المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تقرير القواعد وتحرير الفوائد   تصنيف الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن - قواعد ابن رجب - ت مشهور - جـ ٢

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

تقرير القواعد وتحرير الفوائد

تصنيف

الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

(736 - 795 هـ)

وبآخره

فهرست كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد

تصنيف

جلال الدين أبي الفرج نصر الدين البغدادي

ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره

أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

[المجلد الثاني]

ص: -1

(القاعدة السادسة والستون)

ولو تصرف [مستند](1) إلى سبب، ثم تبين خطؤه فيه، وأن السبب المعتمد غيره وهو موجود.

فهو نوعان:

أحدهما: أن يكون الاستناد إلى ما ظنه صحيحًا أيضًا؛ فالتصرف صحيح، مثل أن [يتطهر من حدث يظنه ريحًا، ثم تبين أنه نوم، ومثل أن](2) يستدل على القبلة بنجم يظنه الجدي، ثم تبين أنه نجم آخر مسامته.

والثاني: أن لا يكون ما ظنه مستندًا [استنادًا](3) صحيحًا، مثل أن يشتري شيئًا ويتصرف فيه، ثم تبين أن الشراء كان فاسدًا، وأنه ورث تلك العين.

فإن قلنا في القاعدة الأولى؛ فهنا أولى، وإن قلنا ثم بالبطلان؛ فيحتمل هنا الصحة؛ لأنه استند إلى سبب مسوغ (4) وكان في نفس الأمر

(1) كذا في (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"مستندًا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

كذا الصواب، وفي المطبوع:"ممنوع".

ص: 5

له مسوغ غيره، فاستند التصرف إلى مسوغ في الباطن والظاهر، بخلاف القسم الذي قبله، ذكره الشيخ تقي الدين (1) رحمه الله.

والمذهب [ها](2) هنا الصحة بلا ريب؛ لأن أصحابنا اختلفوا فيما إذا وهب الغاصب المغصوب من مالكه وأقبضه إياه، هل يبرأ به أم لا؟

وحكى ابن أبي موسى فيه روايتين (3)، والمشهور أنه لا يبرأ، نص عليه أحمد معللًا بأنه يحمل مِنَّتَهُ، وربما كافأه على ذلك.

واختار القاضي في "خلافه" وصاحب "المغني"(4): أنه يبرأ؛ لأن المالك تسلمه [تسلمًا](5) تامًّا وعادت سلطنته إليه، فبرئ الغاصب، بخلاف ما إذا قدمه اليه، فأكله؛ فإنه أباحه إياه، ولم يملكه إياه، فلم يعده (6) إلى سلطنته وتصرفه، ولهذا لم يكن له التصرف فيه بالبيع والهبة، وهذا اتفاق من أحمد وأصحابه على أن تصرفات المالك تعود إليه بعود ملكه على طريق الهبة من الغاصب، وهو لا يعلم بالحال.

* * *

(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(29/ 411 - 412) لشيخ الإسلام.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(3)

في المطبوع: "وحكى في ابن أبي موسى روايتين" كذا بتقديم وتأخير.

(4)

"المغني"(5/ 142/ 3935).

(5)

في المطبوع: "تسليمًا".

(6)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"يعد".

ص: 6

(القاعدة السابعة والستون)

من استحق الرجوع بعين أو دين بفسخ أو غيره، وكان قد رجع إليه ذلك الحق بهبة أو إبراء ممن يستحق عليه الرجوع؛ فهل يستحق الرجوع [عليه](1) ببدله أم لا؟

في المسألة وجهان، ولها صور:

- منها: [لو](2) باع عينًا، ثم وهب ثمنها للمشتري أو أبرأه منه، ثم بان بها عيب يوجب الرد، فهل له ردها (3) والمطالبة بالثمن أم لا؟

على وجهين، وكذا لو أبرأه من بعض الثمن، فهل له المطالبة بقدر ما أبرأه منه؟

على الوجهين، واختار القاضي في "خلافه": أنه إذا رده؛ لم يرجع عليه بشيء مما أبرأه منه، ويتخرج التفريق بين الهبة والإبراء؛ فيرجع بالهبة دون الإِبراء، وسنذكر أصله، ولو ظهر هذا المبيع معيبًا بعد أن تعيب عنده؛ فهل له المطالبة بأرش العيب؟

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وأثبتُّه من نسخة (ب)، وفي (ج):"يستحق عليه الرجوع".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في (ج): "رده"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 7

فيه طريقان:

أحدهما: [تخريجه](1) على الخلاف في رده.

والآخر (2): تمتنع (3) المطالبة هنا وجهًا واحدًا، وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنه صار معه (4) تبرعًا؛ فلا يملك المطالبة بزيادة عليه لئلا تجتمع له المطالبة بالثمن وبعض الثمن، بخلاف ما إذا رده، فإنه لا يجتمع له ذلك.

- ومنها: لو تقايلا في العين بعد هبة ثمنها أو الإبراء منه.

- ومنها: لو أصدق زوجته عينًا، فوهبتها منه، ثم طلقها قبل الدخول؛ فهل يرجع عليها ببدل نصفها؟

على روايتين، فإن قلنا: يرجع، فهل يرجع إذا كان الصداق دينًا فأبرأته منه؟

على وجهين، أصحهما: لا يرجع؛ لأن ملكه لم يزل عنه (5).

- ومنها: لو كاتب عبده، ثم أبرأه من دين الكتابة وعتق؛ فهل

(1) في المطبوع: "يخرجه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "الأخرى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "يمنع"، ولعل الصواب ما في (ب) و (ج).

(4)

في المطبوع: "منه"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

ذكر ابن رجب في "كتاب الذيل"(1/ 72) من غرائب الشيرازي: "ما قاله في "الإيضاح" أيضًا، قال: والصداق يجب بالعقد، ويستقر جميعه بالدخول، ولو أسقطت حقها من الصداق قبل الدخول؛ لم يسقط؛ لأنه إسقاط حق قبل استقراره، فلم يسقط؛ كالشفيع إذا أسقط حقه قبل الشراء". قال ابن رجب: "هذا لفظه، وهو غريب جدًّا" اهـ.

ص: 8

يستحق المكاتب الرجوع عليه بما كان [له](1) عليه من الإيتاء الواجب أم لا؟

من الأصحاب من خرجها على الخلاف، وضعف صاحب "المغني"(2) ذلك؛ لأن إسقاطه عنه يقوم مقام إيتائه، ولهذا لو أسقط (3) عنه القدر الواجب إيتاؤه واستوفى الباقي؛ لم يلزمه أن يؤتيه شيئًا.

وأيضًا؛ فالسيد أسقط عن المكاتب ما وجد سبب إيتائه إياه؛ فقام مقام الإيتاء، بخلاف إسقاط المرأة الصداق قبل الطلاق.

- ومنها: لو شهد شاهدان بمال لزيد على عمرو، ثم رجعا وقد قبضه زيد من عمرو، ثم وهبه له، لم يسقط عنهما الضمان، ولو كان دينًا فأبرأه منه قبل قبضه، ثم رجعا؛ لم يلزمهما شيء، ذكره القاضي في "خلافه"، ولم يخرجه على الخلاف في المسائل الأولى؛ لأن الضمان لزمهما بوجود التغريم، وعود العين إلى الغارم من المحكوم له بهبة لا يوجب (4) البراءة، كما لا يبرأ الغاصب بمثل ذلك في الرد إلى المغصوب منه لتحمل مِنَّته.

نعم، يتخرج القول بسقوط الضمان هنا إذا قلنا ببراءة الغاصب بإعادة المال إلى المغصوب منه هبة؛ لأنهما اعترفا بأنه قبضه عدوانًا ثم رده إليه هبة، وأما إذا أبرأه منه قبل القبض؛ فلم يترتب على شهادتهما غرم؛ فلذلك سقط عنهما الضمان.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ج).

(2)

انظر: "المغني"(10/ 343/ 8710).

(3)

في (ج): "سقط".

(4)

كذا في المطبوع، ولعله الصواب، وفي (ب) و (ج):"توجب".

ص: 9

- ومنها: لو قضى الضامن الدين ثم وهبه الغريم ما قضاه بعد قبضه، فهل يرجع على المضمون عنه؟

ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يرجع، ولهذا قالوا: لو قضى الدين بنقيضه لم يرجع إلا بما قضى، وجعلوه كالمقرض لا يرجع إلا بما غرم، لكن هذا في الإبراء والمسامحة ظاهر، فأما إن قضى الدَّيْنَ بكماله (1)، ثم وهبه الغريم منه؛ فلا يبعد تخريجه على الوجهين.

* * *

(1) كذا في (ب) و (ج)، وهو الصواب، وفي المطبوع:"لكماله".

ص: 10

(القاعدة الثامنة والستون)

إيقاع العبادات أو العقود أو غيرهما مع الشك في شرط صحتها؛ هل يجعلها كالمعلقة على تحقق (1) ذلك الشرط أم لا؟

[و](2) هي نوعان (3):

أحدهما: ما يشترط فيه النية الجازمة، فلا يصح إيقاعه بهذا التردد

(1) في المطبوع: "تحقيق".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

معنى القاعدة أن إيقاع العبادات أو المعاملات أو غيرها مع الشك في وجوب شرط الصحة؛ هل يقع وتصح العبادة وهو شاك في شرط صحتها أو لا؟

يقول المؤلف: هذا نوعان:

الأول: ما يشترط فيه الجزم، فالذي يشترط فيه الجزم لا يصح مع التردد والشك في شرط صحته؛ لفوات الشرط، إلا إذا كان التردد غلبة ظن يكفي فى مثله إيقاع العبادة أو المعاملة؛ فمثلًا إذا غلب على ظنه أن وقت المغرب قد دخل ولم يتقين؛ فهنا يجوز أن يصلي مع أنه متردد، فهنا تصح مع هذا التردد؛ لأن هذا التردد فيه غلبة ظن يكفي في مثله إيقاع العبادة، ولهذا جاز النظر في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في يوم غيم؛ ففي الإفطار لم يتيقنوا غروب الشمس؛ فإنهم لو تيقنوا ما طلعت، ولكن غلب على ظنهم أن الشمس قد غربت، ولما جاز النظر جازت الصلاة، ولو تبين عدم غروب الشمس بعد الصلاة؛ فإن الصلاة تعاد وتكون تلك الصلاة نفلًا بناءً على القاعدة المعروفة في الفقه:"وينقلب نفلًا ما كان عَدَمُهُ". (ع).

ص: 11

ما لم يكن الشك غلبة ظن يكفي (1) مثله في إيقاع العبادة أو العقد كغلبة الظن بدخول الوقت وطهارة الماء والثوب ونحو ذلك.

ومن أمثلة ذلك [ما](2) إذا صلى يظن نفسه محدثًا؛ فتبين متطهرًا (3).

- ومنها: لو شك، هل ابتدأ مدة مسح الخفين في السفر أو الحضر فمسح يومًا آخر بعد انقضاء مدة الحضر، ثم تبين أنه ابتدأها في السفر؛ لزمه إعادة الصلاة [للشك](4)، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟

فيه وجهان:

أحدهما: لا يلزمه، وبه جزم في "المغني"(5)؛ لأن الوضوء يصح مع الشك في سببه، كمن شك في الحدث، فتوضأ ينوي رفعه ثم تبين محدثًا.

والثاني: يلزمه؛ لأن المسح رخصة ولم تتحقق إباحتها؛ فلم يصح كمن قصر، وهو يشك في جواز القصر.

- ومنها: لو توضأ من إناء مشتبه، ثم تبين أنه طاهر؛ لم تصح طهارته

(1) في المطبوع: "تكفي".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

إذا صلى يظن نفسه محدثًا، فتبين متطهرًا؛ فهنا تصح العبادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وثانيًا أن يغلب على ظنه أنه متطهر وكان محدثًا، فظاهر كلام المؤلف إذا بان أنه متطهر أنها تصح، ولكن هذا خلاف المذهب؛ فإنه إذا كان محدثًا وشك هل تطهر أو لا؛ فإنه لا يصلي حتى يتقين أنه متطهر؛ ولو غلب على ظنه أنه متطهر لأن الأصل بقاء الحدث وهو متيقن، فلا يزول إلا بيقين. (ع).

(4)

كذا في (ب) و (ج)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"بالشك".

(5)

انظر المسألة في: "المغني"(1/ 180/ 420).

ص: 12

في المشهور، وقال القاضي أبو الحسين: تصح (1)، وهو يرجع إلى أن الجزم بصحة الوضوء لا يشترط كما سبق.

- ومنها: لو توضأ شاكًا في الحدث، أو صلى مع غلبة ظنه بدخول الوقت، ونوى الفرض، إن كان محدثًا أو الوقت قد دخل، وإلا؛ فالتجديد أو النفل (2)؛ فذكر ابن عقيل أنه يجزئه؛ لأن هذا حكمه ولو لم ينوه، فإذا نواه، لم يضره (3).

- ومنها: لو كان له مال حاضر وغائب، فأدى زكاة ونوى أنها عن الغائب إن كان سالمًا، وإلا، فتطوع، فبان سالمًا؛ أجزأه لما ذكرنا.

وحُكي عن أبي بكر أنه لا يجزئه؛ لأنه لم يُخْلِص النية للفرض (4).

ويتخرج (5) منه وجه في التي قبلها: أنه لا يصح وأولى؛ لأن هناك لم

(1) في المطبوع: "يصح".

(2)

في (ج): "التنفل".

(3)

هذا رجل توضأ شاكًّا في الحدث، فتوضأ، فإن كان محدثًا، فهذا فرض، وإن كان غير محدث؛ فهو تجديد، والثاني صلى الفرض وكان قد غلب على ظنه دخول الوقت، ولكنه ما تيقن؛ فهل يجوز أن يصلي الفرض بهذا أم لا؟

نعم، يجوز، فإن كان الوقت قد دخل؛ فهو فرض؛ وإن لم يكن دخل؛ صار نفلًا، فإذا لم يتبين؛ فهو فرض لأنه يجوز أن يصلي أو يتوضأ بغلبة الظن، بقي أن يُقال: وهل يجوز أن يتنفل في وقت الكراهة؟ ثم هل يجوز النفل بالثلاثة أي ثلاث ركعات؟

فيقال: المشهور من المذهب أن يتنفل بواحدة أو ثلاث، وباثنتين أو بالأربع.

والجواب عليه أن يقال: إنه لم يتقين أنه نفل، وكذلك بالنسبة للصلاة قبل الغروب؛ فإنه لم يتيقن أن الشمس لم تغرب، بل يغلب على ظنه غروب الشمس. (ع).

(4)

في المطبوع: "عن الفرض"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ب): "ويخرج".

ص: 13

يبن على أصلٍ مُسْتَصْحَبٍ، ولكنه بنى على غلبة ظن بدخول الوقت، وهو يكفي في صحة الصلاة.

- ومنها: إذا نوى ليلة الشك إن كان غدًا من رمضان؛ فهو فرضي، وإلا؛ فهو نفل، فهل يجزئه عن رمضان إن وافق؟ ينبني على أن نية التعيين؛ هل تشترط لرمضان؟

فإن قلنا: تشترط، وهو المشهور في المذهب، لم يُجْزِئْهُ لأنه لم يجزم بالتعيين، ولم يبن على أصل مستصحب يجوز الصيام فيه (1)، بخلاف مسألة الزكاة، وهذا بخلاف ما لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدًا من رمضان، فأنا صائم عنه، وإلا فأنا مفطر؛ فإنه يصح صيامه في أصح الوجهين؛ لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله ولا يقدح تردده لأنه حكم صومه مع الجزم.

والثاني: وهو قول أبي بكر: لا يجزئه للتردد، ونقل صالح عن أبيه أنه يجزئه النية المترددة مع الغيم دون الصحو (2)؛ لأن الصوم مع الغيم لا

(1) في "الفنون"(2/ 447/ 399) أن أصح الروايتين عن أحمد تعيين النية، قال ابن عقيل:"الصوم عادة تنقسم نفلًا وفرضًا، وقضاءً وأداءً؛ فافتقر إلى تعيين النية؛ كالصلاة".

وانظر في المسألة: "الهداية"(1/ 83)، و"المحرر"(1/ 228)، و"الكافي"(1/ 472)، و"الفروع"(3/ 40)، و"المبدع"(3/ 20)، و"الإنصاف"(3/ 295)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(18/ 263 و 20/ 570 و 25/ 100، 119، 214)، و"زاد المعاد"(1/ 218)، و"كشاف القناع"(2/ 367)، و"مطاب أولي النهى"(2/ 186).

(2)

في "مسائل صالح"(2/ 164/ رقم 732): "قلت: الرجل يتلوم يوم الشك، يقول: إن كان من رمضان صمت، وإن كان من غير رمضان لم أصم؟ قال: هذا ليس =

ص: 14

يخلو من تردد ينافي الجزم، فإذا [تردد في](1) النية؛ فقد نوى حكم الصوم [معه](2)، فلا يضره، بخلاف حالة الصحو؛ فإنه لا يحتاج فيها إلى التردد.

والنوع الثاني: ما لا يحتاج إلى نية جازمة، فالصحيح (3) فيه الصحة، وقد سبق من أمثلته: إذا نكحت امرأة المفقود قبل أن يجوز لها النكاح، ثم تبين أنه كان جائزًا؛ ففي الصحة وجهان (4).

- ومنها: لو كان [له](5) عند رجل دنانير وديعة، فصارفه عليها وهو

= بمُجَمِّع، في قول ابن عمر وحفصة: لا صيام لمن لم يُجْمع الصيام من الليل" اهـ.

قلت: وقول ابن عمر عند النسائي (1/ 262)، والترمذي (3/ 108)، وغيرهما.

وقول حفصة عند النسائي أيضًا (1/ 261 - 262) وغيره.

والمسألة نقلها عبد اللَّه في "مسائله"(ص 188/ رقم 705)، وذكر صالح نحوها في "مسائله" (1/ 195/ رقم 116):"قلت: رجل صام يوم الشك؟ قال: إذا كان في السماء غيم، فأصبح وقد أجمع الصيام من الليل، فصام، فإذا هو من رمضان؛ فإنه لا يعيد، وقد جاز صومه، وإذا لم يجمع الصيام، ولكنه أصبح وهو يقول: أصوم إن صام الناس وأفطر إن أفطر الناس، ولم يجمع الصيام كذلك، فصام ذلك اليوم وإذا هو من رمضان؛ فإنه يعبد يومًا مكانه".

(1)

في المطبوع: "ترددت".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

في (ج): "والصحيح".

(4)

هذا رجل مفقود، فضرب له أربع سنوات، فقلنا: إن لم يأت في هذه المدة؛ فلزوجته أن تتزوج، وهذه المرأة تزوجت بعد سنتين من بداية الأربع، ثم تبين أن زوجها قد مات قبل أن تتزوج؛ فالزواج صحيح لأنه كان من امرأة ليس لها زوج، لكنه مشكوك في صحته. (ع).

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

ص: 15

يجهل بقاءها؛ ففيه وجهان:

أحدهما: وهو قول القاضي في "المجرد": لا يصح؛ لأنها ليست تالفة، فتكون مصارفة عليها وهي في الذمة، ولا حاضرة؛ فتكون مصارفة على عين.

والثاني: وهو قول ابن عقيل أنه يصح؛ لأن الأصل (1) بقاؤها، فصار كبيع الحيوان الغائب بالصفة؛ فإنه يصح مع احتمال تلفه لأن الأصل بقاؤه.

[و](2) قال ابن عقيل: فإن كانت باقية تقابضا وصح العقد، [فـ](3) إن كانت تالفة؛ تبين بطلان العقد، وهذا الذي قاله صحيح إذا تلفت بغير تفريط، فأما إن تلفت تلفًا مضمونًا في الذمة؛ فينبني على تعيين النقود بالتعيين، فإن قلنا: يتعين، لم يصح العقد، وإلا؛ صح وقامت الدنانير التي في الذمة مقام الوديعة؛ [إلا](4) على الوجه الذي يشترط فيه للصرف التعيين؛ فلا يصح على ما في الذمة.

- ومنها: لو وكله في شراء جارية، فاشتراها له، ثم جحد الموكل الوكالة، فأراد الوكيل أن يشتريها منه، فلم يعترف بالملك، فقال (5) له: إن كنت أذنت لك في شرائها، فقد بعتكها؛ فهل يصح أم لا؟

على وجهين:

(1) في المطبوع: "الأصح"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

في (ب) والمطبوع: "و".

(4)

في المطبوع: "لا"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع و (ج): "ثم قال".

ص: 16

أحدهما: لا يصح؛ لأن البيع لا يصح تعليقه، وهو قول القاضي وابن عقيل.

والثاني: يصح، ذكره في "الكافي"(1) احتمالًا؛ لأنه تعليق على شرطٍ واقعٍ يعلمانه، فلا يؤثر ذكره في العقد، كما لو قال: بعتك هذه إن كانت جارية، ويشهد له نص أحمد في "رواية ابن منصور"(2) بصحة بيع الغائب إن كان سالمًا، فإن هذا مقتضى إطلاق العقد؛ فلا يضر تعليق البيع عليه (3).

- ومنها: الرجعة في عقد نكاح شك في وقوع الطلاق فيه؟

قال أصحابنا: هي رجعة صحيحة رافعة للشك، وهي (4) المسألة التي أفتى فيها شريك بأنه يطلق ثم يراجع، ومأخذه أن الرجعة مع الشك في الطلاق يصيرها كالمعلقة على شرط، ولا يصح تعليقها؛ فلا يصح تمثيل قوله بمن شك في نجاسة ثوبه، فأمر بتنجيسه، ثم يغسله (5).

(1) انظر: "الكافي"(2/ 255 - 256).

(2)

انظر: "مسائل ابن منصور"(434/ 371).

(3)

القول الصحيح في هذه المسألة أنه يصح؛ لأنه إذا قال: إن كنت أذنت لك فقد بعتك، فإذا تبين أنه قد أذن له؛ صار بيعه بعد الملك، وإن لم يتبين أنه له؛ فإنها للوكيل في العقد الأول، فهي للوكيل على كل تقدير، وقوله:"إن البيع لا يصح تعليقه" الصحيح. خلافه، وأنه يصح تعليقه، وأن كل عقد يصح تحليقه؛ لأن الأصل في الشروط الصحة إلا ما قام الدليل على بطلانها والأصل في العقود الصحة إلا ما قام الدليل على بطلانه. (ع).

(4)

في (ج): "وهذه".

(5)

والصواب هنا أن يُبنى على اليقين، والدليل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا =

ص: 17

وكذلك لم يصب من أدخل قوله في "أخبار المغفلين"(1)؛ فإن مأخذه في ذلك خفي عنه، فأما الرجعة مع الشك في حصول الإِباحة بها كمن طلق وشك: هل طلق ثلاثًا أو واحدة، ثم راجع في العدة؟

فيصح عند أكثر أصحابنا ها هنا؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وقد شك في انقطاعه والرجعة استبقاء (2) له؛ فيصح (3) مع الشك في انقطاعه.

وعند الخرقي لا يصح؛ لأنه قد تيقن سبب التحريم، وهو الطلاق (4)، فإنه إن كان ثلاثًا؛ فقد حصل [به](5) التحريم بدون زوج وإصابة، وإن كان واحدة؛ فقد حصل به التحريم بعد البينونة بدون عقد جديد؛ فالرجعة في العدة لا يحصل بها الحل إلا على هذا التقدير فقط؛ فلا [يزيل](6) الشك مطلقًا، فلا يصح لأن تيقن [سبب وجود](7) التحريم

= ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وهنا الطلاق مشكوك فيه؛ فالأصل عدمه، والنجاسة مشكوك فيها؛ فالأصل عدمها، وهكذا. (ع).

(1)

لعله يريد ابن الجوزي في كتابه "أخبار الحمقى والمغفلين"، وقد مررتُ بالكتاب المطبوع؛ فلم أظفر بشيء فيه يشير إلى نقل المصنف هذا.

(2)

في المطبوع و (ج): "استيفاء"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

قال الخرقي في "مختصره"(7/ 379/ 6037 - مع "المغني"): "وإذا طلق، فلم يدْرِ أواحدة طلق أم ثلاثًا؛ اعتزلها، وعليه نففتها ما دامت في العدة، فإن راجعها في العدة؛ لزمته النفقة، ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق؛ لأنه متيقن للتحريم، شاك في التحليل".

(4)

في (ج): "فتصح"، وفي المطبوع:"فصح".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(6)

كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج):"يزول".

(7)

في (ج): "وجود سبب" كذا تقديم وتأخير، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 18

مع الشك في وجود المانع منه يقوم مقام تحقق وجود الحكم مع الشك في وجود المانع؛ فيستصحب حكم [وجود](1) السبب كما يعمل بالحكم، ويلغى المانع المشكوك فيه كما يلغى مع تيقن وجود حكمه.

وقد استشكل كثير من الأصحاب كلام الخرقي [و](2) تعليله؛ [فإنه](3) تيقن [سبب](4) التحريم، وشك في التحليل، وظنوا (5) أنه يقول بتحريم الرجعية (6)، وليس بلازم؛ لما ذكرنا (7).

- ومنها: لو حكم [الحاكم](8) في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره؛ أثم وعصى بذلك، ولم ينقض حكمه إلا أن يكون مخالفًا؛ لنص صريح ذكره ابن أبي موسى، وقال السَّامُرِيُّ: بل ينقض حكمه؛ لأن شرط صحة الحكم موافقة الاعتقاد، ولهذا لو حكم بجهل؛ لنُقِضَ حكمه،

(1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "بأنه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "فظنّوا".

(6)

في (ج) والمطبوع: "الرجعة".

(7)

إذا طلق، ثم شك هل طلق ثلاثًا أو واحدة؛ فالأصل واحدة، وهذا هو الذي عليه أكثر الأصحاب، أي إنها واحدة، وحينئذ يحل له أن يراجعها لأنها واحدة، وقال الخرقي: قال إنها لا تحل له لأنها لا يمكن أن تحل الرجعة إلا إذا تيقنا أن الطلاق واحدة، وحينئذ إذا راجع؛ فإن الرجعة مشكوك فيها؛ فلا تحل له المرأة إلا بعد زوج، ولكن نقول إجابة على هذا: إنها رجعة في شيء مشكوك فيه، لكن حكم بأنه معدوم لأن الأصل الواحدة. (ع).

(8)

في المطبوع و (ج): "حاكم" بدون "الـ".

ص: 19

مع أنه لا يعتقد بطلان ما حكم به، فإذا اعتقد بطلانه؛ فهو بالرد أولى.

وللأصحاب وجهان فيما ينقض [فيه](1) حكم الجاهل والفاسق:

أحدهما: تنقض جميع أحكامه لفقد أهليته، وهو قول أبي الخطاب وغيره.

الثاني: تنقض كلها؛ إلا ما وافق الحق المنصوص والمجمع عليه، وينقض ما وافق الاجتهاد؛ لأنه ليس من أهله، وهو اختيار صاحب "المغني"(2)، ويشبه هذا القول في الوصي الفاسق إذا قسم الوصية، فإن أعطى الحقوق لمستحقٍّ معين يصح قَبْضُه؛ لم يضمنه لأنه يجب إيصالُه إليه، وقد حصل وإن كان لغير معين؛ فوجهان (3):

- ومنها: الحكم بإسلام من اتُّهم بالردة إذا أنكر وأقر بالشهادتين؛ فإنه حكم صحيح، وإن حصل التردد في مستنده؛ هل هو الإسلام المستمر

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "به".

(2)

انظر: "المغني"(10/ 104 - 105).

(3)

إذا حكم الحاكم في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره؛ فهو آثم لا شك في ذلك، وعاص لأنه حكم بهذه المسألة هو يعتقد أنها خلاف الحق، مثل لو حكم أن الغاصب لا يضمن بالسعر، ومثل هذا؛ هل يُنقض حكمه؟

في هذا خلاف، والمذهب أنه يُنقض حكمه لأنه خالف ما يعتقده وهو بنفسه يقر بأن الحكم باطل.

والقول الثاني: إنه لا يُنقض؛ لأنه حكم حكمًا موافقًا لاجتهاد بعض العلماه؛ لأنا لا ندري الصواب فيما يعتقد أو فيما حكم به، ولكن الصحيح أنه ينقض، وأن الحكم إذا حكم بما يخالف نصًّا أو إجماعًا قطعيًّا أو ما يعتقده؛ فإنه ينقض ولا بد، ولو لم تقل بذلك؛ لصار تلاعب بالأحكام، أي: لصار الحكم بالهوى لا بما يرى أن الحق فيه والهدى. (ع).

ص: 20

على ما يدعيه أو الإسلام المتجدد (1) على تقدير صحة ما اتهم به؟

وقد قال الخرقي (2): ومن شهد عليه بالردة، فقال: ما كفرت، فإن شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه؛ لم يكشف عن شيء، قال في "المغني"(3)؛ لأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي؛ فكذلك المرتد، قال:"ولا حاجة في ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته".

ونقل محمد بن الحكم عن أحمد فيمن أسلم من أهل الكتاب ثم ارتد فشهد قوم عدول أنه تنصر أو تهو، وقال هو: لم أفعل، [بل](4) أنا مسلم، قال: أقبَل قولُه ولا أقبلُ شهادتهم. وذكر كلامًا معناه أن إنكاره أقوى من الشهود.

وكذلك نقل عنه أبو طالب في رجل تَنَصَّر، فأخذ، فقال: لم أفعل؛ قال: يقبل منه، وعلل بأن المرتد يستتاب لعله يرجع، فيقبل منه، فإذا أنكر بالكلية؛ فهو أولى بالقبول، وليس في هذه الرواية أنه تثبت (5) عليه الردة، ولا فيها أنه وجد منه غير إنكار الردة.

(1) في (ج): "المجدد"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

انظر: "المغني"(9/ 27/ 7109).

(3)

في "المغني"(9/ 28/ 7112): "ولأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي، فكذلك إسلام المرتد، ولا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته، وكلام الخرقي محمول على من كفر بجحد الوحدانية، أو جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أو جحدهما معًا، فأما من كفر بغير هذا؛ فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده. . ." إلى آخر ما قال.

(4)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(5)

كذا في (ب)، وفي (ج):"تثبت"، وفي المطبوع:"ثبت".

ص: 21

وأما مسألة محمد بن الحكم؛ ففيها أنه قال: أنا مسلم، وذلك يحصل به الإسلام؛ [فهو](1) كالشهادتين، وظاهر كلام أحمد يدل على أن إنكاره يكفي في الرجوع إلى الإسلام، ولو ثبتت عليه الردة بالبينة، وهو خلاف قول أصحابنا، وأما إن ثبت كفره [بإقراره](2)[عليه](2)، ثم أنكر؛ ففي "المغني"(3) يحتمل أن لا يقبل إنكاره، وإن سلمنا؛ فلأن الحد هنا وجب بقوله، فقبل (4) رجوعه عنه، بخلاف ما ثبت بالبينة كما في حدِّ الزِّنا.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (ج)، وما بين المعقوفتين الأخرتين؛ فهو من المطبوع فقط.

(3)

انظر: "المغني"(9/ 27/ 7110).

(4)

في المطبوع: "فيقبل".

ص: 22

(القاعدة التاسعة والستون)

العقد الوارد على عمل معين.

إما أن يكون لازمًا ثابتًا في الذمة بعوض؛ كالإجارة؛ فالواجب تحصيل ذلك العمل، ولا يتعين أن يعمله المعقود معه إلا بشرط أو قرينة تدل عليه، وإما أن يكون غير لازم، وإنما يستفاد التصرف فيه بمجرد الإذن؛ فلا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه في عمله إلا بإذن صريح أو قرينة دالة عليه، ويتردد بين هذين من كان تصرفه (1) بولاية؛ إما ثابتة بالشرع كولي النكاح، أو بالعقد؛ كالحاكم وولي اليتيم.

فأما (2) الأول؛ فله صور:

- منها: الأجير المشترك، فيجوز له الاستنابة في العمل لأنه ضمن تحصيله لا عمله بنفسه، واستثنى الأصحاب من ذلك أن يكون العمل متفاوتًا (3) كالفسخ؛ فليس له الاستنابة فيه بدون إذن المستأجر صريحًا، ونقلت من خط القاضي على ظهر جزء من "خلافه" قال: نقلت من "مسائل ابن أبي حرب [الجَرْجَرَائي"] (4): سمعت أبا عبد اللَّه سئل قال: دفعت ثوبًا

(1) كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع:"تصرف".

(2)

في المطبوع: "أما".

(3)

كتب في هامش (ب) هنا: "يعني: أن الأغراض في متفاوتة".

(4)

في المطبوع و (ج): "الجرجاني"، والتصويب من (ب).

ص: 23

إلى خياط فقطَّعه ثم دفعه إلى آخر ليخيطه. قال: هو ضامن. ولعل هذا فيما دلت الحال على وقوع العقد [فيه](1) على خياطة المستأجر؛ لجودة صناعته وحذقه وشهرته بذلك؛ [فلا يرتضي](2) المستأجر بعمل غيره، والمذهب الجواز بدون القرينة، وعليه بنى الأصحاب صحة شركة الأبدان حتى أجازوها مع اختلاف الصنائع على أحد الوجهين.

وكذلك لو استأجر أجير لعمل وهو لا يحسنه، ففي الصحة وجهان؛ لأن العقد وقع على ضمان تسليم العمل وتحصيله لا على المباشرة.

- ومنها: لو أصدقها عملًا معلومًا مقدرًا بالزمان أو بغيره، وقلنا: يصح ذلك؛ فهو كالأجير المشترك.

وأما الثاني، وهو المتصرف بالإذن المجرد؛ فله صور:

- منها: الوكيل، وفي جواز توكيله بدون إذن روايتان معروفتان؛ إلا فيما اقتضته دلالة الحال، مثل أن يكون العمل لا يباشره مثله أو يعجز عنه لكثرته؛ فله الاستنابة بغير خلاف، لكن هل [له](3) الاستنابة في الجميع، أو في القدر المعجوز عنه خاصة؟

على وجهين، والأول اختيار صاحب "المغني"(4)، والثاني قول القاضي وابن عقيل.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في المطبوع: "ولا يرضى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

انظر: "المغني"(5/ 57/ 3748).

ص: 24

- ومنها: العبد المأذون له (1)، وفيه طريقان:

أحدهما: أنه كالوكيل، وهو المذكور في "الكافي"(2) لأنه استفاد التصرف بالإذن؛ [فهو](3) كالوكيل.

والثاني: ليس له الاستنابة بدون إذن أو عرف بغير خلاف، وهو ما ذكره في "التلخيص" لقصور العبد في أملاكه وتصرفاته، فلا يملك التصرف بدون إذن أو قرينة.

- ومنها: الصبي المأذون له، وهو كالوكيل، ذكره في "الكافي"(2).

- ومنها: الشريك والمضارب، وفيهما طريقان:

أحدهما: أن حكمهما حكم الوكيل على الخلاف فيه، وهي طريقة القاضي والأكثرين.

والثاني: يجوز لهما التوكيل بدون إذن، وهو المجزوم به في "المحرر"(4) وكذلك رجحه أبو الخطاب في "رؤوس المسائل"؛ لعموم تصرفهما وكثرته وطول مدته غالبًا، وهذه قرائن تدل على الإذن في التوكيل في البيع والشراء.

وكلام ابن عقيل يشعر بالتفريق بين المضارب والشريك؛ فيجوز للشريك التوكيل لأنه علل بأن الشريك استفاد بعقد الشركة ما هو دونه، وهو

(1) في المطبوع: "له فيه وفيه"، ولعل الصواب حذفها.

(2)

انظر: "الكافي"(2/ 241) لابن قدامة المقدسي.

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

انظر: "المحرر"(1/ 349).

ص: 25

الوكالة؛ لأنها أخص والشركة أعم؛ فكان له الاستنابة في الأخص، بخلاف الوكيل؛ فإنه استفاد بحكم العقد مثل العقد، وهذا يدل على إلحاق المضارب بالوكيل.

وهذا الكلام في توكيلهما في البيع والشراء، فأما دفع المضارب المال مضاربة إلى غيره؛ فلا يجوز بدون إذن صريح، نص عليه أحمد، وعلل بأنه إنما ائتمنه على المال؛ فكيف يسلمه إلى غيره؟! وحكى فيه رواية أخرى بالجواز.

وأما الثالث، وهو المتصرف بالولاية؛ فمنه ولي اليتيم، وفيه طريقان:

أحدهما: أنه كالوكيل، وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني"(1)؛ لأن تصرفه بالإِذن؛ فهو كالوكيل.

والثاني: أنه يجوز التوكيل، بخلاف الوكيل، رجحه (2) القاضي وابن عقيل أيضًا في كتاب "الوصايا"(3) وأبو الخطاب، وجزم به في "المحرر"(4)؛ لأنه متصرف (5) بالولاية، وليس وكيلًا محضًا؛ فإنه يتصرف بعد الموت، بخلاف الوكيل، ولأنه تعتبر (6) عدالته وأمانته، وهذا شأن الولايات، ولأنه

(1) انظر: "المغني"(4/ 167/ 3144).

(2)

في المطبوع: "ورجحه".

(3)

لعله جزء من كتاب "الفصول" ويسمّى "كفاية المغني"، ومضى التعريف به (1/ 119)، ولم يذكر المصنف (ابن رجب) في ترجمة (ابن عقيل) من "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 156) كتابًا بعنوان "الوصايا"!

(4)

"المحرر"(1/ 349 - 350).

(5)

في (ج): "يتصرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

في المطبوع و (ب): "يعتبر".

ص: 26

لا يمكنه الاستئذان [و](1) تطول مدته ويكثر تصرفه، بخلاف الوكيل.

هذا في توكيله، فأما في وصيته إلى غيره؛ ففيها روايتان منصوصتان، واختار المنع أبو بكر والقاضي.

- ومنها (2): الحاكم؛ هل له أن يستنيب غيره من غير إذن [له](3) في ذلك؟

[وفيه](3) طريقان:

أحدهما: طريق القاضي في "المجرد" و"الخلاف": أنه كالوكيل على ما مر فيه.

والثاني: وهو طريق القاضي في "الأحكام السلطانية"(4) وابن عقيل وصاحب "المحرر"(5): أن له الاستخلاف قولًا واحدًا.

ونص عليه أحمد في "رواية مهنا" بناءً على أن القاضي ليس بنائب للإِمام، بل هو ناظر للمسلمين لا عمن ولاه، ولهذا لا [ينعزل](6) بموته ولا بعزله على ما سبق؛ فيكون حكمه في ولايته حكم الإمام، بخلاف الوكيل، ولأن الحاكم يضيق عليه تولي جميع الأحكام بنفسه، ويؤدي ذلك إلى

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أو".

(2)

في (ب): "ومنه"، والصواب "ومنها" يعود الضمير على قوله:"صُوَر" في أول القاعدة.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

"الأحكام السلطانية"(ص 23، 25).

(5)

"المحرر"(1/ 349).

(6)

في المطبوع: "يعزل".

ص: 27

تعطيل مصالح الناس العامة، فأشبه من وكل فيما لا يمكه مباشرته عادة (1) لكثرته، ومنه ولي النكاح، فإن كان مجبرًا، فلا إشكال في جواز توكيله؛ لأن ولايته ثابتة شرعًا من غير جهة المرأة، ولذلك لا يعتبر معه إذنها، وإن كان غير مجبر؛ ففيه طريقان:

أحدهما: أنه كالوكيل، وهي طريقة القاضي؛ لأنه متصرف بالإذن.

والثاني: أنه يجوز له التوكيل قولًا واحدًا، وهو طريق صاحب "المغني"(2) و"المحرر"(3)؛ لأن ولايته ثابتة بالشرع من غير جهة المرأة، فلا تتوقف (4) استنابته على إذنها؛ كالمجبر، وإنما افترقا في (5) اعتبار إذنها في صحة النكاح، ولا أثر لها ها هنا.

* * *

(1) في (ب): "عادته"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

انظر: "المغني"(5/ 57 - 58/ 3751).

(3)

"المحرر في الفقه"(2/ 15).

(4)

في (ب): "يتوقف".

(5)

في المطبوع: "على".

ص: 28

(القاعدة السبعون)

الفعل المتعدي إلى مفعول أو المتعلق بظرف أو مجرور إذا كان مفعوله أو متعلقه عامًّا؛ فهل يدخل الفاعل الخاص في عمومه، أم يكون ذكر الفاعل قرينة مخرجة له من العموم، أو يختلف ذلك بحسب القرائن؟

فيه خلاف في المذهب، والمرجح فيه التخصيص؛ إلا مع التصريح بالدخول أو قرائن تدل عليه، وتترتب على ذلك صور متعددة:

- منها: النهي عن الكلام والإمام يخطب لا يشمل الإمام على المذهب المشهور.

- ومنها: الأمر بإجابة المؤذن؛ هل يشمل المؤذن نفسه؟

المنصوص ها هنا الشمول، والأرجح عدمه؛ طردًا للقاعدة (1).

(1) قال شيخنا الألباني في "تمام المنة"(ص 158) معقِّبًا على قول السيد سابق: "الجهر بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم عقب الأذان غير مشروع، بل هو محدث مكروه"، قال حفظه اللَّه:"قلت: مفهومه أن الإسرار بها سنة، فأين الدليل على ذلك؟ فإن قيل: هو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليَّ. . .". . .؛ فالجواب: إن الخطاب فيه للسامعين المأمورين بإجابة المؤذن، ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلَّا؛ لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، وهذا لا قائل به، والقول به بدعة في الدين. . ." اهـ. =

ص: 29

- ومنها: إذا أذن السيد (1) لعبده في التجارة، لم يملك أن يؤجر نفسه، وللمنع مأخذ آخر، وهو أن المنافع ليست من أموال التجارة، ذكره القاضي.

- ومنها: إذا أذن السيد لعبده أن يعتق عن كفارته من رقيق السيد؛ لم يملك أن يعتق نفسه، وخرجها أبو بكر على وجهين، وهذا يتمشى على طريقته وطريقة ابن حامد والمتقدمين: أن تكفير العبد بالمال لا ينبني على ملكه بالتمليك، بل يكفر به [بإذن](2) السيد وإن لم يملكه، وإلا، فلو [ملكه](3) نفسه؛ لانعتقت عليه قهرًا، ولم تجزئه عن الكفارة.

- ومنها: هل يكون الرجل مصرفًا لكفارة نفسه؟

في المسألة روايتان، ثم من الأصحاب من يحكيهما في غير كفارة الجماع في رمضان؛ لورود النص فيها (4)، ومنهم من [حكاهما](5) في

= قلت: وهو (أي: المؤذن) وإن كان يدخل تحت العموم لغةً؛ إلا أن هذا العموم لم يجر عليه عمل السلف الصالح، فكان غير داخلٍ فيه شرعًا، فكان العمل به غير جائز.

(1)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(2)

في المطبوع: "إذن".

(3)

في المطبوع: "ملك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع و (ب): "حكاها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدَّق عليه فَلْيكَفِّر، 4/ 163/ رقم 1936، وباب المجامع في رمضان هل يُطعِمُ أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج، 4/ 173/ رقم 1937، وكتاب الهبة، باب إذا وهب هبةً فقبضها الآخرُ ولم بقل قَبِلْتُ، 5/ 223/ رقم 2600، وكتاب النفقات، باب نفقة المعسر على أهله، 9/ 513/ رقم 5368، وكتاب الأدب، =

ص: 30

الجميع، وجعل ذلك خصوصًا للأعرابي [أو إسقاطًا للكفارة](1) عنه؛ لعجزه وكونها لا تفضل عنه.

واختلفوا في محل الخلاف؛ فقيل: هو إذا كفر الغير عنه بإذنه؛ هل يجوز له أن يصرفها إليه أم لا؟ بناءً على أن التكفير من الغير عنه لا يستلزم دخولها في ملكه قبل ملك الفقير لها؛ كما تقدم مثله في العتق، وقيل: بل

= باب التبسّم والضّحك، 10/ 503/ رقم 6087، وكتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل:"ويلك"، 9/ 552/ رقم 6164، وكتاب كفارات الأيمان، باب قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. . .} ، 9/ 595/ رقم 6709، وباب من أعان المعسر على الكفارة، 9/ 596/ رقم 6710، وباب يعطى في الكفارة عشرة ما بين قريبًا كان أو بعيدًا، 9/ 596 - 597/ رقم 6711، وكتاب الحدود، باب من أصاب ذنبًا دون الحدّ فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة، 12/ 131 - 132/ رقم 6821 - مختصرًا)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، 2/ 781 - 782/ رقم 1111)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:"بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه! هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر -والعرق: المكتَل-؛ قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول اللَّه؟ فواللَّه ما بين لابَتَيْها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". أحد ألفاظ البخاري.

وورد نحوه من حديث خولة بنت الصامت في كفارة الظهار، خرجته في تحقيقي لـ"تالي التلخيص" للخطيب البغدادي (رقم 170).

(1)

في المطبوع: "وأسقاط الكفارة"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 31

إذا تصدق عليه بها لفقره؛ هل يجوز أن يأكلها وتكون كفارة أم لا؟ وهي طريقة ابن أبي موسى.

- ومنها: هل يكون الرجل مصرفًا لزكاته؟

إذا أخذ [ها](1) الساعي منه؛ فقد برئت ذمته منها، فله أن يعيدها إليه بعد ذلك، هذا هو المنصوص عن أحمد واختيار القاضي؛ لأن عودها إليه ها هنا بسبب متجدد؛ فهو كإرثه لها، ولا نقول: إنه قبضها عن زكاة ماله؛ لأنه بريء من زكاة ماله بقبض الساعي، وإنما يأخذها من جملة الصدقات المباحة له.

وقال أبو بكر: مذهب أحمد لا يحل له أخذها، ذكره في زكاة الفطر، وعلل بأنها طهرة؛ فلا يجوز أن يتطهر بما قد تطهر به، وهكذا الخلاف في رد الإمام خمس الفيء والغنيمة على من أخذها منه.

وأما إسقاطها قبل القبض؛ فلا يجوز لأن الإبراء من الدين لا يسقط الزكاة ولا الخمس، بل يجب فيها القبض، بخلاف الخراج والعشر المأخوذ من تجار أهل الكتاب؛ لأنه فيء؛ فيجوز للإمام إسقاطه [عمن](2) هو واجب عليه إذا رأى فيه المصلحة، فكذلك (3) خمس الزكاة إذا قيل:[هو](4) فيء.

- ومنها: هل يكون الواقف مصرفًا لوقفه كما إذا وقف [شيئًا](5) على

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ممن".

(3)

في المطبوع و (ج): "وكذلك".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إنه".

(5)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

ص: 32

الفقراء ثم افتقر؟

فإنه يدخل على الأصح، ونص عليه أحمد في رواية المروذي، وكذلك (1) لو انقطع مصرف الوقف، وقلنا: يرجع إلى أقاربه وقفًا، وكان الواقف حيًّا؛ هل يرجع إليه؟

على روايتين حكاهما ابن الزاغوني في "الإقناع"، وجزم ابن عقيل في "المفردات" بدخوله.

وكذلك لو وقف على أولاده وأنسالهم (2) أبدًا، على أنه من تُوفي منهم عن غير ولد؛ رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه، فتُوفي أحدُ أولاده عن غير ولد، والأب الواقف حي؛ فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا؟

يخرج على ما قبلها.

والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه.

- ومنها: الوكيل في البيع؛ هل له الشراء من نفسه؟

فيه روايتان معروفتان، وللمنع مأخذان:

أحدهما: التهمة وخشية ترك الاستقصاء في الثمن.

والثاني: أن سياق التوكيل في البيع يدل على إخراجه من جملة المشترين؛ لأنه جعله بائعًا فلا يكون مشتريًا.

(1) في (ب): "وكذا".

(2)

في المطبوع: "وأنسابهم لهم"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 33

وهذان المأخذان ذكرهما القاضي وغيره.

والثالث: أنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد بنفسه، ويأخذ بإحدى يديه من الأخرى، فإذا وكلا رجلًا يشتري له منه؛ جاز، نقل ذلك حنبل عن أحمد.

فعلى المأخذ الأول لا يجوز له البيع ممن يتهم بمحاباته (1) أيضًا، وهو من (2) لا تقبل شهادته له، ومنهم من خصه بمن له عليه ولاية وهو ولده الصغير دون من لا ولاية له عليه، وهي طريقتا (3) القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني"(4).

وعلى الثاني والثالث يجوز له البيع من غيره إذا كان أهلًا للقبول.

ويجوز على المأخذ الثالث أيضًا أن يوكل من يشتري له، لاندفاع محذور اتحاد (5) الموجب والقابل؛ وإن وكل من يبيع السلعة ويشتريها هو، فذكر ابن أبي موسى: أنه إن كان مأذونًا له في التوكيل في البيع؛ جاز الشراء من وكيله قولًا واحدًا بناءً على أن الوكيل (6) الثاني وكيل للموكل الأول؛ فكأنه اشترى السلعة من مالكها، وإن كان لم يأذن له في التوكيل؛ انبنى على جواز توكيله بدون إذن، فإن أجزناه؛ صح البيع، وإلا؛ فلا، فيحتمل

(1) في المطبوع: "بمحاباة".

(2)

في المطبوع: "ممن".

(3)

في المطبوع: "طريققا"، وهو خطأ مطبعي.

(4)

"المغني"(5/ 68/ 3767) لابن قدامة.

(5)

في المطبوع: "إيجاد".

(6)

في المطبوع: "أن هذا الوكيل".

ص: 34

أن يكون مأخذ الصحة أن الوكيل الثاني وكيل للموكل (1)، ويدل عليه تعليله بذلك في صورة الإذن في مسألة النكاح، ويحتمل أن يعتبر التوكيل؛ لئلا يتحد الموجب والقابل مع أن هذا منتقص بالأب في مال ولده الطفل.

وأما رواية الجواز؛ فاختلف في حكاية شروطها على طرق:

أحدها: أنه يشترط الزيادة [على](2) الثمن الذي ينتهي إليه الرغبات في النداء، وفي اشتراط أن يتولى النداء غيره وجهان، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل.

والثاني: أن المشترط التوكيل المجرد؛ كما هي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي.

والثالث: أن المشترط أحد أمرين: إما أن يوكل من يبيعه على قولنا بجواز ذلك، وإما أن يزيد (3) على ثمنه في النداء، وهي طريقة القاضي في "خلافه" وأبي الخطاب، وأما إن باع الوكيل واشترط على المشتري أن يشركه فيه؛ فهل يجوز أم لا؟

على روايتين:

إحداهما: يجوز، نقلها أبو الحارث في الوكيل يبيع ويستثني لنفسه الشركة، أرجو ألا يكون به بأس.

(1) في المطبوع: "للموكل الأول".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "في"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع و (ب): "الزيادة".

ص: 35

والثانية: تكره، نقلها ابن منصور (1) في رجل يدفع إليه الثوب يبيعه، فإذا باعه؛ قال: أشركني فيه. قال: أكره هذا.

فأما إن أذن له الموكل في الشراء من نفسه، فإنه يجوز، قال كثير من الأصحاب رواية واحدة، بخلاف النكاح، وحكى الشيخ مجد الدين فيه وجهًا آخر بالمنع (2)؛ قال: وهل يكون حضور الموكل وسكوته كإذنه؟

يحتمل وجهين، أشبههما بكلام أحمد المنع.

ونقل أحمد بن نصر الخفاف عن أحمد فيمن له على رجل خمسون دينارًا، فوكله في بيع داره ومتاعه ليستوفي حقه، فباعها بدراهم ليصارف نفسه ويأخذها بالدنانير؛ لم يجز، ولكن يبيعها ويستقضي ويأخذ حقه.

قال القاضي: ظاهر كلامه أنه لا يجوز له بيعها بغير جنس حقه ليستوفي منه؛ لأن التهمة موجودة في عقد الصرف لنفسه من نفسه، وإنما أذن له في الاستيفاء ولم يأذن له في المصارفة، فإذا باعها بجنس حقه؛ فله الاستيفاء منها بالإِذن لأن يده كيد موكله؛ فهو يقبض من يد غيره لنفسه، لكن هذه العلة موجودة في شراء [الوكيل لنفسه](3) من نفسه.

وكذلك حكى في "الخلاف" في المسألتين روايتين، وجعلها

(1) في "مسائله"(ص 244/ رقم 86)، ونصها: "قلت: الرجل يدفع إليه الثوب ليبيعه، فإذا باعه، قال: أشركني فيه؟ قال [أي: أحمد]: أكره هذا.

قال إسحاق: إذا كان صاحبه يعلم ذاك، فلا بأس به".

(2)

انظر: "المحرر"(1/ 349).

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الموكل"، وفي (ج) سقطت كلمة "لنفسه".

ص: 36

صاحب "التلخيص" رواية بجواز (1) توكيل الوكيل في إيفاء نفسه من جنس حقه خاصة، وأنكر الشيخ مجد الدين أن يكون فيه (2) دلالة على المنع من (3) البيع بغير جنس الحق، لا سيما إن كان جنس الحق غير نقد البلد.

وحمل قول أحمد ببيعها على [أن](4) الدراهم التي هي الثمن، وبنى ذلك على قولنا بمنع الوكيل من البيع من نفسه، فأما على قولنا بجوازه؛ [فإنه يجوز](5) له ها هنا مصارفة نفسه.

- (ومنها): شراء الوكيل لموكله من ماله، وحكمه حكم شراء الوكيل من مال موكله، ذكره ابن أبي موسى وغيره.

وفي "مسائل ابن هانئ"(6) عن أحمد فيمن بعث إليه بدراهم ليشتري بها من بعض المواضع، فبعث إليهم بما عنده و [يُبالغ](7) في الاستقصاء، قال: لا يعجبني (8) أن يبعث إليهم مما (9) عنده حتى يبين أنه

(1) في (ج) والمطبوع: "يجوز أن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج):"فيها".

(3)

في المطبوع: "مدة".

(4)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "فإن".

(6)

انظر: "مسائل ابن هانئ"(2/ 16/ 1233).

(7)

كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج):"بالغ".

(8)

في المطبوع: "قال: مما لا يعجبني"، ولعل الصواب حذفها كما في "مسائل ابن هانئ"(2/ 16/ 1233).

(9)

كذا في (ب)، ولعله الصواب كما في "مسائل ابن هانئ"، وفي (ج) والمطبوع:"بما".

ص: 37

قد بعث إليهم من المتاع الذي عنده.

- (ومنها): شراء الوصي من مال اليتيم، وحكمه حكم شراء الوكيل، وفيه روايتان منصوصتان، ولم يذكر ابن أبي موسى فيه سوى المنع، وكذلك حكم الحاكم وأمينه في مال اليتيم، ويتوجه التفريق بين الحاكم وغيره؛ فإن الحاكم ولايته غير مستندة إلى إذن؛ فتكون عامة، بخلاف من [استندت](1) ولايته إلى إذن من غيره في التصرف، فإن إطلاق الإِذن له يقتضي أن يتصرف مع غيره لا مع نفسه كما سبق، وقد اعتمد القاضي على هذا الفرق بين تصرف الأب وغيره.

- (ومنها): الوكيل في نكاح امرأة ليس له أن يتزوجها لنفسه على المعروف من المذهب، و [قد](2) ذكر ابن أبي موسى أنه إن أذن له الولي في التوكيل فوكل غيره فزوجه؛ صح، وكذا إن لم يأذن له وقلنا للوكيل أن يوكل مطلقًا، فأما من له ولاية بالشرع؛ كالولي والحاكم وأمينه؛ فله أن يزوج نفسه؛ وإن قلنا: ليس لهم أن يشتروا من المال، ذكره القاضي في "خلاف"، وفرق بأن المال القصد منه الربح، وهذا يقع فيه التهمة، بخلاف النكاح؛ فإن القصد منه الكفاءة وحسن العشرة، فإذا وجد ذلك؛ صح، وألحق أيضًا الوصي بذلك.

وفيه نظر، فإن الوصي يشبه الوكيل لتصرفه بالإِذن، وسواء في ذلك اليتيمة وغيرها، صرح به القاضي في ذلك، وذلك حيث يكون لها إذن معتبر، ومتى زوج أحد من هؤلاء نفسه بإذن المرأة من غير توكيل، بل مباشرة

(1) في المطبوع: "أسندت".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ج).

ص: 38

لطرفي العقد؛ ففي صحته روايتان، وإن وكل في أحد الطرفين؛ فقال أكثر الأصحاب: يصح رواية واحدة، وأنكر ذلك ابن عقيل وقال: متى قلنا: لا يصح أن يتولاه بنفسه؛ لم يصح عقد وكيله له لأن وكيله [قائم](1) مقام نفسه، واستثنى من ذلك الإمام إذا أراد أن يتزوج امرأة ليس لها ولي؛ فإنه يتزوجها بولاية أحد نوابه؛ لأن نوابه نواب عن المسلمين لا عنه فيما يخصه.

- (ومنها): إذا عمل أحد الشريكين في مال الشركة عملًا يملك الاستئجار عليه ودفع الأجرة، فهل له أن يأخذ الأجرة أم لا؟

على روايتين.

- (ومنها): الموصى إليه بإخراج مال لمن يحج أو يغزو؛ ليس (2) له أن يأخذه ويحج به ويغزو، نص عليه أحمد في "رواية أبي داود"(3)، وقال:"هو متعد؛ لأنه لم يأمره"، وهذا تصريح بأن مأخذ المنع عدم تناول اللفظ له.

- (ومنها): المأذون له أن يتصدق بمال؛ هل له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة؟

المذهب أنه لا يجوز، ونص عليه أحمد في "رواية ابن بختان"(4)،

(1) في المطبوع: "قام".

(2)

في المطبوع: "وليس"، ولعل الصواب حذف الواو.

(3)

نحوه في "رواية أبي داود"(ص 213).

(4)

هو يعقوب بن إسحاق بن بختان أبو يوسف، قال الخلال:"روى عن أبي عبد اللَّه مسائل صالحة كبيرة، لم يروها غيره في الورع، ومسائل صالحة في السلطان".

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(1/ 415 - 416)، و"المنهج الأحمد"(ترجمة رقم 543).

ص: 39

وذكر في "المغني"(1) احتمالين آخرين:

أحدهما: الجواز مطلقًا.

والثاني: الرجوع إلى القرائن، فإن دلت قرينة على الدخول؛ جاز الأخذ، أو على عدمه؛ لم يجز.

ومع التردد يحتمل وجهين، والجواز متخرج من مسألة شراء الوكيل، وأولى؛ إذ لا عوض ها هنا [يبتغى](2)، وهو أمين على المال يتصرف فيه بالمصلحة، ولكن الأولى سد الذريعة؛ لأن محاباة النفس لا [تؤمن](3)، وعلى هذا؛ فهل له أن يعطيه من لا تقبل شهادته له؟

فيه وجهان:

أشهرهما: المنع.

والثاني: الجواز، اختاره صاحبا "المغني"(4) و"المحرر"(5).

(1) انظر: "المغني"(2/ 273/ 1778) نحوه.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ينبغي"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يؤمن".

(4)

انظر: "المغني"(2/ 276/ 1785).

واستدل هناك على جواز إعطائهم من صدقة التطوع دون صدقة الفرض بقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، قال:"ولم يكن الأسير يومئذٍ إلا كافرًا".

واستدل أيضًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت:"قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة، فقلت: يا رسول اللَّه! إن أمي قدمتْ عليَّ وهي راغبة؛ أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمك" اهـ وبغيرهما.

(5)

نحوه في "المحرر"(1/ 223).

ص: 40

- (ومنها): إذا وكل غريمه أن يبرئ غرماءه؛ لم يدخل فيهم بمطلق العقد، فإن سماه أو وكله وحده؛ جاز ذلك؛ كما قلنا في البيع من نفسه على الأصح. ذكره في "شرح الهداية"، وعزاه إلى القاضي وابن عقيل، قال: والفرق على الوجه الآخر افتقار البيع إلى الإيجاب والقبول، [يعني](1) بخلاف الإبراء.

- (ومنها): لو قال في الأيمان ونحوها من التعليقات: من دخل داري، أو قال: من دخل دارك؛ لم يدخل المتكلم في الصورة الأولى، ولا المخاطَب (2) في [الصورة](3) الثانية، ذكره القاضي وغيره.

- (ومنها): الأموال التي تجب الصدقة فيها شرعًا للجهل بأربابها؛ كالغصوب والودائع؛ لا يجوز لمن هي في يده الأخذ منها على المنصوص، وخرج القاضي جواز الأكل له منها إذا كان فقيرا على الروايتين في [جواز](4) شراء الوصي من نفسه، كذا نقله عنه ابن عقيل في "فنونه"، وأفتى به الشيخ تقي الدين (5) في الغاصب الفقير إذا تاب.

وعلى المذهب؛ فيخرج (6) في إعطاء من لا تقبل شهادته له الوجهان، والمنصوص عن أحمد أنه لا يحابي بها (7) أصدقاءه، بل يعطيهم أسوة

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع: "المخاطب بها".

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(5)

نحوه في "مجموع الفتاوى"(30/ 327).

(6)

في المطبوع: "يتخرج".

(7)

في المطبوع: "به"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 41

غيرهم، نقله عنه صالح (1)، وكذا نقل عنه المروذي إذا دفعها إلى أقارب له محتاجين إن كان على طريق المحاباة لا يجوز، وإن كان لم يحابهم؛ فقد تصدق، ونقل عنه حرب إذا كان له أخوان محاويج قد كان يصلهم؛ أيجوز له أن يدفعها إليهم؟ فكأنه استحب أن يعطي غيرهم، وقال: لا يحابي بها أحدًا، والظاهر أنه جعل إعطاءهم مع اعتبار صلتهم محاباة؛ فلذلك (2) استحب العدول عنهم بالكلية.

تنبيه:

لو وصى لعبده بقلث ماله؛ دخل في الوصية ثلث العبد نفسه؛ فيعتق عليه، نص عليه، ويكمل عتقه من باقي الوصية؛ لأن ملكه للوصية مشروط بعتقه، فكذلك (3) دخل في عموم المال الموصى به ضرورة صحة الوصية له] (4).

(1) الذي في "رواية صالح"(1/ 281 - 282/ 223): "وسألته عن رجل له أهل بيت لا يقيمون الصلوات، ولا يعرفون السنن والفرائض، وفي جيرانه قوم يقيمون الصلاة والفرائض والسنن؛ أيضع زكاة ماله في جيرانه هؤلاء، أو في أهل بيته؟ قال: ينبغي له أن يعلمهم الفرائض والسنن، وزكاته هم أولى بها حينئذ، وإذا كانت حاجتهم وحاجة غيرهم سواء؛ فالقرابة أولى، ويقال: لا يحابى بها قريب، ولا تمنع من بعيد، وإنما هو حق اللَّه في المال" اهـ.

وانظر: "مسائل عبد اللَّه"(148 - 149/ 550 - 551)، و"مسائل ابن هانئ"(1/ 112 - 113/ 553، 557)، "مسائل أبي داود"(82 - 83).

(2)

كذا في (ب)، وفي المطبوع:"فكذلك"، وفي (ج):"مع اعتقاد صلتهم محاباة؛ فلذلك".

(3)

في (ج): "فلذلك".

(4)

من أواخر القاعدة الستين إلى هنا سقط من (أ).

ص: 42

(القاعدة الحادية والسبعون)

فيما يجوز الأكل منه من الأموال بغير إذن مستحقيها.

وهي نوعان: مملوك تعلق به حق الغير، ومملوك للغير.

فأما الأول؛ فهو مال الزكاة، فيجوز الأكل مما تتوق إليه النفوس (1) ويشق الانكفاف عنه من الثمار بقدر ما يحتاج إليه من ذلك، ويطعم الأهل والضيفان، ولا يحتسب زكاته، وكذلك (2) يجب على الخارص أن يدع في خرصه الثلث أو الربع بحسب ما يقتضيه الحال من كثرة الحاجة وقلَّتها؛ كما دلت عليه السنة (3)، فإن استبقيت ولم تؤكل رطبة؛ رجع عليهم بزكاتها، وأما

(1) في المطبوع: "الأنفس".

(2)

في (ب): "بزكاته".

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب الزكاة، باب في الخرص، رقم 1605)، والنسائي في "المجتى"(كتاب الزكاة، باب كم يترك الخارص، 5/ 42)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الزكاة، باب ما جاء في الخَرْص، رقم 643)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 194 - 195)، وأحمد في "المسند"(4/ 2 - 3، 3)، وابن خزيمة في "الصحيح"(رقم 2319، 2320)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(4/ 103/ رقم 2073)، والطبراني في "الكبير"(6/ 120)، وابن حبان في "الصحيح"(8/ 75/ رقم 3280)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 39)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 402)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 23)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 352)، من طرق عن شعبة، أخبرني خُبيب بن عبد الرحمن؛ قال: سمعت =

ص: 43

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عبد الرحمن بن مسعود بن نِيَار يقول: "جاء سَهْلُ بن أبي حَثْمَة إلى مجلسنا، فحدَّث أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إذا خَرصْتُم؛ فَخُذوا ودَعوا الثُّلث، فإن لم تَدَعُوا الثُّلث، فدَعوا الرَّبع"".

وإسناده ضعيف من أجل عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير خبيب بن عبد الرحمن، وقال البزار:"تفرد به"، وقال ابن القطان:"لا يعرف حاله".

وانظر: "التلخيص الحبير"(2/ 172).

قال ابن حبان عقبه: "لهذا الخبر معنيان:

أحدهما: أن يُتْرَكَ الثُّلُثُ أو الرُّبعُ من العُشْر.

والثاني: أن يُترك ذلك من نفس التَّمر قبل أن يُعَشَّر إذا كان ذلك حائطًا كبيرًا يحتملُهُ".

(تنبيه):

سقط شعبة من مطبوع "المسند" لأحمد، وصحح الحديث المعلّق على "صحيح ابن خزيمة"، وفات شيخنا التنبيه على ضعفه، على الرغم من أنه حفظه اللَّه وضعه في "ضعيف الجامع"(رقم 476) و"السلسلة الضعيفة"(رقم 2556).

وأخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب خَرص الثمر، 3/ 343/ رقم 1481) عن أبي حُميد السَّاعدي رضي الله عنه ضمن حديث طويل في أوله: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القُرى؛ إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اخرصوا، وخرص رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق".

والخَرْص؛ بفتح المعجمة، وحكي كسرها، وبسكون الراء بعدها مهملة: هو حزر ما على النخل من الرطب تمرًا.

