، 3/ 544/ رقم 1242)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب البيوع، باب أخذ الوَرِق من الذهب، 7/ 283)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب التجارات، باب اقتضاء الذهب من الوَرِق، 2/ 760/ رقم 2262)، والدارمي في "السنن"(2/ 174)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1868)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 655)، والطحاوي في "المشكل"(2/ 96)، وابن حبان في "الصحيح"(رقم 1128 - موارد)، والدارقطني في "السنن"(3/ 23 - 24)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 44)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 284، 315) و"المعرفة"(8/ 112 - 113/ رقم 11317)، وابن حزم في "المحلى"(8/ 503)، من طريق حماد ابن سلمة، عن سماك، به، وفيه: عن ابن عمر قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: رُويدك =

ص: 384

والخلاف في المعاوضة عنهما بغيرهما، ولم يذكر القاضي وابن عقيل في الصرف في ذلك خلافًا.

والمعنى في ذلك أن النقدين لتقاربهما في المعنى أجريا مجرى

= أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع بالدّنانير، وآخذ الدّراهم؟ قال: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء". لفظ النسائي.

ولفظ أبي داود: "كنتُ أبيع الإِبل بالبقيع، أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير، فسألتُ عن ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس بذلك إذا كان بسعر يومها".

قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا؛ إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا".

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.

وقال البيهقي في "الكبري": "تفرد به سماك بن حرب عن سعيد بن جبير بين أصحاب ابن عمر"، وقال في "المعرفة" (8/ 113 - 114):"والحديث ينفرد برفعه سماك ابن حرب".

وأسند إلى الطيالسي قوله: "كنا عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق وأبو الربيع السَّمَّان -وكان خالد الذي سأله-؛ فقال: يا أبا بسطام! حدثنا بحديث سماك بن حرب عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر في اقتضاء الوَرِق من الذهب، والذهب من الوَرِق. فقال شعبة: عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا قتادة عن سعبد بن المسيب عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ولم يرفعه، وحدثنا يحيى ابن أبي إسحاق عن سالم عن ابن عمر ولم يرفعه، ورفعه لنا سِمَاك بن حرب، وأنا أفرقه".

وضعف ابن حزم المرفوع؛ فقال في "المحلى"(8/ 504): "سماك بن حرب ضعيف، يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة"، وأورده عن ابن عمر قوله من وجوه.

وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 26)، و"إرواء الغليل"(5/ 173/ رقم 1326).

ص: 385

الشيء الواحد، فأخذ أحدهما عن الآخر ليس [معاوضة](1) محضة، بل هو نوع استيفاء، وقد صرح بذلك أحمد في رواية أبي طالب؛ قال؛ ليس هو ببيع، وإنما هو اقتضاء، ولذلك لم يجز إلا بالسعر؛ لأنه لما [فاتت](2) المماثلة في القدر لاختلاف الجنس اعتبرت في القيمة، وهذا المأخذ هو الذي ذكره صاحب "المغني"(3).

ومن الأصحاب من جعل مأخذه النهي عن ربح ما لم يضمن.

وأما القاضي؛ فأجاز المعاوضة عن أحد النقدين بالآخر بما يتفقان عليه، وتأول كلام أحمد [بتأويل](4) بعيد جدًّا، وقد ذكرنا أن طريقة القاضي وابن عقيل في الإِجارة أن ما في الذمة إذا كان مكيلًا أو موزونًا؛ لم يجز بيعه قبل قبضه لأجنبي رواية واحدة، وفي بيعه لمن هو في ذمته روايتان؛ لأنه قبل القبض مبهم غير متميز؛ [فهذا](5) الكلام في التصرف في المبيع وعوضه.

فأما غير المبيع من عقود المعاوضات؛ فهي ضربان:

أحدهما: ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه؛ مثل الأجرة المعينة والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوهما؛ فحكمه حكم البيع (6)

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بمعاوضة".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"كانت".

(3)

انظر "المغني"(6/ 108/ رقم 715 - ط هجر).

(4)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بكلام".

(5)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وهذا".

(6)

في (ب): "المبيع".

ص: 386

فيما سبق.

وأما التصرف في المنافع المستأجرة، فإن كان بإعارة ونحوها؛ فيجوز لأن له [استيفاء](1) العوض بنفسه [وبمن](2) يقوم مقامه، وإن كان بإجارة؛ صح أيضًا بعد قبض العين ولم يصح قبلها؛ إلا للمؤجر على وجه سبق، ويصح إيجارها بمثل الأجرة وبأزيد في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يمنع بزيادة؛ لدخوله في ربح ما لم يضمن، والصحيح الجواز؛ لأن المنافع مضمونة على المستأجر [في](3) وجه، بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه؛ فهي كالثمر في رؤوس الشجر؛ فهو (4) مضمون عليه بإتلافه.

والضرب الثاني: ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه؛ كالصداق (5) وعوض الخلع والعتق والمصالح به عن دم العمد ونحو ذلك؛ ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز التصرف فيه قبل القبض، وهو قول القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب -غير أنه استثنى منه الصداق (6) - والسامري وصاحبي "المغني"(7) و"التلخيص".

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"وممن".

(3)

في (أ) و (ج): "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في (أ): "هو"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ب): "مثل الصداق".

(6)

انظر: "الهداية"(1/ 236، 265) لأبي الخطاب رحمه الله.

(7)

انظر: "المغني"(7/ 177/ 5588).

ص: 387

ونص أحمد على صحة هبة المرأة صداقها قبل القبض (1)، وهو تصرف فيه، ووجه ذلك أن تلف هذه الأعواض لا تنفسخ بها عقودها؛ فلا ضرر في التصرف فيها، بخلاف البيع والإِجارة ونحوهما، ومع هذا؛ فصرح القاضي في "المجرد" بأن غير المتميز فيها مضمون على من هو بيده؛ ففرق بين [التصرف والضمان](2)[ها هنا](3)، ونسب إليه صاحب "التلخيص" أنه سوى بينهما؛ فأثبت الضمان ومنع التصرف، وهو وهم عليه.

والوجه الثاني: أن حكمها حكم البيع؛ فلا يجوز التصرف في غير [المتعين](4) منها قبل القبض، وهو الذي ذكره القاضي في "خلافه" وقال: هو قياس قول أصحابنا وابن عقيل في "الفصول" و"المفردات" والحلواني والشيرازي وصاحب "المحرر"(5)، واختاره صاحب "المغني"(6) في (كتاب النكاح) إلحاقًا لها بسائر عقود المعاوضات، ولا يصح التفريق بعدم الانفساخ؛ لأن الزبرة الحديدة (7) العظيمة إذا اشتريت وزنًا؛ فلا يخشى

(1) انظر: "مسائل صالح" لأبيه (1/ 463/ رقم 47)، و"مسائل عبد اللَّه"(ص 373/ رقم 1365)، و"مسائل ابن هانئ"(2/ 54 - 55/ رقم 1404 - 1405)، و"المبدع"(5/ 380 - 381)، و"الإنصاف"(7/ 147)، و"شرح منتهى الإرادات"(2/ 252)، و"كشاف القناع"(4/ 350).

(2)

في (ب): "الضمان والتصرف" هكذا بتقديم وتأخير.

(3)

في المطبوع و (ج): "هنا".

(4)

في المطبوع: "المعين".

(5)

انظر: "المحرر في الفقه"(1/ 322 - 323).

(6)

انظر: "المغني"(7/ 177/ 5588).

(7)

في (ب): "الحديد".

ص: 388

هلاكها والتصرف فيها ممنوع، ومنافع الإِجارة يخشى هلاكها والتصرف فيها جائز.

ورجح الشيخ تقي الدين [الوجه](1) الأول، ولكن (2) بناه على أن علة (3) منع التصرف (4) الربح فيما لم يضمن، وهو (5) منتف ها هنا، وهو أحد المآخذ للأصحاب في أصل المسألة.

وعد القاضي [من](6) هذا الضرب القرض و [أروش](7) الجنايات وقيم المتلفات، ووافقه ابن عقيل على قيم المتلفات، وفيه نظر؛ فإن القرض لا يملك بدون القبض على ما جزم به في "المجرد"، وقيم المتلفات ينفسخ الصلح عنها بتلف العوض المضمون، وكذلك أروش جنايات الخطأ بخلاف العمد؛ [لأنه لا يمكن الرجوع إلى القصاص بعد العفو عنه، وتعيين قيمة المتلف أو مثله](8) ليس بعقد ليدخله الفسخ، ثم إنه مضمون في الذمة كالدين، وذلك لا يتعين في الخارج إلا بالقبض على المذهب، وألحق صاحب "التلخيص" بهذا أيضًا الملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد؛ لأنه لا يخشى انتقاض سببه، وهذا متجه على الوجه

(1) انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 229) لشيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله.

(2)

في (أ): "ولكنه".

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب):"عليه".

(4)

في هامش (ب) كتب: "أي: التصرف في الربح".

(5)

في (ب): "وهذا".

(6)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"في".

(7)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"أرش".

(8)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (أ): "أو نحوه".

ص: 389

[الأول](1) الذي اختاره.

[فأما الوجه الثاني](2)؛ فإن كان العقد المنفسخ [عن](3) غير معاوضة؛ صارت العين أمانة كالوديعة، فيجوز التصرف فيها قبل القبض، وإن كان عقد معاوضة؛ فهو مضمون على الأشهر، فيتوجه [أن يمنع التصرف فيه؛ لأن ضمانه من آثار ضمان العقد السابق؛ فيلتحق به، ويتوجه](4) أن لا يمنع؛ كالعواري والغصوب، ولو حجر الحاكم على المفلس ثم عين لكل غريم عينًا من المال بحقه؛ ملكه بمجرد التعيين، ذكره القاضي في الزكاة من "المجرد"؛ فعلى هذا يتوجه أن يجوز له التصرف فيه قبل القبض.

تنبيه:

ما اشترط القبض لصحة [عقده](5) لا يصح التصرف فيه قبل القبض؛ لعدم ثبوت الملك، وقد صرح به في "المحرر"(6) في الصرف ورأس مال السلم.

(1) في (ب): "الثاني".

(2)

كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ):"فأما على الثاني"، وفي (ب):"فأما على الأول".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"عقد".

(6)

انظر: "المحرر في الفقه"(1/ 323)؛ حيث قال: "وما شرط قبضه لصحة العقد كالصرف والسلم؛ فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه بحال" اهـ.

ص: 390

فأما إن قيل بالملك بالعقد؛ فقد حكى في "التلخيص" في الصرف المتعين وجهين؛ لأن انتفاء القبض ها هنا يؤثر (1) في إبطال العقد؛ فلا يصح ورود عقد آخر عليه قبل انبرامه، والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور المنع في الصرف والسلم والعقود القهرية؛ كالأخذ بالشفعة يصح [التصرف](2) فيها قبل القبض، ذكره أيضًا في "التلخيص".

النوع الثاني: عقود يثبت بها الملك من غير عوض؛ كالوصية والهبة والصدقة، فأما الوصية؛ فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق [من](3) الأصحاب فيما نعلمه، وسواء كان الموصى به معينًا أو مبهمًا، وسواء قلنا له:[إن](4) رد المبهم قبل القبض (5) أَو لا، ولأن أكثر ما في جواز رده أنه غير لازم من جهته، وهذا لا يمنع صحة التصرف؛ لأنها لازمة من جهة الميت بموته؛ فهو كالبيع المشترط فيه الخيار للمشتري وحده.

وأما الهبة التي تملك بالعقد بمجرده، فيجوز التصرف فيها [قبل القبض أيضًا](6)، وقد نص أحمد عليه كما سنذكره [إن شاء اللَّه](7)؛ لأن

(1) كذا في (ب)، وفي (أ) والمطبوع و (ج):"مؤثر".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ج): "قبضه".

(6)

ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج): "أيضًا قبل القبض" بتقديم وتأخير.

(7)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

ص: 391

حق الواهب ينقطع عنها بمجرد انتقال ملكه، وليست في ضمانه؛ فلا محذور في التصرف فيها بوجه.

وأما الصدقة الواجبة والتطوع؛ فالمذهب المنصوص أنها لا تملك بدون القبض كما سبق؛ فلا كلام على هذا، وعلى التخريج المذكور يملكها [قبل](1) القبض؛ فينبغي أن يكون كالهبة.

وقد نص أحمد في رواية أبي الحارث وابن بختان [وابن هانئ](2) في رجل عليه دين ويريد رجل يقضيه عنه من زكاته؟ قال: يدفعه إليه. فقيل له: هو محتاج ويخاف أن يدفعه إليه يأكله. فال: يقول له حتى يوكله فيقضيه عنه. وهذا ظاهر في أنه ملك الزكاة بالتعيين والقبول؛ وجاز تصرفه فيها بالوكالة قبل القبض.

وكذلك نقل حنبل في "مسائله" أن أحمد ذكر له قول أبي سلمة: "لا بأس إذا كان للرجل طعام أمر له به سلطان أو وهب له أن يبيعه قبل أن يقبضه، والعبد مثل ذلك، والدابة يبيعها قبل أن يقبضها"(3).

قال أحمد: لا بأس بذلك ما لم يكن للتجارة، وقوله: (إذا لم يكن

(1) في المطبوع: "بدون"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ولم نظفر بعين المسألة في "مسائل ابن هانئ" المطبوعة، وفيها مسألة أخرى يصلح تخريجها على الأصل المذكور؛ ففيها (1/ 117/ رقم 577) ما نصه:"وسئل عن الرجل يخرج زكاة ماله يكسو بها أقاربًا له؟ قال: أرى أن يدفعها اليهم دراهمًا كما وجب عليه في ماله، فإن شاؤوا ان يعطوه ليشتري لهم شيئًا؛ فلا بأس إذا صار لهم ما وجب عليه في ماله" اهـ.

ص: 392

للتجارة)؛ لأن المنع من البيع إنما كان لدخوله في ربح ما لم يضمن، وما ملكه بغير عوض؛ فلا يتصور فيه ربح، فأما لو نوى بتملكه التجارة؛ فظاهر كلامه المنع؛ لأنه جعله من الأموال المعدة للربح، فامتنع بيعه قبل القبض.

هذا الكلام في العقود، فأما الملك بغير عقد؛ كالميراث والغنيمة والاستحقاق من أموال الوقف [أو](1) الفيء للمتناولين منه؛ كالمرتزقة في ديوان الجند وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك [فيه](2) وتعين مقداره؛ جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف أيضًا؛ لأن حقهم مستقر فيه، ولا علاقة لأحد معهم، ويد من هو في يده بمنزلة يد المودع ونحوه [من](3) الأمناء، وأما قبل ثبوت الملك؛ فله حالتان:

إحداهما: أن لا يوجد سببه؛ فلا يجوز التصرف [فيه](4) بغير إشكال؛ كتصرف الوارث قبل موت مورثه [الغانمين](5) قبل انقضاء الحرب، ومن لا رسم له في ديوان العطاء في الرزق.

والثانية: بعد وجوب السبب وقبل الاستقرار؛ كتصرف [الغانمين](5) قبل القسمة على قولنا: إنهم يملكون الغنيمة بالحيازة، وهو المذهب

(1) في (ج): "و".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(3)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(5)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"الغانم".

ص: 393

الصحيح، والمرتزقة قبل حلول العطاء [ونحوهم] (1)؛ فقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولًا واحدًا، ومن باعه بعروض؛ جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا، ومنع منه في الأخرى، ولا يجوز بيع المغانم قبل أن تقسم، ولا الصدقات قبل أن تقبض (2). انتهى.

فهذه أربع مسائل:

إحداها: بيع العطاء قبل قبضه، وهو رزق بيت المال.

وقد نص أحمد على كراهته في رواية أبي طالب وابن منصور (3) وبكر ابن محمد (4)، وقال: هو شيء مغيب، لا يدرى؛ [أيصل إليه أم لا](5)، أو ما هو.

وقال مرة: لا يدرى؛ يخرج أو لا [يخرج](6).

وقال في رواية أبي طالب في بيع الزيادة في العطاء: قال ابن عباس:

(1) كذا في (أ)، (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"ونحوه".

(2)

في (ب): "تنقبض".

(3)

انظر: "مسائله"(ص 203/ رقم 41).

(4)

هو بكر بن محمد النّسائي الأصل، أبو أحمد البغدادي المنشأ، ذكر الخلال أن الإِمام أحمد كان يُقدِّمه ويكرمه، وعنده "مسائل" كثيرة سمعها منه.

انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 119)، و"المنهج الأحمد"(1/ 381)، و"الوافي بالوفيات"(10/ 216)، و"المقصد الأرشد"(1/ 289).

(5)

في (أ): "أيصل إليه أو لا؟ "، وفي (ب):"يصل إليه أم لا؟ " وما أثبتناه من المطبوع و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 394

ما يدريه ما يخرج ومتى يخرج؟! لا يشتريه.

[وكرهه](1)، وربما سمى هذا أيضًا بيع الصكاك.

ونقل حرب عن أحمد في بيع الزيادة في العطاء: لا بأس به بعرض (2). قلت: وما تفسيره؟ قال: هو الرجل يزاد في عطائه عشرة دنانير فيشتريها [منه](3) بعرض. قال: وسألته عن بيع الصك [بالعرض](4). قال: لا بأس به.

وروى حرب بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه كان يكره بيع الزيادة في العطاء إلا بعرض (5)، وهذه رواية ثانية بالجواز.

قال القاضي وابن عقيل: هذه الرواية فيما إذا [بيع](6) بعد حلول العطاء؛ لأنه وقت الاستحقاق؛ فهو حينئذ دين ثابت فيجوز بيعه، لكن على طريقتهما لا يجوز بيعه من غير الغريم، فرجعا (7) وتأولا الرواية على أنه اشترى ذلك العرض بثمن مؤجل إلى وقت قبض العطاء، وكان [وقته معلومًا عندهما](8)، أو أنه أحال بثمن العرض على حقه من العطاء، ولا يخفى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في (أ): "تعرض".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

كذا فى (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع:"بعرض".

(5)

لم أظفر به.

(6)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"بلغ".

(7)

كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ):"فيرجعا".

(8)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب) والمطبوع:"وقتهما عندهما معلومًا"، في (ج):"وقتهما معلومًا عندهما" هكذا بتقديم وتأخير.

ص: 395

فساد هذا التأويل لمن تأمل كلام أحمد، وقد يكون مراد ابن أبي موسى ببيع العطاء قبل قبضه قبل استحقاق قبضه، فأما إذا استحق؛ فهو داخل في بيع الصكاك.

المسألة الثانية: بيع الصكاك قبل قبضها، وهي الديون الثابتة على الناس، وتسمى صكاكًا لأنها تكتب في صكاك، وهي ما يكتب فيه من الرق ونحوه؛ فيباع ما في الصك، فإن كان الدين نقدًا وبيع بنقد؛ لم يجز بلا خلاف؛ لأنه صرف بنسيئة، وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس؛ ففيه روايتان:

إحداهما: لا يجوز.

قال أحمد في رواية ابن منصور (1) في بيع الصك: هو غرر.

ونقل أبو طالب عنه أنه كرهه، وقال: الصك لا يدرى؛ أيخرج أو لا [يخرج](2)، وهذا يدل على أن مراده الصك من عطاء الديوان.

والثانية: الجواز.

نص [عليها](3) في رواية حرب (4) وحنبل ومحمد بن الحكم، وفرق

(1) انظر: "مسائل ابن منصور"(1/ 174/ رقم 13).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ونقل أبو يعلى في "الروايتين والوجهين"(353) رواية أبي طالب هذه.

(3)

كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفي (ب):"عليه"، وفي (ج) والمطبوع:"عليهما".

(4)

نقلها أبو يعلى في "الروايتين والوجهين"(353)، وعلق عليها بقوله:"وعندي أن هذه محمولة على أنه ابتاع القرض، وأحاله بالثمن على الرزق".

ص: 396

بينه وبين العطاء [و](1) قال: الصك إنما يحتال على رجل وهو يقر (2) بدين عليه، والعطاء إنما هو شيء مغيب لا يدرى [أ](3) يصل إليه أم لا.

وكذلك نقل حنبل [عنه](4) في الرجل يشتري الصك على الرجل بالدين؛ قال: لا بأس به بالعرض إذا خرج، ولا يبيعه حتى يقبضه (يعني مشتريه)، وهذا يدل على أنه لم يجعله من ضمان مشتريه بمجرد القبض، ولا أباح له التصرف فيه؛ لأنه بمنزلة المنافع والثمر في شجره، [و](5) حاصل هذا يرجع إلى جواز بيع الدين من غير الغريم، وقد نص على جوازه كما ترى (6).

المسألة الثالثة: بيع المغانم قبل أن تقسم، ونص أحمد على كراهته في رواية حرب وغيره، وعلله في رواية صالح وابن منصور بأنه لا يدرى ما

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

في (ب): "يقر".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

قال ابن تيمية في "نظرية العقد"(235): "إن بيع ما هو ثابت في الذمة ليسقط بما هو في الذمة ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس؛ فإن كلًّا منهما اشترى ما في ذمته، وهو مقبوض له بما في ذمة الآخر؛ كالوديعة عند الآخر، واشتراها بوديعته عند الآخر، وهذا أولى بالجواز من شراء ما في ذمة الجر، ولهذا كان الجواز في هذا خلاف مفسدة بيع الدبن بالدين؛ فإن ذلك منع منه لئلا تبقى ذمة كل منهم مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، ومعلوم أن المقصود من العقود القبض؛ فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلًا، بل هو التزام بلا فائدة، وهنا حصلت بالبيع براءة كل منهما، وهي ضد ما يحصل ببيع الدين بالدين".

ص: 397

يصيبه، [يعني](1) أنه مجهول القدر والعين؛ وإن كان ملكه ثابتًا عليه، لكن الإِمام له أن يخص كل واحد بعين من الأعيان، بخلاف قسمة الميراث.

وصح عن أبي الزبير؛ [قال](2): قال جابر: أكره بيع الخمس من قبل أن يقسم.

وروى محمد بن إبراهيم الباهلي عن محمد بن زيد (يعني العبدي)، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تشتروا الصدقات حتى تقبض، والمغانم حتى تقسم"(3).

(1) كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"بمعنى".

(2)

ما بين المععوقين سقط من المطبوع و (ب).

والأثر صحيح، أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5/ 240/ رقم 9487).

وأخرج نحوه عن جابر أيضًا قوله عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 6898)، وأبن أبي شيبة في "المصنف"(3/ رقم 10499، 10524، أو 3/ 80 - ط دار الفكر)، وهو أشبه من المرفوع الذي أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 680 - ط دار الفكر)؛ قال: حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا سيار، ثنا يزيد الفقير، أخبرنا جابر بن عبد اللَّه:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر أن تباع السِّهام حتى تُقسم".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 189/ رقم 10509، أو 3/ 79 و 7/ 680 - 681 - ط دار الفكر) والترمذي في "الجامع"(أبواب السير، باب في كراهية المغانم حتى تقسم، 4/ 132/ رقم 1563) وابن ماجه في "السنن"(كتاب التجارات، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص، 2/ 740/ رقم 2196) وابن زنجويه في "الأموال"(3/ 898/ رقم 1593) من طريق حاتم بن إسماعيل، وأحمد في "المسند"(3/ 42، أو رقم 1377) ثنا أبو سعيد، والبيهقي في "الكبرى"(5/ 338) من طريق محمد بن سنان؛ ثلاثتهم من طريق جهضم بن عبد اللَّه، عن محمد بن إبراهيم، به، وبعضهم زاد عليه ألفاظًا. =

ص: 398

أخرجه الإِمام أحمد وابن ماجه وإسحاق بن راهويه والبزار في "مسنديهما".

ومحمد بن زيد صالح، لا بأس به، والباهلي بصري مجهول، وشهر حاله مشهور.

وفي "سنن أبي داود" من حديث رويفع بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيع مغنمًا حتى يقسم"(1). وفي

= وإسناده ضعيف جدًّا.

وجهضم صدوق يكثر عن المجاهيل، وهذا منها، إذ الباهلي كذلك.

ومحمد بن زيد مقبول، أي: إذا توبع، ولا نعرف له متابعًا، ولذا قال الترمذي عقبه:"وهذا حديث غريب"، قال البيهقي عقبه "وهذه المناهي، وإنْ كانت في هذا الحديث بإسنادٍ غير قوي؛ فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

قلت: وسيأتي نحو هذا الحديث عن جمع من الصحابة، ليصبح الحديث صحيحًا بمجموع طرقه إن شاء اللَّه تعالى، ولا سيما حديث رويفع الآتي.

(1)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 108، 108 - 109)، وسعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2722)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(12/ 222 - 223 و 14/ 465)، والدارمي في "السنن"(2/ 230)، والترمذي في "الجامع"(أبواب النكاح، باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل، رقم 1131 - مختصرًا)؛ وأبو داود في "السنن"(كتاب النكاح، باب في وطء النساء، رقم 2158، 2159، وكتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بشيء، رقم 2708)، وأبو إسحاق الفزاري في "السير"(ص 242 - 244)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 114 - 115)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 251)، وابن أبي عاصم في "الأحاد والمثاني"(4/ 209 - 210/ رقم 2193، 2194، 2195)، وابن حبان في "الصحيح"(11/ 186/ رقم 4850 - "الإحسان")، والطبراني في "الكبير"(5/ رقم 4482، 4483، 4484، 4485، 4486، 4487، 4488)، والبيهقي في "الكبرى"(9/ 62)؛ من طرق عن أبي مرزوق ربيعة بن =

ص: 399

الحديث طول [و](1) أخرج الترمذي بعضه وحسنه.

وخرج النسائي من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغانم حتى تقسم (2).

وخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة [رضي الله عنه] عن النبي صلى الله عليه وسلم (3)

= سليم، عن حنش بن عبد اللَّه السّبائي، عن رُويفع بن ثابت، به.

وإسناده قويٌ، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 185).

(1)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(2)

أخرجه أبو يوسف في "الخراج"(ص 197)، والطبراني في "الكبير"(11/ 67 - 68/ رقم 11067)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 40)، والبيهقي في السنن الكبرى" (5/ 338)؛ من طريق الأعمش، وأخرجه ابن أي شيبة في "المصنف" (7/ 681 - ط دار الفكر)، والطبراني أيضًا (11/ 91/ رقم 11145، 11146)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 40)، والبيهقي (6/ 338 - 339)؛ من طريق عبد اللَّه بن أبي نجيح؛ كلاهما عن مجاهد، عن ابن عباس رفعه.

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبى.

وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 680): حدثنا إسحاق بن منصور، عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن ابن عباس؛ قال:"لا بأس أن يبيع الرجل نصيبه من المغنم قبل أن يقسم".

وهذا يخالف المرفوع، وشريك في حفظه سوء وهو يخالف ما روى مرفوعًا.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ويشير المصنف إلى ما أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 458، 472)؛ من طريقين عن شعبة، عن يزيد بن خمير، عن مولى لقريش، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه من هذا الطريق أيضًا ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 681)، وأبو داود =

ص: 400

وروى ابن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح، عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغانم حتى تقسم (1). مرسل، وهذا في حق آحاد

= في "السنن"(كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، 3/ 252 - 253/ رقم 3369) -ومن طريقه الخطيب في "الموضح"(2/ 49) -.

وإسناده ضعيف؛ للمبهم الذي فيه.

وأخرجه البخاري في "الكنى"(رقم 604) من طريق آخر عن أبي هريرة: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُباع سهم حتى يعلم ما هو".

وإسناده ضعيف؛ فيه من لا يعرف.

وأخرجه ابن زنجويه في "الأموال"(3/ 899/ رقم 1595) بسندٍ صحيح عن أبي هريرة؛ قال: "لا تبتاع الصدقة حتى تعقل".

وهذا الموقوف أشبه من المرفوع.

وأخرجه أيضًا (3/ 1048) عن أبي هريرة قوله: "لا تباع الثمرة، أو تشترى الصدقة على الذي اشتراها، ولا تباع الصدقة وهي طهور أهلها لم تقبض".

وفي إسناده عمر بن راشد، وهو ضعيف.

وقد وردت أحاديث وآثار صحيحة عن النهي عن بيع الصَّدقات حتى تقبض انظرها في: "ديوان السنن والآثار - الزكاة"(1/ 295 - 309) للدكتور عبد الملك بن بكر القاضي.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 189/ رقم 10512، أو 3/ 80 - ط دار الفكر) وابن زنجويه في "الأموال"(3/ 898/ رقم 1594)؛ كلاهما قال: حدثنا الفضل بن دكين، وأبو داود في "المراسيل"(رقم 116) من طريق الولد بن مسلم، والبغوي في "الجعديات"(رقم 3415) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 150) - من طربق علي بن الجعد، وعبد الرزاق في "المصنف"(5/ 240/ رقم 9489)؛ أربعتهم عن محمد بن راشد، عن مكحول: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشتروا الصَّدقات حتى توسم وتعقل".

وإسناده ضعيف، إذ هو مرسل، ورجاله ثقات.

قال أبو داود عقبه: "هذا يُروى من قول مكحول". =

ص: 401

الجيش منهي عنه، سواء باعه قبل القبض أو بعده؛ لأنه قبل القبض مجهول وبعده تعد وغلول؛ فإنه لا يستبد بالقسمة دون الإِمام، وأما الإِمام؛ فإذا رأى [المصلحة](1) في بيع شيء من الغنيمة وقسم ثمنه؛ فله ذلك.

المسألة الرابعة: بيع الصدقات قبل [القبض](2)، ومأخذه أن الصدقة لا تملك بدون القبض.

وفي "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن غير واحد: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الصدقة حتى تعقل وتوسم (3).

= قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(رقم 10511، أو 3/ 80 - ط دار الفكر): حدثنا وكيع، عن محمد بن عبد اللَّه، عن الشعبي، عن مكحول مثله قوله، إلا أن فيه:"الصَّدقة" بالمفرد.

وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2759، 2815): نا سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن مكحول:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغنم حتى يقسم".

وهو ضعيف كسابقه.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5/ 241/ رقم 9490) عن الثوري، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وهو ضعيف كسابقه. وانظر لزامًا: "السير" للفزاري (ص 149 - 152 أو ص 242 - 245)؛ فقد أورد كثيرًا من الآثار ومذاهب علماء الأمصار الواردة في هذا الباب.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"أن تقبض".

(3)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 38/ رقم 6899)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ رقم 10515، أو 3/ 80 - ط دار الفكر) من طريق ابن جريج، به.

وإسناده ضعيف، وهو معضل.

وقد ورد موصولًا عن جمع كما تقدّم، وورد أيضًا عن: =

ص: 402

وعن يحيى بن العلاء البجلي، عن جهضم بن عبد اللَّه، عن محمد ابن زيد، عن شهر بن حوشب؛ قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الصدقات حتى تقبض (1). وهذا المرسل أشبه من المسند السابق.

= • عبد اللَّه بن عمر قوله.

أخرجه الطبراني في "الكبير"(12/ 433 - 434) من طريق حفص بن غياث، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عمر؛ قال:"نهى عن بيع الغنيمة حتى تقسم".

إسناده ضعيف، فيه ليث بن أبي سُليم؛ ضعيف.

• علقمة مرفوعًا بمعناه.

أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(رقم 2335)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 150)، وقال:"وهذا إسناد غير قوي".

• أبي قلابة مرسلًا به.

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 681 - ط دار الفكر).

وورد ما يؤيّد هذا المعنى في أحاديث عديدة، تراها في "سنن سعيد بن منصور"(كتاب الجهاد، باب ما جاء في قسمة الغنائم، 2/ 322 - 323/ ط الهنديّة).

وعزاه في "المشكاة"(2/ رقم 4016) عن أبي أمامة مرفوعًا: "نهى أن تُباع السِّهامُ حتى تُقسم" للدَّارمي.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 38 - 39/ رقم 690) عن يحيى بن العلاء، به. وإسناده تالف، وهو مرسل.

ويحيى بن العلاء؛ قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وضعّفه ابن معين وجماعة، وقال الدارقطني:"متروك"، وقال أحمد بن حنبل:"كذاب، يضع الحديث". انظر: "الميزان"(4/ 397).

وقد خالف جماعةً رووه عن جهضم بزيادة "عن محمد بن إبراهيم الباهلي" عن محمد بن زيد عن شهر، وجعلوه "عن أبي سعيد رفعه"، ومضي قريبًا، ولا أدري لم قال المصنف عن هذا المرسل من هذا الطريق:"أشبه من المسند السابق"؟! =

ص: 403

فأما على القول بملكها بمجرد القبول إِذا تعينت من غير قبض؛ فقد [تقدم](1) نص أحمد بجواز التوكيل (2) فيها، وهو نوع تصرف؛ فقياسه سائر [التصرفات](3)، وتكون حينئذ كالهبة المملوكة بالعقد.

وأما إذا عينها المالك من ماله وأفردها؛ فلا [تصير](4) بذلك صدقة، ولا يخرج عن ملكه بدون قبض المستحق أو قبوله، وقد نص أحمد (5) على

= نعم، الأشبه أنه من قول مكحول كما مضى عن أبي داود، وتصحف (جهضم) في المطبوع والنسخ كلها إلى "خثعم"، والتصويب من مصادر التخريج وكتب الرجال.

(1)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"مرَّ".

(2)

في (أ): "التَّوكّل".

(3)

في المطبوع: "الصدقات"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ب) والمطبوع:"يصير".

(5)

قال ابن هانئ في "مسائل"(1/ 119/ رقم 584، 585): "وسئل -أي: الإمام أحمد- عن رجلٍ وجب في ماله ثلاثون درهمًا أو أكثر زكاة، فسُرِق أصلُ المال إلا قدر ثلاثين درهمًا أو خمسة وعشرين درهمًا قبل أن يؤدّيها؟ قال: يؤدّيها كلها. قبل له: إنّ سفيان يقول: يؤدّي الخمسة والعشرين بالحساب؟ قال أبو عبد اللَّه: ليس العمل على ذا. وقال في الرجل تجب عليه الزكاة في مالٍ، فضاع؛ قال: الزكاةُ لابُدّ منها".

وقال صالح بن عبد اللَّه في "مسائله"(2/ 271 - 272/ رقم 877): "قلت: الرجل يكون في يده المال قد وجبت فيه الزكاة ثم يتلف؛ هل يجب عليه الزكاة؟ قال: أما أنا؛ فيُعجبني أن يزكي، وقال بعض الناس: إذا كانت عنده مئتا درهم، فسرق منها مئة درهم؛ يزكي ما بقي في يديه".

ونحوه في "مسائل عبد اللَّه"(ص 155/ رقم 576).

قلت: مراده ببعض الناس سفيان، كما تقدم عند ابن هانئ، ونسب ابن حزم في "المحلى"(5/ 392) نحوه لأبي حنيفة، والمذهب والذي عليه جماهير الأصحاب أن الزكاة لا تسقط بتلف المال، فرط أو لم يفرط، ويستثنى من ذلك زكاة الزروع؛ فإنها لا تجب فيها =

ص: 404

أنها إذا تلفت بعد [تعيينها](1)؛ لم تبرأ ذمته من الزكاة.

وأما إن كانت (2) صدقة تطوع؛ فاستحب إمضاءها، وكره الرجوع فيها، ونقل عنه ما يدل على خروجها عن ملكه بمجرد التعيين (3)، نقل عبد اللَّه عنه أنه قال:"كل شيء جعله الرجل للَّه بمضيه ولا يرجع في ماله"، وذلك أنه قد خرج من ملكه؛ فليس هو له من صدقة أو معروف أو صلة رحم، وإن كان قليلًا أمضاه.

ونقل عنه [حبيش](4) بن سندي في رجل دفع إلى رجل دراهم، فقال له: تصدق بهذه الدراهم. ثم إن الدافع جاء فقال: رد [علي](5) الدراهم؛ ما يصنع المدفوع؟ يردها عليه؟ قال: لا يردها عليه، يمضيها فيما أمره به.

ونقل جعفر بن محمد معناه، وحمل القاضي ذلك على الاستحباب، قال ابن عقيل: لا أعلم للاستحباب وجهًا. وهو كما قال، وإنما يتخرج على أن الصدقة تتعين [بالتعيين](6)؛ كما يقول في الهدي

= الزكاة إلا إذا تلفت بجائحة قبل القطع".

انظر: "الإنصاف"(3/ 39 - 40)، و"المبدع"(2/ 306 - 308).

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"تعينها".

(2)

في (ب): "كان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (أ): "التعين".

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"جيش"، وهو خطأ، وقد مضت ترجمته.

(5)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"إليَّ".

(6)

في (أ): "بالتعين".

ص: 405

والأضحية: أنه يتعين بالقول [بغير](1) خلاف.

وفي تعيينه بالنية وجهان، فإذا قال: هذه صدقة؛ تعينت وصارت في حكم المنذورة، وصرح به الأصحاب، لكن هل ذلك إنشاء [منه](2) للنذر أو إقرار [به](3)؟

فيه خلاف بين الأصحاب، وإذا عين بنيته أن يجعلها صدقة وعزلها عن ماله؛ فهو كما [لو](4) اشترى [شاة](5) ينوي التضحية بها، ولا يلزم من ذلك سقوط الزكاة عنه بتلفها قبل قبض المستحق أو الإِمام؛ لأنا إن قلنا: الزكاة في الذمة؛ فهو كما لو عين عن [هدي](6) واجب في الذمة هديًا، فعطب؛ فإنه يلزمه إبداله، وإن قلنا: في العين؛ فلا يبرأ منها لفوات قبض المستحق أو من يقوم مقامه، وإيصاله [إليه](7) أيضًا واجب عليه؛ فلا يبرأ بدونه، ولا يكتفي فيه بالتمييز ولو حصل (8) التمكين من القبض؛ [لأن](9) فعل الدفع واجب عليه؛ فكيف إذا لم يحصل التمكين؟! واللَّه أعلم.

* * *

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"بلا".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(3)

و (4) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج).

(5)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"شاء".

(6)

في المطبوع: "الهدي"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(8)

في (ب): "جعل".

(9)

في المطبوع: "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 406

(القاعدة الثالثة والخمسون)

من تصرف في عين تعلق بها حق [للَّه تعالى أو](1) لآدمي معين؛ إن كان الحق مستقرًّا فيها بمطالبة من له الحق بحقه أو يأخذه بحقه؛ لم ينفذ التصرف و [إن](2) لم يوجد سوى تعلق الحق لاستيفائه منها.

صح التصرف على ظاهر المذهب، وقياس قول أبي بكر لا يصح؛ حيث قال: لا يصح وقف الشفيع ولا رهن الجاني. وكلامه في "الشافي"(3) يدل على أن التصرف فيما وجبت فيه الزكاة لا يصح في قدرها.

وكذلك أختار أبو الخطاب في "الانتصار": أنه لا يصح التصرف في

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وسقط من (أ) و (ج):"تعالى" فقط.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) والمطبوع.

(3)

صاحبه عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، المعروف بـ (غلام حلّال)، توفي شيبة (363)، ذكر له هذا الكتاب القاضي أبو يعلى، وقال:"نحو ثمانين جزءً"، وكذا في "تاريخ بغداد"(10/ 459)، وتصحف فيه إلي "الشافعي"؛ فليصوَّب، وقال الذهبي: كان كبير الشأن، من بحور العلم، له الباع الأطول في الفقه"، وقال عن كتابه هذا: "ومن نظر في كتابه" الشافي" عرف محله من العلم لولا ما بشَّعهُ بغض بعض الأئمة، مع أنه ثقة فيما ينقله". انظر:"طبقات الحنابلة"(2/ 119 - 127)، و"السِّير"(16/ 143 - 145).

ص: 407

الجاني بالبيع؛ لتعلق الحق بعينه، فإن فداه السيد؛ كان افتكاكًا [له](1)، وسقط الحق المتعلق به، كما لو وفى دين الرهن.

والمذهب الأول؛ وهو الفرق بين أن يثبت استحقاق يتعلق بالعين وبين أن يترتب على الثبوت مقتضاه بالأخذ بالحق أو بالمطالبة به؛ فالأول ملك أن يتملك، والثاني تملك (2) أو طالب بحقه الذي لا يمكن دفعه عنه، وهو شبيه بالفرق بين المفلس قبل الحجر عليه وبعده؛ فالفلس (3) مقتض للحجر والمنع من التصرف، ولا يثبت ذلك إلا بالمطالبة والحكم.

ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة (4):

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(2)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يملك".

(3)

في (ب): "فالمفلس"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

خلاصة هذه القاعدة أنه إذا تصرف الإنسان في عين تعلق بها حق للَّه أو حق لآدمي، مثال الذي تعلق بها حق للَّه: كالمال الذي وجبت فيه الزكاة، ومثال الذي تعلق به حق لآدمي: كالمرهون؛ فإن مالي الذي رهنته عد زيد تعلق به حق زيد؛ فهل تصرفي في هذا المال الذي تعلق به حق للَّه أو حق لآدمي؛ هل هو صحيح أو غير صحيح؟

هذا هو عنوان القاعدة، والمؤلف يقول: إن كان الحق مستقرًا لمطالبة من له الحق أو بأخذه بحقه؛ لم ينفذ التصرف، وإن لم يوجد سوى تعلق الحق؛ فإن التصرف ينفذ، مثاله: أنا عندي مال وجبت فيه الزكاة نصف العشر، وهو الزرع، وبعته؛ فهل نقول: إن بيعي لهذا المال صحيح، أو يصح إلا فيما يقابل الزكاة وهو نصف العشر؟

المذهب أن البيع يصح، وقياس قول أبي بكر من الحنابلة: لا يصح البيع، وهل يضمن الزكاة أو تسقط؟

يضمن الزكاة، ولا تسقط، ولو سقطت؛ لكان كل واحد عليه زكاة باع المال، والرهن هل يصح بيعه أو لا؟ =

ص: 408

- منها: التصرف في المرهون ببغ أو غيره مما لا سراية له لا يصح؛ لأن المرتهن أخذ بحقه في الرهن من [التوثق](1) والحبس وقبضه، وحكم له به؛ فهو بالنسبة إلى الرهن كغرماء المفلس المحجور عليه، [وأما](2) العتق؛ فإنما نفذ لقوته وسرايته كما نفذ حج المرأة والعبد بدون إذن السيد والزوج، حتى أنهما لا يملكان تحليلهما على إحدى الروايتين؛ كقوة (3) الإحرام ولزومه، ولهذا ينعقد مع فساده ويلزم إتمامه (4).

- ومنها: الشفيع إذا طالب بالشفعة لا يصح تصرف المشتري بعد طلبه؛ لأن حقه تقرر وثبت، وقبل المطالبة إنما كان له أن يتملك، والمطالبة إما تملك على رأي القاضي وإما مؤذنة بالتملك ومانعة للمشتري من التصرف؛ إذ تصرف المشتري إنما كان نافذًا لترك الشفيع الاحتجار عليه

= المذهب: إن كان المرتهن قد قبضه؛ فالبيع لا يصح، وإن كان لم يقضه؛ فالبيع صحيح، والصحيح في هذه المسألة أن كل ما نعلق به حق لآدمي معين؛ فإنه لا يصح التصرف فيه؛ لأن في ذلك إسقاطًا لحق الآدمي وحق الآدمي ليس فيه مسامحة وعفو كحق اللَّه عز وجل، وعلى هذا؛ فبيع الرهن لا يصح، سواء قبضه المرتهن أم لم يقبضه. (ع).

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"التوثيق".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"فأما".

(3)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"كقوة".

(4)

التصرف في الرهن لا يصح؛ لا ببيع ولا هبة ولا وقف ولا رهن آخر، إنما ينفذ عتق المرهون ويصح مع الإذن، والصحيح أنه لا ينفذ أيضًا؛ لأن العتق قربى؛ فلا ينال بالمعصية، فإذا كان لا يجوز بيع العبد المرهون؛ فلا يجوز أيضًا عتقه لأن في كل منهما تفويت حق المرتهن، وقولهم: إن للعتق قوة وسراية، لكن إذا أنفذناه أبطلنا حق المرتهن، وقد قال اللَّه عز وجل:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]، وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [لمائدة: 1]. (ع).

ص: 409

والأخذ بحقه، وقد زال، فإن نهى الشفيع المشتري عن التصرف ولم يطالب بها؛ لم يصر المشتري ممنوعًا، بل تسقط الشفعة على قولنا: هي على الفور، ذكره القاضي في "خلافه"(1).

- ومنها: إذا حل الدين على الغريم وأراد السفر، فإن منعه غريمه من ذلك؛ لم يجز له السفر، وإن [فعل](2)؛ كان عاصيًا به لأنه حبسه، وله ولاية حبسه لاستيفاء حقه؛ كالمرتهن في الرهن، وإن لم يمنعه! فهل له الإقدام على السفر؟

ذكر ابن عقيل فيه وجهين:

أحدهما: يجوز؛ لأن الحبس عقولة لا [تتوجه](3) بدون الطلب و [الإِلزام](4).

والثاني: لا؛ لأنه يمنع بسفره حقًّا واجبًا عليه، [لا](5) لثبوت الحبس في حقه؛ بل لما يلزم في سفره من تأخير الحق الواجب [عليه](6).

- ومنها: المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل

(1) إذا باع المشتري نصيبه أو وقفه أو وهبه؛ فهل له ذلك؟

نعم؛ إلا إذا طالب الشفيع -وهو الشريك- بالشفعة؛ فإنه ليس له الحق في أن يتصرف فيه.

(2)

في (أ) والمطبوع: "فعله".

(3)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يتوجه".

(4)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"الالتزام".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 410

الحجر؛ لم ينفذ تصرفه، نص عليه.

قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن المفلس: هل يجوز فعله فيما اشترى قبل أن [يطلب](1) البائع منه [مما](2) بايع [المشتري عليه](3)؟ فقال: إن أحدث [فيه المشتري](4) عتقًا أو بيعًا أو هبة؛ فهو جائز ما لم [يطلب](5) البائع [ذلك](6)، وذلك أن الحديث (7) قال:"هو أحق بها"؛ فلا

(1) في المطبوع: "يطالب".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بما".

(3)

في (ج): "عليه المشتري" فكذا بتقديم وتأخير.

(4)

في (ب): "المتشري فيه" بتقديم وتأخير، وفي (ج) سقطت "فيه".

(5)

كذا في (ج): "يطلب"، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يطالب".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) والمطبوع.

(7)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الاستقراض، باب إذا وجد ماله عند مُفلسٍ في البيع والقرض والوديعة فهو أحقُّ به، 5/ 62/ رقم 2402)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، 3/ 1193/ رقم 1559)، وأبو داود في "السنن"(كتاب البيوع، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل قاعه بعينه عده، رقم 3519)، والترمذي في "الجامع"(أبواب البيوع، باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه، رقم 1262)، والنسائي في "المجتبي"(كتاب البيوع، باب الرجل يبتاع البيع فيفلس ويوجد المتاع بعينه، 7/ 311)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأحكام، باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس، رقم 2358، 2359، 2360، 2361)، وأحمد في "المسند"(2/ 228، 247، 249، 258)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 264/ رقم 15159، 15161 - 15164)، ومالك في "الموطأ"(2/ 678/ رقم 88)، والحميدي في "المسند"(1035، 1036)، والدارمي في "السنن"(2/ 262)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1386)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 44، 45)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 186/ رقم 2133)؛ =

ص: 411

يكون أحق به إلا بالطلب، فلعله أن لا [يطلبه] (1). قلت: أرأيت إن طلبه منه، فلم يدفعه إليه؟ قال: فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا صدقته بعد الطلب.

ونقل عنه إسماعيل أيضًا كلامًا يدل على أن مطالبة البائع تثبت؛ إما بتفليس الحاكم، أو باشتهار فلسه بين الناس.

وكذلك نقل عنه محمد بن موسى الزبداني (2) أن اشتهار فلسه بظهور أماراته يمنع نفوذ تصرفاته مطلقًا (3).

= من طرق عن أبي هريرة بألفاظٍ منها: "من أدرك ماله بعينه عند رجلٍ أو إنسانٍ قد أفلس؛ فهو أحقُّ به من غيره"، وهذا لفظ البخاري ومسلم.

(1)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"يطالبه".

(2)

كذا في المطبوع، وهي غير مضبوطة في النسخ الخطة جيّدًا، وأقرب ما تكون إلى "الدّنداني"، ولعل صوابه:"النَّهْرَتِبريّ" الآتي ترجمته (ص 175)، وهناك:"موسي بن سعيد الدَّنْداني"، وهو ممن روى عن أحمد، وهو من رجال "التهذيب". وانظر:"توضيح المشتبه"(4/ 264).

(3)

القول الراجح عدي أنه إذا كان يُضِرُّ صاحب العين؛ فلا يجوز التصرف، مثاله: أنا بعت على هذا الرجل سيارة بثمن مؤجل على أن الرجل غنيٌّ، ثم إن الرجل تبيَّن أن ديونه أكثر من موجوداته؛ فالسيارة التي لي وعليه ثمنها أنا أحق بها من غيري؛ فلي أن آخذها ولو لم يكن عندي إلا هي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من وجد ماله عند رجل قد أفلس؛ فهو أحق به"؛ فأنا أحق من غيري بهذه السيارة، والمذهب أن له التصرف في هذه السيارة ما لم يحجر عليه القاضي.

والقول الثاني: يحرم عليه التصرف فيها، وهو الصحيح؛ لأن كلَّ من دينُه كمالِه أو أكثر؛ فإنه لا يجوز أن يتصرف بماله تصرفًا يضرُّ بالغرباء، فإذا كان عند الإِنسان دين ألف وليس عنده من المال إلا ثمان مئة، فإنه لا يجوز له أن يتصدق منها بشيء؛ لأن وفاء الدين واجب، والتصدق تطوع ويستحب. (ع).

قلت: حديث "من وجد ماله .. " مضى تخريجه قريبًا.

ص: 412

- ومنها: لو وجد مضطرًا وعنده طعام فاضل، فبادر فباعه أو رهنه؛ هل يصح؟

قال أبو الخطاب في "الانتصار" في الرهن: يصح، ويستحق أخذه من يد المرتهن والبائع مثله. ولم يفرق بين ما قبل الطلب وبعده، والأظهر أنه لا يصح [بيعه](1) بعد الطلب؛ لوجوب الدفع، بل ولو قيل: لا يصح بيعه مطلقًا مع علمه باضطراره؛ لم يبعد لأن بذله له واجب بالثمن، فهو كما لو طالب الشفيع بالشفعة وأولى؛ لأن هذا يجب بذله ابتداءً لإحياء النفس، وقد يفرق بأن الشفيع حقه [منحصر](2) في عين الشقص، وهذا حقه في سد الرمق، ولهذا كان إطعامه فرضًا على الكفاية، فإذا نقله إلى غيره؛ تعلق الحق بذلك الغير ووجب البدل عليه (3).

وأما ما تعلق به حق مجرد؛ فيندرج تحته مسائل متعددة (4):

- منها: بيع النصاب بعد الحول؛ فإنه يصح، نص عليه؛ لأن

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) والمطبوع:"البيع".

(2)

في المطبوع: "متعين"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (ب): "عنه".

(4)

صورة المسألة إنسان عنده طعام، وهناك رجل مضطر للطعام؛ فهل يجوز لمن عنده الطعام أن يبيعه مع وجود المضطر أو لا؟

يقول المؤلف: إن كان هذا المضطر قد طلب الطعام؛ فلا يجوز أن يبيعه؛ لأنه بعد الطلب تعين حقه فيه، كان لم يطالب؛ فيجوز، ولكن المؤلف يميل إلى أنه لا يجوز مطلقًا؛ لأنه قد تعلق به حق الغير، إذ يجب عليّ أن أدفع هذا المال إلى المضطر، سواء طلب أو لم يطلب، والفرق بينه وبين الشفيع أن الشفيع لا يتعلق حقه بهذا المبيع إلا بعد الطلب، والذي يظهر ما ذهب إليه المؤلف من عدم جواز البيع مطلقًا. (ع).

ص: 413

الوجوب إن كان متعلقًا بالذمة وحدها؛ فلا إشكال، وإن كان في العين وحدها؛ فليس بمعنى [الشركة](1) ولا بمعنى انحصار الحق فيها، ولا تجوز المطالبة بالإِخراج منها عينًا مع وجود غيرها؛ فلا يتوجه انحصار الاستحقاق فيها بحال (2).

- ومنها: بيع الجاني، يصح في المنصوص، وهو قول أكثر الأصحاب، وسواء طالب المجني عليه بحقه أم (3) لا؛ لأن حقه ليس في ملك العبد، ولو كان كذلك؛ لملكه ابتداءً، وإنما وجب له أرش جنايته، ولم نجد (4) محلًّا يتعلق به الوجوب سوى رقبة العبد الجاني؛ فانحصر الحق فيها بمعنى الاستيفاء منها، فإن رضي المالك ببذله؛ جاز، وإلا؛ فإنما له أقل الأمرين من قيمة الجاني أو أرش جنايته، فأيُّهما (5) بُذِل [له](6)؛ لزمه

(1) كذا في (أ)، ولعله الصواب، وفى المطبوع و (ب) و (ج):"للشركة".

(2)

يجوز للإِنسان أن يبيع المال الذي وجبت فيه الزكاة بعد الحول، فإذا قال قائل: كيف يجوز ذلك وقد تعلق به حق الفقراء؟ فإذا قلنا: إن الزكاة واجبة في الذمة؛ فإن الزكاة لم تتعلق بهذا المال، وإن قلنا: إنها واجبة في المال كما هو الصحيح؛ فإن تعلقها بالمال تعلق ناقص لأنه ليس تعلق مشاركة؛ لأن الفقراء ليسوا مشاركين لك، فلو كانوا مشاركين لك؛ لكان لا يجوز أن تعطيهم من غير هذا المال مع أنه يجوز أن تعطيهم من غير هذا المال، فإذا قدرنا أن عندك ثمرًا يبلغ النصاب، فإنه يجوز أن تعطي الفقراء من غير هذا الثمر، ولو كانوا شركاء ما أعطيتهم، وأيضًا الحق لا ينحصر في هذا العين، بل يجوز أن تخرجه من أي مصدر كان، وعليه؛ فيجوز للإِنسان أن يبيع النصاب بعد تمام الحول ولا إثم عليه. (ع).

(3)

في (أ): "أو".

(4)

في (ج): "يجد".

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"فإنهما".

(6)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط، وفي المطبوع:"فإنهما بدل لزم".

ص: 414

قَبولُه، والمطالبة منه إنما تتوجه (1) بحقه، وحقه هو أرش الجناية لا ملك رقبة العبد على الصحيح، فلا يتوجه المنع من التصرف فيه؛ لأن تسليمه إليه لم يتعين.

- ومنها: من ملك عبدًا من الغنيمة، ثم ظهر سيده، وقلنا: حقه ثابت فيه بالقيمة، فباعه المغتنم قبل أخذ سيده؛ صح، ويملك السيد انتزاعه من الثاني، وكذلك لو رهنه؛ صح، ويملك السيد انتزاعه من المرتهن، ذكره أبو الخطاب في "الانتصار"[أيضًا](2) ولم يفرق بين أن يطالب بأخذه أو لا، والأظهر أن المطالبة [تقطع](3) التصرف؛ [كمطالبة الشفيع](4).

- ومنها: تصرف الورثة في التركة المعلق بها حق الغرماء، وفي صحته وجهان، أصحهما الصحة، وعلى المنع ينفذ بالعتق، كالرهن، واختار ابن عقيل في "نظرياته": أنه لا ينفذ إلا مع يسارهم؛ لأن تصرفهم تبع لتصرف الموروث في مرضه، وهذا متوجه على قولنا: إن حق الغرماء تعلق بالتركة في المرض (5).

(1) في (ج): "يتوجه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"تمنع".

(4)

كذا في جميع النسخ، وهو الصواب، وفي المطبوع:"كالشفعة".

(5)

لا شك أن قول ابن عقيل قوي جدًّا، وهو أن الورثة يُمنعون من التصرف في تركة المدين إلا إذا كانوا موسيرين؛ لأنهم إذا تصرفوا بها وهم معسرون؛ كان ذلك سببًا لضياع حق الغرماء وانشغال ذمة الميت، أي أنه لا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة إذا كان الميت =

ص: 415

- ومنها: تصرف الزوجة في نصف الصداق بعد الطلاق إذا قلنا: لم يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ [فهذا](1). قال صاحب "الترغيب": يحتمل وجهين؛ لتردده بين خيار البيع وبين خيار الواهب (2).

- ومنها: تصرف من وهبه المريض ماله كله في مرضه قبل موته؛ فيجوز، وينفذ حتى لو كان أمه كان له وطؤها، ذكره القاضي [وحده](3) في "خلافه"، واستبعده الشيخ تقي الدين (4)؛ لأنه يتوقف على إجازة الورثة؛ فكيف يجوز قبلها؟!

وقد يقال: هو في الظاهر ملكه بالقبض، وموت الواهب وانتقال الحق إلى الورثة (5) مظنون؛ فلا يمنع التصرف (6).

= مدينًا إلا إذا كانوا موسرين؛ لأنهم إذا تصرفوا وهم موسرون أمكننا أن نرجع عليهم ونأخذ من أموالهم، وهذا لا يمكن حال الإعسار. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(2)

المرأة إذا طلقت قبل الدخول تستحق النصف من المهر، فإذا تصرفت في نصف الصداق الباقي، إذا قلنا: لم يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ فإن في صحة التصرف وجهين: الصحة وعدمها، والصحيح أنه لا يصح؛ كما إذا قلنا: أنه يدخل في ملك الزوج قهرًا؛ لأنه لما طلقها الزوج صار نصف المهر له؛ فلا يصح أن تتصرف فيه. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 193) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

(5)

في (ج): "ورثته".

(6)

قوله: "وموت الواهب وانتقال الحق إلى الورثة مظنون" المقصود موت الواهب قبل الورثة مظنون، وإلا؛ فإنه ميت لا محالة، والمريض إذا وهب مالَه كلَّه، فإن ما زاد على الثلث يتوقف على إجازه الورثة؛ فالقاضي يقول: يجوز للموهوب أن يتصرف فيما وُهب له؛ وإن كان موقوفًا على إجازة الورثة، وشيخ الإسلام يقول: لا يجوز؛ لأن للورثة حقًّا فيما زاد =

ص: 416

وأما تصرف المشتري في مدة الخيار له وللبائع؛ فالمنصوص عن أحمد: أنه موقوف على إمضاء البيع، وكذلك ذكره أبو بكر في "التنبيه"، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه"؛ لأنه تصرف في خالص ملكه، ولم يتعلق به سوى حق البائع في الفسخ، وقد زال، فأشبه تصرف الابن فيما وهبه له الأب؛ غير أن تصرف الابن لا يقف على إمضاء الأب؛ لأن حق الأب في الفسخ يسقط بانتقال الملك، ولأن تسلط الأب على الرجوع لم يكن لبقاء أثر ملكه، بل هو حق ثابت بالشرع مع ثبوت ملك الولد واستقراره؛ فلا يمنع التصرف (1).

وطَرْدُ هذا في كل من تَصَرَّفَ في [ماله](2) وقد تعلق به حق غيره لا

= على الثلث؛ فلا يتصرف لأنه ربما يضرهم، وعقب ابن رجب على كلام شيخ الإسلام بقول: هذا الموهوب له ملك الهبة بالقبض، وكون المال ينتقل إلى الورثة أمر مظنون؛ لأن هذا المريض قد يُشفى وقد يموت الورثة قبله؛ فتعلق حق الورثة بهذا المال ليس أمرًا متيقنًا، ولكن الظاهر ما ذهب إليه شيخ الإِسلام؛ لأن العمل على الظاهر، واحتمال موت الواهب قبل الورثة هو الظاهر، وإذا كان ذلك؛ فكيف يُمكن هذا الموهوب بالتصرف في المال والخروج من هذا المأزق أن يجمع المريض الورثة ويستجيزهم في إمضاء الهبة؟! (ع).

(1)

تصرف المشتري في المبيع إذا كان الخيار له وللبائع لا يجوز؛ لأنه إسقاط لحق البائع، ولكن الإمام أحمد قال؛ إنه موقوف على إمضاء البيع، أي إمضاء البائع للبيع، فإذا أمضاه؛ تبين صحة التصرف، وإذا لم يمضه؛ لم يصح التصرف، وهذا الذي قاله الإمام أحمد جيد بلا شك؛ لأن الحق للبائع، فإذا أمضى البيع وقال: أنا لا خيار لي، أما إذا كان الخيار للمشتري وحده؛ فتصرفه جائز، ولا بأس به، وتصرفه إسقاط لخياره، ومن هذا تصرف الابن فيما وهبه له أبوه؛ فإن تصرفه نافذ، وإذا تصرف في الهبة سقط حق الأب في الرجوع (ع).

(2)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"ملكه".

ص: 417

يبطل من أصله، كتصرف المريض فيما زاد على ثلث ماله؛ فإنه يقف على إمضاء الورثة، وعتق المكاتب لرقيقه يقف على تمام ملكه [بالعتق](1)، ذكره أبو بكر في "الخلاف".

وكذا ذكره أبو الخطاب في ["انتصاره"](2) في مسألة إجارة الورثة: أن تصرف الراهن يصح ويقف على إجازة المرتهن، وذكر الشيخ مجد الدين (3) أن هذا قول من يقول بوقف تصرف الفضولي.

وذكر أبو الخطاب أيضًا أن تصرف المشتري في الشِّقْصِ المشفوع [يصح و](4) يقف على إجارة الشفيع (5).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"الانتصار".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 376).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

التصرف في جميع هذه الفروع التي ذكرها فيما يتعلق به حق الغير صحيح، ويقف علي الإِجازة، وهذا ما يُعرف عند العلماء بتصرف الفضولي. (ع).