قال الترمذي في "جامعه" عقب الحديث الأول: "والعمل على حديث سهل بن أبي حَثْمة عند أكثر أهل العلم في الخرص، وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول أحمد وإسحاق: والخرص إذا أدركتِ الثمار من الرطب والعنب مما في الزكاة، بعث السلطان خارصًا يخرص =

ص: 44

الزروع؛ فيجوز الأكل منها بقدر ما جرت العادة بأكله فريكًا ونحوه، نص عليه [أحمد](1)، وليس له الإهداء منها، وخرج القاضي في الأكل منها وجهين من الأكل من الزروع التي ليس لها حافظ.

= عليهم، والخرص: أن ينظر من يبصر ذلك فيقول: يخرج من هذا الزبيب كذا وكذا، ومن التمر كذا وكذا، فيحصى عليهم وينظر مبلغ العشر بن ذلك فيثبت عليهم، ثم يخلى بينهم وبين الثمار، فيصنعون ما أحبوا، فإذا أدركتِ الثمارُ أخذ منهم العشر، هكذا فسره بعض أهل العلم، وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق".

ونقله ابن حجر في "الفتح"(3/ 344) وزاد: "وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء؛ لأن في منعهم منها تضييقًا لا يخفى، وقال الخطابي: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفًا للمزارعين؛ لئلا يخونوا لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار. وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرور؛ فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير، وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له، سواء أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الاتباع، وترد هذه الحجة أيضًا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الخراص في زمانه، واللَّه أعلم، واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذًا بدلًا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ؛ فلا ضمان".

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 45

وأما الثاني؛ فينقسم إلى ما له مالك معين وإلى ما له مالك غير معين، فأما ما له مالك غير معين؛ كالهدي والأضاحي؛ فيجوز لمن هي في يده، [وهو](1) المهدي والمضحى أن يأكل منهما ويدخر ويهدي؛ كما دلت عليه السنة (2)، وهل يجوز أكل أكثر من الثلث أم لا؟

على وجهين، أشهرهما الجواز، وهل المستحب أن يقسم الهدي أثلاثًا كالأضاحي أو يتصدق به كله؛ [إلا](3) بما يأكله منه؟

على وجهين.

وأما ما له مالك معين؛ فهو نوعان (4):

أحدهما: أن يكون له عليه ولاية، فإن كانت الولاية عليه لحفظ نفسه كالرهن، فإنه يجوز له [الأكل](5) مما بيده إذا كان ذرا (6) والانتفاع بظهره إذا

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ك".

(2)

يشير المصنف إلى عدّة أحاديث دلت على ذلك؛ منها: ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، رقم 5569)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي، رقم 1974) عن سلمة بن الأكوع؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضحَّى منكم، فلا يُصْبِحَنَّ بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء. فلما كان العامُ المقبل؛ قالوا: يا رسول اللَّه! نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: كلوا، وأطعموا، وادّخروا؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهد، فأردتُ أن تعينوا فيها". لفظ البخاري.

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع:"أو"، وفي (ج):"إلا ما يأكل".

(4)

في المطبوع: "فنوعان".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في المطبوع: "دارًا".

ص: 46

كان مركوبًا؛ لكن بشرط أن يعاوض عنه بالنفقة، وإن كانت الولاية لمصلحة المولى عليه؛ فالمنصوص جواز الأكل منه أيضًا بقدر عمله، ويتخرج على ذلك صور:

- (منها): ولي اليتيم يأكل مع الحاجة بقدر عمله، وهل يرده إذا أيسر؟

على روايتين، واختار ابن عقيل أنه يأكل مع الحاجة وعدمها، ولو فرض الحاكم له (1) شيئًا؛ جاز له أخذه مجانًا بغير خلاف، هذا ظاهر كلام القاضي.

ونص أحمد (2) في "رواية البرزاطي"(3) في الأم الحاضنة: أنها لا تأكل من مال ولدها إلا لضرورة، إلا أن يفرض لها الحاكم في المال حق الحضانة، ووجهه أن من أعطاه غيره؛ فله الأخذ مع الغنى، بخلاف الأخذ بنفسه، ولهذا أجاز للوصي الأخذ إذا شرط له الأب مع غناه، وجاز للولي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يعمل فيه بجزء من ربحه، ولم يجز له إذا عمل فيه بنفسه أن يأخذ، ولهذا المعنى جاز الأخذ لعامل الزكاة مع الغنى؛ لأن المعطي له هو الإمام.

(1) في المطبوع: "الحاكم له" بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع: "ونص عيه أحمد".

(3)

هو الفرج بن الصّباح البرزاطي، قال ابن أبي يعلى:"نقل عن إمامنا أشياء"، وذكر نقلين ليس المذكور منهما، وذكره المرداوي في "الإنصاف" في القاعدة التي في آخر الكتاب، وذكر أنه من المكثرين عن أحمد، ونقل المصنف عنه هنا ست مسائل عن أحمد.

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(1/ 255).

ص: 47

- (ومنها): أمين الحاكم أو الحاكم إذا نظر في مال اليتيم، قال القاضي مرة: لا يأكل، وفرق بينه وبين الوصي بأن الأب له أن يجعل للوصي جعلًا مع وجود متبرع بالنظر في مال اليتيم، والوصي (1) متصرف بإذنه وتوليته، بخلاف أمين الحاكم؛ فإنه لو وجد متبرعًا بالحفظ؛ لم يجز له أن يجعل لأحد جعلًا عليه، وقال مرة: له الأكل كوصي الأب، وأخذه من نص أحمد على أن الحاكم يأخذ على القضاء أجرًا بقدر شغله، وقال: هو مثل ولي اليتيم، وأما الأب؛ فقال القاضي: ليس له الأكل لأجل عمله؛ لغناه عنه بالنفقة الواجبة في ماله، ولكن له الأكل منه بجهة التملك (2) عندنا، وضعف ذلك الشيخ تقي الدين.

- (ومنها): ناظر الوقف والصدقات، ونص أحمد على جواز أكله، [نقل] (3) عنه أبو الحارث (4) أنه قال في والي الوقف: إن أكل منه بالمعروف؛ فلا بأس. قيل له: فيقضى منه دينه؟ قال: ما سمعنا فيه شيئًا.

وكذلك نقل عنه حرب في رجل أوصى إلى رجل بأرض أو صدقة للمساكين، فدخل الوصي الحائط أو الأرض، فتناول بطيخة أو قثاءً أو نحو

(1) في المطبوع: "الولي".

(2)

في المطبوع و (ب): "التمليك".

(3)

في المطبوع: "نقله"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

هو أحمد بن محمد أبو الحارث الصَّائغ، له "مسائل احمد"، قال الخلال:"روى عن أبي عبد اللَّه مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءً، وجوَّد الرواية عن أبي عبد اللَّه".

له ترجمة في: "طبقات الحنابلة"(1/ 74 - 75)، و"المنهج الأحمد"(1/ 363).

ص: 48

ذلك، قال: لا بأس بذلك إذا كان القيم بذلك [أكل](1).

وترجم عليه بعض الأصحاب -وأظنه أبا حفص العكبري-: (الوصي يأكل من الوقف الذي يليه)، وهذا ظاهر في أنه لا يشترط له الحاجة، وخرجه أبو الخطاب على عامل اليتيم، ونقل الميموني عن أحمد أنه ذكر حديث عمر حين وقف فأوصى إلى حفصة (2)، ثم قال أحمد: وليه يأكل منه

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب الشروط، باب في الوقف، 5/ 354 - 355/ رقم 2737، وكتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب، 5/ 399/ رقم 2772)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الوصية، باب الوقف، 3/ 1255/ رقم 1632)، وأبو داود في "سننه"(كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، 3/ 116 - 117/ رقم 2878)، وابن ماجه في "سننه"(كتاب الصدقات، باب من وقف، 2/ 801/ رقم 2396)، وابن خزيمة في "صحيحه"(رقم 2483، 2484، 2485)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 95)، وأبو بكر النجاد في "مسند عمر"(رقم 44)؛ من طرق عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال:"أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره عليها، فقال: يا رسول اللَّه! إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه؛ فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. قال: فتصدق بها عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب. قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل اللَّه، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمول فيه. قال: فحدثُت بهذا الحديث محمدًا، فلما بلغتُ هذا المكان غير متمول فيه؛ قال محمد: غير متأثِّلٍ مالًا".

قال ابن عون: وأنبأني من قرأ هذا الكتاب أن فيه: "غير متأثل مالًا". لفظ مسلم.

وله طرق أخرى كثيرة، ذكرها الدارقطني في "العلل" (2/ 37 - 41) وقال:"وهو حديث صحيح من حديث ابن عون عن نافع"، واعتنى بطرقه أبو بكر النجاد في "مسند عمر"(رقم 44 - 55)، وهذا ما أشار إليه المصنف من أكل الوصي من مال الذي يليه، أما وصية =

ص: 49

بالمعروف إذا اشترط ذلك، ومفهومه المنع من الأكل بدون الشرط، فأما الوكيل في الصدقة؛ فلا يأكل منها (1) شيئًا.

نقل (2) يعقوب ابن بختان عن أحمد في رجل في يده مال للمساكين وأبواب البر، وهو فقير محتاج إليه؛ فلا يأكل منه، إنما أمر أن ينفذ.

وصرح (3) القاضي في "المجرد" بأنَّ من أوصي إليه بتفرقة مال على المساكين أو دفع إليه رجل في حياته مالًا ليفرقه صدقة؛ لم يجز له أن يأكل منه شيئًا بحق قيامه لأنه منفذ، وليس بعامل منم مثمر.

= عمر إلى حفصة؛ فقد أخرجها أبو داود في "سننه"(كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، 3/ 117/ رقم 2879) من طريق الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما كتب عبد اللَّه عمر في ثمغ؛ فقص من خبره نحو حديث نافع، قال: غير متأثل مالًا، فما عفا عنه من ثمره؛ فهو للسائل والمحروم، قال: وساق القصة، قال: وإن شاء وليُّ ثمغ اشترى من ثمره رقيقًا لعمله، وكتب معيقيب وشهد عبد اللَّه بن الأرقم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أوصى به عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، إن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمئة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمئة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها: أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقًا منه".

وبوّب ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 365 - 366): "صورة كتاب وقف عمر رضي الله عنه"؛ أي: في الحديث السابق.

(1)

في المطبوع: "منه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (ج): "ونقل".

(3)

في المطبوع: "وصرح به".

ص: 50

- (ومنها): الوكيل والأجير، والمعروف منعهما من الأكل؛ لاستغنائهما عنه بطلب الأجرة من المؤجر والموكل، لا سيما والأجير قد أخذ الأجرة على عمله.

ونقل حنبل عن أحمد في الولي والوصي (1) إذا كانا يصلحان ويقومان بأمره، فأكلا بالمعروف؛ فلا بأس به بمنزلة الوكيل والأجير.

قال القاضي في "خلافه": وظاهر هذا جواز الأكل للوكيل. [انتهى.

ونقل العباس بن [محمد](2) الخلال (3) عن أحمد فيمن كانت في يده أرض من أرض الخراج؛ هل يأكل مما أخرجت من زرع أو ثمر إذا كان الإِمام يأخذهم بالخراج مساحة، أو صيرها في أيديهم مقاسمة على النصف أو الربع؟ قال: يأكل إلا أن يخاف السلطان، وهذا يدل على جواز أكل الشريك والعامل في المساقاة [ونحوهما](4) من الزرع والثمار بغير إذنه] (5).

النوع الثاني: ما لا ولاية له عليه؛ فيجوز الأكل منه للضرورة بلا

(1) في المطبوع بعد قوله "الولي والوصي": "يأكلان بالمعروف".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "يحيى" والتصويب من (أ) و (ب) و"المقصد الأرشد"(2/ 279/ 783) و"طبقات الحنابلة"(1/ 239) و"المنهج الأحمد"(2/ 434)، وهو عباس بن محمد بن موس الخلّال، قال عنه أبو بكر الخلال رحمه الله:"كان من أصحاب أبي عبد اللَّه الأولين الذين كان يعتدُّ بهم، وكان له قدْرٌ وعلمٌ". انظر المراجع السابقة.

(3)

في (ج) بعد قوله "الخلال": "في المجرد".

(4)

في (ج): "ونحوها".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 51

نزاع، وأما مع عدمها؛ فيجوز فيما تتوق إليه النفوس مع عدم الحفظ والاحتراز عليه، وذلك في صور:

- (منها): الأكل من الأطعمة في دار الحرب وإطعام الدواب المعدة للركوب، فإن كانت للتجارة؛ ففيه روايتان، وإن كانت للتصيد (1) بها؛ فوجهان، وسواء كان محتاجًا (2) إليه أو لم يكن في أشهر الطريقتين (3)، وفي الثانية لا يجوز إلا للحاجة بقدرها.

وفي رد عوضه (4) في المغنم روايتان، وهي طريقة ابن أبي موسى، واختلف الأصحاب في محل الجواز؛ فقيل: محله ما لم يحرزه الإِمام، فإذا أحرزه أو وكل به من يحفظه؛ لم يجز الأكل إلا لضرورة، وهي طريقة الخرقي (5)؛ لأن إحرازه منع من التناول منه، وأما قبل الإحراز؛ فإن حفظه يشق ويتسامح بمثله عادة، وقيل: يجوز الأكل ما داموا في أرض الحرب، وإن أحرز ما لم يقسم -وهي طريقة القاضي- وإن فضلت منه فضلة؛ فهل يجب ردها مطلقًا أو يشترط كثرتها؟

(1) في (ج): "للصيد".

(2)

في المطبوع و (ج): "يحتاج".

(3)

في المطبوع: "الطريقين".

(4)

في المطبوع: "عوضها".

(5)

انظر قوله في "المغني"(9/ 228/ 7568).

وعلَّل ذلك ابن قدامة قائلًا: "لأننا إنما أبحنا أخذه في جمعه؛ لأنه لم يثبت فيه ملك المسلمين بعد، فأشبه المباحات من الحطب والحشيش، فإذا حِزت المغانم ثبت ملك المسلمين فيها، فخرجت عن حيز المباحات وصارت كسائر أملاكهم؛ فلم يجز الأكل منها الا لضرورة، وهو أن لا يجدوا ما يأكلونه؛ فحينئذٍ يجوز؛ لأن حفظ نفوسم ودوابهم أهم".

ص: 52

على روايتين.

- (ومنها): إذا مر بثمر غير محوط (1) ولا عليه ناظر؛ فله أن يأكل منه مع الحاجة وعدمها، ولا يحمل على الصحيح المشهور من المذهب، ولا فرق بين المتساقط على الأرض وما على الشجر؛ كما دلت عليه السنة (2)،

(1) في (ب) و (ج): "محفوظ".

(2)

ورد في ذلك أحاديث عديدة أقواها -كما قال ابن حجر في "الفتح"(5/ 89) - حديثُ أبي سعيد الخدري.

أخرج ابن ماجه في "السنن"(كتاب التجارات، باب من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه، رقم 2300)، وأحمد في "المسند"(3/ 7 - 8، 21، 85 - 86)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 240)، وأبو يعلى في "المسند"(2/ رقم 1244، 1287)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 132)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 359 - 360)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 99)؛ عن يزيد بن هارون، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:"إذا أتى أحدكم على راعٍ، فلينادِ: يا راعي الإِبل -ثلاثًا-! فإن أجابه، وإلا؛ فَلْيَحْلُبْ فَلْيَشْرَب ولا يَحْمِلَنَّ، وإذا أتى أحدُكم على حائطْ بُستانٍ؛ فَلْيُناد ثلاثًا: يا صاحب الحائط! فإن أجابَهُ، وإلا؛ فلْيَأكل ولا يحمل".

قال البيهقي عقبه: "تفرد به سعيد بن إياس الجريري، وهو من الثقات؛ إلا أنه اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه".

قلت: رواية يزيد عن الجريري في "صحيح مسلم"(رقم 1161) بعد (200)، وللحديث شواهد عدّة، منها:

حديث سمرة بن جندب، أخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 2619)، والترمذي في "الجامع" (رقم 1296) -وقال:"وهذا حديث حسن صحيح"-، والطبراني في "الكبير"(7/ رقم 6877، 6878)، والبيهقي في "الكبرى"(9/ 359).

قال ابن حجر في "الفتح"(5/ 89): "إسناد صحيح إلى الحسن؛ فمن صحح سماعه من سمرة صححه، ومن لا، أعلَه بالانقطاع، ولكن له شواهد من أقواها حديث أبي =

ص: 53

وتنزيلًا لتركه بغير حفظ مع العلم بتوقان نفوس المارة إليه منزلة الإِذن في الأكل منه؛ لدلالته عليه عرفًا، مع العلم بتسامح غالب النفوس في بذل يسير الأطعمة، بخلاف المحفوظ بناظر أو حائط، فإن ذلك بمنزلة المنع منه.

وفي المذهب رواية ثانية بجواز الأكل من المتساقط دون ما على الشجر؛ لأن المسامحة في المتساقط أظهر لتسرّع (1) الفساد إليه، ولم يثبتها

= سعيد مرفوعًا".

وذكر المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 438) وابن طولون في "القلائد الجوهرية"(2/ 434): أن لمحمد بن عبد الهادي جزء "الأكل من الثمار التي لا حائط عليها".

وانظر: "الأموال"(1/ 371 - 372) لابن زنجويه.

وقال النووي في "شرح المهذب": "اختلف العلماء في من مر ببستان أو زرع أو ماشية، قال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئًا إلا في حال الضرورة، فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور، وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء، وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط؛ جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين، ولو لم يحتج لدلك، وفي الأخرى إذا احتاج، ولا ضمان عليه في الحالتين.

وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث، قال البيهقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعًا: "وإذا مر أحدكم بحائط؛ فليأكل ولا يتخذ خبيئة"، أخرجه الترمذي واستغربه، قال البيهقي: لم يصح، وجاء من أوجه أخر غير قوية. قلت -القائل هو ابن حجر-: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها".

وانظر في مذهب الحنابلة -كما عند المصنف-: "مسائل صالح"(1/ 321/ رقم 272)، و"مسائل أبي داود"(242 - 243)، و"المغني"(8/ 597 - 599)، و"الكافي"(1/ 492 - 493)، و"المبدع"(9/ 209 - 210)، و"الإنصاف"(10/ 377 - 378).

(1)

في المطبوع: "ليسرع"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 54

القاضي.

[و](1) رواية ثالثة بمنع الأكل مطلقًا إلا مع الحاجة؛ فيؤكل حينئذ مجانًا بغير عوض، وعلى المذهب المشهور؛ هل يلحق الزرع ولبن المواشي بالثمار؟

على روايتين، فإن الأكل من الزرع وحلب اللبن من الضرع إنما يفعل للحاجة لا للشهوة.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 55

(القاعدة الثانية والسبعون)

اشتراط النفقة والكسوة في العقود.

يقع على وجهين: معاوضة، وغير معاوضة.

فأما المعاوضة؛ فتقع في العقود اللازمة، ويملك فيها الطعام والكسوة، كما يملك غيرهما من الأموال المعاوض بها، فإن وقع التفاسخ قبل انقضاء المدة؛ رجع بما عجل منها إلا في نفقة الزوجة وكسوتها؛ فإن في الرجوع بهما (1) ثلاثة أوجه، ثالثها يرجع بالنفقة دون الكسوة:

- (فمنها): الإِجارة، فيجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها على الصحيح، ومن الأصحاب من لم يحك (2) فيه خلافًا.

- (ومنها): استئجار غير الظئر من الأجراء بالطعام والكسوة، وفيه روايتان (3) أصحهما الجواز (4)؛ كالظئر.

- (ومنها): البيع، فلو باعه ثوبًا بنفقة عبده شهرًا؛ صح، ذكره القاضي في "خلافه".

(1) في (ب) و (ج): "بها".

(2)

في المطبوع: "يجعل".

(3)

في (ب): "رويتين"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "الجوار"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 56

- (ومنها): النكاح، تقع النفقة والكسوة فيه عوضًا عن تسليم المنافع، ولا يحتاج إلى شرطها في العقد، كما لا يحتاج فيه إلى ذكر المهر الذي يحصل به أصل الاستباحة، ولو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته؛ صح، وكان من المهر.

وأما غير المعاوضة؛ فهو إباحة النفقة للعامل ما دام متلبسًا بالعمل، ويقع ذلك في العقود الجائزة؛ إما بأصل [الوضع](1)، أو لأنه لا تجوز (2) المعاوضة عنه (3) بالشرع، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): المضاربة؛ فيجوز اشتراط المضارب النفقة والكسوة في مدة المضاربة.

- (ومنها): الشركة.

- (ومنها): الوكالة.

- (ومنها): المساقاة والمزارعة، إذا قلنا: بعدم لزومها وما بقي معهم من النفقة المأخوذة والكسوة بعد فسخ هذه العقود؛ هل يستقر ملكهم عليه أم لا؟

يحتمل أن لا يستقر؛ لأن ما يتناوله إنما هو على وجه الإباحة لا الملك، ولهذا قال الأصحاب: إذا اشترط المضارب التسري من مال المضاربة، فاشترى أمة منه؛ ملكها، ويكون (4) ثمنها قرضًا عليه؛ لأن

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الأصل"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع و (ب): "يجوز"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(3)

في المطبوع: "فيه".

(4)

في (ب) و (ج): "فيكون".

ص: 57

الوطء لا يستباح بدون الملك، بخلاف المال؛ فإنه يستباح بالبذل والإِباحة، كما يستبيح المرتهن الانتفاع بالرهن بشرطه في عقد البيع، نص عليه أحمد، ويكون إباحة، وأشار أبو بكر عبد العزيز إلى رواية أخرى: يملك المضارب الأمة بغير عوض.

وعلى هذا؛ فيحتمل أن تكون النفقة والكسوة تمليكًا، فلا يرد ما فضل منهما، ويحتمل أن يفرق بين اليسير والكثير؛ كما في المأخوذ من المغنم.

- (ومنها)، إذا أخذ الحاج نفقة من (1) غيره ليحج عنه؛ فإنه عقد جائز، والنفقة فيه إعانة على الحج لا أجرة، وينفق على نفسه بالمعروف إلى أن يرجع إلى بلده، وإن فضلت (2) فضلة ردها، نص عليه، وكذا إن كانت الحجة عن ميت (3)؛ إما بأن (4) تكون حجة الإسلام، أو (5) أوصى بأن يحج عنه، فإن فاضل النفقة يسترده الورثة إلا أن يعين الموصي في وصيته إعطاء مقدار معين لمن يحج عنه حجة، فإن الفاضل يكون له في المعروف من المذهب.

ونقل ابن منصور عن أحمد: إذا قال: حجوا عني بألف درهم حجة؛ يحج عنه حجة، وما فضل (6) يرد إلى الورثة، وهذا يدل على أنه لا يجوز

(1) في (ج): "عن".

(2)

في (ج): "فضل".

(3)

في المطبوع: "الميت".

(4)

في المطبوع سقطت: "إما"، وفي (ج):"إما أن".

(5)

في (ج): "إذا".

(6)

في (ب) و (ج): "بقي".

ص: 58

أن يدفع إلى من يحج [عنه](1) أكثر من نفقته، ولم يجعل الباقي وصية (2)؛ لأن الحاج هنا غير معين، فلا تصح الوصية له، بخلاف ما إذا كان معينًا، ووجه المذهب أن الموصى [له يتعين بحجة](3) فيصير معلومًا، وإن قال: حجوا عني بألف ولم يقل حجة؛ فالمذهب أنها تصرف في حجة بعد أخرى حتى تنفذ.

وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى: أنه يحج عنه حجة واحدة بنفقة المثل والباقي للورثة.

- (ومنها): إذا أخذ الحاج من الزكاة ليحج به؛ [فإنه](4) يجوز بناءً على قولنا: إن الحج من السبيل، فإن حج ثم فضلت فضلة؛ فهل تسترد (5) أم لا؟

الأظهر استردادها؛ كالوصية، وأولى؛ لأن هذا المال يجب صرفه في مصارفه المعينة شرعًا، ولا يجوز الإخلال بذلك، بخلاف فاضل الوصية، فإن الحق فيه للورثة، ولهم تركه، وقياس قول الأصحاب في الغازي أنه لا يسترد، وظاهر كلام أحمد في "رواية الميموني" أن الدابة لا تسترد، ولا يلزم مثله في النفقة؛ لأن الدابة قد صرفت في سبيل اللَّه، بخلاف فاضل النفقة، ويملكها بخروجه من بلده، بخلاف الغازي، نص عليه [أحمد](6)

(1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(2)

في (ج): "في وصيته".

(3)

في (ب): "إليه يتعين لحجة".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في المطبوع و (ج): "يسترد"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع و (ج).

ص: 59

في "رواية الميموني"، وعلل بأنه من حين يخرج؛ فهو (1) ابن سبيل له حق في الزكاة، والغازي إنما أعطي للغزو؛ فلا يملك بدونه، وهذا يرجع إلى أن من أخذ لسبب (2)، فانتفى وخلفه سبب آخر مبيح للأخذ (3) أن له الإمساك بالسبب الثاني، وفيه خلاف بين الأصحاب.

- ومنها: إذا أخذ الغازي نفقة أو فرسًا ليغزو عليها؛ فإنه يجوز، ويكون عقدًا جائزًا لا لازمًا، وهو إعانة على الجهاد لا استئجار عليه، فإن رجع والفرس معه؛ ملكها ما لم تكن (4) وقفًا أو عارية، نص عليه أحمد، ولا يملكها حتى يغزو.

وقال القاضي في "خلافه": ويكون تمليكًا بشرط، ومعناه أنه تمليك مراعا بشرط الغزو، فإن غزا؛ تبينا أنه ملكه بالقبض؛ فإن قاعدة المذهب أن الهبة لا تقبل التعليق، وكذلك عقود المعاوضات، وإن (5) فضل معه من الكسوة؛ فهو كالفرس، وإن فضل من النفقة؛ ففيه روايتان:

إحداهما: يملكها أيضًا، نقلها علي بن سعيد.

والثانية: يرد الفاضل في الغزو؛ إلا أن يؤذن له في الاستعانة به في غزوة أخرى، نقلها حنبل.

والفرق بين النفقة وغيرها: أن الدابة قد صرفت في سبيل اللَّه

(1) في (ج): "فإنه".

(2)

في المطبوع: "بسبب".

(3)

في (ب): "يبيح الأخذ".

(4)

في (ب) والمطبوع: "يكن"، وفي (أ) بدون نقط.

(5)

في (ج): "فإن".

ص: 60

واستعملت فيه، وكذلك الكسوة؛ [فحصل](1) المقصود بها، بخلاف ما فضل من النفقة، فأما إن أخذ من الزكاة، ثم فضلت فضلة؛ فقال الخرقي (2) والأكثرون: لا تسترد، وحكى صاحب "المحرر"(3) وغيره وجهين، وقد قدمنا الفرق بين مال الزكاة وغيره، ونص أحمد في رواية المروذي على أن الدابة تكون له ولا يلزم مثله في النفقة؛ لما قدمنا.

* * *

(1) في المطبوع: "يحصل".

(2)

انظرهُ مع "المغني"(2/ 282/ 1796).

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 223).

ص: 61

(القاعدة الثالثة والسبعون)

اشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد.

على ضربين:

أحدهما: أن يكون استئجارًا له مقابلًا بعوض؛ فيصح على ظاهر المذهب؛ كاشتراط المشتري على البائع خياطة الثوب أو قصارته أو حمل الحطب ونحوه، ولذلك يزداد به الثمن.

والثاني: أن يكون إلزامًا له لما لا يلزمه بالعقد، بحيث يجعل له ذلك من مقتضى العقد ولوازمه مطلقًا، ولا يقابل بعوض؛ فلا يصح، وله أمثلة:

- (منها): اشتراط مشتري الزرع القائم في الأرض حصاده على البائع؛ فلا يصح، ويفسد به العقد، ذكره الخرقي (1)؛ [لأن حصاد الزرع قد يتوهم أنه من تمام التسليم الواجب على البائع، كما ذكره بعض الفقهاء](2)، وحكى ابن أبي موسى في فساده به وجهين.

(1) انظر قوله في: "المغني"(4/ 79/ 2916).

(2)

ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع و (ب) و (ج) بعد قوله الآتي: "وحكى ابن أبي موسى في فساده وجهين"، وسقط من المطبوع:"على البائع"، وفيه:"كما ظنه بعض الفقهاء".

ص: 62

- (ومنها): اشتراط أحد المتعاقدين في المساقاة أو (1) المزارعة على الآخر ما لا (2) يلزمه بمقتضى العقد؛ فلا يصح، وفي فساد العقد به خلاف، ويتخرج صحة هذه الشروط أيضًا من الشروط في النكاح وغيرها، وهو ظاهر كلام أكثر المتأخرين، ولذلك استشكلوا مسألة الخرقي في حصاد الزرع (3).

- (ومنها): شرط إيفاء المسلم فيه في غير مكان العقد، وحكى في صحته روايتان فالمنصوص (4) عن أحمد فساده في رواية مهنا، وأومأ إليه في "رواية ابن منصور" (5) وقال (6): "ليس في حديث (7) النبي صلى الله عليه وسلم تسمية

(1) في المطبوع و (ج): "و".

(2)

في المطبوع: "ما لم"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

نقله عن المصنف المرداوي في "الإِنصاف"(5/ 66 - 67).

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "والمنصوص".

(5)

انظر: "مسائل ابن منصور"(375/ 273).

(6)

أي: الإمام أحمد في "مسائل ابن منصور"(373/ 266)، وفي المطبوع:"وقال ابن منصور"!! بزيادة "ابن منصور"!

(7)

يشير المصنف إلى ما أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، 4/ 429/ رقم 2240، 2241)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب السلم، 3/ 1226 - 1227/ رقم 1604)، وأحمد في "المسند"(1/ 282)، والترمذي في "الجامع"(أبواب البيوع، باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر، 3/ 603 - 602/ رقم 1311)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب البيوع، باب السلف في الثمار، 7/ 290)، وأبو داود في "السنن"(كتاب البيوع والتجارات، باب في السلف، 3/ 741 - 742/ رقم 3463)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب التجارات، باب السلف في كيل معلوم، 2/ 765/ رقم 2280)، والدارمي في "السنن"(2/ 260)، وابن الجارود =

ص: 63

المكان"، يشير بذلك إلى أن السلم يشترط فيه أن يذكر في العقد أوصاف المسلم فيه؛ [فـ](1) قدره وزمان محله كما دل عليه الحديث، وليس فيه ذكر مكان إيفائه؛ فاشتراط ذكر مكانه يوهم أن ذلك من جنس ذكر (2) زمانه، وأنه مستحق بنفس العقد، بخلاف غيره من البيوع التي لا يذكر في عقودها شيء من ذلك.

* * *

= في "المنتقى"(614، 615)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 18)؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث؛ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أسلف؛ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، وعند الدارقطني في "السنن" (3/ 3):"وهم يسلمون" بدل "يسلفون".

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ب) و (ج):"و".

(2)

في المطبوع: "ما ذكر".

ص: 64

(القاعدة الرابعة والسبعون)

فيمن يستحق العوض عن عمله (1) بغير شرط.

وهو نوعان:

أحدهما: أن يعمل العمل ودلالة حاله تقتضي المطالبة بالعوض.

والثاني: أن يعمل عملًا فيه غناء عن المسلمين وقيام بمصالحهم العامة، أو فيه استنقاذ لمال معصوم من الهلكة.

أما الأول؛ فيندرج تحته صور كثيرة؛ كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل، فإذا عمل؛ استحق أجرة المثل؛ وإن لم يُسَمَّى له شيء، نص عليه.

وأما الثاني؛ فيدخل تحته صور:

- (منها): من قتل مشركًا في حال الحرب مغررًا بنفسه في قتله؛ فإنه يستحق سلبه بالشرع لا بالشرط في أصح الروايتين.

- (ومنها): العامل على الصدقات؛ فإنه يستحق أجرة عمله بالشرع، قال أحمد في "رواية صالح": العاملين عليها الذين جعل اللَّه لهم الثمن في كتابة السلطان (2)، وقال في "رواية حنبل": يكون لهم الذي يراه

(1) في المطبوع: "عمل".

(2)

في "مسائل صالح"(1/ 144 - 145/ 39) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا =

ص: 65

الإمام، وظاهر هذا أنه (1) يجب ذلك له بالشرع، [ويجوز له أخذه مع الغني، بخلاف ولي اليتيم على المشهور؛ لأن العامل يعطيه الإمام ما وجب له بالشرع](2)؛ إما مقدرًا أو غير مقدر (3)، والولي يأخذ (4) بنفسه وقد أمره (5) اللَّه بالاستعفاف مع الغنى.

وأيضًا؛ فأموال الزكاة حق لغير معينين (6)، بخلاف مال اليتيم.

وأيضًا؛ فمال الزكاة يستحقه [مع الغنى جماعة](7)؛ فالعامل الذي حصل الزكاة وجباها أولى، وأيضًا؛ فالعامل هو الذي جمع المال وحصله، بخلاف ولي اليتيم.

وذكر القاضي في "الأحكام السلطانية"(8): أن قياس المذهب أن العامل لا يستحق إذا لم يشرط له جعل؛ إلا أن يكون معروفًا بأخذ الأجرة

= الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. . .} [التوبة: 60]، قال أحمد:". . . {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: السلطان".

وفي "مسائل عبد اللَّه"(147/ 547) قال أحمد: ". . . {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: هم السُّعَاة يسعون عليها، وهو السلطان".

(1)

في المطبوع: "أن".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "مقدرًا".

(4)

في (ج): "يأخذه".

(5)

في (ج): "أمر".

(6)

في المطبوع و (ج): "معين".

(7)

في المطبوع: "جماعة من الغنى"، والصواب ما أثبتناه.

(8)

"الأحكام السلطانية"(ص 116).

ص: 66

على عمله.

والأول أصح؛ لأن حقه ثابت بالنص؛ فهو كجعل رد الإِباق، وأولى؛ لورود القرآن به (1).

- (ومنها): من رد آبقًا على مولاه؛ فإنه يستحق على رده جعلًا بالشرع، سواء شرطه أو لم يشرطه على ظاهر المذهب، وفيه أحاديث مرسلة وآثار (2)، والمعنى فيه الحث على حفظه على سيده وصيانة العبد عما

(1) وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

(2)

يشير المصنف إلى عدّة أحاديث، منها:

• ما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 227) عن ابن أبي مُلَيْكة وعمرو بن دينار؛ قال: "جعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبد الآبق إذا جيء به خارج الحرم دينارًا".

• وما أخرجه أيضًا (5/ 226) عن ابن جريج أو ابن أبي مليكة وعمرٍو بن دينار؛ قالا: "ما زلنا نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العبد الآبق يوجد خارجًا من الحرم دينارًا أو عشرة دراهم".

• وما أخرجه عبد الرزاق في "المصنِّف"(8/ 207 - 208/ رقم 14907) عن معمر، عن عمرو بن دينار:"أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى في الآبق يوجد في الحرم بعشرة دراهم".

قال البيهقي في "المعرفة"(9/ 88 - 89): "ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جُعْلِ الآبق شيء، إنما هو عن ابن جريج عن ابن أبي مُلَيكة وعمرو بن دينار؛ قالا: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الآبق يوجد خارجًا من الحرم عشرة دراهم". قال: "وهذا منقطع، ومن أسنده عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ضعيف".

قلت: أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 200) من طريق خصيف، عن =

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= معمر، عن عمرو، عن ابن عمر، وقال:"فهذا ضعيف، والمحفوظ. . . "، وذكر المرسل.

• وقال في "المعرفة"(9/ 89): "وروي عن علي: في جُعْلِ الآبق دينار قريبًا أخذ أو بعيدًا، وهذا إنما روي عن الحجاج بن أرطأة -وليس بحجَّةٍ - عن الشعبي عن الحارث عن علي، والحارث غير محتج به".

قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 541/ رقم 1983 - ط الهندية، و 5/ 226 - ط دار الفكر) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(8/ 208)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ ق 115/ ب) -، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 200)؛ من طريق الحجاج، به.

قال البيهقي عقبه في "الكبرى": "الحجاج بن أرطأة لا يُحتجُّ به".

• وقال في "المعرفة"(9/ 89): "وأمثل شيء روي عنه عن أبي عمرو الشيباني؛ قال: أصبتُ غلمانًا أباقًا بالعين، فأتيتُ عبد اللَّه بن مسعود، فذكرتُ ذلك له، فقال: الأجر والغنيمة. فلت: هذا الأجر؛ فما الغنيمة؟ قال: أربعون درهمًا من كلِّ رأس".

قلت: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 208/ رقم 14911)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 226)، والبيهقي في "الكبرى"(8/ 200)، وابن حزم في "المحلى"(8/ 208)، وقال:"والتي عن ابن مسعود عن شيخ لا يُدرى من هو، وعن عبد اللَّه بن رباح القرشي، وهو غير مشهور بالعدالة".

وعزاه ابن قدامة في "المغني"(6/ 23) للخلال، وقال:"حديث ابن مسعود أصحُّ إسنادًا".

وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 226 - ط دار الفكر)، وابن حزم في "المحلى" (8/ 208) بسندٍ ضعيفٍ ومنقطع:"أن عمر بن الخطاب قضى في جُعل الآبق إذا أُصيب في غير مصره أربعين درهمًا، فإن أصيب في المصر؛ فعشرين درهمًا، واثني عشر درهمًا".

وأخرجا أيضًا عنه -بسندٍ ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة-: "أن عمر جعل في جُعْل الآبق دينارًا، أو اثني عشر درهمًا. =

ص: 68

يخاف من لحاقه بدار الحرب والسعي في الأرض بالفساد، ولهذا المعنى اختص الوجوب برد الآبق دون غيره من الحيوان والمتاع، وسواء كان معروفًا برد الإِباق (1) أو لم يكن إلا السلطان؛ فإنه لا شيء له، نص عليه في رواية حرب لانتصابه للمصالح، وله حق في بيت المال على ذلك، وكذلك (2) لم يكن له الأكل من مال اليتيم كما سبق.

- (ومنها): من أنقذ مال غيره من التلف كمن خلص عبد غيره من فلاة مهلكة أو متاعه من موضع (3) يكون هلاكه فيه محققًا (4) أو قريبًا منه؛ [كالبحر](5) وفم السبع؛ فنص أحمد على وجوب الأجرة له في المتاع، وذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني"(6) في العبد أيضًا، وحكى القاضي فيه احتمالًا بعدم الوجوب كاللقطة، وأورد في "المجرد" عن نص

= قال البيهقي عن أمثل شيء ورد -وهو أثر ابن مسعود على ضعفه-: "وهذه حكاية حال يحتمل أن يكون ابن مسعود عرف شرط مالكهم، جُعل لمن ردّهم؛ فحكاه، واللَّه أعلم".

وقال ابن حزم بعد أن أورد ما مضى: "كل ذلك لا يصحّ"، وقال:"وأما التابعون؛ فصحّ عن شُريح وزياد. . . وروي هذا عن الشعبي، وبه يقول إسحاق بن راهويه. . . وصح عن عمر بن عبد العزيز".

(1)

في (ب) و (ج): "الآبق".

(2)

في (ج): "ولذلك".

(3)

في (ج): "وضع".

(4)

في (ج): "متحققًا".

(5)

في المطبوع: "بالبحر".

(6)

قال في "المغني"(6/ 33/ 4554): "وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه، وله أجر مثله في تخليص المتاع، نُصَّ عليه، وكذلك في العبد على قياسه".

ص: 69

أحمد فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفًا أو غيرهما؛ فهو لمالكه الأول، ولا شيء للمخلص، والصحيح الأول؛ لأن هذا يخشى هلاكه وتلفه على مالكه، بخلاف اللقطة.

وكذلك لو انكسرت السفينة، فخلص قوم الأموال من البحر؛ فإنه تجب (1) لهم الأجرة على الملاك، ذكره في "المغني"(2)؛ لأن فيه حثًّا وترغيبًا في إنقاذ الأموال من [الهلكة](3)، فإن الغواص إذا علم أنه يستحق الأجرة غرر بنفسه وبادر إلى التخليص، بخلاف ما إذا علم أنه لا شيء له؛ فهو في معنى رد الآبق.

وفى "مسودة شرح الهداية" لأبي البركات: وعندي أن كلام أحمد على ظاهره في وجوب الأجرة في (4) تخليص المتاع من المهالك دون الآدمي؛ لأن الآدمي أهل في الجملة لحفظ نفسه. [انتهى](5).

وفيه نظر؛ فقد (6) يكون صغيرًا أو عاجزًا وتخليصه أهم وأولى من المتاع، وليس في كلام أحمد تفرقة.

فأما من عمل في مال غيره على غير ما ذكرنا؛ فالمعروف من

(1) في المطبوع و (ب): "يجب"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(2)

في المطبوع: "ما ذكره في "المغني"، ولعل الصواب حذف ما، وانظر نص كلامه في "المغني" (6/ 34/ 4554).

(3)

في المطبوع: "التهلكة".

(4)

في المطبوع: "على".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في المطبوع: "وقد".

ص: 70

المذهب أنه لا أجرة له.

ونقل أبو جعفر الجَرْجَرَائيُّ (1) عن أحمد في رجل عمل في قناة رجل بغير إذنه؛ قال (2): لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون [منفعة](3) لصاحب القناة، وهذه تتخرج على أصلين:

أحدهما: أن الغاصب يكون شريكًا بآثار عمله.

والثاني: أنه (4) يجبر على أخذ قيمة (5) آثار عمله من المالك ليتملكها (6) عليه.

وخرج القاضي في "خلافه" بأن يكون شريكًا بآثار عمله إذا زادت به القيمة، وذكر نص أحمد في العمل في القناة من رواية حرب وابن هانئ (7)، وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب، وحمل ابن عقيل في "مفرداته" هذه النصوص على أن العامل هنا في القناة كان شريكًا فيها، وليى في النصوص (8) شيء يشعر بذلك.

ومن الأصحاب من أقر النصوص على ظاهرها، وجعل هذا الحكم

(1) في المطبوع و (ج): "الجرجاني".

(2)

في المطبوع و (ج): "فقال".

(3)

في المطبوع: "مصلحة".

(4)

في المطبوع: "أن".

(5)

في (ج): "قيمته".

(6)

في المطبوع: "لتملكها".

(7)

"مسائل ابن هانئ".

(8)

في المطبوع: "المنصوص".

ص: 71

مطردًا في كل من عمل عملًا لغيره (1) فيه مصلحة له وهو محتاج إليه؛ كحصاد زرعه والاستخراج من معدنه ونحو ذلك؛ تخريجًا من العمل في القناة، ومنهم الحارثي، وكأنهم جعلوه بمنزلة تصرف للفضولي (2)؛ فللمالك حينئذ أن يمضيه ويرد عوضه، وهو أجرة المثل، وله أن لا يمضيه فيكون العامل شريكًا بالعمل، وقد قال [القاضي](3) في "بعض تعاليقه" وقرأته بخطه في الأجير إذا عمل في العين المستأجر عليها دون ما شرط، على (4) أن المالك مخير إن شاء رد عمله وأخذ الأجرة وصار الأجير شريكًا بعمله، وإن شاء قَبِل العمل ورجع على الأجير بالأرش.

وذكر أحمد في رواية الميموني بالرجوع بالأرش، ثم حمله على أنه كان قد رضي بالعمل.

وقال القاضي في "خلافه": قياس المذهب إذا لم يأت الحائك بالثوب على الصفة (5) المشروطة: إن شاء ضمنه قيمة الغزل ولا أجرة له، وإن شاء ضمنه قيمته منسوجًا وعليه الأجرة، وتكون الأجرة ها هنا ما (6) زاد على قيمة الغزل.

ثم ذكر "رواية الميموني" هذه وقال: هي محمولة على أن صاحب

(1) في المطبوع: "كغيره"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في (أ): "للفضولي"، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"الفضولي".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "عليه".

(5)

في (أ): "عليه للصفة"، وله حظ ونصيب من الصواب.

(6)

في المطبوع: "بما"، وفي (ج):"هنا ما".

ص: 72

الثوب (1) اختار تقويمه معمولًا، والتزم قيمة الصّنعة التي هي دون التي وافقه عليها، وهذا الذي قاله بعيد جدًّا أن يضمن المالك الصانع قيمة الثوب مع بقائه، ولا يصح حمل كلام أحمد على ما قاله؛ لأن أحمد قال: ينظر ما بينهما فيرجع به على الصانع، وهذا تصريح بالرجوع عليه بالأرش خاصة.

وأيضًا؛ فلو غصب غزلًا ونسجه؛ لم يملك المالك إلزامه (2) به ومطالبته (3) بالقيمة؛ فكيف يملك مطالبة الأجير بذلك؟!

وذكر ابن عقيل في هذه المسألة أن المالك يملك استرجاع الأجرة المسماة ودفع أجرة المثل، ثم ذكر احتمالًا بالرجوع بالأرش؛ كما هو المنصوص، واللَّه أعلم.

ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذًا له من التلف المشرف عليه؛ كان جائزًا؛ كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته، صرح به صاحب "المغني"(4)، ويفيد هذا أنه لا يضمن ما نقض بذبحه.

* * *

(1) في المطبوع: "الثواب"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "التزامه".

(3)

في المطبوع و (ج): "ويطالبه".

(4)

"المغني"(6/ 28/ 4543).

ص: 73

(القاعدة الخامسة والسبعون)

فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه.

وهو نوعان:

أحدهما: من أدى واجبًا عن غيره.

والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره.

فأما [النوع](1) الأول؛ فيندرج تحته صور:

- (منها): إذا قضى عنه دينًا واجبًا بغير إذنه؛ فإنه يرجع [به](1) عليه في أصح الروايتين، وهي المذهب عند الخرقي (2) وأبي بكر والقاضي والأكثرين، واشترط القاضي أن ينوي الرجوع ويشهد على نيته عند الأداء، فلو نوى التبرع أوأطلق النية؛ فلا رجوع له، واشترط أيضًا أن يكون المدين ممتنعًا من الأداء، وهو يرجع إلى أن لا رجوع إلا عند تعذر إذنه، وخالف في ذلك صاحبا "المغني"(3) و"المحرر"(4)، وهو ظاهر [إطلاق القاضي](5)

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

انظر نصه مع "المغني"(4/ 353/ 3583).

(4)

انظر: "المحرر"(1/ 340).

(5)

في المطبوع: "الخلاف للقاضي".

(3)

انظر قوله في: "المغني"(6/ 353 - 354/ 8583)؛ حيث حكى هناك =

ص: 74

في "المجرد" والأكثرين.

وهذا في ديون الآدميين، فأما ديون اللَّه عز وجل؛ كالزكاة والكفارة؛ فلا يرجع بها من أداها عمن هي عليه، وعلل القاضي ذلك بأن أداءها بدون إذن من هي عليه لا يصح؛ لتوففها على نيته، ويلزم على هذا لو حج رجل عن ميت بدون إذن وليه وقلنا يصح، أو أعتق عنه في نذر، أو أطعم عنه في كفارة وقلنا يصح: أن له الرجوع بما أنفق؛ لسقوط اعتبار الإِذن هنا (1)، ويكون كاداء أحد الخليطين الزكاة من ماله عن الجميع.

- (ومنها): لو اشترى أسيرًا حرًا مسلمًا (2) من أهل دار الحرب، ثم أطلقه وأخرجه إلى دار الإِسلام؛ فله الرجوع عليه بما اشتراه به، سواء أذن له أو لم يأذن؛ لأن الأسير يجب عليه افتداء نفسه ليتخلص من الأسر، فإذا فداه غيره؛ فقد أدى عنه واجبًا رجع به عليه (3)، وأكثر الأصحاب لم يحكوا في الرجوع ها هنا خلافًا.

وحكى القاضي في "كتاب الروايتين"(4) فيه رواية أخرى: يتوقف الرجوع على الإِذن، وهل يعتبر للرجوع ها هنا نية، أم يكفي إطلاق النية؟

= روايتين:

إحداهما: يرجع بما أدى، ونسبه لمالك وغيره.

والثانية: لا يرجع بشيء، ونسبه لأبي حنيفة والشافعي وابن المنذر.

(1)

في (ج): "ها هنا".

(2)

في المطبوع و (ج): "مسلمًا حرًّا".

(3)

في (ب): "عليه به" هكذا بتقديم وتأخير.

(4)

انظر: "المسائل الفقهة من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 375 - 376) للقاضي أبي يعلى.

ص: 75

على وجهين:

أحدهما: تعتبر نية الرجوع لقضاء الديون، وهو ظاهر كلام القاضي.

والثاني: يرجع ما لم ينو التبرع، وبه جزم في "المحرر"(1)؛ للأثر المروي عن عمر رضي الله عنه (2)، ولأن افتكاك (3) الأسرى مطلوب شرعًا؛ فيرغب فيه بتوسعه طرق (4) الرجوع لئلا تقل الرغبة فيه.

(1) قال في "المحرر"(2/ 174): "ولا يملك الحر المسلم بالقهر، ومن اشتراه منهم (أي: الكفار)؛ فله عليه ثمنه دينًا ما لم ينو التبرع به".

(2)

أخرج سعيد بن منصور في "سننه"(رقم 2803 - ط الأعظمي) عن عثمان بن مطر الشيباني؛ قال: نا أبو حريز، عن الشعبي؛ قال:"أعان أهل ماه أهل جلولاء على العرب، وأصابوا سبايا من سبايا العرب ورقيقًا ومتاعًا، ثم إن السائب بن الأقرع عامل عمر ابن الخطاب غزاهم؛ ففتح ماه، فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه، وفي رجل أصاب كنزًا بأرض بيضاء؛ فكتب عمر: أن المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يخذله، فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه؛ فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما اقتسم؛ فلا سبيل اليه، وأيما حُرّ اشتراه التجار؛ فإنه يرد عليهم رؤوس أموالهم، وأن الحر لا يباع ولا يشترى، وأيما رجل أصاب كنزًا عادّيًا قبل أن تضع الحرب أوزارها؛ فإنه يؤخذ منه خمسه وسائره ينهم، وهو رجل منهم، وإن أصابه بعدما وضعت الحرب أوزارها؛ فخذ خمسه وسائره له خاصة".

والشاهد منه قوله: "وأيُّما حرًّا اشتراه التجار؛ فإنه يردُّ عليهم رؤوس أموالهم".

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 112) من طريق ابن المبارك، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن رجل، عن الشعبى، به مختصرًا.

(3)

في المطبوع و (ب): "انفكاك".

(4)

في المطبوع: "طرف"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 76

- (ومنها): نفقة الرقيق والزوجات والأقارب والبهائم إذا امتنع من تجب عليه (1) النفقة، فأنفق عليهم (2) غيره بنية الرجوع؛ فله الرجوع كقضاء الديون، ذكره القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "مفرداته".

- (ومنها): لو أنفق على عبده الآبق في حال رده إليه؛ فإنه يرجع بما أنفق، نص عليه، وجزم به الأكثرون من غير خلاف؛ فإنه يستحق جعلًا على الرد عوضًا عن بذله منافعه؛ فلأن يجب له العوض عما بذله من المال في رده أولى، واشترط أبو الخطاب وصاحب "المحرر"(3) العجز عن استئذان المالك، وضعفه صاحب "المغني"(4)، ولا يتوقف الرجوع على تسليمه، فلو أبق منه قبل ذلك؛ فله الرجوع بما أنفق عليه، نص عليه أحمد في "رواية عبد اللَّه"(5)، وصرح به الأصحاب.

وكذلك [من أنفق على ما يلزمه رده؛ كـ](6) حكم [العبد](7) المنقطع بمهلكة، وحكى أبو بكر وابن أبي موسى في الرجوع بنفقته روايتين، ولو أراد استخدامه بدل النفقة؛ ففي جوازه روايتان حكاهما أبو الفتح الحلواني في "الكفاية"؛ كالعبد المرهون.

- (ومنها): نفقة اللقطة حيوانًا كانت أو غيره مما يحتاج في حفظه

(1) في المطبوع: "عليهما"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "عليهما"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 336).

(4)

انظر: "المغني"(6/ 22 - 23/ 4532).

(5)

انظر: "رواية عبد اللَّه"(310/ 1152).

(6)

ما بين المعقوفتين من هامش (ج) فقط، وبعدها:"صح".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 77

إلى مؤنة وإصلاح، فإن كانت بإذن حاكم رجع بها؛ لأن إذنه قائم مقام إذن الغائب، وإن (1) لم يكن بإذنه؛ ففيه الروايتان، ومنهم من رجح (2) ها هنا عدم الرجوع؛ لأن حفظها لم يكن متعينًا، بل كان مخيرًا بينه وبين بيعها وحفظ ثمنها، وذكر ابن أبي موسى أن الملتقط إذا أنفق غير متطوع (3) بالنفقة؛ فله الرجوع بها، وإن كان محتسبًا؛ ففي الرجوع روايتان.

- (ومنها): نفقة اللقيط، خرجها بعض الأصحاب على الروايتين، ومنهم من قال: يرجع ها هنا قولًا واحدًا، وإليه ميل صاحب "المغني"(4)؛ لأن له ولاية على الملتقط، ونص أحمد أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال.

- (ومنها): الحيوان المودع إذا أنفق عليه المستودع ناويًا للرجوع، فإن تعذر استئذان مالكه؛ رجع، وإن لم يتعذر؛ فطريقتان (5):

إحداهما (6): أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى؛ لأنَّ للحيوان حرمةً في نفسه توجب (7) تقديمه على قضاء الديون أحيانًا، وهي طريقة

(1) في (ب): "فإن".

(2)

في المطبوع: "يرجح".

(3)

في المطبوع: "مطوع"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

انظر: "المغني"(6/ 37 - 38/ 4561).

(5)

في المطبوع و (ج): "فطريقان"، وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 176) عن المصنف.

(6)

في (ج): "أحدهما".

(7)

في المطبوع: "فوجب".

ص: 78

صاحب "المغني"(1).

والثانية: لا يرجع قولًا واحدًا، وهي طريقة [صاحب](2) المحرر (3) متابعةً (4) لأبي الخطاب (5)، لكن من اعتبر الرجوع في قضاء الدين بعذر الإِذن؛ فها هنا أولى، وأما من لم يعتبر ذلك في الدين واعتبره ها هنا؛ فرَّق بأن (6) قضاء الدين فيه إبراء (7) لذمته وتخليص له من الغريم، وها هنا اشتغال لذمته بدين لم تكن مشتغلة به، وهو ضعيف، وينتقض بنفقة الأقارب كما تقدم، فإن المطالبة هنا متوجهة من الحاكم بإلزامه؛ فقد خلصه من ذلك وعجل [براءته](8) منه، وقضاء الدين لم تبرأ به ذمته بالكلية، بل هي مشغولة بدين المؤدي.

[و](9) عنه أيضًا؛ فإن الإِذن في الأنفاق على الحيوان المؤتمن عليه

(1) انظر: "المغني"(6/ 309/ 5063).

(2)

سقطت من المطبوع ومن جميع النسخ الخطية، وهي مثبتة في "الإنصاف"(5/ 176) للمرداوي في نقله عن "القواعد".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 336).

(4)

فى المطبوع و (ج): "ومتابعة"، وما أثبتناه عند المرداوى أيضًا.

(5)

نقله المرداوي في "الإِنصاف"(5/ 176) عن المصنف، وقال:"قلت: وهذه الطريقة هي المذهب، وهي طريقة صاحب "التلخيص" و"الفروع" و"الوجيز" و"الفائق" وغيرهم، وهو ظاهر كلام المصنف هنا".

(6)

في المطبوع و (ج): "فالفرق أن".

(7)

في المطبوع و (ج): "براء".

(8)

في (ج): "براءة ذمته".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 79

عرفي؛ فيتنزل (1) منزلة اللفظي.

- (ومنها): نفقة طائر غيره إذا عشش في داره، قال أحمد في "رواية المروذي" في طيرة أفرخت عند قوم من الجيران: فالفراخ تتبع الأم، يردون على أصحابها، فإن كان قد أعلف (2) الفراخ مدة مقامها في يده متطوعًا (3)؛ لم يرجع، وإن لم يتطوع يحتسب بالنفقة؛ أخذ من صاحبها ما أنفق (4)، ولم يفرق بين إمكان الاستئذان وعدمه.

وخرج القاضي رواية أخرى بعدم الرجوع بكل حال من نظيرها (5) في المرتهن وغيره.

وأما النوع الثاني، وهو ما يرجع فيه بالإِنفاق على مال غيره لتعلق حقه به؛ فله صور:

- (منها): إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه، قال أحمد في "رواية ابن (6) القاسم" في رجلين بينهما أرض (7) أو دار أو عبد يحتاج إلى أن ينفق على ذلك فيأبى الآخر؛ قال: ينظر في ذلك، فإن كان يضر بشريكه ويمتنع مما يجب عليه؛ ألزم ذلك وحكم به عليه،

(1) في المطبوع و (ج): "فينزل".

(2)

في المطبوع و (ج): "علف".

(3)

في (ج): "تطوعًا".

(4)

في المطبوع: "اتفق"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "نظيرتها".

(6)

في المطبوع: "أبي"، والصواب ما أثبتناه.

(7)

في المطبوع: "أراضٍ".

ص: 80

[ولا يضر بهذا، ينفق](1) ويحكم به عليه.

ويتفرع على هذه المسألة فروع، من جملتها: إذا كان بينهما حائط مشترك أو سقف فانهدم، وطلب أحدهما أن يبني الآخر معه؛ فالمذهب أنه يجبر على ذلك. وفيه رواية أخرى: لا يجبر (2)؛ فينفرد (3) الطالب بالبناء ويمنع الشريك من الانتفاع حتى يأخذ منه ما يخص حصته من النفقة، نص عليه؛ لأن من جاز له البناء في ملك غيره لم يكن متبرعًا (4)؛ كالوصي والحاكم في ملك اليتيم.

- ومن صور النوع: إذا جنى العبد المرهون، ففداه المرتهن بغير إذن الراهن؛ قال أكثر الأصحاب؛ كالقاضي وابن عقيل وأبي الخطاب (5) وغيرهم: إن لم يتعذر استئذانه؛ فلا رجوع، وإن تعذر؛ خرج على الخلاف في نفقة الحيوان المرهون، لأن الفداء هنا لمصلحة الرهن واستبقائه (6)، وذلك (7) واجب على الراهن لحق المرتهن، وقال صاحب "المحرر" (8): لا

(1) كذا في (أ) والمطبوع، ولعله الصواب، وفي (ب):"ولا يصير بهذا منفق"، وفي (ج):"ولا يظر بهذا ينفق".

(2)

في المطبوع: "لا يجبر فيه".

(3)

في (ج): "وينفرد".

(4)

في (ب): "متبوعًا".

(5)

في "كتاب الهداية"(1/ 153).

(6)

في (ب): "واستيفائه".

(7)

في المطبوع: "وهو".

(8)

انظر: "المحرر"(1/ 337).

ص: 81

يرجع بشيء، وأطلق؛ لأن المالك لم يجب عليه الافتداء [والتسليم](1) ها هنا، وكذلك لو سلمه؛ لم يلزمه قيمته لتكون رهنًا، وقد وافق الأصحاب على ذلك، وإنما خالف فيه ابن أبي موسى.

- (ومنها): مؤنة الرهن مِنْ كرى مخزنه وإصلاحه وتشميسه ونحو ذلك لا يلزم الراهن إذا قام بها المرتهن بدون إذنه مع تعذره؛ فهي جارية مجرى نفقة الحيوان المرهون على ما سيأتي، صرح به الأصحاب؛ لأن ذلك مما لابد منه لحفظ مالية الرهن، فصار واجبًا على الراهن (2) لعلاقة حق المرتهن.

- (ومنها): لو خربت الدار المرهونة، فعمرها المرتهن بغير إذن؛ فقال القاضي في "المجرد" وصاحب "المغني" (3) و"المحرر" (4): لا يرجع إلا بأعيان آلته؛ لأن عمارة (5) الدار لا يجب (6) على المالك، والمجزوم به في "الخلاف الكبير" للقاضي أنه يرجع؛ لأنه من مصلحة الرهن، وقال ابن عقيل: يحتمل عندي أن (7) يرجع بما يتحفظ (8) به أصل مالية الدار لحفظ وثيقته؛ لأنها نفقة لحفظ مالية وثيقته (9)، وذلك غرض صحيح. انتهى.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(2)

في المطبوع: "الرهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

"المغني"(4/ 252/ 3372).

(4)

"المحرر"(1/ 336).

(5)

في المطبوع: "بناء".

(6)

في (ج): "تجب".

(7)

في المطبوع: "أنه".

(8)

في (ج): "تنحفظ".

(9)

في المطبوع: "وثيقة".

ص: 82

ولو قيل: إن كانت الدار بعد ما خرب منها تحرز قيمة الدين المرهون به؛ لم يرجع لأنه لا حاجة له إلى عمارتها حينئذ؛ وإن كانت دون حقه أو وفق حقه، ويخشى من تداعيها للخراب شيئًا فشيئًا حتى تنقص عن مقدار الحق؛ فله أن يعمر (1) ويرجع لكان متوجهًا (2).

- (ومنها): عمارة المستأجر في الدار المستأجرة لا (3) يرجع بها، نص عليه أحمد في غلق الدار إذا عمله الساكن، ويحتمل الرجوع بناءً على مثله في الرهن، ولكن حكى صاحب "التلخيص": أن المؤجر يجبر على الترميم بإصلاح منكسر وإقامة مائل، فأما تجديد البناء والأخشاب؛ فلا يلزمه لأنه إجبار على تسليم عين لم يتناولها العقد، وللمستأجر الخيار. قال: ويحتمل أن يلزمه التجديد. انتهى.

فعلى [القول](4) الأول لا يمكن القول برجوع المستأجر بما أنفق على التجديد، وعلى الثاني يتوجه الرجوع.

(فصل)

وقد يجتمع النوعان في صور فيؤدي عن ملك غيره واجبًا يتعلق به

(1) في (ج): "يعمرها".

(2)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 177) عن المصنف من قوله: "ولو قيل: إن كانت. . . " إلا هنا، وعنده:"متجهًا"، وتحرفت فيه "وفق" إلى "فوق"؛ فلتصحح، وقال عقبه:"قلت: وهو قوي"، وتصحفت آخر الفقرة في المطبوع إلى "لمكان مسحها".

(3)

في المطبوع: "ولا".

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

ص: 83

حقه، وفي ذلك طريقان:

أحدهما: أنه على روايتين [أيضًا](1)، وهي طريقة الأكثرين.

والثاني: [أنه](2) يرجع ها هنا رواية واحدة، وهي طريقة القاضي في "خلافه".

- فمن ذلك: أن ينفق المرتهن على الرهن (3) بإطعام أو كسوة إذا كان عبدًا أو حيوانًا؛ ففيه الطريقان، أشهرهما أنه على الروايتين، كذلك قال (4) القاضي في "المجرد" و"الروايتين"(5) وأبو الخطاب (6) وابن عقيل والأكثرون، والمذهب عند الأصحاب الرجوع، ونص عليه أحمد في "رواية أبي الحارث"(7)، وكذلك نقل عنه ابن القاسم وابن هانئ (8): أنه يركب ويحلب بقدر نفقته، ولم يعتبر إذنًا؛ كما دل عليه النص الصحيح (9).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في (أ): "الرَّاهن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "وقال".

(5)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 368).

(6)

في كتاب "الهداية"(1/ 152 - 153).

(7)

هو أحمد بن محمد، أبو الحارث الصَّائغ، كان الإِمام أحمد يأنس به ويقدّمه ويكرمه، وكان عنده بموضعٍ جليل، قال الخلال:"روى عن أبي عبد اللَّه مسائل كثيرة بضعة عشر جزءً".

ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 74 - 75)، و"المنهج الأحمد"(1/ 363).

(8)

في المطبوع: "أبي هانئ"، وهو خطأ. وانظر:"مسائل ابن هانئ"(2/ 34/ 1318).

(9)

مضى لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 260).

ص: 84

وأيضًا؛ فالإِذن في الإِنفاق ها هنا عرفي، فيقوم مقام اللفظي، وبالمرتهن إليه حاجة لحفظ وثيقته؛ فصار كبناء أحد الشريكين الحائط المشترك.

ونقل عنه ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير إذن صاحبها؛ فالعلف على المرتهن؛ مَنْ أمره أن يعلف (1)؟!

وكذلك نقل عنه مهنا في كفن العبد المرهون، لكن الكفن من النوع الأول، وهذه الرواية ظاهر ما أورده ابن أبي موسى، وحمل القاضي في كتاب "الخلاف" هذا النص على أن الراهن (2) كان حاضرًا وأمكن استئذانه وعلف بدون إذنه (3)، وقد صرح القاضي بأن الرجوع مشروط بتعذر الاستئذان، [وكذلك أبو الخطاب (4) وابن عقيل وصاحب "المحرر"(5)، مع أنه وافق طريقة "الخلاف" في الرجوع قولًا واحدًا، بخلاف ما ذكره في الضمان، وضعف صاحب "المغني"(6) اعتبار الإِذن؛ طردًا لما ذكره في الضمان.

- (ومنها): إذا هرب الجَمَّالُ وترك الجِمَالَ، فأنفق عليها المستأجر بدون إذن حاكم؛ ففي الرجوع الروايتان، ومقتضى طريقة القاضي أنه

(1) انظر: "مسائل ابن منصور"(484/ 449).

(2)

في المطبوع: "الرهن"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "إذن".

(4)

في كتاب "الهداية"(1/ 153).

(5)

انظر: "المحرر"(1/ 336).

(6)

انظر: "المغني"(4/ 252/ 3373).

ص: 85

يرجع رواية واحدة، ثم إن الأكثرين اعتبروا هنا استئذان الحاكم بخلاف ما ذكروه (1) في الرهن واعتبروه أيضًا في المودع واللقطة، وفي "المغني"(2) إشارة إلى التسوية [بين](3) الكل في عدم الاعتبار، وأن الإِنفاق بدون إذنه [مخرج](4) على الخلاف في قضاء الدين، وكذلك اعتبروا الإِشهاد على نية الرجوع (5).

وفي "المغني" وغيره وجه آخر: أنه لا يعتبر، وهو الصحيح.

- (ومنها): إذا هرب المساقي قبل تمام (6) العمل استؤجر عليه من يتمه والحكم فيه كالجمال؛ إلا أن للمالك الفسخ، ولو قلنا بلزوم المساقاة؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه.

- (ومنها): إذا غاب الزوج، فاستدانت الزوجة للنفقة (7) على نفسها (8) وأولادها الصغار نفقة المثل من غير زيادة؛ فإنها ترجع [بذلك](9)،

(1) في المطبوع: "ذكره"، والصواب ما أثبتناه، وكذا نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 177) عن المصنف.