ص: 418

(القاعدة الرابعة والخمسون)

من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها؛ فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا؟

هذا على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرت قد أخذ به صاحبه وتملكه.

والثاني: أن يكون قد طالب به صريحًا أو إيماءً.

والثالث: أن يثبت له الحق شرعًا ولم يأخذ به ولم يطالب به.

فأما الأول؛ فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل؛ كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه على المشهور من المذهب (1)؛ فإنه لا يجوز، ذكره غير واحد من الأصحاب، منهم القاضي وابن عقيل [وصاحب "الكافي"](2)، مع أن عتقه يوجب ضمان قيمته يكون رهنًا؛ لأن فيه إسقاطًا لحقه القائم في العين بغير رضاه، وكذلك إخراج الرهن بالاستيلاد محرم،

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"المذهب المشهور".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

وانظر: "الكافي"(2/ 143 - 144).

ص: 419

ولأجله منعنا أصل الوطء.

وكذلك ينبغي أن يكون عتق المفلس المحجور عليه إذا نفذناه؛ لأن غرماءه قد قطعوا تصرفه فيه بالحجر وتملكوا المال، وقد ذكره ابن عقيل أيضًا في تبذيره قبل الحجر، وذكر القاضي في "خلافه": أن ظاهر كلام أحمد جواز عتق الراهن؛ كاقتصاصه من أحد عبيده المرهونين إذا قتله الآخر، ولم يذكر [بذلك](1) نصًّا، ولعله أخذه من قوله بنفوذ العتق ولا يدل.

وأما اقتصاص الراهن من العبد المرهون أو من قاتله؛ [فقد](2) صرح القاضي [ها هنا](3) وابن عقيل بأنه لا يجوز؛ لأن فيه تفويتًا لحق المرتهن من [عين الرهن](4) أو قيمته الواجبة له؛ [فأوجبنا](5) على الراهن قيمته تكون رهنًا.

وصرحا أيضًا بأن العتق [ها هنا](6) لا يجوز، وإنما ذكرا جوازه في مسألة العتق، وظاهر كلام أحمد جواز القصاص (7)؛ فيكون الفرق بين القصاص والعتق أن وجوب القصاص تعلق بالعبد تعلقًا يقدم به على حق المرتهن، بدليل أن حق الجاني مقدم على المرتهن لانحصار حقه فيه،

(1) كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"لذلك".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وقد".

(3)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(4)

في المطبوع: "غير الراهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

كذا في (ب)، وفي (أ):"وأوجب"، وفي المطبوع و (ج):"وواجبًا".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(7)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 182) عن المصنف.

ص: 420

بخلاف المرتهن، وهذا مفقود في العتق.

وأما الثاني؛ فلا يجوز أيضًا، ومنه خيار البائع المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع، وإن (1) قلنا: إن الملك له؛ فإن اشتراطه الخيار في العقد تعريض بالمطالبة بالفسخ.

وأما الثالث؛ ففيه خلاف، والصحيح أنه لا يجوز أيضًا، ولهذا [لم يجز](2) إسقاط خياره الثابت في المجلس بالعتق ولا غيره، كما لو اشترطه.

ويندرج في صور الخلاف مسائل:

- منها: مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس بغير إذنه خشية أن يفسخ الآخر، وفيه روايتان:

إحداهما: يجوز؛ لفعل ابن عمر (3).

(1) في (ج): "ولو".

(2)

في المطبوع: "لا يجوز"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، 4/ 326/ رقم 2107) عقب حديث ابن عمر: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرَّقا أو يكون البيع خيارًا"، قال:"قال نافع: وكان ابن عمر: إذا اشترى شيئًا يُعجبه فارق صاحبَه".

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمبايعين، 3/ 1164/ رقم 1531) بعد (45) عقب نحو حديث ابن عمر السابق، وفي آخره:"قال نافع: فكان إذا بايع رجلًا فأراد أن لا يُقيله؛ قام فمشى هُنَيَّةً، ثم رجع إليه".

وكذا عند النسائي في "المجتبى"(7/ 248 - 249)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 268، 272)، والترمذي في "جامعه"(رقم 1245)، ولفظه: "فكان ابن عمر =

ص: 421

والثانية: لا يجوز؛ لحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم[قال: "و](1) لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" (2)، وهو صريح في التحريم، وهو اختيار أبي بكر وصاحب "المغني" (3).

- ومنها: تصرف المشتري في الشِّقْص المشفوع بالوقف قبل الطلب ينبغي أن يخرج على الخلاف في التي قبلها، وصرح القاضي بجوازه، وظاهر كلامه في مسألة التحيل على إسقاط الشفعة تحريمه، وهو الأظهر، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشريك حتى يعرض على

= إذا ابتاع بيعًا وهو قاعد، قام ليجب له البيع"، وقال: "حديث حسن صحيح".

وقد خرَّجتُ حديث ابن عمر المرفوع في تعليقي على "الموافقات" للشاطبي (1/ 425)، وللَّه الحمد.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

أخرجه أبو داود في "سننه"(رقم 3456)، والنسائي في "المجتبى"(7/ 251 - 252)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1247)، وأحمد في "المسند"(2/ 183)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 620)، والدارقطني في "السنن"(3/ 50)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 271)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

وإسناده صحيح.

وفي الباب عن ابن عمر -ومضى في الهامش السابق-، وحكيم بن حزام، وسمرة بن جندب، وأبي بَرْزَة الأسلمي، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

(3)

قال ابن قدامة في "المغني"(4/ 7/ 2756): "وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع"، ثم قال:"والأول [أي: عدم جواز المفارقة] أصح؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل ابن عمر، والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا، ولو علمه، لما خالفه".

ص: 422

شريكه ليأخذ أو يذر (1)، مع أن حقه من الأخذ لا يسقط بذلك، [فالأولى](2) أن ينهى عما يسقط حقه بالكلية.

- ومنها: وطء العبد زوجته الأمة إذا عتقت ولم تعلم بالعتق ليسقط اختيارها للفسخ، الأظهر تخريجه على الخلاف [أيضًا](3)، وقال الشيخ مجد الدين في "تعليقه على الهداية": قياس مذهبنا جوازه. وفيما قاله نظر.

(1) أخرج مسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب الشُّفعة، 3/ 1229/ رقم 1608)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الشفعة، باب من باع رباعًا فليؤذن شريكه، 2/ 833/ رقم 2492)، وأحمد في "المسند"(3/ 312، 397)، وأبو يعلى في "المسند"(رقم 2171)، وابن حبان في "الصحيح"(5179 - الإحسان)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 125)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(رقم 2701)، والبغوي الفراء في "شرح السنة"(رقم 2173)، وابن مردويه في "أحاديث منتقاة"(رقم 42 - بتحقيقي)، عن جابر بن عبد اللَّه مرفوعًا:"من كان له شريك في رِبْعَةٍ أو نخلٍ، فليس له أن يبيع حتى يؤذِنَ شريكه، فإن رَصِيَ أخذ، وإنْ كَرِه ترك". لفظ مسلم.

وله أيضًا بلفظ: "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشُّفعة في كلِّ شركةٍ لم تُقْسَم، رِبْعَةٍ أو حائط، لا يحلُّ له أن يبيع حتى يُؤذِنَ شريكه، فإن شاء أخذ وإنْ شاء ترك، فإذا باع ولم يُؤذِنْه، فهو أحقُّ به".

ولمسلم عنه لفظ ثالث: "الشُّفعة في كلِّ شِرْكٍ في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يَعْرِض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أى فشريكهُ أحقُّ به حتى يُؤذِنه".

وفي الباب عن ابن عباس خرجته في "تالي التلخيص"(رقم 89) للخطيب البغدادي.

والرِّبْعة -بفتح الراء وإسكان الباء-: الدار والمسكن ومطلق الأرض، وأهله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه.

(2)

كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"فأولى".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج) والمطبوع.

ص: 423

- ومنها: تصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول، وقلنا: لم يملكه [قهرًا](1)؛ فإنه لا يجوز، صرح به في "المحرر"(2)، فأما تصرف أحد المتبايعين فيما بيده من العوض إذا استحق الآخر رد ما بيده بعيب أو خلف في صفة، فيجوز، ذكره القاضي في "خلافه"؛ لأن تصرفه لا يمنع حق الآخر من رد ما بيده، فإذا ردَّهُ، استحقَّ الرُّجوع بالعوض الذي بدله إن كان باقيًا، وإلا؛ رجع ببدله، وقياس هذا أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار، وظاهر كلام أحمد في رواية [الأثرم](3) أن للبائع التصرف في (4) الثمن في مدة الخيار، إلا أن يتخذ حيلة على أن يقرض غيره مالًا ويأخذ منه ما ينتفع به [على](5) صورة البيع ويشترط الخيار ليرجع فيه، وإن كان على غير وجه الحيلة، فيجوز، ولم يمنعه من التصرف في الثمن.

* * *

(1) في (ج): "مهرًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

انظر: "المحرر"(2/ 33) للإمام مجد الدين أبي البركات.

(3)

في المطبوع: "الأثرمي"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "فيه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج) والمطبوع.

ص: 424

(القاعدة الخامسة والخمسون)

من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد؛ هل يكون تصرفه [تملكًا](1) أم لا؟ وهل ينفذ تصرفه أم لا؟

[المشهور من المذهب](2) أنه لا يكون تملكًا، ولا ينفذ، وفي بعض صورها خلاف.

- ومن صور المسألة: البائع بشرط الخيار إذا تصرف في المبيع، لم يكن تصرفه فسخًا ولم ينفذ، نص عليه، وقال في رواية ابن القاسم: لا يجوز عتق البائع؛ لأنه غير مالك له في ذلك الوقت، إنما له فيه خيار، فإذا اختاره ثم أعتقه؛ جاز، فأما دون أن يرد البيع؛ فلا.

واختلف الأصحاب في المسألة على طرق:

أحدها: [أنه](3) لا يكون فسخًا رواية واحدة، وإنما ينفسخ بالقول، وهي طريقة أبي بكر والقاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر"(4)، وهي أصح، وقد نص أحمد على أن بيعه ليس بفسخ في رواية إسماعيل بن

(1) في (ج): "فسخًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"المذهب المشهور".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

انظر: "المحرر"(1/ 314).

ص: 425

سعيد (1)، ونص على أنه إذا وطئ؛ فعليه الحد في رواية مُهنَّأ.

والطريقة الثانية: أن المسألة على روايتين، وهي طريقة القاضي في "كتاب الروايتين"(2) وأبي الخطاب (3) وابن عقيل وصاحب "المغني"(4)، ورجح (5) أنه فسخ؛ لأن ملك المشتري في مدة الخيار غير مستقر؛ فينفسخ بمجرد تصرف البائع، بخلاف بائع (6) المفلس؛ [لأن](7) ملك المفلس تام.

والطريقة الثالثة: أن تصرفه فسخ بغير خلاف، كما أن تصرف المشتري إمضاء وإبطال للخيار في المنصوص، وهي طريقة القاضي في "المجرد" والحلواني في "الكفاية"(8)، وهي مخالفة للنصوص، ولا يصح

(1) هو إسماعيل بن سعيد، أبو إسحاق الشَّالنجي، كان عالمًا بالرأي، كبير القدر، روى عن أحمد مسائل كثيرة.

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(رقم 112)، و"المنهج الأحمد"(رقم 328).

(2)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 314).

(3)

انظر: "كتاب الهداية"(ص 135).

(4)

انظر: "المغني"(4/ 9 - 10/ 2759).

(5)

في (أ): "ورجحا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج) غير واضحة، ولعلها كما في باقي النسخ.

(7)

في المطبوع: "فإن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(8)

اسمه "كفاية المبتدئين" لمحمد بن علي بن محمد الحُلْواني (ت 505 هـ)، قال ابن رجب:"له كتاب "كفاية المبتدي" في الفقه، مجلدة".

ترجمته في: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 106)، و"المقصد الأرشد"(290 - 291)، وابنه عبد الرحمن صاحب "التبصرة" مضت ترجمته (ص 268).

ص: 426

اعتبار فسخ البائع بإمضاء المشتري؛ لأن ملك المشتري قائم وملك البائع مفقود.

والطريقة الرابعة: أن تصرفه بالوطء فسخ بلا (1) خلاف؛ لأنه اختيار، بدليل وطء من أسلم على أكثر من أربع نسق وبغيره، [و](2) فيه الخلاف، وهي طريقة صاحب "الكافي"(3).

وممن صرح بأن الوطء اختيار القاضي في "المجرد"، وحكاه في "الخلاف" عن أبي بكر في "التنبيه" ولم أجده فيه، ولا يصح إلحاق وطء البائع بوطء من أسلم على أكثر من أربع نسوة؛ لأن ملكه قائم؛ فلذلك (4) كان الوطء اختيارًا في حقه، فهو كوطء المشتري ها هنا، والبائع بخلافه، وقد نص أحمد على أن عليه الحد في رواية مهنا.

وأما نفوذ التصرف؛ [فممتنع](5) على الأقوال كلها، صرح به الأكثرون من الأصحاب؛ لأنه لم يتقدمه ملك، اللهم إلا أن يتقدمه سبب يوجب الانفساخ كالسوم ونحوه، وذكر الحلواني في "التبصرة" أنه ينفذ، ويتخرج من قاعدة لنا ستذكر (6) إن شاء اللَّه تعالى، وهي: أنه هل تكفي مقارنة شروط العقد للعقد في صحته؟

(1) في (أ): "بغير".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

انظر: "الكافي"(3/ 75).

(4)

في (أ): "فكذلك".

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"فهو ممنوع".

(6)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"سنذكرها".

ص: 427

- ومنها: إذا باع أمة بعبد، [ثم وجد](1) بالعبد عيبًا؛ فله الفسخ واسترجاع الأمة، وكذلك سائر السلع المعيبة إذا علم بها بعد العقد، وليس له التصرف [في عوضه](2) الذي أداه؛ لأن ملك الآخر عليه تام مستقر، فلو أقدم وأعتق الأمة أو وطئها؛ لم يكن ذلك فسخًا، ولم ينفذ عتقه، ذكره القاضي في "خلافه".

وذكر في "المجرد" وابنُ عقيل في "الفصول" احتمالًا آخر: أن وطئه يكون استرجاعًا كما في وطء المطلقة الرجعية، ومن أسلم على أكثر من أربع نسوة، وهذا واهٍ جدًّا، فإن الملك عن الرجعية، ومن أسلم عليهن لم يزل، [وها هنا](3) قد زال.

- ومنها: [لو](4) باع أمة، ثم أفلس المشتري قبل نقد الثمن والأمة موجودة بعينها، فله استرجاعها بالقول بدون إذن الحاكم على أصح الوجهين، حكاهما القاضي بناءً على نقض حكم الحاكم بخلافه؛ فيكون كالفسخ المجمع عليه، فلا يحتاج إلى حاكم، ولو أقدم على التصرف فيها ابتداءً؛ لم ينفذ، ولم يكن استرجاعًا، وكذلك الوطء، ذكره القاضي في "الخلاف" لتمام ملك المفلس.

وفي "المجرد" و"الفصول": أن الوطء استرجاع، وأن فيه احتمالًا

(1) كذا في المطبوع و (أ)، وفي (ب) و (ج):"ووجد".

(2)

في (ج): "بعوضه".

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:"وهذا".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 428

آخر بعدمه، ويمكن تخريج هذا الخلاف في سائر التصرفات على طريقة من أثبت الخلاف في تصرف البائع في مدة الخيار؛ لأن ملك المفلس غير تام، بدليل منعه من التصرف في ماله لحق البائع؛ فهو كالمشتري في مدة الخيار؛ غير أن ضعف الملك ها هنا طارئ، وفي مدة الخيار مبتدئ ولا أثر لذلك.

- ومنها: تصرف الشفيع في الشِّقص المشفوع قبل التملك؛ هل يكون تملكًا ويقوم ذلك مقام قوله: [تَمَلَّكْتُهُ](1)، أو مقام المطالبة عند من أثبت بها الملك، أو مقام الأخذ باليد عند من أثبت الملك به؟

[يمكن](2) تخريجه على الخلاف في المسألة [التي](3) قبلها، ولا سيما بعد المطالبة؛ لأن حقه استقر وثبت، وانقطع تصرف المشتري.

- ومنها: لو وهب الأب لولده شيئًا وقبضه الولد، ثم تصرف الأب فيه بعد القبض؛ هل يكون تصرفه رجوعًا؟

المنصوص أن لا، قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا وهب لابنه جارية وقبضها الابن، لم يجز للأب عتقها حتى يرجع فيها، وقال في "رواية ابن هانئ" (4): هذه الجارية للابن وأعتق الأب ما ليس له.

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ج):"أو تملكه".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"فيكون"، وفي المطبوع:"يمكن على".

قلت: وكلمة "على" في المطبوع زائدة.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في "رواية ابن هانئ"(2/ 1218/ 12) قال أحمد: "الجارية للابن، وأعتق الأب ما ليس له. قلت: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك"؟ قال أبو عبد اللَّه: من قال: =

ص: 429

وخرج أبو حفص البرمكي في كتاب "حكم الوالدين في مال ولدهما" رواية أخرى: أن العتق صحيح، ويكون رجوعًا، وسيأتي [ذكر أصل هذا التخريج](1) إن شاء اللَّه [تعالى](2).

وفي "التلخيص": "لا يكون وطؤه رجوعًا، وهل يكون بيعه وعتقه ونحوهما رجوعًا؟ على وجهين، ولا ينفذ عليهما؛ لأنه لم يلاق (3) الملك"[انتهى](4)، ويتخرج وجه بنفوذه؛ لاقتران الملك به كما سبق.

- ومنها: لو تصرف الوالد في مال ولده الذي يباح له تملكه قبل التملك؛ لم ينفذ (5)، ولم يكن تملكًا على المعروف من المذهب، وأن تملكه لا يحصل بدون القبض الذي يراد [التملك به](6)، وقد نص عليه

= إن عتق الأب جائز يذهب إلى هذا، فأما الحسن وابن أبي ليلى يقولان: عتقه عليه جائز، ولا أذهب إليه. قلت لأبي عبد اللَّه: إيش الحجة في هذا؟ فقال: لا يجوز عتقه على ما عتقه الابن وأجازه، وله أن يأخذ من مال ولده ما شاء، وليس لولده أن يمنعه إذا أراد أن يأخذ؛ إلا أن يكون بسرف؛ فله أن يعطيه القوت، ولا أرى أن يعتق على الابن إذا حاز الجارية".

ونحوه في "الورع" للمروزي (ص 86 - 87)، وسيأتي تخريج حديث "أنت ومالك لأبيك" بالتفصيل، وهو صحيح.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"تخريج هذا الأصل".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

في (ب): "لم يلاقي"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(5)

بعدها في (أ) و (ج) والمطبوع زيادة: "انتهى".

(6)

في (ج): "به التملك" كذا بتقديم وتأخير.

ص: 430

[أحمد](1) في مواضع؛ لأنه مباح، فلم يتملك بدون قبضه؛ كالاصطياد والاحتشاش، ولم يخرجوا في تملكه [بالقول بمجرده](2) خلافًا من الهبة ونحوها؛ لأن الهبة عقد [من](3) اثنين؛ فيكتفى فيه [بالقول؛ كعقد](4) المعاوضة، وها هنا [إكساب](5) مال مباح من غير عقد؛ فلا يكتفي فيه بدون القبض والحيازة، وما لم [يحز](6)؛ فهو باقٍ على ما كان عليه.

وخرج أبو حفص البرمكي رواية أخرى بصحة تصرفه بالعتق قبل القبض، وأخذ ذلك مما رواه المروذي (7) عنه: أنه قال: لو أن لابنه جارية فعتقها، كان جائزًا.

(1) في المطبوع: "وأحمد".

وفي "مسائل عبد اللَّه" لأبيه (ص 394/ رقم 1423): "سمعت أبي يقول: الوالد إذا أعتق غلام ابنه لا يجوز ما لم يقضه، فإذا قبضه وأعتق، جاز، وقال: كل شيء يأخذه الرجل من مال ابنه فقبضه؛ فله أن يأكل منه".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بالقبول"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"بين".

(4)

كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"بالقبول كعقود".

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"اكتسابه".

(6)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"يجز".

(7)

هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز أبو بكر المرّوذي، قال ابن أبي يعلى:"هو المقدّم من أصحاب أحمد لورعه وفضله، وكان إماما يأنس به وينبسط إليه، وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسّله". قال: "وقد روى عنه مسائل كثيرة"، مات سنة (275 هـ)، ودفن عند رِجْل قبر أحمد بن حنبل.

انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 56 - 63)، و"تاريخ بغداد"(4/ 423 - 425).

ص: 431

وفي رواية محمد بن الحكم (1): يعتق الأب [من](2) مال الابن هو ملك الابن حتى يعتق الأب أو يؤخذ.

وفي "رواية الميموني"(3): أرى أن ماله يؤخذ منه ويعتق منه؛ إلا أم ولد ابنه.

وفي توجيه هذه الرواية طريقان:

أحدهما: أن رقيق الابن له فيه [شبهة](4) ملك، ولذلك نفذ [استيلاده فيه](5)، فينفذ عتقه، كعتق [الغانم](6) أمه من المغنم، لكن لا يضمن؛ لأن الأب لا يطالب بما أتلفه من مال ولده.

(1) هو محمد بن الحكم، أبو بكر الأحول، مات قبل الإمام أحمد بثمان عشرة سنة؛ أي: سنة (223 هـ)، قال الخلال:"لا أعلم أحدًا أشدّ فهمًا من محمد بن الحكم فيما سئل بمناظرةٍ واحتجاج ومعرفةٍ وحفظ، وكان أبو عبد اللَّه -أي: الإمام أحمد- يبوح بالشيء إليه من الفُتيا، لا يبوح به لكل أحد، وكان خاصًّا بأبي عبد اللَّه، وكان له فهم سديد وعلم، وكان ابن عم أبي طالب، وبه وصل أبو طالب إلى أبي عبد اللَّه". انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 295).

(2)

في نسخة (ب): "في"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، أبو الحسن الميموني الرَّقي، له "مسائل الإمام أحمد"، قال الخلال:"في ستة عشر جزءً، منها جزآن كبيران بخط جليل، مئة ورقة أو نحو ذلك"، توفي سنة (274 هـ).

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 212 - 216)، و"المنهج الأحمد"(1/ 249 - 252).

(4)

كذا في (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"شبه".

(5)

في المطبوع: "استيلاؤه"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

ص: 432

والثاني: أن يقال: وقع الملك مقارنًا للعتق، فنفذ، وهذا القدر من الملك يكتفى به في العتق، كما لو قال لغيره: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه، ففعل؛ صح ووقع العتق والملك معًا.

ونقل أبو طالب عن أحمد: أنه قال: بيع الأب وشراؤه على ابنه جائز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك"(1)، وظاهر هذه الرواية جواز

(1) ورد عن جمع من الصحابة، منهم: جابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبو بكر الصِّدِّيق، وعمر بن الخطاب، وسمرة بن جُندب، وعائشة؛ رضي الله عنهم.

أما حديث جابر؛ فأخرجه ابن ماجه في "السنن"(رقم 2291)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 158) وفي "المشكل"(4/ 277/ رقم 1598 - ط المحققة)، أو (2/ 230 - ط القديمة)، والطبراني في "الأوسط"(4/ 322/ رقم 3558)، والمخلِّص في "حديثه"(12/ 69/ ب - المنتقى منه) -كما في "الإرواء"(3/ رقم 838) -، وابن عدي في "الكامل"(7/ 2621 - 2622)، من طريق عيسى بن يونس، ثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رفعه.

قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(2/ 202): "إسناده صحيح، ورجاله ثقات على شرط البخاري"، وعزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة"(رقم 196) لبقي بن مخلد من هذا الطريق.

وتابع يوسف على وصله:

• أبان بن تغلب، عند: الإسماعيلي في "المعجم"(806/ رقم 408)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1727) وقال:"وهذا الحديث رواه عن ابن المنكدر جماعة، ومن حديث أبان بن تغلب غريب لم يروه غير زهير، وعن زهر عمار بن مطر".

قلت: وعمار هالك، وتركه بعضهم. انظر:"اللسان"(4/ 275).

• عمرو بن أبي قيس، عند: الخطيب في "الموضح"(2/ 74)، ونقل ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير"(1631) عن البزار أنه صححه، وقال المنذري:"إسناده ثقات"، =

ص: 433

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وصححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الكبرى"(ق 170/ ب).

• المنكدر بن محمد بن المنكدر، عند: الطبراني في "الصغير"(2/ 62 - 63) و"الأوسط"(7/ 6566)، وفيه قصة ومعجزة، خرجه من أجلها البيهقي في "الدلائل" ورواه في "السنن"(7/ 481) مختصرًا بدونها، وخرجه أبو الشيخ في "عوالي حديثه"(1/ 22/ أ)، والمعافى بن زكريا في "جزء من حديثه"(ق 2/ أ) مطولًا، وقال الطبراني عقبه:"لا يروى عن محمد بن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبيد بن خلصة".

والمنكدر ضعفوه من قبل حفظه، وهو في الأصل صدوق.

وعبيد بن خلصة لا يعرف، ولم أجد من ترجمه، كذا قال شيخنا في "الإرواء"(3/ 325)، وهو المراد بقول السخاوي في "المقاصد"(101)، وقبله الهيثمي في "المجمع"(4/ 155)، والغماري في "الهداية" (8/ 540):"وفي إسناده من لا يعرف".

• هشام بن عروة، أخرجه البزار في "مسنده"، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(8/ 103)، وصححه فيه (8/ 106 و 9/ 417 و 10/ 160 و 11/ 344)، وصححه ابن القطان من هذا الوجه كما في "المقاصد"(ص 100).

وقد أعلّ هذه الطريق كثيرٌ من المتقدّمين بمخالفة الثوري وابن عيينة لمن وصلوه، قال أبو حاتم بعد ذكره لمن وصله -وهم الثلاثة المتقدمون-:"هذا خطأ، وليس هذا محفوظًا عن جابر، رواه الثوري وابن عيينة عن ابن المنكدر أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك. قال أبي: وهذا أشبه"، كذا في "العلل"(1/ 466/ رقم 1399) لابنه.

وقال البزار عقبه: "إنما روي عن هشام مرسلًا"، يعني: بدون جابر.

ونقل ابن التركماني في "الجوهر النقي"(7/ 481) قول البزار عنه: "ومن صحيح هذا الباب حديث ذكره بقي بن مخلد. . .".

قلت: أخرجه الشافعي في "الرسالة"(رقم 1290 - ط شاكر) -ومن طريقه البيهقي في "المعرفة"(1/ 1366/ رقم 263 و 11/ 298/ رقم 15587) -، وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم 2290): أخبرنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، به مرسلًا. =

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأفاد البيهقي قبله أنه لم يقل أحد من أهل الفقه به، وقال بعده:"لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال:"وأنّ اللَّه لما فرض للأب ميراثه من ابنه، فجعله كوارثٍ غيره، فقد يكونُ أقلَّ حظًّا من كثير من الورثة؛ دلَّ ذلك على أنّ ابنه مالكٌ للمالِ دونه"، وقال:"ومحمد بن المنكدر غاية في الثقة والفضل في الدين والورع، ولكنا لا ندري عمن قيل هذا الحديث".

قال البيهقي في "المعرفة"(1/ 167) عقب قول الشافعي الأخير: "وقد رواه بعض الناس موصولًا بذكر جابر فيه، وهو خطأ".

ونقل فيه أيضًا (12/ 158) تضعيف الشافعي له، ونقل الشافعي بناءً على ما تقدم أن أهل العلم أجمعوا على خلافه.

قلت: لا يوجد حديث لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إلا أسعد اللَّه عالمًا وقال به، وقد رأيتُ منذ عشر سنوات تقريبًا بحثًا ماتعًا في هذا للسندي في "دراسات اللبيب"، فانظره غير مأمور.

والحديث على توجيه الشافعي السابق، ومعارضته له بما فرض اللَّه للأب، مع عدم حفظه من وصله جعله ينحى إلى ضعفه، وزاد البيهقي -نصرةً له ووجد الموصول- أن زيادة "عن جابر" خطأ، وفصَّل في "الكبرى"(7/ 481) منشأ هذا باستشكال، ثم عرَّج على تأويل له، قال:"من زعم أن مال الولد لأبيه احتجَّ بظاهر هذا الحديث، ومن زعم أن له من ماله ما يكفيه إذا احتاج إليه، فإذا استغنى عنه، لم يكن للأب من ماله شيء، احتج بالأخبار التي وردت في تحريم مال الغير، وأنه لو مات وله ابن، لم يكن للأب من ماله إلا السدس، ولو كان أبوه يملك مال ابنه، لحازه كله".

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين"، وبمثل هدا احتج ابن حزم في "المحلى"(8/ 103 - 106 و 9/ 417 و 10/ 460 و 11/ 344) على أنه منسوخ، وأطال في ذلك.

قلت: الحديث الناسخ "كل أحد. . ." ضعيف، أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2293)، والدارقطني في "السنن"(4/ 235)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 481 و 10/ 319)، عن حبان بن أبي جبلة مرفوعًا، وهو ضعيف.

حبان من التابعين، ولذا تعقب المناويُّ في "فيض القدير"(5/ 9) السيوطيَّ لما =

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رمز لصحته في "الجامع الصغير"، فقال:"أشار المصنف لصحته، وهو ذهول أو قصور؛ فقد استدرك عليه الذهبي في "المهذب"، فقال: قلت: لم يصح مع انقطاعه".

وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(6/ 178) عن عمر بن المنكدر مرسلًا.

ونقل الطحاوي في "المشكل"(4/ 279) عن شيخين له توجيهًا آخر، وهذا نصٌّ كلامه:"سألت أبا جعفر محمد بن العباس (1) عن المراد بهذا الحديث، فقال: المراد به موجود فيه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في: "أنت ومالك لأبيك"؛ فجمع في الابن ومال الابن فجعلهما لأبيه، فلم يكن جعله إياهما لأبيه على ملك أبيه إياه، ولكن على أن لا يخرج عن قول أبيه فيه؛ فمثل ذلك قوله: مالك لأبيك، ليس على معنى تمليكه إياه ماله، ولكن على معنى أن لا يخرج عن قوله فيه.

وسألت ابن أبي عمران عنه، فقال قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:"أنت ومالك لأبيك"، كقول أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا ومالي لك يا رسول اللَّه، لما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما نفعي مال ما نفعي مال أبي بكر"(2) انتهى.

وقد لخص ابن عبد البر في "الاستذكار"(24/ 142) معنى كلاهما بقوله: "قوله عليه الصلاة والسلام: "أنت" ليس على التميك؛ فكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "ومالك" ليس على التمليك، ولكنه على البر به والإكرام له"، ونحوه عند ابن حبان في "الصحيح"(2/ 143 و 10/ 75 - "الإحسان").

والتوجيه الأول أقرب، لزيادة وردت في حديث عائشة وستأتي، واللَّه الموفق.

والخلاصة: الحديث صحيح بمجموع طرقه، قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 211):"فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به"، وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (100 - 102) بعد أن سرد طرقه:"والحديث قوي".

أما شواهده:

فحديث ابن عمر، وله أربع طرق: =

_________

(1)

العجيب أن محققه لم يعرفه، وهو مترجم في "السير"(14/ 144 - 145).

(2)

خرجته بإسهاب في تعليقي على "المجالسة"(رقم 151) للدِّينوري.

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الأولى: ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 406): قال لي محمد ابن مهران وأبو يعلى في "المسند"(10/ 98 - 99/ رقم 5731): حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، وابن معين في "تاريخه"(4/ 156 - 157/ رقم 3685)، ثلاثتهم قال: حدثنا معتمر بن سليمان؛ قال: فيما قرأت على فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن إسحاق: أنه حدثه أن عبد اللَّه بن عمر. . . (وذكر نحوه).

وقال ابن أبي سمينة: "عن أبي إسحاق" بزيادة "أبي".

قال الدوري في "تاريخه" عقبه: "قلتُ ليحيى: ابن أبي سمينة البصري حدثنا به عن معتمر يقول: عن أبي إسحاق؟! فأخرج يحيى "كتاب معتمر"؛ فإذا فيه: "أن إسحاق حدثه"".

قلت: يتأكد ذلك أن البخاري أورده في (ترجمة إسحاق) في (باب ومن أفناء الناس)، وإسحاق هذا في عداد المجاهيل، وقد خفي ذلك على شيخنا الألباني في "الإرواء" (3/ 328)؛ فقال:"وهذا سند حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ غير أبي حريز، واسمه عبد اللَّه بن حسين، قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ".

قلت: نعم، أبو حريز وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وضعّفه أحمد وغيره؛ ولكن لم ينتبه لإسحاق وأثبته (أبو إسحاق)، مع عزوه له لـ"تاريخ ابن معين"، ولم يلتفت لمقولة الدوري عقبه آنفة الذكر، ولم يعزه لـ"تاريخ البخاري".

وعلى فرض أنه (أبو إسحاق) -وهيهات-، فهو السبيعي.

ونقل ابن أبي حاتم في "المراسيل"(ص 146) عن أبيه قوله: "لم يسمع أبو إسحاق من ابن عمر، إنما رآه رؤية".

وأخرج أحمد في "الورع"(رقم 396): حدثنا معتمر -كذا-، قال: قرأتُ على الفضيل أن أبا إسحاق -كذا بزيادة (أبي) وإسقاط (أبي حريز)، ولعله من المحقق؛ فالكتاب مليء بمثل هذا على جودة مادته ونفاسته، ولا قوة إلا باللَّه.

الثانية: أخرج البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 406)، وابن قتيبة في "عيون الأخبار"(3/ 86 - ط المصرية، و 3/ 98 - ط دار الكتب العلمية)؛ من طريق عبد الأعلى: =

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثنا سعيد، عن مطر، عن الحكم بن عتيبة، عن النخعي، عن ابن عمر رفعه، وفي آخره:"أوما علمت أنك ومالك لأبيك؟! " لفظ ابن قتيبة، ولم يورد البخاري لفظه.

الثالثة: أخرجه البزار في "مسنده" -كما في "نصب الراية"(3/ 339) - من طريق ميمون بن زيد، عن عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر، فذكره وقال:"لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، وعمر بن محمد فيه لين".

قلت: ورد عن ابن عمر من غير هذا الإسناد، فليس الأمر كما قال البزار، وميمون ليّنه أبو حاتم، وعزاه الغماري في "الهداية"(8/ 542) من هذا الطريق للطبراني في "الكبير"، وما إخاله إلا وهم.

الرابعة: أخرجه الطبراني في "الأوسط"(رقم 5132) من طريق محمد بن أبي بلال، ثنا خلف بن خليفة، عن محارب بن دثار، عنه مرفوعًا بلفظ:"الولد من كسب الوالد".

قال شيخنا الألباني في "الإرواء"(3/ 328): "وابن أبي بلال هذا لم أعرفه".

قلت: هو محمد بن بكار بن بلال العاملي، وسيأتي عنه في حديث عمر.

وقد خالفه سعيد بن منصور، فأخرجه في "سننه" (رقم 2295): نا خلف بن خليفة؛ قال: سمعت واللَّه محارب بن دثار رفعه، وهو مرسل، وهو الأشبه في هذا الطريق.

وحديث عبد اللَّه بن عمرو، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 161) من طريق جريج، وأحمد في "المسند"(2/ 214) وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 995) والبيهقي في "معرفة السنن"(11/ 300/ رقم 15596) وفي "الكبرى"(7/ 480) من طريق عُبيد اللَّه بن الأخنس، وأبو داود في "السنن"(رقم 3530) وابن خزيمة -كما في "الهداية"(8/ 541) - والبيهقي في "الكبرى"(7/ 480) من طريق حبيب المعلم،

والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 158) من طريق حسين -وأخشى أن يكون تصحيفًا عن (حبيب) - المعلم، وأحمد في "المسند"(2/ 214) وابن ماجه في "السنن"(رقم 2292) من طريق حجاج بن أرطأة، كلهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:"أتى أعرابي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي. قال: أنت ومالك لوالدك، إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم؛ فكلوه هنيئًا". =

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأخرجه أبو بكر الشافعي في "حديثه"(2/ ب)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 22)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 49)، والأبهري في "الفوائد"(2/ أ)، والسِّلفي في "الطيوريات"(ج 7/ ق 115/ ب)، وابن النقور في "القراءة على الوزير"(2/ 20/ ب) -كما في "الإرواء"(3/ 225) -، من طريق قتادة، عن عمرو بن شعيب، به مختصرًا مقتصرًا على:"أنت ومالك لأبيك" من غير ذكر الرجل أو الأعرابي.

قال البيهقي في "المعرفة"(1/ 167/ رقم 266): "وقوله: "إن لأبي مالًا" ليس في أكثر الروايات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده".

قلت: تبرهن لك خلاف ذلك؛ فهذا القول سقط من رواية قتادة فحسب، وهو في رواية خمسة من أصحاب عمرو بن شعيب، فتبّه، وقال البيهقي ما قال تعقيبًا على مقولة الشافعي السابقة في حديث جابر.

وحديث عبد اللَّه بن مسعود، أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 472/ رقم 1416)، والطبراني في "الصغير"(1/ 8) و"الأوسط"(1/ 67/ رقم 57) و"الكبير"(10/ 99/ رقم 10019) و"مسند الشاميين"(3/ رقم 2481)، والمعافى بن زكريا في "جزء من حديثه"(ق 2/ أ)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 2398)، وعبد الأعلى بن مسهر في "نسخته"(رقم 48)؛ من طرق عن أبي مطيع معاوية بن يحيى، ثنا إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عن غيلان بن جامع، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهم النخعي، عن ابن مسعود، به.

قال الطبراني: "لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن ذي حماية، وكان من ثقات المسلمين".

قلت: ابن ذي حماية تحرف في "المجمع"(4/ 154) إلى "حماد"، وقال الهيثمي:"لم أجد من ترجمه"، وتوثيق الطبراني السابق عزيز، وهو مترجم في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 304 - 305).

وقال الهيثمي: "وبقيّة رجاله ثقات".

قلت: معاوية بن يحيى وحماد بن أبي سليمان، كلاهما صدوق، له أوهام، وأعله =

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أبو حاتم الرازي بكلام سيأتي في حديث عائشة رضي الله عنها.

وحديث أنس بن مالك، أخرجه أبو بكر الشافعي في "فوائده"(رقم 88 - بتحقيقي - انتقاء الدارقطني "الرباعيات")، وفيه الحباب بن فضالة؛ ضعيف.

وحديث أبي بكر الصِّدِّيق، (أو حديث رجل مبهم رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أبي بكر)، أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/ 448 - 449/ رقم 810)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 481) و"المعرفة"(11/ 300/ رقم 15597).

وإسناده ضعيف؛ فيه المنذر بن زياد، قال الطبراني:"لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا المنذر بن زياد".

قلت: وهو متروك كما قال الدارقطني، وكذا في "المجمع"(4/ 155)، وقال البيهقي:"غير قوي".

وحديث عمر بن الخطاب، أخرجه البزار في "البحر الزخار"(1/ 419 - 420/ رقم 295)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1212)، والدارقطني في "الأفراد"(ق 20/ ب)؛ من طريق محمد بن بلال، نا سعيد بن بشير، عن مطر، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، به.

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا من هذا الوجه، وقد رواه غير مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده".

وقال الدارقطني: "تفرد به مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عنه، ولم يروه عنه غير سعيد بن بشير".

وقال ابن عدي: "ولا أدري تشويش هذا الإسناد ممن هو؛ لأنّ هذا الحديث يرويه جماعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا أعلم رواه عن سعيد بن المسيب عن عمر إلا من حديث سعيد بن بشير هذا".

وقال: عن سعيد بن بشير: "ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط".

وقال أبو حاتم في "العلل"(2/ 469/ رقم 1408) لابنه عن طريق حديث عمر: "هذا خطأ، إنما هو عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم". =

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ونحوه في "مسند الفاروق" لابن كثير (2/ 557).

وقال الهيثمي في "المجمع"(2/ 84): "وسعيد بن المسيب لم يسمع من عمر".

قلت: وقع خلاف في ذلك، ورجح المزي وابن حجر أنه روى عنه وسمع منه، وليس هذا موطن التفصيل.

وحديث سمرة بن جندب، أخرجه الطبراني في "الأوسط"(رقم 7084) و"الكبير"(7/ 230/ رقم 6961)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 234)، والبزار في "مسنده"(رقم 1260 - "زوائده") -كما في "نصب الراية"(3/ 338) -، من طريق أبي مالك الجوداني -واسمه عبد اللَّه بن إسماعيل-، عن جرير بن حازم، عن الحسن، به.

وإسناده ضعيف ومنقطع، الحسن لم يسمع من سمرة الا حديث العقيقة، وعبد اللَّه بن إسماعيل "تفرد به" كما قال الطبراني، وقال العقيلي عنه:"عن جرير منكر الحديث، لا يتابع على شيء من حديثه".

قلت: والحقيقة أنه توبع، ولكن المتابعة عدم، فأخرجه ابن بشران في "الأمالي"(ق 56/ أ) من طريق عبد اللَّه بن حرمان الجهضي، عن جرير، به.

وابن حرمان لم أظفر به.

حديث عائشة رضي الله عنها، قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 234) عقب حديث سمرة السابق:"وفي هذا الباب أحاديث من غير هذا الوجه، وفيها لين، وبعضها أحسن من بعض، ومن أحسنها حديث الأعمش، عن منصور، عن عمارة بن عمير، عن عمّته، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أولادكم من كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم".

قلت: أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2287 - ط الأعظمي)، وإسحاق بن راهويه في "المسند"(رقم 1508، 1657)، والدارمي في "السنن"(2/ 247)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 1/ 406 - 407)، وأبو داود في "السنن"(رقم 3528، 3529)، والنسائي في "المجتبى"(7/ 240، 241)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1358)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 3137، 2290)، وأحمد في "المسند"(6/ 31، 41، 127، 162، 193، 201، 202 - 203)، =

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والحميدي في "المسند"(246)، والطيالسي في "المسند"(رقم 1580)، وابن حبان في "الصحيح"(10/ 72 - 73/ رقم 4259 - "الإحسان")، والحاكم في "المستدرك"(2/ 45، 46)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(239)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 480) و"المعرفة"(11/ 298 - 299/ رقم 15589، 15590)، من طريق عمارة، به.

قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.

قلت: عمة عمارة لم أهتد إليها، وفي بعض الروايات "عن أمه"، وأم عمارة كعمته، وفي "المستدرك":"عن أبيه" بدل "عن عمته"، ولكنها توبعت، تابعها الأسود عن عائشة كما عند سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2288)، وإسحاق في "مسنده"(رقم 1507، 1561)، والنسائي في "المجتبى"(7/ 241)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2137)، وأحمد في "المسند"(6/ 42، 220)، وابن حبان في "الصحيح"(10/ 74/ رقم 4260، 2461 - "الإحسان")، والبيهقي في "المعرفة"(11/ 299/ رقم 15593)، والرامهرمزي في "المحدث الفاضل"(ص 76)، وإسناده صحيح.

وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2289) عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة قولها.

وعدّ أبو حاتم الرازي -كما في "العلل"(1/ 472/ رقم 1416) - طريق أبي مطيع معاوية -وفي المطبوع بينهما (ابن)؛ فلتحذف) -، عن ابن أبي حماية، به إلى ابن مسعود رفعه بلفظ:"أنت ومالك لأبيك"، خطأ، قال:"إنما هو حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة".

قلت: زاد فيه حماد عن إبراهيم: "إذا احْتَجْتُم" قال الثوري: وهذا وهم من حماد، وقال أبو داود:"هو منكر"، قاله البيهقي في "المعرفة"(11/ 299).

وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 284)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 480)؛ من طريق إبراهم بن ميمون الصائغ، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود عنها، بلفظ: "إنّ أولادكم هبة اللَّه لكم، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} =

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= [الشورى: 49]؛ فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها".

وإسناده صحيح، وفيه فائدة فقهية هامة، وهي أنه يبيّن أن الحديث المشهور "أنت ومالك لأبيك" ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه، أفاده شيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2564).

انظر عن معناه: "بر الوالدين" للطَّرْطُرشي (ص 183 - 185).

وورد عن عائشة باللفظ الذي أورده المصنف من ثلاثة طرق:

الأولى: ما أخرجه ابن حبان في "الصحيح"(2/ 142/ رقم 410 - "الإحسان"، و 10/ 74 - 75/ رقم 4262 - "الإحسان") من طريق حصين بن المثَّنى، حدثنا الفضل ابن موسى، عن عبد اللَّه بن كيسان، عن عطاء، به. وإسناده ضعيف، الحصين مترجم في "الجرح والتعديل"(3/ 167)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وابن كيسان ضعّفه أبو حاتم والنسائي، وقال العقيلي:"في حدثه وهم كثير".

والعجب من ابن الملقن؛ فإنه اقتصر عليه في "تحفة المحتاج"(2/ 377) وقال: "وهو أصحّ طرقه الثمانية"، ولكنه قال في "خلاصة البدر المنير" (رقم 1999):"له سبعة طرق أخر، موضّحة في الأصل، وأصحها هذا وطريق جابر".

وانظر: "الإرواء"(6/ 66 - 67).

الثانية: أخرجه ابو القاسم الحامض في "حديثه" -كما في "المنتقى منه"(2/ 8/ 1) -: حدثنا إبراهيم بن راشد، ثنا أبو عاصم، عن عثمان بن الأسود.

قلت: وإبراهيم بن راشد هو الأدمي، قال ابن أبي حاتم (1/ 1/ 99):"كتبنا عنه ببغداد، وهو صدوق".

قلت: وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، غير الأسود، وهو ابن موسى بن باذان المكي، لم أجد له ترجمة، وقد ذكره في "التهذيب" في جملة من روى عنهم ابنه عثمان، قاله شيخنا في "الإرواء"(3/ 326).

الثالثة: أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 747) من طريق الحسن بن عبد الرحمن، ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رفعته، وقال عقبه: "وهذا =

ص: 443

الأقدام على التصرف في ماله ونفوذه وحصول [التملك](1) به.

وفي "التنبيه" لأبي بكر: بيع الأب على ابنه وعتقه وصدقته ووطء

= حديث ليس له أصل عن وكيع، وإنما يروي هذا عن عبد اللَّه بن عبد القدوس عن هشام بن عروة".

قلت: والحسن بن عبد الرحمن الاحتياطي يسرق الحديث، منكر عن الثقات.

انظر: "اللسان"(2/ 218)، و"تاريخ بغداد"(7/ 337).

وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 611)، والخطيب في "تالي التلخيص"(رقم 310 - بتحقيقي)؛ من طريقين عن الحارث بن عبيدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وفيه:"اردد على أبيك ما حبست عنه، فإنك ومالك كسهم من كنانته".

والحارث هو الكلاعي، ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 224):"يأتي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 81):"شيخ ليس بالقوي".

وورد عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "يد الوالد مبسوط في مال ولده، وإنْ أمرك أن تخرج من أهلك، فاخرج منها".

أخرجه أبو الشيخ في "الفوائد"(رقم 22) بسندٍ ضعيف ومنقطع.

وورد أيضًا عن مبهمين من الصحابة رضي الله عنهم، أحدهما أنصاري، عن سعيد ابن منصور في "سننه"(رقم 2291، 2292)، ومن مرسل محمد بن المنكدر وعمر بن المنكدر ومضيا عند كلامي على حديث جابر، ومن مرسل محارب بن دثار، ومضى عند الكلام على حديث ابن عمر، ومن مرسل المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطب، عند: أبي عبيد في "المواعظ والخطب"(رقم 17)، وفيه:"وأطع والديك، وإنْ أمراك أن تخرج من مالك؛ فاخرج منه".

والخلاصة: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه هذه؛ كما أسلفت، وهذا ما قال به ابن حجر وتلميذه السخاوي، واللَّه الموفق.

(1)

في المطبوع: "التصرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 444

إمائه ولم (1) يكن الابن قد وطئ؛ جائز، ويجوز له بيع عبيده وإمائه وعتقهم.

ولهذا القول مأخذان أيضًا:

أحدهما: أن الملك يقترن بالتصرف، فينفذ كما في نظيره (2).

والثاني: أن هذا تملك قهري في مال معين؛ فيكتفى فيه بالقول الدال على التملك كما [تملك](3) الهبة المعينة بمجرد القبول على رواية، ولهذا حكى طائفة من الأصحاب في بيع المباحات النابتة والجارية في الأرض المملوكة قبل حيازتها روايتين، ولم يذكروا خلافًا في أنها عين (4) مملوكة.

وممن سلك هذا المسلك صاحب "المقنع"(5) في (كتاب البيع) وصاحب "المحرر"(6)، ووجه صحة البيع على هذا: أنه مقدور على تسليمه، وليس [ملكًا](7) لغيره؛ فهو كالمملوك [له](8)، وهو قريب من بيع الصكاك قبل استحقاقها، وقد تقدم الخلاف فيها.

وأما تصرف الأب في أمة ولده بالوطء قبل القبض، فإن أحبلها؛

(1) في المطبوع: "ما لم".

(2)

في (ج): "نظائره".

(3)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"ملك".

(4)

في (أ) و (ب): "غير"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

انظره: (4/ 22 - 23 - مع شرحه "المبدع").

(6)

لا يلزم من قول المؤلف رحمه الله: "صاحب المحرر" أنه في "المحرر".

(7)

كذا في (أ) و (ب)، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ج):"مملوكًا".

(8)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

ص: 445

صارت أم ولد له، وإن لم يحبلها، فإن قلنا: لا يملك الأب مال ولده إلا بالقبض؛ لم يملكها حتى يقبضها، وإن قلنا: يملك بمجرد التصرف؛ صارت ملكًا له بالوطء بمجرده.

ونقلت من خط القاضي -وذكر أنه نقله من خط ابن شاقلا-: قال الشيخ (يعني: أبا بكر عبد العزيز) روى الأثرم: أن المرأة إذا وطئها زوجها وانقضت العدة ثم تزوجت، فإن أتت بولد لستة أشهر، فتداعياه (1) جميعًا؛ أرى القافة، وقال: إذا وطء الرجل جارية ابنه وإن كان الابن قد وطئ؛ فلا حد على الأب لأنها بنفس الوطء ملك له. قال الشيخ [تقي الدين](2): في نفسي من مسألة الأثرم شيء. انتهى.

فإن كان قوله: إذا وطئ الرجل جارية ابنه. . . إلى آخره من تمام رواية الأثرم؛ فيكون ذلك منصوصًا عن أحمد، وإلا؛ فهو من كلام أبي بكر، وهو موافق لما ذكره في "التنبيه" كما حكيناه عنه.

وقوله: وإن كان الابن قد وطئ؛ يريد أن تملكها يثبت مع وطء الابن.

فأما ثبوت الاستيلاد؛ ففيه خلاف في المذهب، ونقل ابن منصور (3) عن أحمد كلامًا يدل بمفهومه على أنها لا تصير مستولدة له، وهو ظاهر كلام

(1) في (ب): "فتلاعناه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

وفي "مجموع الفتاوى"(32/ 352) كلام قريب من ذلك؛ فليراجع.

(3)

وهو فيه في القسم المفقود، ولم يطبع منه إلا قسم البيوع.

ص: 446

ابن أبي موسى، والمرجح عند صاحب "المغني"(1) أنها تصير مستولدة؛ لأن التحريم لا ينافي الاستيلاد؛ كالأمة (2) المشتركة، ولكن بينهما فرق، وهو أن هذه محرمة على التأبيد، بخلاف المشتركة.

وقد نص أحمد على أن النسب لا يلحق بوطء الأمة المزوجة؛ وإن كان زوجها صغيرًا لا يولد لمثله في "رواية حرب"(3) و"ابن بختان"، وذكره أبو بكر وابن أبي موسى؛ فلمؤبدة التحريم أولى.

هذا كله ما لم يكن الابن قد استولدها، فإن كان استولدها؛ لم ينتقل الملك فيها باستيلاد غيره كما لا ينتقل بالعقود، وذكر ابن عقيل في "فنونه" أنها تصير مستولدة لهما جميعًا (4)، كما لو وطئ الشريكان أمتهما في طهر واحد، وأتت بولد ألحقته القافة بهما، لكن في مسألة القافة حكم [باستيلادها لهما](5) دفعة واحدة، وفي مسألتنا قد ثبت استيلاد الابن أولًا لها؛ فلا ينتقل إلى غيره؛ إلا أن يقال: أم الولد تملك بالقهر على رواية، والاستيلاد سبب قهري.

- ومنها: تصرف السيد في مال عبده الذي ملكه إياه وقلنا يملكه،

(1) انظر: "المغني"(7/ 115/ 5426).

(2)

في المطبوع: "وكالأمة"، والصواب حذف الواو.

(3)

نحوه في "الفنون"(1/ 162 - 163/ 165) لابن عقيل.

(4)

هو حرب بن إسماعيل بن خلف، أبو محمد الحنظلي الكرماني، قال الذهبي:"مسائل حرب من أنفس كتب الحنابلة، وهو كبير في مجلَّدين"، توفي سنة (280 هـ).

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 145 - 146)، و"المنهج الأحمد"(1/ 394 - 395)، و"السير"(13/ 244 - 245).

(5)

في المطبوع: "باستيلادهما لها"! والصواب ما أثبتناه.

ص: 447

ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ ويكون استرجاعًا لتضمنه إياه، وذكر القاضي في "الجامع [الكبير] (1) ": أنه يحتمل حمله على أنه سبق رجوعه التصرفُ؛ لينفذ.

- ومنها: تصرف الموصى له [في الوصية](2) بعد الموت؛ هل يقوم مقام القبول؟

الأظهر قيامه مقامه؛ لأن سبب الملك قد استقر له استقرارًا لا يمكن إبطاله، وقد [ملك](3) بالموت على أحد الوجوه، وهو منصوص عن أحمد، ومثله الوقف على معين إذا قيل باشتراط قبوله.

فأما العقود التي تملك [له](4) موجبها الرجوع فيها قبل القبول؛ فهل يقوم التصرف فيها مقام القبول؟

فيه تردد يلتفت إلى انعقاد العقود بالمعاطاة.

فأما الوكالة؛ فيصح [فيها](5) قبولها بالفعل، صرح به الأصحاب؛ لأنها إذن مجرد وأمر بالتصرف، فيصح امتثاله بالفعل، وهل يساويها في ذلك سائر العقود الجائزة؛ كالشركة والمضاربة والمساقاة؟

ظاهر كلام [صاحب](6)"التلخيص" أو صريحه: المساواة، وحكى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"بالوصية".

(3)

في المطبوع: "كمل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط.

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 448

القاضي في "الأحكام السلطانية"(1) في صحة قبول القاضي القضاء بشروعه (2) في النظر احتمالين، وجعل مأخذهما: هل يجري الفعل مجرى النطق لدلالته عليه؟ ويحسن بناؤهما على أن ولاية القضاء عقد جائز أو لازم.

- ومنها: المطلقة الرجعية؛ هل تحصل رجعتها [بالوطء](3)؟

على روايتين، مأخذهما عند أبي الخطاب الخلاف في وطئها؛ هل هو [مباح أو محرم](4)؟ والصحيح بناؤه على اعتبار الإشهاد [للرجعة](5) وعدمه، وهو البناء المنصوص عن الإمام، ولا عبرة بحل الوطء ولا عدمه، فلو وطئها في [حيض](6) أو غيره؛ كانت رجعة، وهل يشترط أن (7) ينوي بالوطء الرجعة أم لا؟

نقل ابن منصور عن أحمد اعتباره، وهو اختيار ابن أبي موسى، والمذهب عند القاضي ومن اتبعه خلاف ذلك، ولكن الرجعية لم يزل النكاح عنها بالكلية، وإنما حصل له تشعث، لكن الرجعة يترتب عليها الاستباحة حقيقةً في المدة الزائدة على العدة.

(1) انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 64).

(2)

في (ج): "بشروطه"!!

(3)

في المطبوع و (أ): "الوطء"! والصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ب): "محرم أو مباح" هكذا بتقديم وتأخير.

(5)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"للرجعية".

(6)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ج) و (ب):"الحيض".

(7)

في المطبوع: "يشترط غيره أن"، و"غيره" زائدة لا معنى لها.

ص: 449

(القاعدة السادسة والخمسون)

شروط العقود من أهلية العاقد، [و](1) المعقود له أو عليه إذا وجدت مقترنة بها ولم تتقدم عليها، هل يكتفى بها في صحتها، أم لا بد من سبقها؟

المنصوص عن أحمد الاكتفاء بالمقارنة في الصحة.

وفيه وجه آخر: لا بد من السبق، وهو اختيار ابن حامد والقاضي في الجملة.

ويتخرج على ذلك مسائل قد ذكرنا عدة منها في القاعدة السابقة:

- منها: إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها؛ فالمنصوص الصحة اكتفاءً باقتران [شرط](2) النكاح، وهو الحرية [به](3)، كما دلت عليه السنة الصحيحة (4)، واختار ابن حامد والقاضي عدم الصحة؛ فمنهم من

(1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"أو".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"شروط"!

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب بيع العبد والحيوان نسيئة، رقم 2228، وكتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم 4200، وكتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، رقم 5086، وباب الوليمة ولو بشاة، رقم 5169)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، رقم =

ص: 450

[جعل](1) مأخذه انتفاء لفظ النكاح الصريح، وهو ابن حامد، ومنهم من [جعل](1) مأخذه انتفاء تقدم الشرط.

- ومنها: لو باعه شيئًا بشرط أن يرهنه على ثمنه، صح، نص عليه، وقال القاضي وابن حامد: لا يصح، لانتفاء [سبق](2) الملك للرهن، ولا تكفي المقارنة.

- ومنها: لو كاتب عبده وباعه شيئًا صفقة واحدة، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يصح، وقيل: إنه المنصوص، وذكره القاضي وابن عقيل في "النكاح" وأبو الخطاب والأكثرون اكتفاءً باقتران البيع وشرطه، وهو كون المشتري مكاتبًا يصح معاملته للسيد.

والوجه الثاني: لا يصح، قاله القاضي وابن عقيل في البيوع؛ لأن الكتابة لم تسبق عقد البيع.

- ومنها: لو ادعى أنه وكيل لزيد، وأن لزيد على فلان ألفًا، وأقام البينة بالوكالة والدين في حالة واحدة، فهل يقبل ولدفع إليه المال، أم لا بد من تقدم ثبوت الوكالة على ثبوت الدين؟

قال القاضي في "خلافه": يحتمل وجهين، والأشبه اعتبار تقدم الوكالة؛ لأنه ما لم تثبت وكالته [لم](3) يجب الدفع إليه. واستشهد للقبول

= 1365)؛ عن أنس، وفيه قصة طويلة فيها:"أنه أعتق صفيّة، وجعل عِتْقها صَدَاقها"، وفي رواية:"تزوَّج صفية، وأصدقها عِتْقَها".

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي (ب) والمطبوع:"صحة".

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"لا".

ص: 451

بما لو شهد أنه ابتاع من فلان دارًا وهو مالك لها، [فإنه](1)[تصح](2) شهادتهما بالبيع والملك في حالة واحدة.

- ومنها: لو قال: إذا تزوجت فلانة، فقد وكلتك في طلاقها؛ ففي "التلخيص": قياس المذهب صحته.

ويتخرج وجه آخر: أنه لا يصح، لاقتران الوكالة وشرطها؛ إذ شرطها (3) أن يكون الموكل مالكًا لما وكل فيه، وملك الطلاق يترتب على ثبوت النكاح، فيقارن الوكالة.

- ومنها: لو وجدت الكفاءة في النكاح حال العقد، بأن يقول سيد العبد [بعد] (4) إيجاب النكاح [له] (5): قبلت له [هذا](6) النكاح وأعتقته؛ فقال الشيخ تقي الدين (7): قياس المذهب صحته (8)، وقال: ويتخرج فيه وجه آخر بمنعها (9).

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"بأنه".

(2)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"يصح".

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج):"وشروطها".

(4)

كذا في المطبوع و (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي (ج):"حال".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

انظر: "الاختبارات الفقهية"(ص 209 - 210) لشيخ الإسلام رحمه الله.

(8)

في (أ) و (ب) و (ج): "الصحة"، وفي "الاختيارات الفقهية":"صحة ذلك".

(9)

كذا في (أ) بباء موحدة، وهو الصواب، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"يمنعها" بياء آخر الحروف.

ص: 452

فأما اقتران الحكم مع شرطه في غير عقد؛ هل يثبت به الحكم أم لا؟

يتخرج عليه مسائل:

- منها: صحة الوصية لمن ثبتت أهلية ملكه بالموت؛ كأم الولد ومدبره، فإن السبب المستحق به هو الإِيصاء، وشرط الاستحقاق هو الموت، وعليه يترتب الاستحقاق، وقد اقترن به وجود أهلية المستحق؛ فيكفي في ثبوت الملك، هذا إذا قلنا: إن الوصية تملك بالموت من غير قبول، وإن قلنا: تتوقف على القبول -وهو المشهور-، فإن القبول يتأخر عن أهلية الاستحقاق، فيصح القبول حينئذ، ولا يضر فوات أهليته عند الموت، فإنه لو قال: اعتقوا عني عبدي (1) وأعطوه كذا؛ لصحت هذه الوصية.

- ومنها: إذا وجدت الحرية عقيب (2) موت الموروث أو معه، كما لو قال لعبده: إن مات أبوك فأنت حر، وكان أبوه حرًّا، فمات أو دبر ابن عمه ثم مات؛ فإنه [لا يرث](3)، ذكره القاضي وصاحب "المغني"، وعلله بأن المانع لا يؤثر زواله حال الاستحقاق كما لا يؤثر وجوده عندنا في إسلام الطفل بموت أبويه.

(1) في (ب): "عبدًا" ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ) و (ج): "عقب".