(2)

انظر: "المغني"(4/ 252/ 3373).

(3)

في المطبوع: "من"، وهو خطأ.

(4)

في المطبوع: "يخرج"، وكذا نقله المرداوي في "الإِنصاف"(5/ 177) عن المصنف.

(5)

نقل المرداوي فى "الإِنصاف"(5/ 176 - 177) عن المصنف من قوله: "إذا هرب الجمال. . . " إلى هنا.

(6)

في (ج): "إتمام".

(7)

في المطبوع: "النفقة".

(8)

في المطبوع: "أنفسها".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 86

نص عليه في رواية أبي زرعة الدمشقي (1)، ولم يعتبر إذن الحاكم] (2)، واعتبر (3) صاحب "المحرر"(4) في لزوم نفقة الأقارب أن يستدان عليه بإذن الحاكم، مع قوله إنها لا تلزم بفرض الحاكم، وفيه نظر.

وفي "الترغيب": ليس لغير الأب الاستقراض إلا بإذن الحاكم؛ حتى ولا للزوجة في حقها وحق ولدها الصغير، وإنما للزوجة الأخذ من مال زوجها الموسر عند الامتناع إذا قدرت عليه (5) قدر كفايتها.

وحكى في أخذها لولدها وجهين؛ قال: وليس لها الإِنفاق على الطفل من ماله لو كان له مال بدون إذن وليه؛ لانتفاء ولايتها عليه، وهذا كله مخالف لظاهر كلام أحمد المتقدم ولقواعد المذهب؛ فإن المذهب أنها تأخذ لنفسها ولولدها، [ونص أحمد على أنها تقبض الزكاة لولدها](6) الطفل، وقد سبق قول القاضي وغيره أن من أنفق على أقارب غيره الذين تلزم (7) نفقتهم؛ فإنه يرجع بذلك عليه كما يرجع [عليه](8) بقضاء الدين

(1) هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان، أبو زُرعة النَّصْريّ الدّمشقي، المحدّث، الحافظ، المشهور، توفي سنة (281 هـ)، له "مسائل الإمام" في جزء.

انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 205 - 206)، و"المنهج الأحمد"(1/ 272)، و"السير"(13/ 311 - 316).

(2)

ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله الآتي: "بدون فرض الحاكم لها".

(3)

في المطبوع و (ج): "واعتبر".

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 115).

(5)

في المطبوع: "على".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

في المطبوع: "يلزمه"، وفي (ج):"تلزمه".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 87

الواجب عليه.

وذكر ابن أبي موسى أن الزوجة إذا استدانت على زوجها نفقة المثل مع غيبته؛ فإنها ترجع عليه، ولم يعتبر إذن حاكم، مع أنه لم يحك خلافًا في سقوط نفقة الزوجة بمضي الزمان بدون فرض الحاكم لها [بناءً على أنها لا تسقط بمضي الزمان في أشهر الروايتين](1).

- (ومنها): إذا أعاره شيئًا ليرهنه، ثم افتكه المعير بقضاء الدين؛ فإنه يرجع [ها](2) هنا قولًا واحدًا على ظاهر كلام القاضي.

- (ومنها): لو قضى أحد الورثة الدَّيْنَ عن الميت ليزول تعلقه بالتركة؛ فإنه يرجع أيضًا، ولم يذكر القاضي فيه خلافًا، وهذه المسألة والتي قبلها قد لا يطرد فيهما الخلاف؛ لأن الإِنفاق [ها هنا](3) لاستصلاح ملك المنفق؛ [فهو](3) كإنفاق الشريك على عمارة الحائط يرجع به بغير خلاف، وإنما الخلاف إذا كان الإِنفاق لاستصلاح ما تعلق به حق المنفق؛ إلا أن الأصحاب صرحوا باطراد الخلاف في صورة المساقاة مع تعلق الاستصلاح فيها بعين (4) مال المنفق.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب) ومذكور في المطبوع قبل قوله: "يمضي الزمان بدون فرض الحاكم لها"، وبعد:"في سقوط نفقة الزوجة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ج): "بغير"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 88

(القاعدة السادسة والسبعون)

الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى دفع (1) مضرة أو إبقاء منفعة؛ أجبر أحدهما على موافقة الآخر في

الصحيح من المذهب.

وفيه (2) رواية أخرى: إن أمكن أحدهما أن يستقل بدفع الضرر فعله، ولم يجبر الآخر معه، لكن إن أراد الآخر الانتفاع بما فعله شريكه؛ فله منعه حتى يعطيه حصة ملكه من النفقة، وإن (3) احتاجا إلى تجديد منفعة؛ فلا إجبار، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): إذا انهدم الحائط المشترك؛ فالمذهب إجبار الممتنع منهما بالبناء مع الآخر، نص عليه في رواية جماعة، فإن الإِجبار هنا من جنس المعاوضة، [والمعاوضة](4) في الأموال المشتركة واجبة لدفع (5)

(1) في المطبوع: "رفع".

(2)

في المطبوع: "وفي".

(3)

في المطبوع: "فإن".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ب): "كدفع".

ص: 89

الضرر في الانتزاع (1) بالشفعة وبيع ما لا يمكن قسمته، والمعنى (2) فيه أن المالك يستحق (3) الانتفاع بملكه ويجب على شريكه تمكينه منه، فإذا دار الأمر بين تعطيل الحق بالكلية وبين المعاوضة عليه؛ فالمعاوضة [عليه](4) أولى؛ لأنه يرجع فيها إلى الانتفاع بالبدل، بخلاف التعطيل.

وأما الرواية الثابتة بعدم الإِجبار؛ فهي مأخوذة من نص أحمد على عدم الإِجبار في بناء حيطان السفل إذا كان العلو لآخر وانهدم الكل: أنه لا يجبر صاحب العلو على البناء مع صاحب السفل في السفل، والفرق واضح؛ لأن السفل ملكه مختص بصاحبه، بخلاف الحائط المشترك، ولذلك عقد الخلال لكل واحد منهما بابًا، وذكر النص بالإِجبار في الحائط والنص بانتفائه في الصورة (5) الأخرى، وعلى تقدير ثبوت هذه الرواية في الحائط؛ فللشريك الاستبداد ببنائه من ماله بغير إذن حاكم، وصرح [به](6) القاضي في "خلافه"، واعتبر في "المجرد" استئذان الحاكم، ونص أحمد على أنه يشهد على ذلك؛ ولو منع الشريك الآخر من الانتفاع بما كان له عليه من الحقوق إن أعاده بآلة جديدة من ماله، وإن أعاده بآلته الأولى؛ ففيه وجهان:

أحدهما: ليس له المنع؛ لأنه عين ملكهما المشترك، وهو قول

(1) في المطبوع: "بالانتزاع".

(2)

في المطبوع: "والمغني".

(3)

في المطبوع: "مستحق".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج) و (أ).

(5)

في المطبوع و (ج): "بالصورة".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 90

القاضي في "المجرد" وابن عقيل والأكثرين.

والثاني: له المنع حتى يأخذ نصف قيمة التالف؛ لأنه متقوم حيث وقع مأذونًا فيه شرعًا، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في "خلافه"، وجزم به صاحب "المحرر"(1) وحكاه صاحب "التلخيص" عن بعض متأخري الأصحاب، وإذا أعاده بآلة جديدة واتفقا على دفع القيمة؛ جاز، لكن هل المدفوع نصف قيمة البناء، أو نصف ما أنفق عليه؟

ذكر القاضي في "خلافه"[فيه](2) روايتين مأخذهما: هل ذلك من باب الرجوع بما أنفق على ملكه بإذن معتبر، أو هو معاوضة عن ملك الثاني كضمان سراية العتق والاستيلاد؟

وإن امتنع الثاني (3) من القبول (4)، وطلب رفع البناء من أصله ليعيداه من مالهما؛ فقد يتخرج على هذا البناء، فإن قلنا: هو رجوع بما أنفق على ملكه؛ لم يكن له الامتناع، وإن قلنا:[هو](5) معاوضة؛ فله ذلك.

وفي "المجرد" و"الفصول": البناء على الإِجبار ابتداءً وعدمه، فإن قلنا: يجبر؛ أجبر هنا على التبقية، وإلا؛ فلا، وقد يقال: هو معاوضة، سواء كان بالقيمة أو بالنفقة، كما أن زرع الغاصب يعاوض عنه بالقيمة على رواية، وبالنفقة على أخرى، والإِجبار على المعاوضات لإِزالة الضرر غير

(1) انظر: "المحرر"(1/ 343).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "الثاني".

(4)

في المطبوع: "القول"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع و (ب).

ص: 91

مستبعد، فإن قيل: فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبة على جداره؛ فكيف منعتم ها هنا؟ قلنا: إنما منعنا (1) من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرًا، سواء كان محتاجًا إليه أو لم يكن، وأما التمكين من الوضع للارتفاق؛ فتلك مسألة أخرى، وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة.

والتزم ابن عقيل في "المفردات" تخريج رواية -من هذه المسألة- منع الجار من وضع الخشب مطلقًا، ثم اعتذر بأن حق الوضع هنا سقط عقوبة لامتناعه من النفقة الواجبة، وحمل حديث الزبير وشريكه في شِراج الحرَّة (2) على مثل ذلك.

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"منعناه"، وفي المطبوع:"منعناها هنا".

(2)

يشير المصنِّف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب سكر الأنهار، 5/ 34/ رقم 2359، 2360، وكتاب التفسير، باب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}، 8/ 254/ رقم 4585)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، 4/ 1829 - 1830/ رقم 2357)، والترمذي في "جامعه"(أبواب الأحكام، باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء، 3/ 644/ رقم 1363، وأبواب التفسير، باب ومن سورة النساء، 5/ 238 - 239/ رقم 3027)، والنسائي في "الكبرى"(كتاب التفسير، 1/ 391/ رقم 130)، و"المجتبى"(كتاب آداب القضاة، باب إشارة الحاكم بالرفق، 8/ 245)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأقضية، أبواب من القضاء، 3/ 315 - / 316 رقم 3736، والمقدمة، باب تعظيم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والتغليط على من عارضه، 1/ 7 - 8/ رقم 15، وكتاب الرهون، باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء، 2/ 829/ رقم 2480)، ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 337)، وغيرهم، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنهما: أنه حدثه: "أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شِراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء =

ص: 92

- (ومنها): إذا انهدم السقف الذي بين سفل أحدهما وعلو الآخر؛ فذكر الأصحاب في الإِجبار الروايتين، والمنصوص ها هنا أنه إن انكسر خشبه؛ فبناؤه (1) بينهما [لأن](2) المنفعة لهما جميعًا، وظاهره الإِجبار، وإن انهدم السقف والحيطان؛ لم يجبر صاحب العلو على بناء الحيطان؛ لأنها خاص ملك صاحب السفل، ولكنه يجبر على أن يبني معه السقف، فإن لم يفعل؛ أشهد عليه ومنعه من الانتفاع به حتى يعطيه حقه، ويجبر صاحب السفل على بنائه؛ لأنه سترة له. نقل ذلك عنه أبو طالب.

ونقل عنه ابن الحكم: أن صاحب السفل لا يجبر على البناء لأجل صاحب العلو، لكن صاحب العلو له أن يبني الحيطان ويسقف عليها ويمنع صاحب السفل من الانتفاع به حتى يعطيه [حقه](3) ما بني به السفل،

= يمر. فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمَّتك. فتلون وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجذر. فقال الزبير: واللَّه؛ إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65].

قال محمد بن العباس: قال أبو عبد اللَّه -أي: البخاري-: "ليس أحد يذكر عروة عن عبد اللَّه إلا الليث فقط".

والشِّراج: جمع شَرْجة؛ بفتح، فسكون، وهي مسيل الماء من الحرَّة إلى السهل.

والحرَّة: أرض ذات حجارة سود، وهي هنا اسم لمكان خاص قرب المدينة.

(1)

في المطبوع: "فيه فبناؤهما".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 93

ويكون لهما جميعًا. وهذا يحتمل أنه أراد [أن](1) يعطيه ما بنى به الحيطان [كله](2)؛ فيصير البيت [لهما](2)؛ كما كان لأحدهما سفله وللآخر علوه، وهو ظاهر كلامه.

ويحتمل [أنه](3) يعطيه نصف قيمة بناء السفل، وتكون الحيطان مشتركة بينهما، ولذلك حكى الأصحاب روايتين في مشاركة صاحب العلو لصاحب السفل في بناء الحيطان؛ حتى أخذ القاضي منها رواية بعدم الإِجبار في الحائط المشترك، وهو بعيد؛ لأن هذا المعنى لو كان صحيحًا؛ لكان الاشتراك حادثًا بعد البناء، فلا يلحق به الملك المشترك قبل البناء.

وحكى القاضي في "خلافه" في إجبار صاحب السفل على بناء حائطه لحق صاحب العلو ثلاث روايات:

إحداها (4): إجباره منفردًا بنفقته، وأخذها من رواية أبي طالب، وفيه نظر؛ لأن أحمد علل بأنه سترة له؛ فعلم أن إجباره لحق جاره لا لحق صاحب العلو، لكن (5) يقال: إن تضرر صاحب العلو بترك بناء السفل أشد من تضرر الجار بترك السترة؛ لأن هذا يمنعه حقه بالكلية، بخلاف ترك السترة، وهذه الرواية هي المذهب عند ابن أبي موسى.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع و (ج): "أن".

(4)

في المطبوع و (ج): "أحدها"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "ولكن".

ص: 94

والثانية: يجبر على الإِنفاق (1) على وجه الاشتراك، نقلها يعقوب بن بختان؛ فقال: يشتركون على السفل، وهو مروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه (2).

[و](3) الثالثة: لا يجبر، وهي رواية ابن الحكم.

وحكى في "المجرد"[في](4) إجبار كل منهما على أن يبني مع الآخر الحيطان [على روايتين](5)، وكذا في الإِجبار على بناء السقف الذي يختص بملك صاحب العلو، وحاصل هذا يرجع إلى أنه هل يلزم الإنسان بناء ملكه الخاص به إذا كان انتفاع غيره به مستحقًّا كما بلزمه دفع الضرر عنه ببناء السترة؟ وهل يلزم الشريك في الانتفاع البناء مع المالك كالشريك في الملك؟

وعلى هذا يخرج إذا كان له على حائط جار له يحاذيه ساباط بحق، فانهدم الحائط؛ هل يجبر المالك على بنائه؟

وظاهر (6) كلام القاضي في "خلافه" إجباره أن يبنيه منفردًا به بغير خلاف، ولعل هذا فيما إذا كان بحق معاوضة، ومثله ذكر ابن عقيل في "فنونه" في من له حق إجراء مائه على سطح غيره، فعاب السطح، ولو

(1) في المطبوع: "الاتفاق"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

أثر أبي الدرداء لم أظفر به.

(3)

و (4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في نسخ المطبوع: "روايتان"، وفي (ب) و (ج):"روايتين".

(6)

في (ب): "فظاهر".

ص: 95

بجريان مائه عليه؛ لم يلزم صاحب الماء المشاركة في الإِصلاح، وكذا لو كان [ماء تلك](1) الدار يجري إلى بئر بحق، فعابت البئر؛ لم يلزم صاحب الماء المشاركة في إصلاحها، وتخريج (2) ذلك كله على الخلاف في السفل الذي علوه لمالك [وأسفله لمالك](3) آخر [متوجه](4)، ويرجع إلى أن الشركة في الانتفاع هل هي كالشركة في الملك؟

- (ومنها): القناة المشتركة إذا تهدمت، ونص (5) أحمد على الإِجبار على العمارة كما سبق، ولم يذكر ابن أبي موسى فيه خلافًا، وإنما ذكر الروايتين في الحائط، والفرق أن الحائط يمكن قسمته، بخلاف القناة والبئر.

وطرد القاضي والأكثرون فيه الروايتين، وإذا لم نَقُلْ بالإِجبار فعمَّر أحدَهما؛ لم يكن له منع الآخر من الماء، ذكره القاضي في "المجرد" وابن عقيل [وصاحبا](6)"التلخيص" و"المغني"(7)؛ لأن الماء باقٍ على ما كان

(1) في (ب): "مالك"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع و (ج): "ويخرج".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب)، وأثبتها ناسخ (ج) في الهامش.

(4)

في المطبوع: "يتوجه".

(5)

في المطبوع ونسخة (ب): "نص" من غير واو.

(6)

كذا في (أ)، وفي (ج):"وصاحب" التلخيص" وصاحب "المغني""، وفي المطبوع:"وصاحب "التلخيص" و"المغني"".

(7)

قال في "المغني"(4/ 332/ 3547): "وأما البئر والنهر؛ فلكل واحد منهما الإنفاق عليه، وإذا أنفق عليه؛ لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء؛ لأن الماء ينبع =

ص: 96

عليه من الملك أو (1) الإِباحة، وإنما أزال الضرر عن طريقه، ولا يقع [الاستعمال على تلك](2) الآلات المعمور بها.

وفي "الخلاف الكبير" و"التمام"(3) لأبي الحسين: له المنع من الانتفاع بالقناة، ويشهد له نص [أحمد](4) بالمنع من سكنى السفل إذا بناه صاحب العلو ومنع الشريك من الانتفاع بالحائط إذا أعيد بآلاته العتيقة؛ لأن ذلك كله انتفاع بما بذل فيه الشريك [من](5) ماله؛ فيمنع منه بغير إذنه، [ولأن إنفاقه على نفسه وشريكه جائز؛ فيستحق الرجوع [عليه](6)، ولا يكون [به](7) متبرعًا] (8).

- (ومنها): إن ما يقبل القسمة من الأعيان إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وعلى التزام كلفها ومؤنها لتكميل نفع الشريك،

= من ملكيهما، وإنما آثر أحدهما في نقل الطين منه، وليس له فيه عين مال؛ فأشبه الحائط إذا بناه بآلته. . . ".

(1)

في المطبوع و (ب): "و".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الاشتغال على ملك"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

قال في "كتاب التمام"(2/ 37/ 241): ". . . فإن امتنع أحدهم من الإِنفاق وأنفق الآخر؛ كان له أن يمنع شريكه من الانتفاع حتى يعطيه نصف قيمة البناء".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عليه"، وفي (ج):" أحمد عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(8)

ما بين المعقوفتين كله مضروب عليه في (أ).

ص: 97

فأما ما لا يقبل القسمة؛ فإنه يجبر أحدهما على بيعه إذا طلب الآخر بيعه، نص أحمد على ذلك في "رواية الميموني"؛ قال (1): إذا اختلفوا في القسمة؛ فليس للمضار شيء، إذا كان يدخله نقصان ثمنه؛ بيع وأعطوا الثمن. وكذا نقل حنبل عن أحمد أنه قال: كل قسمة [يكون فيها](2) ضرر لا أرى أن يقسم، مثل عبد بين رجلين، وأرض في قسمتها ضرر، ويقال لصاحبها: إما أن تشتري وإما أن تتركه إذا كان ضررًا (3).

وصرح بذلك ابن أبي موسى والقاضي والحلواني والشيرازي وابن عقيل والسامري وصاحب "الترغيب"، وصرح بمثله في إجارة العين إذا لم يتفقا على المهايأة أو تشاحا، وكذلك قال القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في "انتصاره"، وكثير منهم صرحوا بأنه يباع عند طلب القسمة وإن لم يطلب البيع، ولهذا مأخذان:

أحدهما: أنه إذا تعذر قسمة العين عدل إلى قسمة بدلها وهو القيمة، وهذا مأخذ من قال: يباع بمجرد طلب القسمة، وهو ظاهر كلام أحمد.

والثاني: أن حق الشريك في نصف القيمة مثلًا لا في قيمة النصف، فلو باع نصيبه مفردًا؛ لنقص حقه، ويدل على أن حقه في نصف القيمة أن الشرع أمر في السراية أن يقوم العبد كله ثم يعطى الشركاء قيمة حصصهم.

وقد نص الأصحاب على أن للولي بيع التركة على الصغار والكبار إذا كان في تبعيضها ضرر واحتيج إلى البيع، وما دل عليه كلام بعضهم من

(1) في المطبوع: "فقال".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "منها".

(3)

في (ج): "إذا كان فيه ضررًا".

ص: 98

امتناع البيع على الكبار في غير هذه الصورة قد يكون بناءً على أن ضرر النقص (1) ليس بمانع من قسمة الإجبار؛ كقول الخرقي (2)، وإنما المانع منها أن لا ينتفع بالمقسوم؛ فحينئذ يكون عدم الإجبار على البيع في حالة نقص القيمة مبنيًا على أن القسمة ممكنة، ومع الإجبار عليها (3) لا يقع الإجبار على البيع.

ثم وجدت في "مسائل ابن منصور"(4) عن أحمد في عبد بين رجلين أراد أحدهما أن يبيع وأبى الآخر؛ قال أحمد: يبيع كل [واحد](5) منهما حصته، وهذا يدل على أنه لا إجبار على البيع مع الشريك، وهذا كله في [الملك](5) المشاع المشترك، فأما المتميز كمن في أرضه غرس لغيره أو في ثوبه صبغ لغيره إذا طلب أحدهما أن يبيع الآخر معه؛ ففي إجباره وجهان، أوردهما صاحب "المحرر"(6) في غراس المستعير؛ لأنه يستدام

(1) في المطبوع: "ما نقص".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 168/ 3146).

(3)

قال الزركشي في "شرحه على محتصر الخرقي"(7/ 295): "تنبيه: حيث توقّفت القسمة على التراضي؛ فهي بيع بلا ريب، وحيث لم تتوقف عليه، بل يجبر الممتنع عليها؛ فهي إفراز على المذهب المشهور المختار لعامة الأصحاب؛ لأنها تنفرد عن البيع باسم وحكم، فلم تكن بيعًا كسائر العقود، يحقق ذلك دخول الإجبار فيها مطلقًا، وليس لنا نوع من البيع كذلك".

وانظر: "الكافى"(3/ 472)، و"المحرر"(2/ 215)، و"الفروع"(6/ 511)، و"المقنع"(3/ 645).

(4)

انظر: "مسائل ابن منصور"(363/ 254).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

انظر: "المحرر"(1/ 360).

ص: 99

في الأرض؛ فلا يتخلص أحدهما من صاحبه بدون البيع، بخلاف غرس الغاصب؛ فإنه يتخلص منه بالقلع.

وأما الصبغ (1)؛ ففي "المغني"(2) وغيره في صبغ (3) الغاصب إن طلب مالك الثوب أن يبيع معه لزمه، وفي العكس وجهان، وجزم القاضي في "خلافه" بالإجبار على البيع بطلب الغاصب.

وأما صبغ المشتري إذا أفلس وأخذ البائع ثوبه وطلب أحدهما البيع؛ أجبر الآخر عليه، وهذا لأن الصبغ يستدام في الثوب؛ فلا يتخلص من الشركة فيه بدون البيع، وإنما فرقنا بين طلب الغاصب وغيره على وجه؛ لئلا يتسلط الغاصب بعدوانه على إخراج ملك غيره عنه قهرًا.

- (ومنها): قسمة المنافع بالمهايأة؛ هل تجب الإجابة إليها أم لا؟

المشهور عدم الوجوب، ولم يذكر القاضي وأصحابه في المذهب سواه، وفرقوا بين المهايأة والقسمة بأن القسمة إفراز أحد الملكين من الآخر، والمهايأة معاوضة حيث كانت استيفاء للمنفعة بمثلها (4) في زمن آخر، وفيها تأخير (5) أحدهما عن استيفاء حقه؛ فلا يلزم (6)، بخلاف قسمة الأعيان.

(1) في المطبوع: "فأما البيع".

(2)

"المغني"(5/ 141/ 3935).

(3)

في المطبوع: "بيع".

(4)

في المطبوع: "من مثلها".

(5)

في (ج): "وفيها إذا خير".

(6)

في (ج): "فلا تلزم".

ص: 100

ونص أحمد في رواية صالح وحنبل وأبي طالب في العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه (1) أو كاتبه؛ فإنه يكون يومًا لنفسه ويومًا لسيده [الباقي](2)، وتأوله القاضي على التراضي، وهو بعيد.

وحكى أبو بكر في "التنبيه" فيه روايتين:

إحداهما: يكون يومًا لنفسه ويومًا لسيده.

والأخرى (3): أن كسبه بينهما، وهذا يدل على وقوع المهايأة حكمًا من غير طلب.

وفي المسألة وجه آخر: أنه تجب المهايأة بالمكان دون الزمان؛ لانتفاء تأخر (4) استيفاء أحدهما لحقه (5) في المهايأة بالأمكنة، فهو كقسمة الأعيان، واختاره صاحب "المحرر"(6).

وعلى القول بانتفاء الوجوب مطلقًا؛ فيجوز بالتراضي، وهل تقع

(1) في المطبوع: "نصفه".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

وفي "مسائل صالح"(2/ 72 - 73/ 620): "قلت: عبد بين نفسين أعتق أحدهما نصيبه؟ قال (أي: أحمد): قد عتق نصفه، وإن كان للمعنق بقدر نصف قيمة العبد عتق في ماله، ويؤديه إلى الذي لم يعتق، وإن لم يكن في ماله، كان للعبد يوم وللرجل يوم" اهـ.

وانظر رواية نحوها في: "مسائل عبد اللَّه"(395/ 1427).

(3)

في (أ): "والآخر"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

فى (ج): "تأخير".

(5)

في (ب) و (ج): "بحقه".

(6)

"المحرر"(2/ 9).

ص: 101

لازمة إذا كانت مدتها معلومة أو جائزة؟

على وجهين، والمجزوم في "الترغيب" الجواز، واختار صاحب "المحرر"(1) اللزوم.

وعلى القول بالجواز لو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته؛ فله ذلك، وإن رجع بعد الاستيفاء؛ غرم ما انفرد به؛ [ولو استوفى أحدهما نوبته](2)، وقال الشيخ تقي الدين (3): لا ينفسخ (4) حتى ينقضي الدور ويستوفي كل [واحد](5) منهما حقه منه. ويمكن أن يؤخذ ذلك من مسألة القسم، وهي أن من له زوجتان، فقسم لإحداهما ثم أراد أن يطلق الأخرى؛ لم يجز له حتى يوفيها حقها من القسم لئلا يفوت حقها بالطلاق، ولا يقال: هذه القسمة لازمة، بخلاف المهايأة؛ لأنها إنما لزمت لأجل المساواة بين الزوجتين (6)، ولهذا قال القاضي ومن اتبعه: إن قسم الابتداء ليس بواجب، ولو استوفى أحدهما نوبته ثم تلفت المنافع في مدة الآخر قبل تمكنه من القبض؛ فأفتى الشيخ تقي الدين (7) رحمه الله بأنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن

(1)" المحرر"(1/ 348).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(3)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 350) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(4)

في (ب) -وهو الموافق لما في "الاختيارات الفقهية"-: "لا يفسخ"، وفي (ج):"لا تنفسخ".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(6)

في المطبوع: "الزوجية".

(7)

انظر نص كلامه في: "الاختيارات الفقهية"(ص 350).

ص: 102

المتأخر على أي حال كان جعلًا للتالف قبل القبض كالتالف في الإِجارة. قال: وسواء قلنا: القسمة إفراز أو بيع؛ فإن المعادلة معتبرة فيها على القولين، ولهذا ثبت فيها خيار العيب والتدليس. انتهى.

وهذا على القول بالجواز ظاهر، والكن الشيخ يرجح (1) اللزوم؛ فيتخرج (2) في الرجوع حينئذ وجهان بناءً على الروايتين فيما إذا تقاسم الشريكان الدين في ذمم الغرماء، ثم تلف أحدهما قبل القبض؛ هل يستحق صاحبه الرجوع على الآخر فيما قبضه أم لا؟

على روايتين، نقلهما معًا ابن منصور في "مسائله"(3) عن أحمد، ورواية الرجوع حملها الأصحاب على أن القسمة لم تصح، لكن المراد (4) بقولهم لم تصح أنها غير لازمة [لا أن](5) القبض بها محرم باطل، ولهذا قالوا: لو قبض شيئًا بإذن شريكه؛ لانفرد (6) به على الصحيح؛ فتكون حينئذ شبيهة (7) بالمهايأة.

- (ومنها): الزرع والشجر المشترك إذا طلب أحد الشريكين سقيه

(1) في المطبوع: "رجح"، وانظر: المرجع السابق.

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ):"فيخرج"، وفي (ج):"يتخرج"، وفي المطبوع:"ويتخرج".

(3)

انظر: "مسائل ابن منصور"(405/ 326).

(4)

في (أ): "مراهم".

(5)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) والمطبوع:"لأن".

(6)

في (أ): "لا يفرد".

(7)

في (أ) والمطبوع: "فيكون حينئذٍ شبهه".

ص: 103

وهو محتاج إلى ذلك؛ أجبر الآخر عليه، ذكره القاضي وحكاه عن أبي بكر فيما إذا أوصى لأحدهما بزرع وللآخر بتبنه، وأخذه (1) من مسألة الجدار، وهو أولى بالوجوب؛ لأن السقي من باب حفظ الأصل وإبقائه؛ فهو كدعامة السقف إذا انكسر بعض خشبه والحائط المائل، وذلك أولى بالوجوب من بناء الساقط؛ لأن إعادة الحائط بعد زواله شبيه بإحداث المنفعة، لكن لما كان ردًّا له إلى ما كان عليه؛ ألحق بالاستيفاء (2)، وألحق الشيخ تقي الدين (3) بهذا كل ما فيه حفظ الأصل إذا احتيج إليه؛ مثل الحارس والناظر والدليل على الطريق والرشوة التي يحتاج إليها لدفع الظلم عن المال.

وذكر القاضي أيضًا فيمن اشترى شجرًا وعليه ثمر للبائع: أن أحدهما إذا طلب السقي لحاجة ملكه إليه؛ أجبر الآخر على التمكين لدخوله على ذلك، وتكون الأجرة على الطالب لاختصاصه بالطلب دون صاحبه، وهذا يشمل ما إذا كان نفع السقي راجعًا إليهما، وعلل ذلك في "المغني"(4) بأن السقي لحاجته، وظاهره اختصاصه بحالة عدم حاجة الآخر؛ فإن النفع إذا كان لهما؛ [كانت المؤنة](5) عليهما كبناء الجدار، وإن عطش الأصل وخيف عليه الضرر [بترك الثمر عليه](6)؛ ففي الإجبار على القطع

(1) كذ افي (أ) والمطبوع، وفي (ب):"فأخذه"، وفي (ج):"وأخذناه".

(2)

في المطبوع: "باستيفاء المنفعة".

(3)

في "الاختيارات الفقهية"(ص 350).

(4)

انظر: "المغني"(4/ 66/ 2884).

(5)

في المطبوع: "فالمؤونة".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 104

[والتبقية](1) وجهان، ذكرهما في "المغني"(2)، وعلل الإِجبار (3) بأن الضرر لاحق بالثمر (4) لا محالة مع القطع والتبقية، والأصل ينحفظ بالقطع؛ فمراعاته أولى.

وذكر القاضي وابن عقيل فيما لو (5) وصى بثمر شجر لرجل وبرقبته (6) لآخر: أنه لا يجبر أحدهما على السقي؛ لأن أحدهما لم يدخل على حفظ مال الآخر، بخلاف الثمر المشترى في رؤوس النخل، وهذا في سقي أحدهما بخالص (7) حق الآخر، بخلاف (8) ما [سبق](9) في الوصية بالزرع والتبن (10).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

في "المغني"(4/ 66 - 67/ 2884) فرًق الموفق ابن قدامة رحمه الله بين إذا ما كان الضرر يسيرًا أو كثيرًا، فقال في الصورة الأولى:"لم يجبر على قطعها؛ لأنها مستحقة للبقاء، فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره"، وقال في الصورة الثانية: "وإن كان كثيرًا، فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها؛ ففيه وجهان:

أحدهما: لا يجبر أيضًا لذلك.

الثاني: يجبر على القطع؛ لأن الضرر يلحقها، وإن لم تقطع الأصول تسلم بالقطع؛ فكان القطع أولى. وللشافعي قولان كالوجهين" اهـ.

(3)

في المطبوع: "للإجبار".

(4)

في المطبوع: "للثمن"، وفي (ج):"للثمر"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ج): "فيما إذا".

(6)

في (أ): "ورقبته".

(7)

في (ج): "لخالص".

(8)

في (ج): "يخالف".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وانظر الهامش الآتي.

(10)

بعدها في (أ): "كما سبق".

ص: 105

(القاعدة السابعة والسبعون)

من اتصل [بملكه ملك](1) غيره متميزًا عنه وهو تابع له، ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه، وفي إبقائه على الشركة ضرر، ولم يفصله مالكه؛ فلمالك الأصل أن يتملكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول، وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل، فالمشهور أنه ليس له تملكه قهرًا لزوال ضرره بالفصل.

ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة:

- (منها): غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه (2) المالك؛ فللمؤجر تملكه بالقيمة (3) لأنه لا يملك قلعه بدون ضمان نقصه، وفيه ضرر عليه، ذكر ذلك القاضي وابن عقيل والأكثرون، ولم يشترط أبو الخطاب أن لا يقلعه المالك؛ فلعله جعل الخيرة لمالك الأرض دون مالك الغراس والبناء.

- (ومنها): غراس المستعير وبناؤه إذا رجع المعير أو انقضت مدة

(1) في المطبوع: "ملكه بملك".

(2)

في (أ): "ينقله".

(3)

في (أ): "بدون".

ص: 106

الإعارة، وقلنا: يلزم (1) بالتوقيت؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة، نقله عنه مهنا وابن منصور (2)، وكذلك نقل عنه جعفر بن محمد، لكن قال في روايته (3): يتملك بالنفقة ولمالكه القلع ابتداءً بغير خلاف، ولا يجبر عليه إذا كان فيه ضرر، وإن لم يكن فيه ضرر؛ فتردد فيه كلام الأصحاب، وظاهر كلام أحمد أنه لا يقلع بدون شرط.

- (ومنها): غراس المشتري في الأرض المشفوعة وبناؤه حيث يتصور [وصورته فيما إذا قاسمه الشقص المشفوع لإظهاره له زيادة في الثمن ونحو](4) ذلك إذا انتزع الشفيع؛ فإنه يأخذه مع الأرض بقيمته، نص عليه، ولمالكه أن يقلعه أيضًا، ولا يجبر عليه إلا أن يضمن له النقص.

- (ومنها): غراس المفلس وبناؤه إذا رجع بائع (5) الأرض [فيها](6)؛ فللمفلس والغرماء القلع، فإن أَبَوْهُ وطلب البائع التملك بالقيمة ملكه، وكذلك (7) إذا طلب القلع مضمونًا.

- (ومنها): إذا أصدقها أرضًا، فغرست فيها أو بنت، ثم طلقها قبل

(1) في (ب): "تلزم".

(2)

في "مسائل ابن منصور"(498/ 473) قال أحمد: ". . . له قيمة بنائه الا أن يكون شرط عليه أن يقلع" اهـ.

(3)

في المطبوع و (ج): "رواية".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج)، وأثبته ناسخ (ب) في الهامش.

(5)

في المطبوع: "صاحب".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في (ج): "وكذا".

ص: 107

الدخول، فطلب الرجوع في نصفها وبذل نصف قيمة الغراس والبناء؛ قال الخرقي: يجبر على القبول (1)، وقال القاضي: يسقط حقه إلى القيمة (2)؛ فليست المسألة على قوله (3) مما نحن فيه.

فإن قيل: هذه المسألة والتي قبلها يتملك فيهما الغراس والبناء مع الأرض؛ فلا يكون (4) من صور مسائل القاعدة.

قيل: بل هما منها؛ فإن الشفيع إنما استحق انتزاع بناء المشتري وغراسه لأنه أحدثه في حاك تعلق حقه به؛ فكأنه [قد](5) أحدثه في ملكه، وكذلك الزوجة؛ لأنها قبل الدخول لم يستقر لها الملك على النصف لتعرضه لعوده إلى الزوج باختياره تارة وبغيره أخرى، وفي انتقال ملك النصف إليها خلاف مشهور؛ فكذلك استحق (6) الزوج تملكه.

- (ومنها): القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس وبنى؛ فللمالك تملكه بالقيمة، كغراس المستعير، ولا يقلع إلا مضمونًا لاستناده (7) إلى الإذن، ذكره القاضي وابن عقيل.

(1) نحوه في مسألة "ما إذا أصدقها عبدًا صغيرًا، فكبر، ثم طلقها قبل الدخول"؛ راجعها في "المغني"(7/ 173/ 5583).

(2)

هنا كتب في هامش (ب): "يعني: قيمة نصف الأرض، ويسقط حقه فيها".

(3)

فى المطبوع و (ج): "على قوله؛ فليست المسألة" كذا بتقديم وتأخير.

(4)

ما بين المطبوع: "يكونان".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في المطبوع: "يستحق".

(7)

في المطبوع: "بالإسناد".

ص: 108

- (ومنها): غرس المشتري من الغاصب إذا لم يعلم بالحال، والمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة ولا يقلع مجانًا، نقله عنه حرب ويعقوب بن بختان في رجل باع أرضًا من رجل فعمل فيها وغرس ثم استحقها آخر، قال: يرد عليه قيمة الغراس أو نفقته، ليس هذا مثل من غرس في أرض غيره.

وكذلك نقل محمد بن أبي حرب (1) الجَرْجَرَائِيُّ (2) عن أحمد فيمن اشترى أرضًا فغرس فيها وعمل ثم استحقها آخر: أنه يرد عليه قيمة الغراس يوم يستحق، ليس هذا مثل الغرس (3) في أرض غيره فيقلع غرسه.

وحمل القاضي هذه النصوص على أن له القيمة على من غره (4)؛ كما في المغرور (5) بنكاح أمة؛ قال: فأما المستحق للأرض (6)؛ فلا ضمان عليه لأنه لم يحصل منه إذن في ذلك.

وهذا مخالف لمدلول هذه النصوص على ما لا يخفى، وكونه لم يحصل منه إذن لا ينفي كون الغراس محترمًا (7)، كما نقول فيمن حمل

(1) كذا في (ج)، ولعله الصواب، وفى المطبوع:"نقل عنه محمد بن أبي حرب"، وسقط من (أ) و (ب) كلمة "أبي".

(2)

في المطبوع و (ج): "الجرجاني".

(3)

في المطبوع: "الغراس".

(4)

في المطبوع و (أ): "غيره"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "الغرور"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

في المطبوع و (ج): "الأرض".

(7)

في المطبوع و (ج): "محرَّمًا".

ص: 109

السيل إلى أرضه نوًى، فنبت شجرًا: إنه كغراس المستعير على أصح الوجهين، لا يقلع مجانًا؛ لعدم التعدي في غرسه، وهو اختياره (أعني: القاضي)، وأقرها القاضي (1) في موضع [آخر](2) من "خلافه" رواية، وكذلك صاحب "المحرر"(3).

ولكن الذي ذكره ابن أبي موسى والقاضي في "المجرد" وتبعه عليه المتأخرون: أن للمالك قلعه مجانًا، ويرجع المشتري بالنقص على من غره.

والصحيح الأول، ولا يثبت عن أحمد سواه، وهو قول الليث ومالك وأبي عبيد، وبه قضى عمر بن الخطاب (5) وعمر بن عبد العزيز (4) رضي اللَّه

(1) في المطبوع: "الباقي"، وهو خطأ.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 360).

(4)

أخرج أبو عبيد في "الأموال"(367) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال"(2/ 646) أيضًا بإسنادٍ حسن عن سليمان بن داود الخولاني: "أن عمر بن عبد العزيز كان يقضي في الرجل إذا أخذ الأرض فعمرها وأصلها ثم جاء صاحبها يطلبها: أنه يقول لصاحب الأرض: ادفع لهذا ما أصلح فيها؛ فإنما عمل لك، فإن قال: لا أقدر على ذلك؛ قال للآخر: ادفع إليه ثمن أرضه".

(5)

يشير المصنف إلى ما أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(366) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال"(2/ 643 - 644/ رقم 1061) -، ويحيى بن آدم في "الخراج"(86)، وأبو يوسف في "الخراج"(61)؛ عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن شعيب -وزاد أبو يوسف: عن أبيه-: "أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقطع أقوامًا أرضًا، فجاء آخرون في زمن عمر فأحيوها، فقال لهم عمر حين فزعوا اليه: تركتموهم يعملون ويأكلون ثم تغيرون عليهم، لولا أنها قطيعة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أعطيتكم شيئًا، ثم قومها عامرة، وقومها غامرة، =

ص: 110

عنهما؛ لكن عمر بن الخطاب خير صاحب الأرض بين أن يعطي الغارس قيمة غرسه وبين أن يدفع الغارس إليه قيمة أرضه، وكذلك قضى عمر بن عبد العزيز؛ لكنه إنما قضى بدفع قيمة الأرض إلى المالك عند عجزه عن دفع (1) قيمة الغراس.

= ثم قال لأهل الأصل: إن شئتم فردوا عليهم ما بين ذلك، وخذوا أرضكم، وإن شئتم ردوا عليكم ثمن أديم الأرض، ثم هي لهم. قال معمر: ولم أعلم أنهم علموا أنها لقوم حبن عمروها".

وإسناده ضعيف، وهو مرسل، وابن أبي نجيح مدلس، وقد عنعن.

وأخرج ابن زنجويه في "الأموال"(2/ 645/ رقم 1063): ثنا محمد بن يوسف، أنا سفيان، عن رجل، عن مجاهد:"أنَّ قومًا انتزعوا على أرضٍ قوم، فغرسوها نخلًا، فاختصموا إلى عمر؛ فقال لأصحاب الأرض: ادفعوا إليهم قيمة نخلهم، فإن أبيتم؛ أخذوا الأرض بالقيمة".

وهذا إسناد ضعيف لرجلٍ مبهمٍ، وهو منقطع، مجاهد لم يسمع من عمر.

نعم، سمى يحيى بن آدم في "الخراج"(91) اسم المبهم، فقال: حدثنا أبو حماد، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد نحوه.

ولكن شيخه أبو حماد هو المفضل بن صدقة الكوفي، ضعيف، وقال النسائى عنه:"متروك"؛ فالإسناد ضعيف مع انقطاعه.

وأخرجه أبو عبيد في "الأموال"(366) -ومن طريقه ابن زنجويه في "الأموال"(2/ 645/ رقم 1064): أنا ابن أبي مريم، عن مالك بن أنس، عن حميد الأعرج، وغير مالك يقول عن مجاهد:"أن رجلًا أحيا أرضًا مواتًا، فغرس فيها وعمّر، فأقام رجُلٌ البينة أنها له، فاختصما إلى عمر بن الخطاب؛ فقال لصاحب الأرض: إن شئت قوّمنا عليك ما أحدث هذا فأعطينه إياه، وإن شئت أن يعطيك قيمة أرضك أعطاك".

(1)

في المطبوع: "رفع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 111

وقد ذكر هذه الآثار أبو عبيد [القاسم بن سلام](1) في كتاب "الأموال"(2) والخلال في (كتاب القرعة) من "الجامع"(3).

- (ومنها): غراس الغاصب وبناؤه، والمشهور عن أحمد أن للمالك قلعه مجانًا، وعليه الأصحاب، وعنه رواية ثانية: لا يقلع، بل يتملك بالقيمة أيضًا، وممن حكاها القاضي وابن عقيل في "كتاب الروايتين"(4) لهما، وخرجاها (5) في "خلافيهما" من (مسألة الصبغ)، ونص عليها (6) أحمد في "رواية بكر بن محمد عن أبيه" فيمن غصب أرضًا أو دارًا وبنى (7) فيها؛ قال: يعجبني أن يغرم البناء ويعطي (8)؛ لأنه إن أخذ الغاصب بناءه؛ تضررت (9) الأرض في الخراب والهدم، ويكون أيضًا ذهاب مال الغاصب

(1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(2)

انظر: "الأموال" لأبي عبيد (365 - 367).

(3)

طبع قسم منه في مجلدين، وهر ما يخص "أهل الملل والرِّدَّة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض"، بتحقيق إبراهيم حمد السلطان عن دار المعارف سنة (1406 هـ)، وكان قد طبع منه قبل ذلك "أحكام أهل المل" و"الوقوف والترجل" بتحقيق سيد كسروي حسن عن دار الكتب العلمية.

(4)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى (1/ 418 - 420)

(5)

في (ج): "وخرجاهما".

(6)

في (ج): "عليهما".

(7)

في (ب): "ثم بنى".

(8)

في المطبوع: "ويغطى".

(9)

كذا في (أ)، وفي (ب):"بناءه يضر برب"، وفي المطبوع و (ج):"بناء أضر برب".

ص: 112

في الآجر والجص (1) وكل شيء.

وفي "مسائل ابن هانئ"(2) عن أحمد في رجل اكترى أرضًا يغرس (3) فيها أشجارًا واشترط عليه رب الأرض أن لا يغرس فيها غيره فغرس فيها شجرًا (يعني: غير ما اشترطه)، وأثمر الشجر، وأراد أن يقلع الغرس (4)؛ قال: لا يقلع الشجر من الأرض، يضر (5) بهما جميعًا.

وعلى هذه الرواية؛ فلا يقلع إلا مضمونًا؛ كغرس المستعير (6) كذلك، حكاها القاضي وابن عقيل؛ فلذلك يملكه (7) بالقيمة حيث لم يمكن (8) القلع بدون ضرر.

- (ومنها): إذا بنى الوارث في الأرض الموصى (9) بها؛ قال ابن أبي موسى: إن كان غير عالم بالوصية؛ فهو محترم يتملك بقيمته غير مقلوع وجهًا واحدًا، وإن كان عالمًا بالوصية؛ فكذلك، ويتوجه أن يُقْلَع بناؤه (10).

(1) في (ب): "الجص والآجر"كذا بتقديم وتأخير.

(2)

(2/ 25/ 1281).

(3)

في المطبوع: "فغرس"

(4)

في المطبوع: "الغراس".

(5)

كذا في (ب) و (ج) و"مسائل ابن هانئ"، وفي (ج):"فيضر"، وفي المطبوع:"لئلا يضر".

(6)

كذا في (أ) و (ب)، ولعله الصواب، وفي المطبوع و (ج):"لغرس".

(7)

كذا فى (ب)، وفي المطبوع:"بذلك يملك"، وفي (ج):"فلذلك تملك"، وفي (أ):"فكذلك يملك".

(8)

في المطبوع: "يكن"، والصواب ما أثبتناه.

(9)

في بعض نسخ المطبوع: "الوصي"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(10)

في المطبوع و (ج): "بناءه".

ص: 113

ولم يفرق بين ما قبل القبول وبعده؛ فإن ظاهر كلامه أن الوصية تملك بالموت من غير قبول، فإنه ذكر أن من وصَّى (1) لمن لا يعرف؛ حملت وصيته إلى الحاكم ليفرقها في أبواب البر، ونص أحمد على ذلك أيضًا، ولكن ما ذكره من أن الوارث إذا بنى وهو عالم بالوصية أن بناءه لا يقلع يَشْكُل على ذلك؛ لأنه يكون كبناء الغاصب، وأما غير العالم؛ فبناؤه كبناء المشتري من الغاصب على ما سبق، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور": أن البناء للورثة ولم يتعرض (2) لتملكه عليهم ولا لقعله، وظاهره (3) أنه محترم، وذلك يرجع إلى أن الموصى له يملكه من حين القبول، أما إن قيل: يملكه بالموت أو يتبين بقبوله ملكه بالموت؛ فالبناء (4) في الأرض مع العلم بالحال تفريط وعدوان.

- (ومنها): من كان في أرضه نخلة لغيره، فلحق صاحب الأرض ضرر بدخوله؛ قال أحمد في "رواية حنبل"، ذكر له الحديث الذي ورد في ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر صاحبها أن يبيع فأبى، فأمره أن يناقل، فأبى، فأمره أن يهب، فأبى؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنت مضار، اذهب فاقلع نخله"(5).

(1) في المطبوع: "أوصى".

(2)

في (ج): "ولم يعترض"، ولعل الصواب. ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "فظاهره".

(4)

في (أ): "بالبناء"، وله وجه.

(5)

أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب الأقضية، أبواب من القضاء، 3/ 315/ رقم 3636) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(9/ 29) -، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 157)؛ من طريق حماد، ثنا واصل مولى أبي عُيينة؛ قال: سمعتُ أبا جعفر =

ص: 114

قال أحمد: كلما كان على هذه الجهة وفيه ضرر يمنع من ذلك، فإن أجاب، وإلا؛ جبره (1) السلطان، ولا يضر بأخيه إذا كان ذلك فيه رفق (2) له.

والحديث المشار إليه أخرجه أبو داود في "السنن"، وأورده الخلال في "الجامع" من وجه آخر، ولا يقال: لم يأمره بضمان النقص؛ فيكون كغرس الغاصب؛ فكيف يتملك لأنا [قد](3) قدمنا الخلاف في غرس الغاصب.

وأيضًا؛ فالأمر بالقلع هنا إنما كان عند الإِصرار على المضارة والامتناع من قبول ما يدفع ضرر المالك، ولهذا قال أصحابنا في المستعير إذا امتنع المعير من الضمان مطلقًا، فطلب (4) قيمة الغراس والبناء؛ أجيب

= محمد بن علي يحدّث عن سَمُرَة بن جُندُب: "أنه كانت له عَضُدٌ من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سَمُرة يدخل إلى نخلةٍ فيتأذَّى به، ويشُقُّ عليه، فطلب إليه أن يبيعه، فأبى. . . " وذكر نحوه.

وإسناده ضعيف؛ لأنه منقطع.

قال ابن حزم: "هذا منقطع؛ لأنّ محمد بن علي لا سماع له من سَمُرة".

ونقله عنه ابن التركماني في "الجوهر النقي"، وأقرَّه. وانظر:"تحفة الأشراف"(4/ 83/ رقم 4633)، و"جامع المسانيد"(5/ 587) لابن كثير.

وواصل مولى أبي عيينة، وثقه أحمد وابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 588).

وانظر: "تهذيب الكمال"(30/ 409 - 410)، والتعليق عليه.

(1)

في (ج): "أجبره".

(2)

في المطبوع: "مرفق".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج)، وفي (ج):"ولأنا".

(4)

في (ب): "وطلب".

ص: 115

إلى ذلك، وإن طلب القلع وضمان النقص؛ لم يجب.

- ومن ذلك: إذا اشترى حيوانًا يؤكل واستثنى رأسه أو أطرافه؛ فإنه يصح، وإذا (1) امتنع المشتري من الذبح؛ لم يجبر (2)، وكان له قيمة المستثنى، نص عليه، ومن ذلك من ملك ثوبًا فصبغه ثم زال عنه ملكه (3) بفسخ؛ هل يملك من عاد إليه الملك تملُّك (4) الصبغ بالقيمة أم لا؟

قال الأصحاب في بايع المفلس إذا رجع (5) إليه الثوب وفيه صبغ: إن له (6) تملكه بالقيمة؛ لأنه معد للبيع، ولا بد؛ فيكون البائع أولى به (7) لاتصاله بملكه، وأما إن رجع إليه بفسخ لعيب (8)؛ فالمشهور أنه لا يملك تملكه قهرًا.

وخرج ابن عقيل وجهًا آخر: أنه يتملكه بالقيمة من مسألة الخرقي في الصداق، حيث قال: له تملك الصبغ بقيمته، ونقل حنبل عن أحمد: أن المشتري يرد المعيب (9) على البائع ويأخذ منه قيمة الصبغ، وهذا يشعر بإجبار البائع على دفع قيمته.

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"فإذا".

(2)

في المطبوع: "يجب".

(3)

في (ب): "ملكه عنه" بتقديم وتأخير.

(4)

كذا في (ب)، وفي (أ):"يملك"، وفي المطبوع:"ويملك".

(5)

في المطبوع. "دفع".

(6)

في (ج): "أنه له".

(7)

في المطبوع و (ج): "منه".

(8)

في المطبوع: "بعيب".

(9)

في المطبوع: "المبيع".

ص: 116

وأما الغاصب إدا صبغ الثوب؛ فهل للمالك تملك الصبغ بقيمته قهرًا أم لا؟

فيه وجهان، واختيار (1) القاضي وابن عقيل عدمه، وصحح بعض الأصحاب خلافه؛ لأن المشهور أنه لا يملك قلعه (2)، ويملكه على وجه مضمونًا، بخلاف البناء والغراس؛ فلا يتخلص من الضرر بدون ملكه.

[فأما](3) الآثار التي يقع بها الشركة، كضرب الحديد مسامير ونجر الخشب أبوابًا؛ فإن كان ذلك من الغاصب؛ فنص أحمد في "رواية ابن الحكم"(4) على أن المالك يدفع إليه قيمة الزيادة، ويتملكه عليه، وكذلك (5) قال ابن أبي موسى والشيرازي، لكنهما جعلا المردود نفقة العمل دون القيمة.

* * *

(1) في المطبوع و (ج): "واختار".

(2)

وقع في المطبوع بعده: "فيه وجهان، واختار القاضي. . . " إلى: "لا يملك قلعه"، وهو تكرار لا داعي له.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إلى أن قال: وأما".

(4)

في المطبوع: "محمد بن الحكم".

(5)

في المطبوع و (ج): "وكذا".

ص: 117

(القاعدة الثامنة والسبعون)

من أدخل النقص على ملك غيره، لاستصلاح ملكه وتخليصه (1) من ملك غيره، فإن لم يكن (2) ممن دخل النقص عليه تفريط (3) باشتغال ملكه بملك غيره؛ فالضمان على من أدخل النقص، وإن كان منه تفريط؛ فلا ضمان على من أدخل النقص، وكذا إن وجد ممن دخل النقص عليه إذن في تفريغ ملكه من ملك غيره؛ حيث لا يجبر الآخر على التفريغ، وإن وجد منه إذن في إشغال ملكه بمال غيره، حيث لا يجبر الآخر على التفريغ؛ فوجهان.

ويتفرع (4) على ذلك مسائل كثيرة:

- (منها): لو باع دارًا فيها ناقة لم تخرج من الباب إلا بهدمه؛ فإنه يهدم، ويضمن المشتري (5) النقص.

- (ومنها): لو اشترى أرضًا فيها زرع للبائع، فحصده، فإن لم يبق

(1) في المطبوع: "تملكه وتخلصه".

(2)

في (ج): "يدخل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "بتفريط".

(4)

في المطبوع: "ويفرع".

(5)

في المطبوع و (ج): "للمشتري".

ص: 118

له عروق أو كانت لا تضر؛ فليس عليه نقلها، وإن كانت تضر عروقه بالأرض؛ كالقطن والذرة؛ فعليه النقل وتسوية الحفر، ذكره القاضي وابن عقيل.

- (ومنها): لو دخل حيوانُ غيرِهِ دارَهُ وتعذَّر إخراجه بدون هدم بعضها، أو أدخلت بهيمة غيره رأسها في قدره، أو وقع دينار غيره في محبرته وتعذر إخراجه بدون الكسر؛ ولم يكن ذلك بتفريط أحد، فهدمت الدار وكسرت القدر أو المحبرة؛ فالضمان على صاحب الحيوان والدينار.

- (منها): لو حمل السيل إلى أرضه غرس غيره، فنبت فيها، فقلعه مالكه؛ فعليه تسوية حفره.

- (ومنها): لو اشترى أرضًا فغرسها، ثم أفلس ورجع فيها البائع، واختار المفلس والغرماء القلع؛ فعليهم تسوية الحفر وضمان أرش النقص؛ لأنه نقص حصل بفعلهم (1) في ملك البائع لتخليص (2) ملكهم منه.

- (ومنها): لو غصب فصيلًا وأدخله داره، وكبر وتعذر إخراجه بدون هدمها؛ فإنها تهدم من غير ضمان لتفريطه، وكذلك (3) إذا غصب غراسًا وغرسه في أرضه؛ فإنه يقلع ولا يضمن حفره.

- (ومنها): لو غصب ثوبًا فصبغه، ثم طلب قلع صبغه، وقلنا (4)

(1) في المطبوع: "بنعلهم"، وهو خطأ.

(2)

في المطبوع: "ليخلص".

(3)

في (أ): "وكذا".

(4)

في المطبوع: "وقلبا".

ص: 119

يملكه؛ فعليه [ضمان](1) نقص الثوب بذلك، كما لو غرس الأرض التي غصبها ثم قلع غرسه.

- (ومنها): لو أعاره أرضًا للغرس (2) ثم أخذ غرسه [منها](3)، فإن كان قد شرط عليه القلع؛ فلا يلزمه ضمان النقص بذلك ولا تسوية الحفر؛ لأن المالك رضي بذلك باشتراطه (4) له، وإن لم يشترط (5) القلع؛ فوجهان:

أحدهما: لا يلزمه أيضًا، قاله القاضي وابن عقيل، لأن الإعارة مع العلم بجواز (6) القلع رضاء بما ينشأ عنه من الحفر.

والثاني: يلزمه ذلك (7)، وبه جزم صاحب "الكافي"(8)؛ لأنه قلع باختياره، حيث لا يجبر عليه؛ فقد أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ماله.

وعلى هذا، فلو طلب منه المالك القلع وبذل [له](9) أرش النقص؛ فينبغي أن لا يلزمه التسوية؛ لأن القلع بأمر المالك مع أن كلام ابن عقيل

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع: "للغراس".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في (أ): "فاشتراطه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في (ج): "يشترط"، وفي المطبوع:"يشترط عليه القلع".

(6)

في (ج): "يجوز"، والصواب ما أثبتناه.

(7)

في (أ): "كذلك"، والصواب ما أثبتناه.

(8)

انظر: "الكافي"(2/ 384).

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 120

وغيره يشعر بخلاف ذلك، فأما الإعارة للزرع إذا كانت (1) عروقه النامية (2) تضر بالأرض؛ فقد يقال: لا يجب؛ لأن الإذن فيه مع العلم بأنه لا يبقى رضا بما ينشأ من قلعه المعتاد.

- (ومنها): إذا أجره أرضًا للغراس وانقضت المدة؛ [فإن](3) كان القلع مشروطًا عند انقضائها؛ فلا ضمان، وإن لم يكن مشروطًا، ففيه الوجهان أيضًا.

ولم يحك صاحب "الكافي"(4) في الضمان خلافًا، و [كذلك](5) هو ظاهر كلام القاضي في "المجرد"، وعلل بأنه قلع غرسه من أرض غيره التي لا يدله عليها بغير أمره، وجزم صاحب "التلخيص" بعدم الضمان، ولم يذكر فيه خلافًا، وعلل بأن المالك دخل على ذلك.

- (ومنها): إذا غرس المشتري في الأرض ثم انتزعها الشفيع، فقلع المشتري غرسه؛ ففيه وجهان:

أحدهما: عليه تسوية الحفر وضمان [النقص](6)، وهو ظاهر كلام الخرقي (7)؛ لأنه فعله (8) في ملك غيره لتخليص ملكه.

(1) في المطبوع: "كان".

(2)

في المطبوع: "الثابتة"، وفي (ج):"الباقية".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

انظر: "الكافي"(2/ 384).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

انظر: "المغني"(5/ 128/ 3911).

(8)

في المطبوع: "لأن قلعه".

ص: 121

والثاني: لا يلزمه ذلك، ذكره القاضي، وبه جزم في "الكافي"(1) معللًا بانتفاء عدوانه مع أنه جزم في باب العارية بخلافه (2)، والقاضي إنما علل (3) بأنه [نزع](4) ملك نفسه من ملك نفسه، وهذا إنما يكون إذا قلع قبل تملك الشفيع لا بعده.

* * *

(1) انظر: "الكافي"(2/ 384).

(2)

انظر: "الكافي" أيضًا (2/ 384).

(3)

في المطبوع "عاله"، وهو خطأ.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 122

(القاعدة التاسعة والسبعون)

الزرع النابت في أرض الغير بغير إذن صحيح أقسام.

القسم الأول: أن يزرع عدوانًا محضًا غير مستند إلى إذن بالكلية، وهو زرع الغاصب؛ فالمذهب أن المالك إن أدركه نباتًا في الأرض؛ له تملكه بنفقته أو بقيمته على اختلاف الروايتين، وإن أدركه قد حصد؛ فلا حق له فيه، ونقل حرب عن أحمد أن له تملكه أيضًا.

ووهم أبو حفص العكبري ناقلها، على أن من الأصحاب من رجحها بناءً على أن الزرع نبت (1) على ملك مالك الأرض ابتداءً، والمعروف في المذهب خلافه.

والمعتمد عند الأصحاب في المسألة هو حديث رافع بن خديج (2)، وقد احتج به أحمد تارة، وقال تارة: ما أراه محفوظًا، وذكر فيه حديثًا آخر مرسلًا من مراسيل الحسن بن محمد بن الحنفية، وقال: هو شيء لا يوافق القياس، وفرق بين زرع الغاصب وغرسه؛ حيث يقلع غرسه كما دل

(1) في (ج): "بنبت".

(2)

سيأتي لفظه وتخريجه قريبًا إن شاء اللَّه تعالى، وكذا كلام الإمام أحمد عليه.

ص: 123

عليه قوله: "ليس لعرق ظالم حق"(1) بأن (2) الزرع يتلف بالقلع؛ فقلعه فساد، بخلاف الغرس.

(2) في المطبوع: "فإن".

(1)

ورد عن جمع من الصحابة، ومن عدّة طرق، هم:

• سعيد بن زيد.

أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب إحياء الموات، رقم 3073)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة"(4/ 10)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، رقم 1378)، والبزار في "المسند"(4/ رقم 1256)، وأبو يعلى في "المسند"(2/ رقم 957)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 99، 142)، والضياء في "المختارة"(3/ رقم 1096، 1097، 1098)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 281) -؛ جميعهم من طربق عبد الوهاب الثقفي، عن أبوب السختياني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد رفعه بلفظ:"من أحيا أرضًا ميتةً؛ فهي له، وليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ".

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وقال:"وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلًا".

قلت: نعم، تفرد به عبد الوهاب الثقفي، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن جماعة رووه عن هشام عن أبيه مرسلًا.

قال البزار عقبه: "وهذا الحديث قد رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلْا، ولا نحفظ أحدًا قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد؛ إلا عبد الوهاب عن أيوب".

قلت: وعبد الوهاب هو الثقفى، ثقة تغيَّر قبل موته بثلاث سنين، وروايته هذه شاذّة.

• عروة بن الزبير مرسلًا.

أخرجه النسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة"(4/ 10) - من طريق يحيى بن سعيد ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 267) والبيهقي في "الكبرى"(6/ 142) من طريق =

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سفيان بن عيينة، وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 74) من طريق وكيع، وابن زنجويه في "الأموال"(رقم 1053) من طريق سفيان الثوري، ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 266) من طريق قيس بن الربيع، وبرقم (268) من طريق يزيد بن عبد العزيز، وبرقم (272) والبيهقي (6/ 142) من طريق عبد اللَّه بن إدريس، وأبو عبيد في "الأموال"(363) من طريق سعيد بن عبد الرحمن، وأبو عبيد أيضًا من طريق أبي معاوية -محمد بن خازم الضّرير-، ومالك في "الموطأ"(2/ 743 - رواية يحيى، و 295/ رقم 834 - رواية محمد بن الحسن، و 2/ 466/ رقم 2893 - رواية أبي مصعب) -ومن طريقه الشافعي في "الأم"(3/ 268) و"المسند"(382)، وعنه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف"(4/ 1849)، وفي مطبوعه زيادة:"عن عائشة"، وهو وهم من دون الشافعي، ولذا قال عقبه:"أسنده من عائشة وغيره يرسله"، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 143) و"المعرفة"(9/ 7/ رقم 2171) -؛ جميهم عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلًا باللفظ المذكور.

وأخرجه عبد الرزاق -كما في "التمهيد"(22/ 280) و"الاستذكار"(22/ 208) - عن معمر، عن هشام بن عروة؛ قال:"خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في أرضٍ حازها، فقال عمر: من أحيا من مَيْتِ الأرض شيئًا؛ فهو له. فقال له عروة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أحيا شيئًا من ميّتِ الأرض؛ فهو له، وليس لعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ".

وهذا يؤيّد صحة الرواية المرسلة، ويؤكّد ذلك أيضًا ما أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 274) والبيهقي (6/ 99) من طريق أبي شهاب، وأبو داود في "السنن"(رقم 307) -ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار"(22/ 208/ رقم 32458) و"التمهيد"(22/ 282) - من طريق عبدة، وأبو داود في "السنن"(رقم 3075) والبيهقي (6/ 99 - 100) من أبي وهب، ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 275) والبيهقي (6/ 99) من طريق عبد الرحيم، وأبو يوسف في "الخراج"(64 - 65)؛ خمستهم عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه مثله، وفيه زيادة.

وأخرجه الدارقطني في "السنن"(3/ 35 - 36)، وابن زنجويه في "الأموال"(2/ 639/ رقم 1054)؛ من طريق يعلى، عن ابن إسحاق، عن يحيى وهشام، معًا به. =

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأفاد ابن عبد البر في "الاستذكار"(22/ 209) أن رواية عروة هذه تقضي على أن من روى هذا الحديث مرسلًا كما رواه مالك أصح من رواية من أسنده، وقال:"ويشهد ذلك أيضًا اختلاف الذين أسندوه في "إسناده".

قلت: وفَصَّل الاختلاف فيه على هشام على ألوانٍ وضروبٍ في "التمهيد"(22/ 280)، وكذا الدارقطني في "العلل"(4/ 414 - / 416 رقم 665)، ومما قال:"واختلف فيه على هشام بن عروة؛ فرواه الثوري عن هشام عن أبيه؛ قال: حدثني من لا أتّهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعه جرير بن عبد الحميد".

ثم أسنده الدارقطنى في "العلل"(4/ 416) من طريق سفيان، عن هشام، عن أبيه؛ قال: حدثني من لا أتّهم به.

قلت: ورواه مسلم بن خالد الزَّنجي عن هشام بن عروة عن أبيه، وزاد:"عن عبد اللَّه بن عمرو"، رفعه بلفظه، أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/ 356/ رقم 605)، وقال:"لم يرو هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو إلا مسلم".

قلت: وهو صدوق كثير الأوهام.

وقال الدارقطني: "ورواه يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: والقطعة المذكورة فيه عن عروة مرسلًا، ثم زاد بعده:"عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وعين في بعض الطرق بأبي سعيد الخدري، ومضى تخريجه عن عروة.

وقال الدارقطنى: "والمرسل عن عروة أصحّ".

وقال قبل ذلك: "وروي عن الزهري عن عروة عن عائشة، قاله سويد بن عبد العزيز عن سيفان بن حسين".