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"لا يرثه".

ص: 453

[و](1) قال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن يخرج على الوجهين فيما إذا حدثت الأهلية مع الحكم، هل يكتفي بها، أم يشترط تقدمها؟ فإن قلنا: تكفي المقارنة؛ ورث لأنه صار حرًّا ومالكًا في [زمن واحد](2). انتهى.

ولا يقال: هذا [يفضي إلى](3) اقتران العلة ومعلولها، وهو عندكم باطل؛ لأنا نقول: علة الإِرث وسببه هو النسب وهو سابق على الموت، وإنما الحرية شرط له.

- ومنها: عدة أم الولد إذا توفي [عنها](4) سيدها؛ هل هي عدة حرة أو أمة؟

وأكثر الروايات عن أحمد: أنها تعتد عدة أمة، وقال:"لو اعتدت عدة حرة، لورثت"(5)، ثم توقف في ذلك، وقال: دخلني منه شيء، وقال مرة: تعتد عدة حرة اكتفاءً بالحرية المقارنة لوجوب العدة، ولزوم مقارنة العلة للمعلول هنا أظهر، ولا يلزم؛ لأن سبب العدة الاستفراش السابق

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

في المطبوع: "حالة واحدة"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "يقتضي"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(5)

انظر: "مسائل ابن هانئ"(1/ 238/ رقم 1144)، و"مسائل عبد اللَّه"(ص 369/ رقم 1355)، و"مسائل صالح"(1/ 439/ رقم 433 و 2/ 71 - 72، 184/ رقم 618، 745)، والمذكور عند صالح في الموطن الأول، وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب.

وانظر: "المغني"(7/ 500 - 501)، و"الإنصاف"(9/ 326).

ص: 454

والموت شرطها، والحرية شرط للعدة [بالشهور](1)، ومن ها هنا (2) لم يلزم [التوريث](3)؛ لأن سببه منتف بالكلية، وهو النكاح والنسب والولاء.

* * *

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"بالمشهور"، وفي المطبوع:"بالأشهر".

(2)

في (ج): "هنا".

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"التورث".

ص: 455

(القاعدة السابعة والخمسون)

إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه؛ فهل يثبت الحكم أم لا؟

المذهب المشهور أنه لا يثبت، وقال ابن حامد: يثبت.

وإن تقارن الحكم ووجود المانع منه؛ فهل يثبت الحكم معه؟

فيه وجهان، واختيار (1) القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" وصاحب "المغني" (2): أنه لا يثبت، واختار القاضي في "خلافه" وفي "الجامع الكبير": أنه يثبت، وكذلك ابن عقيل في "عمد الأدلة" وأبو الخطاب.

فأما اقتران الحكم والمنع منه؛ فيندرج تحته مسائل:

- منها: لو قال الزوج لامرأته: أنت طالق مع انقضاء عدتك، أو قال: كلما ولدت ولدًا فأنت طالق، فولدت ولدين متعاقبين، فإنها تطلق بالأول، وتنقضي العدة بالثاني ولا تطلق به، كما لا تطلق في قوله: مع انقضاء عدتك، هذا المذهب المشهور، وعليه أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه، والخلاف فيه مع ابن حامد وحده، وفي "الفصول"

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"واختار".

(2)

انظر الأمثلة الآتية الذكر في: "المغني"(1/ 351 - 352).

ص: 456

يشير إلى أن مأخذ ابن حامد في مسألة الولادة القول بتقارن العلة ومعلولها؛ فيقع الطلاق في حال الولادة قبل البينونة، ولا يصح؛ لأن البينونة [معلول الولادة](1)، فلو اقترنت العلة ومعلولها؛ لبانت مع الولادة أيضًا.

- ومنها: لو قال: أنت طالق بعد موتي؛ لم تطلق بغير خلاف نعلمه، ولو قال: مع موتي أو موتك؛ لم تطلق، نص عليه في رواية مهنا؛ لأن الموت سبب البينونة؛ فلا يجامعها الطلاق، ويلزم على قول ابن حامد الوقوع ها هنا؛ لأنه إذا [أوقع](2) الطلاق مع الحكم بالبينونة؛ فإيقاعه مع سبب الحكم أولى، ويلزم مثل ذلك القاضي ومن تابعه على الوقوع مع سبب الانفساخ؛ لتأخر الانفساخ عنه، ولم يلتزموا ذلك، وادعوا ها هنا المقارنة دون السبق، ولا يصح، ولعل المانع من إيقاع الطلاق مع الموت هو عدم الفائدة فيه، بخلاف إيقاعه مع البينونة في الحياة؛ فإنه يفيد التحريم أو نقص (3) العدد.

- ومنها: لو قال زوج الأمة لها: إن ملكتك فأنت طالق، ثم ملكها؛ لم تطلق، قال الأصحاب: وجهًا واحدًا، ولا يصح؛ لأن ابن حامد يلزمه القول ها هنا [القول](4) بالوقوع؛ لاقترانه بالانفساخ.

- ومنها: لو أعتق الزوجان معًا، وقلنا: لا خيار للمعتقة تحت الحر؛

(1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي (أ) و (ج):"معلول للولادة"، وفي المطبوع:"معلولة للولادة".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وقع".

(3)

كذا في (ج) و (ب) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ):"بعض".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 457

فهل يثبت لها الخيار ها هنا؟

على روايتين منصوصتين عن أحمد، وقد اقترن هنا المقتضي وهو حريتها والمانع وهو حريته، فحصل الحكم بثبوت الخيار مع المنع منه.

فإن قيل: يشكل على ما ذكرتموه مسألتان منصوصتان عن الإمام أحمد:

إحداهما: إذا قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم باعه؛ فإنه يعتق على البائع من ماله، نص عليه أحمد في رواية جماعة (1)، ولم ينقل عنه في ذلك خلاف؛ فقد حكم بوقوع العتق مع وجود [المنع](2) منه، وهو انتقال الملك، وهذا يلزم منه صحة قول ابن حامد وطرده في إثبات الأحكام مع مقارنة المنع [منه](3)، مثل أن يقول لغير المدخول بها: إن طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها؛ فينبغي أن تطلق طلقتين، وكذلك [إذا قال] (4): إن فسختُ نكاحَكِ لعيب أو نحوه فأنت طالق، وكذلك [لو] (5) قال: إن خالعتُكِ فأنت طالق.

[و](6) المسألة الثانية: إذا مات الذمي وله أطفال صغار؛ حكم

(1) منهم: ابنه صالح في "مسائله"(2/ 450/ رقم 1149)، وابن هانئ في "مسائله"(2/ 62/ رقم 1435، 1436)، وغيرهما.

وانظر: "الإنصاف"(4/ 355)، و"المغني"(3/ 576 - 577).

(2)

في (ج) والمطبوع: "المانع".

(3)

في المطبوع: "منها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"إن قالت".

(5)

في المطبوع و (ب): "إن".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

ص: 458

بإسلام الولد وورث منه، نص عليه ولم يثبت عنه خلاف ذلك، حتى إن من الأصحاب من أنكر القول بعدم توريثه وقال: هو خلاف الإجماع، ويلزم من توريثه إثبات الحكم المقترن بمانعه، وهذا لا محيد عنه.

والجواب إما على قول ابن حامد، فهذا متجه لا بعد فيه، وإما على قول جمهور الأصحاب؛ فقد اختلفوا في تخريج كلام الإِمام أحمد في مسألة العتق على طرق:

أحدها: أنه مبني على قوله بأن الملك لم [ينتقل](1) عن البائع في مدة الخيار، فأما على قوله بالانتقال، وهو الصحيح، فلا يعتق، وهذه طريقة أبي الخطاب في "انتصاره"، وفيها ضعف؛ فإن نصوص أحمد بالعتق هنا متكاثرة، ورواية بقاء الملك للبائع ربما لم تكن صريحة عن أحمد بل مستنبطة من كلامه، وإنما المنقول الصريح عنه انتقال الملك.

والطريق الثاني: أن عتقه على البائع، لثبوت الخيار [له](2)، فلم تنقطع علقه عن المبيع بعد، وهي طريقة القاضي وابن عقيل وأبي الخطاب، وأورد عليهم أن تصرف البائع بالعتق في مدة الخيار لا ينفذ على المنصوص؛ فأجابوا بأن هذا العتق أنشأه في ملكه، فلذلك نفذ في مدة الخيار بعد زوال ملكه؛ [لأن](3) أحمد [شبهه](4) بنفوذ الوصية بعد الموت، وقال في رواية ابن ماهان: يعتق من مال البائع، قيل: لأنه خلف [على](5)

(1) في المطبوع: "ينقل"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في المطبوع: "فإن"، وما أثبتناه فمن (أ) و (ب) و (ج).

(4)

في المطبوع: "قال"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"عن".

ص: 459

ملك؟ قال: نعم.

والطريق الثالث: أنه يعتق على البائع عقيب (1) إيجابه وقبل قبول المشتري، وهي طريقة ابن أبي موسى والسامري وصاحبي "المغني"(2) و"التلخيص"؛ لأنه إنما علقه على بيعه، وبيعه الصادر عنه هو الإيجاب فقط، ولهذا يسمى بائعًا والقابل مشتريًا، ويقال: باع هذا واشترى هذا، وإن كان العقد لا ينعقد [إلا](3) بقبول المشتري، لكن القبول شرط محض لانعقاد البيع وليس هو من ماهيته، فإذا وجد القبول، تبينا أنه عتق على البائع قبله في ملكه قبل الانتقال.

وفي هذه [الطريقة](4) أيضًا نظر؛ فإن أحمد نص على نفوذه بعد زوال الملك، ولأن البيع المطلق إنما يتناول المنعقد لا صورة البيع (5) المجردة.

والطريق الرابع: أنه يعتق على البائع في حالة انتقال الملك إلى المشتري، حيث يترتب على الإِيجاب [و](6) القول وانتقال الملك و [نفوذ](7) العتق؛ فيتدافعان وينفذ العتق لقوته وسرايته دون انتقال الملك،

(1) في (ج): "عقب".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 13/ 2766).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في (أ): "المنع".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(7)

في المطبوع: "ثبوت".

ص: 460

وهي طريقة أبي الخطاب في "رؤوس المسائل"، ويشهد لها تشبيه أحمد بالمدبر والوصية، ولا يقال في [التدبير] (1) والوصية: لا ينتقل إلى [ملك](2) الورثة لتعلق حق غيرهم بها؛ [لأنا نمنع](3) ذلك على أحد الوجهين، ونقول: بل ينتقل إليهم المال [الموصى به](4)، وهو ظاهر تعليل أحمد في هذه المسألة؛ فإنه قال في رواية الأثرم وقد قيل له: كيف يعتق على البائع وإنما وجب العتق بعد البيع؟ فقال: لو وصى [لرجل](5) بمئة درهم ومات؛ يعطاها، وإن كانت وجبت (6) له بعد الموت ولا ملك؛ فهذا مثله، ونقل عنه صالح (7) نحو هذا المعنى أيضًا.

وعلى هذه الطريقة؛ فينفذ العتق مع قيام المانع له لقوته وسرايته، ولا يلزم مثل ذلك في غيره من العقود.

والطريق الخامس: أنه (8) يعتق بعد انعقاد البيع وصحته وانتقال الملك إلى (9) المشتري، ثم ينفسخ البيع بالعتق على البائع، وصرح بذلك

(1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"المدبر".

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"مال".

(3)

كذا في (ج)، وفى (أ) و (ب) والمطبوع:"لأنها تمنع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب): "له".

(6)

في المطبوع: "وجب"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(7)

في "مسائله"(1/ 247/ رقم 188 و 2/ 450/ رقم 1149).

(8)

في المطبوع: "أن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(9)

في المطبوع: "الملك المبيع إلى".

ص: 461

القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده" وصاحب "المحرر"(1)، وهو ظاهر كلام أحمد وتشبيهه بالوصية.

ووجه ذلك أن العتاق لقوته ونفوذه وسرايته إلى ملك الغير ينفد (2)؛ وإن وجد أحد طرفيه في ملك والآخر في غير ملك، فإذا عقده في غير ملك مضافًا إلى وجود الملك؛ [صح](3) ونفذ في المذهب الصحيح المشهور، فكذا إذا عقده في ملك على نفوذه في غير [ملك](4)؛ فإنه ينفذ.

ولهذا نقول على إحدى الروايتين: لو قال: مملوكي فلان حر بعد موتي بسنة؛ يعتق (5) كما قال وإن كان ذلك بعد زوال ملكه وانتقاله عنه، ولا يقال: لا ينتقل ملكه مع قيام الوصية؛ لأن ذلك ممنوع على ظاهر كلام أحمد كما تقدم، ولا يلزم مثل هذا في غير العتق من العقود؛ لأنها لا تسري إلى ملك الغير، ولا عهد نفوذها في غير ملك بحال.

وخرج صاحب "المحرر" في تعليقه على "الهداية" وجهًا فيما إذا علق طلاقها على خلعها فخالعها: أنه يقع الطلاق المعلق كما يقع العتق بعد البيع اللازم، فإن كان مراده أنه يقع مع الخلع، فهي مسألة ابن حامد في الوقوع مع البينونة (6)، وإن أراد بعده، فمشكل، فإن الطلاق لم يعهد

(1) انظر: "المحرر"(1/ 277 - 278).

(2)

في (أ) كأنه كتب قبل "ينفذ": "ثم" أو "لم" وضرب عليها.

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

في (ج) والمطبوع: "الملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ج): "لعتق"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

في (أ): "البيتوتة".

ص: 462

عندنا وقوعه في غير ملك.

وسلك الشيخ تقي الدين (1) طريقة أخرى، فقال: إن كان المعلق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه، أجزأه كفارة يمين؛ لأنه إذا باعه خرج عن ملكه، فبقي كنذره أن يعتق عبد غيره، فيجزئه الكفارة، وإن قصد به التقرب؛ صار عتقه مستحقًا كالنذر، فلا يصح بيعه، ويكون العتق معلقًا على صورة البيع، كما لو قال لما لا يحل بيعه: إذا بعته فعلي عتق رقبة، أو قال لأم ولده: إن بعتك فأنت حرة، وطرد قوله هذا في تعليق الطلاق على الفسخ والخلع، فجلعه معلقًا على صورة الفسخ والخلع، قال: ولو قيل بانعقاد الفسخ والخلع المعلق عليه، فلا يمتنع (2) وقوع الطلاق معه على رأي ابن حامد، حيث أوقعه مع البينونة بانقضاء العدة؛ فكذا بالفسخ، واللَّه أعلم.

وأما مسألة الميراث؛ فلا ريب أن أحمد نص على توريث الطفل من أبيه الكافر، والحكم بإسلامه بموته، وخرجه من خرحه من الأصحاب؛ كصاحب "المغني"(3) على أن المانع لم يتقدم الحكم بالإِرث وإنما قارنه،

(1) في "مجموع الفتاوى"(35/ 264 و 32/ 84) كلام قريب منه، وكذلك في "الاختيارات الفقهية"(ص 327 - 328)، و"القواعد النورانية"(ص 226)، فانظره غير مأمور.

(2)

في (ب): "فلا يمنع".

(3)

انظر: "المغني"(6/ 251/ 4956)، وفيه فرق بين إذا ما كان الزوجان كافرين أو كانا مرتدين؛ فقال:"ولو ارتدا (أي: الزوجان) جميعًا ولهما أولاد صغار؛ لم يتبعوهم في ردتهم، ولم يرثوا منهم شيئًا، ولم يجز استرقاتهم، سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم".

ص: 463

وهذا يرجع إلى ثبوت الحكم مع مقارنة المانع له؛ لأن الإِسلام سبب المنع، والمنع يترتب عليه، والحكم بالتوريث سابق على المنع لاقترانه بسببه.

وأما اقتران الحكم [و](1) المانع؛ فله صور:

- منها: [مسألة](2) توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أحد أبويه الكافرين منه، وقد ذكرت.

- ومنها: إذا قتلت أم الولد سيدها، فإنه يلزمها أقل الأمرين من قيمتها أو الدية، نص عليه، قال الأصحاب: سواء قلنا: إن الدية تحدث على ملك الورثة ابتداءً أو على ملك الموروث أو لا؛ لأنا إن قلنا: تحدث على ملك الورثة، فقد اقترن الضمان بالحرية، وإنما لم يجب الضمان هنا بالدية مطلقًا اكتفاءً بمقارنة الشرط للحكم على ما تقدم؛ لأن الاعتبار هنا في الضمان بحالة الجناية، وهي حينئذ رقيقة، فلا يلزمها أكثر من ضمان جناية الرقيق، ولا يمنع [من](3) ذلك مقارنة الحرية بحالة وجوب الضمان بناءً على أن المانع إذا اقترن بالحكم لم يمنعه، وإن قلنا: إن الدية تحدث على ملك المقتول أولًا؛ فقد وجب له ذلك في آخر جزء في حياته، وهي إذ ذاك رقيقة؛ فسبق وقت وجوب الضمان وقت الحرية، وإنما وجب الضمان هنا للسيد، وإن كان السيد لا يجب له الضمان على رقيقه لتعلق

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 464

حق ورثته (1) بماله في هذه الحال؛ فصاركالواجب لها ابتداءً، ولهذا كانوا هم المطالبين به، [واللَّه أعلم](2).

- ومنها: إذا تزوج العادم للطول الخائف للعنت في عقده حرة وأمة؛ فهل يصح نكاح [الأمة مع الحرة](3)؟

على وجهين.

- ومنها: إذا قال المتزوج بأمة أبيه: إذا مات أبي فأنت طالق، ثم مات الأب، فهل يقع الطلاق؟

على وجهين:

أحدهما: يقع، وهو قول القاضي في "الجامع" و"الخلاف" وابن عقيل في "العمد" واختيار أبي الخطاب؛ لأن الموت يترتب عليه وقوع الطلاق والملك، والملك سبب انفساخ النكاح، فقد سبق نفوذ الطلاق الفسخ (4) فنفذ.

والثاني: لا يقع، وهو قول القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"؛ لأن الطلاق قارن المانع، وهو الملك، فلم ينفذ.

- ومنها: إذا تزوج أمة، ثم قال لها: إن اشتريتك؛ فأنت طالق.

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"الورثة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

في (ب): "الحرة مع الأمة" هكذا بتقديم وتأخير.

(4)

في المطبوع: "وقوع الفسخ".

ص: 465

فيه (1) الوجهان: إن قلنا: ينتقل الملك مع الخيار، وهو الصحيح، وإن قلنا: لا ينتقل؛ وقع الطلاق وجهًا واحدًا، كذا ذكره أبو الخطاب.

وفي "خلاف القاضي": إذا حلف لا يبيع، فباع بشرط الخيار؛ هل يحنث؟

إن ذلك [ينبني](2) على نقل الملك وعدمه؛ فقياس قوله: إنه لا يقع الطلاق هنا في مدة الخيار إذا قلنا: لا ينتقل الملك فيها، وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وقال: يحنث بكل حال؛ لأن البيع قد وجد.

- ومنها: إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها: إن كلمتك فأنت طالق، ثم أعاده؛ فإنها تطلق بالإِعادة؛ [لأنها](3) كلام في المشهور عند الأصحاب.

وقال ابن عقيل في "عمد الأدلة": قياس المذهب عندي أنه لا يحنث بهذا الكلام؛ لأنه من جنس اليمين الأولى ومؤكد لها، وإنما المقصود أذاها وهجرها وإضرارها بترك كلامها، وليس في هذه الإعادة ما ينافي ذلك؛ فلا يحنث به، وهذا أقوى (4)، والتفريع على المشهور، فإذا وقع الطلاق بالإِعادة ثانيًا؛ فهل ينعقد به يمين ثانية أم لا؟

في المسألة وجهان:

(1) في المطبوع: "وفيه".

(2)

في المطبوع: "مبني".

(3)

في المطبوع و (ب): "لأنه".

(4)

كذا في (ب) و (ج) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (أ):"قوي".

ص: 466

أحدهما: لا ينعقد، وهو قول القاضي في ["الجامع" و"الخلاف"](1) ومن اتبعه؛ كالقاضي يعقوب وابن عقيل، وهو قياس قول صاحب "المغني"(2)، وله مأخذان:

أحدهما: وهو مأخذ القاضي ومن اتبعه: أن الكلام يحصل بالشروع في الأعادة قبل [إتمامها](3)؛ فيقع الطلاق قبل [إنهاء](4) الإعادة؛ فلا ينعقد لأن [تمام اليمين](5) حصل بعد البينونة.

والثاني: وهو الذي ذكره صاحب "المغني" في نظير هذه المسألة: أن الطلاق وإن وقف وقوعه إلى ما بعد إنهاء الإعادة، إلا أن الإعادة يترتب عليها البينونة، فيقع انعقاد اليمين مع البينونة، فيخرج على الخلاف في ثبوت الحكم مع المانع أو مع سببه، والأصح عنده عدمه.

والوجه الثاني: تنعقد اليمين، وهو اختيار صاحب "المحرر"(6) بناءً على أن الطلاق يقف وقوعه على تمام الإعادة؛ لأن الكلام المطلق إنما ينصرف إلى المقيد ولا تحصل الإفادة بدون ذكر جملة الشرط والجزاء، فيقف الطلاق عليهما ويقع عقيبهما لأنهما شرط لوقوعه، وأما اليمين؛ فوجدت مع شرط الطلاق، فسبقت وقوعه، يوضحه أن اليمين هي اللفظ

(1) في (ب): "الخلاف والجامع" هكذا بتقديم وتأخير.

(2)

انظر: "المغني"(7/ 367 وما بعدها / 6004).

(3)

في المطبوع: "إثمامها"! ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"إتمام".

(5)

في (ج) بدل ما بين المعقوفتين: "التمام".

(6)

انظر: "المحرر"(2/ 56).

ص: 467

المجرد، وهو المعلق عليه الطلاق، فإذا قال: إن كلمتك فأنت طالق؛ فهو في معنى قوله: إن حلفت يمينًا بطلاقك على كلامك فأنت طالق؛ فتبين أن وجود اليمين سابقة لوقوع الطلاق.

- ومنها: إذا قال لامرأتيه -وإحداهما غير مدخول بها-: إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثم قاله ثانيًا، فإنهما يطلقان طلقة طلقة على المذهب المشهور، وانعقدت اليمين مرة ثانية في حق المدخول بها، وأما في حق التي لم يدخل بها؛ ففي انعقادها وجهان:

أحدهما: أنها تنعقد، وهو قول أبي الخطاب وصاحب "المحرر"(1) ومقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في المسألة التي قبلها؛ لأن اليمين [سبقت](2) البينونة، ووجدت مع شرط الطلاق لا مع وقوع الطلاق.

والثاني: لا [تنعقد](3)، وهو اختيار صاحب "المغني"(4)؛ غير أنه وقع في النسخ خلل في تعليله، ووجهه أن اليمين وإن وجدت مع شرط الطلاق، لكن انعقادها مقارن (5) لوقوع الطلاق؛ فلم ينعقد لاقترانه [بما يمنعه](6)، فإن أعاده ثالثًا قبل أن يجدد نكاح البائن؛ لم تطلق واحدة منهما على الوجهين؛ لأن الحلف بطلاق البائن لا يمكن، [فإن عاد وتزوج

(1) انظر: "المحرر"(2/ 57).

(2)

في المطبوع: "سبب" والصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع و (أ) و (ب): "ينعقد"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

انظر: "المغني"(7/ 370 - 371/ 6014).

(5)

في المطبوع: "مفارق"، والمثبت من (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب.

(6)

في (ب): "بها" بدل ما بين المعقوفتين.

ص: 468

البائن، ثم حلف بطلاقها وحدها؛ فعلى الوجه الثاني لا تطلق؛ لأن اليمين الثانية لم تنعقد بحقها، وتطلق الأخرى طلقة؛ لوجود الحلف بطلاقها قبل نكاح الثانية والحلف بطلاق الثانية بعد نكاحها، فكمل الشرط في حق الأولى.

وعلى الوجه الأول تطلق كل واحدة منهما طلقة طلقة؛ لأن الصفة الثانية منعقدة في حقهما جميعًا، كذا ذكره الأصحاب، وأورد عليه أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى؛ فكل واحد من الحلفين جزء علة لطلاق كل واحدة منهما، فكما أنه لا بد من الحلف بطلاقها في زمن يكون فيه أهلًا لوقوع الطلاق، كذلك الحلف بطلاق ضرتها؛ لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه؛ فكيف يقع بهذه التي جدد نكاحها الطلاق وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن؟!

وأجيب عنه: بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه، ويكفي وجود آخرها فيه، فيقع (1) الطلاق عقيبه (2).

وذكر صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية": أن هذا هو المذهب، سواء قلنا: يكفي في الحنث وجود بعض الصفة أم لا.

نعم، إن قلنا: يكفي وجود بعضها وقد وجد حال البينونة؛ انبنى على أن الخلاف في حل اليمين بالصفة الموجودة حال البينونة. انتهى.

وعندي أن هذا قد يتخرج على اختلات المأخذين (3) في أن اليمين

(1) في (ب): "ليقع".

(2)

في (أ): "عقبه".

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وهو الصواب، وفي (ب) والمطبوع:"خلاف المتأخرين".

ص: 469

لا تنحل بوجود الصفة حال البينونة، فإن قلنا: إنها مستثناة من عموم كلامه بقرية الحال؛ فوجود بعضها حال البينونة لا عبرة به (1) أيضًا كوجود جميعها، وإن قلنا: إن اليمين لا تنحل بدون الحنث فيها؛ اكتفي بوجود آخرها في النكاح لإمكان الحنث فيه، على أن الاكتفاء بوجود بعض الصفة حال البينونة وبعضها في النكاح مع قولنا: لا يكتفى بوجود بعض الصفة في الطلاق، وقولنا: إن الصفة الموجودة حال البينونة لا تنحل بها اليمين؛ لا يخلو من (2) إشكال ونظر، واللَّه أعلم] (3).

- ومنها: إذا اشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وهو تسعة دنانير، وقيمة الأب ستة، فقد حصل [منه] (4) عطيتان من عطايا المريض: محاباة البائع بثلث المال، وعتق الأب -إذا قلنا: إن عتقه من الثلث-، وفيه وجهان:

أحدهما: وهو قول القاضي في ["المجرد"](5) وابن عقيل في "الفصول": يتحاصان؛ لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك المشتري لثمنه، وفي كل منهما عطية منجزة؛ فتحاصا لتقارنهما.

والثاني: أنه تنفذ المحاباة ولا يعتق الأب، وهو اختيار صاحب

(1) في المطبوع: "له"! ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع:"عن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وأشار مصححها إلى إثباته في الهامش بوضعه علامة الإلحاق، لكن لم نظفر فيه بشيء!!

(4)

كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ب):"منها".

(5)

في المطبوع: "المحرر"! وهو خطأ.

ص: 470

"المحرر"(1)؛ لأن المحاباة سابقة لعتق الأب، فإن ملك المشتري للثمن (2) الذي وقعت المحاباة فيه وقع مقارنًا لملك الأب، وعتقه يترتب على ملكه ولم يقارنه، فقد قارنت المحاباة شرط عتق الأب لا عتقه؛ فنفذت كسبقها.

- ومنها: لو أصدقها مئة درهم، ثم طلقها قبل الدخول على خمسين من المهر، فهل تستحق جميع المهر أو ثلاثة أرباعه؟

على وجهين:

أحدهما: تستحقه كله؛ لأنه استحق عوضًا عن الطلاق خمسين، ورجع إليه بالطلاق [قبل الدخول](3) النصف الباقي.

والثاني: تستحق ثلاثة أرباعه؛ لأن الطلاق يتنصف به المهر، [فيصير](4) مشاعًا بين الزوجين؛ فلا يستحق من الخمسين المخالع بها إلا نصفها، فلا يسلم للزوج عوضًا عن طلاقه إلا نصف الخمسين، ويرجع إليه بالطلاق النصف.

ومن نصر الوجه الأول قال: تنصف المهر يترتب على الخلع لا [يقارنه](5)؛ فقد ملك الخمسين كلها قبل [التنصف](4)، لكن ملكه لها قارن سبب [التنصف](6) وهو البينونة؛ فهذا مأخذ الوجهين.

(1) انظر: "المحرر"(2/ 9).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"الثمن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في المطبوع و (ب): "ويصير".

(5)

في المطبوع: "يفارقه"! ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

في المطبوع: "التنصيف".

ص: 471

وللمسألة مأخذ آخر على تقدير التنصف قبل الملك، وهو أن يخالعها لخمسين من المهر مع علمها بأن المهر يتنصف بالمخالعة؛ هل يتنزل على خمسين مبهمة منه أو على الخمسين التي يستقر لها بالطلاق؟

وفي المسألة وجهان، وعليهما يتنزل الوجهان فيما إذا باع أحد الشريكين نصف السلعة المشتركة؛ هل [يتنزل](1) البيع على نص مشاع وإنما له فيه نصفه وهو الربع، أو على النصف الذي يخصه بملكه، وكذلك في الوصية وغيرها؟

واختيار (2) القاضي أنه يتنزل (3) على النصف الذي يخصه كله، بخلاف ما إذا قال له: أشركتك في نصفه وهو لا يملك سوى النصف؛ فإنه يستحق منه الربع لأن الشركة تقتضي التساوي في الملكين، بخلاف البيع.

والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور (4): أنه لا يصح بيع النصف حتى يقول: نصيبي؛ فإن أطلق؛ تنزل على الربع.

- ومنها: إذا تزوج في مرض [موته](5) بمهر يزيد على مهر المثل؛ ففي المحاباة روايتان:

(1) في المطبوع: "ينزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ): "واختار".

(3)

في (أ): "ينزل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

انظر: "مسائل إسحاق بن منصور"(ص 257/ رقم 99).

(5)

في المطبوع و (أ): "الموت".

ص: 472

إحداهما: أنها موقوفة على إجازة الورثة؛ لأنها عطية لوارث (1).

والثانية: تنفذ من الثلث، نقلها المروذي والأثرم وصالح (2) وابن منصور والفضل بن زياد؛ فيحتمل (3) أن يكون مأخذه أن الإرث المقارن للعطية لا يمنع نفوذها، ويحتمل أن يقال: إن الزوجة [ملكتها](4) في حال ملك الزوج للبضع (5) وثبوت الإرث [يترتب](6) على ذلك.

وكذلك نص في رواية أبي طالب فيمن أقر لزوجته في مرضه بمهر يزيد على مهل المثل: أن الزيادة تكون من الثلث، [ووجهه القاضي بما ذكرناه من الترتيب](7)؛ لأن الإقرار تبين به أن الاستحقاق كان بالعقد، وهذا كله يرجع إلى أن العطية والوصية لمن يصير وارثًا يعتبر من الثلث، وهو خلاف المذهب المعروف، لكن قد يفرق بين أن يكون الوارث نسيبًا أو زوجًا.

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"الوارث".

(2)

في "مسائل صالح"(1/ 278/ 220): "وسألته عن رجل كانت له سريتان، فمرض حتى اشتد مرضه وصار في حد ترك فيه الصلاة، فدعا قومًا، فأشهدهم أنه أعتقهما وتزوجهما على مهر كذا وكذا؛ هل يجوز له ذلك؟ قال: إن كان تزويجه إياهما بمهر أكثر من مهر مثلهما؛ فإن الزيادة تكون في تلثه، وعقهما من الثلث" اهـ.

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"ويحتمل".

(4)

في المطبوع: "ملكها"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"البضع".

(6)

في المطبوع: "مترتب".

(7)

ما بين المعقوفتين في (ج) مذكور بعد قوله: "أن الاستحقاق كان بالعقد"، ولعل الصواب وضعه هنا كما في المطبوع و (أ) و (ج).

ص: 473

كما فرق القاضي في (كتاب الوصايا) من "خلافه" بينهما (1) في مسألة الإقرار؛ لأن النسب سبب إرثه قائم حال الوصية، بخلاف أحد الزوجين، وفيما ذكره القاضي في توجيه رواية أبي طالب نظر، فإن أحمد لو اعتبر حالة العقد؛ لما جعله من الثلث، وإنما يتخرج من هذه الرواية رواية عنه بأن إقرار المريض لوارثه يعتبر (2) من الثلث، [واللَّه أعلم](3).

* * *

(1) في (ب) و (ج): "كما فرق بينهما القاضي في (كتاب الوصايا) من "خلافه" في" هكذا بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع و (ج): "معتبر".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 474

(القاعدة الثامنة والخمسون)

من تعلق به الامتناع من فعل هو متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه، هل يكون إقلاعه فعلًا للممنوع منه، [أم](1) تركًا له فلا يترتب عليه شيء من أحكامه؟

هذا عدة أنواع (2):

أحدها: ألا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به؛ فلا يكون نزعه فعلًا للممنوع منه، فمن ذلك: إذا حلف لا يلبس ثوبًا وهو لابسه، أو لا يركب دابة وهو راكبها، أو لا يدخل دارًا وهو فيها، وقلنا: إن الاستدامة كالابتداء في جميع هذه الأفعال؛ فخلع الثوب ونزل عن الدابة وخرج من الدار في أول أوقات الإمكان؛ فإنه لا يحنث لأن اليمين تقتضي الكف في المستقبل دون الماضي والحال، فيتعلق الحكم بأول أوقات الإمكان، ومنه ما إذا أحرم وعليه قميص؛ فإنه ينزعه في الحال، ولا فدية عليه؛ لأن محظورات الإحرام إنما تترتب على المحرم (3) لا على المحل، ولا يقال: إنه بإقدامه على إنشاء الإحرام وهو متلبس [بمحظوراته

(1) في المطبوع و (ب) و (ج): "أو".

(2)

هذا رجل يجامع زوجته في ليلة رمضان، فأذن الفجر وهو يجامع؛ هل إقلاعه يكون فعلًا للمحذور أو تركًا له؟ (ع).

(3)

في (ج): "الإحرام".

ص: 475

متسبب] (1) إلى مصاحبة اللبس في الإحرام، كما لا يقال مثل ذلك في الحالف والناذر؛ فإنه كان يمكنه أن لا يحلف ولا ينذر حتى يترك التلبس بما يحلف عليه، ومنه ما إذا فعل فعلًا محرمًا جاهلًا (2) أو ناسيًا ثم ذكر؛ فإنه يجب عليه قطعه في الحال، ولا يترتب عليه أحكام المتعمد (3) له.

النوع الثاني: أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم المنع، ولكن لا [يشعر](4) بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل، فيقع عنه في الحال، فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين:

أحدهما: أنه لا يترتب عليه حكم الفعل المنهي عنه، بل يكون إقلاعه تركًا للفعل؛ لأن ابتداءه كان مباحًا، حيث وقع قبل وقت التحريم، وهو اختيار أبي حفص العكبري.

(1) كذا في (أ) و (ج)، ولعله الصواب، وفي (ب):"بمحظور أنه متسبب"، وفي المطبوع:"بمحظوراته منتسب".

(2)

في (ب): "ساهيًا".

(3)

إذا كان الامتناع لم يتعلق إلا وهو متلبس بالفعل؛ فهنا لا يكون تركه فعلًا للممنوع منه، فإذا قال: واللَّه لا ألبس هذا الثوب ويكون لابسًا له، ثم خلعه فورًا؛ فإنه لا كفارة عليه لأنه لم يتعلق المنع إلا وهو متلبس به، وكذلك رجل أحرم وعليه ثياب، وخلعها في الحال؛ فهل يلزمه فدية؟

لا، ولا إثم عليه؛ لأنه تعلق التحريم بهذا الثوب وهو متلبس به، فتركه وخلعه ليس كفعله، ومن ذلك ما لو فعل المحرم ناسيًا أو جاهلًا ثم ذكر فتخلى عنه؛ فإن تخليه ليس فعلًا للمحذور، ولهذا لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن على حذائه قذرًا خلعه؛ فلا نقول: إن خلعه إياهما فعلًا للمحذور. (ع).

(4)

في المطبوع: "يستقر"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 476

والثاني: أنه يكون حكمه حكم الفاعل بتركه، لإقدامه على الفعل، مع علمه بتحريمه في وقته، لا سيما مع قرب الوقت، وهذا ظاهر المذهب (1).

-[و](2) من صور المسألة: ما إذا جامع في ليل رمضان، فأدركه الفجر وهو مجامع، فنزع في الحال؛ فالمذهب أنه يفطر بذلك، وفي الكفارة روايتان، واختار أبو حفص: أنه لا يفطر، ولا خلاف في أنه لا يأثم إذا كان حال الابتداء متيقنًا لبقاء الليل.

[وبنى](3) بعض الأصحاب المسألة على أصل آخر، وهو أن النزع هل هو جزء من الجماع أو ليس من الجماع؟ [وحكوا](4) في المسألة

(1) أن يُمنع من الفعل في وقت معيّن وهو يعلم، ثم يفعل هذا الفعل قبل وقت المنع ولا يشعر إلا والمنع قد حلّ؛ فهذا اختلف فيه الأصحاب؛ فمنهم من جعله كالنوع الأول: ليس فيه إثم ولا فدية؛ لأنه حال إقدامه على الفعل كان مباحًا له، ثم لما دخل وقت المنع خرج منه فورًا، فقال أبو حفص: ليس عليه شيء، وجعله كالنوع الأول، وهذا أصح، إنما يحصل التوقف فيما إذا فعله عن قُرْب، مثل أنه يعلم أن الوقت قريب جدًّا أي يعرف أنه إذا جامع لا يمكن أن ينتهي من جماعه حتى يطلع الفجر؛ فهذا معناه أنه أقدم على فعل يتقين أن بعضه سيكون في وقت المنع؛ فهنا قد نقول: إنه يكون كالفاعل، أما إذا غلب على ظنه أنه ينتهي قبل وقت المنع، ولكن أخلف الواقعُ ظنه، فخرج الفجر قبل أن يتم ونزع في الحال، فهذا لا شيء عليه: لا إثم ولا كفارة ولا فدية، والمذهب أن عليه الكفارة والقضاء، والصواب أن يقال كذلك: إن النزع هو طريق التخلص من الجماع، وهو ليس جماعًا، والصواب كذلك فيمن جامع امرأته ثم حاضت ثم نزع: أنه لا شيء عليه. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "ويبني".

(4)

في المطبوع: "وحكى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 477

روايتين (1)، واختار الشيخ تقي الدين (2): أنه لا يفطر بالنزع في هذه الحالة ولا بالأكل ولا بغيره بناءً على أنه إنما يتعلق به حكم وجوب الإِمساك عن المفطرات بعد العلم بطلوع الفجر؛ فلا يكون الواقع منها في حالة الطلوع مُحَرَّمًا ألبتة، كما قلنا في محظورات الإحرام: إنها إنما تثبت بعد التلبس به، وقد روي عن أحمد ما يدل على ذلك، فإنه قال: إذا شك في طلوع الفجر؛ فإنه يأكل حتى لا يشك أنه طلع (3)، وفي المسألة أحاديث وآثار كثيرة (4) تدل

(1) انظر المسألة بتوسع في: "الفنون"(1/ 147 - 150، 156) لابن عقيل.

(2)

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(16/ 22): "وكذلك الذين يقولون: إذا طلع عليه الفجر وهو مولج؛ فقد جامع، لهم في النزع قولان في مذهب أحمد وغيره، وأما على ما نصرناه؛ فلا يحتاج إلى شيء من هذه المسائل. . . وما فعله الناس في حال التبين من أكل وجماع؛ فلا بأس به، لقوله: "حتى"".

ورجح في "المجموع" أيضًا (25/ 263) فيمن جامع امرأته وقت طلوع الفجر معتقدًا بقاء الليل، ثم تبين أن الفجر قد طلع: أنه لا قضاء عليه ولا كفارة، ونسبه إلى طوائف من السلف، كسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وإسحاق وغيرهم، وقال:"وهذا أصح الأقوال، وأشبهها بأصول الشريعة، ودلالة الكتاب والسنة، وهو قياس أصول أحمد وغيره. . ."، فراجعه.

(3)

في "مسائل أبي داود"(ص 93، باب من شك في الفجر أو أفطر وهو يُرى أنه أمسى)؛ قال: "سمعت أحمد سئل عمن شك في الفجر؟ قال: يأكل حتى يستقين".

(4)

قلت: ودلّ على ذلك قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ. . .} [البقرة: 187].

قال ابن حجر في "الفتح"(4/ 135): "ولو أكل ظانًّا أنّ الفجر لم يطلع؛ لم يفسد صومه عند الجمهور؛ لأنّ الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين".

قلت: أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 177/ رقم 7389)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 23، 24)، وسعيد بن منصور في "التفسير" (رقم 278 - ط الشيخ =

ص: 478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الحميد)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 333)، عن مجاهد قوله في تفسير الآية:"إذا تسحّر الرجل وهو يُرى -أي: يشك- أن عليه ليلًا، وقد كان طلع الفجر؛ فليتم صومه لأن اللَّه يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}. . .".

أما الأحاديث؛ فقد ظفرتُ بغير حديث يدل على وقوع الأكل والشرب بعد طلوع الفجر، ثم تبيَّن -فيما بعد- له صلى الله عليه وسلم طلوع الفجر، وبعضها صحيح، وأورد طائفة منها ابن حزم في "المحلى"(6/ 231 - 232) وشيخنا الألباني في "السلسلة الصحيحة" في التعليق على حديث (رقم 1394)، قال ابن حزم عقبها:"هذا كله على أنه لم يكن يتبيّن لهم الفجر بعد، فبهذا تتفق السنن مع القرآن".

قلت: وجاءت آثار صريحة كثيرة في ذلك، منها:

ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 172/ رقم 7367)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 441، 242 - ط دار الفكر)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 233)، عن مسلم بن صبيح، قال:"قال رجل لابن عباس: أرأيتَ إذا شككتُ في الفجر وأنا أريد الصيام؟ قال: كُلْ ما شككت حتى لا تشكَّ".

وأخرجه عبد الرزاق (رقم 7367)، وابن حزم (6/ 223) عنه بلفظ:"أحلَّ اللَّه لك الشراب ما شككت حتى لا تشك"، وصحح ابن حجر في "الفتح"(4/ 135) إسناده.

وأخرج عبد الرزاق (رقم 7366)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 233)، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: "اسقني يا غلام. قال له: أصبحت. فقلتُ: كلا. فقال ابن عباس: شك لعمر اللَّه، اسقني فشرب".

وأخرج عبد الرزاق (رقم 7365)، وابن أبي شيبة (2/ 441)، وابن حزم (6/ 232)؛ عن أبي بكر الصديق، قال:"إذا نظر رجلان إلى الفجر، فشكَّ أحدهما، فلْيأكلا حتى يتبيَّن لهما".

وأخرج سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 279 - ط الحميد)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 23 - ط الهندية)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 216) بسندٍ رجاله ثقات إلى يحيى بن الجزار؛ قال: سئل ابن مسعود عن رجل تسحَّر، وهو يُرى أن عليه ليلًا =

ص: 479

على ذلك، واللَّه أعلم.

- ومنها: إذا وطئ امرأته، فحاضت في أثناء الوطء، فنزع؛ هل يلزمه الكفارة؟

إذا قلنا: يلزم المعذور؛ فمن الأصحاب من خرجها على [أن](1) النزع هل هو جماع أم (2) ترك للجماع؟ ومنهم من خرجها على مسألة الصوم، والأظهر أنه إن كان يعلم بمقتضى العادة قرب وقت حيضها، ثم وطئ وهو يخشى مفاجأة الحيض؛ فهو (3) شبيه بمسألة الصوم، وإلا؛ فلا كفارة لأنه إنما تعلق به المنع بعد وجود الحيض وقد ترك الوطء حينئذ،

= وقد طلع الفجر، قال: من أكل من أول النهار؛ فليأكل آخره".

قال ابن حزم في "المحلى"(6/ 234): "يحيى الجزار لم يدرك ابن مسعود"؛ فهو منقطع.

وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 442) عن عمر: "إذا شك الرجلان في الفجر؛ فليأكلا حتى يستيقنا".

وإسناده ضعيف، وصحَّ عنه نحوه فيمن شك وأكل قبل الغروب، انظره وتخريجه في:"مسند الفاروق"(1/ 275) لابن كثير.

وفي الباب عن جمعٍ من التابعين أيضًا، انظرها في:"مصنف عبد الرزاق"(باب الطعام والشراب مع الشك، 4/ 172 - 173)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(باب في الرجل يشك في الفجر طلع أم لا، 2/ 441 - 442)، و"سنن البيهقي"(باب من أكل وهو يرى أن الفجر لم يطلع ثم بان أنه كان قد طلع، 4/ 216)، و"المحلى"(6/ 222 - 224، 231 - 234).

(1)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(2)

في (أ): "أو".

(3)

في (ج) والمطبوع: "هو".

ص: 480

وكذلك ينبغي أن يقال في الواطئ في ليل الصيام: إنه إن ظن بقاء الليل وأنه في مهلة منه؛ لم يفطر، وإن خشي مفاجاة الفجر أفطر؛ لأنه أقدم على مكروه أو محرم ابتداءً.

النوع الثالث: أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه [متى](1) شرع فيه ترتب عليه تحريمه، وهو متلبس به، فهل يباح له الأقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ، أم لا يباح لأنه يعلم أن إتمامه يقع حرامًا؟

فيه لأصحابنا قولان، ومثال ذلك أن يقول لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثًا، أو فأنت علي كظهر أمي، ومثل أن يعلم أنه متى أولج في هذا الوقت؛ طلع عليه الفجر وهو مولج؛ فحكى الأصحاب في مسألة الطلاق والظهار روايتين بنوهما على أن النزع (2) هل هو جماع أو ليس بجماع؟

ورجح صاحب "المغني"(3) التحريم في مسألة الطلاق والظهار على كلا القولين؛ لأنه استمتاع بأجنبية، وهو حرام، ولو كان لمس بدنها (4) لشهوة؛ فلمس الفرج بالفرج أولى، بخلاف الصائم؛ فإنه لا يفطر إلا بالوطء، ويمكن منع كون النزع (2) وطئًا، قال: فإن قيل: فهذا (5) إنما يحصلُ ضرورةَ تركِ الوطءِ الحرام، قلنا: فإذا لم يمكن الوطء إلا بفعل

(1) في المطبوع: "إذا".

(2)

في المطبوع: "النوع"، وهو خطأ.

(3)

أما مسألة الطلاق، فانظر:"المغني"(7/ 362 - 363/ 5992)، وأما مسألة النزع هل هو جماع أو ليس بجماع، فانظره فيه أيضًا (3/ 29/ 2061).

(4)

في (ج): "يدها".

(5)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"هذا".

ص: 481

محرم؛ [حرم](1) ضرورة ترك (2) الحرام، كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكلهُ إلا بأكل لحم الخنزير، أو اشتبهت ميتةٌ بمذكَّاةٍ؛ فإن الجميع يحرمُ (3). انتهى.

وليس هذا مطابقًا لمسألتنا؛ فإن إبتداء الوطء هنا منفرد عن الحرام متميز عنه، لم يشتبه بحرام [و](4) لم يختلط به، فإذا انضم إلى ذلك أن النزع ترك للحرام؛ لم يبق ها هنا حرام.

وأيضًا؛ فإن النزع ها هنا مقارن البينونة؛ فيمكن النزاع في تحريمه كما وقع النزاع في ترتب أحكام الزوجية معه، وأما الإيلاج، فمقارن لشرط البينونة، فإن قيل: إن المقارن للشرط كالمقارن للمشروط على ما سبق تقريره في القاعدة التي قبلها، توجه تحريمه أيضًا، وإلا؛ فلا.

وأيضًا، فمن يقول: النزع جزء من الجماع، وأن الجماع عبارة عن الإِيلاج والنزع؛ يلتزم أن الطلاق والظهار إنما يقعان بعد النزع لا قبله؛ فلا يحصل النزع في أجنبية ولا مظاهر منها، ولا يقال: يلزم على هذا أن لا يفطر الصائم بالإيلاج قبل غروب الشمس إذا نزع بعده؛ لأن مفطرات الصائم لم تنحصر في الجماع وحده، بل تحصل بأمور متعددة؛ فيجوز أن يحصل بأحد جزأي الجماع كما يحصل بالإنزال بالمباشرة ونحوه، بخلاف الأحكام المترتبة على مسمى الوطء؛ فإنها لا تثبت إلا بعد تمام مسمى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع: "وهو ترك"، والصواب حذف "وهو".

(3)

في المطبوع و (ب): "محرم".

(4)

في المطبوع: "أو"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 482

الوطء (1).

النوع الرابع: أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالمًا بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به؛ فيشرع في التخلص منه بمباشرته (2) أيضًا، كمن توسَّط دارًا مغصوبة ثم تاب وندم وأخذ في الخروج منها، أو طيب المحرم بدنه عامدًا ثم تاب وشرع في غسله بيده قصدًا لإزالته، أو

(1) هذه المسألة وهي إذا كان يعلم أنه إذا باشر الفعل المباح باشر المحرم؛ فهل يحرم عليه أولًا؟

ذكر فيه للأصحاب قولين، وضرب لذلك مثالين:

الأول: قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثًا، فإذا وطئها، فتكون بائنًا منه، فإذا نزع، فقد نزع بأجنبية منه، فإذا قلنا: النزع جماع؛ صار كأنه جامع امرأة أجنبية، وإذا قلنا: العبرة بالابتداء، وأنه ابتدأ الوطء وهي مباحة له، وليس النزع بجماع؛ فإن هذا النزع لا يحرم عليه، وهذا هو الصحيح، ولكن هذه المسألة أشهر من المسألة السابقة؛ لأن السابقة جامع وهو لا يتيقن أنه لن ينزع إلا بعد التحريم، وكذلك إذا قال: إن جامعتك فأنت عليّ كظهر أمي، وهذا ظهار، والمظاهر منها لا يجوز جماعها؛ فهل يجوز حينئذ أن يقدم على الجماع؟

إن أقدم عليه؛ صار مظاهرًا، أو إن لم يقدم؛ فرط في حقِّ الزوجة بالجماع؛ فهو إن جامع فحرام، وإن لم يجامع فحرام، فيقال له: أنت الذي أحرجت نفسك، والصحيح في هذه المسألة أنه لا بأس أن يجامع أولًا؛ لأننا نمنع أن يكون النزع جماعًا، بل هو جزء من الجماع.

ثانيًا: إنه لا يصدق الجماع الذي تترتب عليه الأحكام إلا بالجماع والنزع، فيقال: جامع زوجته ليس المقصود الإيلاج فقط، بل هو إيلاج ونزع.

وهذه التعليلات الفقهية أشبه ما تكون بكلام المتكلمين في العقيدة، وإلا؛ فالقول الراجح بلا شك أن الرجل إذا لم يثبت التحريم في حقه إلا بعد الإيلاج، فإن النزع تخلع من الحرام وليس فعل الحرام، ولا تكون المرأة مظاهرة بمجرد النزع، وكذا الطلاق. (ع).

(2)

في المطبوع: "بمباشرة"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 483

غصب عينًا ثم ندم وشرع في حملها على رأسه إلى صاحبها، وما أشبه ذلك.

والكلام ها هنا في مقامين:

أحدهما: هل تصح التوبة في هذه الحال ويزول الإثم بمجردها، أم لا يزول حتى ينفصل عن ملابسة الفعل بالكلية؟

وفيه لأصحابنا وجهان (1):

أحدهما: وهو قول ابن عقيل: أن توبته صحيحة، ويزول عنه الإثم بمجردها، ويكون تخلصه من الفعل طاعة وإن كان ملابسًا له؛ لأنه مأمور به؛ فلا يكون معصية، ولا يقال: من شرط التوبة الإقلاع، ولم يوجد؛ لأن هذا هو الإقلاع بعينه.

(1) إذا سقط عليه طب ولم يضعه هو قصدًا وهو محرم، فهل يجوز أن يغسله ويباشره أو لا؟

نعم، الواجب أن يغسله، وباشرته هنا ليس فيها شيء؛ لأنه إنما باشره لإزالته لا لاستعماله، فإذا علق منه شيء بيده، فلا حرج عليه، ولكن يزيله هذا إذا سقط عليه بدون قصد ولا فعل، إذن مباشرة الشيء المحرم للتَّخلُّص منه لا بأس بها، وكما أن المستنجي يمس النجاسة بيده، لكن لا من أجل مباشرة النجاسة، بل من أجل إزالة النجاسة والتخلص منها، وكذلك إذا توضأ الإنسان وهو محرم وقد مس رأسه الطيب فسوف يمسح على رأسه، وإذا مسح على رأسه فسوف يباشر الطيب، فهذا لا بأس به؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى وبيص المسك في مفارق رأسه وهو محرم، ومع ذلك كان يتوضأ، بل كان يغتسل ويخلَّل رأسه بالماء، وهذا لا بد فيه من مباشرة الطيب، ولكنه ليس مقصودًا، بخلاف الذي يضع الطيب على نفسه بعد الإحرام. (ع).

ص: 484

وأيضًا، فالإقلاع إنما يشترط مع القدرة عليه دون العجز، كما لو تاب الغاصب وهو محبوس في الدار المغصوبة، أو توسط جمعًا من الجرحى متعمدًا، ثم تاب وقد علم أنه إن أقام قتل من هو عليه -وإن انتقل-؛ [قُتِلَ](1) غيره، لكن هذا من محل النزاع أيضًا.

والوجه الثاني: وهو قول أبي الخطاب: أن حركات الغاصب ونحوه في [خُرُوجِه](2) ليست طاعة ولا مأمورًا بها، بل هي معصية، ولكنه يفعلها لدفع أكبر المعصيتَيْن بأقلهما، وأبو الخطاب وإن قال ليست طاعة؛ فهو (3) يقول: لا إثم فيها، بل يقول بوجوبها، وهو معنى الطاعة.

وخرَّج بعضُ الأصحاب الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في جواز الإقدام (4) على الوطء في مسائل النوع الثالث، فإن قيل بجوازه؛ لزم أن يكون الترك امتثالًا من كل وجه؛ فلا يكون معصية، وإن قيل بتحريمه؛ لزم تحريم الترك ها هنا، وقد يفرق [بأن التحريم](5) ثَمَّ طار وهنا مستصحب من الابتداء؛ فلا يلزم من الجواز ثَمَّ الجواز هنا، ويلزم من التحريم هناك التحريم ها هنا بطريق الأولى (6).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "جروحه"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"هو".

(4)

في المطبوع: "على جواز الخلاف في الإقدام".

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"بالتحريم".

(6)

الصواب ما قاله ابن عقيل: أن حركاته هذه طاعة لأنه لا يمكن التخلص من هذا المحرم إلا بهذه الحركات، فهذا رجل سرق متاعًا وهو عنده الآن، ثم تاب من ذلك وأراد أن يرجعه إلى صاحبه؛ فهل نقول: إن حمله إلى صاحبه هو فيه آثم؟ =

ص: 485

والمقام الثاني في الأحكام المترتبة على هذا الأصل، وهي كثيرة:

- فمنها: غسل الطيب [للمحرم بيده](1) يجوز؛ [لأنه ترك للتطيب](2) لا فعل له، ذكره الأصحاب واستدلوا بحديث الذي أحرم وهو متضمخ بطيب، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله عنه (3)، ولكن هذا كان جاهلًا

= لا، بل الصواب أنه مطيع، وهذا هو غاية ما يقدر عليه، ولو مات في هذه الحال، لقلنا: إن توبته صحيحة. (ع).

(1)

في المطبوع: "بيده للمحرم".

(2)

في المطبوع: "لأن ترك الطيب"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الحج، باب غسل الخَلُوق ثلاث مرات من الثياب، 3/ 393/ رقم 1536 تعليقًا، وباب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، 3/ 614/ رقم 1789، وكتاب جزاء الصيد، باب إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص، 4/ 63/ رقم 1847 - مختصرًا، وكتاب المغازي، باب غزوة الطائف، 8/ 47 / رقم 4329، وكتاب فضائل القرآن، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، 9/ 9/ رقم 4985)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، 2/ 837/ رقم 1180)، عن صفوان بن أمية أخبره أنَّ يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:"ليتني أرى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم حين يُنزل عليه. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به عليه، معه ناس من أصحابه، فيهم عمر؛ إذ جاءه رجل عليه جبة صوف متضمخ بطيب، فقال: يا رسول اللَّه! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي، فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية: تعال. فجاء يعلى، فأدخل رأسه؛ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه، يغط ساعة ثم سُرِّي عنه؛ فقال: "أين الذي سألني عن العمرة آنفًا؟ ". فالتُمس الرجل، فجيء به؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك؛ فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة؛ فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك"". هذا أحد ألفاظ مسلم.

ص: 486

بالحكم؛ فهو كمن تطيب بعد إحرامه ناسيًا؛ فإنه يغسله بغير خلاف، وخص كثير من الأصحاب؛ كالقاضي وغيره الحكم بالناسي وهو [مشعر أن](1) العامد بخلافه، وهو متخرج على الخلاف السابق في كونه معصية، والصحيح التعميم؛ لأن مباشرة الفعل إنما جازت ضرورة الخروج منه، والمحرم لا ضرورة له في الغسل (2) بيده، فلما أذن الشارع فيه؛ دل على أن مباشرة الطيب لقصد إزالته ومعالجته غير ممنوع (3).

- ومنها: إذا تعمد المأموم سبق إمامه في ركوع أو سجود، وقلنا: لا تبطل صلاته بمجرد تعمد السبق (4)؛ فهل يجب عليه العود إلى متابعة (5) الإمام أم لا؟

أطلق كثيرٌ من الأصحاب وجوب العودِ من غير تفريق بين العامد

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"يشعر أن"، وفي المطبوع:"مشعر بأن".

(2)

في المطبوع: "بالغسل".

(3)

لم يتعرض المصنف لمسألة الفدية، والمعروف أن من تعمد التطيّب فعليه فدية؛ إما صدقة ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة توزع على الفقراء. (ع).

(4)

والصواب أن الإنسان إذا تعمد سبق إمامه بركوع أو سجود أو قيام؛ فإن صلاته تبطل لأنه فعل محرمًا، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول اللَّه رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟!! " فالصحيح أن مجرد السبق -أي في الركن عمدًا- يبطل الصلاة، وإذا قلنا: إنه لا يبطل، وهو المذهب، فهل يلزمه العود؟ هذه هي المسألة. (ع).

(5)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"متابعته".

ص: 487

وغيره، كما وردت [به الآثار](1) عن الصحابة؛ [كـ](2) عمر وابنه وابن مسعود رضي الله عنهم (3).

وفرق صاحب "المحرر"(4) بين العامد وغيره وقال: متى عاد العامد

(1) كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"روايات".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 281)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 50)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 375/ رقم 3758)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ 191، 192)، من طريق بسر بن سعيد، عن الحارث بن مخلد الزُّرقي، عن عمر؛ قال:"إذا رفع أحدكم رأسه قبل الإمام؛ فليعد، ثم ليمكث بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان رفعه".

وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في "الفتح"(2/ 174).

وما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 50) من طريق سليمان بن كندير؛ قال: "صلَّيتُ إلى جنب ابن عمر، فرفعتُ رأسي قبل الإمام، فأخذه، فأعاده".

وبنحوه أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(4/ 191/ رقم 2011، 2012).

وأخرج البخاري في "صحيحه" تعليقًا (كتاب الأذان، باب إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به، 2/ 172)، قال: قال ابن مسعود: "إذا رفع قبل الإمام يعودُ، فيمكثُ بقَدْر ما رفع، ثم يتّبع الإمام".

ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 50)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 375/ رقم 3757)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ 192/ رقم 2014)، وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في "الفتح"(2/ 174).

وانظر: "تغليق التعليق"(2/ 289)، و"عمدة القاري"(4/ 395).

(4)

قال المجد رحمه الله في "المحرر"(1/ 102 - 103): "ومن ركع أو سجد قبل إمامه سهوًا، ثم ذكر فلم يَعُدْ إلى متابعته حتى أدركه، أو تعمد سبقه ابتداءً، لم تبطل صلاته عند القاضي، وقيل: تبطل، وإن سبقه بركن عمدًا ولم يدركه فيه؛ فسدت صلاته، =

ص: 488

بطلت صلاته؛ لأنه قد تعمد زيادة ركن كامل عمدًا، وإنما يعود الساهي والجاهل، وقد يقال: إن عود العامد يتخرج على أن العود إنما هو قطع للفعل المنهي عنه الذي ارتكبه ورجوع عنه إلى متابعة الإمام الواجبة؛ فلا يكون منهيًّا عنه، بل مأمور به؛ كالخروج من الدار المغصوبة ونحوها على ما سبق، وقد يفرق بأن حقيقة السجود وضع الأعضاء المخصوصة على الأرض، فإذا زيد هذا المقدار عمدًا؛ بطلت به الصلاة، وأما الهويُ إليه والرفع منه؛ فليسا من ماهيته، وإنما هما حدان له؛ فلا أثر لنية قطعهما بالرفع، فإن الرفع ليس منه، وإنما هو غاية له، وفصل بينه وبين غيره وما مضى منه، ووجد لا يمكن رفعه، وهو سجود تام (1)؛ فتبطل الصلاة بزيادته عمدًا، وهذا قد يلزم منه أن السبق للركن عمدًا يبطل الصلاة، وقد قيل: إنه المنصوص عن أحمد (2)، وعلى الوجه الآخر؛ فيقال: لمَّا لحقه الامام في هذا الركن واجتمع معه فيه؛ اكتفى بذلك في المتابعة (3).

= نص عليه، وإن كان سهوًا أو جهلًا؛ لغت تلك الركعة فقط؛ كالسبق بركعتين سهوًا، وعنه يعتد بها.