قلت: ورواية سفيان بن حسين عن الزهري فيها كثير، وانفرد عنه بأحاديث غلّطها كبار الأئمة والعلماء، انظر لزامًا:"الفروسية"(ص 232 - 235 - بتحقيقي) لابن القيم، وسويد صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقَّن ما ليس من حديثه؛ فأفحش فبه ابن معين القول، كما في "التقريب". =

ص: 126

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأخرج هذه الرواية الطبراني في "الأوسط"(5/ 65 - 66/ رقم 4114).

وأخرجه الطيالسي في "المسند"(رقم 1440) -ومن طريقه الدارقطني في "السنن"(4/ 217)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 101)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 283) -؛ عن زمعة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رفعتة بلفظ:"العباد عباد اللَّه، والبلاد بلاد اللَّه، فمن أحيى من موات الأرض شيئًا؛ فهو له، وليس لعرق ظالم حق".

قال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث منكر، إنما يرويه من غير حديث الزهري عن عروة مرسلًا"، كذا في "العلل"(1/ 474/ رقم 1422) لابنه.

قلت: وزمعة بن صالح ضعيف.

ووهم فيه حجاج بن الشاعر؛ فرواه عن موسي بن داود، ثنا نافع بن عمر الجُمَحيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن عبد الملك بن مروان، عن مروان بن الحكم رفعه.

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(9/ 108/ رقم 8224)، وقال:"لا يروى هذا الحديث عن مروان إلا بهذا الإِسناد، تفرّد به حجاج بن الشاعر"، وقال ابن عبد البر عقبه:"هذا الاختلاف عن عروة يدل على أن الصحيح في إسناد هذا الحديث عنه الإرسال، كما روى مالك ومن تابعه، وهو أيضًا صحيح مسند على ما أوردنا والحمد للَّه، وهو حديث متلقَّى بالقبول عند فقهاء الأمصار وغيرهم؛ وإن اختلفوا في بعض معانيه"، قال:"وقد روي هذا الحديث بمثل لفظ مالك من حديث عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 279)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 268)، وابن زنجويه في "الأموال"(2/ 638/ رقم 1052)، والطبراني في "الكبير"(17/ 13 - 14، 14/ رقم 4، 5)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 2079)، وأبو بكر النجاد وابن راهويه في "المسند" -ومن طريقهما ابن ححر في "التغليق"(3/ 309) -، والبزار وابن أبي شيبة في "مسنديهما" -كما في "نصب الراية"(4/ 290) و"هدي الساري"(42) -، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 147 - 148)، وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 284)؛ من طرق عن كثير بن عبد اللَّه المزني، عن أبيه، عن جده -وهو =

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عمرو بن عوف- رفعه باللفظ المذكور أولًا.

وإسناده ضعيف جدًّا.

فيه كثير بن عبد اللَّه، ضعّفه أحمد والنسائي وابن معين جدًّا، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (22/ 209 - 210):"كثير متروك الحديث، والحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تلقّاهُ العلماء بالقبول".

وأعلّه بكثير الهيثمي في "المجمع"(4/ 157)، والزيلعي في "نصب الراية"(4/ 290)، وابن حجر في "الفتح"(5/ 19)، وعلقه البخاري في "صحيحه"(كتاب الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، 5/ 18) بصيغة التمريض مقتصرًا على ما عند المصنف: "وليس لعرق ظالم فيه حق".

وأخرجه يحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 276) من حديث أبي أسيد، وفي سنده إسحاق بن أبي فروة، ضعيف جدًّا، لا يوثق بروايته باللفظ المذكور أولًا.

وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 326 - 327)، والطبراني في "الكبير"؛ من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة، عن عبادة بن الصامت؛ قال:"إن من قضاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه ليس لعرق ظالم حق".

وإسناده ضعيف، وفيه انقطاع.

إسحاق لم يدرك عبادة؛ كما في "المجمع"(4/ 174)، وهو مجهول الحال؛ كما في "التقريب".

وقال ابن حجر في "الفتح"(5/ 19): "وفى الباب. . . وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي".

قلت: أخرجه أبو داود في "السنن"(3077)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة"(4/ 71) -، وأحمد (5/ 12، 21)، والطيالسي (906)؛ كلاهما في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 76)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 1015)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2628) وفى "الكبير"(7/ رقم 6863 - 6867)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 148)؛ من طرق عن قتادة، عن الحسن بن سمرة =

ص: 128

ومن الأصحاب من قرر موافقته للقياس بأن المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون ملكًا لمالك الأم دون مالك الأب بالاتفاق، مع كونه مخلوقًا من مائهما، وبطون الأمهات بمنزلة الأرض، وماء الفحول بمنزلة البذر، ولهذا سمى النساء حرثًا (1)، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من سقى ماءه زرع غيره (2)؛ فجعل الولد زرعًا، وهو لمالك أمه، وسر ذلك أن الحيوان

= رفعه: "من أحاط حائطًا على أرض؛ فهي له"؛ فليس فيه المذكور، مع أن في "الإرواء" (5/ 355) أورده بزيادة:"وليس لعرق ظالم حق".

وسنده ضعيف؛ لعنعنة الحسن البصري، وهو لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة.

قال ابن حجر في "الفتح"(5/ 19) بعد أن ذكر بعض الشواهد المذكورة: "وفي أسانيدها مقال، لكن يتقوَّى بعضها ببعض"، وقال:"ليس لعرقٍ ظالمٍ" في رواية الأكثر بتنوين عرق، وظالم نعت له، وهو راجع إلى صاحب العرق؛ أي: ليس لذي عرق ظالم، أو إلى العرق؛ أي: ليس لعرق ذي ظلم، ويروى بالإضافة، ويكون الظالم صاحب العرق؛ فيكون المراد بالعرق الأرض".

وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم، وبالغ الخطابي؛ فغلَّط رواية الإضافة، قال ربيعة؛ "العرق الظالم بكون ظاهرًا ويكون باطنًا، فالباطن ما احتفره الرجل من الأبار، أو استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه أو غرسه"، وقال غيره: الظالم من غرس أو زرع أو بناء أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة".

وانظر لزامًا: "الاستذكار"(22/ 210).

(1)

في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].

(2)

ورد اللعن في حديث أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسبيّة، 2/ 1065)، وأبو داود في "السنن"(كتاب النكاح، باب في وطء السبايا، 2/ 247/ رقم 2156)، والدارمي في "السنن"(2/ 227)، وأحمد في "المسند"(5/ 195، 6/ 446)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 194)؛ عن أبي =

ص: 129

ينعقد من الماءين، ثم يغتذي (1) من دم المرأة؛ فأكثر أجزائه مخلوقة من الأم، كذلك البذر؛ ينحل في الأرض، وينعقد الزرع من التربة والحبة، ثم يغتذي (1) من الأرض ومائها وهوائها؛ فتصير أكثر أجزائه من الأرض، وإنما خير مالك الأرض بين تملكه وبين أخذ الأجرة؛ لأنه قابل لاستيفائه بعقد الإجارة، بخلاف الإِ يلاد، وجبرُ (2) حقِّ صاحب البذر بإعطائه قيمة بذره ونفقة عمله حيث كان متقومًا بخلاف ما يخلق مه الولد؛ فإنه لا قيمة له؛ فلذلك لم يجب لأحد الأبوين شيء، وهذا مطرد في جمع المتولدات بين شيئين؛ في الحيوان والنبات والمعدن؛ حتى لو ألقى رجل في أرض رجل شيئًا مما ينبت (3) المعادن؛ لكان الخارج منه لرب الأرض كالنتاج والزرع، وهذه الطريقة سلكها القاضي في "خلافه" وابن عقيل والشيخ تقي

= الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه أتى بامرأةٍ مُجِحَّ على باب فُسطَاطٍ، فقال: لعله يريدُ أن يُلمَّ بها؟ فقالوا: نعم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد هممتُ أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبرَه، كيف يُورِّثُهُ وهو لا يحلُّ له؟! كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟! ". لفظ مسلم.

والمُجِح؛ بميم مضمومة، ثم جيم مكسورة، ثم حاء مهملة: وهي الحامل التي قربت ولادتها، كما في "شرح النووي"(10/ 14)، والفسطاط: بيت الشعر، ويُلِمُّ بها؛ بضم الياء، وكسر اللام ثم ميم؛ أي: يطأها.

وفي حديث رويفع بن ثابت: "لا يحل لامرئ -وفي رواية: من كان- يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن -وفي الرواية الأخرى: فلا- يسقي ماءه زرع غيره"، ومضى تخريجه عند وروده بلفظة:"ولا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيع مَغْنمًا حتى يُقسم"، وهو قطعة منه.

(1)

في (ج): "يتغذى".

(2)

في (ج): "وخيَّر".

(3)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) والمطبوع:"تنبت".

ص: 130

الدين (1)، وهذا ملخص من كلامه.

القسم الثاني: أن يؤذن له في زرع شيء، فيزرع ما ضرره أعظم منه؛ كمن استأجر لزرع شعير فزرع ذرة أو دخنًا؛ فحكمه حكم الغاصب عند الأصحاب (2)؛ لتعديه بزرعه، فإنه غير مستند إلى إذن، والمنصوص عن أحمد في "رواية عبد اللَّه" (3): أن عليه ضمان أجرة المثل للزيادة، ولم يذكر تملكًا؛ فإن هذا الزرع (4) بعضه مأذون فيه وهو قدر ضرر [الزرع](5) المستأجر له، والزيادة عليه (6) غير مأذون فيها، وهي غير متميزة؛ فكيف يتملك المؤجر الزرع كله؟!

وقد ينبني ذلك على اختلاف الوجهين في قدر الواجب من الأجرة؛ [هل هو الأجرة](7) المسماة مع تفاوت ما بين الأجرتين من أجرة المثل، أم الواجب أجرة المثل للجميع حيث تمحض عدوانًا (8)؟

(1) انظر: "القواعد الفقهية النورانية"(182 - 183) لابن تيمية.

(2)

في المطبوع و (ج): "عند الأصحاب حكم الغاصب" بتقديم وتأخير.

(3)

في "مسائل عبد اللَّه"(404/ 1450) قال: "وسألته عن رجل استأجر من رجل أرضًا من أرض السواد عشرين جريبًا: عشرة يزرعها حنطة، كل جريب بقفيز حنطة، وعشرة أجربة يزرعا شعيرًا، كل جريب بقفيز شعير، ثم إنه زرع العشرين جريبًا كلها حنطة، ما الذي يجب لرب الأرض عليه من الإجارة والحنطة وما أضر بالأرض من الشعير؟ قال: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير؛ فنعطيه لصاحب الأرض".

(4)

في (ج): "النوع".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في (ج): "فيه".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي (ج):"هل هي الأجرة".

(8)

في المطبوع: "عدوان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 131

والمنصوص الأول، وهو قول الخرقي (1) والقاضي، والثاني اختيار ابن عقيل، وحكاه القاضي عن أبي بكر، وكلامه في "التنبيه" موافق الوجه الأول.

فعلى الوجه الأول لا يتوجه أن يتملك المؤجر الزرع كله، وعلى الثاني يتوجه ذلك؛ فكيف جزم القاضي بتملكه مع اختياره الوجه (2) الأول في الضمان؟!

ولو استأجر للزرع مدة معينة، فزرع فيها ما لا يتناهى (3) في تلك المدة، ثم انقضت؛ فقال الأصحاب: حكمه بعد انقضاء المدة حكم زرع الغاصب للعدوان، ثم إن القاضي وابن عقيل قالا: عليه تفريغ الأرض بعد المدة، وليس بجار على قواعد المذهب، وإنما (4) المالك مخير بين تملكه وتركه بالأجرة، فأما القلع؛ فلا.

القسم الثالث: أن يزرع بعقد فاسد ممن له ولاية العقد؛ كالمالك والوكيل والوصي والناظر، إما بمزارعة فاسدة أو بإجارة فاسدة؛ فقال الأصحاب: الزرع لمن زرعه، وعليه لرب الأرض أجرة مثله، وذكر القاضي في "خلافه" أن أحمد نص عليه في رواية حرب في البيع الفاسد، وإنما رواية حرب في الغرس، وذكره الخرقي (5) أيضًا في المزارعة الفاسدة؛ لأن

(1) انظر: "المغني"(5/ 290/ 4247).

(2)

في المطبوع: "للوجه".

(3)

في المطبوع: "تتناهى".

(4)

في المطبوع: "فإنما".

(5)

انظره: (5/ 246/ رقم 4145 - مع "المغني").

ص: 132

الزرع هنا استند إلى إذن من له الاذن؛ فلا يكون عدوانًا.

ويحتمل على (1) هذا التفريق بين إذن المالك ومن يتصرف لغيره بطريق المصلحة كالوصي؛ فلا يعتبر إذنه لانتفاء المصلحة في العقد الفاسد، ويحتمل أيضًا التفريق بين عقود الملك كالبيع، وعقود التصرف بالإذن كالمزارعة؛ لأن عقود الملك وقع العقد فيها على الملك دون الإذن، ولهذا لم يصح تصرف المشتري في العقد الفاسد، بخلاف عقود التصرف؛ فإن الإذن موجود في صحيحها وفاسدها، ولذلك صححنا التصرف في فاسدها، وقد ورد في ذلك حديث مرسل من طريق الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل (2) عن مجاهد: أن (3) أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهم: قبلي الأرض، وقال الآخر: قبلي الفدن، وقال الآخر: قبلي البذر، وقال الآخر: على العمل، فلما استحصد الزرع؛ تَفَاتَوا (4) فيه إلى [رسول اللَّه](5) صلى الله عليه وسلم فجعل الزرع لصاحب البذر، وألغى (6) صاحب الأرض، وجعل لصاحب العمل درهمًا كل يوم، وجعل لصاحب الفدان شيئًا معلومًا (7).

(1) في المطبوع: "أن".

(2)

في (ب): "أبي جبل".

(3)

في المطبوع: "عن".

(4)

في (ج): "تفاوتوا".

(5)

في المطبوع: "النبي".

(6)

في (ب): "وألقى".

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 504/ رقم 22563)، وسعيد بن منصور في "سننه" -كما في "المغني"(5/ 247) -، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" =

ص: 133

وقد أنكر أحمد هذا الحديث، قال في رواية ابن القاسم: لا يصح، والعمل على غيره، وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر هذا الحديث، فقال (1): هو منكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الزرع لصاحب الأرض، وفي هذا الحديث جعل الزرع لصاحب البذر (2). وهذا الكلام يدل على أن العمل عند الإمام أحمد على أن يكون الزرع لصاحب الأرض في الإجارة الفاسدة والمزارعة الفاسدة.

وقال في "رواية إبراهيم بن الحارث"(3): الحديث حديث أبي جَعْفر

= (3/ 76)، والدارقطني في "السنن"(3/ 76)؛ من طرق، عن الأوزاعي، به.

وهو برقم (644) في "بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي".

وإسناده ضعيف، وهو مرسل.

قال الدارقطني عقبه: "هذا مرسل، ولا يصح، وواصل ضعيف".

نقل أبو داود في "مسائل الإمام أحمد"(ص 264) عنه: "منكر"، وقال:"وسألت أحمد مرة أخرى عن واصل هذا؛ فقال: ما أعلم يروي عنه غير الأوزاعي، يقال له: أبو بكر، من أهل مكة، روى حديثًا منكرًا؛ أن قومًا زرعوا، يعني هذا الحديث"، وقال أيضًا -كما في "المغني" (5/ 247) - في رواية أخرى:"لا يصح، والعمل على غيره".

(1)

في المطبوع: "قال".

(2)

انظر: "مسائل أبي داود"(ص 294)، وفيها قال أبو داود:"سألت أحمد مرة أخرى عن واصل هذا؛ فقال: ما أعلم يروي عنه غير الأوزاعي، يقال له: "أبو بكر"، من أهل مكة، روى حديثًا منكرًا: "إن قومًا زرعوا. . . " (يعني هذا الحديث) ".

(3)

هو إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الولد بن عبادة بن الصّامت، أبو إسحاق العبَّادي، له "مسائل الإمام أحمد"، قال الخلال:"عنده عن أبي عبد اللَّه أربعة أجزاء مسائل".

ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 94)، و"المنهج الأحمد"(1/ 370 - 371)، و"تاريخ بغداد"(6/ 55 - 56).

ص: 134

الخَطْمِيّ -يشير إلى ما رواه أبو جعفر عن سعيد بن المسيب؛ قال (1) -: كان ابن عمر لا يرى بها (يعني: المزارعة) بأسًا؛ حتى بلغه عن رافع بن خديج حديث، فلقيه، فقال رافع: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني حارثة، فرأى زرعًا، فقال:"ما أحسن زرع ظهير؛ أليس أرض ظهير؟ ". قالوا: بلى، ولكنه أزرعها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذوا زرعكم، وردوا عليه نفقته"(2). أخرجه أبو داود والنسائي.

(1) في المطبوع: "قال: قال" بالتَّكرار.

(2)

أخرجه أبو داود في "السنن"(كتاب البيوع، باب في التشديد في ذلك -أي: المزارعة-، 3/ 260 - 261/ رقم 3399) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 136) -، والنسائي في "المجتبى"(كتاب الإيمان والنذور، ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث، 7/ 40) -ومن طريقه الطحاوي في "المشكل"(7/ 100/ رقم 2671) -، والطحاوي أيضًا برقم (2670)، والطبراني في "الكبير"(4/ 244 - 245/ رقم 4267)، من طرق عن يحيى بن سعيد القطان، عن أبي جعفر الخَطْمِي، به.

وإسناده صحيح على شرط الصحيح؛ غير أبي جعفر، واسمه عُمير بن يزيد بن عمير ابن حبيب الأنصاري، أخرج له أصحاب "السنن"، ووثقه النسائي وابن معين وابن حبان في "الثقات"(7/ 272) وابن نمير والعجلي والطبراني في "الأوسط"، وقال عبد الرحمن بن مهدي:"كان أبو جعفر وأبوه وجدُّه قومًا يتوارثون الصِّدقَ؛ بعضهم عن بعض".

انظر: "تهذيب الكمال"(22/ 391 - 393) والتعليق عليه.

وأعلّه البيهقي في "الكبرى"(6/ 136) بعلّةٍ غير قادحة؛ فقال: "رواه أبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي، ولم أر البخاري ولا مسلمًا احتجا به في حديث".

وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: "قلت: هو ثقة، وأخرج له الحاكم في "المستدرك"؛ فلا يضرُّه عدم احتجاجهما به".

وحسنه ابن القيم في "تهذيب السنن"(5/ 64) بقوله: ". . . فمثل هذا الحديت حسن، الذي له شاهد من السنة على مثله، وقد تأيَّد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة،=

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وباللَّه التوفيق"، وقال: "ليس مع من ضعّف الحديث حُجة، فإن رواته محتج بهم، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم".

وسأل ابن أبي حاتم الرازي في "العلل"(1/ 475 - 476/ رقم 1427) أباهُ عن هذا الحديث؛ فقال: "رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجوِّده، والصحيح حديث يحيى؛ لأنّ يحيى حافظ ثقة"، وقال:"هذا يقوي حديث شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم؛ فليس له من الزَّرع شيء، ويرد عليه نفقته"، وقال: "روى هذا الحديث غير شريك، وحديث يحيى لم يسنده غير يحيى بن سعيد، وأما الشافعي؛ فإنه يرفع حديث عطاء، وقال: عطاء لم يلق رافعًا، قال أبي: بلى، قد أدركه. قلت: فإن حمادًا يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بزرعٍ، فقالوا: هذا لظهير بن خديج. قال أبي: أخطا حماد في هذه اللفظة، ليس هو ظهير بن خديج، إنما هو ظهير عم رافع بن خديج، لا يُنْسَب" انتهى.

وتابع يحيى بن سعيد: مروان بن معاوية الفزاري، أخرجه الطبراني في "الكبير"(4/ 3245/ رقم 4268)، وسيأتي ترجيح الإمام أحمد رواية أبي جعفر على رواية شريك عن أبي إسحاق السَّبيعي عن عطاء، وإن كان بعمومها تشهد لحديث أبي جعفر الخطمي -كما قال أبو حاتم الرازي فيما مضي-؛ إلا أن أبا إسحاق زاد:"زرع بغير إذنه".

وأخرجه أحمد في "المسند"(3/ 465، 4/ 141)، وأبو داود في "السنن"(رقم 3403)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1366) و"العلل الكبير"(1/ 563/ رقم 226)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2466)، وأبو عبيد في "الأموال"(364 و 708)، ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 295)، والطيالسي في "المسند"(رقم 960)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 1334)، وابن زنجويه في "الأموال"(رقم 1057)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 117 - 118) وفي "المشكل"(7/ 96/ رقم 2667، 2268، 2269)، والطبراني في "الكبير"(4/ 284 - 285/ رقم 4437)، والبيهقي في "الكبرى"(6/ 136)؛ من طريق شريك، به، باللفظ المذكور آنفًا:"من زرع في أرض قوم. . . "، وفي بعضها:"أيما رجل زرع. . . ". =

ص: 136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وإسناده فيه ضعف، شريك سيئ الحفظ، وتابعه من هو مثله.

أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج"(296) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(6/ 136) - من طريق قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، به.

وقيس مثل شريك؛ إلا أن البيهقي أعله بعلتين قويتين -غير ضعف شريك-؛ فقال في "الكبرى"(6/ 137): "أبو إسحاق كان يدلس، وأهل العلم بالحديث يقولون: عطاء عن رافع منقطع".

ونقل عن الخطابي في "معالم السنن"(5/ 64 - مع"مختصر سنن أبي داود") قوله: "وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الجمال: أنه كان ينكر هذا الحديث ويضعفه، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئًا، وضعّفه البخاري أيضًا، [وقال: تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق، وشريك يَهِمُ كثيرًا أو أحيانًا] ".

وزاد البيهقي: "وقد رواه عقبة بن الأصم عن عطاء؛ قال: حدثنا رافع بن خديج، وعقبة ضعيف لا يحتج به".

قلت: أي: فلا ينفع تصريح عطاء بالسماع في روايته، وقال ابن عدي في "الكامل" (4/ 1334) عقبه:"وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد، وكت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى يتبيَّن لي أنَّ ابا سحاق أيضًا عن عطاء مرسل".

وقال البخاري -فيما نقل عنه الترمذي في "العلل"-: "هو حديث شريك الذي تفرد به عن أبي إسحاق".

قلت: ولكن تابعه من هو مثله كما تقدم.

وقد لخّص الخطابي في "المعالم"(5/ 64) الحكم على الحديث بقوله: "هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث"، وأقره المنذري في "المختصر"(5/ 65).

وقال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد اللَّه"، قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؛ فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية =

ص: 137

ولأبي داود بمعناه (1) من حديث عبد الرحمن بن أبي نُعْم عن رافع بن خديج (2).

= شريك".

قلت: وهكذا نقله عنه بلفظ: "حديث حسن" جماعة، خلافًا لما في "العلل" له، وتقدم لفظه.

والحديث حسن بشواهده خلا لفظة "بغير إذنهم"؛ فهي من انفرادات أبي إسحاق فيما ذكر الإمام أحمد في "مسائله"(ص 200 - رواية أبي داود).

ولفظة "بغير إذنهم" صحيحة في النظر؛ كما بينه ابن القيم في "التهذيب"(5/ 64)، وإن لم تثبت في النَّقل، ولذا عدّ أبو حاتم طريق أبي جعفر الخطمي مما يقوّي حديث شريك، واللَّه أعلم.

وقد أغرب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله أيما إغراب في تعليقه على "الخراج" ليحيى ابن آدم (ص 90)؛ فقال: "ويظهر من كلام الخطابي وغيره أنهم يضعِّفون الحديث بأن عطاء لم يسمع من رافع، وأنهم ظنوا أنه عطاء بن أبي رباح، والذي يرجَّح لي أنه عطاء بن صهيب أبو النجاشى الأنصاري مولى رافع، وقد صحبه ستَّ سنين، ولم أجد فيما وقع إلي من رواياته التصربح بأنه ابن أبي رباح".

قلت: وترجيحه ليس براجح، وصرح بأنه (ابن أبي رباح) أحمد والطبراني وأبو عبيد وابن عدي، والمنصوص عليه يقدم على ما أخذ بالاستنباط، ولذ نصص على أنه ابن أبي رباح المزي في "تحفة الأشراف"، وابن كثير في "جامع المسانيد"(4/ 207/ رقم 2569)، وغيرهما.

(1)

في المطبوع: "معناه".

(2)

أخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 3402)، والطحاوي في "المشكل"(7/ 100/ رقم 2672)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 41) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(6/ 132، 136) -، والطبراني في "الكبير"(4/ 286/ رقم 4443)؛ من طرق عن أبي نعيم، عن بُكَير بن عامر، عن ابن أبي نُعم -وفي مطبوع "القواعد" ونسختي (أ) و (ب):"أنعم"، وفي (ج):"نعيم"، وهو خطأ؛ فليصحح-؛ قال: حدثني رافع بن =

ص: 138

وللدارقطني (1) نحوه من حديث عائشة (2).

ولابن عدي معناه من حديث جابر (3)، وفيهما ضعف.

= خديج: "أنه زرع أرضًا، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها، فقال: لمن الزَّرعُ، ولمن الأرض؟ فقال: زرعي بيدي، وعملي من الشطر، ولبني فلان الشطر، فقال: أرْبيتَ، فَرُدَّ الأرضَ إلى أهلها، وخُذْ نفقتك".

وإسناده ضعيف، قال البيهقي عقبه:"فبكير، وإن استشهد به مسلم بن الحجاج في غير هذا الحديث؛ فقد ضعّفه يحيى بن سعيد القطان، وحفص بن غياث، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين".

قلت: ويشهد له ما مضى من طرق.

(1)

في المطبوع: "والدارقطني".

(2)

أخرج الدارقطني في "السنن"(رقم 2904 - بتحقيقي) بسند واهٍ عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه، عن عائشة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مسير له، فإذا هو بزرع تهتزُّ، فقال: لمن هذا الزَّرع؟ قالوا: لرافع بن خديج. فأرسل إليه، وكان أخذ الأرض بالنصف أو بالثلث، فقال: انظر نفقتك في هذه الأرض، فخُذها من صاحب الأرض، وادفع اليه أرضه وزرعه".

وفيه عبيدة الضَّبِّي، ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال أحمد:"تركتُ حديثه"، وقال ابن معين:"ليس بشيء". انظر: "الميزان"(3/ 25).

وعبد الحميد بن عبد الرحمن ضعيف، وابن المغراء مثله. انظر لهما على الترتيب:"الميزان"(2/ 542، 592).

(3)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 322) من طريق إسحاق بن أبي فروة، عن أبي الزبير، عن جابر:"أنه مرّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد رجلًا ازدرع أرضًا، فهو أخضر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألكَ الأرضُ؟ قال: لا. قال: فمن أينَ هي لك؟ قال: اسكريتُها من رجلٍ من الأنصار. قال: فاردد إلى الأنصاري أرضه، وخُذ منه بذرك".

قال ابن عدي بعد أن ساقه ومجموعةً من أحاديث إسحاق بن أبي فروة: "وإسحاق =

ص: 139

وكل هذه واردة في المزارعة الفاسدة لا في الغصب.

وقد رجح الإمام أحمد حديث أبي جعفر على حديث أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم، وقال: الحديث حديث أبي جعفر، وقال في "رواية أبي داود":"أبو إسحاق زاد فيه: "زرع بغير إذنه"، وليس غيره يذكر هذا الحرف"(1)؛ فقد بين (2)[أن](3) التملك بالنفقة إنما يثبت عنده في المزارعة الفاسدة [لا في الغصب؛ فكيف لا يكون مذهبه في المزارعة الفاسدة](4) أن يتملك الزرع فيها مع ثبوت الحديث فيها بخصوصيتها دون الغصب، لا سيما وقد أنكر حديث جعل الزرع لرب البذر، وصرح بأن العمل على غيره (5)؟!

= ابن أبي فروة هذا ما ذكرتُ ها هنا من أخباره بالأسانيد الي ذكرتُ؛ فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه، وسائر أخباره مما لم أذكره تشبه هذه الأخبار الي ذكرتُها، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء".

قلت: وضعّفه جمع من جهابذة وأئمة الجرح والتعديل.

انظر ترجمته في: "التهذيب"(1/ 240).

(1)

انظر: "مسائل أبي داود"(ص 200).

ونقله عنه الخطابي في "معالم السنن"(5/ 65)، وفيه:"وليس غيره ينكر"، وصوابه:"يذكر"؛ كما عند المصنف؛ فلتصحح، وقال أحمد قبل المذكور:"عن رافع ألوان، ولكن أبو -وفي مطبوعه: "ابن"؛ فلتصحح- إسحاق زاد فيه. . . ".

(2)

في (أ): "تبين".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(5)

سبق قريبًا (ص 135 - 137).

ص: 140

وقد خرج الشيخ تقي الدين (1) وجهًا في المزارعة الفاسدة: أنها تتملك بالنفقة من زرع الغاصب، وقد رأيت أن كلام أحمد إنما يدل عليه لا على خلافه.

القسم الرابع: أن يزرع في أرض غيره بعقد ممن (2) يظن أن له ولاية العقد، ثم يتبين (3) بخلافه، مثل أن تتبين (4) الأرض مستحقة للغير؛ فالمنصوص أن لمالك (5) الأرض تملكه بالنفقة أيضًا، نقله عنه الأثرم وإبراهيم بن الحارث ومُهَنّا (6)، وهذا متوجه على قول القاضي ومن وافقه: أن غرسه وبناءه كغرس الغاصب وبنائه.

فأما (7) على المنصوص هناك أن بناءه وغرسه (8) محترم؛ كغرس المستعير والمستأجر وبنائهما؛ فيتوجه [على هذا](9) أن يكون الزرع لمالكه، وعليه الأجرة، ويرجع بها على الغاصب لتغريره (10)، وبمثل ذلك

(1) انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 151) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(2)

في (ج): "من".

(3)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"تبين".

(4)

في (ب): "تبين".

(5)

في المطبوع و (ج): "المالك".

(6)

في المطبوع: "ومنها"، والصواب ما أثبتناه.

(7)

في المطبوع و (ج): "وأما".

(8)

في المطبوع و (ج): "غرسه وبناءه" كذا بتقديم وتأخير.

(9)

ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع فقط.

(10)

في المطبوع: "لتقديره"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 141

أفتى الشيخ تقي الدين؛ لكنه جعل الزرع بين المالك والزارع (1) نصفين بناءً على أصله في إيجار الغاصب بالمال أن الربح بينه وبين المالك، وطرده أن يكون زرع الغاصب كذلك، ولكن لم نعلم به قائلًا (2)، ثم وجدنا ابن أبي ليلى يقول بذلك في زرع الغاصب وفي أجرة ما بناه (3) في الأرض المغصوبة وقد وافقه أحمد على أجرة البناء خاصة، ويشهد لهذا الوجه أن الزرع النابت في أرض الغير مما (4) حمله السيل لمالكه مبقى (5) بالأجرة لحصوله من غير عدوان ولا تفريط؛ وإن كان الإذن منتفيًا، وها هنا مثله، ويحتمل أن يتملكه مالك الأرض أيضًا؛ كالمزروع (6) بعقد فاسد على ما دل عليه كلام أحمد، وليس الامتناع من قلع الغرس مجانًا منافيًا لتملك الزرع، فإن المانع من القلع إدخال الضرر على مالك الغراس بالنقص، وهو معذور؛ لغروره، وقد (7) يتعذر عليه الرجوع على الغاصب، والمقتضى لتملك (8) الزرع هو انتفاء الإِذن الصحيح، وهو موجود هنا، ولهذا يتملك غراسه؛ وإن قيل باحترامه.

(1) في المطبوع: "المزارع".

(2)

في (ب): "لا يُعلم به قائل"، وفي المطبوع:"لا نعلم. . . ".

(3)

كذا في (أ) والمطبوع، وفي (ب):"بنائه"، وفي (ج):"مبناه".

(4)

في (ب): "بما".

(5)

في المطبوع: "مبقى هنا".

(6)

في (ب): "كالمزرع".

(7)

في المطبوع: "لغرره، وهو"، وفي (ج):"لغروره، وهو يعتذر".

(8)

في (ب): "بالتملك".

ص: 142

القسم الخامس: أن يزرع في أرض بملكه لها أو بإذن مالكها، ثم ينتقل ملكها إلى غيره والزرع قائم فيها، وهو نوعان:

أحدهما: أن ينتقل ملك الأرض دون منفعتها المشغولة بالزرع في بقية مدته؛ فالزرع لمالكه ولا أجرة عليه بسبب تجدد الملك بغير إشكال.

ويدخل تحت هذا من استأجر أرضًا من مالكها وزرعها ثم مات المؤجر وانتقلت إلى ورثته، ومن اشترى أرضًا فزرعها ثم أفلس، فإن للبائع الرجوع في الأرض والزرع للمفلس، ومن أصدق امرأته أرضًا فزرعتها (1) ثم طلقها قبل الدخول والزرع قائم، وقلنا له الرجوع؛ فإن الزرع مبقى بغير أجرة [إلى أوان أخذه](2)، وكذلك حكم من زرع في أرض يملكها، ثم انتقلت إلى غيره ببيع أو غيره: يكون الزرع مبقى فيها بغير أجرة (3) إلى أوان أخذه.

والنوع الثاني: أن تنتقل الأرض بجميع منافعها عن ملك الأوّل إلى غيره.

- ومن أمثلة ذلك: الوقف إذا زرع فيه أهل البطن الأول أو من أجروه، ثم انتقل إلى البطن الثاني والزرع قائم، فإن قيل:[إن](4) الإجارة لا تنفسخ وللبطن الثاني حصتهم من الأجرة؛ فالزرع مبقى لمالكه بالأجرة السابقة، وإن قيل بالانفساخ، وهو المذهب الصحيح؛ فهو كزرع

(1) في المطبوع و (ج): "فزرعها"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط.

(3)

في المطبوع: "بغير أجرة مبقى فيها".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 143

المستأجر بعد انقضاء المدة إذا كان بقاؤه بغير تفريط من المستأجر؛ فيبقى (1) بالأجرة إلى أوان أخذه.

وقد نص عليه أحمد (2) في رواية مُهَنّا في مسألة الإجارة المنقضية، وأفتى به في الوقف الشيح تقي الدين (3)، وأفتى مرة أخرى بأنه يجعل مزارعة بين الزارع (4) ورب الأرض؛ لنموه من أرض أحدهما وبذر الآخر، وكذلك أفتى في الأقطاع المزروعة إذا انتقلت إلى مقطع آخر والزرع (5) قائم فيها (6).

- (ومنها): الشفيع إذا انتزع الأرض وفيها زرع للمشتري؛ فهو محترم، وهل يستحق أجرة المثل على المشتري؟

على وجهين:

أحدهما: لا يستحق شيئًا، وهو المذكور في "المغني"(7) و"التلخيص"، وقال أبو البركات في "تعليقه على الهداية": هو أصح الوجهين لأصحابنا إلحاقًا له بيع الأرض المزروعة؛ فإن الأخذ بالشفعة نوع بيع قهري.

(1) في المطبوع: "فتبقى".

(2)

في المطبوع و (ج): "أحمد عليه".

(3)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 178) له.

(4)

في المطبوع: "المزارع".

(5)

في المطبوع: "الزرع" من غير واو.

(6)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 178).

(7)

انظر: "المغني"(5/ 198/ 4048).

ص: 144

والثاني: له الأجرة من حين أخذه، ذكره أبو الخطاب في "انتصاره"، وهو أظهر؛ لأن حق الشفيع في العين والمنفعة جميعًا لوقوع العقد عليهما (1)، وفي ترك الزرع مجانًا تفويت لحقه من المنفعة بغير عوض؛ فلا يجوز.

القسم السادس: احتمل (2) السيل بذر إنسان إلى أرض غيره، فنبت فيها، فهل يلحق بزرع الغاصب لانتفاء الإذن من المالك فيتملكه (3) بقيمته أو بزرع المستعير أو المستأجر بعد (4) انقضاء المدة لانتفاء العدوان من صاحب البذر؟

على وجهين، أشهرهما أنه كزرع المستعير، وهو اختيار القاضي وابنه أبي الحسين (5) وابن عقيل، وذكره أبو الخطاب عن أحمد؛ لكن هل يترك في الأرض مجانًا أم (6) بأجرة؟

على وجهين:

أحدهما: يترك (7) مجانًا، قاله القاضي وابن عقيل؛ لأنه وإن انتفى عنه إذن الملك؛ فقد انتفى عنه فعل الزارع (8)، فيتقابلان، ولأنه حصل في

(1) في المطبوع: "عليهما جميعًا".

(2)

في المطبوع: "حمل".

(3)

في المطبوع: "فيملك".

(4)

في المطبوع: "من بعد".

(5)

في المطبوع: "أبي الحسن"، وهو خطأ.

(6)

في (ب): "أو".

(7)

في المطبوع: "أحدهما: أنه يترك".

(8)

في (ج): "الزراع".

ص: 145

الأرض بغير تفريط؛ فهو كالقائم في الأرض المبيعة.

والثاني: له الأجرة، وذكره (1) أبو الخطاب عن أحمد؛ لأنه زرع حصل ابتداؤه في أرض الغير بغير إذنه (2)؛ فأوجب الأجرة؛ كالمشتري (3) عن الغاصب وهو لا يعلم.

القسم السابع: من زرع في أرض غيره بإذن غير لازم؛ كالإعارة، ثم رجع المالك؛ فالزرع (4) مبقى لمن زرعه إلى أوان حصده (5) بغير خلاف؛ لكن هل تجب عليه الأجرة من حين الرجوع أم لا؟

على وجهين:

أشهرهما: الوجوب، وهو قول القاضي وأصحابه.

والثاني: انتفاؤه (6)؛ لأنه دخل على الانتفاع بغير عوض، وهو اختيار صاحب "المحرر"(7) وظاهر كلام أحمد في "رواية صالح"(8) يشهد له.

(1) في المطبوع: "ذكره" من غير واو.

(2)

في المطبوع: "بغير إذن".

(3)

في المطبوع و (ج): "على المشتري"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ج): "فهو".

(5)

في المطبوع: "حصاده".

(6)

في المطبوع: "انتفاء"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(7)

قال في "المحرر"(1/ 360): "وإن أعاره أرضًا للزرع، فرجع وهو مما يحصد قصيلًا؛ حصد، وإلا؛ لزمه تركه إلى الحصاد بلا أجرة عندي".

وانظر: "الإنصاف"(6/ 106)، و"المبدع"(5/ 139 - 140).

(8)

نقل صالح في "مسائله"(3/ 189/ 1624) عن أبيه الإمام أحمد؛ قال: "الرجل يعير الرجل الأرض يزرعها، ليس له أن يرجع حتى يدرك الزرع".

ص: 146

القسم الثامن (1): من زرع في ملكه الذي منع من التصرف فيه لحق غيره؛ كالراهن والمؤجر، وكان ذلك يضر بالمستأجر وبالمرتهن لتنقيصه قيمة الأرض عند حلول الدين؛ فهو كزرع الغاصب، وكذلك غراسه وبناؤه؛ فيقلع الجميع، ذكره القاضي في "خلافه"، وإنما قلع الزرع هنا (2)؛ لأن مالك الأرض [هنا](3) هو الزارع، والمتعلق حقه بها لا يمكنه تملكه لعدم ملكه، فيتعين القلع، وفيه نظر.

أما في الرهن؛ فيمكن أن يقال: إن نقص الأرض ينجبر برهنية الزرع؛ فإنه من جملة نماء الأرض؛ [فيدخل في الرهن](4)؛ فلا يجوز قلعه كذلك مع ما فيه من إتلاف مال الراهن.

وقد صرح القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" بأن الغراس الحادث في الأرض المرهؤنة يكون رهنًا بنفسه أو بفعل الراهن (5)؛ لأنه من نمائها، والزرع مثله، ولو قيل: إنه لا يدخل في الرهن؛ فيجوز أن يؤخذ من الراهن أجرة مثله أو ما نقص من قيمة الأرض بسببه، ويجعل رهنًا.

وقد وقع في كلام أحمد في "رواية ابن منصور"(6) و [في](7) كلام ابن

(1) القسم الثامن كله بتمامه سقط من (ج)، وأثبتها مصححها في الهامش.

(2)

في المطبوع: "منه".

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(5)

في المطبوع: "بنفسه أو بفعل الراهن يكون رهنًا" كذا بتقديم وتأخير.

(6)

انظر: "مسائل ابن منصور"(507/ 496).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 147

أبي موسى ما يدل على جواز انتفاع الراهن بالرهن بإذن المرتهن، وتؤخذ منه الأجرة وتجعل رهنًا، وهذا في معناه.

وأما المستأجر ولا سيما إن كان استأجر للزرع؛ فيجوز أن يقال له: تَمَلَّك (1) الزرع بنفقته؛ إذ هو مالك المنفعة، كما [قد] (2) يقال مثله في الزرع في أرض الوقف: إن الموقوف عليه يتملكه بالنفقة لملكه (3) منفعة الأرض، ويحتمل (4) تخريج ذلك على الوجهين في تملك الموقوف عليه للشفعة بشوكة الوقف على طريقة (5) من علل ثبوت الشفعة بكونه مالكًا وانتفاءها بقصور (6) ملكه؛ فكذلك ها هنا، وكذا القول في تملكه للغراس (7) والبناء، وعلى هذا يتخرج ما لو غصب الأرض الموصى بمنافعها أو المستأجرة وزرع فيها؛ فهل يتملك [الزرع](8) مالك الرقبة أو مالك المنفعة؟

* * *

(1) في المطبوع: "يملك".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

في المطبوع: "تملكه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "ويحمل"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "طريق".

(6)

في المطبوع: "بتصور"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(7)

في (أ): "الغراس".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 148

(القاعدة الثمانون)

ما يتكرر (1) حمله من أصول البقول والخضراوات؛ هل هو ملحق بالزرع أو بالشجر؟

فيه وجهان، وينبني على ذلك مسائل:

- (منها): هل يجوز بيع هذه الأصول مفردة (2) أم لا؟

إن ألحقناها بالشجر لتكرر حملها؛ جاز، [وبه](3) صرح القاضي وابن عقيل في موضع، وفرقا (4) في موضع آخر بين ما يتباقى منها سنين كالقطن الحجازي؛ فيجوز بيع أصوله، وما لا يتباقى إلا سنة أو (5) نحوها؛ فلا (6) يجوز بيعه (7) إلا بشرط القطع؛ إلا أن يباع مع الأرض (8) كالزرع.

ورجح صاحب"التلخيص" أن المقاثي ونحوها لا يجوز بيعها إلا

(1) في المطبوع: "تكرر".

(2)

في (ج): "منفردة".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيه"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ب): "وتوقفا".

(5)

في المطبوع و (ب) و (ج): "و".

(6)

في المطبوع: "لا".

(7)

في (ج): "بيعها".

(8)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"إن باع معه"، وفي المطبوع:"أن تباع معه".

ص: 149

بشرط القطع؛ فإنها مع أصولها معرضة (1) للآفات كالزرع، وهو مقتضى كلام الخرقي (2) وابن أبي موسى (3).

- (ومنها): إذا باعه (4) الأرض وفيها هذه الأصول، فإن قلنا: هي كالشجر؛ انبنى على أن الشجر؛ هل يدخل في بيع الأرض مع الإطلاق أم لا؟ وفيه (5) وجهان، وإن قلنا: هي كالزرع؛ لم تدخل في البيع وجهًا واحدًا.

وللأصحاب في المسألة [أيضًا](6) طريقتان:

إحداهما (7): أن حكمها (8) حكم الشجر في تبعية (9) الأرض، وهي طريقة ابن عقيل وصاحب "المحرر"(10).

والثانية: أنها تتبع [الأرض](11) وجهًا واحدًا، بخلاف الشجر؛ لأن

(1) في (ب): "معروضة".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 72/ 2897).

(3)

نقل المراوي في كتابه "الإنصاف"(5/ 68) عن المصنف من قوله: "ورجح صاحب. . . " إلى هنا.

(4)

في (ب) والمطبوع: "باع".

(5)

في (ب): "فيه" من غير واو، وكذا نقله المرداوي عن المصنف.

(6)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(7)

في (ج): "طريقان: أحدهما".

(8)

في (ج): "حكمه"، والصواب ما أثبتناه.

(9)

في (ج): "تبيعة"، وفي المطبوع:"تبقية"، وما أثبتناه هو الصواب، وكذا نقله المرداوي عن المصنف.

(10)

انظر: "المحرر"(1/ 317).

(11)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

ص: 150

تبقيتها في الأرض معتاد ولا يقصد نقلها وتحويلها؛ فهي كالمنبوذات، وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب "المغني"(1).

وعلى ما قررناه أولًا يخرج فيها طريقة ثالثة: أنها لا تتبع وجهًا واحدًا؛ كالزرع.

- (ومنها): إذا غصب أرض، فزرع فيها ما يتكرر حمله، فإن قيل: هو كالشجر؛ فللمالك قلعه مجانًا، وإن قيل: هو كالزرع؛ فللمالك تملكه بالقيمة.

وفي المسألة وجهان مذكوران في "المغني"(2).

- (ومنها): لو اشترى لقطة ظاهرة من هذه الأصول، فتلفت بجائحة قبل القطع، فإن قيل: حكمها حكم ثمر (3) الشجر؛ تلفت من ضمان البائع، وإن قيل: هي كالزرع؛ خرجت على الوجهين في إجاحة

(1) قال في "المغني"(4/ 68/ 2888): ". . . إن كان الزرع مما تكرر ثمرته، كالقثاء والخيار والبطيخ والباذنجان وما شابهه؛ فهو للمشتري، والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع؛ لأن ذلك مما تكرر الثمرة فيه، فأشبه الشجر، ولو كان مما تؤخذ ثمرته وتبقى عروقه في الأرض؛ كالبنفسخ والنرجس؛ فالأصول للمشتري لأنه جعل في الأرض للبقاء فيها، فهو كالرطبة، وكذلك أوراقه وغصونه لأنه لا يقصد أخذه؛ فهو كورق الشجر وأغصانه، وأما زهرته، فإن كانت قد تفتحت؛ فهي للبائع، وإلا؛ فهي للمشتري على ما ذكرناه فيما مضى".

ونقل المرداوي في "الإنصاف"(5/ 57 - 58) هذه المسألة من أولها إلى هنا وبتصرف يسير.

(2)

"المغني"(5/ 148/ 2951)، وهذه الفقرة مذكورة في (ج) آخر القاعدة.

(3)

تحرفت في مطبوع "الإنصاف"(5/ 76) -ونقلها عن المصنف- إلى "ثمن" بنون آخرها؛ فلتصحح.

ص: 151

الزروع (1).

- (ومنها): لو ساقى (2) على هذه الأصول، فإن قيل: هي كالشجر؛ صحت المساقاة، وإن قيل:[هي](3) كالزرع؛ فهي مزارعة.

* * *

(1) في (ج): "جائحة الزرع"، وكذا نقلها المرداوي في "الإنصاف"(5/ 76) عن المصنف، وذكر هذه الفرعية بحروفها مع تصرف يسير.

(2)

في (ج): "ساقى ساقي".

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

ص: 152

(القاعدة الحادية والثمانون)

النماء المتصل في الأعيان المملوكة العائدة إلى من انتقل الملك عنه بالفسوخ (1).

تتبع الأعيان على ظاهر المذهب عند أصحابنا، والمنصوص عن أحمد أنه لا يتبع، وهو الذي ذكره الشيرازي في "المبهج"، ولم يحك فيه خلافًا، وهو اختيار ابن عقيل، صرح به في (كتاب الصداق) والشيخ تقي الدين (2)، ويتبع الأصل في التوثقة والضمان على المشهور، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): الودود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صناعة (3)؛ فالمشهور عند الأصحاب أن الزيادة للبائع تبعًا لأصلها، ولا يستحق المشتري عليه شيئًا.

وصَرَّحَ (4) ابن عقيل بأن الزيادة للمشتري، وكذلك قال الشيرازي،

(1) في المطبوع: "بالمفسوخ".

(2)

انظره في "الاختيارات الفقهية"(ص 126).

(3)

كذا في (ب) والمطبوع، وفي (أ):"وتعليم صناعة"، وفي (ج):"وتعلم صنعة".

(4)

في المطبوع: "وخرج".

ص: 153

وزاد أنه يرجع على البائع (1) بقيمة النماء، و [هو](2) كذلك، ذكره الشيخ تقي الدين (3)، وأخذه من عموم كلام أحمد في رواية أبي طالب: إذا اشترى غنمًا فنمت ثم استحقت؛ فالنماء له، قال: وهذا يعم المنفصل والمتصل.

قلت: نص أحمد على الرجوع بقيمة النماء المتصل صريحًا كما قال الشيرازي في "رواية ابن منصور"(4) فيمن اشترى سلعة فنمت عنده وكان بها داء؛ فإن شاء المشتري حبسها ورجع بقدر الداء (5)، وإن شاء ردها ورجع عليه بقدر النماء، وتأولها القاضي على أن النماء المنفصل (6) يرده معها، وهو ظاهر الفساد؛ لأن الضمير في قوله:(رجع) يعود إلى المشتري، وفي قوله:(عليه) يعود إلى البائع، وإنما (7) يرجع المشتري على البائع بقيمة النماء المتصل (8).

ووجه الإِجبار هنا على دفع القيمة: أن البائع قد أجبر على أخذ سلعته ورد ثمنها؛ فكذلك نماؤها المتصل بها يتبعها في حكمها؛ وإن لم يقع عليه العقد، والمردود بالإقالة والخيار يتوجه فيه مثل ذلك؛ إلا أن يقال:

(1) في (ب): "المشتري".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(3)

"الاختيارات الفقهية"(ص 126) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى.

(4)

انظر: "مسائل ابن منصور"(382/ 287).

(5)

في المطبوع: "الدواء"، وهو خطأ.

(6)

في المطبوع: "المتصل".

(7)

في (ج): "فإنما".

(8)

في المطبوع: "المنفصل"، وهو خطأ.

ص: 154

الفسخ للخيار رفع (1) للعقد من أصله، بخلاف العيب والإِقالة، وقد صرح بذلك القاضي وابن عقيل في "خلافيهما"(2)، وفيه بُعْدٌ.

- (ومنها): المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن، ووجده البائع قد نما نماءً متصلًا؛ قال (3) القاضي وأصحابه: يرجع به، ولا شيء للمفلس.

وكذلك ابن أبي موسى ذكر الرجوع، وهو مأخوذ مما روى الميموني وإسحاق بن إبراهيم [عن أحمد] (4): إذا زادت العين أو نقصت يرجع في الزيادة والنقصان، ولفظ رواية إسحاق: قيل له: فإن كان زاد أو نقص يوم اشتراه؟ قال: هو أحق به زاد أو نقص (5).

وهذا يحتمل أن يراد به زيادة السعر ونقصانه، وإن استبعد ذلك؛ فليس في استحقاق الرجوع (6) ما ينافي مطالبته بقيمة الزيادة، كما لو كانت الزيادة صبغًا في الثوب، وقال الخرقي: ليس له الرجوع (7)، وذكر القاضي في (كتاب الهبة) من "خلافه" أنه منصوص (8) أحمد؛ فيكون أسوة

(1) في المطبوع: "وقع" وهو خطأ.

(2)

في المطبوع: "خلافهما"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في (ب): "فقال".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

انظره في: "مسائل ابن هانئ"(2/ 22/ 1267).

(6)

في (ب): "الرجوع استحقاق".

(7)

انظر: "المغني"(4/ 268/ 3412).

(8)

في المطبوع: "منصوص عن أحمد".

ص: 155

الغرماء (1)، كما لو طلق الزوج (2) قبل الدخول وقد زاد الصداق زيادة متصلة، وفارق الرد بالعيب عند من سلمه بأن (3) الرد بالعيب قد رضي المشتري برده بزيادته بخلاف المفلس، ولأن الرد بالعيب استند إلى سبب مقارن للعقد والفسخ هنا استند إلى سبب حادث، وهو حكم الحاكم؛ فهو (4) شبيه بالطلاق قبل الدخول، وينتقض الأول بما لو اشترى عبدًا بثوب فوجد صاحب الثوب به عيبًا؛ فإنه يرده ويأخذ العبد؛ وإن كان قد سمن.

والثاني: بما لو باعه عينًا بعد إفلاسه وقبل حجر الحاكم؛ فإن حجره إنما هو معتبر لثبوت الفلس (5) وظهوره، وقد سبق نص أحمد بذلك.

وأيضًا؛ فلو باعه بعد الحجر ولم يعلم؛ فإنه يرجع (6) في أحد الوجهين.

وفرق الأولون بين رجوع البائع ها هنا وبين الصداق: [بأن الصداق](7) يمكن الزوج الرجوع إلى بدله تامًا، بخلاف البائع؛ فإنه لا يمكنه الوصول (8) إلى حقه تامًا إلا بالرجوع، [وهو](9) ضعيف؛ لأن اندفاع

(1) في المطبوع: "بالغرماء".

(2)

في (ب): "زوجته".

(3)

في المطبوع: "لأن".

(4)

في المطبوع: "وهو".

(5)

في المطبوع: "المفلس".

(6)

في المطبوع: "يرجع بها".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(8)

في المطبوع: "الدخول"، وهو خطأ.

(9)

في المطبوع: "هذا".

ص: 156

الضرر عنه بالبدل لا يسقط حقه من العين لو كان ثابتًا، ثم يبطل بما لو كانت الزوجة مفلسة، فإن حقه لا يثبت في العين؛ فبطل (1) الفرق.

ويتخرج في "رواية ابن منصور"(2) في الرد بالعيب أن يرجع البائع ها هنا ويرد قيمة الزكاة، كما لو صبغ المفلس الثوب.

- (ومنها): ما وهبه (3) الأب لولده إذا زاد زيادة متصلة؛ فهل يمنع رجوع الأب أم لا؟

على روايتين معروفتين، والمنصوص عن أحمد في "رواية ابن منصور"(4) امتناع الرجوع، وعلى القول بجوازه؛ فلا شيء على الأب للزيادة لأنها تابعة لما يباح له من مال ولده؛ فهو بالرجوع والقبض متملك (5) لها.

- (ومنها): إذا أصدقها شيئًا فزاد زيادة متصلة، ثم طلقها قبل الدخول؛ لم يكن له الرجوع في نصفه، وسقط حقه منه إلى قيمة النصف، ذكره الخرقي (6)، ولم نعلم عن أحد من الأصحاب خلافه؛ حتى جعله القاضي في "المجرد" رواية واحدة، وفرق بينه وبين بائع (7) المفلس بأن

(1) في (ج): "فيبطل".

(2)

انظرها: (382 - 383/ 288).

(3)

في المطبوع: "وهب".

(4)

"رواية ابن منصور".

(5)

في المطبوع: "يتملك".

(6)

انظره في: "المغني"(7/ 173/ 5583).

(7)

في المطبوع و (ج): "البائع".

ص: 157

فسخ البائع رفع للعقد من أصله، والطلاق قاطع للنكاح من حينه؛ فلا يكون للزوج حق في الزيادة، وهذا ممنوع؛ فإن (1) الفسخ بالفلس (2) رفع للعقد من حينه أيضًا؛ فهو كالطلاق.

وخرج صاحب "المحرر"(3) الرجوع في النصف بزيادته (4) المتصلة من الرواية المحكية عن أحمد بالرجوع (5) في نصف الزيادة المنفصلة وأولى، وسنذكر أصل هذه الرواية فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.

ويتخرج (6) وجه آخر برجوعه (7) في النصف بزيادته (8) وبرد قيمة الزيادة كما في الفسخ بالعيب على ما تقدم، وهذا (9) إذا كانت العين يمكن فصلها وقسمتها (10)، وإن لم يمكن (11)؛ فهو شريك بقيمة النصف يوم الإِصداق.

- (ومنها): إذا اشترى قصيلًا بشرط القطع، فتركه حتى سنبل واشتد، أو ثمرًا ولم يبد صلاحه بشرط القطع، فتركه حتى بدا صلاحه؛ فهل

(1) في (ب): "بأن".

(2)

في (ج): "للفلس".

(3)

نظر: "المحرر"(2/ 36).

(4)

في المطبوع و (ج): "بزيادة".

(5)

في المطبوع: "في الرجوع".

(6)

في المطبوع و (ج): "ويتخرج فيه".

(7)

في المطبوع و (ج): "بالرجوع".

(8)

في المطبوع: "بزياته"، وهو خطأ مطبعي.

(9)

في نسخة (ب): "هذا".

(10)

في (ب): "وقسمها".

(11)

في (ب): "يكن".

ص: 158

يبطل البيع بذلك أم لا؟

فيه روايتان، أشهرهما أنه يبطل، وهو اختيار الخرقي (1) وأبي بكر وابن أبي موسى والقاضي والأكثرين.

وللبطلان مأخذان:

أحدهما: أن تأخيره محرم لحق اللَّه [عز وجل](2)؛ فأبطل البيع كتأخير القبض في الربوبيات، ولأنه وسيلة إلى شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها، وهو محرم، ووسائل المحرم ممنوعة، وبهذا علل أحمد في رواية أبي طالب.

والمأخذ الثاني: أن مال المشتري اختلط بمال البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه؛ فبطل (3) به البيع، كما لو تلف؛ فإن تلفه في هذه الحال يبطل البيع لضمانه على البائع.

فعلى المأخذ الأول لا يبطل البيع إلا بالتأخير إلى بدو الصلاح واشتداد الحب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وظاهر كلام الخرقي (4)، ويكون تأخيره (5) إلى ما قبل ذلك جائزًا.

وقد نص أحمد في رواية الحسن بن ثواب (6) على أنه إذا أخره حتى

(1) انظره مع "المغني"(4/ 74/ 2903).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في نسخة المطبوع: "تعالى".

(3)

في (ج): "فيبطل".

(4)

انظره مع "المغني"(4/ 74/ 2903).

(5)

في المطبوع و (ج): "تأخره".

(6)

في المطبوع: "الحسن بن بواب"، والصواب ما أثبتناه كما في "المقصد الأرصد"(1/ 317 - 318) وغيره، ومضت ترجمته في (1/ 297).

ص: 159

تلف بعاهة قبل صلاحه: أنه من ضمان البائع، معللًا بأن هذا شيء (1) في ملك البائع ونخله، فلما علل باتصاله بملك (2) البائع؛ علم أن البيع لم يكن منفسخًا قبل تلفه و [لا](3) كان التأخير تفريطًا، ولو كان المُشْتَرَى رطبة أو ما أشبهها من النعناع والهندبا أو صوفًا على ظهر فتركها حتى طالت؛ لم ينفسخ [البيع](4)؛ لأنه لا نهي في بيع هذه الأشياء، وهذه طريقة القاضي في "المجرد".

وعلى المأخذ الثاني يبطل البيع بمجرد الزيادة واختلاط المالين؛ إلا أنه يعفى عن الزيادة اليسيرة؛ كاليوم واليومين، ونص على ذلك أحمد في "رواية أحمد بن سعيد"(5)، ولا فرق بين الثمر والزرع وغيرهما من الرطبة والبقول والصوف (6)، وهي طريقة أبي بكر عبد العزيز والقاضي في "خلافه" وصاحب "المغني"(7).

(1) في المطبوع: "نشأ".

(2)

في المطبوع: "بانفصاله لملك"، وفي (ج):"باتصاله لملك".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في الأصل في (ب): "العيب"، وكتب ناسخها في الهامش:"لعله البيع"، وهو الصحيح.

(5)

هو أحمد بن سعيد، أبو جعفر الدارمي، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 45):"نقل عن إمامنا أشياء"، ولد بسرخس، ونشأ بنيسابور، ثم كان أكثر أوقاته في الرحلة لسماع الحديث، وكان ثقةٌ ثبتًا، مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين.

انظر: "تاريخ بغداد"(4/ 166 - 169)، و"المنهج الأحمد"(رقم 276).

(6)

في المطبوع: "الصوفة".

(7)

انظر: "المغني"(4/ 67/ 2886).

ص: 160

وبمثل ذلك أجاب أبو الحسن الجزري فيمن اشترى خشبًا ليقطعه فتركه حتى اشتد وغلظ: أن البيع ينفسخ، ومتى تلف بجائحة بعد التمكن من قطعه؛ فهو من ضمان المشتري، وهو مصرح به في "المجرد" و"المغني"(1)، وتكون الزكاة على البائع على هذا المأخذ بغير إشكال، وأما على الأول؛ فيحتمل أن تكون (2) على المشتري؛ لأن ملكه إنما ينفسخ بعد بدو الصلاح، وفي تلك الحال تجب الزكاة؛ فلا تسقط بمقارنة (3) الفسخ على رأي من يرى جواز اقتران الحكم ومانعه كما سبق، ويحتمل أن تكون (2) على البائع، ولم (4) يذكر الأصحاب فيه خلافًا؛ لأن الفسخ ببدو الصلاح استند إلى سبب سابق عليه، وهو تأخير القطع، وقد [يقال: يبدو ببدو] (5) الصلاح يتبين (6) انفساخ العقد من حين التأخير.

ونقل أبو طالب عن أحمد [فيما إذا](7) تركه حتى صار شعيرًا: إن أراد الحيلة (8)؛ فسد البيع.

فمن الأصحاب من جعل هذه رواية ثالثة بالبطلان مع (9) قصد التحيل

(1)(4/ 87/ 2944).

(2)

في المطبوع: "يكون".

(3)

في المطبوع و (ج): "بمقارنته".

(4)

في المطبوع: "ثم"، وهو خطأ.

(5)

في المطبوع: "يقال: يبدوا"، وفي (ج):"قيل ببدو".

(6)

في المطبوع: "يتعين"، وهو خطأ.

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(8)

في المطبوع: "حيلة".

(9)

في المطبوع: "مح"، ولعله خطأ مطبعي.

ص: 161

على شراء الزرع قبل اشتداده (1) للتبقية؛ كابن عقيل في "التذكرة"(2).

ومنهم من قال: بل متى تعمد الحيلة؛ فسد البيع من أصله، ولم ينعقد بغير خلاف، وإنما الخلاف فيما إذا لم يقصد الحيلة ثم تركه حتى بدا صلاحه؛ كصاحب"المغني"(3).

ومنهم من قال: قصد الحِيلة إنما يؤثر في الإِثم لا في الفساد وعدمه، وهي طريقة القاضي.

وإذا تقرر هذا؛ فالزيادة إنما تعلم باختلاف القيمة لعدم تميزها (4) في نفسها، وهي تفاوت ما بين القيمة (5) يوم الشراء وبعد الزيادة الحادثة بعده، كذلك قال القاضي في "المجرد"، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور"(6)[كما](7) سيأتي، وهو متمش على المأخذ الثاني في الانفساخ بمجرد الزيادة بعد العقد.

وأما على المأخذ الأول؛ فالزيادة هي تفاوت ما بين القيمة قبل بدوِّ الصلاح وبعده؛ لأنه لم يزل على (8) ملك المشتري [إلى](9) وقت ظهور

(1) في المطبوع: "استناده"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

ذكره له المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 156)، وقال:"مجلد".

(3)

انظر: "المغني"(4/ 74 - 75/ 2903).

(4)

في المطبوع و (ج): "تمييزها".

(5)

في (ج): "القيمة".

(6)

"رواية ابن منصور"(ص 419).

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ما".

(8)

في المطبوع: "عنه".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 162

الصلاح، وبذلك جزم في "الكافي"(1)، وحكاه في "المغني"(2) احتمالًا عن القاضي.

وبقي الكلام في حكم الزيادة على الروايتين، أما على رواية الانفساخ؛ ففيها روايتان:

إحداهما: أنها للبائع، وهي اختيار ابن أبي موسى والقاضي، ونقلها أبو طالب ويخره عن أحمد؛ لأن البيع متى انفسخ يعود إلى بائعه بنمائه المتصل (3)؛ كسمن العبد ونحوه، بل هنا أولى؛ لأنه نماء من تبقيته على (4) ملكه، فحقه فيه أقوى.

والثانية: يتصدقان بها مع فساد البيع، قال القاضي في "المجرد" و" [كتاب] الروايتين" (5): نقلها حنبل، قال: وهي محمولة عندي على الاستحباب؛ لوقوع (6) الخلاف في صحة العقد وفساده ومستحق النماء؛

(1) انظر: "الكافي"(2/ 78).

(2)

انظر: "المغني"(4/ 75/ 4903).

(3)

في المطبوع: "المنفصل"، وهو خطأ.

(4)

في المطبوع: "تيقنه في"، وفي (ج):"تبقيته على مالكه"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

وقال القاضي في "المسائل الفقهة من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 334 - 335) بعد نقله عن حنبل: "وعندي أن قوله: يتصدقان بالزيادة على طريق الاستحباب لأجل الاختلاف؛ لأن جماعة من الفقهاء حكموا بصحة هذا البيع، وأن الزيادة للمشتري، ومنهم من حكم ببطلانه، والزيادة تابعة للأصل للبائع، فاستحب الصدقة بهذه الزيادة. . . ".

(6)

في المطبوع و (ج): "بوقوع".

ص: 163

فاستحب الصدقة بها (1).

وأنكر الشيخ مجد الدين ثبوت هذه الرواية، وقال: هي سهو من القاضي. قال: وإنما ذكرها القاضي في "خلافه" مستدلًا بها على الصحة، فأما مع الفساد؛ فلا وجه لهذا القول (2).

وأما ابن أبي موسى؛ فقال: وعنه يتصدق البائع بالفضل؛ لأنه نماء في غير ملكه، وهذا التعليل ترد (3) عليه الزيادة في المردود بالعيب ونحوه، لكن المراد أن هذه الزيادة عادت إليه؛ لانفساخ العقد على وجه منهي عنه في الشرع، بخلاف الرد بالعيب، ثم حكى رواية ثالثة باشتراك البائع والمشتري في الزيادة، وهذه الرواية ترجع إلى القول بأن الزيادة المتصلة لا تتبع في الفسخ، بل تبقى على ملك المشتري، وإنما شاركه البائع فيها؛ لأنها نمت من ملكه وملك المشتري، ولولا ذلك؛ لانفرد بها المشتري.

[فإن قيل: لا يلزم تخريجها على هذا الأصل](4)، وخص ابن أبي موسى هذا الخلاف بالثمار، فأما الزرع؛ فلم يذكر فيه خلافًا بأنّ (5) الزيادة للبائع (6).

وأما على رواية الصحة؛ ففي حكم الزيادة ثلاث روايات:

(1) في (أ) و (ب) والمطبوع: "به".

(2)

انظر: "المحرر"(1/ 316).

(3)

في المطبوع و (أ): "يرد".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(5)

كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع:"إلا أن"، وفي (ب):"أن".

(6)

في المطبوع: "البائع".

ص: 164

إحداهن: أنهما (1) يشتركان فيها (2)، نقلها أحمد بن سعيد، لحدوثها على ملكيهما كما سبق، وحملها القاضي على الاستحباب (3)، ولا يصح، وبالاشتراك أجاب أبو حفص البرمكي فيمن اشترى خشبًا للقطع فتركه حتى اشتد وغلظ.

والثانية: يتصدقان بها، وأخذها القاضي في "خلافه" من رواية حنبل، وتلك قد صرح [فيها أحمد](4) بفساد البيع على ما حكاه القاضي أيضًا في "المجرد" و"كتاب الروايتين"(5)، ثم قال: وهذا عندي على الاستحباب؛ للنهي (6) عن ربح ما لم يضمن (7)، وهذا لم يضمن على المشتري؛ فكره له (8) ربحه، وكره للبائع؛ لحدوثه على ملك المشتري، وكذلك مال (9) صاحب "المغني"(10) إلى حملها على الاستحباب؛ لأن الصدقة بالشبهات مستحب، وهذه شبهة لاشتباه الأمر في مستحقها، ولحدوثها بجهة محظورة، ويشبه هذه الرواية ما نص عليه أحمد في ربح

(1) في المطبوع: "إنما".

(2)

في المطبوع: "يشتركان بينهما فيها".

(3)

انظر: "المسائل الفقهة"(1/ 334 - 335) للقاضي أبي يعلى.

(4)

في (ب): "أحمد فيها" بتقديم وتأخير.

(5)

انظره: (1/ 334).

(6)

في المطبوع: "المنهي"، والصواب ما أثبتناه.

(7)

سبق تخريج الأحاديث الدالة على ذلك.

(8)

في (ب): "فيكره له".

(9)

كذا في المطبوع و (ج) وهو الصواب، وفي (أ) و (ب):"قال".

(10)

انظر: "المغني"(4/ 67/ 2886).

ص: 165

مال المضاربة (1) إذا خالف فيه المضارب أنه يتصدق به، وفيمن أجر ما استأجره بربح أنه يتصدق به؛ لدخوله في ربح ما لم يضمن.

والرواية الثالثة: أن الزيادة كلها للبائع، نقلها القاضي في "خلافه" في مسألة زرع الغاصب، ونص عليها (2) أحمد في "رواية ابن منصور"(3) فيمن اشترى قصيلًا فتركه حتى سنبل يكون للمشتري منه بقدر ما اشترى يوم اشترى، فإن كان فيه فضل؛ كان للبائع صاحب الأرض، قيل له، وكذلك النخل إذا اشتراه ليقلعه (4) فطلع؟ قال: وكذلك (5) في النخل، فإن كان فيه زيادة؛ فهو لصاحب الأرض البائع، ووجهه القاضي بأن الزيادة من نماء ملك البائع؛ فهي كالربح في المال المغصوب، فإنه لصاحب (6) المال دون الغاصب، ويلغي تصرفه فيه؛ لكونه محظورًا، كذلك ها هنا، ويمكن أن يفرق بينه وبين تصرف الغاصب بأن الغاصب إنما له آثار عمل؛ فألغيت،

(1) قال صالح في "مسائله"(1/ 448/ 450): "وسألتُه عن المضارب إذا خالف؛ قال: بمنزلة الوديعة عليه الضمان، والربح لرب المال إذا خالف؛ الا أن المضارب أعجب إلي أن يعطى بقدر ما عمل"، وقال في رواية أبي داود (ص 199):"يختلفون فيه"، وصرح أحمد بالضمان في "مسائل عبد اللَّه"(294/ 1093 - 1095) والصدق بالربح من قبلهما رواية عن أحمد.

وانظر: "المسوّدة"(ص 452)، و"بدائع الفوائد"(4/ 124)، و"الإنصاف"(5/ 425 - 426)، و"منح الشفا الشافيات"(2/ 23 - 24).

(2)

في المطبوع و (ج): "عليه"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

انظرها: (464/ 419).

(4)

في (أ): "ليقطعه".

(5)

في المطبوع و (ج): "كذلك" من غير واو.

(6)

في المطبوع: "فإنه يكون لصاحب".

ص: 166

وهنا للمشتري عين مال نمت؛ فكيف يسقط حقه من نمائها؟!

ويجاب عنه بأن المشري إنما يستحق بالعقد ما وقع عليه البيع (1) من الثمرة، وما زاد على ذلك؛ فلا حق له فيه، وهذا البيع لم يتم قبضه [فيه] ولا دخل (2) في ضمانه؛ فلا يستحق أن يقبض غير ما وقع عليه البيع بمقتضى عقده.

وحمل القاضي قول أحمد ها هنا وكذلك الخل إذا اشتراه ليقلعه (3): على أنه اشترى جذوعه ليقطعها.

وقال الشيخ مجد الدين: ويحتمل (4) عندي أن يقال بأن زيادة الثمرة في صفتها للمشتري وما طال من الجزة (5) للبائع؛ لأن هذه الزيادة لو فرضنا أن المشري كان قد جَزَّ ما اشتراه؛ لأمكن وجودها، ويكون للبائع؛ فكذلك إذا لم تجز. انتهى.

واختار القاضي خلاف ذلك (6) كله، وأن الزيادة كلها للمشتري مع صحة العقد، وللبائع مع فساده، ولم يثبت في "كتاب الروايتين" في المذهب في هذا خلافًا (7)، وما قاله من انفراد المشتري بالثمرة بزيادتها

(1) في المطبوع: "العقد".

(2)

في المطبوع: "ولا وجد"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في (ج): "ليقطعه".

(4)

في (ب) و (ج): "يحتمل" من غير واو.

(5)

في (ج): "من الشجرة الجزة".

(6)

في المطبوع: "هذا".

(7)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 336).

ص: 167

مخالف [لجميع نصوص](1) أحمد، وقياسه كذلك (2) على سمن العبد غير صحيح؛ لأن هذه الزيادة نمت من أصل البائع مع استحقاق إزالتها عنه، بخلاف سمن العبد وطوله، ولو قال مع ذلك بوجوب الأجرة للبائع إلى حين القطع؛ لكان أقرب.

كما أفتى به ابن بطة [رحمه الله](3) فيمن اشترى خشبًا للقطع فتركه في أرض البائع حتى غلظ واشتد: أنه يكون بزيادته للمشتري، وعليه لصاحب الأرض أجرة أرضه للمدة التي تركها فيه وأخذه من غرس الغاصب، ولكن تبقية الشجر في الأرض له أجرة معتبرة، [وكذلك](4) الزرع، وأما (5) تبقية الثمر على رؤوس الشجر؛ فلا يستحق له أجرة بحال، ذكره القاضي في "التفليس"(6).

وحكم العرايا إذا تركت في رؤوس النخل حتى أثمرت حكم الثمر إذا ترك حتى يبدو صلاحه عند القاضي وأكثر الأصحاب، ومنهم من لم يحك خلافًا في البطلان في العرية، بخلاف الثمر والزرع؛ كالحلواني وابنه، ويفرق بينهما بأن بغ العرايا رخصة مستثناة من المزابنة المحرمة شرعت للحاجة إلى أكل الرطب وشرائه بالثمر (7)، فإذا ترك حتى صار تمرًا؛

(1) في المطبوع: "لمنصوص".

(2)

في (ج): "لذلك".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وللمالك"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "فأما".

(6)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الرواتين والوجهين"(1/ 373 - 374).

(7)

في المطبوع: "بالثمن"، وفي (ج):"بالتمر". =

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحرمة المزابنة واستثناء بيع العرايا ناتجة فيما أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أوسرب في حائط أو في نخل، 5/ 50/ رقم 2381)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، 3/ 1174/ رقم 1536)؛ عن جابر رضي الله عنه، قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة، وعن المزابنة، وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وأن لا تباع إلا بالديار والدرهم؛ إلا العرايا". لفظ البخاري.

وفي لفظ لمسلم في آخره: "ورخّص في العرايا".

والعرايا: جمع عَرِيَّة، سمّيت بذلك لأنها عَرِيتْ عن حكم باقي البستان، يعريها صاحبُها غيره ليأكل ثمرتها. انظر:"تحرير ألفاظ التنبيه"(180) للنووي.

وسيشير المصنف لاحقًا إلى منع بيع التمر بالرطب، وقد أخرج مالك في "الموطأ"(2/ 624)، ومن طريقه الشافعي في "مسنده"(2/ 159) وفي "الرسالة"(ص 331 - 332)، والطالسي في "مسنده"(رقم 214)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 32)، وأحمد في "مسنده"(1/ 279)، وأبو داود السجستاني في "سننه"(كتاب البيوع، باب في النمر بالتمر، رقم 3359)، والترمذي في "جامعه"(أبواب البيوع، باب في النهي عن المحاقلة والمزابنة، رقم 1225)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب البيوع، باب اشتراء التمر بالرطب، 7/ 269)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب التجارات، باب بيع الرطب بالتمر، رقم 2284)، والحميدي في "مسنده"(1/ 41)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 182 و 14/ 204) وفي "مسنده"(ورقة 64)، وأبو يعلى في "مسنده"(2/ 68 و 141)، والبزار في "مسنده"(ق 208)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 6)، والهيثم بن كليب الشاشي في "مسنده"(ورقة 69 ب)، والدورقي في "مسند سعد"(رقم 111)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 657)، والدارقطني في "سننه"(3/ 49)، والخطابي في "غريب الحديث"(2/ 225)، وابن جميع في "معجمه"(ص 201)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 38 و 43)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1/ 211)، والبيهقي في "السنن"(5/ 294)، والبغوي في "شرح السنة"(8/ 78)، والضياء المقدسي في =

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "المختارة"(قسم 2/ 218)؛ من طريق عبد اللَّه بن يزيد، عن زيد أبي عياش:"أن سعدًا سئل عن البيضاء بالسلت، فكرهه، وقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرطب بالتمر؛ فقال: أينقص التمر إذا يبس؟ قالوا: نعم. فال: فلا إذًا". وإسناده صحيح.

وأخرجه أحمد في "المسائل"(ص 275 - رواية ابنه عبد اللَّه) من طريق ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد اللَّه بن يزيد، به.

قال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال البزار:"وهذا الحديث لا نعلم يُروى عن سعد إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد"، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح؛ لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث؛ إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح، خصوصًا في حديث أهل المدينة"، ثم قال:"والشيخان لم يخرجاه؛ لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش"، وقال الخطاي في "معالم السنن" (5/ 35):"قد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص"، وقال:"زيد أبو عياش راويه ضعيف"، ثم قال:"وليس الأمر على ما توهمه، وأبو عياش هذا مولى لبني زهرة معروف، وقد ذكره مالك في "الموطأ"، وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه، وهذا من شأن مالك وعادته معلومة" اهـ.

وفي الحديث ذكره السيوطي في "الجامع الكبير"(2/ 216) وفي "الدر المنثور"

(2/ 112)، وعزاه لمالك وابن أبي شيبة وأبي داود والترمذي والنسائي والشافعي والبيهقي.

وقوله: "بالسلت" هو نوع من الشعير، رقيق القشر، صغار الحب، وقوله:"أينقص الرطب؟ "؛ قال الخطابي في "معالم السنن": "هذا لفظه لفظ استفهام، ومعناه التقرير والتنبيه بكُنْهِ الحكم وعلته لكي يكون معتبرًا في نظائره، وإلا؛ لا يجوز أن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم أن الرطب إذا يبس نفص وزنه؛ فيكون سؤاله عن سؤال تعرّف واستفهام" اهـ.

وقال البغوي في "شرح السنة"(8/ 79): "هذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شيء من المطعوم بجنسه، وأحدهما رطب والآخر يابس، مثل بيع الرطب بالتمر، وبيع العنب بالزيب، واللحم الرطب بالقديد، وهذا قول أكثر أهل العلم، وإليه ذهب مالك =

ص: 170

فقد زال المعنى الذي شرعت لأجله الرخصة (1)، وصار بيع تمر بتمر؛ فلم يصح إلا بيقين (2) المساواة، واللَّه أعلم.

وأما العقود؛ فيتبع فيها النماء الموجود حين ثبوت الملك بالقبول أو غيره؛ [وإن لم](3) يكن موجودًا حين الإيجاب أو ما يقوم مقامه.

- فمن ذلك: الموصى به إذا نما نماءً متصلًا (4) بعد الموت وقبل القبول؛ فإنه يتبع العين إذا احتمله الثلث، ذكره صاحب "المغني"(5)، وقال صاحب "المحرر" (6):[إن](7) قلنا: لا ينتقل الملك إلا من حين القبول؛ فالزيادة محسوبة عليه (8) من الثلث، وإن قلنا: يثبت (9) من حين الموت؛ فالزيادة له غير محسولة عليه من التَّركة لأنها نماء ملكه، [واللَّه أعلم](10).

- (ومنه): الشقص المشفوع إذا كان فيه شجر، فنمى قبل الأخذ

= والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وجوزه أبو حنيفة وحده، وأما بيع الرطب بالرطب، وبيع العنب بالعنب، فلم يجوّزه الشافعي وجوّزه الآخرون".

(1)

في (ب): "للرخصَةِ"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "بتعيين"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فلم".

(4)

في المطبوع: "منفصلًا"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

انظره في: "المغني"(6/ 157/ 4807).

(6)

"المحرر"(1/ 384).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(8)

في المطبوع: "محسوبة كذلك عليه".

(9)

في المطبوع: "ثبتت"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(10)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 171

بالشفعة؛ فإنه يأخذه بنمائه بالثمن الذي وقع (1) عليه العقد، ولا شيء عليه للزيادة (2)، وكذلك لو كان فيه ثمر أو زرع، فنمى وقلنا: يتبع في الشفعة كما هو أحد الوجهين فيهما، لو تأبر الطلع المشمول بالبيع في يد المشتري ثم أخذه الشفيع؛ ففي تبعيته (3) وجهان لتعلق حقه بالطلع ونمائه.

- (ومنه): لو اشترى رجل من أهل الحرب ما استولوا عليه من مال مسلم ثم نمى عند المشتري نماءً متصلًا (4) حتى زادت قيمته، فإنه يأخذه بالثمن الذي اشتراه به، ولا شيء عليه للزيادة، نص (5) عليه أحمد في رواية مُهَنا.

وأما تبعية النماء في عقود التوثقة (6)، فإنه يتبع في الرهن وأموال الزكاة والجاني والتّركة (7) المتعلق بها حق (8) الغرماء، وإن (9) قيل [انتقال ملكها](10) إلى الورثة؛ لأن التعلق فيها (11) إما تعلق رهن أو جناية، والنماء المتصل تابع

(1) في (أ): "يقع".

(2)

في المطبوع: "في الزيادة".

(3)

في (ج): "تبيعته"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "منفصلًا"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع: "فنص".

(6)

في المطبوع و (ج): "التوثق".

(7)

في المطبوع: "في التركة"، وفي (ج):"ومنه التركة".

(8)

في المطبوع: "حقوق".

(9)

في (ب): "فإن".

(10)

في المطبوع: "بانتقالها".

(11)

في (ب): "فيهما".

ص: 172

فيهما، صرح القاضي وابن عقيل بذلك كله [متفرقًا](1) في كلامهما (2).

وأما عقود الضمان؛ فتتبع في الغصب على ظاهر المذهب، وحكى ابن أبي موسى فيه رواية أخرى: أنه لا يتبع، ولا يكون النماء المتصل الحادث في يد الغاصب مضمونًا إذا رد الأصل كما قبضه، وقياسه العارية؛ لأن الانتفاع حاصل به؛ فيصير حكمه حكم الأصل؛ كنماء العين المستأجرة.

وتتبع أيضًا في الصيد الذي في يد المحرم وفي نماء المقبوض بعقد فاسد وجهان معروفان (3).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

في (ج): "كلاميهما".

(3)

في المطبوع: "معرفان".

ص: 173

(القاعدة الثانية والثمانون)

والنماء (1) المنفصل تارة يكون متولدًا من عين الذات؛ كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض، وتارة يكون متولدًا من غيرها، واستحق بسبب العين؛ كالمهر [والأجرة](2) والأرش.

والحقوق المتعلقة بالأعيان ثلاثة: عقود، وفسوخ، وحقوق تتعلق (3) بغير عقد ولا فسخ (4).

فأما العقود؛ فلها حالتان:

إحداهما: أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل؛ فلا يتبعها (5) النماء، وسواء كان من العين أو غيرها؛ إلا ما كان متولدًا من العين في حال (6) اتصاله بها واستتاره وتغيبه (7) فيها أصل الخلقة؛ فإنه يدخل تبعًا؛

(1) في (ب) و (ج): "النماء" من غير واو.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع:"يتعلق".

(4)

في المطبوع و (ج): "فسخ ولا عقد" بتقديم وتأخير.

(5)

في (ج): "فلا يتبع"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

في (أ): "حالة".

(7)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"وتغييبُه"، وفي المطبوع:"وتعيبه".

ص: 174

كالولد واللبن والبيض والطلع غير المؤبر، أو كان ملازمًا للعين لا يفارقها عادة؛ كالشعر والصوف؛ فإنها تلحق بالمتصل في استتباع العين.

وفي "المجرد" و"الفصول" وجه في الرهن: أنه لا يدخل فيه صوف الحيوان ولبنه، ولا ورق الشجر المقصود، وهو بعيد.

وأما (1) المنفصل البائن (2)؛ فلا يتبع بغير خلاف؛ إلا في التدبير؛ فإن في استتباع (3) الأولاد فيه روايتين (4).

والحالة الثانية: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين؛ فينقسم العقد إلى تمليك وغيره.

فأما (5) عقود التمليكات المنجزة؛ فما ورد منها على العين والمنفعة بعوض أو غيره؛ فإنه يستلزم (6) استتباع النماء المنفصل [من العين](7) وغيره؛ كالبيع والهبة والعتق [وعوضه](7) وعوض الخلع والكتابة والإجارة والصداق وغيرها، وما ورد منها على العين المجردة من غير منفعة؛ كالوصية بالرقبة دون المنافع والمشتري لها من مستحقها على القول بصحة البيع (8)؛

(1) في المطبوع: "أما" من غير واو.

(2)

في (أ): "اليابس"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "استباع".

(4)

في (ج): "روايتان"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

في المطبوع و (ج): "وأما".

(6)

في (ج): "يلزم".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(8)

في المطبوع: "المبيع"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 175

فلا يتبع فيه النماء من غير العين.

وفي استتباع الأولاد وجهان بناءً على أن الولد (1) جزء أو كسب، وما ورد منها (2) على المنفعة المجردة، فإن عم (3) المنافع؛ كالوقف والوصية بالمنفعة؛ يتبع فيه (4) النماء الحادث من العين وغيرها؛ إلا الولد، فإن فيه وجهين مصرحًا (5) بهما في الوقف، ويُخَرَّجان (6) في غيره بناءً على أنه جزء أو كسب.

وفي أرش الجناية على الطرف بالإتلاف احتمالان مذكوران في "الترغيب": هل هو للموقوف (7) عليه كالفوائد، أويشترى به شقص يكون وقفًا كبدل الجملة؟

فإن كانت الجناية بغير إتلاف؛ فالأرش للموقوف (8) عليه وجهًا واحدًا، وإن كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد؛ كالإِجارة؛ فلا [يتبعُ فيه شيء](9) من النماء المنفصل بغير خلاف.

وأما عقود غير التمليكات المنجزة؛ فنوعان:

(1) في (ج): "أنه الولد".

(2)

في المطبوع: "فيها".

(3)

في (ج): "علم".

(4)

كذا في (أ)، وفي (ب):"يتبع فيها"، وفي المطبوع و (ج):"تتبع فيه".

(5)

كذا في (ب)، وفي المطبوع و (أ) و (ج):"مصرح".

(6)

في المطبوع و (ج): "وخرجان".

(7)

في المطبوع و (ج): "للموقف".

(8)

في (ج): "للموقف".

(9)

في المطبوع: "تتبع فيه شيئًا".

ص: 176

أحدهما: ما يؤول إلى التمليك، فما كان منه لازمًا لا يستقل العاقد أو من يقوم مقامه بإبطاله من غير سبب؛ فإنه يتبع فيه النماء المنفصل من العين وغيرها، ويندرج في ذلك صور:

- (منها): المكاتبة؛ [فيملك إكسابها](1)، ويتبعها أولادها بمجرد العقد.

- (ومنها): المكاتب يملك إكسابه (2)، ويتبعه أولاده من أمته؛ كما يتبع الحر ولده من أمته، ولا يتبعه ولده من أمة لغيره (3).

- (ومنها): الموصى بعتقه إذا كسب بعد الموت وقبل اعتاق الورثة؛ فإن كسبه له، ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المحرر"(4)؛ لأن (5) إعتاقه واجب لحق اللَّه [تعالى](6)، ولا يتوقف على [قبول](6)؛ فهو كالمعتق، بخلاف الوصية لمعين.

وقال صاحب "المغني" في آخر (باب العتق): كسبه للورثة؛ كأم الولد (7)، ولكن يمكن التفريق بينهما بأن أم الولد مملوكة لسيِّدها،

(1) كذا في (أ)، وفي المطبوع:"فيملك اكتسابها"، وفي (ب):"فيتملك إكسابها"، وفي (ج):"فتملك إكسابها".

(2)

في المطبوع: "اكتسابه".

(3)

في (ج): "الغير".

(4)

انظر: "المحرر"(1/ 385).

(5)

في (ج): "ولأن".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

انظر: "المغني"(10/ 306 - 307/ 8632).

ص: 177

والموصى بعتقه غير مملوك للورثة؛ لأن الوصية تمنع انتقاله إليهم، وإذا قيل: هو على ملك الميت؛ فهو [ملك](1) تقديري لا يمنع من استحقاق الكسب، فلو (2) كان أمة، فولدت قبل العتق وبعد الموت؛ يتبعها (3) الولد؛ كأم الولد، هذا هو [الظاهر](4)، وقال القاضي في "تعليقه": لا يعتق.

- (ومنها): المعلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت كمن قال لعبده: إن مت، ثم دخلت الدار؛ فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي بسنة، وصححنا ذلك؛ فكسبه بين الموت ووجود شرط العتق للورثة، ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب "المغني"(5)؛ كأم الولد، بخلاف الموصى بعتقه؛ لأن ذاك (6) وجب عتقه في الحال، وهذا يتردد (7) في وجود شرط عتقه؛ فإنه قد يجيء الوقت المعين بعد موته وقد لا توجد الصفة؛ حتى ذكر في "المغني" في منع الوارث من التصرف فيه قبل الصفة احتمالين (8)، وصرح صاحب

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في (ب): "ولو".

(3)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"تبعها".

(4)

في (ج)"ظاهر المذهب".

(5)

انظر: "المغني"(10/ 318/ 8659).

(6)

في المطبوع: "ذلك".

(7)

في (أ): "متردد".

(8)

قال في "المغني"(10/ 317 - 318/ 8656): ". . . احتمل أن يمنع الوارث من التصرف في رقبته؛ لأنه يستحق العتق، فأشبه الموصي بعتقه، واحتمل أن لا يمنعه؛ لأنه علق عتقه على صفة غير الموت، فلم يمنع من التصرف فيه".

ص: 178

"المستوعب" بأنه باقٍ على حكم ملك الميت لا ينتقل إلى الورثة كالموصى بعتقه.

وعلى هذا؛ فيتوجه أن كسبه له وما قيل من احتمال موته قبل الصفة معارض باحتمال موت الموصى بعتقه قبل العتق، وأما إن كانت أمة وولدت (1) بعد الموت؛ فهو تابع لها؛ كأم الولد، صرح به القاضي وابن عقيل، وهو متوجه سواء قيل: إن هذا العقد تدبير؛ كقول ابن أبي موسى والقاضي في "خلافه"، أو قيل: إنه تعليق؛ كقول القاضي في "المجرد" وابن عقيل؛ فإنه تعليق (2) لازم مستقر، لا يمكن إبطاله؛ فهو كالكتابة، وهذا يشهد لما ذكرنا من تبعية الولد في التي قبلها.

- (ومنها): الموصى بوقفه إذا نمى بعد الموت وقبل إيقافه؛ فأفتى (3) الشيخ تقي الدين أنه يصرف مصرف (4) الوقف؛ لأن نماءه قبل الوقف كنمائه بعده (5).

ونقل (6) يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانئ عن أحمد فيمن جعل مالًا في وجوه البر فاتَّجر به الموصي (7)؛ قال: إنْ ربح؛ جعل ربحه مع

(1) في (ج): "فولدت".

(2)

في (أ): "تعلق".

(3)

في (ب): "أفتى".

(4)

في المطبوع: "منصرف".

(5)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 190) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(6)

في المطبوع: "كنمائه بعده، ومنها ما نقل".

(7)

في المطبوع: "الوصى".

ص: 179

المال فيما أوصى به، وإن خسر؛ كان ضامنًا (1)، فهذا إن كان [مراده إذا](2) وصى بتفرقة عين المال؛ فواضح، وإن كان وصى أن يشتري [منه ما](3) ينمو [أو](4) يوقف أو يتصدق بنمائه (5)؛ كان [مخالفًا كما](6) أفتى به (الشيخ)] (7).

- (ومنها): الموصى به لمعين يقف على قبوله إذا نمى بعد الموت وقبل القبول نماءً منفصلًا (8)؛ فينبني على أن الملك قبل القبول؛ هل هو للوارث، أو للميت، أو للموصى [له](9)؟

وفيه ثلاثة أوجه:

فإن قيل: إنه للوارث، فهو مختص بنمائه.

وإن قيل: هو على ملك الميت، فنماؤه من التركة.

وإن قيل: إنه للموصى له بمعنى أنا نتبين بقبوله ملكه بالموت، أو قيل: إنه لا يتوقف ملكه على قبول؛ فنماؤه كله للموصى له.

(1) انظر: "مسائل ابن هانئ"(2/ 40/ 1344).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "فيما"، وفي (ج):"به ما".

(4)

في (ج): "و".

(5)

في (ج): "به".

(6)

ما بين المعقوفتين مضروب عليه في (أ)، وفي المطبوع:"مخالفًا لما"، وفي (ج):"تمليكًا كما".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وما بين الهلالين سقط من (ج).

(8)

في (ج): "متصلًا"، والصواب ما أثبتناه.

(9)

في (أ): "به".

ص: 180

- (ومنها): النذر والصدقة والوقف إذا لزمت في عين؛ لم يجر لمن أخرجها عن ملكه أن (1) يشري شيئًا من نتاجها (2)، نص عليه أحمد في الصدقة والوقف في "رواية حنبل"، ولو اشترى عبدًا فأعتقه، ثم بأن به عيب فأخذ أرشه؛ فهل يملكه (3) لنفسه، أو يجب عليه صرفه في الرقاب؟

على روايتين، وخص القاضي الروايتين بالعتق عن الواجب إذا كان العيب [لا](4) يمنع الإجزاء؛ إلحاقًا للأرش بالولاء، ولو اشترى شاة فأوجبها أضحية، ثم أصاب بها عيبًا فأخذ أرشه اشترى به أضحية؛ فإن لم يمكن (5) تصدق به، ذكره القاضي، وفرق بينه وبين العتق بأن القصد من العتق تكميل أحكام العبد، وقد حصل، والقصد من الأضحية إيصال لحمها إلي المساكين، فإذا كان فيه عيب دخل الضرر عليهم؛ فوجب رد أرشه عليهم [جبرًا وتكميلًا](6).

وفي "الكافي"(7) احتمال آخر: أن الأرش له كما في العتق، وأما الهدي والأضاحي إذا تعين، فإن قيل: إن ملكه لا يزول بالتعيين كقول القاضي والأكثرين؛ فهو من هذا النوع؛ وإن جاز إبداله؛ لأن إبداله نقل

(1) في المطبوع و (ج): "أنه".

(2)

في (ب): "صاحبها".

(3)

في المطبوع و (ج): "يملك".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ب): "يكن".

(6)

سقط من (أ) و (ج): "وتكميلًا"، وسقط من (ب):"جبرًا و".

(7)

انظره: (1/ 467).

ص: 181

للحق لا اسقاط له؛ كالوقف، ويتبعه نماؤه منه؛ كالولد، فإذا ولدت الأضحية؛ ذبح معها ولدها، وهل يكون أضحية بطريقة التبع أم لا؟

فيه وجهان:

أحدهما: هو أضحية، قاله في "المغني"(1)؛ فيجوز أن يأكل منه كأمه.

والثاني: ليس بأضحية، قاله ابن عقيل.

قال: وإن تصدق به صحيحًا؛ فهل يجزئ؟

فيه احتمالان؛ لتردده بين الصدقة المطلقة وبين أن يحذي به حذو الأم، والأشبه بكلام أحمد أنه أضحية؛ فإنه قال في "رواية ابن مشيش": يذبحها وولدها عن سبعة، وقال في "رواية ابن منصور": يبدأ بأيهما شاء في الذبح، وأنكر قول من قال: لا يبدأ إلا بالأم.

وعلى هذا؛ فهل يصير الولد تابعًا لأمه أو مستقلًّا بنفسه حتى لو باع أمه أو عابت، وقلنا: ترد (2) إلى ملكه؛ فهل يرجع ولدها معها؟

على وجهين، ذكرهما في "المغني"(1)، ولا فرق بين أن يعين (3) ابتداءً أو عن واجب في الذمة على الصحيح.

وفيه وجه آخر: أن المعينة عما في الذمة لا يتبعها ولدها؛ لأن الواجب في الذمة واحد، والصحيح الأول؛ لأنها بالتعيين صارت كالمعينة

(1)"المغني"(3/ 287/ 2715).

(2)

في المطبوع و (أ): "يرد".

(3)

في (ب): "يعتق"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 182

ابتداءً، وأما اللبن؛ فيجوز شربه [ما لم يعجفها؛ للنص (1)، و](2) لأن الأكل من لحمها جائز، فيجوز (3) الانتفاع بغيره من منافعها ومن درها وظهرها (4).

فأما الصوف؛ فنص أحمد على كراهة جزه إلا أن يطول ويكون جزُّه نفعًا لها، قال الأصحاب:[ويتصدق به](5)، وفرقوا بين الصوف واللبن بأن الصوف كان موجودًا حال إيجابها؛ فورد الإيجاب عليه، واللبن يتجدد شيئًا بعد شيء؛ فهو كمنفعة ظهرها، وقال (6) القاضي في "المجرد": ويستحب (7)[له](8) الصدقة بالشعر وله الانتفاع به، وذكر ابن الزاغوني أن

(1) النص المشار إليه هر أثر لعليّ رضي الله عنه، أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(6/ 231)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 236 و 9/ 288)؛ عن المغيرة ابن حذف؛ قال:"كنتُ جالسًا عند علي، فأتاه رجل من هَمْدان، فقال: يا أمير المؤمنين! إنِّي اشتريتُ بقرةً نتوجًا لأضَحِّي بها، وإنّها ولدت؛ فما ترى فيها وفي ولدها؟ فقال: لا تحْلبْها إلا فضلًا عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى، فضَحِّ بها وبولدها عن سبعةٍ من أهلك".

والمغيرة؛ قال ابن معين: "مشهور"، وذكره ابن خلفون في "الثقات" كما في "تعجيل المنفعة"(409)؛ فالإسناد حسن إن شاء اللَّه.

وأخرجه الطيالسي في "المسند"(158) عن المغيرة مختصرًا، وعزاه في "المغني"(3/ 287) لسعيد بن منصور والأثرم فقط.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، ومن (أ) سقط "للنص و".

(3)

في (ج): "ويجوز".

(4)

في المطبوع: "وظهرهما"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في (أ): "وذكر".

(7)

في (ج): "يستحب" من غير واو.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 183

اللبن والصوف لا يدخلان في الإيجاب، وله الانتفاع بهما إذا لم يضر بالهدي، وكذلك قال صاحب "التلخيص" في اللبن، ولو فقأ رجل عين الهدي المعين ابتداءً (1) أخذ منه أرشه، وتصدق به [أيضًا](2)، ذكره القاضي في "خلافه"، وإن قيل: بزوال ملكه بالتعيين؛ كقول أبى الخطاب؛ فهو من قسم التمليكات المنجزة؛ كالعتق والوقف، وإن جاز الانتفاع ببعض منافعه كمن وقف مسجدًا؛ فإنه ينتفع به مع جملة المسلمين.

وأما ما كان منها غير لازم وهو ما يملك العاقد إبطاله، إما بالقول أو بمنع (3) نفوذ الحق المتعلق به بإزالة (4) الملك من غير وجوب (5) إبدال؛ فلا يتبع فيه النماء من غير عينه.

وفي استتباع الولد خلاف، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): المدبرة؛ فإنه يتبعها ولدها على المذهب المشهور، وعنه رواية أخرى: لا يتبعها، وزعم أبو الخطاب في "انتصاره" أن هذا الخلاف منزل (6) على أن التدبير؛ هل هو لازم أم لا؟ فإن قيل بلزومه؛ تبع الولد، وإلا؛ لم يتبع، وأبى أكثر (7) الأصحاب ذلك.

(1) في المطبوع: "ابتدأ"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

في المطبوع: "تمنع"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ج): "لكن بإزالة".

(5)

في المطبوع: "وجواب"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

في المطبوع و (ج): "نزل".

(7)

في (أ): "أكبر".

ص: 184

وعلى القول بالتبعية قال الأكثرون: يكون مدبرًا بنفسه لا بطريق التبع، بخلاف ولد المكاتبة، وقد نص أحمد في "رواية ابن منصور" على أن الأم لو عتقت في حياة السيد؛ لم يعتق الولد حتى يموت، وعلى هذا لو رجع في تدبير الأم وقلنا له ذلك؛ بقي الولد مدبرًا، هذا قول القاضي وابن عقيل، وقال أبو بكر في "التنييه": بل هو تابع محض لها؛ إن عتقت عتق، وإن رقت رق. وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى أيضًا.

- (ومنها): المعلق عتقها بصفة إذا حملت وولدت بين التعليق ووجود الصفة؛ ففي عتقه معها وجهان معروفان، ولو لم توجد الصفة في الأم؛ لم يعتق ولو وجدت الصفة فيه (1)؛ لأنه تابع محض.

- (ومنها): الموصى بعتقها أو وقفها إذا ولدت قبل موت الموصي؛ لم يتبعها، ذكره القاضي في الموصى بعتقها وقياسه الأخرى، ويحتمل أن يتبع (2) في الوصية بالوقف بناءً على أن المغلب فيه شوب التحرير [دون](3) التمليك.

- (ومنها): المعلق وقفها بالموت؛ إن قلنا: هو لازم -وهو ظاهر كلام أحمد في (4) رواية الميموني-؛ صارت كالمستولدة؛ فينبغي أن يتبعها ولدها، وإن قلنا: ليس بلازم، وكلام أحمد في آخر "رواية الميموني" يشعر به؛ حيث قال:"إن كان تناول"وشبهه بالمدبر (يعني: أنه يتبعه)؛ فهل

(1) في المطبوع و (ج): "فيه الصفة" بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع: "تتبع".

(3)

في (ج): "لا".

(4)

في المطبوع: "من".

ص: 185

يتبعها الولد كالمدبرة (1)، أو لا يتبع؛ لأن الوقف تغلب (2) فيه شائبة التمليك؛ فهو كالموصى به؟

يحتمل (3) وجهين.

النوع الثاني: عقود موضوعة لغير تمليك العين؛ فلا (4) يملك بها النماء بغير إشكال؛ إذ الأصل لا يملك؛ فالفرع أولى، ولكن هل يكون النماء تابعًا لأصله في ورود العقد عليه وفي كونه مضمونًا، [أو](5) غير مضمون؟

فإن كان العقد واردًا على العين، وهو لازم؛ فحكم النماء حكم الأصل، وإن كان غير لازم أو لازمًا، لكنه معقود على المنفعة من غير تأبيد أو على ما في الذمة؛ فلا يكون النماء داخلًا في العقد، وهل يكون تابعًا للأصل في الضمان وعدمه؟

فيه وجهان:

أحدهما: أنه تابع له فيهما.

والثاني: إن شارك الأصل في المعنى الذي أوجب الضمان أو الائتمان؛ تبعه، وإلا؛ فلا، ويندرج تحت ذلك صور [عديدة](6).

(1) في المطبوع و (ج): "كالمدبر".

(2)

في (ب) و (ج): "يغلب".

(3)

في المطبوع: "ويحتمل".

(4)

في (أ): "ولا".

(5)

في المطبوع: "أم".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 186

- (ومنها)(1): المرهون؛ فنماؤه المنفصل كله رهن معه، سواء كان متولدًا من عينه؛ كالثمرة والولد، أو من كسبه؛ كالأجرة، أو بدلًا عنه؛ كالأرش، وهو داخل معه في عقد الرهن؛ فيملك (2) الوكيل في بيع الرهن بيعه معه؛ وإن كان حادثًا بعد العقد والتوكيل.

- (ومنها): الأجير؛ كالراعي ونحوه (3)؛ فيكون النماء في يده أمانة كأصله، ولا يلزمه (4) رعي سخال الغنم المعينة في عقد الرعي؛ لأنها غير داخلة فيه، بخلاف ما إذا كان الاستئجار على رعي غير معينة؛ فإن عليه (5) رعي سخالها لأن عليه أن يرعى ما جرى العرف به مع الإطلاق، ذكره القاضي في "المجرد".

- (ومنها): المستأجر يكون النماء في يده أمانة كأصله، وليس له الانتفاع به؛ لأنه غير داخل في العقد، وهل له إمساكه بغير استئذان مالكه تبعًا لأصله جعلًا للإذن (6) في إمساك أصله إذنًا في إمساك نمائه، أم لا كمن أطارت الريح إلى داره ثوب غيره؟

خرجه القاضي وابن عقيل على وجهين.

- (ومنها): الوديعة؛ هل يكون نماؤها وديعة، أو (7) أمانة محضة

(1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"منها" من غير واو.

(2)

في المطبوع: "فتملك"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

في المطبوع: "وغيره".

(4)

في (ج): "ولا يلزم".

(5)

في المطبوع و (ج): "عليها".

(6)

في (أ): "الإذن".

(7)

في المطبوع و (ج): "و".

ص: 187

كالثوب المطار إلى داره؟

على الوجهين (1) أيضًا.

- (ومنها): العارية لا يرد عقد الإِعارة على ولدها؛ فليس للمستعير الانتفاع به، وهل هو مضمون كأصله أم لا؟

على وجهين ذكرهما القاضي وابن عقيل [في (باب الرهن)](2):

أحدهما: هو مضمون؛ لأنه تابع لأصله.

والثاني: ليس بمضمون؛ لأن أصله إنما ضمن لإِمساكه للانتفاع به (3)، والنماء ممسوك لحفظه على المالك، فيكون أمانة، وقالا في (باب (4) الغصب): إن ولد (5) العارية [مضمون](6)، وجهًا واحدًا.

- (ومنها): المقبوضة على السوم (7) إذا ولدت في يد القابض، قال

(1) في (ج): "وجهين".

ونص أحمد في "مسائل صالح"(3/ 246/ 1742): "قلت: الرجل يكون عنده وديعة، فينفقها ويدفع مثلها إلى صاحبها؛ هل يطيب له ربحها؟ فإنْ أعلمه وأحلّه له؟ قال: إذا كانت عند رجل وديعة؛ لم ينفقها إلا بإدن ربها، فإنْ اتجر فيها؛ فالربح لصاحبها إلا أن يطيبه له".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، ومن (ب) سقطت كلمة "باب".

(3)

في المطبوع: "للانتفاع به في باب الرهن".

(4)

في المطبوع و (ج): "كتاب".

(5)

في المطبوع: "إن في ولد"، والصواب حذف "في".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في المطبوع: "على وجه السوم".

ص: 188

القاضي وابن عقيل: حكمه حكم أصله، إن قلنا: هو مضمون؛ فالولد مضمون، وإلا؛ فلا.

ويمكن أن يخرج فيه وجه آخر: أنه ليس بمضمون، كولد العارية؛ لأن أمه إنما ضمنت لقبضها بسبب الضمان والتمليك والولد [لم](1) يحصل قبضه على هذا الوجه؛ فهو كالثوب المطار بالريح إلى ملكه.

- (ومنها): المقبوض بعقد فاسد، وفي ضمان زيادته وجهان، ووجه القاضي سقوط الضمان بأنه إنما دخل على ضمان العين دون نمائها، وهو منتقض بتضمينه الأجرة.

- (ومنها): الشاهدة والضامنة والكفيلة لا يتعلق بأولادهن شيء من هذه الأحكام؛ لأن هذه حقوق متعلقة بالذمة لا بالعين؛ فهي كسائر عقود المداينات، ذكره القاضي في "المجرد" وابن عقيل، واختار القاضي في "خلافه": أن ولد الضامنة يتبعها ويباع معها كولد المرهونة بناء على أن دين المأذون له يتعلق برقبته، وضعفه ابن عقيل في "نظرياته"؛ لأن التعلق بالرقبة هنا كتعلق الجناية؛ فلا يسري.

- (ومنها): من (2) حلف لا يأكل مما اشتراه فلان، فأكل من لبنه أو بيضه؛ لم يحنث لأن العقد لم يتعلق [به](3)، ذكره القاضي في "خلافه"؛ فإن اليمين ليست لازمة، بل يخير الحالف بين التزامها (4) وبين الحنث فيها

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع:"ولم".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) والمطبوع:"لو".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في (ج): "إلزامها".

ص: 189

وتكفيرها (1)، وهذا بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذه الشاة؛ فإنه يحنث بأكل لبنها لأنه لا يؤكل منها في الحياة عادة إلا اللبن، فأما نتاجها؛ ففيه نظر.

(فصل)

هذا حكم النماء في العقود، وأما [في](2) الفسوخ؛ فلا يتبع (3) فيها النماء الحاصل من الكسب بغير خلاف.

وأما المتولد من العين؛ ففي تبعيته (4) روايتان في الجملة ترجعان (5) إلى أن الفسخ هل هو رفع للعقد من أصله، أو من حينه؟ والأصح عدم الاستتباع، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها):إذا عجل الزكاة، ثم هلك المال وقلنا له: الرجوع [بها](6)؛ فإنه يرجع بها، وهل يرجع بزيادتها المتصلة (7)؟

على وجهين:

أظهرهما: لا يرجع.

(1) في (ج): "يكفرها".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (أ): "ولا يتبع"، وفي المطبوع:"فلا تتبع".

(4)

في (ج): "تبيعته".

(5)

في (ب): "يرجعان".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

كذا في (أ) والمطبوع، وفي (ب) و (ج):"المنفصلة".

ص: 190

والثاني: يرجع، واختاره القاضي في "خلافه".

- (ومنها): المبيع في مدة الخيار إذا نمى نماءً منفصلًا ثم فسخ البيع؛ هل يرجع به البائع أم لا؟

خرجه طائفة من الأصحاب؛ كصاحبي "التلخيص" و"المستوعب" على وجهين؛ كالفسخ بالعيب، وقد ذكر القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده": أن الفسخ بالخيار فسخ للعقد من أصله؛ لأنه لم يرض فيه بلزوم البيع، بخلاف الفسخ بالعيب ونحوه؛ فعلى هذا يرجع بالنماء المنفصل في الخيار، بخلاف العيب.

- (ومنها): إلإِقالة؛ إذا قلنا: هي فسخ؛ فالنماء للمشتري، ذكره القاضي في "خلافه".

[ويتخرج فيه](1) وجه آخر: أنه يرده مع أصله، وحكاه (2) أبو البركات في "تعليقه" عن القاضي [في "خلافه"](3) أيضًا.

- (ومنها): الرد بالعيب، وفي رد النماء فيه روايتان، أشهرهما أنه لا يرد؛ كالكسب.

ونقل ابن منصور عن أحمد كلامًا يدل على أن اللبن وحده يرد عوضه؛ لحديث المصراة (4)، ونقل عنه ابن منصور أيضًا أنه ذكر له قول

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "ويتوجه".

(2)

في المطبوع: "حكاه" من غير واو.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

انظر: "مسائل ابن منصور"(318/ 183)، والحديث مضي (1/ 490).

ص: 191

سفيان في رجل باع ماشية أو شاة فولدت، أو نخيلًا (1) لها ثمرة، فوجد بها عيبًا أو استحق؛ أخذ منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئًا أو كان باع أو استهلك، فإن (2) كان مات أو ذهب به الريح؛ فليس عليه شيء.

قال أحمد: كما قال (3)، وهذا يدل على أن النماء المنفصل يرده مع وجوده ويرد عوضه مع تلفه إن كان تلف بفعل المشتري، وإن كان تلف بفعل اللَّه تعالى؛ لم يضمن لأن المشتري لم يدخل على ضمانه؛ فيكون كالأمانة عنده، وأما إذا انتفع (4) به؛ فإنه يستقر الضمان عليه، فيرد عوضه كما دل عليه حديث المصراة (5)، وكما يقول (6) في المتهب من الغاصب: أنه إذا انتفع بالموهوب فأتلفه؛ استقر الضمان عليه.

وحمل القاضي هذه الرواية على أن البائع كان قد دلس العيب، وأن النماء كان (7) موجودًا حال العقد، ولكن المنصوص عن أحمد في المدلس أنه يرجع بالثمن وإن تلف المبيع؛ إلا أن نصه في صورة الإباق وهو تلف بغير فعل المشتري، وأطلق الأكثرون ذلك من غير تفصيل بين (8) أن يتلف

(1) في المطبوع و (أ): "نخلًا".

(2)

في (ج): "وإن".

(3)

انظر هذه المسألة في: "مسائل ابن منصور"(382 - 383/ 288).

(4)

في المطبوع: "إذا ما انتفع".

(5)

تقدم لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 490).

(6)

في المطبوع و (أ): "نقول".

(7)

في المطبوع: "كان النماء" بتقديم وتأخير.

(8)

في (ج): "من".

ص: 192

بفعله أو بفعل غيره (1)؛ لأنه سلطه على إتلافه بتغريره؛ فلا يستقر عليه الضمان كما يرجع المغرور في النكاح بالمهر.

وحكى طائفة من المتأخرين رواية أخرى: أنه لا يرجع مع التلف، بل يأخذ الأرش، ورجحه أبو الخطاب في "انتصاره" وصاحب "المغني"(2)، وهذا التفصيل بين أن يكون التلف بانتفاعه أو بفعل اللَّه تعالى، كما حمل [القاضي عليه](3) رواية ابن منصور أصح، وهو ظاهر كلام أبي بكر، وبذلك أجاب عن حديث المصراة (4)، وكذلك أجاب القاضي في "خلافه"، ويمكن أن يقال مثل ذلك في النماء الحادث إذا رد بعيب على القول برده كما حملنا عليه رواية ابن منصور أولًا، واللَّه أعلم.

- (ومنها): فسخ البايع لإفلاس المشتري بالثمن؛ هل يتبعه النماء المنفصل؟

فيه روايتان:

إحداهما: يتبع، وهي المرجحة عند القاضي في "الخلاف" وابن عقيل، ونص أحمد في "رواية حنبل" فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم أفلس المشتري؛ رجعت إلى الأول لأنها مال البائع وقد استحقها وولدها، وهكذا ذكره أبو بكر في "التنبيه"، وذكر القاضي في "خلافه" لفظ هذه الرواية: أن أحمد ذكر له قول مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم

(1) في المطبوع: "غير" من غير هاء الإضافة.

(2)

انظر: "المغني"(4/ 89/ 2947).

(3)

في (ب): "عليه القاضي".

(4)

مضى لفظه وتخريجه في التعليق على (1/ 490).

ص: 193

أفلس المشتري: أن الجارية والدابة وولدها للبائع؛ إلا أن يرغب الغرماء في ذلك، فيعطوه حقه كاملًا ويمسكون ذلك؛ فقال أحمد: ترجع إلى الأول؛ لأنها ماله، وهذا لا يدل على غير الرجوع في الجارية أو الدابة، وإنما القائل بالرجوع في الولد مالك (1)، وليس في كلام أحمد موافقة له.

وأبو بكر كثيرًا ما ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه [منه](2)؛ فيقع فيه تغيير شديد، ووقع له مثل هذا في كتاب "زاد المسافر"(3) كثيرًا، مع أن ابن أبي موسى وغيره تأولوا الرجوع بالولد على أنه كان موجودًا في عقد البيع حملًا، واختار هو وابن حامد [وابن عقيل](4) أنها للمفلس؛ لأنها نمت في ملكه، وهو ظاهر كلام الخرقي (5)، وكذلك صححه القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول".

- (ومنها): اللقطة، إذا جاء مالكها وقد نمت نماءً منفصلًا؛ فهل يسترده معها؟

على وجهين خرجهما القاضي وابن عقيل [مسألة](6) المفلس، وفرق

(1) انظر: "البيان والتحصيل"(10/ 442 - 444) لأبي الوليد بن رشد.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

هو لعبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر البغدادي، (ت 363)، المعروف بـ"غُلام الخلَّال"، ذكره له ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(2/ 120)، والذهبي في "السير"(16/ 144)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(10/ 460)، والسُّبيعي في "الدر المنضَّد"(ص 18).

(4)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(5)

انظره مع "المغني"(4/ 268/ 3412).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 194

بينهما صاحب "المغني"(1)، ويحتمل [أن يرجع](2) هنا بالزيادة المنفصلة وجهًا واحدًا؛ لأن تملكها إنما كان مستندًا إلى فقد ربها في الظاهر، وقد تبين خلافه؛ فانفسخ الملك من أصله لظهور الخطأ في مستنده، ووجب الرجوع بما وجده منها قائمًا، [وهذا هو](3) الذي ذكره ابن أبي موسى، وذكر له أصلًا من كلام أحمد في طيرة فرخت عند قوم أنهم يردون فراخها.

- (ومنها): رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا كان قد نما نماءً منفصلًا؛ هل يسترده معه أم لا؟

وفيه (4) وجهان.

- (ومنها): إذا وهب المريض جميع ماله في مرضه، فنما (5) نماءً منفصلًا، ومات ولم يجز (6) الورثة؛ فذكر القاضي في "خلافه": أن الموهوب له ملكه (7) بالقبض وجاز له التصرف فيه إجماعًا، وإنما يثبت للورثة حق الفسخ فيما زاد على الثلث.

وإذا جاز وأسقط (8) حقهم من الفسخ؛ فعلى هذا يتخرج في استرجاع

(1) قال في "المغني"(6/ 14/ 4515): "ومتى جاء صاحبها، فوجدها؛ أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها نماء ملكه".

(2)

في المطبوع: "الرجوع".

(3)

سقط من (أ): "و"، وسقط من (ب):"هو".

(4)

في المطبوع و (ج): "فيه" من غير واو.

(5)

في المطبوع: "ونمى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(6)

في (ج): "ولم تجز".

(7)

في المطبوع: "يملكه".

(8)

في (ب): "وسقط".

ص: 195

النماء وجهان، أظهرهما أن النماء للمتهب إلى حين الفسخ؛ نبه على ذلك (1) الشيخ مجد الدين (2)، والمعروف في المذهب أن الهبة تقع مراعاة؛ فلا يتبين ملكها إلا حين خروجها من الثلث عند الموت، وإن خرج بعضها؛ فله منها مقدار الثلث، ويتبعه نماؤه، والزائد على الخلاف في الإجازة؛ هل هي تنفيذ أو عطية (3) مبتدأة؟

- (ومنها): إذا عاد الصداق إلى الزوج أو نصفه (4) قبل الدخول بطلاق أو فسخ، وقد نما عند الزوجة نماء منفصلًا؛ فهل يرجع بنمائه أو نصفه؟

المذهب أنه لا يرجع به، ونص عليه أحمد في "رواية أبي داود"(5) وصالح (6)، ونقل عنه ابن منصور أنه ذكر له قول سفيان في رجل تزوج امرأة

(1) في المطبوع و (ج): "هذا".

(2)

في "المحرر"(1/ 375).

(3)

في المطبوع: "أو هي عطية".

(4)

في المطبوع و (ج): "أو نصفه إلى الزوج" بتقديم وتأخير.

(5)

(ص 165).

(6)

يأتي عنه نحوه، وسأنقل كلامه فيما يأتي إن شاء اللَّه تعالى، قال المداوي في "الإنصاف" (8/ 263):"وإنْ كان الصِّداقُ زائدًا زيادة منفصلةً؛ رجع في نصف الأصل، والزيادة لها، هذا الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية أبي داود وصالح، وقال في "الفروع": لا يرجع في نصف زيادة منفصلة على الأصح، قال -أي: ابن رجب في "القواعد"- في القاعدة الثانية والثمانين: هذا المذهب، وجزم به في "الهداية" و"المذهب" و"مسبوك الذهب" و"المستوعب" و"الخلاصة" و"الوجيز" وغيرهم، وقدمه في "المحرر" و"النظم"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير" و"الزركشي" وغيرهم".

قلت: وانظر: "المغني"(6/ 701)، و"الكافي"(2/ 724)، و"شرح الزركشي =

ص: 196

على خادمة، ثم زوجها غلامه فولدت أولادًا، فطلق امرأته قبل أن يدخل بها؛ فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها، قال أحمد: جيد (1)، واختلف أصحابنا في معنى هذه الرواية على طريقين:

أحدهما -[وهو](2) مسلك القاضي-: [أنها تدل](3) على أن الزوجة إنما ملكت بالعقد نصف الصداق؛ فيكون لها نصف نمائه، وجعل قوله وقيمة ولدها مجرورًا بالعطف على قوله نصف قيمتها؛ أي: ونصف قيمة ولدها.

قال: وذكر القيمة ها هنا محمول على التراضي عليها أو على أن المراد نصف الأم ونصف الولد، ولم يرد القيمة، وهذا المسلك ضعيف جدًّا، وفي (4) تمام النص (5) ما يبطله، وهو قول أحمد، فإن أعتقها قبل أن يدخل بها؛ لا يجوز عتقه لأنه حين (6) تزوجها وجبت لها الجارية، وهذا تصريح بأنها ملكت الأمة [كلها](7) بالعقد؛ إذ لولا ذلك لعتق نصفها بالملك، وسرى العتق (8) إلى الباقي مع اليسار.

= على مختصر الخرقي" (5/ 297 - 298)، و"الفروع" (5/ 271)، و"المبدع" (7/ 151)، و"الكافي" (2/ 35).

(1)

نقلها عن ابن منصور الزركشيُّ في "شرحه على مختصر الخرقي"(5/ 297).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (ج): "وهو يدل".

(4)

في المطبوع: "أو في".

(5)

في المطبوع: "النصف"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

في المطبوع: "عتقها، لأنها من حين".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(8)

في المطبوع: "عتقها".

ص: 197

وكذلك سلك أبو بكر في "زاد المسافر" وابن أبي موسى في تخريج هذا النص بناءً (1) على أن المرأة [لم](2) تملك بالعقد إلا النصف، ثم خرج أبو بكر قولًا [آخر] لأحمد (3) في هذه المسألة على قوله: تملك الصداق كله بالعقد: أن الأولاد والنماء لها، ويرجع بنصف قيمة الأم دون الأولاد (يعني الزوج). [قال] (4): وبه أقول، وهذا (5) اختيار صاحب "المغني" أيضًا (6) فرارًا من التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان (7).

وأما ابن أبي موسى؛ فإنه خرج وجهًا على القول بملك الصداق كله بالعقد: أن الولد للمرأة لحدوثه في ملكها، ولها نصف قيمة الأم؛ فجعل للزوجة القيمة كما في نص أحمد، وهذا الوجه ضعيف جدًّا (8)؛ حيث تضمن التفريق بين الأمة (9) وولدها بغير العتق، ومنع الزوجة من أخذ نصف الأمة، وهو أقرب إلى عدم التفريق من أخذ نصف القيمة.

(1) في (أ): "وبناه"، وفي المطبوع:"وبنياه".

(2)

في (ب): "لا".

(3)

في المطبوع و (ج): "لأحمد قولًا آخر"، وما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

في المطبوع و (أ): "وهو".

(6)

انظر: "المغني"(6/ 701).

(7)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(8/ 264) عن أبي بكر، وقال:"قاله في "القواعد" وصاحب "المستوعب" والمصنف والشارح"، ثم قال:"قلت: وفي هذا نظر ظاهر؛ فإن ذلك كالأمة المشتركة إذا ولدت".

(8)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(8/ 264) من المصنف، وقال:"وهو كما قال".

(9)

في (ب): "الأم".

ص: 198

وعند القاضي: إذا قيل: إن الولد كله لها (1)، فللزوج نصف قيمة الأم، صرح به في "المجرد"، وقال في "الخلاف": يرجع بنصف الأمة (2).

والطريق الثاني في معنى الرواية: أنها تدل على أن النماء المنفصل يرجع به الزوج بالفرقة (3) تبعًا للأصل، وهذا مسلك جماعة منهم صاحب "المحرر"(4)، ولكنه (5) استشكل إيجاب القيمة دون العين (6)، وقال: لا أدري هل هو لنقص الولادة أو لغير ذلك؟! فإن أحمد جعل للمرأة (7) نصف قيمة الأمة و [نصف](8) قيمة الولد؛ لأجل حق الزوج في ملك نصف الأمة (9) وولدها، وليس ذلك بأولى من العكس.

وقد يجاب عن ذلك بأن بالطلاق يرجع به نصف الأمة إلى الزوج قهرًا كالميراث؛ لأنه باقٍ بعينه، لا سيما والأملاك القهرية يملك بها ما لا يملك بالعقود الاختيارية، فلا يجبر الزوج بعد ذلك على أخذ قيمته، بل يتعين تكميل الملك له في الأم والولد حذرًا من التفريق المحرم.

(1) في المطبوع: "له"، وفي (ج):"كلها لها".

(2)

في (أ): "الأم".

(3)

في (أ): "فالفرقة".

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 35).

(5)

في المطبوع و (ج): "لكنه" من غير واو.

(6)

في المطبوع: "المعين".

(7)

في المطبوع: "للامرأة".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(9)

في المطبوع: "فبطل في نصف الأمة".

ص: 199

ويشبه هذا ما قاله الخرقي فيما إذا كان الصداق أرضًا فبَنَتْ فيه (1)، ثم طلقها قبل الدخول: أن (2) الزوج يرجع بنصف الأرض، ويتملك عليها البناء الذي فيه (3) بالقيمة، لكن أحمد في تمام هذا النص بعينه [من](4)"رواية ابن منصور" ذكر مسألة البناء وصبغ الثوب، وقال (5): للزوج نصف القيمة؛ لأنه استهلاك؛ ففرق بين أن تكون (6) المرأة وصلت الصداق بمالها على وجه لا ينفصل عنه إلا بضرر عليها، وبين أن يكون باقيًا بعينه؛ ففي الأول يتعين للزوج نصف القيمة لاختلاط المالين، وفي الثاني يرجع بنصف العين؛ لبقائها بحالها، وإنما جاء الإِجبار على تكميل الملك [للمانع](7) الشرعي من التفريق.

ويحتمل عندي في معنى "رواية ابن منصور" طريق ثالث، وهو أن يكون أراد أحمد أن للزوجة نصف قيمة الأمة (8)، ولها قيمة ولدها كاملة (9)؛ لأن الولد نماء تختص به الزوجة، وقد عاد إلى الزوج نصف الأم؛ فتجب

(1) كذا في (أ) و (ب)، وفي المطبوع:"فنبت فيه"، وفي (ج):"فنبت فيها".

(2)

في (ج): "قبل الدخول وجد أن".

(3)

كذا في (أ) و (ب) والمطبوع، وفي (ج):"الذي فيها".

وانظر: "المغني"(7/ 207/ 5649).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

في (ج): "فقال".

(6)

في (ب) والمطبوع: "يكون".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(8)

في (ج): "الأم".

(9)

في (ج): "كاملًا".

ص: 200

الزوجة (1) على أخذ نصف قيمة الأم وقيمة الولد بكمالها حذرًا من التفريق، ولعل هذا أظهر [مما قبله](2)، واللَّه أعلم.

- (ومنها): من وجد عين ماله الذي استولى عليه الكفار في (3) المغنم قبل القسمة وقد نما (4) نماءً منفصلًا، فإن قلنا: لم يملكه الكفار بالاستيلاء (5)؛ فهو له بنمائه، وإن قلنا: ملكوه؛ فإنه يرجع فيه، وهل يرجع بنمائه؟

[يتخرج](2) على وجهين؛ كبائع المفلس؛ لأن حقوق الغانمين

(1) في المطبوع: "فيجبر الزوج".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في المطبوع: "من"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع و (ج): "نمى".

(فائدة):

قال الصّولي في "أدب الكُتَّاب"(ص 264): "امتحن كل فعل ورد عليك من ذوات الواو والياء، بأن تضيفه إلى نفسك، فإن ظهر بالياء، كان الأجود أن تكتبه بالياء، وجاز كتابته بالألف على اللفظ، مثل: قضى ورمى، ألا ترى أنك إذا أضفته إلى نفسك قلتَ: قضيتُ، رميتُ؟! وإن ظهر الفعل بالواو كتبته بالألف لا غير، مل: دعا وعلا، ألا ترى أنك إذا أضفته إلى، نفسك، قلت: دعوتُ وعلوتُ؛ فَقِسْ على ذلك كل ما ورد عليك إن شاء اللَّه تعالى تُصِبْ".

(5)

المشهور عند الأصحاب -كما قاله المصنف في (ص 322) -: أن الكفار يملكون أموال المسلمين في الجملة، ويستولون عليها، وعليه تجري عامة نصوص الإمام أحمد.

انظر: "الروايتين"(2/ 361)، والقاعدة السابعة من "قواعد ابن اللحام"، و"شرح الزركشي على متن الخرقي"(6/ 510).

ص: 201

متعلقة بالنماء كتعلق حقوق غرماء المفلس بأمواله (1).

وذكر القاضي في "المجرد" أنها إذا كانت أمة فوطئها الحربي وولدت منه: أن الولد غنيمة لا يرجع به المالك؛ لأنه حدث في ملك الحربي الواطئ، فانعقد حرًا، لكن هذا [قد](2) يختص باستيلاد المالك لها، فإن ولده ينعقد حرًّا، وإنما يطرأ عليه الرق بعد ذلك؛ فلا يكون من نمائها، بخلاف ما لو زوجها فولدت من الزوج؛ فإنه يكون من نمائها لانعقاده رقيقًا.

وقد سئل أحمد عن عبد المسلم إذا لحق بدار الحرب ثم رجع ومعه من أموالهم؛ فتوقف في مستحق المال الذي معه، وقال مرة: هو للمسلمين، وأنكر أن يكون للسيد (3)، وعلل بأن العبد ليس له غنيمة.

قال الخلال: هذا (4) هو المذهب؛ لأن (5) العبد لا غنيمة له، وحمله القاضي على أن ما يأخذه الواحد من دار الحرب يكون فيئًا. قال: فأما (6) إن قلنا: هو لآخذه؛ فهو هنا للسيد.

فصل

وأما الحقوق المتعلقة بالأعيان من غير عقد ولا فسخ، فإن كانت

(1) في المطبوع: "بأحواله".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (ب): "وأنكر أن يكون السيد علل. . . ".

(4)

في المطبوع: "وهذا".

(5)

في (ب): "أن".

(6)

في المطبوع و (أ): "وأما".

ص: 202

ملكًا قهريًّا؛ فحكمه حكم سائر التملكات (1)؛ وإن لم يكن (2) ملكًا، فإن كانت حقًّا لازمًا لا يمكن إبطاله بوجه كحق الاستيلاد؛ سرى (3) حكمه إلى الأولاد دون الإكساب لبقاء ملك مالكه عليه وإن كان غير لازم، بل يمكن إبطاله؛ إما باختيار المالك، أو برضى المستحق، لم يتبع النماء فيه الأصل بحال، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): الأمة الجانية لا تتعلق (4) الجناية بأولادها ولا إكسابها؛ لأن حق الجناية ليس بالقوي، ولهذا لم يمنع التصرف عندنا، ولأن حق الجناية [تعلق بالجانية](5) لصدور الجناية منها، وهذا مفقود في ولدها، وكسبها ملك للسيد، بخلاف المكاتبة.

- (ومنها): تركة من عليه دين إذا تعلق بها حق الغرماء بموته، فإن قيل: هي باقية على حكم ملك الميت؛ تعلق حق الغرماء بالنماء [أيضًا](6) كالمرهون، كذا ذكره القاضي وابن عقيل في (كتاب القسمة)، وينبغي (7) أن يقال: إن قلنا: [إن](8) تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع

(1) في (أ): "التمليكات".

(2)

في (ب): "يكن".

(3)

في المطبوع: "وسري".

(4)

في المطبوع: "لا يتعلق".

(5)

كذا في (أ)، وفي (ب):"يتعلق بالجانية"، وفي المطبوع و (ج):"تعلق بالجناية".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

في (أ): "ينبغي" من غير واو.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

ص: 203

التصرف (1)؛ فالأمر كذلك، وإن قلنا: تعلق جناية لا يمنع التصرف؛ فلا يتعلق بالنماء، وأما إن قلنا: تنتقل (2) التركة إلى الورثة بمجرد الموت؛ لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء؛ إذ هو تعلق قهري؛ كالجناية، كذا ذكره (3) القاضي وابن عقيل.

وخرج الآمدي وصاحب "المغني"(4) تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضًا كتعلق الرهن، ويقوى هذا على قولنا: إن التعلق (5) تعلق رهن، وقد ينبني ذلك على أصل آخر، وهو أن الدين هل هو باقٍ في ذمة الميت، أو انتقل إلى ذمم (6) الورثة، أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير؟

وفيه ثلاثة أوجه:

والأول (7): قول الآمدي وابن عقيل في "الفنون" وصاحب "المغني"(8)، وهو ظاهر كلام الأصحاب في مسألة ضمان دين الميت.

والثاني: قول القاضي في "خلافه" وأبي الخطاب في "انتصاره" وابن عقيل في موضع آخر، وكذلك (9) قال القاضي في "المجرد"، لكنه خصه

(1) في المطبوع: "يمنع التصرف فيه".

(2)

في المطبوع: "لا تنتقل"، والصواب حذف "لا".

(3)

في المطبوع: "ذكر".

(4)

انظر: "المغني"(7/ 156 - 157/ 4805).

(5)

في (أ): "المعلق".

(6)

في (ب): "ذمة".

(7)

في المطبوع و (ج): "الأول" من غير واو.

(8)

انظر: "المغني"(4/ 282/ 3445).