وخرَّج منها الأصحاب: صحة الصلاة مع العمد، ومن زُحم أو سها أو نام حتى فاته مع الإمام ركن غير الركوع؛ أتى به ثم لحقه، وإن فاته ركنان فأكثر، أو الركوع وحده، تابعه ولغت ركعته وقامت التي تليها مقامها، وعنه: إن خاف فوت الركعة الأخرى؛ فكذلك، وإن لم يخف؛ أتى بما ترك وتبعه وصحت صلاته، ومتى أمكن المزحوم أن يسجد على ظهر إنسان أو رجله؛ لزمه ذلك وأجزأه".

(1)

في (ب): "تمام"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

نصص على ذلك في رسالته المنسوبة إليه "الصلاة"(ص 37 - 38). وانظر كتابي: "القول المبين"(ص 261).

(3)

الصحيح في هذه المسألة أن السبق إلى الركن عمدًا يبطل الصلاة، وعليه أن =

ص: 489

(القاعدة التاسعة والخمسون)

العقود لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة، وأما الفسوخ؛ فترد على المعدوم حكمًا واختيارًا على الصحيح.

وقد دل عليه حديث المصراة (1)؛ حيث أوجب الشارع رد صاع التمر عوضًا عن اللبن بعد تلفه، وهو مما ورد العقد عليه؛ فدل على أنه حكم بفسخ (2) العقد فيه ورد عوضه مع أصله والرجوع بالثمن كاملًا.

فأما الانفساخ الحكمي بالتلف؛ ففي مواضع:

= يقطع صلاته ويستأنف صلاة من جديد، أما إذا كان سهوًا أو خطأً -السَّهو بالنسيان، والخطأ بأن يسمع صوتًا فيظنه تكبير الإمام-؛ فهنا نقول: إن لحق الإمام فيه؛ فليستمر، وإن لم يلحقه؛ فليرجع وليأت به بعد الإمام، وسواء سبق بركن -أي: فرغ من الركن والإمام لم يبدأ به بعد- أو سبق إلى ركن -أي: سبق الإمام إلى الركن ولحق الإمام فيه-. (ع).

(1)

يشير المصنف إلى ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تصرَّوا الإبل والغنم، ومن ابتاعها؛ فهو بخير النَّظرين بعد أن يحلبها، إنْ شاء أمسك، وإنْ شاء ردّها وصاعًا من تمر".

أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفَّل الإبل والبقر، 4/ 361/ رقم 2150)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، 3/ 1155/ رقم 1515، وباب حكم بيع المُصرَّاة، 3/ 1158 - 1159/ رقم 1524)، وغيرهما.

(2)

في المطبوع: "يفسخ"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 490

- منها: إذا تلف المبيع المبهم قبل قبضه، انفسخ العقد فيه وفي عوضه (1)، سواء كان ثمنًا أو مثمنًا.

- ومنها: إذا تلفت الثمار المشتراة في رؤوس النخل قبل جدها بجائحة؛ فإن العقد ينفسخ فيها.

- ومنها: إذا تلفت العين المستأجرة قبل مضي مدة الإجارة؛ انفسخ العقد فيما بقي منها.

وأما الفسخ الاختياري؛ فكثير، ومن مسائله: إذا تلف المبيع في مدة الخيار؛ هل يسقط الخيار أم لا يسقط؟

وللبائع الفسخ، [ويرجع](2) بعوضه، ويرد الثمن على روايتين معروفتين.

ونقل أبو طالب عنه (3): إن أعتقه المشتري أو تلف عنده (4)؛ فللبائع الثمن، وإن باعه ولم يمكنه رده؛ فله القيمة، ففرق بين التلف الحسي [والحكمي](5) وبين التفويت مع بقاء العين؛ فأجاز الفسخ مع بقائها لإمكان الرجوع، بخلاف التلف.

وأيضًا؛ فتصرفه بالبيع (6) في مدة الخيار جناية حال بها بين البائع

(1) في (ج): "وفي ثمنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "فيرجع".

(3)

في (ب): "عنه أبو طالب" هكذا تقديم وتأخير.

(4)

في المطبوع: "عنه"، وهو خطأ.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"في المبيع".

ص: 491

والرجوع في ماله، فملك (1) أن يفسخ ويضمنه القيمة للحيلولة، وإلى هذا المأخذ أشار أحمد رحمه الله [تعالى](2).

- ومنها: إذا اختلف المتبايعان في الثمن بعد تلف المبيع، وفيه روايتان:

إحداهما: يتخالفان، ويفسخ البيع، ويغرم المشتري القيمة.

والثانية: القول قول المشتري مع يمينه في قدر (3) الثمن، ولا فسخ، اختارها أبو بكر.

- ومنها: إذا تبايعا جارية بعبد أو بثوب (4)، ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبًا وقد تلف الآخر، فإنه يرد ما بيده ويفسخ العقد ويرجع بقيمة التالف، نص عليه أحمد في "رواية حنبل" و"ابن منصور"(5)، ولم يذكر الأصحاب فيه خلافًا؛ لأن هنا عين باقية يمكن الفسخ فيها، فيقع الفسخ في التالف تبعًا؛ كما لو كان الثمن نقدًا معينًا وقد تلف؛ فإنه لا خلاف أنه يرد السلعة بالعيب ويأخذ بدل الثمن.

- ومنها: إذا تلف بعض المبيع المعيب وأراد رده؛ فهل يجوز رد الموجود مع قيمة المفقود ويأخذ الثمن؟

(1) في المطبوع و (أ): "فيملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(3)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"ذلك".

(4)

في المطبوع و (ج): "ثوب"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

انظر: "مسائل ابن منصور"(ص 379 - 380/ رقم 283).

ص: 492

ظاهر كلام القاضي في "خلافه" في المسألة التي قبلها جوازه؛ لأن الفسخ في المفقود [هنا](1) تابع للفسخ في الموجود.

وخرجه صاحب "التلخيص" على روايتين فيما إذا اشترى شيئًا فبان معيبًا وقد تعيب عنده، فإنه يرده على إحدى الروايتين، ويرد معها أرش العيب الحادث عنده منسوبًا من قيمته لا من ثمنه، فورد الفسخ هنا على المفقود تبعًا للموجود.

واعتذر ابن عقيل عن ضمانه بالقيمة بأنه (2) لما فسخ العقد صار المبيع في يده كالمقبوض على وجه السوم؛ لأنه قبض بحكم عقد، فلذلك ضمن بالقيمة، وهذا رجوع إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله، وهو ضعيف.

ومقتضى هذا [أن](3) الأصل ضمانه بجزء من الثمن، وهو مقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في مسائل التفليس؛ لأن كل جزء من المبيع مقابل بجزء (4) من الثمن، فإذا لم يمكن رد المبيع كله؛ رد الموجود منه بقسطه من الثمن كما في تفريق الصفقة، وهذا بخلاف (5) أرش العيب الذي يأخذه المشتري من البائع، فإنه يأخذه منسوبًا [بقسطه](6) من الثمن.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "فإنه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في المطبوع و (ج): "لجزء"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع و (ب): "خلاف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من جميع النسخ، وأشار ناسخ (ج) إليها في هامشها.

ص: 493

واختلف الأصحاب فيه:

- فمنهم من يقول: هو فسخ للعقد في مقدار العيب ورجوع بقسطه من الثمن، وعلى هذا؛ فالفسخ ورد على معدوم (1) مستحق التسليم، وهذا في المشتري في الذمة كالسلم ظاهرًا؛ لأنه كان يستحقه سليمًا، فأما في المعين؛ فلم يقع العقد على غير عينه، فلا يمكن أن يكون الأرش فسخًا إلا أن [يقال] (2): إطلاق العقد على العين يقتضي سلامتها؛ [فكأنها](3) موصوفة بصفة السلامة، وقد فاتت (4).

- ومنهم من يقول: بل هو عوض عن الجزء الفائت، وعلى هذا؛ فهل هو عوض عن الجزء نفسه أو عن قيمته؟

ذهب القاضي في "خلافه" إلى أنه عوض عن القيمة، وذهب ابن عقيل في "فنونه" وابن المني إلى أنه عوض عن العين [الفائتة، وبنى على ذلك جواز المصالحة عنه بأكثر من قيمته، فإن قلنا: المضمون العين؛ فله المصالحة](5) عنها بما شاء، وإن قلنا: القيمة، لم يجز أن يصالح عنها بأكثر [منها](6) من جنسها.

(1) في (ج): "معلوم"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "يكون"، والتصويب من (أ) و (ب) و (ج).

(3)

في المطبوع: "وكأنها".

(4)

في (ج): "فات"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله: "لأن الفسخ لا يقابل"، ولعل الصواب موضعه هنا كما في (أ) و (ب) و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 494

- ومنهم من قال: هو إسقاط لجزء من الثمن في مقابلة الجزء الفائت الذي تعذر تسليمه لا على وجه الفسخ؛ لأن الفسخ لا يقابل الصحة والسلامة، وإنما يقابل الأجزاء المشاعة، فإذا عقد على عين موصوفة وفات بعض صفاتها؛ رجع بما قابله من الثمن من غير فسخ.

وكل من هذه الأقوال الثلاثة قاله القاضي في موضع من "خلافه"، وينبني على الخلاف في أن الأرش فسخ أو إسقاط لجز من الثمن أو [معاوضة] (1): أنه إن كان فسخًا أو إسقاطًا؛ لم يرجع إلا بقدره من الثمن، ويستحق جزءً من [غير](2) الثمن مع بقائه، بخلاف ما إذا قلنا: هو معاوضة، وأما إن أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع وقبله؛ فإنه يجوز على حسب ما يتفقان عليه، وليس من الأرش في شيء، ذكره القاضي وابن عقيل في "الشفعة"، ونص أحمد على مثله في النكاح في خيار المعتقة تحت عبد.

- ومنها: إذا تلفت العين المعيبة كلها؛ فهل يملك المشتري الفسخ ورد بدلها أم لا؟

الذي عليه الأكثرون: أنه لا يملك ذلك، وأشار إليه أحمد في "رواية ابن منصور"(3)، قالوا: لأن الرد يستدعي مردودًا، ولا مردود إلا مع بقاء العين، وظلامته تستدرك بالأرش، وهو ضعيف؛ لأن البدل يقوم مقام العين.

(1) في المطبوع و (ج): "معاوضته"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع و (ب): "عين".

(3)

انظر: "مسائل ابن منصور"(248/ 90).

ص: 495

وخرج القاضي في "خلافه" جواز ذلك من رد المشتري أرش العيب الحادث عنده كما تقدم، وذكر أنه قياس المذهب، وتابعه عليه أبو الخطاب في "انتصاره"، وجزم بذلك ابن عقيل في "الفصول" من غير خلاف حكاه.

- ومنها: إذا اشترى ربويًّا بجنسه فبان معيبًا، ثم تلف قبل رده؛ فإنه يملك الفسخ، ويرد بدله ويأخذ [الثمن](1)؛ لأنه لا يجوز له أخذ الأرش على الصحيح لمحذور [الربا]؛ فتعين (2) الفسخ.

- ومنها: الإقالة؛ هل تصح بعد تلف العين؟

قال القاضي مرة: لا تصح؛ لأنها عقد يقف على الرضا من الجانبين؛ فهي كالبيع، بخلاف الرد بالعيب، ثم قال في موضع آخر: قياس المذهب صحتها بعد التلف إذا قلنا: هي فسخ، وتابعه أبو الخطاب في "الانتصار"(3) وابن عقيل في "نظرياته"، وحكى صاحب "التلخيص" فيها وجهين بخلاف الرد بالعيب، وفرق بأن الرد يستدعي مردودًا، بخلاف الفسخ، وهو ضعيف؛ فإن الرد فسخ أيضًا، والإقالة تستدعي مقالًا فيه، ولكن البدل يقوم مقام المبدل هنا للضرورة.

- ومنها: الشركة في البيوع، وهي نوع منها (4)، وحقيقتها أن يشتري رجل شيئًا، فيقول لآخر: أشركتك في نصفه أو جزء مشاع منه، [فيقبل؛

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ج):"أو يأخذ الثمن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "لمحذور"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في (ج): "انتصاره".

(4)

في (ب): "وهي نوعان وحقيقتها"، وفي (ج):"وهو نوع منها وحقيقتها".

ص: 496

فيصح] (1) ذلك، ويكون تمليكًا منجزًا بعوض في الذمة، وموضوع هذا العقد أنه إن ربح المال المشترك فيه؛ فالربح بينهما، [و](2) يتقاصان بالثمن، ويصير [المشترك](3) شريكًا في الربح، فيأخذ حصته منه، وإن تلف المال أو خسر؛ انفسخت الشركة؛ فيكون الخسران أو التلف على المشتري، فيقدر انفساخ الشركة حكمًا في آخر زمن الملك قبل بيعه بخسارة (4) أو تلفه، وإنما يحكم (5) بالانفساخ بعد التلف والخسران؛ فيكون هذا العقد مُقيَّدًا (6) للشركة في الربح خاصة، ويكون فسخه معلقًا على شرط، ويكتفي في ذلك (7) بمسمى الشركة من غير حاجة إلى شرط لفظي.

وقد نص أحمد على جواز هذا في رواية جماعة؛ منهم: الأثرم ومهنا وأحمد بن القاسم وسنديّ (8) وأبو طالب وأحمد بن سعيد وابن منصور (9) وغيرهم، ونقل مثل ذلك عن شريح والشعبي صريحًا، وسئل أحمد: هل

(1) في (أ): "فقيل: يصح".

(2)

في (أ): "أو".

(3)

في المطبوع: "المشتري".

(4)

في (ج): "بخسارته".

(5)

في (ج): "الحكم".

(6)

في المطبوع و (ج): "مفيدًا".

(7)

في المطبوع و (ج): "بذلك".

(8)

هو سندي، أبو بكر الخواتيمي، البغدادي، سمع من الإمام أحمد مسائل صالحة.

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(1/ 170)، و"المنهج الأحمد"(1/ 405)، و"المقصد الأرشد"(1/ 422).

(9)

انظر: "مسائل ابن منصور"(1/ 405 - 406/ رقم 327).

ص: 497

يدخل هذا في ربح ما لم يضمن؟ فقال (1): هو مثل المضارب (2)، يأخذ الربح ولا ضمان عليه.

وقد أشكل توجيه كلام أحمد على القاضي [وغيره؛ فحملوه](3) على محامل بعيدة جدًّا، وحمله ابن أبي موسى على ظاهره، وتبعه الشيرازي؛ إلا أنه خرج وجهًا آخر: أن الوضيعة عليهما كالربح.

* * *

(1) في (أ) و (ب): "قال".

(2)

في (أ): "المتضارب".

(3)

ما بين المعقوفتين من (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"فحمله" فقط.

ص: 498

(القاعدة الستون)

التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد؛ لم يجز ولم ينفذ، إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان أو نحوه؛ فيجوز على ذلك الوجه.

- فمن ذلك: الموصى إليه؛ أطلق كثير من الأصحاب أن له الرد بعد القبول في حياة الموصي وبعده. وقيد ذلك صاحب "المحرر"(1) بما إذا وجد حاكمًا؛ لئلا يضيع إسناده فيقع الضرر، وأخذها من رواية حنبل عن أحمد في الوصي يدفع الوصية إلى الحاكم فيبرأ منها، قال: إن كان حاكمًا؛ فنعم. وحكى رواية أخرى: أنه لا يملك الرد بعد الموت بحال ولا قبله إن [لم](2) يعلمه بذلك؛ لما فيه من التغرير به، وحكى ابن أبي موسى رواية:[أنه](2) ليس له الرد بحال إذا قبل (3)، ومن الأصحاب من حملها على ما بعد الموت وحكاها (4) القاضي في "خلافه" صريحًا في الحالين.

(1) قال في "المحرر"(1/ 392): "وللموصي إليه قبول الوصية قبل موت الموصي وبعده، وعزل نفسه عنها فيهما إذا وجد حكمًا، وعنه (أي: عن ابن حامد): ليس له عزلها بعد الموت ولا قبله إذا لم يعلمه بذلك".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"قبلها".

(4)

في المطبوع و (ب): "وحكاهما".

ص: 499

- ومنها: الوكيل في بيع الرهن إذا عزله الراهن يصح عزله على المنصوص؛ لأن الحاكم يأمره بالبيع ويبيع عليه.

وخرج ابن أبي موسى وجهًا آخر: أنه لا ينعزل؛ لأن فيه تغريرًا للمرتهن.

ويتخرج وجه ثالث بالفرق بين أن يوجد حاكم يأمر بالبيع أو لا من مسألة الوصية.

- ومنها (1): أنه يجوز فسخ عقد الجعالة، لكن يستحق العامل أجرة المثل؛ لبطلان المسمى بالفسخ، فإذا عمل به [أحد](2) مستندًا إليه؛ استحق أجرة المثل، كما لو سمى له تسمية فاسدة، ويتخرج أن يستحق في جعل [الرد](3) الآبق المسمى بالشرع (4)؛ لأن المستحق بالإِطلاق وقد صار وجود التسمية كالعدم.

- ومنها: إذا فسخ المالك عقد المساقاة، وقلنا: هي جائزة، فإن كان بعد ظهور الثمرة؛ فنصيب العامل فيها ثابت لأنه يملكه (5) بالظهور رواية واحدة؛ لأن حصة المساقي ليست وقاية للمال، بخلاف المضارب، وكذلك لو فسخ العامل بعد الظهور، وأما إن كان الفسخ قبل الظهور، فإن كان من العامل؛ فلا شيء له لإعراضه، وإن كان من المالك؛ فعليه أجرة

(1) في (ب): "ومنه".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

(4)

في المطبوع: "بالشروع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "بملكه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 500

المثل للعامل؛ لأنه منعه من إتمام عقد يفضي إلى حصول المسمى له غالبًا؛ فلزمه (1) ضمانه.

وأيضًا؛ فإن ظهور الثمرة بعد الفسخ لعمل العامل فيها أثر بالقيام عليها وخدمتها؛ فلا يذهب عمله مجانًا، وقد أثر في حصول المقصود، ويتوجه على قول ابن عقيل في المضاربة (2) أن ينفسخ العقد بالنسبة إلى المالك دون العامل؛ فيستحق من الثمر (3) المسمى له.

- ومنها: إذا زارع رجلًا على أرضه، ثم فسخ المزارعة قبل ظهور الزرع أو قبل البذر وبعد الحرث؟

قال ابن منصور في "مسائله": قلت لأحمد: الأكَّار (4) يريد أن يخرج من الأرض فيبيع الزرع؟ قال: لا يجوز [بيعه](5) حتى يبدو صلاحه. قلت: فيبيع عمل يديه وما عمل في الأرض، وليس فيها زرع. قال: لم يجب له شيء بعد، إنما يجب بعد التمام.

قال ابن منصور (6): يقول: بجب له بعد ما يبلغ الزرع لما اشترط عليه أن يعمل حتى يفرغ، فأما أن يكون يذهب عمل يديه وما أنفق في الأرض؛ فلا، وذلك أنه إذا أخرجه صاحبه أو خرج بإذنه، فإذا خرج من

(1) في (ج): "فيلزمه".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع و (ب):"المضارب".

(3)

في المطبوع و (أ) و (ج): "الثمرة".

(4)

أي: الحراث، جمع (أكرة). انظر:"المعجم الوسيط"(1/ 22).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(6)

انظر: "مسائله"(94).

ص: 501

ذات نفسه، فليس له شيء. انتهى.

فحمل ابن منصور قول أحمد: "أنه لا شيء له" على ما إذا خرج بنفسه؛ لأنه معرض عما يستحقه من الأرض، بخلاف ما إذا أخرجه المالك أو خرج بإذنه، وظاهر كلامه أنه تجب له أجرة عمله بيديه وما أنفق على الأرض من ماله، مع أن كلام أحمد [قد يحمل على أنه أراد](1) أنه لا يبيع آثار عمله؛ لأنها ليست أعيانًا، وهذا لا يدل على أنه لا حق له فيها بالكلية، ولهذا نقول في آثار الغاصب: أنه يكون شريكًا بها على أحد القولين، والمفلس ونحوه لا خلاف فيه، مع أن القاضي قال في "الأحكام السلطانية" (2): قياس المذهب جواز بيع العمارة التي هي الإثارة، ويكون شريكًا في الأرض بعمارته.

وأفتى الشيخ تقي الدين (3) فيمن زارع رجلًا على مزرعة بستانه ثم أجرها؛ هل تبطل المزارعة: أنه إن زارعه مزارعة لازمة؛ لم تبطل بالإجارة، وإن لم تكن لازمة؛ أعطى الفلاح أجرة عمله.

وأفتى أيضًا في رجل زرع أرضًا وكانت بوارًا (4) وحرثها؛ فهل له إذا خرج منها فلاحه؟ أنه إن كان له في الأرض فِلَاحة لم ينتفع بها؛ فله قيمتها على من انتفع بها، فإن كان المالك انتفع بها وأخذ عوضًا عنها من

(1) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ب): "إنما فيه".

(2)

"الأحكام السلطانية"(ص 210).

(3)

انظر: "مجموع الفتاوى" له (30/ 115).

(4)

في (ج): "بورًا".

ص: 502

المستأجر (1)؛ فضمانها عليه، وإن أخذ الأجرة عن الأرض وحدها؛ فضمان الفِلَاحة على المستأجر المنتفع بها.

ونص أحمد في "رواية صالح" فيمن استأجر أرضًا مفلوحة (2) وشرط عليه أن يردها مفلوحة كما أخذها: أن له أن يردها عليه كما شرط، ويتخرج مثل ذلك في المزارعة.

- ومنها (3): المضاربة تنفسخ بفسخ المالك لها ولو كان المال عرضًا، ولكن للمضارب بيعه بعد الفسخ لتعلق حقه بربحه، ذكره القاضي في "خلافه"، وهو ظاهر كلام أحمد في "رواية الشيخ ابن منصور"(4).

وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل في (باب الشركة): أن المضارب لا ينعزل ما دام [المال](5) عرضًا، بل يملك التصرف حتى ينض رأس المال، وليس للمالك عزله، وأن هذا ظاهر كلام أحمد في "رواية حنبل"، وذكرا في المضاربة أنه ينعزل بالنسبة إلى الشراء دون البيع، وحمل

(1) كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"المستأجرة".

(2)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (أ):"معلومة".

(3)

في (ب): "ومنه".

(4)

قلت: الذي في "مسائل ابن منصور"(482/ 445): "قلت: قال سفيان في رجل أخذ مالًا مضاربةً، واشترى به بزًا، فقدم به، فقال صاحب الحال: لا تبعه، وقال المضارب: أنا أبيعه، ينظر، فإن كان فيه ربح؛ جبر صاحب المال على أن يبيع، وإن لم يكن فيه ربح؛ لم يجبر، قال أحمد: هو كما قال، قال إسحاق: أجاد" اهـ.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 503

صاحب "المغني"(1) مطلق كلامهما في الشركة على هذا التقييد، ومعناه أن المضارب بعد الفسخ يملك تنضيض المال، وليس للمالك منعه من ذلك إذا كان فيه ربح، لكن [ابن عقيل صرح](2) في موضع آخر بأن العامل لا يملك الفسخ حتى ينض رأس المال؛ مراعاة لحق مالكه.

ثم قال ابن عقيل: إذا قصد المالك بعزله الحيلة لاقتطاع الربح، مثل أن يشتري متاعًا يرجو به الربح في موسم، فينفسخ (3) قبله ليقومه بسعر يومه ويأخذه؛ لم ينفسخ في حق المضارب في الربح، وإذا جاء الموسم، أخذ حصته منه، فجعل العقد باقيًا بالنسبة إلى استحقاق نصيبه من الربح الذي أراد المالك إسقاطه بعد انعقاد سببه بعمل المضارب؛ فهو كالفسخ بعد ظهور الربح.

وقال ابن عقيل أيضًا في (باب الجعالة): المضاربة كالجعالة، لا يملك رب المال فسخها بعد تلبس العامل [بالعمل](4)، وأطلق ذلك وقال في "مفرداته": إنما يملك المضارب الفسخ بعد أن ينض رأس المال، ويعلم رب المال أنه أراد الفسخ؛ لئلا يتمادى به الزمان [فتتعطل](5) عليه الأرباح.

[و](6) قال: وهذا هو الأليق بمذهبنا، وأنه لا يحل لأحد المتعاقدين

(1) انظر: "المغني"(5/ 38/ 3700).

(2)

في (ج): "صرح ابن عقيل" كذا بتقديم وتأخير.

(3)

في (ب): "فيفسخ".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"فيتعطل".

(6)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

ص: 504

في الشركة والمضاربات الفسخ مع كتم شريكه؛ لأنه ذريعة إلى غاية الإضرار، وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح، ولهذا لا يملك عندنا فسخها ورأس المال قد صار عروضًا، لكن إذا باعها (1) ونض رأس المال؛ فسخ (2). انتهى.

وحاصله أنه لا يجوز للمضارب الفسخ حتى ينض رأس المال ويعلم به ربه؛ لئلا يتضرر بتعطيل ماله عن الربح، كما ذكر أنه في الفضول (3) أن المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال إلى الربح ولا يسقط به حق العامل، وهو حسن جار على قواعد المذهب في اعتبار المقاصد وسد الذرائع، ولهذا قلنا: إن المضارب إذا ضارب لآخر من غير علم الأول، وكان عليه في ذلك ضرر؛ رد حقه من الربح في شركة الأول، مع مخالفته لإطلاق الأكثرين أنه إذا فسخ قبل الظهور فلا شيء له.

وأما ما ذكره في (باب الجعالة)، ففيه بُعْدٌ إلا أن ينزل على مثل هذا (4) الحال، مع أن القاضي ذكر مثله أيضًا في (باب الجعالة).

- ومنها: الشركة إذا فسخ أحدهما عقدها بالقول؛ انْفَسَخت، وإن قال الآخر: عزلتك، انعزل المعزول وحده، ذكره القاضي، وينفسخ مع كون المال عروضًا أو ناضًا.

وحكى صاحب "التلخيص" رواية أخرى: لا ينعزل حتى ينض

(1) في المطبوع: "باع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع و (ب): "ينفسخ".

(3)

في (ب): "الفصول".

(4)

في (ب): "هذه".

ص: 505

[رأس](1) المال؛ كالمضارب، قال: و [المذهب الأول](2)، وفرق بأن الشريك وكيل والربح يدخل تبعًا، بخلاف حق المضارب، فإنه أصلي، ولا يظهر (3) بدون البيع.

- ومنها: الوكيل إذا وكله في فعل شيء، ثم عزله وتصرف قبل العلم تصرفًا يوجب الضمان؛ فهل يضمنه [الموكل](4)؟

فيه وجهان مذكوران فيما إذا وكله في استيفاء القصاص ثم عزله فاستوفاه قبل العلم، قال أبو بكر: لا ضمان على الوكيل، فمن الأصحاب من قال: لعدم تفريطه، ومنهم من قال: لأن عفو موكله لم يصح؛ حيث حصل على وجه لا يمكن استدراكه، فهو كما لو عفى بعد الرمي.

قال أبو بكر: وهل يلزم الموكل الضمان؟

على قولين:

أحدهما: لا ضمان عليه، ووجه بأن عفوه لم يصح كما ذكرنا، وبأنه محسن بالعفو؛ فلا يترتب عليه الضمان به.

والثاني: عليه الضمان؛ لأنه سلطه على قتل معصوم لا يعلم بعصمته؛ فكان الضمان عليه، كما لو أمر بالقتل من لا يعلم تحريمه فقتل؛ كان الضمان على الآمر.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في نسخ المطبوع: "هو المذهب".

(3)

في المطبوع و (أ): "ولا يدخل".

(4)

في المطبوع: "المؤكل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 506

وللأصحاب طريقة ثانية، وهي البناء على انعزال الوكيل قبل العلم، فإن قلنا: لا ينعزل؛ لم يصح العفو، فيقع القصاص مستحقًّا لا ضمان فيه، وإن قلنا: ينعزل؛ صح العفو وضمن الوكيل، كما لو قتل مرتدًّا، [و](1) كان [قد](1) أسلم ولم يعلم به، وهل يرجع على الموكل؟

على وجهين:

أحدهما: يرجع لتغريره (2).

والثاني: لا؛ لأن العفو إحسان منه [(3) لا يقتضي الضمان.

وعلى هذا؛ فالدية على عاقلة الوكيل عند أبي الخطاب؛ لأنه خطأ، وعند القاضي في ماله؛ لأنه عمد، وهو بعيد، وقد يقال: هو شبه عمد، كذا حكى صاحب "المغني"(4).

وللأصحاب طريقة ثالثة، [وهي] (5): إن قلنا: لا ينعزل؛ لم يضمن الوكيل، وهل يضمن العافي؟ على وجهين بناءً على صحة عفوه، وتردد بين تغريره وإحسانه، وإن قلنا: ينعزل؛ لزمته الدية، وهل يكون في ماله أو على عاقلته؟ [على وجهين](6).

وهذه طريقة أبي الخطاب وصاحب "الترغيب"، وزادوا: إذا قلنا:

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في (ب): "لتعزيره"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

من هنا إلى القاعدة الحادية والسبعين سقط من نسخة (أ).

(4)

انظر: "المغني"(5/ 71/ 3776).

(5)

في المطبوع: "وهو"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 507

في ماله؛ فهل يرجع بها إلى الموكل؟

على وجهين.

ولو وكله في بيع شيء أو وقف أو في عتق عبدٍ (1)، ثم عزله، ثم فعل ما وكل (2) فيه قبل العلم بعزله؛ فإن قيل: لا ينعزل قبل العلم؛ فالتصرف صحيح، ولا كلام، وإن [قيل] (3): ينعزل؛ فالعقد باطل، وكذلك وقف المشتري وعتقه.

وأما استقلاله؛ فقال الشيخ تقي الدين (4): لا يضمنه الوكيل لانتفاء تفريطه، والمشتري مغرور، وفي تضمينه خلاف في المذهب، وإذا ضمن؛ رجع على الغار على الصحيح، والغار هنا لا ضمان عليه؛ فلا ضمان على واحد منهما. انتهى.

وعلى القول بضمان الوكيل في مسألة (5) استيفاء القصاص من غير رجوع قد يتوجه ضمان الوكيل هنا، وفيه بُعْدٌ أيضًا؛ لأن الضمان هنا لو وجب لوجب للغار، والغار [من](6) شأنه أن يضمن لا أن يضمن له، وأما المشتري؛ فهو شبيه بالمشتري من المشترى من الغاصب إذا لم يعلما بالغصب، والمعروف في المذهب تضمينه، لكن لا يمكن الرجوع هنا على الوكيل.

(1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"عبده".

(2)

إذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج):"وكله".

(3)

في (ج): "قلنا".

(4)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 142، 143).

(5)

في (ج): "في ماله مسألة".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 508

(القاعدة الحادية والستون)

المتصرف تصرفًا عامًّا على الناس كلهم من غير ولاية أحد معين، وهو الإمام؛ هل يكون تصرفه عليهم بطريق الوكالة لهم، أو بطريق الولاية؟

في ذلك وجهان، وخرج الآمدي روايتين [بناءً](1) على أن خطأه هل هو على عاقلته أو في بيت المال؛ لأنا إذا (2) جعلناه على عاقلته؛ فهو متصرف بنفسه، وإن جعلناه في بيت المال؛ فهو متصرف بوكالتهم لهم وعليهم؛ فلا يضمن لهم ولا يهدر خطأه فيجب في بيت المال.