(9)

في المطبوع و (ج): "كذلك" من غير واو.

ص: 204

بحالة تأجيل الدين؛ لمطالبة الورثة بالتوثقة.

والثالث: قول ابن أبي موسى؛ فيتوجه على قوله أن لا تتعلق (1) الحقوق بالنماء؛ إذ هو كتعلق (2) الجناية.

وعلى الأولين يتوجه نعلقها بالنماء كالرهن، وقد يقال: لا تتعلق (1) حقوق الغرماء بالنماء إذ قلنا: تنتقل التركة إلى الورثة بكل حال؛ إلا أن نقول: إن الدين في ذممهم؛ لأن تبعبة النماء في الرهن إنما يحكم به إذا كان النماء ملكًا لمن عليه الحق، فأما ان كان ملكًا لغيره؛ لم يتبع، كما لو رهن المكاتب سيده؛ فإن كسبه لا يكون داخلًا في الرهن لأنه على ملك المكاتب، وكذا (3) ينبغي أن بقال فيمن استعار شيئًا ليرهنه فرهنه: أن نماءه (4) لا يدخل في الرهن لذلك (5)، وقد يقال: التركة تعلق الحق بها تعلقًا قهريًّا مع انتقال ملكها إلى الورثة؛ فكذلك نماؤها.

ويجاب عنه بأن التعلق حالة الانتقال إنما يثبت لضعف (6) المانع منه؛ حيث اقترن التعلق ومانعه وهو الانتقال، فأما بعد الانتقال واستقرار الملك؛ فلا يتعلق (7) لسبق المانع واستقراره، واللَّه أعلم.

(1) في المطبوع: "لا يتعلق".

(2)

في المطبوع: "لتعلق".

(3)

في المطبوع و (ج): "فكذلك".

(4)

في المطبوع: "النماء".

(5)

في (ب): "كذلك".

(6)

كذا في (ب)، وفي (أ):"ثبت لضعف"، وفي (ج):"يثبت بضعف"، وفي المطبوع:"ثبت بضعف".

(7)

في (ب): "فلا تعلق".

ص: 205

وأما تعلق الضمان بالأعيان [للتعدي](1)؛ فيتبع فيه النماء المنفصل إذا كان داخلًا تحت اليد العدوانية؛ فمن ذلك الغصب، يضمن فيه النماء المنفصل على المذهب (2)، ولم يحك ابن أبي موسى في ضمانه خلافًا مع حكايته الخلاف في المتصل، ولا يظهر (3) الفرق بينهما؛ فالتخريج متوجه، بل قد يقال: ظاهر كلام أحمد في "رواية ابن منصور" التي سقناها في الرد بالعيب تدل على عدم الضمان، حيث سوى (4) بين ظهور العيب و [بين](5) الاستحقاق (6).

- (ومنه): الأمانات إذا تعدى فيها ثم نمت (7)؛ فإنه يتبعها في الضمان (8).

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "للتعيين".

(2)

قال صالح في "مسائله"(1/ 287/ 230): "سألت أبي عن رجل اغتصب قومًا مالًا، ثم تاب وردّ المال، وكسب فيه مالًا، ما نرى في كسبه هذا؟ أيطيب له هذا الربح؟ قال أبي: إذا غصب رجل رجلًا مالًا، ثم ربح فيه، ردّ الأصل والربح على صاحبه".

وانظر في المسألة: "مسائل عبد اللَّه"(308 - 309، 313/ 1148 و 1163)، و"المغني"(5/ 275)، و"المحرر"(1/ 362)، و"الإنصاف"(6/ 208)، و"المبدع"(5/ 187 - 188)، و"الفروع"(4/ 513).

(3)

في (ج): "ولم يظهر".

(4)

في المطبوع: "سرى"، والصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

تقدمت "رواية ابن منصور" في (ص 958).

(7)

في (أ): "تمت".

(8)

قال صالح في "مسائله"(1/ 287/ 231): "سألت أبي عن رجل خان قومًا بمال، وكسب فيه مالًا، وردّ الخيانة؛ أيطيب له الربح؟ قال أبي: يرد الخيانة وربحها على =

ص: 206

- (ومنه): صيد الحرم والإحرام؛ يضمن نماؤه المنفصل إذا دخل تحت اليد الحسية، وإن لم يدخل تحت اليد، لكنه هلك بسب إمساك الأم؛ ففيه خلاف مشهور (1).

[تنبيه]:

اضطرب كلام الأصحاب في الطلع والحمل؛ هل هما زيادة متصلة أو منفصلة (2)؟

أما الطلع؛ فللأصحاب فيه طرق:

أحدها: أنه زيادة متصلة، سواء أبر أو لم يؤبر، [وبه جزم القاضي وابن عقيل في (كتاب الصداق)، وأن الزوج يجبر على قبوله إذا بذلته (3) الزوجة بكل حال](4)، وكذا ذكر صاحب "الكافي"(5) في (كتاب الصداق)، وجعل كل ثمرة على شجرها زيادة متصلة.

وصرح القاضي في "المجرد" في (باب الغصب) بأن الزيادة المتصلة

= أربابها".

وانظر: "مسائل عبد اللَّه"(313/ 1163)، و"الإنصاف"(6/ 209)، و"المبدع"(5/ 189)، و"حاشية المقنع"(2/ 251).

(1)

في المطبوع: "مشور"، وهو خطأ مطبعي.

(2)

في المطبوع: "منفصلة أو متصلة" كذا بتقديم وتأخير.

(3)

في المطبوع و (ج): "بذلتها".

(4)

ما بين المعقوفتين مذكور في (أ) بعد قوله الآتي: "وهو قول الخرقي في الصداق".

(5)

انظر: "الكافي"(3/ 100 - 101).

ص: 207

التي يمكن إفرادها؛ كصبغ [في](1) الثوب وتزويق الدار والمسامير [في الباب](2)؛ هل يجبر على قبولها؟

يخرج (3) على وجهين:

أصحهما: يجبر، وهو قول الخرقي في الصداق (4).

والثاني: أنه زيادة منفصلة بكل حال، أبَّر أو لم يؤبَّر؛ لأنه يمكن فصله وإفراده بالبيع.

كذلك (5) أطلقه القاضي وابن عقيل أيضًا في موضع [آخر](6) من التفليس والرد بالعيب، وصرح صاحب "المغني"(7) بإبدائه احتمالًا، وحكاه في "الكافي"(8) عن ابن حامد.

الثالث: أن المؤبر زيادة منفصلة وغير المؤبر زيادة متصلة، صرح به القاضي وابن عقيل أيضًا في التفليس والرد بالعيب، وذكر أنه منصوص عن أحمد اعتبارًا بالتبعية في البيع وعدمها.

الرابع: أن غير المؤبر زيادة متصلة بغير خلاف، وفي المؤبر

(1) ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في (ج): "تتخرج".

(4)

انظره مع "المغني"(7/ 205/ 5645).

(5)

في المطبوع: "كذا".

(6)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(7)

انظر: "المغني"(7/ 205 - 206/ 5645).

(8)

انظر: "الكافي"(2/ 69، 181).

ص: 208

وجهان، وهذه طريقة صاحب "الترغيب" في الصداق.

والخامس (1): أن المؤبر زيادة منفصلة وجهًا واحدًا، وفي غير المؤبر وجهان، واختيار (2) ابن حامد أنها منفصلة، وهي طريقة "الكافي" في التفليس (3).

وأما الحمل؛ فقال القاضي وابن عقيل في الصداق: هو زيادة متصلة. قال القاضي: ويجبر الزوج على قبولها إذا بذلتها المرأة، وخالفه ابن عقيل في "الآدميات"؛ لأن الحمل فيهن نقص من جهة وزيادة من جهة، بخلاف البهائم؛ فإنه فيها زيادة محضة.

وقال (4) القاضي في التفليس (5): ينبني على أن الحمل هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا: له حكم؛ فهو زيادة منفصلة، وإلا؛ فهو زيادة متصلة؛ كالسمن.

وفي "التلخيص": الأظهر أنه يتبع في الرجوع؛ كما يتبع في البيع والحب إذا صار زرعًا والبيضة إذا صارت فروجًا (6) فأكثر الأصحاب على أنها داخلة في النماء المتصل، كذلك قال القاضي وابن عقيل في الفلس (7)

(1) في (ب): "الخامس" من غير واو.

(2)

في المطبوع: "واختار".

(3)

انظر: "الكافي"(2/ 69، 181).

(4)

في (ب): "قال" من غير واو.

(5)

في (أ): "الفلس".

(6)

في المطبوع و (ج): "فرخًا".

(7)

كذا في المطبوع و (أ) و (ج)، وفي (ب):"التفليس".

ص: 209

والغضب.

وذكر صاحب "المغني"(1) وجهًا آخر، وصححه: أنه من باب تغير [العين](2) بما يزيل الاسم؛ لأن الأول استحال.

وكذا [ذكر](3) ابن عقيل في موضع آخر وفي "المجرد": ولو حلف لا يأكل بيضة فصارت فروجًا، أو حبًّا فصار سنبلًا: أنه لا يحنث بأكله لزوال الاسم، وهذا إنما يتوجه على قول ابن عقيل في مسألة تعارض الاسم والتعيين، فأما على المشهور؛ فينبغي أن يحنث، وبه جزم القاضي في "خلافه"، و [كذلك](4) أشار إليه ابن عقيل في "الفصول"؛ كما لو حلف لا يأكل هذا التمر فصار دبسًا.

وقد يُفرق (5)[بين مسألة البيضة](6) ببقاء حلاوة التمر ولونه [في الدبس](7)، بخلاف الفروج (8)، ولو اشترى بيضة فوجد فيها فروجًا (9)؛ فالبيع باطل، نص عليه في "رواية ابن منصور"(10)، وهو يشهد للقول بأن

(1) انظر: "المغني"(4/ 346 - 347/ 3573).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في المطبوع: "وكذا"، وسقطت من (ب)، وفي (ج):"فكذلك".

(5)

في المطبوع: "تفرق".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وفي المطبوع و (ج). "في مسألة البيضة".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(8)

في (ب): "الأول"، وفي (ج):"الفروخ".

(9)

في (ج): "فروخًا".

(10)

في "مسائل ابن منصور"(284 - 285/ 144)، قال: "قلت: إذا اشترى =

ص: 210

البيض و [الفروج](1) عينان [متغايرتان؛ فيكون](2) كما إذا تبايعا دابة يظنان أنها (3) حمار، فإذا هي فرس، والقصيل إذا صار سنبلًا؛ فهو زيادة متصلة، وإذا اشتد الحب؛ فليس بعده زيادة لا متصلة ولا منفصلة، ذكره القاضي.

* * *

= بيضة، فوجد فيها فروجة حية؟ قال [أحمد]: هذا ملك البائع، إنما اشترى البيضة ليأكلها. قلتُ: وإن كانت ميتة؟ قال: يردها بالعيب".

(1)

في (ج): "الفروخ".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "متغايران".

(3)

في المطبوع: "بأنها".

ص: 211

(القاعدة الثالثة والثمانون)

إذا انتقل الملك عن النخل (1) بعقد أو فسخ تتبع (2) فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة أو بانتقال استحقاق.

فإن كان فيه طلع مؤبر؛ لم يتبعه في الانتقال، وإن كان غير مؤبر؛ تبعه، كذا قال القاضي في (كتاب التفليس) من "المجرد"، وقال: وسواءً (3) كان الانتقال بعوض اختياري؛ كالبيع والصلح والنكاح والخلع، أو بعوض قهري؛ كالأخذ بالشفعة ورجوع البائع في عين ماله بالفلس وبيع الرهن بعد أن أطلع بغير اختيار الراهن والرجوع في الهبة بشرط الثواب، أو كان الانتقال بغير عوض، سواء كان اختياريًّا (4)؛ كالهبة والصدقة، أو غير اختياري؛ كالرجوع في الهبة للأب. وهو ظاهر كلامه في بيع الأصول والثمار أيضًا؛ لأنه جعل الكل كالبيع سواء، وصرح بذلك صاحب "الكافي"(5) في العقود والفسوخ.

(1) في المطبوع: "النخلة".

(2)

في المطبوع: "يتبع".

(3)

في المطبوع و (ج): "سواء" من غير واو.

(4)

في المطبوع: "كان الانتقال اختياريًّا".

(5)

انظر: "الكافي"(2/ 181).

ص: 212

وأما ابن عقيل؛ فإنه أطلق في الفسخ للإفلاس (1) والرجوع في الهبة أن [الطلع يتبع الأصل](2)، ولم يفصل، وعلل بأن الفسخ رفع للعقد من أصله.

وصرح صاحب "المغني"(3) في البيع بأن الفسخ يتبع الطلع (4) فيه أصله، سواء أبر أو لم يؤبر؛ لأنه نماء متصل، فأشبه السمن، وصرح بدخول الإقالة والفسخ بالعيب في ذلك، وهو موافق لكلام الأصحاب في الصداق.

وقد قدمنا أن صاحب "المغني" ذكر (5) احتمالًا في الفسخ بالفلس ونحوه: أنه لا يتبع فيه الطلع، سواء أبر أو لم يؤبر؛ لتميزه وإمكان إفراده بالعقد؛ فهو كالمنفصل، بخلاف السمن ونحوه (6)، وهذا عكس ما ذكره في البيع، وهو مع ذلك موافق لإطلاق كثير من الأصحاب أن الثمرة لا ترد مع الأصل بالعيب من غير تفصيل، وكذا في الفلس؛ فتحرر من هذا أن العقود -كالبيع والصلح والصداق وعوض الخلع [والأجرة](7) والهبة والرهن- يفرق فيها بين حالة التأبير وعدمه، ونص عليه أحمد في الرهن في "رواية

(1) في المطبوع: "بالإفلاس".

(2)

في (ج): "يتبع الأصل الطلع".

(3)

انظر: "المغني"(4/ 65، 96/ 2881، 2967).

(4)

في المطبوع: "الطاق"، وهو خطأ.

(5)

في (ب): "ذكره".

(6)

سبق قريبًا.

(7)

في (ب): "والإجارة".

ص: 213

[محمد](1) بن الحكم".

إلا أن في الأخذ بالشفعة (2) وجهًا آخر سبق ذكره: أنه يتبع (3) فيه المؤبر إذا كان في حال البيع غير مؤبر، لأن (4) الأخذ يستند إلى البيع؛ إذ هو سبب الاستحقاق.

وأما الفسوخ؛ ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الطلع يتبع فيها مع التأبير وعدمه بناءً على أن الطلع زيادة متصلة بكل حال، أو على أن الفسخ رفع للعقد (5) من أصله.

والثاني: لا يتبع بحال بناءً على أنه زيادة منفصلة وإن لم يؤبر.

والثالث: إن كان مؤبرًا؛ تبع، وإلا؛ فلا؛ كالعقود.

هذا كله على القول بأن النماء المنفصل لا يتبع في الفسوخ، أما إن قيل بتبعيته؛ فلا إشكال في أن الطلع يتبع، سواء أبر أو لم يؤبر، وكذلك إن قيل: إن الفسوخ لا يتبع فيها الزيادة المتصلة (6)؛ فإن الطلع لا يتبع فيها بكل حال.

وأما الوصية والوقف؛ فالمنصوص عن أحمد أنه يدخل فيها (7) الثمرة

(1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(2)

في المطبوع: "في الشفعة".

(3)

في المطبوع: "يقع".

(4)

في المطبوع: "ولأن".

(5)

في المطبوع: "العقد".

(6)

في (ج): "المنفصلة"، والصواب ما أثبتناه.

(7)

في المطبوع: "فيهما".

ص: 214

الموجودة يوم الوصية إذا بقيت إلى يوم الموت من غير تفريق بين أن يؤبر أو لا يؤبر (1)، نقله عنه أبو بكر بن صدقة في الرجل يوصي بالكرم أو البستان لرجل ثم يموت وفي الكرم حمل، [قال: إذا كان أوصى به وفيه حمل] (2)؛ فهو للموصى [له](3)، وقال في "رواية محمد بن موسى" (4): وسئل عن الرجل يوصي البستان أو الكرم لرجل ثم يموت وفي الكرم أو البستان حمل؛ لمن الحمل؟ قال: إن كان يوم أوصى به له فيه حمل؛ فهو له، [وأطلق أنه](5) يدخل في الوصية، ولم يفصل، وقد يوجه (6) بأن الوصية عقد تبرع لا يستدعي (7) عوضًا؛ فدخل فيها كل متصل، بخلاف عقود المعاوضات.

وعلى هذا؛ فالهبة المطلعة كذلك، وهو خلاف ما ذكره الأصحاب، وكذلك الوقف المنجز وأولى، ويحتمل أن يختص (8) ذلك بما فيه معنى القربة من الوقف والصدقة (9) والوصية.

(1) في (ج): "تؤبر أو لا تؤبر".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

هو محمد بن موسي بن أبي موسي، أبو عبد اللَّه النَّهْرَتِيريّ، البغدادي، توفي سنة (289 هـ)، قال الخلال:"كان عنده عن أبي عبد اللَّه جزء "مسائل" كبار جياد".

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 323 - 324)، و"تاريخ بغداد"(3/ 241 - 242)، و"المنهج الأحمد"(1/ 344).

(5)

في المطبوع و (ج): "وأطلق بأنه"، وفي (ب):"فأطلق أنه".

(6)

في المطبوع: "توجه؟ ".

(7)

في (ج): "لا تستدعي".

(8)

في (ب): "يخص".

(9)

في (ب): "الصدقة والوقف" بتقديم وتأخير.

ص: 215

وأما اعتبار وجوده يوم الوصية مع أن الملك يتراخى (1) إلى ما بعد الموت؛ فلأن العفد إذا انعقد كان سببًا لنقل الملك، وإنما تأخر تأثيره إلى حين الموت، فإذا وجد الموت استند الملك إلى حال الايصاء، ولهذا لو وصى له بأمة حامل ثم مات الموصي (2) قبل الوضع؛ فالولد للموصى له بغير خلاف، وسواء قلنا: إن للحمل حكمًا وأنه كالمنفصل أو (3) لا، وأما إن تجدد مستحق من أهل الوقف وفي النخل طلع؛ فها هنا حالتان:

إحداهما: أن يكون استحقاقه من غير انتقال من غيره. والمنصوص عن أحمد أنه إن أحدث استحقاقه بعد التأبير؛ لم يستحق من الثمر [شيئًا](4)، وإن كان قبله؛ استحق.

قال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد اللَّه يسأل عن رجل أوقف (5) نخلًا على ولد قوم وولده ما توالدوا، ثم ولد مولود؛ قال: إن كان النخل [قد](6) أبر؛ فليس له في ذلك شيء، وهو ملك الأول، وإن لم يكن أبر؛ فهو معهم، وكذلك الزرع إذا بلغ الحصاد؛ فليس له شيء، وإن كان لم يبلغ الحصاد؛ فله فيه.

وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره ها هنا، منهم ابن

(1) في (أ): "تراخي"، وفي (ج):"متراخ".

(2)

في المطبوع: "الموصى له".

(3)

في المطبوع: "أم".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

كذا في (أ) و (ج) والمطبوع، وفي (ب):"وقف"، وهي أفصح.

انظر: "القاموس المحيط"(3/ 213)، و"تاج العروس"(6/ 269).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 216

أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد (1)؛ فكذا في الاستحقاق، وعلل بعض الأصحاب بأن غير المؤبر في حكم المعدوم لاستتاره وكمونه، والمؤبر في حكم الموجود لبروزه وظهوره، وهو شبيه بقول من يقول: إن الحمل ليس له حكم ما لم يظهر.

والحالة (2) الثانية: أن يخرج بعض أهل الاستحقاق لموت أو غيره وينتقل نصيبه إلى غيره.

قال يعقوب بن بختان: سئل أحمد عن رجل مات، فقال (3): ضيعتي التي بالثغر لموالي الذين بالثغر، وضيعتي التي ببغداد لموالي الذين ببغداد وأولادهم؛ فلمن بالثغر أن يأخذوا من هذه الضيعة التي ها هنا؟ قال: لا، قد أفرد هذه من هذه، فقيل له: فقدم (4) بعض من بالثغر إلى ها هنا وخرج من ها هنا بعضهم إلى ثم وقد أبرت النخل؛ ألهم (5) فيها شيء؟ قال: لا. فقيل: فإن ولد لأحدهم ولد بعد ما أبرت؟ فقال: وهذا أيضًا شبيه بهذا. كأنه رأى ما كان قبل التأبير جائزًا أو كما قال، وهذا موافق لنصه السابق في أن تجدد المستحق للوقف (6) بعد التأبير لا يقتضي استحقاقه منه.

وأما خروج الخارج من البلد؛ فلم يشمله جوابه، وانقطاع حق

(1) في (أ): "العقود".

(2)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) والمطبوع:"الحالة" من غير واو.

(3)

في (ب): "وقال".

(4)

في (ب): "تقدم".

(5)

في (ج): "لهم".

(6)

في (ب): "المستحق الوقف".

ص: 217

المستحق بموته أو زوال صفة الاستحقاق شبيه بانفساخ العقد المزيل للملك قهرًا، وقد سبق الخلاف فيه، لا سيما على قولنا (1): إن الوقف ملك للموقوف عليه؛ فيصير موته كانفساخ ملكه في الأصل؛ فيخرج في تبعية الطلع [له](2) الخلاف السابق، فإن قيل بالتفريق بين ما قبل التأبير وبعده؛ فلأن الطلع إذا لم يؤبر في حكم الحمل في البطن واللبن في الضرع؛ فلا بكون له حكم بملك ولا غيره حتى يظهر، وإن سلم أن له حكمًا بالملك؛ فالمستحق الحادث؛ لما شارك في غير المؤبر مع ظهوره على ملك الأولين (3)، دل على أن ملكهم لم يستقر عليه، بخلاف المؤبر؛ فإن ملكهم استقر عليه، فمن (4) زال استحقاقه قبل استقرار الملك؛ سقط حقه.

(فصل)

هذا كله في حكم ثمر النخل، فأما غيره من الشجر؛ فما كان له كمام ينفتح (5) فيظهر ثمرة كالقطن؛ فهو كالطلع، وألحق أصحابنا به الزهوى التي تخرج منضمة ثم تنفتح (6)؛ كالورد والياسمين والبنفسج والنرجس، وفيه نظر؛ فإن هذا المنظم (7) هو نفس الثمرة أو قشرها الملازم لها؛ كقشر

(1) في (أ): "قوله".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "الأول".

(4)

في (ب): "كمن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(5)

و (6) في المطبوع: "تفتح".

(7)

في (أ) و (ب) والمطبوع: "المنظم"؛ بظاء لا ضاد.

ص: 218

الرمان؛ فظهوره ظهور للثمرة (1)، بخلاف الطلع؛ فإنه وعاء للثمرة [يزول عنها قريبًا](2)، وكلام الخرقي (3) يدل على ذلك، حيث قال: وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد، وبدو الورد ونحوه ظهوره من شجره، وإنما كان منضمًّا.

وللأصحاب وجهان في الورق المقصود؛ كورق التوت؛ هل يعتبر [بفتحه كالثمر](4)، أو يتبع الأصل لمجرد (5) ظهوره، وهذه الزهور بمعناه، ومنه ما يظهر نوره ثم يتناثر فيظهر ثمره؛ كالتفاح والمشمش؟

ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: إن تناثر نوره؛ فهو للبائع، وإلا؛ فلا، وبه جزم القاضي في "خلافه"؛ لأن ظهور ثمره يتوقف على تناثر نوره.

والثاني: أنه بظهور (6) نوره للبائع، ذكره القاضي احتمالًا جعلًا للنور كما في الطلع؛ لأن الطلع ليس هو عين الثمرة، بل هي مستترة فيه، فتكبر في جوفه وتظهر حتى يصير تلك في طرفها، وهي قمع الرطبة.

والثالث: [هو](7) للبائع بظهور الثمرة؛ وإن لم يتناثر النور، كما إذا

(1) في (ب) والمطبوع: "الثمرة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

انظره مع "المغني"(4/ 65/ 2882).

(4)

في (أ): "بفتحه" بدون نقط، وفي (ب):"بفتحه كالثمار"، وفي (ج):"تفتحه كالثمر".

(5)

في (ب): "بمجرد".

(6)

في (أ): "يظهر".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 219

كبر قبل انتثاره، وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار صاحب "المغني"(1)، وهو أصح، وقياس ما في بطن الطلع على النور لا يصح؛ لأن النور يتناثر وما في جف (2) الطلع ينمو ويتزايد حتى يصير ثمرًا.

- (ومنه)(3): ما يظهر ثمرته من غير نور، فهو للبائع بظهوره، سواء كان له قشر يبقى فيه إلى أكله؛ كالرمان والموز، أو له قشران؛ كالجوز واللوز، أو لا قشر له؛ كالتين والتوت، وقال (4) القاضي: ما له قشران لا يكون للبائع إلا بتشقق قشره الأعلى، ورده صاحب "المغني" بأن تشققه في شجره نادر وتشققه قبل كماله يفسده، بخلاف الطلع (5)، وفي "المبهج" الاعتبار بانعقاد لبه، فإن لم ينعقد؛ تبع (6) أصله، وإلا؛ فلا.

وأما الزرع الظاهر في الأرض إذا انتقل الملك فيها بالبيع (7) ونحوه؛ فهو للبائع؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض وإنما هو مودع فيها، فأشبه الثمرة

(1) انظر: "المغني"(4/ 66/ 2882).

(2)

في المطبوع و (ج): "جوف".

(3)

في (ج): "ومنها".

(4)

في (ج): "قال" من غير واو.

(5)

قال في "المغني"(4/ 65 - 66/ 2882): "وقال القاضي: "إن تشقق القشر الأعلى؛ فهو للبائع، وإن لم يتشقق؛ فهو للمشتري"، ولو اعتبر هذا؛ لم يكن للبائع إلا نادرًا، ولا يصح قياسه على الطلع؛ لأن الطلع لا بد من تشققه، وتشققه من مصلحته، وهذا بخلافه؛ فإنه لا يتشقق على شجره، وتشققه قبل كماله يفسده".

(6)

في (أ): "بيع".

(7)

في المطبوع و (ج): "بالمبيع".

ص: 220

المؤبرة، قال في "المغني": لا أعلم فيه خلافًا (1)، وفي "المبهج" للشيرازي: إن كان الزرع بدا صلاحه؛ لم يتبع، وإن لم يبد [صلاحه] (2)؛ فعلى (3) وجهين: فإن قلنا: لا يتبع؛ أخذ البائع بقطعه إلا أن يستأجر الأرض من المشتري إلى حين إدراكه، وأما إذا بدا صلاحه؛ فإنه يبقى في الأرض من غير أجرة إلى حين حصاده.

وهذا غريب جدًّا، مخالف لما عليه الأصحاب، مع أن كلام أحمد في استحقاق الوقف يشهد له؛ حيث قال: إن ولد مولود من أهل الوقف قبل أن يبلغ الحصاد؛ استحق، وإلا؛ لم يستحق لأنه قد انتهى نموه وزيادته ببلوغه الحصاد (4).

وهكذا (5) قال ابن أبي موسى؛ لكنه عبر بالاستحصاد وعدمه، وأما (6) صاحب "المغني"؛ فقال: ما كان من الزرع لا يتبع الأرض في البيع؛ فلا حق فيه للمتجدد لأنه كالثمر المؤبر، وأما ما كان يتبع في البيع وهو ما لم يظهر مما يتكرر حمله من الرطبات (7) والخضروات؛ فيستحق فيه المتجدد.

وقياس المنصوص في الزرع أن يستحق المتجدد في الوقف من

(1) انظر: "المغني"(4/ 67/ 2887).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع و (ج): "على".

(4)

في المطبوع و (ج): "للحصاد".

(5)

في (ب): "وهذا".

(6)

في (ب): "أما".

(7)

في (ب): "الوطات".

ص: 221

الثمر حتى يبدو صلاحه، ويجوز بيعه مطلقًا (1)، ولكن أحمد فرق بينهما كما تقدم؛ فاعتبر في الزرع بلوغ الحصاد وفي الثمر التأبير، ونصه مع ذلك في استحقاق الموصى له بالشجر المثمر الموجود فيه حال الوصية من غير تفريق بين أن يبدو صلاحه [أو لا يبدو](2) مشكل.

وأفتى الشيخ تقي الدين بأن الثمر إنما يستحقه من بدء الصلاح في زمن استحقاقه حتى لو مات البطن الأول، وقد أطلع الثمر بعمله (3) ثم بدا صلاحه بعد موته؛ فإنه (4) يكون للبطن الثاني (5).

وقال في شجر الجوز الموقوف: إنه إن أدرك أوان قطعه في حياة البطن الأول؛ فهو له، فإن مات وبقي في الأرض مدة حتى زاد؛ كانت الزيادة حادثة [في](6) منفعة الأرض التي للبطن الثاني، ومن الأصل الذي لورثة الأول؛ فإما أن تقسم الزيادة بينهما على قدر القيمتين، وإما أن تعطي (7) الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني، وإن غرسه البطن الأول من مال الوقف (8) ولم يدرك إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني؛ فهو لهم، وليس لورثة

(1) انظر: "المغني"(4/ 69/ 2890).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع و (ج): "بعلمه".

(4)

في (أ): "وإن".

(5)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 178) لشيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج) و"الاختيارات الفقهية": "من".

(7)

في (ج) و"الاختيارات الفقهية": "يعطي".

(8)

في المطبوع: "الواقف".

ص: 222

الأول فيه شيء (1).

واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه ها هنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة، مثل كونه [ولدًا أو فقيرًا أو نحوه](2)، أما إذا (3) كان استحقاق الوقف عوضًا عن عمل، وكان المغل كالأجرة يقسط (4) على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة، أو كان (5) استغلال الأرض لجهة الوقف من ماله؛ فإنه يستحق كل من اتصف بصفة الاستحقاق في ذلك العام منه؛ حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه، وإن لم يكن الزرع قد وجد حتى لو تأخر إدراك [ذلك](6) العام إلى أثناء العام الذي بعده؛ لم يستحق منه من تجدد استحقاقه في عام الإِدراك، واستحق منه من مات في العام الذي قبله، وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله [تعالى](7).

[وأفتى الشيخ شمس الدين بن أبي عمر (8) بأن الاعتبار (9) في ذلك

(1) انظر كلام شيخ الإِسلام بطوله في: "الاختيارات الفقهية"(ص 178).

(2)

في (أ): "ولدًا أو فقيرًا ونحوه"، وفي (ب):"والدًا أو فقيرًا أو نحوه".

(3)

في (ب): "أما إن".

(4)

في (ب): "ينبسط"، وفي (أ) والمطبوع:"يبسط".

(5)

في المطبوع: "أو إن كان".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

وانظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 172، 181 - 182)

(8)

في (ج) كتب بين السطرين فوق "أبي عمر": "رحمه الله".

(9)

في المطبوع: "الاعتناء".

ص: 223

بسنة المغل دون السنة الهلالية في جماعة مقدرين في تربة (1) حصل لهم حاصل من قريتهم الموقوفة عليهم، فطلبوا (2) أن يأخذوا ما استحقوه عن الماضي، وهو مغل سنة خمس وأربعين مثلًا؛ فهل يصرف إليهم الناظر بحساب سنة [خمس الهلالية أو بحساب سنة](3) المغل، مع أنه قد نزل (4) بعد هؤلاء المتقدمين جماعة شاركوا في حساب سنة المغل؟ فإن أخذ أولئك على حساب السنة الهلالية؛ لم يبق للمتأخرين إلا شيء يسير؛ فأجاب بأنه لا يحتسب إلا بسنة المغل دون الهلالية، ووافقه جماعة من الشافعية والحنفية على ذلك] (5).

* * *

(1) في المطبوع: "مقرين في نزيه"، وفي (ج):"مقرئيين في قرية".

(2)

كذا في (أ)، وفي (ج):"وطلبوا"، وفي المطبوع:"يطلبون".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في (ج): "يزل".

(5)

من قوله: "وأفتي الشيخ. . . على ذلك" إلى هنا سقط من (ب).

ص: 224

(القاعدة الرابعة والثمانون)

الحمل؛ هل له حكم قبل انفصاله أم لا؟

حكى القاضي وابن عقيل وغيرهما في المسألة روايتين؛ قالوا: والصحيح من المذهب أن له حكمًا، وهذا الكلام على إطلاقه قد يستشكل، فإن الحمل يتعلق به أحكام كثيرة ثابتة بالاتفاق؛ مثل عزل الميراث له، وصحة الوصية له، ووجوب الغرة بقتله، وتأخير إقامة الحدود، واستيفاء القصاص من أمه حتى تضعه، وإباحة الفطر لها إذا خشيت عليه، ووجوب النفقة لها إذا كانت بائنًا، وإباحة طلاقها وإن (1) كانت موطؤة في ذلك الطهر قبل ظهوره. . .

إلى غير ذلك من الأحكام، ولم يريدوا (2) إدخال هذه (3) الأحكام في محل الروايتين.

وفصل القول في ذلك أن الأحكام المتعلقة بالحمل نوعان:

أحدهما: [ما](4) يتعلق بسبب الحمل بغيره؛ فهذا ثابت بالاتفاق لأن

(1) في (ب): "إن" من غير واو.

(2)

في (أ): "يزيدوا".

(3)

في المطبوع: "إدخال مثل هذه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 225

الأحكام الشرعية تتعلق على الأسباب الظاهرة، فإذا ظهرت أمارات (1) الحمل؛ كان وجوده هو الظاهر، فيترتب (2) عليه أحكامه في الظاهر، [ثم إن](3) خرج حيًّا؛ تبينا ثبوت تلك الأحكام في الباطن، وإن بان أنه لم يكن حمل أو خرج ميتًا؛ تبينا فساد ما يتعلق من الأحكام به أو بحياته؛ كإرثه ووصيته، وهذه الأحكام كثيرة جدًّا، وبعضها متفق عليه، وبعضها فيه اختلاف:

- (فمنها)(4): إذا ماتت كافرة وفي بطنها حمل محكوم بإسلامه؛ لم تدفن (5) في مقابر الكفار لحرمة الحمل.

- (ومنها): إخراج الفطرة عن الحمل، وهي مستحبة، وفي وجوبها طريقان للأصحاب: منهم من جزم بنفي الوجوب، ومنهم من قال: في المسألة روايتان.

- (ومنها): فطر الحامل إذا خافت على جنينها من الصوم ويجب عليها القضاء والكفارة، وهل الكفارة من مالها أو بينها وبين من تلزمه (6) نفقة الحمل؟

على احتمالين، ذكرهما ابن عقيل في "فنونه"(7).

(1) في المطبوع: "أمارة".

(2)

في (أ): "فترتبت"، وفي المطبوع و (ج):"فترتب".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فإن".

(4)

في المطبوع و (ج): "فمن أحكامه"، وفي (ب):"ومنها".

(5)

في المطبوع و (أ): "يدفن"، وفي (ب) بدون تنقيط الماء.

(6)

في (أ) و (ب) بدون تنقيط التاء، وفي المطبوع:"يلزمه".

(7)

قال ابن رجب في "كتاب الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 159): "ومن =

ص: 226

- (ومنها): إذا اشترى جارية، [فبانت] (1) حاملًا؛ فنص أحمد [رحمه الله] (2) في رواية أبي طالب: أن البائع إن أقر بوطئها ردت إليه؛ لأنها أم ولد له، وإن أنكر؛ فإن شاء المشتري ردها، وإن شاء (3) لم يردها؛ فأبطل البيع مع إقرار البائع بالوطئ بمجرد تبين الحمل، وقال ابن عقيل: عندي لا يجب الرد حتى تضع ما تصير به الأمة أم ولد؛ لجواز أن لا يكون كذلك.

وهذا تفريع على قولنا بصحة (4) البيع قبل الاستبراء، فأما (5) على الرواية [الأخرى](6)؛ فالبيع من أصله باطل لعدم استبراء البائع.

= المسائل الغريبة التي ذكرها ابن عقيل: مسألة في الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما، فهل تكون الكفارة على الأم من مالها، أو بينها وبين من تلزمه نفقته؟ ذكر في "الفنون" فيها احتمال.

قال: والأشبه أنه على الأم؛ لأنها هي المرتفقة بالإفطار لاستضرارها، وتغير لبنها، والولد تبع لها.

قال: ولأنه لو كان الطفل معتبرًا في إبجاب التكفير؛ لكان على كل واحدٍ منهما كفارة تامة؛ كالجماع في رمضان، وكالمشتركين في قتل الصيد، على أصح الروايتين.

قلت (أي: ابن رجب): وهذا ضعيف؛ فإن المشتركين في الجماع كل منهما أفسد صومه، والمشتركين في القتل كل منهما جنى على إحرامه؛ فهما متساويان في الجناية، بخلاف الطفل والأم ها هنا" اهـ.

(1)

في (ب): "كانت".

(2)

ما بين المعقوفتين من هامش (ج).

(3)

في (أ): "وإن لم يشأ".

(4)

في (ج): "يصح".

(5)

في (ب): "وأما".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 227

- (ومنها): لو وطئ الراهن أمته المرهونة فأحبلها؛ خرجت من الرهن، ولزمه قيمتها تكون (1) رهنًا، كذا قاله كثير من الأصحاب، ومنهم من قال: يتأخر (2) الضمان حتى تضع؛ فيلزمه قيمتها يوم أحبلها.

- (ومنها): إذا وطئ جارية من المغنم فحملت؛ فإنها تقوم عليه في الحال، وتصير مستولدة [له](3)، هذا هو المنصوص عن أحمد، وقال القاضي في "خلافه": لا تصير مستولدة بناءً على أن الغنيمة لا تملك بدون القسمة، لكن يمنع من بيعها لكونها حاملًا بحر، ولا يؤخر (4) قسمتها؛ فتعين أن تحسب (5) عليه من نصيبه لذلك (6).

- (ومنها): إذا قال لزوجته: إن كنت حاملًا فأنت طالق؛ فالمنصوص عن أحمد في رواية [مهنا](7): أنه ينظر النساء إليها (8)، فإن خفي عليهن، فإن جاءت به لتسعة أشهر أو لستة أشهر؛ حنث، فأوقع الطلاق بشهادة النساء بالحمل أو بولادتها لغالب مدة الحمل عند خفائه.

وصحح القاضي في موضع من "الجامع" هذه الرواية، وقال أكثر الأصحاب: إن ولدت لأكثر من نهاية مدة الحمل؛ لم تطلق، وإن ولدت

(1) في (ب): "يكون"، وفي (ج):"فتكون".

(2)

في (ج): "بتأخير".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ج): "ولا تؤخر"، وفى (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

(5)

في المطبوع: "يحسب"، وفي (أ) بدون تنقط الحرف الأول.

(6)

في المطبوع: "كذلك".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(8)

في المطبوع و (ج): "ينظر إليها النساء".

ص: 228

لدون أكثر مدة الحمل، فإن كان لم يطأها بعد اليمين؛ طلقت، وإن وطئها بعد اليمين، فإن ولدت لدون ستة أشهر من أول (1) الوطء؛ طلقت، وإن ولدت الأكثر منه؛ فوجهان:

أشهرهما: لا تطلق، وجعله القاضي في "المجرد" وجهًا واحدًا؛ لاحتمال العلوق به من الوطء المتجدد (2).

والثاني: تطلق؛ لأن الأصل عدمه.

وفيه وجه آخر: لا تطلق حتى تضعه لدون ستة أشهر بكل حال؛ لأنه لا يتيقن (3) وجوده عند اليمين بدون ذلك، والطلاق لا يقع مع الشك والاحتمال.

- (ومنها): إذا كان لرجل زوجة لها ولد من غيره، فمات ولا أب له، وقد كان تقدم من الزوج وطء هذه الزوجة؛ فإنه يمنع من وطئها بعد موت ولدها حتى يتبين؛ هل هي حامل من وطئه المتقدم أم لا؟ لأجل ميراث الحمل من أخيه، وكذلك إذا كان عبد تحته حرة قد (4) وطئها وله أخ حر فيموت أخوه الحر؛ فإنه يمنع من وطء زوجته حتى يتبين هل هي حامل أم لا؛ لأجل ميراث الحمل من عمه، ثم إن جاءت بولد لدون ستة (5) أشهر من حين الموت؛ فإنه يرث بلا إشكال، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر

(1) في (أ): "من حين".

(2)

في المطبوع: "المتجدد".

(3)

في المطبوع: "يتعين".

(4)

في (ج): "وقد".

(5)

في المطبوع: "لستة".

ص: 229

ولأقل من أكثر مدة الحمل؛ فإن كف الزوج عن الوطء من حين الموت ورث الحمل؛ لأن الظاهر أنها كانت حاملًا.

قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة لها ابن من غيره فيموت ابنها (1): إن جاءت بولد دون (2) ستة أشهر من يوم مات ابنها (3)؛ ورثناه، وإن جاءت بالولد بعد ستة (4) أشهر؛ لم نورثه إلا ببينة، ويكف عن امرأته إذا مات ولدها، فإن لم يكف، فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر؛ فلا أدري هو أخوه أم لا؟

وظاهر هذا أنه إن كف عن الوطء ورث الولد، وإن لم يكف؛ فإن جاءت بالولد بعد الوطء لدون ستة أشهر ورث أيضًا، وكان كمن لم يطأ، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدًا؛ فظاهر كلام أحمد الذي ذكرناه أنه لا يرث، وبه جزم القاضي في "المجرد"؛ إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملًا يوم موت ولدها، وقال في "الجامع الكبير": يحتمل وجهين، خرجهما من مسألة تعليق الطلاق على الحمل التي تقدمت.

النوع الثاني (5): الأحكام الثابتة للحمل في نفسه من ملك وتملك وعتق وحكم بإسلام واستلحاق نسب ونفيه وضمان ونفقة، وهذا النوع هو

(1) في المطبوع و (ب): "إنها".

(2)

في المطبوع و (ب): "لدون".

(3)

في المطبوع: "منها".

(4)

في (أ): "الستة".

(5)

في (ج): "النوع الثاني من الأحكام. . . ".

ص: 230

مراد من حكى (1) الخلاف في الحمل؛ [هل](2) له حكم أم لا؟

وبعض هذه الأحكام ثابتة بغير خلاف، ولنذكر جملة من هذه الأحكام:

- (فمنها): وجوب النفقة له؛ فتجب (3) نفقة الحمل على الأب، وإن كانت أمة لا نفقة لها؛ كالبائن بالاتفاق، وهذه النفقة للحمل لا لأمه على أصح الروايتين، وهي اختيار الخرقي (4) وأبي بكر، ولهذا تدور (5) معه وجودًا وعدمًا؛ فعلى هذه تجب (6) مع نشوز الأم وكونها حاملًا من وطء شبهة أو نكاح فاسد، وتجب (6) على سائر من تجب عليه نفقة الأقارب مع فقد الأب بالموت أو الإعسار، ذكره القاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر"(7)، وتسقط (8) بيسار الحمل إذا حكم له بمال (9)، ذكره القاضي أيضًا في "الخلاف"، وظاهر كلامه في "كتاب الروايتين"(10) يخالف ذلك، ويجب

(1) في المطبوع و (ج): "حكا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "فيجب"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني.

(4)

قال الخرقي في "مختصره"(8/ 185 - مع "المغني"): "وإذا طلق الرجل زوجته طلاقًا لا يملك فيه الرجعة؛ فلا سكنى لها ولا نفقة إلا أن تكون حاملًا".

(5)

في المطبوع: "يدور"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(6)

في المطبوع: "يجب".

(7)

انظر: "المحرر"(2/ 116).

(8)

في (أ): "وسقط".

(9)

في المطبوع: "بملك".

(10)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 240 - 241) للقاضي أبي يعلى رحمه اللَّه تعالى.

ص: 231

الإنفاق في مدة الحمل، ولا يقف على الوضع، نص عليه أحمد.

وخرج الآمدي وأبو الخطاب وجهًا: إذا قلنا: لا حكم للحمل: أنه لا يجب [النفقة](1) حتى ينفصل فترجع بها، وهو ضعيف مصادم لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2)، وأما أم الولد إذا مات عنها سيدها وهي حامل؛ فليست من هذا القبيل، وإن كان أبو الخطاب ذكر في وجوب النفقة لها لأجل الحمل روايتين، بل نفقة هذه من جنس نفقة الحامل المتوفى عنها.

وفيها أيضًا روايتان، وليس ذلك مبنيًّا على أن النفقة للحمل أو للحامل كما زعم ابن الزاغوني (3) وغيره؛ فإن نفقة الأقارب تسقط بالموت، ولكن هذا من باب [وجوب](4) النفقة على المحبوسة بحق (5) الزوج من ماله؛ كنفقة الحامل البائن (6).

(1) في المطبوع و (ج): "للحمل نفقة".

(2)

الطلاق: 6.

(3)

حكى ابن رجب عنه في "كتاب الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 183) أنه ذكر: "إن الحامل المتوفى عنه زوجها تجب لها النفقة والسكنى، إن قلنا: إن النفقة للحمْل؛ كما لو كان الأب حيًّا".

قال ابن رجب هناك: "ولم أعلم أحدًا من الأصحاب بنى رواية وجوب النفقة والسكنى لها على هذا الأصل، ولا جعلها من فوائد الخلاف في أن النفقة: هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن نفقة الأقارب نقط بالموت؛ فكيف تجب نفقة الحمل من التركة؟! ".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ب) و (ج): "لحق".

(6)

في المطبوع: "البائن الحامل" بتقديم وتأخير.

ص: 232

نعم، يتوجه (1) أن يقال: إن قلنا: النفقة للحامل؛ وجبت نفقة (2) أم الولد والمتوفى عنها من التركة لأنهما محبوستان لحق الزوج، فإذا وجبت لهما نفقة؛ فهي من ماله، وإن قلنا: النفقة للحمل؛ فهي على الورثة كما سبق، وهذا عكس ما ذكره ابن الزاغوني ومن وافقه (3).

وفي نفقة أم الولد الحامل ثلاث روايات عن أحمد:

إحداها (4): لا نفقة لها، نقلها حرب وابن بختان.

والثانية (5): ينفق عليها من نصيب ما في بطنها، نقلها محمد بن يحيى الكحال (6).

والثالثة: إن لم تكن ولدت من سيدها قبل ذلك؛ فنفقتها من جميع المال إذا كانت حاملًا، وإن كانت ولدت قبل ذلك؛ فهي في عداد الأحرار، ينفق (7) عليها من نصيبها.

(1) في المطبوع: "إن يتوجه".

(2)

في المطبوع و (ج): "كنفقة".

(3)

في المطبوع و (ج): "وغيره".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "أحدُها".

(5)

في المطبوع و (ج): "والثاني".

(6)

هو محمد بن يحيى الكحال، أبو جعفر البغدادي المتطبب، قال الخلال:"كان عنده عن أبي عبد اللَّه "مسائل" كثيرة حسان شعبة، وكان من كبار أصحاب أبي عبد اللَّه، وكان يقدمه ويكرمه".

انظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 328)، و"المنهج الأحمد"(1/ 347)، و"المقصد الأرشد"(2/ 536).

(7)

في (ب): "فينفق".

ص: 233

نقلها عنه جعفر بن محمد، وهي مشكلة جدًّا، ومعناها عندي -واللَّه أعلم-: أنها إذا كانت حاملًا ولم تضع من سيدها قبل ذلك؛ فنفقتها من جميع المال؛ لما ذكرنا من حبسها على سيدها بالحمل، فتكون النفقة عليه حيث لم يثبت استيلادها بعد، ويجوز أن لا تصير أم ولد بالكلية وتسترق، فإذا أنفق عليها من جميع المال، فإن تبين (1) عتقها؛ فقد (2) استوفت الواجب لها، وإن رقت؛ لم يذهب على الورثة شيء، حيث (3) أنفق على رقيقهم من مالهم، وإن كانت ولدت قبل ذلك من سيدها؛ فقد ثبت لها حكم الاستيلاد في حياة السيد، وهو معنى قوله:"هي في عداد الأحرار"، وحينئذ تعتق بموت (4) السيد بلا ريب؛ فإيجاب نفقتها على ولدها أولى من إيجابها من مال سيدها، نزيده (5) إيضاحًا في المسألة الآتية [تبعها](6).

- (ومنها): وجوب نفقة الأقارب على الحمل من ماله، وقد (7) نص أحمد في رواية الكحال: أن نفقة أم الولد الحامل من نصيب ما في بطنها، ذكره القاضي في "خلافه"، واستشكله الشيخ مجد الدين؛ قال: لأن الحمل (8) إنما يرث بشرط خروجه حيًا ويتوقف نصيبه؛ فكيف يتصرف فيه

(1) في المطبوع: "بين".

(2)

في المطبوع: "وقد".

(3)

في المطبوع: "شيء من حيث".

(4)

في المطبوع: "يعتق لموت".

(5)

في المطبوع: "ويزيده".

(6)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(7)

في (ج): "فقد".

(8)

في المطبوع: "لحمل".

ص: 234

قبل تحقق الشرط (1)؟!

ويجاب عنه: بان هذا النص يشهد لثبوت ملكه بالإرث من حين موت موروثه، وإنما خروجه حيًّا يتبين به وجود ذلك، فإذا حكمنا له بالملك ظاهرًا؛ جاز التصرف فيه بالنفقة الواجبة عليه وعلى من تلزمه (2) نفقته، لا سيما والنفقة على أمه يعود نفعها إليه، كما يتصرف في مال المفقود إذا غلب على الظن هلاكه، ويقسم ماله بين ورثته، وإن جاز أن يكون حيًّا، بل هو الأصل، حتى لو قدم حيًّا وقد استهلك ماله في أيدي الورثة؛ ففي ضمانه روايتان، وكذا (3) يقال في مال الحمل، ويشهد له إذا أنفق الزوج على البائن يظنها حاملًا، ثم تبين أنها لم تكن حاملًا؛ ففي الرجوع روايتان أيضًا.

وقد يحمل إيجاب النفقة للأم (4) من نصيب الحمل على أن الأم ترجع به على نصيبه إذا وضعته حيًّا، وفيه بعد.

- (ومنها): ملكه بالميراث وهو متفق (5) عليه في الجملة، لكن هل يثبت (6) له الملك بمجرد موت موروثه ويتبين (7) ذلك بخروجه حيًّا، أو لم يثبت له الملك حتى ينفصل حيًّا؟

(1) انظر: "المحرر"(1/ 406).

(2)

في المطبوع: "يلزمه".

(3)

في (ب): "فكذا".

(4)

في المطبوع: "يحمل إيجاب الأم"، وفي (أ):"يحمل أصحاب النفقة للأم".

(5)

في المطبوع: "متفق".

(6)

في (أ): "ثبت".

(7)

في المطبوع و (أ): "تبين".

ص: 235

فيه خلاف بين الأصحاب، وهذا الخلاف مطرد في سائر أحكامه الثابتة له؛ هل هي معلقة (1) بشرط انفصاله حيًّا فلا تثبت (2) قبله، أو هي ثابتة له في حال كونه حملًا (3) لكن ثبوتها مراعا بانفصاله حيًّا؟

فإذا انفصل [حيًّا](4)؛ تبينا ثبوتها من حين وجود أسبابها، وهذا هو تحقيق [معنى] (5) قول من قال: هل الحمل له حكم (6) أم لا، والذي يقتضيه نص أحمد في الإنفاق على أمه من نصيبه: أنه يثبت له الملك بالإِرث من حين موت أبيه، وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من الأصحاب.

ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه أيضًا؛ فروى عنه جعفر بن محمد في نصراني مات وامرأته نصرانية وكانت حبلى، فأسلمت بعد موته ثم ولدت: هل يرث (7)؟ قال: لا. وقال: إنما مات أبوه وهو لا يعلم ما هو، وإنما يرث بالولادة، وحكم له بحكم الإسلام.

وقال محمد بن يحيى الكحال: قلت لأبي عبد اللَّه: مات نصراني وامرأته حامل فأسلمت بعد موته؛ قال: ما في بطنها مسلم. قلت: يرث أباه إذا كان كافرًا وهو مسلم؟ قال: لا يرثه.

(1) في (ب): "متعلقة".

(2)

في المطبوع و (ب): "يثبت".

(3)

في المطبوع: "حاملًا"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في (أ): "للحمل حكم".

(7)

في المطبوع و (أ): "ترث".

ص: 236

فصرح بالمنع من إرثه من أبيه، معللًا بان إرثه يتأخر (1) إلى ما بعد ولادته؛ لأنه قبل ذلك مشكوك في وجوده، وإذا تأخر توريثه إلى ما بعد الولادة؛ فقد سبق الحكم بإسلامه زمن الولادة؛ إما بإسلام أمه كما دل عليه كلام أحمد هنا، أو بموت أبيه على ظاهر المذهب، والحكم بالإسلام لا يتوقف على العلم به، بخلاف التوريث، وهذا يرجع إلى أن التوريث يتأخر (1) عن موت الموروث إذا انعقد سببه في حياة الموروث، وأصول أحمد تشهد لذلك في إسلام القريب الكافر قبل قسمة الميراث.

وأما على ما صرح به ابن عقيل وغيره، وهو مقتضى رواية الكحال في النفقة؛ فيرث الحمل بموت أبيه منه، وإن قلنا: يحكم بإسلامه بموت أحد أبويه؛ كما سبق تقريره في قاعدة اقتران الحكم ومانعه، وأما إن قيل: لا يحكم بإسلامه بموت أحد [هما؛ فتوريثه واضح؛ إذ اختلاف الدين متأخر عن التوريث، ويتخرج (2) كلام أحمد](3) على ما ذكرناه واضح لا خفاء [به](4)، وقد ألم به بعض الأصحاب.

وأما القاضي والأكثرون؛ فاضطربوا في تخريج كلام أحمد [في منع الميراث، (5)، وللقاضي في تخريجه ثلاثة أوجه:

الأول: أن إسلامه قبل قسمة الميراث أوجبَ (6) منعَهُ من التوريث؛

(1) في (ج): "متأخر".

(2)

فى (ب): "ويخرج"، وفي (ج):"وتخريج".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في المطبوع: "فيه".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في (ج): "أوجبت".

ص: 237

كما أن إسلام الكافر قبل قسمة ميراث المسلم يوجب توريثه اعتبارًا بالقسمة في التوريث والمنع، وهذه طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"، وهي ظاهرة الفساد؛ لأن إسلام قريب الكافر بعد موته وثبوت إرثه لا يسقط (1) توريثه [منه](2) بغير خلاف، فإن توريث المسلم قبل القسمة ثبت ترغيبًا في الإسلام وحثًّا عليه، وهذا المقصود ينعكس ها هنا.

والثاني: أن هذه الصورة من جملة صور توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أبيه منه، ونصه هذا يدل على عدم التوريث؛ فيكون رواية ثانية في المسألة، وهذه طريقة القاضي في "كتاب الروايتين"(3)، وهي ضعيفة؛ لأن أحمد صرح بالتعليل بغير ذلك، ولأن توريث الطفل من أبيه الكافر وإن حكم بإسلامه بموته غير مختلف فيه، حتى نقل ابن المنذر (4) وغيره عليه الإِجماع؛ فلا يصح حمل كلام أحمد على ما يخالف الإجماع.

والثالث (5): أن الحكم بإسلام هذا الطفل حصل بشيئين: موت (6)

(1) في (ج): "لم يسقط".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 65 - 66/ 15).

(4)

قال في كتابه "الإجماع"(72/ 321): "وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه إن كانا مسلمين؛ فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين؛ فحكمه حكم أهل الشرك يرثهم ويرثونه".

(5)

في المطبوع: "الثالث" من غير واو.

(6)

في (ب): "حصل بسببيّن: موت، و"، وفي المطبوع:"جعل بشيئين: بموت".

ص: 238

أبيه، وإسلام أمه، وهذا [الثاني](1) مانع قوي؛ [لأنه](2) متفق عليه، فلذلك منع الميراث، بخلاف الولد المنفصل إذا مات أحد أبويه؛ فإنه يحكم بإسلامه ولا يمنع إرثه؛ لأن المانع فيه ضعيف للاختلاف فيه، وهذه طريقة القاضي في "خلافه"، وهي ضعيفة أيضًا ومخالفة لتعليل أحمد؛ فإن أحمد إنما علل بسبق المانع لتوريثه لا بقوة المانع وضعفه، وإنما ورث أحمد من حكم بإسلامه بموت أحد أبويه؛ لمقارنة المانع لا لضعفه.

- (ومنها): ثبوت الملك له بالوصية، وفيه الخلاف السابق [في التوريث](3)، واختيار (4) القاضي: أن الوصيةَ له تعليقٌ على خروجه حيًّا، والوصية قابلة للتعليق، بخلاف الهبة، وابن عقيل تارة وافق شيخه وتارة خالفه، وحكم بثبوت الملك من حين موت الموصي وقبول الولي له، وصرح به أبو المعالي التنوخي وبأنه ينعقد الحول عليه من حين الحكم بالملك إذا كان مالًا زكويًّا، وكذلك في المملوك بالإرث.

وحكى وجهًا آخر: أنه لا يجري في حول الزكاة حتى توضع للتردد في كونه حيًّا مالكًا؛ فهوكالمكاتب، ولا يعرف هذا التفريع في المذهب.

- (ومنها): الإقرار المطلق للحمل؛ هل يصح أم لا؟

على وجهين، قال (5) التميمي: لا يصح، وقال [ابن](6) حامد

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع و (ج): "بالتوريث".

(4)

في المطبوع و (أ): "واختار".

(5)

في المطبوع و (ج): "وقال".

(6)

في المطبوع: "أبو"، والصواب ما أثبتناه.

ص: 239

والقاضي: يصح.

واختلف في مأخذ البطلان؛ ففيل: لأن الحمل لا يملك إلا بالإرث والوصية، فلو صح الإقرار له؛ لملك (1) بغيرهما، وهو فاسد؛ فإن الإقرار كاشف للملك ومبين له لا موجب له، وقيل: لأن ظاهر الإِطلاق [بالإِقرار](2) ينصرف إلى المعاملة ونحوها، وهي مستحيلة مع الحمل، وهو ضعيف؛ لأنه إذا صح [له الملك بوجه](3)؛ حمل الإقرار مع الإطلاق عليه، وقيل: لأن الإقرار للحمل تعليق له على شرط الولادة (4)؛ لأنه لا يملك بدون خروجه حيًّا، والإقرار لا يقبل التعليق، وهذه (5) طريقة ابن عقيل، وهي أظهر، وترجع المسألة حينئذ إلى ثبوت الملك [له](6) وانتفائه كما سبق.

- (ومنها): استحقاق الحمل من الوقف، والمنصوص عن أحمد كما سبق: أنه لا يستحق حتى يوضع، وهو قول القاضي والأكثرين، وقال ابن عقيل: يثبت له استحقاق الوقف في حال كونه حملًا حتى صحح (7) الوقف على الحمل ابتداءً، [وقياس قوله في الهبة كذلك](8)؛ إذ تمليك

(1) في المطبوع: "تملك".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

كذا في (ب)، وفي (أ):"أن الملك بوجه"، وكلمة "بوجه" في (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي (ج):"له الملك يوجه"، وفي المطبوع:"له الملك توجه".

(4)

في المطبوع: "شرط في الاولادة".

(5)

في (ب): "وهي".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

في (أ): "صح".

(8)

بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "تعلق بذلك".

ص: 240

الحمل عنده تمليك منجز لا معلق، وإنما منع القاضي صحة الهبة له؛ [لأن تمليكه معلق](1) على خروجه حيًّا، والهبة لا تقبل التعليق.

وأفتى الشيخ تقي الدين باستحقاق الحمل من الوقف [أيضًا](2)، ويمكن التفريق على المنصوص بين الوقف وغيره من الإرث والوصية والهبة: بأن (3) الوقف إنما المقصود [منه](4) منافعه وثمراته وفوائده، وهي مستحقة على التأبيد لقوم بعد قوم، والحمل ليس من أهل الانتفاع؛ فلا يستحق منه شيئًا مع وجود المنتفعين به حتى يولد ويحتاج إلى الانتفاع معهم، بخلاف الملك الذي يختص به واحد! معين لا يشاركه فيه غيره؛ فإن هذا يثبت (5) للحمل، ولا يجوز انتزاعه منه مع وجوده، ويلزم من ذلك صحة (6) الوقف على الحمل المعين دون استحقاته مع أهل الوقف.

- (ومنها): الأخذ للحمل بالشفعة إذا مات موروثه (7) بعد المطالبة [بها](8)؛ قال الأصحاب: لا يؤخذ له، ثم منهم من علل بأنه لا يتحقق وجوده، ومنهم من علل بانتفاء ملكه، ويتخرج وجه آخر بالأخذ له بالشفعة بناءً على أن له حكمًا وملكًا.

(1) في (أ): "إن تمليكه يعلق"، وفي (ب):"لأن تمليكه تعليق".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

في المطبوع: "فإن".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "فإن".

(6)

في (أ): "قسمة".

(7)

في المطبوع و (أ): "مورثه".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

ص: 241

- (ومنها): اللعان على الحمل، وفيه روايتان ذكرهما القاضي في "خلافه" وفي "كتاب الروايتين" (1):

إحداهما: لا يصح نفيه ولا الالتعان (2) عليه؛ [لأنه غير متحقق (3)]، نقلها أبو طالب، و [نقلها](4) حنبل والميموني عن أحمد، وعلل باحتمال كونه ريحًا، وهذا هو المذهب عن الأصحاب.

والثانية: يلاعن (5) بالحمل، نقلها ابن منصور عن أحمد، قال الخلال: هو قول أول (6)، وذكر النجاد: أنه [هو](7) المذهب، واختاره صاحب "المغني"(8)، [وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نفى الولد عن المتلاعنين (9)، وكان حملًا] (10).

(1) انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 195/ 138).

(2)

في (ب): "ولا إلتعان".

(3)

في المطبوع: "محقق"، وما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(5)

كذا في (ب)، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي (ج):"تلاعن".

(6)

قال القاضي في "المسائل الفقهية"(2/ 195/ 138): "ونقل ابن منصور: إذا تزوج العبدُ الحرةَ، أو الأمةَ، أو الحرة اليهودية والنصرانية، يلاعن إنما هو نفي الولد، وإذا كان قاذفًا وكانت حاملًا، أو لم تكن حاملًا يلاعنها. قال أبو بكر الخلال: روى الجماعة: حبل، وأبو طالب، وغيره: لا يلاعن بالحمل، وقول إسحاق قول أول".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(8)

انظر: "المغني"(8/ 61/ 6273).

(10)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(9)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب التفسير، باب {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، رقم 4746) عن فليح، عن الزهري، =

ص: 242

وعلى هذا الخلاف يخرج صحة استلحاق الحمل والإقرار به؛ لأن لحوق النسب أسرع ثبوتًا من نفيه، والمنصوص عن أحمد في رواية ابن القاسم: أنه لا يلزم الإقرار به، وهو متنزل (1) على قوله: إنه لا ينتفي باللعان عليه.

- (ومنها): وجوب الغرة بقتله إذا ألقته أمه ميتًا من الضرب، وهو ثابت بالسنة الصحيحة (2)، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من اعترض على ذلك معللًا بأنه لم يشارك الأحياء في صفاتهم الخاصة من الأكل والشرب والاستهلال، وأن ذلك يقتضي إهداره، ونسبه إلى أنه من إخوان الكهان؛ حيث تكلم بكلام مسجع (3) باطل في نفسه (4)، والعجب كل العجب ممن

= عن سهل بن سعد: "أن رجلًا أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! أرأيت رجلًا رأى مع امرأته رجلًا؛ أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فأنزل اللَّه فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد قضي فيك وفي امرأتك. قال: فتلاعنا -وأنا شاهد عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ففارقها، فكانت سُنَّة أن يفرَّق بين المتلاعنيْن، وكانت حاملًا، فأنكر حملها، وكان ابنها يدعى إليها، ثم جرت السنة في الميراث: أن يرثها وترث منه ما فرض اللَّه لها".

وأخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 2252 - مختصرًا)، وابن حبان في "صحيحه"(10/ رقم 4283 - الإحسان)، والطبراني في "الكبير"(رقم 5683)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 258 و 7/ 401)؛ من طريق فليح ايضًا.

وله طرق أخرى وبألفاظ متعددة، المذكور هو أقرب الألفاظ لغرض المصنِّف.

(1)

في المطبوع: "منزل".

(2)

كما سيأتي بيانه قريبًا.

(3)

في (ج): "سجع"، وفى (ب):"مشجع"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الديات، باب جنين =

ص: 243

يدعي التحقيق ويرتضي لنفسه مشاركة هذا المعترض، ويقول: القياس يقتضي إهداره!!

وليس (1) كما ظنه؛ فإن هذا الجنين إما أن يكون صادفه الضرب وفيه حياة، أو (2) يكون ذلك قبل وجود الحياة فيه، ولا يجوز أن يكون قد فارقته الحياة؛ لأنه لو مات؛ لم يستقر في البطن، وحينئذ؛ فالجاني إما أن يكون قتله (3)، أو منع انعقاد حياته؛ فضمنه (4) بالغرة لتفويت انعقاد حياته؛ كما ضمن المغرور ولده بالغرة لتفويت انعقادهم أرقاء، ولم يضمنوا كمال الدية

= المرأة، رقم 6910)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب القسامة، باب دية الجنين، رقم 1681 بعد 36)؛ عن عبد اللَّه بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أن أبا هريرة رضي اللَّه عه قال: اقتتلت امرأتان من هُذَيْل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ فقضي رسول اللَّه أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهُذْلي؛ يا رسول اللَّه! كيف أغرم من لا شَرِبَ ولا أكَلَ ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنما هذا من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع". لفظ مسلم.

وأخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 4576)، والنسائي في "المجتبي"(8/ 48)، وأحمد في "المسند"(2/ 535)، والدارمي في "السنن"(2/ 197)، وابن الجارود في "المنتقي"(رقم 776)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 114)؛ عن يونس بن يزيد، به.

(1)

في (أ): "ليس" من غير واو.

(2)

في المطبوع: "و".

(3)

في (أ): "قبله"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في (ب): "فيضمنه".

ص: 244

والقيمة.

وأيضًا (1)؛ فإن دلائل حياته وسقوطه ميتًا عقيب (2) الضربة كالقاطع (3) بأنها هي التي قتلته، ولعك ذلك الظن [مرتبة فوق](4) اللوث الموجب للقسامة، وإن ماتت أمه قبله؛ فموتها سبب قتله بالاختناق وفقد التعدي، وذلك يوجب الضمان (5)، ولا يشترط الانفصال إلا لثبوت الضمان في الظاهر، فلو ماتت الأم وجنينها؛ وجب ضمانهما، لكن اشترط أحمد في "رواية ابن منصور" الانفصال؛ [قال في امرأة قتلت وهي حامل] (6): إذا لم يلق (7) الجنين؛ فليس فيه شيء. قال القاضي والأصحاب: يكفي أن يظهر منه يد أو رجل، أو يكون [في امرأة](8) قد انشق جوفها، فشوهد الجنين وإن لم ينفصل؛ لأن العلم بحاله يحصل بذلك، و [قد] (9) قال أحمد في "رواية أبي طالب": إذا [قتلت وهي حامل، و](10) كان الجنين في بطن أمه، فقتلت الأم ومات الجنين؛ فعلى العاقلة دية الأم ودية الجنين، ولم يشترط [له](11)

(1) في المطبوع و (ج): "أيضًا" من غير واو.

(2)

في (ب): "عقب".

(3)

في (ج): "كالقطع".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فوت مرتبة"، وفي (ب):"فوق مرتبة".

(5)

في (ج): "يوجب الضمان معه".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

في المطبوع: "ياق"، وفي (ج):"تلق".

(8)

ما بين المعقوفتين من سقط من المطبوع و (ب).

(9)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(10)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(11)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

ص: 245

الانفصال، ولو ماتت امرأة، وشوهد بجوفها (1) حركة، ثم عصر جوفها، فخرج الجنين ميتًا؛ فهل يضمنه العاصم (2)؟

على احتمالين ذكرهما القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما":

أحدهما: يضمنه (3)؛ لأن الظاهر أنه مات بجناية العصر.

والثاني: لا [يضمن](4)؛ لأنه [يتحقق موته](5) بموت أمه؛ فلا تبقى حياته (6) بعدها.

وهل يختص الضمان بجنين الآدمية، أم يتعدى إلى غيرها (7) من الحيوانات؟

ذهب أكثر الأصحاب إلى الاختصاص؛ لأن ضمان الجنين الميت على خلاف القياس، قالوا: وإنما يجب ضمان ما نقص من أمه بالجناية، ونص (8) عليه أحمد في "رواية ابن منصور"، وقال أبو بكر: يجب ضمان جنين البهائم بعشر قيمة أمة كجنين الأمة، وقياسه جنين الصيد في الحرم

(1) في المطبوع و (ج): "لجوفها".

(2)

في المطبوع: "تضمنه العاصرة".

(3)

في المطبوع: "تضمنه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "منخنق"، وفي (ب):"ينخنق"، وفي (أ):"يتحقق".

(6)

في المطبوع: "تبقى جناية".

(7)

في (ب): "غيره".

(8)

في المطبوع: "نص" من غير واو.

ص: 246

والإحرام، والمشهور أنه يضمن بما نقص أمه أيضًا؛ لأن غير الأدمي لا يضمن بمقدر، وإنما يضمن بما نقص، ولو ألقت البهيمة بالجناية جنينًا حيًّا ثم مات؛ فاحتمالان، ذكرهما القاضي وابن عقيل في الرهن:

أحدهما: يضمن قيمة الولد حيًّا لا غير.

والثاني: عليه أكثر الأمرين من قيمته (1) أو ما نقصت الأم.

و [لذلك](2) ذكر صاحب "المغني" في الأمة إذا أسقطت الجنين: هل يجب ضمانه فقط، أو يجب معه ضمان نقصها أو ضمان أكثر الأمرين؟

ثلاث احتمالات (3)، والمذهب [هو](4) الأول، ولم يذكر القاضي سواه، وخرج الشيخ مجد الدين (5) أن جنين الأمة يضمن بما نقصت أمه لا غير بناءً على قولنا: إن (6) الرقيق لا يضمن بمقدر بل بما ينقص بكل حال، ولو قتل صيدًا ماخضًا؛ ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يفديه بمثله من النعم ماخض، وهو قول أبي الخطاب.

والثاني: يفديه بقيمته مثله؛ لأن اللحم الماخض يفسد؛ فقيمة المثل أزيد من قيمة لحمه، وهو قول القاضي.

والثالث: يجزئه أن يفديه بمثله غير ماخض؛ لأن هذه الصفة عيب

(1) في (ج): "لقيمته".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع:"كذلك".

(3)

انظر: "المغني"(8/ 316 - 317/ 6842).

(4)

ما بين المعقوفتين من (ب) و (ج)،

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 147).

(6)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ):"قوله؛ لأن"، وفى المطبوع:"قوله: إن".

ص: 247

في اللحم؛ فلا يعتبر في المثل كسائر العيوب، ذكره في "المغني"(1) احتمالًا.

- (ومنها): هل يوصف قتل الجنين بالعمدية أم لا؟

قال أحمد في "رواية ابن منصور" في امرأة شربت دواء، فأسقطت: إن كانت تعمدت؛ فأحب إليَّ أن تعتق (2) رقبة، وإن سقط حيًّا ثم مات؛ فالدية على عاقلتها لأبيه، ولا يكون لأمه شيء؛ لأنها القاتلة. قيل له: فإن شربت عمدًا؟ قال: هو شبه (3) العمد، شربت ولا تدري: يسقط أم لا؛ عسى لا يسقط الدبة، على العاقلة.

والظاهر أنه لم يجعله عمدًا للشك في وجوده لا للشك في الإسقاط بالدواء؛ لأنه قد يكون الإسقاط معلومًا كما أن القتل بالسم ونحوه معلوم.

ومن هذه الرواية أخذ الأصحاب رواية وجوب الكفارة بقتل العمد، ولا يصح ذلك؛ فإنه صرح بأنه ليس بعمد، وإنما هو شبه عمد.

- (ومنها): عتق الجنين؛ هل ينفذ من حينه، أو [يقف](4) على خروجه حيًّا؟

في المسألة روايتان:

إحداهما: ينفذ من حينه، وهو المذهب.

(1) انظر: "المغني"(3/ 271/ 2672).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"يعتق".

(3)

في المطبوع: "سبيه".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "هو موقوف".

ص: 248

والثانية: لا يعتق حتى تضعه [حيًّا](1)، نص عليها في رواية ابن منصور؛ قال: لا يجب العتق إلا بالولادة، هو عبد حتى يعلم أنه حي أو ميت، وكذلك الخلاف إذا أعتق تبعًا لعتق أمه أو [بملكه، وهو](2) ممن يعتق [عليه](3) برحم.

ويتفرع على هذا الأصل فروع:

الفرع الأول: لو زوج ابنه بأمته، فولدت ولدًا بعد موت الجد سيد الأمة، فإن قلنا: يعتق الحمل! فقد عتق على جده، نص على ذلك أحمد في "رواية أبي طالب" و"صالح"(4)، وإن قلنا: لا يعتق حتى يوضع (5)؛ فهو تركة موروثة عن سيده؛ فيرث منه أبوه وأعمامه بقدر حصصهم، ويعتق عليهم بالملك، نص [عليه](6) أحمد في "رواية المروذي"، وهذا لأنا (7) إن قلنا: ليس للحمل حكم؛ فالمعنى أنه لا يثبت له حكم الأولاد المستقلين، وإلا؛ فهو موجود حقيقة ومودع في أمه؛ فالملك فيه قائم.

وطرد القاضي وابن عقيل الخلاف في ثبوت ملكه أيضًا، وذكرا في

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

كذا في (ب)، وفي المطبوع و (ج):"يملكه" فقط، وكذا في (أ)، لكن بدون تنقيط الحرف الأول.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

انظر: "مسائل صالح"(3/ 213 - 215/ 1677).

(5)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"توضع"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ذلك".

(7)

في المطبوع و (ج): "لأننا".

ص: 249

الوصايا (1): أنه لو وصى بأمة لزوجها وهي حامل منه فولدت، فإن قلنا: للحمل حكم؛ فهو موصى به معها يتبعها في الوصية، وإن قلنا: لا حكم له؛ لم يدخل في الوصية، وكان ملكًا لمن ولدته في ملكه؛ لأنه حينئذ يثبت (2) له حكم بظهوره، فإن ولدته في حياة الموصي؛ فهو له، أو بعد موته (3)؛ فهو لمن حكمنا له بالملك في تلك الحال، على الخلاف فيه، وإن ولدته بعد قبوله؛ فهو له ويعتق عليه، وهذا يقتضي ها هنا [أنا] (4) إذا قلنا: لا حكم للحمل، ولا يعتق على جده، فمات الجد ووضع بعد موته: أنه إن (5) كان وضعه بعد القسمة؛ فهو ملك لمن حصلت الأمة له، وإن كان قبل القسمة؛ فهو مشترك بينهم، [لا](6) لأنه موروث [لهم](7) عن أبيهم، بل لأنه نماء ملكهم المشترك.

فظهر بهذا أن للأصحاب في معنى كون الحمل له حكم أو لا حكم له طريقين:

أحدهما: أنه هو كجزء من أجزاء أمه أو كالمعدوم، وإنما يحكم بوجوده بالوضع.

(1) في المطبوع: "الوصية".

(2)

في المطبوع و (أ): "ثبت".

(3)

في المطبوع و (ج): "أو بعد موته وقبل القبول".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في المطبوع: "إذا".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 250

والثاني: وهو المنصوص: أنه مملوك منفصل عن أمه ومودع فيها، ولكن؛ هل يثبت له حكم الولد المستقل بدون انفصاله، أو لا يثبت له ذلك حتى ينفصل؟

الفرع الثاني: إذا أعتق الأمة الحامل عتق حملها معها، ولكن هل يقف عتقه على انفصاله، أو يعتق من حين عتق أمه؟

على ما تقدم وقياس ما ذكره القاضي وابن عقيل: أنه لا يعتق بالكلية؛ إذ هو كالمعدوم قبل الوضع، وهو بعيد جدًّا؛ فإن أسوأ ما يقدر في العمل أنه ورد عليه العتق في حال منع من نفوذه مانع، فوقف على زواله؛ كعتق المريض لكل رقيقة؛ فإنه يقف على إجازة الورثة، ومن أصلنا أن العتق قبل الملك يصح تعليقه عليه على (1) ظاهر المذهب، فإن كان أصله موجودًا في ملكه؛ صح تعليقه بغيرخلاف عند المحققين، كمن قال لأمته: كل ولد تلدينه حر، وهذا المعتق (2) قد باشر بالعتق أمته وحملها متصل بها؛ فوقف نفوذ عتقه على [صلاحيته للعتق](3) بظهوره.

وقد صرح القاضي في "خلافه" بأنه لو أعتق الحمل وكان علقة؛ عتق؛ وإن لم يكن مملوكًا حينئذًا نظرًا إلى هذا المعنى، واللَّه أعلم (4).

الفرع الثالث: أعتق الأمة واستثنى حملها؛ صح وكان الولد رقيقًا،

(1) في المطبوع: "في".

(2)

في المطبوع: "العتق".

(3)

في (أ): "صلاحية العتق".

(4)

كتب هنا في هامش (ب): "ويحمل الملك وإن كان علقة، ذكره صاحب "المغني" في "الروضة"".

ص: 251

نص عليه في رواية [جماعة، وتوقف [فيه](1) في رواية] (2) ابن الحكم.

وخرج ابن أبي موسى والقاضي: أنه لا يصح استثناؤه بناءً على أنه كجزء من أجزائها، وخرجوه أيضًا من عدم صحة استثنائه في البيع، ولا يصح؛ لأن البيع تنافيه الجهالة، بخلاف العتق.

الفرع الرابع: أعتق الموسر أمة له حملها لغيره؛ فهل يعتق بالسراية أم لا؟

إن قلنا: إنه مستقل بنفسه؛ لم يسر إليه العتق، وإنما دخل مع الأم إذا كان مملوكًا لمالكها تبعًا لاتصاله بالأم واجتماعهما في ملكه، كما يتبع الطلع المؤبر للنخل في العقد إذا كان ملكًا لمالكه (3)، ولا يتبع إذا كان ملكًا لغيره، وهذا اختيار السامري وصاحبي "التلخيص" و"المحرر"(4)، وقال القاضي والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب: يعتق، ويضمنه لمالكه بناءً على أنه كجزء منها.

الفرع الخامس: لو أعتق العمل وحده نفذ (5)، وهل يعتق من حينه أو يقف على خروجه حيًّا؟

مبني على ما سبق، وأشار القاضي وابن عقيل في ديات الأجنة إلى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج):"لمالكها".

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 4).

(5)

في المطبوع: "صح ونفذ".

ص: 252

خلاف لنا في صحة عتقه [وحده](1) بناءً على أنه كالمعدوم، وهو ضعيف، [وقياس قول من قال: هو كجزء منها: أن يسري عتقه إليها، وهو ضعيف] (2) أيضًا.

وينبني على هذا الفرع لو ضرب بطن أمة حاهل، فأعتق السيد حملها بعد الجناية أوأعتقه السيد، ثم جنى عليه، ثم انفصل ميتًا أو انفصل حيًّا، ثم مات عقيب (3) الانفصال، فهذا ينبني (4) على أن العتق هل حصل قبل الانفصال، أو لم يحصل إلا بعده؟

وعلى أصل آخر، وهو إذا جرح (5) رقيقًا، ثم عتق، فسرى إلى نفسه، فمات؛ هل يضمنه بدية حر أو بقيمة عبد؟

على روايتين، فإذا علم هذا؛ فها هنا صور أربعة:

أحدها: أن يجني عليه، ثم يعتق، ثم ينفصل ميتًا؛ فينبني على أن العتق هل حصل له حال كونه حملًا أم لا؟

فإن قلنا: لم يحصل له العتق [حينئذ](6)؛ وجب ضمانه بضمان جنين مملوك (7) عشر قيمة أمه، وإن قلنا: قد عتق؛ انبنى على الخلاف في

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (ج): "عقب".

(4)

في (ب): "مبني".

(5)

في (ب): "خرج"، والصواب ما أثبتناه.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(7)

في (ب): "فضمان الجنين المملوك"، وفي المطبوع:"بضمان جنين ملوك".

ص: 253

اعتبار الضمان بحال السراية أو الجناية، فإن قلنا: الاعتبار بحال الجناية؛ فكذلك، وإن قلنا: بحال السراية؛ ففيه غرة ضمان جنين حر، [وقيل] (1): يضمنه ضمان رقيق وجهًا واحدًا، كذلك ذكر (2) القاضي وابن عقيل؛ إذ لم (3) يتحقق عتقه لجواز تلفه قبله، وحكيا [أيضًا](4) فيما لو (5) أعتق الأم بعد الجناية ثم ألقت جنينها وجهين مخرجين من الاختلاف في اعتبار حالة السراية أو الجناية، والفرق بينهما غير متوجه.

(والصورة (6) الثانية): إن يجنى عليه، ثم يعتق، ثم ينفصل حيًّا، ثم يموت؛ فقد حصل له العتق بغير خلاف؛ فينبني على الخلاف في اعتبار الضمان؛ هل هو بحالة السراية أو الجناية كما تقدم؟

وفي "مسودة شرح الهداية"(7): يضمنه بدية حر رواية واحدة، وهو سهو (8).

(الصورة الثالثة): أن يعتق أولًا، ثم يجنى عليه، ثم ينفصل حيًّا؛

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "ذكره".

(3)

في (ج): "إذا لم".

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ب).

(5)

في المطبوع: "فيما إذا لو".

(6)

في (ب): "الصورة" من غير واو.

(7)

صرّح في (1/ 235 و 261) أنه لمجد الدين ابن تيمية، ومضى التعريف به هناك.

(8)

في (ج): "وهو سهو كما تقدم".

ص: 254

فيجب ضمانه بدية حر إنْ قلنا: عتق وهو حمل، وإن قلنا: لم (1) يعتق إلا بعد الانفصال، انبنى على الخلاف في اعتبار الضمان؛ هل هو بحالة الجناية أو السراية؟

فإن قلنا: بحالة السراية؛ ضمنه بدية حر، وإلا؛ ضمنه ضمان رقيق، وظاهر كلام صاحب "المحرر" أنه يجب ضمانه بدية حر وجهًا واحدًا؛ لأن الجناية وقعت بعد العتق المباشر، ووجد الموت بعد النفوذ (2)، وفيه نظر، والأظهر أنه كمن جنى عليه بعد التعليق ثم مات بعد وجود الصفة.

(والصورة الرابعة): أن يعتق، ثم يجني عليه، ثم ينفصل ميتًا، فإن قلنا: عتق وهو حمل؛ ضمنه ضمان [جنين](3) حر، وإن قلنا: لم (4) يعتق؛ ضمنه ضمان جنين رقيق، ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور" معللًا بأنه لم يعتق بعد، وفي "الخلاف الكبير" و"المحرر" أن حربًا نقل ذلك أيضًا عن أحمد (5)، وليس كذلك، وإنما حكاه أحمد في روايته عن الزهري، وقال: ما أدري كيف وجهه؟ وقال القاضي وابن عقيل: إذا قلنا: لا يصح عتق العمل؛ فوجوده كالعدم (6) في جميع هذه الصور، وهو (7) ضعيف كما سبق.

(1) في المطبوع: "لا".

(2)

انظر: "المحرر"(2/ 147).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع: "إنه لم".

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 147)

(6)

في (ب): "بوجوده كالعدم"، وفي المطبوع:"فوجوده كعدمه".

(7)

في المطبوع: "فهو".

ص: 255

- (ومنها): ورود العقود على الحامل؛ كالبيع والهبة والوصية والإصداق؛ قال القاضي وابن عقيل: إن قلنا: للحمل حكم؛ فهو داخل في العقد، ويأخذ قسطًا من العوض، وإن قلنا: لا حكم له؛ لم يأخذ قسطًا [من العوض](1)، وكان بعد وضعه حكمه حكم النماء المنفصل، فلوردت العين بعيب أو إفلاس أو طلاق، فإن قلنا: له حكم؛ رد مع الأصل، وإلا؛ كان حكمه حكم النماء.

وقياس المنصوص عن أحمد في العمل: "أنه لا يعتق، وأنه تركة موروثة" يقتضي أن حكمه حكم الإجزاء لا حكم الولد المنفصل؛ فيجب رده مع العين، وإن قلنا: لا حكم له؛ إذ المراد بذلك أنه لا يثبت له حكم الأولاد لأنه (2) معدوم، وهذا أصح، وهو ظاهر كلام الأكثرين في مسألة الفلس، ولا فرق بين ما يعتبر له القبض من العقود؛ كالرهن والهبة (3)، وما لا يعتبر قبضه ويحصل قبضه تبعًا لأمه، ذكره القاضي في "خلافه".

ويتخرج على هذا الأصل مسألة اشتراط العمل في المبيع (4) و [السلم](5) في الحيوان الحامل وغير ذلك.

- (ومنها): جنين الدابة المذكاة؛ هل يحكم بذكاته معها قبل الانفصال أم لا؟

(1) ما بين المعقوفتين مثبت من المطبوع فقط.

(2)

في المطبوع و (أ): "لا أنه".

(3)

في (ب): "كالرهن والهبة وغيرها".

(4)

في المطبوع و (ج): "البيع".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 256

قال ابن عقيل في "فنونه": لا يحكم بذكاته إلا بعد الانفصال (1)، وظاهر كلام أحمد خلافه؛ فإنه قال: هو ركن من أركانها، وفرق بين الجنين والولد المنفصل: بأن الجنين فيه غرة، والولد فيه الدية؛ فعلم أنه ليس له حكم الأولاد، وهذا يرجح أنه جزء من الأم، وأن تذكيته تابع لتذكيتها، وأما إن قيل بأنه (2) ولد مستقل؛ ففيه نظر، وقد ينبني على ذلك أنه هل [تجب](3) إراقة دمه إذا خرج أم لا؟

وكلام أحمد في ذلك يدل على روايتين، وأكثر النصوص عنه تدل (4) على الاستحباب فقط، وفي بعضها ما يشعر بالوجوب، وهذا ينزع (5) إلى أنه ولد مستقل، لكن عفى عن موته بغير تذكية لاتصاله بأمه عند تذكيتها،

(1) ونصه في "الفنون"(1/ 164 - 165/ 167) في رده على حنفي، قال:"له حياة تخصُّه، فلِمَ يتبع غيره في الذكاة؟ قال: لكنه لا يمل بالحياة التي تخصه؛ لأنه مستمد لقوى الحياة من الأم؛ فهو كالعضو، ولذلك يستقل بالعتق، ويتبع، ويقل بالإيصاء به، ومع ذلك يتبع، ولأنه ذو حياة لا يقدر على حلقه ولبّتِهِ، والذكاة بحسب القدرة موسعة، بدليل أنه أقيم الطرف منها الذي بمكان التوجيه مقام الحلق واللبّة في غير المقدور عليه، وهذا دأب الذكاة إذا توحَّش الأهلي؛ صار في حكم الوحشي، وإذا كان الرأس محنيًا، عُقر الحيوان في غيره، فإذا كانت جملة الجنين خافية كامة، وكان مستورًا بكمية من حلقة الأصل، والشرع نسخ بإتلاف المال على أربابه؛ حتى إنه أمر باستصلاح الجلود المية بأخذ ما حول الفأرة الميتة في السمن وتخليل الخمر، كل ذلك للمال واستصلاحًا، ثمّ لما وجدناه أباح ذبح الأم مع العلم بأنه لا بقاء للجنين بعد أمه؛ علم أنه أباح الجنين" اهـ.

(2)

في (أ): "أنه".

(3)

في (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع:"يجب فيه".

(4)

في المطبوع: "يدل"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط.

(5)

في (ج): "يرجع".

ص: 257

ثم وجب سفح دمه ليحصل مقصود التذكية فيه.

- (ومنها): إذا ماتت الحامل وصلي عليها؛ هل ينوي الصلاة على حملها؟

قال ابن عقيل في "فنونه": لا، وعلل بالشك في وجوده، وهذا متوجه على القول بأنه كالمعدوم قبل الانفصال، وعلى القول بأنه كالجزء من الأم أيضًا.

وأما إن قيل بأنه ولد مستقل؛ ففيه نظر، وقد يقال: شرط ثبوت الأحكام له ظهوره، ولم يوجد؛ فإذا متوجه.

* * *

ص: 258

(القاعدة الخامسة والثمانون)

الحقوق خمسة أنواع.

(أحدها): حق ملك، كحق السيد في مال المكاتب، ومال القن إذا قلنا (1): يملك بالتمليك (2) ، [وكذلك ما يمتنع](3) إرثه لمانع؛ كالتركة المستغرقة بالدين على رواية، وكالمحرم إذا مات موروثه وفي ملكه صيد على أحد (4) الوجهين.

(والثاني): حق تملك؛ كحق الأب في مال ولده، وحق القابل (5) للعقد إذا أوجب (6) له، وحق العاقد في عقد يملك فسخه ليعيد ما خرج عنه إلى ملكه، مع أن في هذا شائبة من حق الملك وحق الشفيع في الشقص، وها هنا صور مختلف فيها؛ هل يثبت فيها الملك أو حق التملك (7)؟

(1) في (ج): "قيل".

(2)

في (ب): "بالتملك".

(3)

كذا في (ب)، وفي (أ):"وله لا يمتنع"، وفي (ج):"ما يمتنع"، وفي المطبوع:"وما يمتنع".

(4)

في المطبوع: "أظهر".

(5)

في المطبوع: "العاقد".

(6)

في المطبوع: "إذا وجب".

(7)

في المطبوع: "التمليك".

ص: 259

- (فمنها): حق المضارب في الربح بعد الظهور وقبل القسمة، وفيه روايتان:

إحداهما: أنه يملكه (1) بالظهور.

والثانية: لم يملكه، وإنما ملك أن يتملكه، وهو حق متأكد حتى لو مات ورث عنه، ولو أتلف المالكُ المالَ؛ غرم نصيبه، وكذلك الأجنبي؛ ولو أسقط المضارب حقه منه، فإن قلنا: هو ملكه؛ لم يسقط، وإن قلنا: لم يملكه بعد؛ ففي "التلخيص" احتمالان:

أحدهما: يسقط؛ كالغنيمة.

والثاني: لا [يسقط](2)؛ لأن الربح [ها](3) هنا مقصود وقد تأكد سببه، بخلاف الغنيمة؛ فإن مقصود الجهاد إعلاء كلمة اللَّه [تعالى](4) لا المال.

- (ومنها): حق الغانم في الغنيمة قبل القسمة، وفيه وجهان:

أحدهما -وهو المنصوص، وعليه جمهور (5) الأصحاب-: أنه يثبت [الملك فيها](6) بمجرد الاستيلاد، لكن؛ هل يشترط الإحراز أم لا؟

(1) في المطبوع: "يملكها"، وفي (أ) و (ب):"ملكه".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(5)

في (ج): "أكثر".

(6)

في (ج): "فيه الملك".

ص: 260

على وجهين:

أحدهما: لا يشترط، وتُملك (1) بمجرد نقضي الحرب، وهو قول القاضي (2) في "المجرد" ومن تابعه على طريقته.

والثاني: يشترط، وهو قول الخرقي (3) وابن أبي موسى؛ كسائر المباحات، ورجحه صاحب "المغني"(4).

فعلى هذا لا يستحق منها إلا من شهد الإِحراز، وأما على الأول؛ فاعتبر القاضي والأكثرون شهود [آخر](5) الوقعة، وقالوا: لا يستحق من لم يشهده.

وفصل في "الأحكام السلطانية" بين الجيش وأهل المدد، فأما الجيش؛ فيستحقون بحضور جزء من الوقعة إذا كان تخلفهم عن الباقي لعذر؛ كموت الغازي أو موت فرسه، وأما المدد، فيعتبر لاستحقاقهم شهود انجلاء الحرب (6)، ونص أحمد في "رواية يعقوب بن بختان" فيمن قتل في المعركة يعطى ورثته نصيبه.

(1) في (ب) و (ج): "ويملك".

(2)

وقال في "كتاب الروايتين"(2/ 361): "مسألة إذا ظهر أهل الحرب على المسلمين، وسبوا أموالهم، وحازوها إلى دار الحرب؛ ملكوها بالقهر والإحازة"، فاختياره اشتراط الحيازة في روايتيه، وحكاه عنه الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي" (6/ 510). وانظر:"قواعد ابن اللحام"(القاعدة السابعة).

(3)

انظره مع: "المغني"(9/ 228/ 7568).

(4)

انظر: "المغني"(9/ 228/ 7568).

(5)

في المطبوع: "احراز".

(6)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 151، 152).

ص: 261

والوجه الثاني: لا تملك (1) الغنيمة إلا باختيار الملك، وهو اختيار القاضي في "خلافه"؛ فعلى هذا إنما يثبت (2) لهم حق التملك (3)؛ كالشفيع، فمن مات منهم قبل اختيار التملك أو المطالبة؛ فلا حق له، ذكره صاحب "الترغيب"، وظاهر كلام القاضي في "خلافه" في (باب الشفاعة): أن الحق ينتقل إلى الورثة بدون القبول والمطالبة، وإن قالوا: اخترنا (4) القسمة؛ لزمت حقوقهم ولم تسقط بالإعراض، ذكره صاحب "الترغيب"، بخلاف ما إذا أسقطوا حقوقهم قبل الاختيار؛ فإنه يسقط على الوجهين؛ لضعف الملك وعدم استقراره، ويصير فيئًا، فإن أسقط البعض دون البعض؛ فالكل من [لم](5) يسقط حقه.

- (ومنها): حق من وجد ماله بعينه في المغنم قبل القسمة مما ملكه الكفار بالاستيلاء عليه؛ فإنه يثبت له [فيه](5) حق التملك (6) عند الأصحاب، وخرجه [شيخ الإِسلام ابن تيمية](7) الشيخ تقي الدين على الخلاف في حق الغانمين (8).

(1) كذا في (أ) و (ج)، وفي المطبوع:"يملك"، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

(2)

في المطبوع: "ثبت".

(3)

في (ج): "التميك".

(4)

كذا في (ب) والمطوع، وفي (أ) و (ح):"أجزنا".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في المطبوع و (ج): "التميك".

(7)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(8)

انظر: "الاختبارات الفقهية"(ص 313).

ص: 262

- (ومنها): حق الزوج في نصف الصداق إذا طلق قبل الدخول؛ هل يثبت له في الملك قهرًا أو يثبت له حق التملك فلا يملك بدونه؟

فيه وجهان، والأول هو المنصوص، وعلى الثاني؛ فيكفي (1) فيه المطالبة، واختيار التملك على ظاهر كلام أبي الخطاب؛ كرجوع الأب، وزعم صاحب "الترغيب" أن هذا مرتب على الخلاف في عفو الذي بيده عقدة النكاح؛ هل هو الزوج أو الولي؟ وليس كذلك، ولا يلزم من طلب العفو من الزوج أن يكون هو المالك، فإن العفو يصح عما (2) يثبت فيه حق التملك؛ كالشفعة، وليس في قولنا:"إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب" ما يستلزم أن الزوج لم يملك نصف المهر؛ لأنه إنما يعفو عن النصف المختص بابنته (3)، فأما النصف الآخر؛ فلا تعرض لذكره بنفي ولا إثبات، والعجب أنه حكي بعد ذلك في صحة عفو الزوج عن النصف إذا قلنا:"قد دخل في ملكه" وجهين، والصحيح المشهور أنه يصح عفوه؛ وإن (4) كان مالكًا، كما يصح عفو الزوجة مع ملكها، [ثم إن القرآن مصرح بذلك؛ فكيف يسوغ الخلاف فيه حينئذ؟!](5).

(1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"فتكفي"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني.

(2)

في (ج): "مما"، ونقله المرداوي في "الإنصاف"(8/ 262) عن المصنف؛ كما أثبتناه.

(3)

نقل المرداوي في "الإنصاف"(8/ 262 - 263) عن المصنف من قوله: "وليس كذلك؛ ولا يلزم .. . . "، إلى هنا.

(4)

في نسخة (أ) والمطبوع: "إن" من غير واو.

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في (أ) و (ج) والمطبوع؛ "بنص القرآن".

ص: 263

لكن إن كان الصداف دينًا صح الإِبراء منه بسائر ألفاظ المباراءة من الإبراء والإسقاط والهبة والعفو والصدقة والتحليل، ولا يشترط له قبول، وإن كان عينًا، وقلنا: لم يملكه، وإنما يثبت له حق (1) التملك؛ فكذلك، وكذلك يصح عفو الشفيع عن الشفعة، ذكره القاضي وابن عقيل، وإن قلنا: ملك نصف الصداق؛ صح بلفظ الهبة والتمليك (2)، وهل يصح بلفظ العفو؟

على وجهين:

أحدهما: لا يصح، قاله ابن عقيل.

والثاني: يصح، قاله القاضي، ورجحه صاحب "المغني"(3)، وهو الصحيح؛ لأن عقد الهبة ينعقد عندنا (4) بكل لفظ يفيد معناه من غير اشتراط إيجاب ولا قبول بلفظ معين، وقال القاضي وابن عقيل: يشترط ها هنا الإيجاب والقبول والقبض، وحكى صاحب "الترغيب" في اشتراط القبول وجهين، والصحيح أن القبض لا يشترط في الفسوخ؛ كالإقالة ونحوها، وصرح (5) به القاضي في "خلافه"، وكذلك يصح رجوع الأب في الهبة من غير قبض، وكذلك فسخ عقد الرهن وغيره (6).

(1) في (ج): "يثبت له فيه حق".

(2)

في المطبوع: "التملك".

(3)

انظر: "المغني"(7/ 196/ 5626).

(4)

في المطبوع: "عندنا ينعقد" بتقديم وتأخير.

(5)

في المطبوع: "صرح".

(6)

في المطبوع: "وغيرها".

ص: 264

- (ومنها): حق الملتقط في اللقطة بعد حول التعريف، وفيه وجهان:

أشهرهما: أنه يثبت له الملك بغير اختياره، واختاره القاضي وقال: إنه ظاهر كلام أحمد.

والثاني: لا يدخل حتى يختار، وهو اختيار أبي الخطاب (1)؛ فيكون حقه فيها حق تملك.

- (ومنها): الموصى له بعد موت الموصي، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه يثبت له الملك، وقيل: إنه ظاهر كلام أحمد.

والثاني: إنما يثبت له حق الملك بالقبول، وهو المشهور عند الأصحاب.

- (ومنها): من نبت (2) في أرضه كلأ أو نحوه من المباحات، أو توحل فيها صيد أو سمك ونحوه؛ فهل يملكه بذلك؟

في المسألة روايتان معروفتان، وأكثر النصوص عن أحمد تدل (3) على الملك، وعلى الرواية الأخرى إنما [يثبت له](4) حق التملك، وهو مقدم على غيره بذلك؛ إذ لا يلزمه أن يبذل من الماء والكلأ إلا الفاضل

(1) في "كتاب الهداية"(1/ 203)، قال:"ولهذا يضمنها لمالكها إذا أنفقها بعد الحول".

(2)

في (ب): "ينبت".

(3)

في المطبوع: "يدل".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (أ): "ثبت"، وفي (ج):"يثبت" فقط.

ص: 265

عن حوائجه، ولو سبق غيره وحقق سبب الملك بحيازته إليه؛ فقال القاضي والأكثرون: يملكه، وخرج ابن عقيل أنه لا يملكه؛ لأنه سبب منهي عنه؛ فلا يفيد الملك، ويشبه هذا الخلاف في الطائفة التي تغزو بدون إذن الإِمام؛ هل يملكون شيئًا من غنيمتهم أم لا، وقرر القاضي [في موضع](1)[آخر](2) من "خلافه" أن الأسباب الفعلية تفيد الملك؛ وإن كانت محظورة؛ كأخذ المسلم أموال أهل الحرب غصبًا [منهم](3)؛ وإن دخل [إليهم][بأمان](4)، بخلاف القولية.

وفي موضع آخر صرح بخلاف ذلك، وأنه لا يملك به المسلم، وهو الصحيح من المذهب.

- (ومنها): متحجر الموات، المشهور أنه لا يملكه بذلك، ونقل صالح عن أبيه ما يدل على أنه يملكه (5).

وعلى الأول؛ فهو أحق بتملكه بالإحياء، فان بادر الغير وأحياه (6)؛

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (ج)، وما بين المعقوفتين الأخرتين سقط من (أ).

(5)

في "مسائل صالح"(3/ 114/ 1457): "وقال [أي: الإِمام أحمد رحمه الله]: من حجر أرضًا ليست لأحد، فهي له" اهـ.

وانظر: "مسائل عبد اللَّه"(315/ 1171)، و"المقنع"(2/ 286)، و"المبدع"(5/ 248)، و"الإنصاف"(6/ 354)،

(6)

في المطبوع و (ج): "فأحياه".

ص: 266

ففي ملكه وجهان معروفان، هذا كله فيمن انعقد له سبب التملك وصار التملك واقفًا على اختياره، فأما إن ثبتت (1) له رغبة في التملك ووعد به ولم ينعقد السبب؛ كالمستام والخاطب إذا ركن إليهما؛ فلا يجوز مزاحمتهما أيضًا، ولكن يصح على المنصوص.

وخرج القاضي وجهًا بالبطلان من البيع على بيعه، والفرق بينهما واضح؛ لأن الحق في البيع انعقد وأخذ به، ولا كذلك هنا (2)، ولأن المفيد للملك هنا العقد والمحرم سابق عليه؛ فهو كاستيلاد الأب والشريك، يحصل به (3) الملك بالعلوق لما كان المحرم -وهو الوطء- سابقًا عليه.

النوع الثالث: حق الانتفاع، ويدخل فيه صور:

- (منها)(4): وضع الجار خشبه على جدار جاره إذا لم يضر به للنص الوارد فيه (5).

- (ومنها): إجراء الماء في أرض غيره إذا اضطر إلى ذلك في إحدى

(1) كذا في (أ)، وفي (ب):"تبينت"، وفي (ج) والمطبوع:"ثبت".

(2)

في (أ) و (ب): "لذلك هنا"، وفي المطبوع:"كذلك ها هنا".

(3)

في المطبوع و (ج): "له".

(4)

في (ب): "فمنها".

(5)

يشير المصنِّف إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدُكم جاره أن بغرز خشبةً في جداره"، أخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار، رقم 1609)، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأقضية، باب من القضاء، رقم 3473)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الأحكام، باب الرجل يضع على حائط جاره خشبًا، رقم 1353)، وابن ماجه في "السنن"(كتاب الأحكام، باب الرجل بضع خشبة على جدار جاره، رقم 2335)، وأحمد في "المسند"(2/ 240/ 463)، وغيرهم؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 267

الروايتين؛ لقضاء عمر [رضي الله عنه به](1)، قال الشيخ تقي الدين: وكذلك إذا احتاج أن يُجْرِيَ ماءه في طريق مائه، مثل أن يجري مياه سطوحه أو غيرها في قناة لجاره أو يسوق في قناة عذبة ماء ثم يقاسمه (2) جاره، ولو وضع على النهر عبارة يجري فيها الماء؛ فخرجها (3) الأصحاب على

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ته"، وفي (أ) و (ج):"به".

ويشير المصنف إلى ما أخرج مالك في "الموطأ"(746 - رواية يحيى، ورقم 2897 - رواية أبي مصعب، و 358 - رواية محمد بن الحسن) -ومن طريقه الشافعي في "المسند"(2/ 135)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 157) و"معرفة السنن والآثار"(9/ رقم 12264) -، ويحيى بن آدم في "الخراج"(رقم 353)؛ من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه -وشك فيه يحيى، فقال:"أظنه عن أبيه، ولعله رواه من حفظه"، بإسناده رجاله ثقات؛ إلا أنه مرسل، كما قال البيهقي-:"إن الضَّحَّاك بن خليفة ساق خليجًا له من العُرَيض، فأراد أن يُمرَّ في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمدّ، فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة، تشرب منه أولًا وآخرًا، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر محمد بن سلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا. فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك منفعة تشرب به أولًا وآخرًا ولا يضرك؟ فقال محمد بن مسلمة: لا واللَّه. فقال عمر رضي الله عنه: واللَّه، لِيمرنَّ به ولو على بطنك. فأمر عمر أن يمر به؛ ففعل الضحاك".

وله طريق أُخرى أشار إليها البيهقي وابن عبد البر في "الاستذكار"(22/ 229/ رقم 32544)، ثم ظفرت بها في "الخراج" ليحيى بن آدم (رقم 348، 349، 350)، وهي مرسلة أيضًا، أفاده البيهقي.

والطريقان يشدان بعضهما بعضًا؛ فهو إن شاء اللَّه تعالى بهما حسن.

(2)

في (ج): "يقاسم".

(3)

في (ب): "خرجها".

ص: 268

الروايتين (1).

ونقل أبو طالب عن أحمد في قوم اقتسموا دارًا وكانت (2) لها أربعة سطوح يجري الماء عليها، فلما اقتسموا أراد أحدهم أن يمنع من جريان الماء للآخر عليه، وقال (3): هذا قد صار لي، وليس بيننا شرط؛ فقال أحمد: يرد الماء إلى [ما كان عليه، وإن لم يشترط](4) ذلك، ولا يضر به.

وحمل طائفة من أصحابنا هذه الرواية على أنه يحصل به ضرر يمنعه من جريان الماء، وأنه يحتاج إلى أن ينقض (5) سطحه ويستحدث له مسيلا؛ فجعل له أن يجريه على رسمه الأول كذلك كما يجري ماؤه في أرض غيره [للحاجة](6)، أو يضع خشبه على جداره، كذا (7) ذكره ابن عقيل وغيره، وحمله بعضهم على أن الدار إذا انقسمت (8) كانت مرافقها كلها باقية مشتركة بين الجميع (9)؛ كالاستطراق في طريقها، ولهذا قلنا: لو حصل

(1) في (أ): "روايتين".

وانظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 17) بنحوه.

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) والمطبوع:"كانت".

(3)

في (أ): "فقال".

(4)

في المطبوع و (ب): "ما كان وإن لم يشرط"، وفي (أ):"ما كان عليه إن لم يشترط"، وفي (ج)؛ "ما كان عليه وإن لم يشرط".

(5)

في (أ): "ينقل".

(6)

في (ب): "لذلك".

(7)

في المطبوع: "وكذا".

(8)

في المطبوع و (ب): "اقتسمت".

(9)

في المطبوع: "الجمع".

ص: 269

الطريق في حصة أحد المقتسمين ولا منفد للآخر؛ لم تصح القسمة، وعلى هذا حمله صاحب "شرح الهداية".

وخرج صاحب "المغني"[من مسألة](1) أبي طالب وجهًا في مسألة الطريق بصحة القسمة وبقاء حق الاستطراق فيه للآخر (2)؛ وبينهما فرق؛ فإن الطريق لا يراد منه سوى (3) الاستطراق؛ فالاشتراك فيه يزيل معنى القسمة والاختصاص، بخلاف إجراء الماء على السطح؛ فإنه لا يمنع صاحب السطح من الانفراد بالانتفاع به بسائر وجوه الانتفاعات المختصة بالملك، [واللَّه أعلم](4).

- (ومنها): لو باع أرضًا فيها زرع يحصد مرة واحدة ولم يبد صلاحه، أو شجرًا عليه ثمر لم يبد صلاحه؛ كان ذلك مبقى في الشجر والأرض إلى وقت الحصاد والجذاذ [بغيره أجرة، ولو أراد تفريغ الأرض من الزرع لينتفع بها إلى وقت الجذاذ](5) أو يؤجرها؛ لم يكن له ذلك، كما لا يملك [الجار إعارة](6) غيره ما يستحقه من الانتفاع بملك جاره، وكذلك لو باع زرعًا [قد](7) بدا صلاحه في أرض؛ فإن عليه إبقاءه إلى وقت صلاحه للحصاد، فأما إن باع شجرة؛ فهل يدخل منبتها في البيع؟

(1) في المطبوع: "في رواية".

(2)

انظره: "المغني"(10/ 152/ 8325).

(3)

في (ج): "إلا".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "إيجار".

(7)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

ص: 270

على وجهين، ذكرهما القاضي، وحكى عن ابن شاقلا: أنه لا يدخل، وإن ظاهر (1) كلام أحمدَ الدخولُ؛ حيث قال فيمن أقر بشجرة لرجل هي له بأصلها: وعلى هذا لو انقلعت؛ فله إعادة غيرها مكانها، ولا يجوز ذلك على قول ابن شاقلا؛ كالزرع إذا حصد؛ فلا يكون [له](2) في الأرض سوى حق الانتفاع (3).

النوع الرابع: حق الاختصاص (4)، وهو عبارة عما [يستحق](5) الانتفاع به، ولا يملك أحد مزاحمته فيه، وهو [غير](6) قابل للتمول (7) والمعاوضات، ويدخل في (8) ذلك صور:

- (منها): الكلب المباح اقتناؤه؛ كالمعلم لمن يصطاد به، فإن كان [ممن](9) لا يصطاد به، أو كان الكلب جروًا يحتاج إلى التعليم؛ فوجهان.

- (ومنها): الأدهان المتنجسة (10) المنتفع بها بالإيقاد وغيره على

(1) في (أ): "الظاهر".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(5/ 57) عن المصنف من قوله السابق: "إن باع شجرة. . . " إلى هنا.

(4)

في (ج) بعد قوله: "حق الاختصاص": "قال في الفروع: ورواية مهنأ هي له بأصلها، فإن ماتت أو سقطت لم يكن له موضعها".

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "يختص مستحقه بـ".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

في (أ): "الشمول"، وفي المطبوع:"للشمول".

(8)

في المطبوع: "تحت".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(10)

في (ب): "النجسة".

ص: 271

القول بالجواز؛ فإما نجسة العين كدهن الميتة؛ [فالمذهب المنصوص](1) أنه لا يجوز الانتفاع به، ونقل ابن منصور عن أحمد ما يدل على جوازه.

- (ومنها): جلد الميتة المدبوغ إذا قيل بجواز (2) الانتفاع به في اليابسات، فأما ما لا يجوز الانتفاع به من النجاسات بحال؛ فلا يد نابتة عليه، وآية ذلك أنه لا يجب رده [على من انتزعه ممن هو في يده، بخلاف ما فيه نفع مباح؛ فإنه يجب رده](3).

نعم، لو غصب خمرًا، فتخللت في يد الغاصب؛ وجب ردها. ذكره القاضي وابن عقيل والأصحاب؛ لأن يد الأول لم تزل عنها بالغصب؛ فكأنها تخللت في يده.

واختلفت عبارات الأصحاب في زوال الملك بمجرد التخمر (4)؛ فأطلق الأكثرون الزوال؛ منهم القاضي وابن عقيل، وظاهر كلام بعضهم أن الملك لم يزل، ومنهم صاحب "المغني"(5) في (كتاب الحج)، وفي كلام القاضي ما يدل عليه.

وبكل حال؛ فلو عادت خلًّا؛ عاد الملك الأول بحقوقه (6) من ثبوت الرهينة وغيرها، حتى لو خلف خمرًا ودينًا، فتخللت الخمر؛ قضي دينه

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فالمنصوص".

(2)

في المطبوع و (ج): "يجوز".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع: "التخمير".

(5)

انظر: "المغني"(5/ 160/ 3979).

(6)

في المطبوع و (ج): "لحقوقه".

ص: 272

منه (1)، ذكره القاضي في "المجرد" في ([كتاب] (2) الرهن)، وذكر هو وابن عقيل أيضًا فيه: لو وهب الخمر وأقبضها أو أراقها، فجمعها آخر، فتخللت في يد الثاني؛ فهل هي ملك له أو للأول؟

على احتمالين، وفرقا بين ذلك وبين الغصب: بأن الأول زالت يده عنها بالإراقة والإقباض، وثبتت (3) يد الثاني، بخلاف الغصب، ورحج صاحب "المغني"(4) أن الرهن لا يبطل بتخمير العصير (5)، وهذا كله يدل على ثبوت اليد على الخمر؛ لإِمكان عودها مالًا.

- (ومنها): مرافق الأملاك؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه (6) ونحوها؛ هل هي مملوكة أو يثبت (7) فيها حق الاختصاص؟

وفي المسألة وجهان:

أحدهما: ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك، وبه جزم القاضي وابن عقيل في (باب إحياء الموات) وفي (الغصب)، ودل عليه [نصوص] (8) أحمد فيمن حفر في فنائه بئرًا: أنه متعد بحفره في غير ملك،

(1) في المطبوع: "منه دينه".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(3)

في المطبوع: "وثبت".

(4)

انظر: "المغني"(4/ 246 - 247/ 3357).

(5)

في (أ): "بتخمير العصر"، وفي (ج):"بتخمر العصير".

(6)

في (أ): "الماء".

(7)

في المطبوع: "ثبت".

(8)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المنصوص عن".

ص: 273

وطرد القاضي ذلك حتى في حريم البئر، ورتب عليه أنه لو باعه الأرض (1) بفنائها؛ لم يصح البيع لأن الفناء لا يختص به؛ إذ استطراقه عام، بخلاف ما لو باع بطريقها، وأورد ابن عقيل أحتمالًا بصحة البيع بالفناء؛ لأنه من الحقوق؛ فهو كمسيل المياه.

والوجه الثاني: الملك، وصرح به الأصحاب في الطرق، وجزم به في الكل صاحب "المغني"(2)، وأخذه من نص أحمد والخرقي على ملك حريم البئر (3).

- (ومنها): مرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها؛ كالدكاكين المباحة ونحوها؛ فالسابق إليها أحق بها، وهل ينتهي حقه بانتهاء النهار أو يمتد إلى أن ينقل قماشه عنها؟

على وجهين، وظاهر كلام أحمد في "رواية حرب" الأول بجريان (4) العادة بانتفاء (5) الزيادة عليه.

وعلى الثاني؛ فلو (6) أطال الجلوس؛ فهل يصرف أم لا؟

على وجهين؛ لأنه يفضي إلى الاختصاص بالحق المشترك.

(1) في المطبوع: "أرضًا".

(2)

انظر: "المغني"(5/ 335 - 336/ 4347).

(3)

ذكره عن المصنف المرداوي في "الإنصاف"(5/ 54) من قوله السابق: "مرافق الأملاك. . . " إلى هنا.

(4)

في المطبوع و (ج): "لجريان".

(5)

في (أ): "بانتقال".

(6)

في (ب): "لو".

ص: 274

- (ومنها): الجلوس في المساجد ونحوها لعبادة أو مباح؛ فيكون الجالس أحق بمجلسه (1) إلى أن يقوم عنه باختياره قاطعًا للجلوس، أما إن قام لحاجة عارضة ونيته العود؛ فهو أحق بمجلسه (2) ويستثنى من ذلك الصبي إذا قام [في صف فاضل أو](3) في وسط الصف؛ فإنه يجوز نقله عنه، صرح به القاضي (4)، وهو ظاهر كلام أحمد، وعليه حمل (5) فعل أبي بن كعب بقيس بن عباد (6).

(1) في (أ): "لمجلسه".

(2)

في (ج): "بالعود".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ب): "بذلك القاضي".

(5)

في (ب): "يحمل".

(6)

يشير المصنف إلى ما أخرجه النسائي في "المجتبى"(كتاب الإمامة، باب من يلي الإِمام ثم الذي يليه، 2/ 88/ رقم 808) وفي "الكبرى"(كتاب الإمامة والجماعة، رقم 30/ تحقيق علاء الدين علي رضا)، وعبد الرزاق في "المصنف"(2/ 53 - 54/ رقم 2460)، وابن خزيمة في "الصحيح"(رقم 1573)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 133)؛ عن قيس بن عباد؛ قال:"بينا أنا في المسجد بالمدينة في الصف المقدم، فجذني رجل من خلفي جبذة، فنحاني وقام مقامي، فواللَّه ما عقلتُ صلاتي، فلما انصرف إذا هو أُبيّ بن كعب، فقال: يا فتى! لا يسوؤك اللَّه، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه. ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة (ثلاثًا). ثم قال: واللَّه؛ ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا. قلت: يا أبا يعقوب! ما يعني به أهل العقد؟ قال: الأمراء". وإسناده حسن.

وقوله: "أهل العُقَد"؛ بضم العين، وفتح القاف: قال في "النهاية": "يعني: أصحاب الولايات على الأمصار من عقد الألوية للأمراء".

"آسى"؛ بمد الهمزة، آخره ألف؛ أي: واللَّه ما عليهم أحزن.

ص: 275

النوع الخامس (1): حق التعلق لاستيفاء الحق، وله صور:

- (منها): تعلق حق المرتهن بالرهن، ومعناه أن جميع أجزاء الرهن محبوس بكل جزء من الدين حتى يستوفي جميعه.

-[ومنها](2): تعلق حق الجناية بالجاني، ومعناه أن حقه انحصر في ماليته وله المطالبة بالاستيفاء منه، ويتعلق الحق بمجموع الرقبة لا بقدر الأرش [منها على](3) ظاهر كلام الأصحاب، ويباع (4) جميعه في الجناية، ويستوفي (5) منه الحق ويرد الفضل على السيد، وذكر القاضي في "المجرد" أن ظاهر كلام أحمد: إنه لا يرد عليه شيء، وهذا صريح في تعلق الحق بالجميع.

وللأصحاب في العبد المرهون إذا جنى وكان في قيمته فضل عن الأرش؛ هل يباع جميعه أو بمقدار الأرش؟

فيه (6) وجهان؛ لكن بيع جميعه يندفع به عن السيد ضر ونقص القيمة بالتشقيص.

- (ومنها): تعلق حق الغرماء بالتركة؛ هل يمنع انتقالها بالإرث؟

(1) في المطبوع: "والنوع الخامس".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (أ): "بها"، وفي (ب):"منها في"، وفي المطبوع:"على" فقط.

(4)

في (أ): "يباع".

(5)

في المطبوع: "ويوفى".

(6)

في (ب): "منه".

ص: 276

على روايتين، وهل هو كتعلق الجناية أو كالرهن (1)؟

اختلف كلام الأصحاب في ذلك، وصرح الأكثرون بأنه كتعلق (2) الرهن، ويفسر بثلاثة أشياء:

أحدها: أن تعلق الدين بالتركة وبكل (3) جزء [منها](4)؛ فلا ينقل (5) منها شيء حتى يوفي الدين كله، وصرح بذلك القاضي في "خلافه" إذا كان الوارث واحدًا؛ قال: وإن كانوا (6) جماعة؛ انقسم عليهم بالحصص، وتعلق (7) كل حصة من الدين بنظيرها من التركة وبكل جزء منها؛ فلا ينقل (5) شيء منها (8) حتى يوفي جميع تلك الحصة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدَّيْن مستغرقًا للتركة أو غير مستغرق، صرح به جماعة، منهم صاحب "الترغيب" في التفليس.

والثاني (9): أن الديْن في الذمة، ويتعلق بالتركة، وهل هو في ذمة الميت أو الورثة؟

(1) في المطبوع: "الرهن".

(2)

في المطبوع: "كمتعلق".

(3)

في (ج): "بكل" من غير واو.

(4)

في المطبوع: "من أجزائها".

(5)

في المطبوع و (ج): "ينفك".

(6)

في المطبوع و (ج): "كان".

(7)

في المطبوع و (ج): "ويتعلق".

(8)

في المطبوع و (ج): "منها شيء" بتقديم وتأخير.

(9)

في (ج) والمطبوع: "الثاني" من غير واو.

ص: 277

على وجهين سبق ذكرهما.

والثالث: أنه يمنع صحة التصرف، وفي ذلك وجهان أيضًا سبقا، وهل يتعلق (1) حقهم بالمال من حين المرض أم لا؟

تردد الأصحاب في ذلك، ونقل الميموني عن أحمد فيمن عليه دين يحيط بجميع ما ترك يجوز له أن يعتق أو يهب (2) (أعني (3): الميت)؛ قال: نعم. قلت: هذا ليس له مال. قال: أليس ثلثه له؟ قلت: ليس هذا المال له. قال: أليس هو الساعة في يده؟ قلت: بلى! ولكنه لغيره. قال: دعها؛ فإنها مسألة فيها لبس. والذي كان عنده على ما ناظرته (4) أن [ذا](5) جائز.

واستشكل القاضي هذه الرواية فيما قرأته بخطه، وجعل ظاهرها صحة الوصية بالثلث مع الدين، وحملها على أحد وجهين: إما أن يكون حكم المريض مع الغرماء كحكمه مع الورثة لتعلق حق الجميع بماله؛ فلا يكون ممنوعًا من التصرف بالشك مع واحد منهما، أو أن يقف صحة تصرفه على إجازة الغرماء.

وقال الشيخ تقي الدين: هي تدل (6) على أن الغرماء لا يتعلق حقهم بالمال إلا بعد الموت؛ لأن حقهم في الحياة في ذمته، والورثة لا يتعلق

(1) في المطبوع: "تعلق".

(2)

في (ج) والمطبوع: "ويهب".

(3)

في المطبوع و (ج): "يعني".

(4)

في (ج): "ناظر به".

(5)

في المطبوع و (ج): "هذا".

(6)

في المطبوع: "بدل"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

ص: 278

حقهم بالمال مع الدين؛ فيبقى الثلث الذي ملكه الشارع التصرف فيه لا مانع له من التصرف فيه؛ فينفذ تصرفه فيه منجزًا لا معلقًا بالموت، بخلاف الزائد على الثلث إذا لم يكن عليه دين؛ فإن حق الورثة يتعلق به في مرضه؛ إذ لا حق لهم في ذمته.

قلت: وتردد كلام القاضي وابن عقيل في "خلافيهما"(1) في المريض؛ هل لورثته منعه من إنفاق جميع ماله في الشهوات أم لا؟ ففي موضع جزما بثبوت المنع لهم لتعلق حقوقهم بماله، وأنكرا ذلك في مواضع.

- (ومنها): تعلق حق الموصى له بالمال هل يمنع (2) الانتقال إلى الورثة؟

جعل طائفة من الأصحاب حكمه حكم الدَّيْن، ومنهم أبو الخطاب في "انتصاره" وأبو الحسين في "فروعه"(3)، ويشهد لذلك قول طائفة من الأصحاب: إن الموصى به قبل القبول على ملك الورثة. وجزم القاضي في "خلافه" بعدم انتقاله إلى الورثة؛ مفرقًا بين الدين والوصية بأن حق

(1) في (أ): "خلافهما".

(2)

في المطبوع و (ج): "يتبع".

(3)

اسمه "المجموع في الفروع"، وصاحبه محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء الحنبلي، الشهير بالقاضى أبي الحسين، (ت 526 هـ)، ذكره له المصنف في "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 177)، وابن العماد في "شذرات الذهب"(4/ 79)، وغيرهما، ويقال له "الفروع"؛ كما في مقدمة "الإنصاف" (1/ 14). وانظر عنه:"المدخل المفضل"(2/ 756، 812، 974، 1040).

ص: 279

الموصى له في عين التركة، ولا يملك الورثة إبدال حقه، بخلاف الدين؛ فإن حق صاحبه في التركة والذمة، وللورثة التوفية من غيره، وأخذ ذلك مما رواه ابن منصور عن أحمد فيمن أوصى أن يخرج من ماله كذا وكذا في كذا وكذا سنة؛ قال:"لا يقسم المال حتى ينفذوا ما قال، إلا إن يضمنوا أن يخرجوا (1)؛ فلهم أن يقسموا البقية".

وكذلك في "المجرد" و"الفصول" في (باب الشركة): " [إن الموصى له إن كان](2) معينًا؛ فهو شريك في قدر ما وصى له به، وإن كان غير معين؛ كالفقراء والمساكين؛ لم يجز للورثة التصرف حتى يفردوا نصيب الموصى له، ومما يدل على عدم انتقاله إلى الورثة أن المشهور عندنا صحة الوصية بالزائد على الثلث، وأن إجازة الورثة لها تنفيذ [لا](3) ابتداء عطية (4).

- (ومنها): تعلق الزكاة بالنصاب؛ هل هو تعلق شركة أو ارتهان، أو تعلق الاستيفاء (5)؛ كالجناية؟

اضطرب كلام الأصحاب في ذلك اضطرابًا كثيرًا، ويتحصل (6) منه

(1) في المطبوع و (ج): "يخرجوه".

(2)

في (ج): "إن كان الموصى له".

(3)

في (ج): "إلا".

(4)

انظر: "المغني"(6/ 49، 50)، و"المقنع"(2/ 391) مع حاشيته، و"كشاف القناع"(4/ 430).

(5)

في (ب): "للاستيفاء".

(6)

في المطبوع و (ج): "ويحصل".

ص: 280

ثلاثة أوجه:

أحدها: إنه تعلق شركة، وصرح به القاضي في موضع من "شرح المذهب"، وظاهر كلام أبي بكر يدل عليه، وقد بيَّنْتُهُ (1) في موضع آخر.

والثاني: تعلق استيفاء، وصرح به غير واحد؛ منهم القاضي، [ثم](2) منهم من يشبهه بتعلق الجناية، ومنهم من يشبهه بتعلق الدين بالتركة.

والثالث: إنه تعلق رهن، وينكشف هذا النزاع بتحرير مسائل:

- (منها): إن الحق؛ هل يتعلق (3) بجميع النصاب أو بمقدار الزكاة منه (4)؟

غير معين، وقد نقل القاضي وابن عقيل الاتفاق على الثاني.

- (ومنها): إنه مع التعلق بالمال؛ هل يكون ثابتًا في ذمة المالك أم لا (5)؟

ظاهر (6) كلام الأكثرين أنه على القول بالتعلق بالعين لا يثبت في الذمة منه شيء؛ إلا أن يتلف المال أو يتصرف فيه المالك بعد الحول؛

(1) في المطبوع و (ج): "بينه".

(2)

في (ب): "و".

(3)

في المطبوع: "هو متعلق".

(4)

في المطبوع: "فيه".

(5)

في (ب): "أو".

(6)

في المطبوع و (ج): "وظاهر".

ص: 281

فظاهر كلام أبي الخطاب (1) وصاحب "المحرر" في "شرح الهداية": أنا إذا قلنا: الزكاة في الذمة؛ فيتعلق بالعين تعلق استيفاء محض كتعلق الديون بالتركة، وهو اختيار الشيخ [تقي الدين][شيخ الإِسلام ابن تيمية](2)، وهو حسن (3).

- (ومنها): منع التصرف، والمذهب أن لا منع (4) كما سبق.

- (ومنها) -أعني صور تعلق الحقوق بالأموال-: تعلق حق غرماء المفلس مسألة بعد الحجر، وهو تعلق استحقاق الاستيفاء منه.

- (ومنها): تعلق ديون الغرماء بمال المأذون له، وقد ذكر القاضي في "المجرد" أن هذا التعلق هل يصح شراء السيد منه كمال المكاتب مع سيده، أو لا كالمرهون بالنسبة إلى الراهن؟

على احتمالين، وهذا لا يتوجه على ظاهر المذهب، وهو تعلق ديونه بذمة السيد، وإنما يتوجه على قولنا: يتعلق برقبة العبد، وقد صرح في "الخلاف الكبير" ببناء المسألة على هذا.

- (ومنها): تعلق حقوق الفقراء بالهدي والأضاحي المعينة، ويقدمون بما يجب صرفه إليهم منها على الغرماء في حياة الموجب وبعد وفاته.

(1) في "كتاب الهداية"(1/ 64).

(2)

ما بين المعقوفتين الأولتين سقط من (أ)، وما بين المعقوفتين الأخرتين من المطبوع فقط.

(3)

انظر: "الفنون"(2/ 537 - 538/ 468) لابن عقيل.

(4)

في (أ) و (ج): "لا يمنع".

ص: 282

(القاعدة السادسة والثمانون)

الملك أربعة أنواع: ملك عين ومنفعة، وملك عين بلا منفعة، وملك منفعة بلا عين، وملك انتفاع من غير ملك المنفعة.

أما النوع الأول؛ فهو عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها؛ من بيع وهبة وإرث وغير ذلك، واعلم أن ابن عقيل ذكر في "الواضح في أصول الفقه"(1) إجماع الفقهاء على أن العباد لا يملكون الأعيان، وإنما يملك (2) الأعيانَ خالقُها سبحانه وتعالى، وأن العباد لا يملكون سوى الانتفاع بها على الوجه المأذون فيه شرعًا (3)، فمن كان مالكًا لعموم الانتفاع؛ فهو المالك المطلق، ومن كان مالكًا لنوع منه؛ فملكه مقيد ومختص (4) باسم خاص يمتاز به! كالمستأجر والمستعير وغير ذلك، وكذلك (5) ذكر ابن الزَّاغُوني في كتاب "غرر البيان"(6)، ورجحه

(1) ذكره له ابن رجب في "ذيل طقات الحنابلة"(1/ 156) وغيره. ثم رأيت المجلد الأول منه قد طبع بتحقيق جورج المقدسي، ونحوه ما ذكره المصنف عنه في (1/ 114).

(2)

في المطبوع: "مالك".

(3)

انظر في هذا: "الموافقات"(3/ 436 - بتحقيقي)، و"المعلم بفوائد مسلم"(2/ 210 - 211) للمازري.

(4)

في المطبوع و (أ) و (ج): "ويختص".

(5)

في المطبوع و (ج): "وكذا".

(6)

نعته المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 181) بقوله: "مجلدات عدة"، =

ص: 283

الشيخ تقي الدين [رحمه الله](1)[تعالى](2)؛ فعلى هذا جميع الأملاك إنما هي ملك انتفاع (3)، ولكن التقسيم ها هنا وارد على المشهور (4).

النوع الثاني: ملك العين بدون منفعة، وقد أثبته الأصحاب في الوصية بالمنافع لواحد وبالرقبة لآخر، أو تركها للورثة، وقد قال أحمد في

= وزاد على اسمه المذكور: "في أصول الفقه". وانظر: "المدخل المفصَّل"(2/ 943، 974)، وصاحبه هو علي بن عبيد اللَّه بن نصر بن السّري، أبو الحسن، وتوفي سنة (526 هـ). انظر ترجمته في:"السير"(19/ 605 - 607) والتعليق عليه.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب) والمطبوع.

(3)

في المطبوع و (ج): "الانتفاع".

(4)

قوله: "المشهور"؛ أي: عند الفقهاء أن هذا يملك العين والمنفعة، أما عند ابن عقيل؛ فإنه لا يمكى أن يملك الأعيان؛ لأن مالكها هو اللَّه سبحانه وتعالى، ولهذا لا يملك الإنسان التصرف فيها كما يشاء، فلو أراد الإنسان أن يحرق ثوبه؛ فإنه لا يملك ذلك، ولو كان مالكًا لعينه؛ لكان له ذلك؛ فحقيقة الأمر أن مالك الأعيان هو اللَّه، لكن إذا ملك الإنسان عموم الانتفاع بحيث لا يعارضه أحد من المخلوقين، فهو المالك المطلق الذي يسمى عند الفقهاء مالك العين والمنفعة، وإن لم يملك إلا شيئًا معينًا، فهو غير مالك، ويكون بحسب ما تفيد به من مستأجر أو مستعير أو غير ذلك، والخلاف هنا خلاف لفظي؛ لأننا ما دمنا متفقين على أنه هذا الذي يملك العين لا يمكن أن يتصرف فيها على وجه لم يأذن به اللَّه تعالى، ولكن الخلاف هل الملك لي، أم ملك للَّه سبحانه وتعالى وأنا أتصرف فيها حسب أمر اللَّه عز وجل؟

وعلى القول الثاني لا يمكن أن يرد علينا تقسيم ملك العين والمنفعة، بل هناك انتفاع مطلق وانتفاع مقيد. (ع).

ص: 284

رواية مهنا فيمن أوصى بخدمة عبد (1) أو ظهر دابة [تركب](2) أو بدار تسكن؛ فقال: الدار لا بأس بها، وأكره العبد والدابة؛ لأنهما يموتان. قال أبو بكر: الذي أقول به إن الوصية تصح في جميع ذلك؛ لأن الدار تخرب أيضًا.

وحمل القاضي كلام أحمد على الكراهة دون إبطال الوصية.

قال الشيخ تقي الدين [رحمه الله](3): لم يُرِدْ أحمد أن الوصيةَ لا تجوزُ إلا بما يدوم نفعُهُ؛ فإن هذا لا يقوله أدنى منْ له نظر في الفقه فضلًا عن أن يكون [مثل](4) هذا الإِمام، وإنما أراد أن العبد والدابة إذا وصَّى (5) بمنافعهما على التأبيد، فلم يترك للورثة ما ينتفعون به، فلا يجوز أن يحسب ذلك عليهم من الميراث؛ فإنه لا فائدة في الرقبة المجردة عن المنافع، بل هو ضرر محض (6)، وقد شرط اللَّه [سبحانه وتعالى](7) لجواز الوصية عدم المضارة، لكن إن قصد الموصي ايصال جميع المنافع إلى الموصى له؛ فهذه وصية بالرقبة؛ فلا يحسب (8) على الورثة منها شيء، ولا يصح الإيصاء معها بالرقبة، وإن قصد مع ذلك ابقاء الرقبة للورثة أو الإيصاء بها لآخر؛ بطلت الوصية لامتناع أن تكون المنافع كلها لشخص والرقبة لآخر، ولا

(1) في المطبوع: "عبده".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

ما بين المعقوفتين أثبته من المطبوع فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ب) و (ج) والمطبوع: "أوصى".