واختيار القاضي في "خلافه": أنه متصرف بالوكالة لعمومهم، وذكر في "الأحكام السلطانية"(3) روايتين في انعقاد الإمامة بمجرد القهر من غير عقد، وهذا يحسن أن يكون أصلًا للخلاف في الولاية والوكالة أيضًا.

وينبني على هذا الخلاف أيضًا انعزاله بالعزل، ذكره الآمدي، فإن قلنا: هو وكيل، فله أن يعزل نفسه، وإن قلنا: هو والٍ؛ لم ينعزل بالعزل، كما أن الرسول ليس له عزل نفسه ولا ينعزل بموت من بايعه؛ لأنه وكيل

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في المطبوع: "إن".

(3)

انظر: "الأحكام السلطانية"(23 - 24).

ص: 509

عن الجميع لا عن أهل البيعة وحدهم، وهل لهم عزله؟

إذا (1) كان بسؤاله، فحكمه حكم عزل نفسه، وإن كان بغير سؤاله؛ لم يجز بغير خلاف، هذا [هو](2) ظاهر ما ذكره القاضي وغيره.

وأما من كان تصرفه مستفادًا من توليته، فإن كان نائبًا عنه كالوزير؛ فإنه كالوكيل له ينعزل بعزله وبموته، وإن كان نائبًا عن المسلمين كالأمير العام؛ لم ينعزل بموت الإِمام، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية"(3).

فأما القضاة؛ فهل هم نواب الإمام أو المسلمين؟

فيه وجهان معروفان ينبني عليهما جواز عزل الامام له وعزله لنفسه، وظاهر كلام القاضي في "الأحكام": أن الخلاف مطرد في ولاية الإمارة العامة على البلاد وجناية الخراج.

وأما نواب القاضي؛ فنوعان:

أحدهما: من ولايته خاصة؛ كمن فوض إليه سماع شهادة معينة أو إحضار المستعدى عليه؛ فهم كالوكلاء ينعزلون بعزله وموته.

والثاني: من ولايته عامة؛ كخلفائه وأمنائه على الأطفال ونوابه على القرى؛ فهل هم بمنزلة وكلائه أو نواب المسلمين فلا ينعزلون بموته؟

(1) في (ج): "إن".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(3)

انظر: "الأحكام السلطانية"(35 - 36).

وفي هامش نسخة (ب): "اختار القاضي في "الخلاف" أن القضاة بالنسبة إلى الإمام كالوكلاء، قال: ولهذا يملك عزله في مسألة (لولي المرأة أن يوكل في مسائل النكاح) " اهـ.

ص: 510

على وجهين ذكرهما الآمدي، وصحح صاحب "الترغيب" عدم الانعزال، وحكى ابن عقيل عن الأصحاب: أنهم ينعزلون؛ لأنهم نواب القاضي، بخلاف القضاة؛ فإنهم نواب للمسلمين (1)، ولهذا يجب على الإمام نصب القضاة، ولا يجب على [القاضي](2) الاستنابة.

ويجاب عنه بأن القضاء ليس بفرض كفاية على رواية، [فلا](3) يجب نصب قاض بالكلية، وبأن الوجوب لا يتعلق بمعين، فلا أثر له في عدم نفوذ العزل، ولهذا من عنده ودائع وعليه ديون خفية، يجب عليه الوصية عند الموت بأدائها، وله عزل الموصى إليه بذلك واستبداله.

وأما المتصرف تصرفًا خاصًّا بتفويض من ليس له ولاية عامة؛ فنوعان:

أحدهما: أن يكون المفوض له ولاية على ما يتصرف فيه؛ كولي اليتيم وناظر الوقف، فإذا عقد عقدًا جائزًا أو متوقع الانفساخ، كالشركة والمضاربة والوكالة وإجارة الوقف؛ فإنها لا تنفسخ بموته لأنه متصرف على غيره لا على نفسه، وكذلك الوكيل إذا أذن له مولكه أن يوكل؛ فيكون وكيله وكيلًا لموكله لا له.

والثاني: من يفوض حقوق نفسه؛ فهذه وكالة محضة.

(1) في هامش (ب): "في "المفردات" لابن عقيل: الحاكم ولايته للمسلمين في الجملة، وإذا ولى حاكمًا من قبله أو وكيلًا، كان نائبًا عنه في ما لا يخصه، بل نيابة عنه في المسلمين، سواء كانت ولايته خاصة أو عامة" انتهى.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج) والمطبوع: "القضاة".

(3)

في المطبوع: "ولا".

ص: 511

(القاعدة الثانية والستون)

فيمن (1) ينعزل قبل العلم بالعزل.

المشهور أن كل من ينعزل بموت أو عزل، هل ينعزل بمجرد ذلك، أم يقف عزله على علمه؟

على روايتين، وسواء في ذلك الوكيل وغيره، والإذن للزوجة [و](2) العبد فيما لا يملكانه بدون إذن إذا وُجِد بعده نهيٌ لم يعلماه (3) مخرَّجٌ على الوكيل، ذكره القاضي، وكذلك إذن المرتهن للراهن في التصرف إذا مُنع منه قبل تصرف الراهن ولم يعلم.

ومن الأصحاب من فرق بين الوكيل وغيره، ودخل في هذا صور (4):

(1) في المطبوع: "فيما"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "أو"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

كذا في (ب)، وفي (ج):"يعلما به".

(4)

من ينعزل بالعزل بموت أو غيره، هل يشترط لانعزاله أن يعلم بذلك أو لا؟

فالوكيل مثلًا ينعزل بفسح المُوَكِّل والزوجة كذلك، فلي أن أمنعها أن تخرج من البيت إلا بإذني، فإذا أذنت ولم تعلم، فهل يرتفع عنها النهي، أو نقول: لا يرتفع حتى تعلم به، فلو قال لامرأته: إن خرجت من البيت بلا إذن فأنت طالق، ثم ذهبت ولم تخرج، ثم بعد يومين خرجت وكان قد أذن لها بعد يوم ولم تعلم بالإذن، فهل تطلق أو لا؟

روايتان: =

ص: 512

- منها: الحاكم إذا قيل بانعزاله، قال القاضي وأبو الخطاب: فيه الخلاف الذي في الوكيل، وفي "التلخيص": لا ينعزل قبل العلم بغير (1) خلاف.

ورجحه الشيخ تقي الدين (2)؛ لأن [في ولايته](3) حقًّا للَّه، وإن قيل: إنه وكيل؛ فهو شبيه بنسخ الأحكام لا يثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح، بخلاف الوكالة المحضة، قال:[و](4) هذا هو المنصوص عن أحمد.

وأيضًا؛ فإن ولاية القاضي عامة لما يترتب عليها من [عدم](5) العقود والفسوخ؛ فَتَعْظُمُ البلوى بإبطالها قبل العلم، بخلاف الوكالة (6).

= الرواية الأولى: لا تطلق؛ لأنها خرجت بعد الأذن.

والثانية: تطلق؛ لأنها خرجت وهي معنقدة أنها مخالفة للزوج.

والوكيل: إذا وكلت رجلًا يبيع هذا البيع، فذهب الرجل على أنه وكيل ثم بعد يوم عزلته ثم باع البيت بعد يومين قبل أن يعلم بعزلي له؛ فهل بيعه للبيت صحيح؟

على الروايين: إن قلنا: لا ينعزل حتى يعلم؛ فالبيع صحيح، وإن قلنا: ينعزل وإن لم يعلم؛ فالبيع غير صحيح. (ع).

(1)

في (ج): "بلا".

(2)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 139).

(3)

في (ج) بدل ما بين المعقوفتين: "فيه".

(4)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(5)

في (ج) والمطبوع: "عموم"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

هذا لا شك فيه؛ فالصحيح أن الحاكم لا ينعزل حتى يعلم بالعزل؛ لأننا لو قلنا: إنه ينعزل قبل العلم بالعزل وتأخر علمه؛ ترتب على ذلك مفاسد كثيرة؛ فإنه قد يكون =

ص: 513

- ومنها: عقود المشاركات؛ كالشركة والمضاربة، والمشهور أنها تنفسخ قبل العلم؛ كالوكالة، وقد ذكرنا عن ابن عقيل فيما سبق في المضاربة: أنها لا تنفسخ بفسخ المضارب حتى يعلمَ ربُّ المال (1).

- ومنها: الوديعة، وقد ذكر القاضي في مواضع كثيرة من "خلافه": أن للمودع فسخها بالقول في غيبة الموح، وتنفسخ قبل علم المودع بالفسخ، وتبقى في يده أمانة؛ كمن أطارت الريح إلى بيته ثوبًا لغيره، ثم إنه ذكر في مسألة الوكالة أن الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول، وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودع فيها، فلو قال المودع بمحضر من

= حكم بصحة نكاح أو بفسخ امرأة أو بموت مفقود أو بملك مدّعٍ أو غير ذلك، فإذا قلنا: ينعزل؛ معناه كل هذه الأحكام ألغيت. (ع).

(1)

وهذا هو الصحيح، وعقود المشاركات عقود جائزة؛ إلا المساقاة والمزارعة؛ فيجوز بعد المشاركة أن أفسخ، وإذا فسخت الشركة، فتصرف الشريك قبل أن يعلم بفسخ الشركة؛ فهل ينفذ التصرف أو لا؟

المذهب: لا ينفذ؛ لأنه لا يشترط العلم.

والقول الثاني: ينفذ؛ لأن الأصل بقاء الشركة.

مثاله: أنا وأنت شريكان، ومن جملة الشركة بيننا عقارات، ففسخت الشركة، وقبل علمك بالفسخ بعتَ هذا العقار المشترك؛ فالمذهب أن البيع صحيح بالنسبة لنصيبك فاسد بالنسبة لنصيبي، وحينئذٍ يتشقَّص المبيع على المشتري، ويكون له الخيار؛ إما أن يمضي الصفقة في نصيب البائع فقط، أو يرجع، وهذا تفويت لحق المشتري من نصف المبيع، والقول الثاني: لا ينعزل إلا بعد العلم، وبناءً على هذا القول يكون البيع نافذًا وصحيحًا لا ينفسخ منه، لا بعضه ولا كلّه، وكذلك نقول في المضاربة إذا فسخها المضارب؛ فإنها لا تنفسخ حتى يعلم رب المال، وذلك لأن فسخها يتضمن ضررًا على المضارب وعلى من وقع التصرف معه من مشترٍ أو مستأجر أو نحو ذلك. (ع).

ص: 514

رب الوديعة أو في غيبته: فسخت الوديعة، أو أزلت نفسي (1) عنها؛ لم ننفسخ قبل أن تصلَ (2) إلى صاحبها ولم يضمنها؛ فإما أن يكون هذا تفريقًا بين فسخ المودع والمودع، أو يكون اختلافًا منه في المسألة، والأول أشبه؛ لأن فسخ المودع إخراج للمودع عن الاستحفاظ وهو يملكه، وأما المودَع؛ فليس له فيها تصرف سوى الإمساك والحفظِ؛ فلا يصح أن يرفعه مع وجوده، ويلتحق بهذه القاعدة (3).

* * *

(1) في المطبوع: "نفسها"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع و (ج): "يصل".

(3)

يستثنى من المذهب في مسألة العزل: لو وكّل شخصًا في القصاص من شخص، ثم عزله أو عزل الموكِّل الوكيل، فاقتص قبل أن يعلم بالعزل، فلا ضمان عليهما، لا على الموكل ولا على الوكيل، مثاله: رجل له قصاص على جانٍ، فوكَّل شخصًا آخر، فقال له: قد وكلتك أن تقتص لي من فلان، وليكن قتلًا، ثم انصرف، فقيل للموكِّل: لعلك تسمح عن هذا الذي تستحق قتله، ورغب في السماح، فقال: أشهدكم أني قد عفوت عنه، ولم يعلم الوكيل بهذا، فاقتص منه؛ فإنه لا ضمان عليه، أي على الوكيل، مع أنه قتل بعد فسخ الوكالة، فقتل نفسًا معصومة؛ لأنه لما عفا عنه صار معصومًا، لكن يقولون: لا قصاص عليه، وأما الموكّل؛ فلا قصاص عليه لأنّه محسن وقد قال اللَّه عز وجل:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وأما الوكيل؛ فلأنه معذور، وهذا يدل على القول الراجح: إنه لا ينعزل قبل العلم بالعزل. (ع).

ص: 515

(القاعدة الثالثة والستون)

وهي أن من لا يُعتبر رضاه لفسخِ عَقْدٍ أو حَلِّه، لا يعتبر علمُه به.

ويندرج تحت ذلك مسائل:

- منها: الطلاق (1).

- ومنها: الخلع؛ فإنه يصح مع الأجنبي على المذهب، سواءٌ قيل هو فسخ أو طلاق، ولنا وجه آخر: أنه لا يصح مع الأجنبي إذا قلنا: إنه فسخ؛ كالإِقالة، والصحيح خلافه؛ لأنَّ فسخَ البيعِ اللازم لا يستقلُّ به أحد المتبايعين، بخلاف النكاح؛ فإن الزوج يستقل بإزالته بالطلاق (2).

(1) يجوز للإنسان أن يطلق زوجته وإن لم تعلم، فيقول: زوجتي طالق ولو بدون علمها؛ لأن رضاها ليس شرط. (ع).

(2)

الإقالة لا يمكن أن يستقل بها الأجنبي، أي: لو علمت أن زيدًا باع عَمرًا ملكه، وذهبت إلى زيد وهو البائع وقلت: إني قد علمت أنك بعت عَمرًا ملكك وعمرو ليس عنده فلوس الآن فأقِلْهُ، فقال: أقَلْتُه؛ فإن هذا لا يصح؛ لأن عقد البيع لازم من الطرفين، بخلاف النكاح؛ فإنه لازم من قبل الزوجة، فإنها لا تستطيع الفسخ، وهو جائز من قبل الزوج، فإذا جاء رجل واتفق مع الزوج على أن يفارق فلانة؛ فلا بأس، مثل إذا عرفت أن هذا الرجل متعب ومؤذ لزوجته، والزوجة ليس عندها مال، فامتنعت من طلب الطلاق، فذهب رجل محسن فقال لزوجها: اخلعها وأنا أعطيك من المال كذا وكذا؛ فهذا جائز، ولكن مع استقامة =

ص: 516

- ومنها: العتق، ولو كان على مال نحو: اعتق عبدك عني وعلي ثمنه (1).

- ومنها: فسخ المعتقة تحت عبد.

- ومنها: فسخ المبيع المعيب والمدلَّس، وكذلك الإجارة.

- ومنها: فسخ العقود الجائزة بدون علم الآخر، وقد سبقت.

- ومنها: الفسخ بالخيار يملكه من يملك الخيار بغير علم الآخر عند القاضي والأكثرين.

وخرج أبو الخطاب فيه وجهًا آخر: أنه لا ينفسخ إلا أن يبلغه في المدة من عزل الوكيل (2)، وفيه نظر، فإن من له الخيار يتصرف بالفسخ لنفسه.

وهذه الفسوخ على ضربين:

أحدهما: ما هو مجمع على ثبوت أصل الفسخ به؛ فلا يتوقف الفسخ به على حاكم؛ كسائر ما ذكرنا.

والثاني: ما هو مختلفٌ فيه؛ كالفسخ بالعِنَّةِ والعيوب [في الزوج

= الحال؛ فيحرم على أحد من الناس أن يطلب الخلع من الزوج، لما في ذلك من الاعتداء على حق الزوج والزوجة، وهذا أشد من البيع على بيع المسلم، وإذا طلب من الزوج المخالعة ليتزوج زوجته؛ فهذا أشد وأعظم. (ع).

(1)

إذا قال: اعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه، فإن الولاء يكون لدافع الثمن، أما لو قال: اعتق عبدك وعليَّ ثمنه، فالولاء للمعتق الأول. (ع).

(2)

انظر: "كتاب الهداية"(1/ 134) لأبي الخطاب رحمه الله.

ص: 517

وغَيْبَتِهِ] (1) ونحو ذلك؛ فيفتقر إلى حكم حاكم؛ لأنها أمور اجتهادية، فإن كان الخلافُ ضعيفًا يسوغُ نقضُ الحكمِ به؛ لم يفتقر الفسخُ به إلى [حكم](2) حاكم.

ويتفرع على ذلك أخذُ بائعُ المفَلِّس سلعَته إذا وجدها يعينها، وفيه وجهان بناءً على نقض الحكم بخلافه، والمنصوص عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد:[أن](3) له ذلك.

وكذلك تزوّجُ امرأة المفقود؛ فإن في توقف فسخ نكاحها على الحاكم روايتين، قال في "رواية ابن منصور": تتزوج وإن لم تأتِ السلطان، وأحبُّ إليَّ أن تأتيه، ولعله رأى الحكم بخلافه لا يسوغ؛ لأنه إجماع عمر والصحابة (4). ورجح الشيخ تقي الدين (5) أن جميع الفسوخ لا تتوقف على

(1) يدل ما بين المعقوفتين في (ج): "وغيبة الزوج"، وقوله:"وغيبته" سقط من (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "أنه".

(4)

انظر الوارد عن عمر وعثمان وغيرهما في امرأة المفقود: "مصنف عبد الرزاق"(7/ 85 - 86/ رقم 12317، 12318)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 237)، و"موطأ مالك"(2/ 575)، و"مسائل عبد اللَّه"(ص 346/ رقم 1275)، و"مسائل صالح"(3/ 120/ رقم 1472)، و"السنن الكبرى"(7/ 445) للبيهقي، و"المحلى"(11/ 403) لابن حزم، و"مسند الفاروق"(1/ 434 - 435) لابن كثير، وقال:"وهذه آثار صحيحة عن عمر، وقد بسطتُ الكلام في مسألة المفقود في أحكام المفقود، وللَّه الحمد".

(5)

انظر: "مجموع الفتاوى"(20/ 578)، "الاختيارات الفقهية"(ص 222) لشيخ الإسلام رحمه الله.

ص: 518

حاكم (1).

* * *

(1) قول شيح الإسلام بشرط أن يتفق الطرفان عليه، فإن اخلفا بأن قال أحدهما للآخر: أنت لا تملك لفسخ، فلا بد من الرجوع للحاكم، فلو ادعت المرأة أن في زوجها عيبًا، وأرادت أن تفسخ النكاح؛ فهنا إن وافق الزوج وقال: فيّ العيب الفلاني، فلها أن تفسخ، ولا حاجة إلى الحاكم، وأما إذا خالف وقال: أنا ليس فيّ ذلك العيب، أو قال: هذا عيب لا تستحقين به الفسخ؛ فحينئذ لا بد من الرجوع إلى الحكم، وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وعلى هذا؛ فعندنا ثلاثة أقوال هنا:

الأول: أن يكون استحقاق الفسخ بإجماع العلماء؛ فهذا لا يفتقر إلى حاكم، بل لمن له الفسخ أن يفسخ.

والثاني: أن يكون الخلاف ضعيفًا ينقض الحكم فيه؛ فهذا فيه خلاف، والراجح أنه لا يحتاج إلى حكم حاكم، أي: الخلاف في عدم الحكم بالفسخ ضعيف؛ فينقض حكمه، أي: لو حكم بعد الفسخ فإنه ينقض حكمه لمخالفة الحديث، مثلا: كالرجل الذي وجد عين ماله عند شخص قد أفلس، فلو حكم الحاكم بأنه ليس أحق بها من غيره؛ فإنه ينقض حكمه؛ لأنه مخالف للنص، فإذا وجد بائع المُفلّس عين ماله عنده؛ فله أخذه بدون حكم حاكم؛ لأن حكم الحاكم إن حكم بخلاف ذلك يُنقض.

والثالث: وهو أن جميع الفسوخ لا تحتاج إلى حاكم، لكن بشرط أن يتفق عليها الطرفان، فإن حصل نزاع؛ فلا بد من الحكم ليحكم بينهم. (ع).

ص: 519

(القاعدة الرابعة والستون)

من توقف نفوذ تصرفه أو سقوط الضمان أو الحنث عنه على الإذن، فتصرف قبل العلم به، ثم تبين أن الإذن كان موجودًا؛ هل يكون كتصرف المأذون له أو لا؟

في المسألة وجهان تتخرج عليهما صور:

- منها: لو تصرف في مال غيره بعقد أو غيره، ثم تبين أنه كان أذن له في التصرف؛ فهل (1) يصح أم لا؟

[فيه وجهان](2).

- ومنها: لو قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها ولم تعلم بإذنه، فخرجت؛ فهل تطلق؟

فيه وجهان، وأشهرهما -وهو المنصوص-: أنها تطلق؛ لأن المحلوف عليه قد وجد وهو خروجها على وجه المشاقة والمخالفة، فإنها أقدمت على ذلك، ولأن الأذن هنا إباحة بعد حظر؛ فلا يثبت في حقها بدون علمها كإباحة الشرع.

ولأبي الخطاب في "الانتصار" طريقة ثانية، وهي أن دعواه الإذن غير

(1) في المطبوع و (ج): "هل".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 520

مقبولة، لوقوع الطلاق في الظاهر، فلو أشهد على الإذن؛ لنفعه ذلك ولم تطلق، وهذا ضعيف.

- ومنها: لو أذن البائع للمشتري في مدة الخيار في التصرف، فتصرف بعد الإذن وقبل العلم؛ فهل ينفذ أم لا؟

يتخرج على الوجهين في التوكيل، وأولى، وجزم القاضي في "خلافه" بعدم النفوذ.

- ومنها: لو غصب طعامًا من إنسان، ثم أباحه له المالك، ثم أكله الغاصب غير عالم بالإذن؛ ضمن، ذكره أبو الخطاب في "الانتصار"، وهو بعيد جدًّا، والصواب الجزم بعدم الضمان؛ لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون، كمن وطئ امرأة يظنها أجنبية، فتبينت زوجته، فإنه لا مهر عليه، ولا عبرة باستصحاب أصل الضمان مع زوال سببه، كما أنه لو أكل في الصوم يظن [أن](1) الشمس لم تغرب، فتبين أنها كانت غربت؛ فإنه لا يلزمه القضاء (2)، ويلتحق بهذه:

* * *

(1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(2)

وقد وردت أحاديث وآثار تدل على ذلك، مضى قسم لا بأس به منها في التعليق على (1/ 478، 479، 480).

ص: 521

(القاعدة الخامسة والستون)

وهي من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه؛ فتبين أنه كان يملكه.

وفيها الخلاف أيضًا، ويندرج تحتها صور (1):

- منها: لو باع ملك (2) أبيه بغير إذنه، ثم تبين أن أباه [كان](3) قد مات ولا وارث له [سواه](4).

وفي صحة تصرفه وجهان، [وقيل](5) روايتان.

- ومنها: لو طلق امرأة يظنها أجنبية، فتبينت زوجته؛ ففي وقوع الطلاق روايتان، وبناهما أبو بكر على أن الصريح؛ هل يحتاج إلى نية أم لا؟

قال القاضي: إنما هذا الخلاف في صورة الجهل بأهلية المحل،

(1) مثاله: لو باع سيارة ابن عمه ظانًّا أن ابن عمه موجود، فتبين أن ابن عمه قد مات قبل البيع، وهو الوريث الوحيد لابن عمه، وبذلك تكون السيارة له. (ع).

(2)

في (ب): "مال"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

ما ليس المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(5)

في المطبوع و (ج): "ويقال".

ص: 522

ولا يطرد مع العلم به (1).

- ومنها: لو لقي امرأة في الطريق، فقال: تنحي يا حرة، فإذا هي أمته.

وفيها الخلاف أيضًا، ونص أحمد على ذلك، وفي "المغني"(2) احتمال بالتفريق؛ لأن هذا يقال كثيرًا في الطريق ولا يراد به العتق، وهذا مع إطلاق القصد، فأما إن قصد به المدح بالعفة ونحوها؛ فليست من المسألة بشيء، ويتنزل الخلاف في هذا على أنَّ الرِّضا بغير المعلوم، هل هو رضى معتبر؟ والأظهر عدم اعتباره.

- ومنها: لو أبرأه من مئة درهم مثلًا معتقدًا أنه لا شيء له عليه، ثم تبين أنه كان له في ذمته مئة درهم، وفيها الوجهان (3).

- ومنها: لو جرحه جرحًا لا قصاص فيه، فعفا عن القصاص وسرايته، ثم سرى إلى نفسه؛ فهل يسقط القصاص؟

يخرج على الوجهين، [و](4) أشار إلى ذلك الشيح مجد الدين في

(1) المذهب أن الطلاق واقع؛ لأنه واجهها بالطلاق، وبنى بعض الأصحاب؛ هل تشترط النية في الطلاق الصريح؟ والذي يظهر أن الطلاق لا يقع في هذه الحالة؛ لأنه لو علم أنها امرأته لم يطلقها. (ع).

(2)

انظر قوله في: "المغني"(10/ 279/ 8568).

(3)

وقد يقال: إن إبراءه منها دليل على أنه يعتقد أنها عليه، بخلاف ما لو قال: أنا لا أطلبه شيئًا، ثم تبين أنه يطلبه؛ فالوجه مختلف وليس كالأول، وعلى هذا؛ فإذا أبرأه يبرأ. (ع).

قلت: في قول الشيخ نظر، والصواب أنه كالذي قبله.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 523

"تعليقه على الهداية"، وبناه على أن القصاص هل يجب للميت أو لورثته؛ كالدية؟ وجزم القاضي وغيره بأنه لا يصح العفو ها هنا.

- ومنها: لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر، ثم تبين أنه كان ميتًا قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة، أو أنه كان طلقها؛ ففي صحة النكاح الوجهان، ذكره القاضي، ورجح صاحب "المغني"(1) عدم الصحة هنا؛ لفقد شرط النكاح في الابتداء، كما لو تزوجت المرتابة قبل زوال الريبة (2).

- ومنها: لو أمره غيره بإعتاق عبد يظن أنه للآمر، فتبين أنه عبده؛ ففي "التلخيص" يحتمل تخريجه على من أعتق عبدًا في ظلمة ثم تبين أنه عبده، لكن يرجع هنا على الآمر بالقيمة لتغريره له، ويحتمل أن لا ينفذ لتغريره، بخلاف ما إذا لم يغره أحد؛ فإنه غير معذور، فينفذ عتقه لمصادفته

(1) انظره في: "المغني"(8/ 111/ 6357).

(2)

الزمان المعتبر في المفقود ما هو؟

القول الراجح هو ما أدّى إليه اجتهاد الحاكم، وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال والسلطان، والمذهب أنه إذا فقد وله تسعون سنة، فإنه يجتهد الحاكم، وإنْ كان دون التسعين، فإن كان ظاهر غيبته الهلاك ينتظر به أربع سنين، وأن كان ظاهر غيبته السلامة ينتظر به إلى تمام تسعين سنة منذ ولد. (ع).

قلت: التقدير لا يصار إليه إلا بتوقيف، ولا توقيف ها هنا، نعم، يستصحب حياته؛ فينتظر مدة لا يعيش في مثلها.

وانظر في المسألة: "المغني"(6/ 321 - 323 و 7/ 488 - 491)، و"الكافي"(3/ 313)، و"المحرر"(1/ 406)، و"الفروع"(5/ 35)، و"الإنصاف"(7/ 235 - 236 و 9/ 188)، و"المبدع"(8/ 127 - 128، 131 - 132)، و"كشاف القناع"(5/ 487 - 489)، و"شرح منتهى الإرادات"(3/ 222).

ص: 524

ملكه، إذ المخاطبة بالعتق لعبد غيره شبيه بعتق الهازل والمتلاعب؛ فينفذ، وكذلك في الطلاق، ونظير هذه في الطلاق أن يوكله شخص في تطليق زوجته ويشير إلى امرأة معينة فيطلقها ظانًّا أنها امرأة الموكل، ثم تبين أنها امرأته.

وقد تخرج هذه المسألة على مسألة ما إذا نادى امرأة له، فأجابته امرأته الأخرى (1)، فطلقها ينوي المناداة؛ فإنه تطلق المناداة وحدها ولا (2) تطلق المواجهة في الباطن.

وفي الظاهر روايتان؛ فعلى (3) هذا لا تطلق [امرأة](4) الموكل في طلاقها [ها هنا](5)، وقد يفرق بينهما بأن الطلاق هنا انصرف إلى جهة مقصودة، فلم يحتج إلى صرفه إلى غير المقصودة؛ وإن كانت مواجهة به، بخلاف ما إذا لم يكن هناك جهة سوى المواجهة؛ فإن الطلاق يصير [بصرفه](6) عنها هزلًا ولعبًا، ولا هزل في الطلاق (7).

- ومنها: لو اشترى آبقًا يظن أنه لا يقدر على تحصيله، فبان

(1) في (ب): "امرأة له أخرى".

(2)

في (ب): "ولم".

(3)

في (ج): "وعلى".

(4)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(5)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"هنا".

(6)

كذا في (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"يصرفه".

(7)

الصحيح في مسألتي الطلاق والعتق أن ذلك راجع للنيّة، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"[متفق عليه]، ومعنى قوله المواجهة (أي: المخاطبة). (ع).

ص: 525

بخلافه؛ ففي صحة العقد وجهان لاعتقاده؛ فقد شرط الصحة وهو موجود في الباطن.

وفي "المغني"(1) احتمال ثالث بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع في حقه لأنه متلاعب، وبين من لا يعلم ذلك؛ فيصح لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلًا، وقد تبين وجود شرط صحته، وهذا يبين أن للمسألة التفاتًا إلى مسألة بيع الهازل والمشهور بطلانه، وهو قول القاضي، وقال أبو الخطاب في "انتصاره": هو صحيح، وهذا يرجح وجه بطلان البيع في المسائل المبدوء بها (2).

* * *

(1) انظر: "المغني"(6/ 24/ 4533).

(2)

الآبق لا يجوز بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسيمه حين البيع، فإذا اشرى آبقًا يظن أنه لا يقدر على تحصيله وهو في الواقع بقدر؛ لأن الآبق موجود في بيت فلان مثلًا؛ فهل يصح البيع بناءً على ما في نفس الآمر، أو لا يصح بناءً على ما في ظن المكلف؟

فيه وجهان، وصاحب "المغني" ذكر احتمالًا بالوسط، فقال: إذا كان يعتقد أن بيع الآبق لا يصح؛ فإنه لا يصح لأنه إذا اشتراه في هذه الحال صار متلاعبًا، أما إذا كان لا يدري عن ذلك؛ فإن البيع يصح لأنه غير متلاعب، وقد تبين أن هذا العبد مقدور على تسليمه. (ع).

قلت: انظر في المسألة: "الكافي"(2/ 11)، و"تنقيح المشبع"(123)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(29/ 426 - 427)، و"القياس"(ص 29)، و"القواعد النورانية"(116)، و"كشاف القناع"(3/ 162)، و"مطاب أولي النهى"(3/ 26).

ص: 526