(6)

في المطبوع بعد قوله: "ضرر محض": "بجواز الوصية".

(7)

في (أ) و (ب): "سبحانه"، وفي المطبوع:"تعالى".

(8)

في المطبوع و (ج): "يحتسب".

ص: 285

سبيل إلى ترجيح أحد الأمرين؛ فيبطلان، أما إن وصى في وقت بالرقبة لشخص، وفي آخر بالمنافع لغيره؛ فهو كما لو وصى بعين لاثنين في وقتين، واستدل على أن تمليك (1) جميع المنافع تمليك للعين (2) بالرُّقْبى والعُمْرَى؛ فإنها تمليك للرقبة؛ حيث كانت تمليكًا للمنافع في الحياة، وهذا المعنى منتف في الوصية بسكنى الدار؛ لأن هذا تمليك منفعة خاصة ينتهي بموت الموصى له وبخراب الدار؛ فيعود الملك إلى الورثة كما يعود الملك في السكنى في الحياة (3).

النوع الثالث: ملك المنفعة بدون عين، وهو ثابت بالاتفاق، وهو ضربان:

أحدهما: ملك مؤبد، ويندرج تحته صور:

- (منها): الوصية بالمنافع كما سبق، ويشمل جميع أنواعها إلا منفعة البُضْعِ، فإن في دخولها [في الوصية](4) وجهين (5).

(1) في (ب): "تملك".

(2)

في (أ): "تملك العين".

(3)

في هامش (ب) قال: "أي: ملك المنافع".

(4)

في المطبوع و (ج): "بالوصية".

(5)

فلو أوصى لشخص بمنفعة هذه الأمة؛ فهو يملك منافعها من الخدمة وغيرها، ولكن هل يملك البضع -أي: هل يملك أن يجامعها-؟

فيه وجهان، والراجح أنه لا يملك ذلك، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6] وهذا الرجل لا يملك هذه الأمة؛ فلا يحل له أن يستمتع بها. (ع).

ص: 286

- (ومنها): الوقف؛ فإن منافعه وثمراته مملوكة للموقوف عليه، وفي ملكه لرقبته وجهان معروفان لهما فوائد متعددة (1).

- (ومنها): الأرض الخراجية المُقَرَّة يزيد من هي في يده بالخراج يملك (2) منافعها على التأبيد (3)، والضرب الثاني ملك غير مؤبد؛ (فمنه): الإِجارة ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة، (ومنه): ما هو غير موقت، لكنه غير لازم؛ كالعارية على وجه وإقطاع الاستغلال (4).

(1) الموقوف عليه يملك المنافع، فإذا وقفت البيت؛ فالموقوف عليه يملك السكنى أو الإجارة ونحو ذلك، وإذا وقفت البستان، فالموقوف عليه يملك الثمرة، ولكن هل يملك الرقبة؟

فيه خلاف، والمذهب على أنه يملك الرقبة، إلا إذا كان الوقف عامًّا كالوقف على المساكين أو على ما لا يُملَّك؛ كالوقف على المسجد، وأما إذا كان على قوم معينين؛ فإنهم يملكون الرقبة والمنفعة. (ع).

(2)

في (ب): "تملك".

(3)

الأرض الخراجية: هي الأرض التي غنمها المسلمون، ويُضرب عليها خراج مستمر، بحيث يُقال: على كل كذا وكذا دونم كذا وكذا درهم أو دينار حسب ما يراه الإِمام، وتكون بمنزلة الأجرة لهذه الأرض، لكنها مُؤيَّدة، أي أن صاحب الأرض الذي أخذها وهي خراجية تبقى بيده أبدًا، ولا تحتاج إلى ضرب مدة، وإذا انتقلت إلى غيره، انتقلت الإجارة إلى الثاني، وتعلقت بذمة الثاني وبرئ الأول منها. (ع).

(4)

قوله: "العارية على وجه"، والوجه الثاني: أنه لا يملك المنفعة، وإنما يملك الانتفاع، وفرق بين الذي يملك الانتفاع والذي يملك المنفعة؛ فالذي يملك الانتفاع ليس له حق إلا أن ينتفع هو بنفسه؛ فلا يصير لغيره ولا يؤجر غيره، ومالك النفع له أن يعطيه لغيره بعارية أو غيرها، والمذهب أن العارية يملك المستعير منها الانتفاع دون النفع، وكذلك إقطاع الاستغلال، وهو أن الإِمام يُقطع هذا الرجل قطعة من الأرض يختص بها، مثل أن يقول: لك هذا المكان تبيع فيه السلع؛ فهذا الرجل يملك الانتفاع ولا يملك المنفعة، وعلى =

ص: 287

النوع الرابع: ملك الانتفاع المجرد، وله صور متعددة:

- (منها): ملك المستعير فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة؛ إلا على "رواية ابن منصور" عن أحمد: أن العارية المؤقتة تلزم (1)، كذا قال الأصحاب، ويمكن أن يقال: لزوم العارية المؤقتة إنما يدل على وجوب الوفاء ببدل الانتفاع لا على تمليك (2) المنفعة (3).

- (ومنها): المنتفع بملك جاره من وضع خشب وممر في دار ونحوه وإن كان بعقد صلح؛ فهو إجارة.

- (ومنها): إقطاع الأرفاق؛ كمقاعد الأسواق ونحوها.

- (ومنها): الطعام في دار الحرب قبل حيازته يملك الغانمون الانتفاع به بقدر الحاجة، وقياسه الأكل من الأضحية والثمر المعلق ونحوه.

- (ومنها): أكل الضيف لطعام المضيف؛ فإنه إباحة محضة لا

= قول آخر: يملك المنفعة، وعليه؛ فيجوز أن يؤجره غيره، وعلى القول الأول لا يجوز. (ع).

قلت: وانظر في التفرقة بين ملك المنفعة وملك الانتفاع: "الفروق"(1/ 187) للقرافي، و"فتح العلي المالك"(2/ 252)، وكتابي "موقف الشريعة الإِسلامية من الفروغية"(ص 115 - 117).

(1)

انظر: "مسائل ابن منصور"(330/ 203).

(2)

في (ب): "تملك".

(3)

وهذا هو الأقرب؛ أي: كون العاريّة مؤقتة لازمة لا يدل على أنه يملك المنفعة؛ إذ قد يقال: إن اللازم هو تمليكه الانتفاع، مثاله: أعرف هذا الرجل هذه الفرش لمدة سبعة أيام؛ لأنه يأتيه ضيوف فيحتاج إليها، فهل نقول: إنه مالك للمنفعة؟ الجواب: لا، والصحيح أنه مالك للانتفاع، لكنه يلزمه أن يفي بوعده وإن تبقى هذه الفرش عند هذا الرجل سبعة أيام. (ع).

ص: 288

يحصل به الملك بحال على المشهور عندنا، وعن أحمد رواية بإجزاء الإطعام في الكفارات، وينزل (1) على أحد القولين: إما أن الضيف يملك ما قدم إليه؛ وإن كان ملكًا خاصًّا بالنسبة إلى الأكل، وإما أن الكفارة لا يشترط فيها تمليك (2).

- (ومنها): عقد النكاح، وترددت عبارات الأصحاب في مورده؛ هل هو الملك أو الاستباحة؟ فمن قائل: هو الملك، ثم ترددوا: هل هو ملك منفعة البضع أو ملك الانتفاع بها (3)؟ وقيل: بل هو الحل لا الملك، ولهذا يقع الاستمتاع من جهة الزوجة مع أنه لا ملك لها، وقيل: بل المعقود عليه ازدواج كالمشاركة، ولهذا فرق اللَّه سبحانه [وتعالى](4) بين الازدواج وملك اليمين، وإليه ميل الشيخ تقي الدين؛ فيكون من باب المشاركات دون المعاوضات (5).

(1) في (ج): "يتنزل".

(2)

هذا الثاني هو الأقرب: إن الكفارة إطعام وليس بتمليك، وعلى هذا؛ فيجوز على القول الصحيح إذا كان على الإنسان كفارة يمين أن يصنع طعامًا ويدعو إليه عشرة، فإذا طعموا؛ فقد برئت ذمته، ولا يحتاج إلى تمليكهم، وأكل الضيف للطعام؛ هل هو من جنس الانتفاع أو من تمليك المنفعة؟

هو من الانتفاع، ولهذا لو كان الضيف لا يريد الأكل؛ فقال: أعطني طعام الضيافة لأبيعها؛ فيقال له: أنت لا تملك المنفعة، بل الانتفاع. (ع).

(3)

هنا في نسخة (أ) بياض بقدر كلمة واحدة.

(4)

ما بين المعقوفتين من (ج).

(5)

وما مال إليه الشيخ ابن تيمية هو الصحيح: إنه من باب المشاركات. (ع).

ص: 289

(القاعدة السابعة والثمانون)

فيما يقبل النقل والمعاوضة من الحقوق المالية والأملاك.

أما الأملاك التامة؛ فقابلة للنقل بالعوض وغيره في الجملة.

وأما ملك المنافع؛ فإن كان بعقد لازم ملك فيه؛ نقل الملك بمثل العقد الذي ملك به أو دونه [دون](1) ما هو أعلا منه، ويملك المعاوضة عليه أيضًا، صرح بذلك (2) القاضي في "خلافه".

ويندرج تحت هذا صور:

- (منها): إجارة المستأجر جائزة على المذهب الصحيح بمثل الأجرة وأكثر وأقل.

- (ومنها): إجارة الوقف.

- (ومنها): إجارة المنافع الموصى بها، وصرح بها القاضي في "خلافه".

- (ومنها): إجارة المنافع المستثناة في عقد البيع.

- (ومنها): [إجارة](3) أرض العنوة الخراجية، والمذهب الصحيح

(1) في (أ): "فوق".

(2)

في المطبوع: "به".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 290

صحتها، وهو نص أحمد، ولكن استحب المزارعة فيها على الاستئجار، وحكى القاضي وابن عقيل رواية أخرى بالمنع، كرباع مكة، وقد أشار أحمد في "رواية حنبل" إلى كراهة منعها، وسنذكره في موضعه [إن شاء اللَّه](1).

- (ومنها): إعارة العارية المؤقتة إذا قيل بلزومها وملك المنفعة فيها؛ فإنه يجوز ولا تجوز الإِجارة؛ لأنها أعلا، صرح به القاضي في "خلافه".

وأما إجارة إقطاع الاستغلال التي موردها منفعة الأرض دون رقبتها؛ فلا نقل فيها نعلمه، وكلام القاضي [قد](2) يشعر بالمنع؛ لأنه جعل مناط صحة الإجارة للمنافع لزوم العقد، وهذا منتف في الأقطاع، و [قد] (3) قال الشيخ تقي الدين [رحمه الله] (4): يجوز، وجعل الخلاف فيه مبتدعًا، وقرره بأن الإِمام جعله للجند عوضًا عن أعمالهم؛ فهو كالمملوك بعوض، ولأن إذنه في الإيجار عرفي؛ فجاز كما لو صرح به، ولو تهايأ الشريكان على الأرض، وقلنا: لا يلزم؛ فهل لأحدهما إجارة حصته؟

الأظهر جوازه؛ لأن المهايأة (5) إذا فسخت؛ عاد الملك مشاعًا؛ فيخرج على الخلاف في إجارة المشاع.

(1) ما بين المعقوفتين من (ج).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

وانظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 152).

(5)

في المطبوع: "المهايات".

ص: 291

[وأما ملك الانتفاع وحقوق الاختصاص سوى البضع وحقوق التملك؛ فهل يصح نقل الحق فيها أم لا؟

إن كانت لازمة؛ جاز النقل لمن يقوم مقامه فيها بغير عوض، وفي جوازه بعوض خلاف] (1)، وتستثنى من ذلك الحقوق الثابتة دفعًا لضرر الأملاك؛ فلا يصح النقل فيها بحال، وتصح المعاوضة على إثباتها [وإسقاطها](2)، ويندرج في ذلك (3) مسائل:

- (منها): ما ثبتت (4) عليه يد الاختصاص؛ كالكلب والزيت النجس المنتفع به؛ فإنه تنتقل (5) اليد فيه بالإرث، والوصية والإعارة (6) في الكلب وفي الهبة وجهان، اختار القاضي عدم الصحة، وخالفه صاحب "المغني"(7)، وليس بينهما خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان بغير عوض جائز؛ كالوصية، وقد صرح [به](8) القاضي في "خلافه".

وأما إجارة الكلب؛ فالمذهب أنها لا تصح؛ لأنها معاوضة ولا مالية

(1) ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله: "وتصح المعاوضة على إثباتها واستيفائها".

(2)

في المطبوع: "واستيفائها".

(3)

في المطبوع: "ذلك في" بتقديم وتأخير.

(4)

في (أ): "ما ثبت".

(5)

في (ب): "تنقل".

(6)

في (ج): "والعارية".

(7)

انظره في: "المغني"(6/ 152 - 153/ 4795).

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 292

فيه، وحكى أبو الفتح الحلواني فيها وجهين، وكذلك (1) خرج أبو الخطاب وجهًا بالجواز (2)؛ فيكون معاوضة عن نقل اليد ويرده النهي عن بيعه، وقد كان يمكن جعله معاوضة عن نقل اليد.

- (ومنها): المستعير لا يملك نقل حقه من الانتفاع إلا أن يقول بلزوم العارية كما سبق.

- (ومنها): مرافق الأملاك من الأفنية والأزقة المشتركة تصح (3) إباحتها، والإذن في الانتفاع بها كالإذن في فتح باب ونحوه؛ قال في "التلخيص": ويكون إعارة على الأشبه، وتجوز المعاوضة عن فتح الأبواب ونحوها، ذكره في "المغني"(4) و"التلخيص"، وهو شبيه بالمصالحة بعوض على إجراء الماء في أرضه أو فتح الباب في حائطه أو وضع الخشب (5) على جداره ونحوه، وهذا يتوجه (6) على القول بملك هذه المرافق، أما على القول بعدم الملك؛ فهو شبيه بنقل اليد بعوض كما سبق، وكذلك ذكر الأصحاب جواز المصالحة عن الروشن الخارج في الدرب المشترك.

وأما الشجرة (7)؛ ففيها خلاف معروف لكونها لا تدوم [على](8) حالة

(1) في المطبوع و (ج): "وكذا".

(2)

في "كتاب الهداية"(1/ 183).

(3)

في (أ) و (ب): "يصح".

(4)

انظر: "المغني"(4/ 322 - 323/ 3521).

(5)

في المطبوع و (ج): "خب".

(6)

في المطبوع: "متوجه".

(7)

في المطبوع: "وأما على الشجرة"، وفي (ج):"وأما الشجر".

(8)

في (ج): "افي".

ص: 293

واحدة.

وأما الانتفاع بأفنية الأملاك والمساجد بغير إذن من الملاك (1) والإمام؛ فإن كان فيه ضرر؛ لم يجز، وإلا؛ ففي جوازه روايتان، ذكره القاضي في "الأحكام السلطانية"(2). وتجوز المصالحة بعوض على إسقاط حقه من وضع الخشب على جداره ونحوه، ذكره في "المجرد".

- (ومنها): متحجر الموات ومن أقطعه الإِمام مواتًا ليحييه [لا](3) يملكه بمجرد ذلك على المذهب، لكن يثبت له فيه حق التملك؛ فيجوز [له](4) نقل الحق إلى غيره بهبة وإعارة، وينتقل إلى ورثته من بعده، وهل له المعاوضة عنه؟

على وجهين أصلهما المعاوضة عن (5) الحقوق؛ فإن هذا حق تملك كما سبق وفارق الشفعة، فإن النقل فيها ممتنع لأنها من حقوق الأملاك؛ فهي [مما](6) استُثْنِيَ من القاعدة.

قال أحمد في "رواية ابن منصور": الشفعة لا تباع ولا توهب (7).

(1) في (ج): "المالك".

(2)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 225 - 226) للقاضي أبي يعلى الفراء.

(3)

في (ب): "فلا".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(5)

في (أ): "عنه عن".

(6)

في (ج): "ما".

(7)

ونصها هناك (497/ 472): "قلت [أي: ابن منصور]: قال [أي: سفيان]: الشفعة لا تباع ولا توهب ولا تورث؟ قال أحمد: نعم. قال إسحاق: كما قال".

ص: 294

وحمل القاضي قوله: (لا تباع) على أن المشتري ليس له أن يصالح الشفيع عنها بعوض؛ قال: لأنه خيار لا يسقط إلى مال؛ فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط والمجلس، بخلاف خيار القصاص والعيب؛ لأنه يسقط إلى الدية والأرش، والأظهر حمل قول أحمد:"لا تباع ولا توهب" على أن الشفيع ليس له نقلها إلى غيره بعوض ولا غيره، فأما مصالحته للمشتري؛ فهو كالمصالحة عن (1) ترك وضع الخشب على جداره (2) ونحوه.

وذكر القاضي في (باب الشفعة) أيضًا أن خيار العيب تجوز المصالحة عنه بعوض، وعلل بأن العيب يمنع لزوم العقد، ومع عدم اللزوم تجوز الزيادة في الثمن والنقص منه؛ فجعل الصلح ها هنا إسقاطًا من الثمن كالأرش، وعلى قياسه (3): خيارُ الشرط والمجلس؛ لأن التصرف في الثمن بالنقص والزيادة فيه ممكن.

- (ومنها): الكلأ والماء في الأرض المملوكة إذا قلنا: لا يملكان بدون الحيازة، فللمالك الإذن في الأخذ، وليس له المعاوضة عند أكثر الأصحاب.

ووقع في "المقنع"(4) و"المحرر"(5) ما يقتضي حكاية روايتين في

(1) في المطبوع و (ج): "على".

(2)

في المطبوع و (ج): "جدار".

(3)

في المطبوع و (ج): "قياس".

(4)

انظر: "المقنع"(5/ 327 - مع شرحه "المبدع").

(5)

انظر: "المحرر"(1/ 355).

ص: 295

جواز المعاوضة، وإن قلنا بعدم الملك -ولعله من باب المعاوضة عما يستحق تملكه-؛ فيلتحق بالقاعدة.

- (ومنها): مقاعد الأسواق ومجالس المساجد ونحوها يصح نقل الحق فيهما بغير عوض؛ لأن الحق فيهما لازم بالسبق، ولو آثر بها [رجلًا](1)[فسبق غيره](2) فجلس؛ فهل يكون أحق من المؤثر أو لا؟

على وجهين:

أحدهما: نعم؛ لأن حق القائم زال بانفصاله؛ فصار الحق ثابتًا بالسبق.

والثاني: لا؛ لأنه لو قام لحاجة ونحوها؛ لم يسقط حقه؛ فكذا إذا آثر غيره؛ لأنه أقامه مقام نفسه، وبنى بعضهم هذا الخلاف على القول بعدم كراهية (3) الإيثار بالقرب، فأما إن قلنا بكراهته (4)؛ فالسابق أحق به وجهًا واحدًا، وفرق بعضهم بين مجالس المساجد ونحوها ومقاعد الأسواق؛ فأجاز النقل في المقاعد خاصة لأنها منافع دنيوية؛ فهي كالحقوق المالية.

- (ومنها): الطعام المباح في دار الحرب يجوز نقل اليد فيه إلى من هو من أهل الاستحقاق من المغنم أيضًا لاشتراك الكل في استحقاق الانتفاع، ولا يكون ذلك تمليكًا لانتفاء ملكه بالأخذ حتى لو احتاج إلى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(2)

في المطبوع: "غيره؛ فسبق ثالث".

(3)

في المطبوع: "كراهة".

(4)

في المطبوع: "بكراهيته".

ص: 296

صاع من بُرٍّ جيِّد وعنده صاعان رديئان؛ فله أن يبدلهما بصاع؛ إذ هو مأخوذ على الإباحة دون التمليك، صرح به القاضي وابن عقيل (1).

- (ومنها): المباح أكله من مال الزكاة والأضاحي يجوز إطعامه الضيفان (2) ونحوهم؛ لاستقرار الحق فيه، بخلاف طعام الضيافة، ولا تجوز (3) المعاوضة عن شيء من ذلك.

- (ومنها): منافع الأرض الخراجية؛ فيجوز نقلها بغير عوض إلى من يقوم مقامه فيها، وينتقل إلى الوارث؛ فيقوم (4) مقام موروثه (5) فيها، وكذلك يجوز جعلها مهرًا، نص عليه في "رواية عبد اللَّه"(6)، ونص في "رواية ابن هانئ" وغيره على جواز دفعها إلى الزوجة عوضًا عما يستحقه عليه من المهر (7)، وهذا معاوضة عن منافعها المملوكة.

(1) انظر الأدلة الواردة على هذه المسألة في: "مصنف ابن أبي شيبة"(12/ 438)، و"مصنف عبد الرزاق"(رقم 9297، 9309)، و"سنن سعيد بن منصور"(2/ 320 - ط الأعظمي)، و"السنن الكبرى"(9/ 60) للبيهقي، و"الخراج"(214) لأبي يوسف. ونحو ما عند المصنف محمد الزركشي في "شرحه متن الخرقي"(6/ 715).

(2)

في المطبوع و (أ) و (ج): "للضيفان".

(3)

في المطبوع: "ولا يجوز".

(4)

في المطبوع: "ويقوم".

(5)

في المطبوع و (ج): "مورثه".

(6)

في "مسائل عبد اللَّه"(377/ 1378): "قال: سألت أبي عن رجل تزوج امرأة على أرض من أرض السواد، ثم طلقها؛ فقال: إن كان دخل بها؛ دفع إليها الأرض، وإن لم يكن دخل بها؛ فلها نصف الأرض".

(7)

في "مسائل ابن هانئ"(2/ 10/ 1210): "وسئل [الإمام أحمد] عن الرجل: تكون له ضيعة بالسواد، وعليه دين، فيبيع فيها ويقضي دينه؟ قال: لا يبيع ضيعة =

ص: 297

فأما البيع؛ فكرهه أحمد ونهى عنه، واختلف قوله في بيع العمارة التي فيها؛ لئلا يتخذ طريقًا إلى بيع رقبة الأرض التي لا تملك، بل هي إما وقف وإما [فيء](1) للمسلمين جميعًا، ونص في "رواية المروذي" على أنه يبيع آلات عمارته بما تساوي (2)، وكره أن يبيع بأكثر من ذلك لهذا المعنى، وكذلك نقل عنه ابن هانئ: أنه قال: يقوَّم دكانه وما (3) فيه من غلق وكل شيء يحدثه فيه؛ فيعطى ذلك، ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان (4)، ورخص في رواية عنه في شرائها دون بيعها؛ لأن شراءها استنقاذ لها بعوض ممن يتعدى بالتصرف (5) فيها، وهو جائز، ورخص في رواية المروذي أيضًا في بيع ما يحتاج إليه للنفقة منها، وإن (6) كان فيه فضل عن النفقة تصدق به، وكل هذا بناء على أن رقبة هذه الأرض وقفها عمر [رضي الله عنه](7).

= بالسواد. قيل له: فإن وإن لامرأته عليه مهر؟ قال: أرى أن يدفع إليها بمالها من الأرض ولا يبيعها" اهـ.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع: "يساوي"، وفي (أ):"تساوي عرضًا".

(3)

في (أ) والمطبوع: "ما".

(4)

في "مسائل ابن هانئ"(2/ 3/ 1177): "قال [أي: الإِمام أحمد]: يقوِّم ما فيه مثل غلق، وكل شيء استحدثه فيه، فيعطى بحساب ذلك، ولا أرى أن يأخذ سكن دار ولا دكان" اهـ.

(5)

في المطبوع: "الصرف".

(6)

في المطبوع و (ج): "فإن".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

وأثر عمر مضى نصه وتخريجه في التعليق على (2/ 49 - 50).

ص: 298

ومن الأصحاب من حكى رواية [أخرى](1) بجواز البيع مطلقًا، كالحلواني وابنه، وكذلك خرجها ابن عقيل [من](2) نص أحمد على صحة وقفها، ولو كانت وقفًا؛ لم يصح وقفها.

وكذلك وقع في كلام أبي بكر وابن شاقلا وابن أبي موسى ما يقتضي الجواز، وله مأخذان:

أحدهما: أن الأرض ليست وقفًا، وهو مأخذ ابن عقيل، وعلى هذا؛ فإن كانت مقسومة؛ فلا إشكال في ملكها، وإن كانت فيئًا لبيت المال -وأكثر كلام أحمد يدل عليه-؛ فهل تفسير وقفًا بنفس الانتقال إلى بيت المال أم لا؟

على وجهين، فإن قلنا: لا تصير وقفًا؛ فللإمام بيعها وصرف ثمنها [في](3) المصالح، وهل له إقطاعها إقطاع تمليك؟

على وجهين، ذكر ذلك القاضي في "الأحكام السلطانية"(4).

والمأخذ الثاني: أن البيع هنا وارد على المنافع دون الرقبة، فهو نقل للمنافع (5) المستحقة بعوض.

وهذا اختيار الشيخ تقي الدين، ويدل عليه من كلام أحمد أنه أجاز

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في (ب): "في".

(3)

في المطبوع: "إلى".

(4)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 206).

(5)

في (أ): "المنافع".

ص: 299

دفعها عوضًا عن المهر، ويشهد له ما تقدم من المعاوضة عن المنافع في مسائل متعددة، وإن كان القاضي وابن عقيل والأكثرون صرحوا بعدم صحة بيع المنافع المجردة، والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعان:

أحدهما: منافع الأعيان المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيانها؛ فهذه قد جوز الأصحاب بيعها في مواضع.

- (منها)(1): أصل (2) وضع الخراج على العنوة إذا قيل: هي فيء؛ فإنه ليس بأجرة، بل هو شبيه بها ومتردد بينها وبين البيع.

- (ومنها): المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه ونحوها، وليس بإجارة محضة؛ لعدم تقدير المدة، وهو شبيه بالبيع.

- (ومنها): [لو](3) أعتق عبده (4) واستثنى خدمته سنة؛ فهل له أن يبيعها منه؟

على روايتين ذكرهما ابن أبي موسى، وهما منصوصتان عن أحمد، ولا يقال: هو [لا](5) يملك بيع العبد في هذه الحال؛ لأن هذه المنافع كان يملك (6) المعاوضة عنها في حال الرق، وقد استبقاها بعد زواله؛ فاستمر

(1) في (ب): "ومنها".

(2)

في المطبوع: "أن أصل".

(3)

في (ج): "إذا".

(4)

في (أ): "عبدًا".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(6)

في المطبوع: "كانت بملك".

ص: 300

حكم المعاوضة عليها كما يستمر حكم وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد المكاتبة، وهل الكتابة إلا عقد معاوضة على المنافع؟!

النوع الثاني: المنافع التي ملكت مجردة عن الأعيان أو كانت أعيانها غير قابلة للمعاوضة؛ فهذا محل الخلاف الذي نتكلم فيه ها هنا (1)، واللَّه أعلم.

* * *

(1) يخرج على هذا كثير من المسائل الشائعة هذه الأيام في المعاملات، مثل:"الخلوات"، و"رُخص الاستيراد والتصدير"، و"حقوق التأليف" و"حقوق الاختراع".

ص: 301

(القاعدة الثامنة والثمانون)

في الانتفاع وإحداث ما ينتفع به [في](1) الطرق المسلوكة في (2) الأمصار والقرى وهوائها وقرارها.

أما الطريق نفسه، فإن كان ضيقًا، أو (3) أحدث فيه ما يضر بالمارة؛ فلا يجوز بكل حال، وأما مع السعة وانتفاء الضرر، فإن كان المحدث فيه (4) متأبدًا؛ كالبناء والغراس؛ فإن كان لمنفعة خاصة بآحاد (5) الناس؛ لم يجز على المعروف من المذهب، وإن كان لمنفعة عامة؛ ففيه خلاف معروف: منهم من يطلقه (6)، ومنهم من يخصه بحالة انتفاء إذن الإمام فيه، وإن كان غير متأبد ونفعه خاص؛ كالجلوس وإيقاف الدابة؛ ففيه (7) خلاف أيضًا.

وأما القرار الباطن؛ فحكمه حكم الظاهر على المنصوص.

(1) في المطبوع و (ج): "من".

(2)

في (ب): "وفي".

(3)

في (ب): "و".

(4)

في (ب): "فيها".

(5)

في (أ): "لأحاد".

(6)

قال في هامش (ب): "يعني: عدم الجواز".

(7)

في المطبوع: "فيه ففيه".

ص: 302

وأما الهواء، فإن كان الانتفاع به خاصًّا بدون إذن الإمام؛ فالمعروف منعه، وبإذنه فيه خلاف، ويندرج تحت ذلك مسائل كثيرة:

- (منها): إذا حفر في طريق واسع بئرًا، فإن كان لنفع المسلمين؛ ففيه طريقان:

أحدهما: إن كان بإذن الإِمام؛ جاز، وإن كان بدون إذنه؛ [ففيه روايتان](1)، قاله القاضي وابن عقيل وصاحب "المحرر"(2).

والثاني: فيه روايتان على الإطلاق، قاله أبو الخطاب وصاحب "المغني"(3)؛ إذ البئر مظنة العطب، وإن (4) كان الحفر لنفسه ضمن بكل حال؛ ولو كان في فنائه، نص عليه، ولا يجوز إذن الإمام فيه عند الأصحاب.

وفي "الأحكام السلطانية" للقاضي: إن له التصرف في فنائه بما شاء من حفر وغيره إذا لم يضر، وأما في فناء غيره؛ فإن أضر بأهله؛ لم يجز، وإن لم يضر؛ جاز، وهل يعتبر إذنهم أو إذن الإِمام في فناء المسجد؟

على وجهين (5).

(1) في (ب) و (ج): "فروايتان".

(2)

قال في "المحرر"(1/ 363): "ومن حفر بئرًا في سابلة لنفع المسلمين؛ لم يضمن ما تلف، وعنه إذا لم يكن ذلك بإذن الإمام؛ ضمن، وإن حفرها لنفسه؛ ضمن؛ وإن كانت في فنائه".

(3)

انظر: "المغني"(4/ 323/ 3522).

(4)

في (ج): "فإن".

(5)

انظر: "الأحكام السلطانية"(225 - 226).

ص: 303

- (ومنها): إذا بني مسجدًا في طريق واسع، ولم (1) يضر بالمارة؟

قال الأكثرون من الأصحاب: إن كان بإذن الإِمام؛ جاز، وإلا؛ فروايتان.

وقال أحمد في "رواية ابن الحكم": أكره الصلاة في المسجد الذي يؤخذ (2) من الطريق؛ إلا أن يكون بإذن الإِمام.

ومنهم من أطلق الروايتين، وكلام أحمد أكثره غير مقيد، قال في "رواية المروذي": المساجد التي في الطرقات حكمها أن تهدم.

وقال إسماعيل الشالنجي: سألت أحمد عن طريق واسع للمسلمين عنه غنى وبهم إلى أن يكون هناك مسجد حاجة؛ هل يجوز أن يبنى هناك مسجد؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق. [قال](3): وسألت أحمد: هل يبنى على خندق مدينة المسلمين مسجد للمسلمين عامة؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق.

قال الجوزجاني في "المترجم"(4): والذي عني أحمد من الضرر

(1) في (ج) والمطبوع: "لم".

(2)

في المطبوع: "لا يؤخذ"، والصواب ما أثبتناه.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

لم يكثر المصنف النقل منه، وصاحبه هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي، مولده بجوزجان من كور بلخ بخراسان، واستوطن دمشق، حافظ، محدث الشام، أحد أئمة الجرح والتعديل، ومات سنة (259 هـ). له ترجمة في:"تذكرة الحفاظ"(549).

و"المترجم" كتاب بسند في صاحبه أحاديث وآثار؛ كما يفهم من نقل العلماء الأعلام منه، ولا أعرف له ذكرًا في فهارس دور المخطوطات؛ فلعله من المفقودات، ولا قوة =

ص: 304

بالطريق ما وقت النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الأذرع (1)، كذا قال، ومراده أنه يجوز البناء إذا فضل من الطريق سبعة أذرع، والمنصوص عن أحمد إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا اختلفتم في الطريق؛ فاجعلوه سبعة أذرع"(2) في أرض مملوكة لقوم أرادوا البناء فيها، وتشاجروا (3) في مقدار ما يتركونه منها (4) للطريق، وبذلك فسره ابنُ بطة وأبو حفص العكبري والأصحاب، وأنكروا جواز تضييق الطريق الواسع إلى أن يبقى منه سبعة أذرع (5).

= إلا باللَّه، ولم يطبع لصاحبه إلا "أحوال الرجال"، و"أمارات النبوة".

ونقل المرداوي في "الإنصاف"(6/ 361) عن "المترجم" هذا النص.

(1)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب المظالم، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء، رقم 2473) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تشاجروا في الطريق الميناء بسبعة أذرُعٍ".

وأخرجه مسلم في "الصحيح"(كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه، رقم 1613) من طريق آخر عن أبي هريرة رفعه بلفظ: "إذا اختلفتم في الطريق؛ جعل عَرْضُهُ سَبْعَ أذْرُعٍ".

وأخرجه أيضًا أبو داود في "السنن"(رقم 3633)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1356)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2238)، وأحمد في "المسند"(2/ 228، 429، 474)، والطيالسي في "المسند"(رقم 2555)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 255)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 154)، والبغوي في "شرح السنة"(رقم 2175)، وغيرهم.

(2)

هو الحديث السابق.

(3)

نقله المرداوي عن المصف: "تشاحوا".

(4)

نقله المرداوي في "الإنصاف"(6/ 361) عن المصنف من قوله: "كذا قال. . . " إلى هنا.

(5)

في (أ): "فيها".

ص: 305

- (ومنها): بناء غير المساجد في الطرقات، فإن كان البناء للوقف على المسجد؛ فهو كبناء المسجد، قاله الشيخ تقي الدين [بن تيمية](1)، وكذا إن كان لمصلحة عامة؛ كخان مسبل ونحوه، وإن كان لمنفعة تختص بآحاد (2) الناس؛ فالمشهور عدم جوازه؛ لأن الطريق مشترك؛ فلا يملك أحد إسقاط الحق المشترك منه والاختصاص به، ولا يملك الإِمام الإِذن في ذلك.

وفي "كتاب الطرقات"(3) لابن بطة: إن بعض الأصحاب أفتى بجوازه، وأخذه من نص أحمد في بناء المسجد، والفرق واضح؛ لأن المسجد (4) حق الاشتراك فيه باقٍ، غير أنه انتقل من استحقاق المرور إلى استحقاق اللبث للعبادة (5).

وكلام أحمد بدل على المنع، [قال في] (6) رواية ابن القاسم: إذا

(1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

وانظر نحوه في "الاختيارات الفقهية"(ص 176).

(2)

في المطبوع و (ج): "بأحد".

(3)

لم ينقل منه المصف إلا في هذا الموطن، ولم أظفر بأن أحدًا من مترجميه قد نسبه له، ونسبوا له كتاب "السنن"؛ فلعل هذا قسم منه، واللَّه أعلم.

وابن بطة -بفتح الموحدة-: هو عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن حمدان، أحد العلماء الزهاد، وله اختيارات في المذهب، نقلها المرداوي في "الإنصاف"، توفي سنة أربع وثمانين وأربع مئة، على ما رجّحه ابن ناصر الدين في "التوضيح"(1/ 558)، وله ترجمة في "السير"(16/ 529 - 533)، وأرَّخ وفاته سنة سبع وثمانين.

(4)

في المطبوع: "لأن بناء المسجد".

(5)

في (أ): "المعتاد".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (ج): "فإن".

ص: 306

كان الطريق قد سلكه الناس وصير طريقًا؛ فليس لأحد أن يأخذ منه (1) شيئًا قليلًا ولا كثيرًا.

وقال في "رواية العباس بن موسى": إذا نضب الماء عن جزيرة؛ لم يبن فيها لأن فيه (2) ضررًا، وهو أن الماء يرجع. قال القاضي: معناه إذ ابني في طريق المارة، فيضر (3) بالمارة في ذلك الطريق؛ فلم يجوزه، وكره في "رواية ابن بختان" أن يطحن في الغروب، وقال: ربما غرقت السفن، وقال في "رواية مثنى" (4): إذا كانت في طريق الناس؛ فلا يعجبني، والغروب كأنها طاحونة تصنع (5) في النهر الذي تجري فيه السفن، وكره شراء ما يطحن فيها، وذكر ابن عقيل في الغربة في النهر: إن كان وضعها بإذن الإِمام، والطريق واسع، والجريان معتدل بحيث يمكن الاحتراز منه؛ جاز، وإلا؛ لم يجز، ولعل الغربة -كالسفينة- لا تتأبد، بخلاف البناء، وحكم الغراس حكم البناء، وقد قال أحمد في النخلة المغروسة في المسجد: إنها غرست بغير حق؛ فلا أحب الأكل منها، ولو قلعها الإِمام كان أولى،

(1) في المطبوع و (ج): "منها".

(2)

في المطبوع: "فيها".

(3)

في المطبوع و (ج): "فضر".

(4)

هو مثنَّى بن جامع، أبو الحسن الأنباري، قال الخلال:"كان مثنَّى وَرِعًا، جليل القدر"، وقال:"وكان أبو عبد اللَّه -أي: الإِمام أحمد- يعرف قدره وحقّه، ونقل عنه مسائلَ حسانًا".

ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 336)، و"المنهج الأحمد"(1/ 447)، و"المقصد الأرشد"(3/ 19).

(5)

في المطبوع: "طاحون يصنع".

ص: 307

ومن الأصحاب من أطلق فيها الكراهة؛ كصاحب "المبهج"(1)، وجعل ثمرها لجيران المسجد الفقراء، ونص أحمد في "رواية ابن هانئ" و"ابن بختان" في دار السبيل يغرس فيها كرم؛ قال: إن كان يضر بهم؛ فلا (2)، وظاهره جوازه، مع انتفاء الضرر، ولعل الغرس كان لجهة السبيل أيضًا.

- (ومنها): اختصاص آحاد الناس في الطريق بانتفاع لا يتأبد، فمن ذلك الجلوس للبيع والشراء؛ فقال الأكثرون: إن كان الطريق واسعًا ولا ضرر (3) في الجلوس بالمارة؛ جاز بإذن الإِمام وبدون (4) إذنه، وإلا؛ لم يجز، وللإمام أن يقطعه من شاء، وذكر القاضي في "الأحكام السلطانية" في جوازه بدون إذن الإِمام روايتين (5)، وحكى في كتاب "الروايتين" في المسألة روايتين الجواز (6) والمنع، ثم حملهما على اختلاف حالين (7)؛ فالجواز إذا لم يضر بالمارة والمنع إذا ضر (8)، وجعل حق الجلوس كحق الاستطراق؛ لأنه لا يعطل حق المرور بالكلية؛ فهو كالقيام [فيها](9) لحاجة، وأظن ابن بطة حكى فيه (10) روايتين مطلقتين في الجواز وعدمه،

(1) في (أ): "المنهج".

(2)

لم أظفر به في "رواية ابن هانئ".

(3)

في (ب): "ولا تضرر".

(4)

في (أ) و (ب): "دون".

(5)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 226).

(6)

في المطبوع و (ب) و (ج): "بالجواز".

(7)

في المطبوع: "حالين".

(8)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 453 - 454).

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(10)

في المطبوع و (ج): "قبله".

ص: 308

وكذلك ذكر صاحب "المقنع" في الجلوس في الطريق الواسع؛ هل يوجب ضمان ما عثر به؟

على وجهين (1)، وذلك يدل على الخلاف في جوازه.

وأما القاضي؛ فقال: لا يضمن بالجلوس، رواية واحدة، ومن ذلك لو ربط دابته أو أوقفها في الطريق، والمنصوص منعه، قال في رواية أبي الحارث: إذا أقام دابته (2) على الطريق؛ فهو ضامن لما جنت ليس له في الطريق حق.

وكذلك (3) نقل عنه أبو طالب وحنبل ضمان جناية الدابة إذا ربطها في الطريق، وكذلك (3) اطلق ابن أبي موسى وأبو الخطاب من غير تفريق بين حالة التضييق (4) والسعة، ومأخذه أن طبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها؛ فإيقافها في الطريق كوضع الحجر ونصب السكين فيه.

وحكى القاضي في "كتاب الروايتين"(5) رواية أخرى بعدم الضمان إذا وقف (6) في طريق واسع؛ لقول أحمد في رواية أحمد بن سعيد: إذا وقف على نحو ما يقف الناس أو في موضع يجوز أن يقف في مثله، فنفحت

(1) في المطبوع: "روايتين".

وانظر: "المقنع"(4/ 296).

(2)

في (أ): "دابة".

(3)

في المطبوع: "وكذا".

(4)

في (ج): "الضيق".

(5)

انظر: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 350).

(6)

في (ج): "وقفت".

ص: 309

بيد أو رجل؛ فلا شيء عليه. قال القاضي: ظاهره أنه لا ضمان إذا كان واقفًا لحاجة، وكان الطريق واسعًا.

وأما الآمدي؛ فحمل المنع على حالة ضيق الطريق والجواز على حالة سعته، والمذهب عنده (1) الجواز مع السعة وعدم الإضرار رواية واحدة.

ومن المتأخرين من جعل المذهب [المنع](2) رواية واحدة، وصرح صاحب "التلخيص" بجريان الخلاف في صورتي القيام والربط، وخالف بعض المتأخرين، وقال: الربط عدوان بكل حال، وربط السفينة وإرساؤها (3) في النهر المسلوك؛ قال ابن عقيل: إن كان بإذن الإمام، والطريق واسع، والجريان معتدل؛ جاز، وإلا؛ لم يجز.

وخالف بعض الأصحاب في اعتبار إذن الإِمام في هذا لتكرره، قال الميموني: ملت أنا وأبو عبد اللَّه إلى الزواريق (يعني: في دجلة)، فاكترى زورقًا من الزواريق، فرأيته يتخطى زواريق عدة لأناس ولم أره استأذن أحدًا منهم؛ قال بعض الأصحاب: لأنه حريم دجلة، وهو مشترك بين المسلمين، فلما ضيقوه؛ جاز المشي عليه.

وعلى قياس ذلك لو وضع في المسجد سرير ونحوه جازت الصلاة عليه من غير استئذان، بخلاف ما إذا بسط فيه مصلى وقلنا: لا يثبت [به](4)

(1) في المطبوع و (ج): "والمذهب عنه"، وفي (ب):"فالمذهب عنده".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (ب) والمطبوع: "وإرسائها".

(4)

في (ب): "فيه".

ص: 310

السبق؛ فإنه يرفع ويصلى [في](1) موضعه، ولا يصلي عليه؛ لأن رفعه لا مشقة فيه.

ومن ذلك الانتفاع بالطريق بإلقاء الكناسة والأقذار، فإن كان نجاسة؛ فهو كالتخلي في الطريق، وهو منهي عنه (2)، لكن هل هو نهي كراهة أو [نهي](3) تحريم؟

كلام الأصحاب مختلف في ذلك، وإن كان مما يحصل بن الزلق؛ كرش الماء وصبه وإلقاء قشور البطيخ، أو يحصل (4) به العثور؛ كالحجر؛ فلا يجوز، والضمان واجب به، وقد نص عليه أحمد في رش الماء، قال في "الترغيب": إلا أن يرشه ليسكن (5) الغبار؛ فهو مصلحة عامة، فيصير

(1) ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(2)

يشير المصنف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الطهارة، باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال، رقم 269) عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقوا اللَّعَّانين". قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول اللَّه؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم".

وأخرجه من حديثه أيضًا أبو داود في "السنن"(رقم 25)، وأحمد فى "المسند"(2/ 372)، وأبو عوانة في "المسند"(1/ 194)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 33)، وابن حبان في "الصحيح"(رقم 1415 - الإحسان) ، وابن خزيمة في "صحيحه"(رقم 67)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 185 - 186)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 97)، والبغوي في "شرح السنة"(191).

(3)

ما بين المعقوفتين من (ج) والمطبوع.

(4)

في (أ): " أو يجعل به".

(5)

في المطبوع و (ج): "ليسكن به".

ص: 311

كحفر البئر للسابلة (1)، وفيه روايتان.

- (ومنها): الحفر في الطريق، وهو ممنوع؛ سواء تركه ظاهرًا أو غطاه وأسقف عليه، قال المروذي: سألت أبا عبد اللَّه عن الرجل يحفر في فنائه البئر أو المخرج المغلق؟ قال: لا، هذا طريق (2) للمسلمين. قلت: إنما هي بئر تحفر وتسد (3) رأسها. قال: أليس في طريق المسلمين؟! أكره هذا كله. فمنع من التصرف في باطن الطريق بالحفر.

ونقل عنه ابن هانئ وابن بختان والفضل بن زياد في رجل في داره شجرة، فنبت من عروقها شجرة في دار رجل آخر: لمن [هذه](4) الشجرة؟ قال: ما أدري ما هذا (5)؟ ربما (6) كان ضررًا على صاحب الأرض.

قال القاضي: وظاهر هذا أنه إذا لم يكن فيها ضرر -وهو أن تكون عروقها تحت الأرض-؛ لا يؤخذ بقلها؛ لأن الضرر إنما يكون بظهورها على وجه الأرض. انتهى.

وفيه نظر، وصرح ابن عقيل في "الواضح في أصول الفقه" بوجوب إزالة عروق شجرته (7) من أرض غيره.

(1) في المطبوع و (ج): "السابلة".

(2)

في (ب): "الطريق".

(3)

في المطبوع و (ج): "ويسد"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(5)

لم أظفر به في مطبوع "رواية ابن هانئ".

(6)

في المطبوع: "وربما".

(7)

في (أ): "الشجرة".

ص: 312

- (ومنها): إشراع الأجنحة والساباطات والخشب والحجارة في الجدار إلى الطريق؛ فلا يجوز، ويضمن به، نص عليه أحمد في "رواية أبي طالب" و"ابن منصور" ومهنا وغيرهم، ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك، وكذا (1) ذكر القاضي في "المجرد" وصاحب "المغني"(2)، وقال القاضي في "خلافه": والأكثرون يجوز بإذن الإِمام مع انتفاء الضرر به، وفي "شرح الهداية" للشيخ مجد الدين في (كتاب الصلاة): إن كان لا يضر بالمارة؛ جاز، وهل يفتقر إلى إذن الإِمام؟

على روايتين:

إحداهما (3): يفتقر؛ لأنه ملك مشترك بين المسلمين؛ فلا يجوز تخصيصه بجهة خاصة إلا للإمام.

والثانية: لا يفتقر؛ لأن منفعة الطريق المرور، وهو لا يختل بذلك.

وأما الميازيب ومسيل المياه؛ فكذلك عند الأصحاب، قال المروذي: سقف لأبي عبد اللَّه سطح الحاكة، وجعل مسيل المياه إلى الطريق، وبات تلك الليلة، فلما أصبح؛ قال: ادع لي النجار يحول الميزاب إلى الدار، فدعوته له، فحوله، وهذا لا يدل على التحريم؛ لأنه لو اعتقده محرمًا لم يفعله ابتداءً، وإنما حوله تورعًا لحصول (4) الشبهة فيه.

(1) في المطبوع و (ج): "وكذلك".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 322/ 3519).

(3)

في (ب): "أحدهما".

(4)

في (أ) و (ج): "بحصول".

ص: 313

وفي "المغني" احتمال بجوازه مطلقًا مع انتفاء الضرر (1)، واختاره طائفة من المتأخرين، وقال الشيخ تقي الدين: إخراج الميازيب إلى الدرب النافذ هو السُّنة (2)، وذكر حديث العباس في ذلك (3)، والمانعون يقولون:

(1) انظر: "المغني"(4/ 323/ 3523).

(2)

انظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 402) لشيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله.

(3)

يشير المصنف إلى ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 292/ رقم 15264)، وأبو داود في "المراسيل"(ص 293/ رقم 406)، والبلاذري في "أنساب الأشراف"(ق 4/ 12 - العباس وولده)؛ عن سفيان بن عيينة، عن أبي هارون المدني؛ قال:"كان في دار العباس ميزاب يَصُبُّ في المسجد، فجاء عمر فقلعه، فقال العباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو وضعه بيده. فقال عمر: لا يكون لك سُلَّمٌ إلا ظهري حتى تَرُدَّه مكانه".

وأبو هارون هو موسى بن أبي عيسى الحنّاط، واسم أبيه ميسرة، وقع مسمى محمد عبد الرزاق؛ إلا أنه قال:"أو غيره".

قلت: وهو لم يدرك هذه القصة؛ فهي مرسلة.

وأخرجها مطوّلة أحمد في "المسند"(1/ 210) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(26/ 366 - ط دار الفكر)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 20)، والروياني في "مسنده"(2/ 350 - 351/ رقم 1332)، من طريق أسباط بن محمد، عن هشام بن سعد، عن عبيد اللَّه بن عباس؛ قال:(وذكر نحوها).

ورجالها ثقات؛ كما في "المجمع"(4/ 206 - 207).

ولكن إسنادها منقطع؛ لم يسمع هشام بن سعد من عبيد اللَّه بن عباس، وقال أبو حاتم الرازي في "العلل" (1/ 465/ رقم 1398) عن هذا الطريق:"هذا خطأ، الناس لا يقولون هكذا".

وأخرجها الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 511) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(26/ 366 - 367) -، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 20)؛ عن موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد:"أن عمر بن الخطاب. . . "(وذكر نحوها). =

ص: 314

ميزاب العباس وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده؛ فكان أبلغ من إذنه فيه، ولا كلام فيما أذن [به](1) الإمام.

* * *

= وأخرجها الحاكم في "المستدرك"(3/ 331 - 332) مطولة ضمن خبر عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف.

انظر: "تهذيب الكمال"(17/ 114 - فما بعدها/ 3820) والتعليق عليه، وانظر:"مسند الفاروق"(1/ 351) لابن كثير.

وأخرجه البلاذري في "أنساب الأشراف"(ق 4/ 12)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(26/ 322 - ط دار الفكر)؛ من طرق أخرى بنحوه، وهي ضعيفة ومرسلة.

(1)

في (ب) و (ج) والمطبوع: "فيه".

ص: 315

(القاعدة التاسعة والثمانون)

أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف (1).

أما عقود الضمان؛ فقد سبق ذكرها، وكذلك سبق ذكر الأيدي الضامنة.

وأما الإتلاف؛ فالمراد به أن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه؛ كالقتل والإحراق، أو ينصب سببًا عدوانًا فيحصل به الإِتلاف؛ بأن يحفر بئرًا في غير ملكه عدوانًا، أو يؤجج نارًا في يوم ريح عاصف فيتعدى إلى إتلاف مال الغير، أو كان الماء محتبسًا بشيء وعادته الانطلاق فيزيل احتباسه، وسواء كان له اختيار في انطلاقه أو لم يكن؛ فدخل تحت ذلك ما إذا حل وكاء زق مائع فاندفق، أو فتح قفصًا عن طائر فطار، أو حل [قيد عبد آبق](2) فهرب، هذا هو الذي ذكره ابن حامد والقاضي والأكثرون؛ لأنه تسبب إلى

(1) ويزيد عليها الشافعية: الحيلولة. انظر: "المنثور"(2/ 322) للزركشي، و"الأشباه والنظائر"(ص 361) للسيوطي.

وعند الحنفية: الأصل أنّ الضمانات في الذمة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بأخذٍ، وإما بشرط، فإذا عُد ما لم تجب.

انظر: "أصول أبي الحسن الكرخي"(ص 113)، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 33).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عبدًا آبقًا".

ص: 316

الإتلاف بما يقتضيه عادة.

واستثنى ابن عقيل في "فنونه" ما كان من الطيور يألف الرواح (1) ويعتاد العود؛ فقال: لا ضمان في إطلاقه وإن لم يعد؛ لأن العادة جارية بعوده؛ فليس إطلاقه إتلافًا.

وقال أيضًا في "الفنون": الصحيح التفرقة بين ما يحال الضمان على فعله؛ كالآدمي، وما لا يحال عليه الضمان؛ كالحيوانات والجمادات، فإذا حل قيد العبد؛ لم يضمن لأن العبد له اختيار، ويصح إحالة الضمان عليه؛ فيقطع مباشرته للتلف لتسبب (2) مطلقه، وهذا الذي قاله إنما يصح لو كان العبد من أهل الضمان لسيده، فأما إذا لم يكن من أهل الضمان للسيد؛ تعين إحالة الضمان على المتسبب، ولهذا قال الأصحاب: إن جناية العبد المغصوب على سيده مضمونة على الغاصب، حيث لم يكن العبد من أهل الضمان للسيد، فأحيل على الغالب لتعديه بوضع يده عليه، مع أنه ليس سببًا للجناية.

ولكن خرج ابن الزاغوني في "الإقناع" وجهًا آخر: أنه لا ضمان على الغاصب؛ لأن الجناية من أصلها غير قابلة للتضمين لتعلقها بالرقبة المملوكة للمجني عليه؛ فلا يلزم الغاصب منها شيء (3)، ولا يلزم مثله في مطلق العبد؛ لأنه متسبب إلى الإتلاف، فإذا لم يمكن إحالة الضمان على

(1) في المطبوع و (أ): "البروج".

(2)

كذا في (ج)، وفي (أ) والمطبوع:"بسب"، وفي (ب):"تسبب".

(3)

في المطبوع و (ج): "شيء منها" بتقديم وتأخير.

ص: 317

المباشر؛ أحيل على المتسبب صيانة للجناية على مال المعصوم [عن](1) الإهدار مهما أمكن.

وخرج الآمدي وجهًا آخر: أن جناية العبد على سيده مضمونة عليه في ذمته، يتبع بها بعد عتقه، وها هنا فرع متردد (2) فيه بين ضمان اليد والإتلاف (3)، وهو ما إذا حفر بئرًا عدوانًا أو نصب شبكة أو منجلًا للصيد، ثم مات، ثم وقع في البئر حيوان مضمون أو عثر بآلات الصيد حيوان مضمون؛ فإن جعلناه من باب الإتلاف؛ ضمن من التركة، وبه صرح [القاضي] (4) في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول" في (باب الرهن)؛ حتى قالا: لو بيعت التركة؛ لفسخ في قدر الضمان منها لسبق سببه، ولو كانت التركة عبدًا فأعتقه الورثة قبل الوقوع ضمنوا قيمة العبد؛ كالمرهون، صرح به القاضي في "الخلاف"، وإنْ جعلناه من ضمان اليد؛ فهل يجعل كيده (5) المشاهدة بعد الموت، أو يجعل اليد لمن انتقل الملك إليه؟

يحتمل على وجهين أصلهما اختلاف الأصحاب فيما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته؛ هل هو تركة موروثة جعلًا لها كيده المشاهدة، أو هو ملك للورثة لأنه صار (6) كأيديهم؟

والذي صرح به القاضي وابن عقيل: أنه تركة موروثة، وقال أبو

(1) في (ب): "من".

(2)

في (ب): "يتردد".

(3)

في المطبوع: "وضمان الإتلاف".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "كيدا".

(6)

في المطبوع و (ج): "لأنها صارت"، وفي (أ):"لأنه صارت".

ص: 318

الخطاب في "الانتصار": [بل](1) هو ملك للوارث (2)[بانتقال ملك الشبكة إليه، كما يتولد من النتاج الموروث ويثمر من الشجر](3)، وأما في العدوان المجرد؛ فيحتمل أن ينقطع حكمه بالموت (4)، ويحتمل أن يكون ضمانه مِنْ ترِكَةِ المتعدِّي لانعقاد سببه في حياته، ويشبه ذلك الخلاف فيمن مال حائطه، فطولب بنقضه، فباعه، ثم سقط؛ هل يسقط عنه الضمان؟

فيه وجهان سبق ذكرهما، وهل يجب الضمان على من انتقل الملك إليه إذا استدامه أم لا؟

الأظهر وجوبه [عليه](5) كمن اشترى حائطًا مائلًا؛ فإنه يقوم مقام البائع فيه، فإذا طولب بإزالته فلم يفعل؛ ضمن على رواية، ولو حفر عبده بئرًا عدوانًا بغير إذنه، ثم أعتقه، ثم تلف بها قال أو غيره؛ ففي "المغني" الضمان على العبد لاستقلاله بالجناية (6)، وفي "التلخيص": هو على السيد بقدر قيمة العبد فما دون لثبوته عليه قبل العتق بذلك؛ فقد وجد السبب في ملكه، فلا ينتقل، وهو بعيد.

تنبيه:

لو أتلف الغاصب المغصوب ضمنه ضمان إتلاف ويد، وقد نص

(1) في (أ): "هل".

(2)

في المطبوع. "للورثة".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(4)

في المطبوع و (ج): "بموته".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

انظر: "المغني"(4/ 123 - 124/ 3035).

ص: 319

أحمد على أن من أمسك صيدًا في الحرم، ثم كفر عنه، ثم ذبحه: أنه يجزئه، وهذا يدل على أنه جعله ضمان يد، وإلا؛ لما جاز تقديم كفارة الإتلاف عليه، ويدل أيضًا على جواز تقديم الكفارة، وإن كان [يمكن أن يوجبها](1) معصية، وفيه وجه بالمنع ذكره القاضي في "تعليقه"؛ لأن التقديم رخصة؛ فلا تستباح بمحرم.

* * *

(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج) والمطبوع: "موجبها".

ص: 320

(القاعدة التسعون)

الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة:

يد يمكن أن يثبت باستيلائها الملك؛ فينتفي الضمان [عما يستولي](1) عليه، سواء حصل الملك به أو لم يحصل، ويد لا يثبت لها الملك وينتفي عنها الضمان، ويد لا يثبت لها الملك ويثبت عليها الضمان.

أما الأولى؛ فيدخل فيها صور:

- (منها): استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب.

- (ومنها): استيلاء أهل الحرب على أموال المسلمين؛ لأنهم يملكون علينا بالاستيلاء، وهو المشهور عند الأصحاب، وينتفي الضمان عنهم فيما لم يملكوه أيضًا مما تثبت (2) عليه الأيدي؛ كأم الولد، وما لم يحوزوه إلى دارهم وما شرد إليهم من دواب المسلمين وأرقائهم على قولنا: انهم لا يملكون ذلك (3).

(1) في (ج): "على ما تستولي".

(2)

في (أ): "ثبت".

(3)

في المطبوع: "ذلك أيضًا".

وانظر في المسألة: "كتاب الروايتين"(2/ 361)، و"قواعد ابن اللحام" (القاعدة =

ص: 321

- (ومنها): استيلاء الأب على مال الابن، فإن كان استيلاء يحصل به الملك؛ فلا إشكال في انتفاء الضمان، وإن كان على غير وجه (1) التملك؛ فلا يثبت به الضمان، ولو أتلفه على أصح الوجهين، وهو المذهب عند صاحب "المحرر".

وأما اليد الثانية؛ فيدخل فيها صور:

- (منها): من له ولاية شرعية بالقبض.

- (ومنها): من قبض المال لحفظه على المالك؛ فإنه لا يضمنه، وقد نص أحمد فيمن أخذ آبقًا ليرده [على](2) سيده، فهرب منه: أنه لا ضمان عليه (3)، لكن أخذ الآبق فيه إذن شرعي.

وفي "التلخيص" وجه آخر بالضمان في المستنقذ من الغاصب للرد لعدم الولاية، وهو ضعيف، ولو كان القابض حاكمًا؛ فهو أولى بنفي الضمان لعموم ولايته.

وفي "التلخيص" فيما إذا حمل المغصوب إليه ليدفعه إلى مالكه؛ فهل (4) يلزمه قبوله؟

= السابعة)، و"شرح الزركشي على متن الخرقي"(6/ 510)، وما مضى عند المصنف (ص 201).

(1)

في المطبوع: "على غير وجهه وجه".

(2)

في المطبوع: "إلى".

(3)

هذه الصورة شبيهة بما في "مسائل البغوي"(39/ 26)؛ حيث قال: "وسئل أحمد وأنا أسمع: عن رجل أعطى رجلًا درهمًا يشتري له به شيء [والصواب: شيئًا] ، فأخلطه مع درهم له، فضاعا؛ فقال: ليس عليه شيء".

(4)

في (ب): "هل".

ص: 322

على وجهين، وصحح اللزوم، وهو تفريق بين الحاكم وغيره، وفي "المجرد" و"الفصول" و"المغني": ليس للحاكم انتزاع مال الغائب المغصوب إلا أن يكون له ولاية عليه بوجه ما (1)، مثل أن يجده في تركة ميت ووارثه غائب؛ فله الأخذ لأن له ولاية على تركة الميت بتنفيذ (2) وصاياه وقضاء ديونه، أو يجدها في يد سارق فيقطعه وينتزع (3) منه العين تبعًا لولاية القطع.

والمسألة مذكورة في مسألة وجوب القصاص للغائب ومسألة قطع السارق لمال الغائب.

- (ومنها): الطائفة الممتنعة عن حكم الإِمام كالبغاة؛ لا يضمن الإِمام، وطائفته ما أتلفوه عليهم حال الحرب، وفي تضمينهم ما أتلفوه على الإِمام في تلك الحال روايتان، أصحهما نفي الضمان إلحاقًا لهم بأهل الحرب، وأما أهل الردة إذا لحقوا بدار الحرب أو اجتمعوا بدار منفردين [ولهم منفعة](4)؛ ففي تضمينهم روايتان [أيضًا](5)، واختار أبو بكر عدم التضمين (6) إلحاقًا لهم بأهل دار الحرب.

وأما اليد الثالثة؛ فهي اليد العارية التي يترتب عليها الضمان.

(1) انظر: "المغني"(94/ 14 - 95/ 1878 - ط هجر).

(2)

في المطبوع: "بتنفيذ"، وفي (أ):"لتنفيذ".

(3)

في المطبوع: "وتننزع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(6)

في (ب): "الضمان".

ص: 323

(القاعدة الحادية والتسعون)

يضمن (1) بالعقد وباليد الأموال المحضة المنقولة إذا وجد فيها النقل.

فأما غير المنقول؛ فالمشهور عند الأصحاب أنه يضمن بالعقد وباليد أيضًا، كما يضمن في عقود التمليكات بالانفاق، ونقل ابن منصور عن أحمد: أن العقار لا يضمن بمجرد اليد في الغصب من غير إتلاف (2)، وكذلك قال أبو حفص (3) العكبري في العارية فيما قرأته بخط القاضي.

وأما المنقول؛ فإن حصل نقله؛ ترتب عليه ضمان اليد والعقد، وإن لم يوجد النقل؛ فهل يضمن بالعقد؟ فيه كلام سبق في أحكام القبوض (4).

وأما اليد المجردة؛ فقال القاضي في "خلافه": لا يتوقف الضمان بها على النقل أيضًا؛ كالعقد، وكما يصير المودع ضامنًا بمجرد جحود الوديعة من غير نقل ولا إزالة يد (5)، ورتب على ذلك أنه لو باع الغاصب

(1) في (هـ): "تضمن".

(2)

انظر: "مسائل ابن منصور"(266/ 112).

(3)

في المطبوع: "جعفر"، وهو خطأ.

(4)

في (ب): "المقبوض".

(5)

قوله الآتي: "وجزم ابن عقل في. . . " إلى: "بذلك ضمان غصب" مذكور بعد كلمة "يد" في (ج).

ص: 324

العين المغصوبة وخلى بينها (1) وبين المشتري، فتلفت قبل النقل، ثم جاء المالك: أن له [تضمين](2) المشتري. قال: وإن سلمناه (يعني (3): مفع تضمينه)، فلأنه لم يحصل كمال الاستيلاء، وهو النقل فيما يمكن نقله، [وجزم ابن عقيل في "نظرياته" بأن المشتري ها هنا لا يضمنه ضمان غصب، وإن كان يضمنه في البيع الصحيح ضمان عقد بمجرد التخلية وقاسه على العقار، فإن البائع إذا خلى بينه وبين المشتري؛ صار من ضمانه بالعقد، ولو ظهر له مستحق؛ لم يضمنه بذلك ضمان غصب](4) ، [وإنما تردد في هذا؛ لأنه فرع متردد بين الضمان بالعقد وباليد](5) ، [وفي "التلخيص" إثبات اليد](6) فيما [ينقل بالنقل](7)؛ إلا في الدابة؛ فإن ركوبها كافٍ، وكذلك الجلوس على الفرش؛ لأنه غاية الاستيلاء، وصرح القاضي في "خلافه" بمثل ذلك في الدابة.

وأما غير الأموال المحضة؛ فنوعان:

أحدهما: ما فيه شائبة الحرية لثبوت بعض (8) أحكامها دون

(1) في المطبوع و (ج): "بينه".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أن يضمن".

(3)

في المطبوع: "تعين".

(4)

ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع بعد قوله الآتي: "وفي التلخيص إثبات اليد"، وفي (ج) مذكور قبل ذلك كما ذكرنا آنفًا.

(5)

ما بين المعقوفتين أثبته ناسخ (أ) في الهامش ثم ضرب عليه.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يقبل النقل".

(8)

في (ب): "نقض".

ص: 325

حقيقتها؛ كأم الولد والمكاتب والمدبر! فيضمن باليد على ما ذكره القاضي والأصحاب، وكذلك يضمن بالعقد الفاسد في قياس المذهب، قاله أبو البركات في "تعليقه على الهداية".

والثاني: الحر المحض؛ هل تثبت عليه اليد فيترتب عليها (1) الضمان أم لا؟

المعروف من المذهب أن الحر لا تثبت عليه اليد؛ فلا يضمن بها بحال، ولو كان تابعًا لمن تثبت عليه اليد كمن غصب أمة حاملًا بحر، ذكره القاضي في "خلافه" بما يشعر أنه محل وفاق؛ وحكى القاضي في "خلافه"(2) وتابعه صاحب "المحرر"(3) في ثبوت اليد على الحر الصغير وضمانه بالتلف تحتها روايتين منصوصتين لشبهه بالعبد، حيث يتمكن (4) من دعوى نسبه مع جهالته ودعوى رقه، وقال القاضي في مواضع متعددة من "خلافه": تثبت اليد على الحر الكبير بالعقد دون اليد. وبنى على ذلك أن الأجير الخاص إذا سلم نفسه إلى مستأجره، فلم يستعمله؛ استقرت له الأجرة لتلف منافعه تحت يده.

وكذلك يجب المهر بالخلوة في النكاح الفاسد عندنا لدخول المنفعة تحت اليد بالتمكن من الاستيفاء، وكذلك لو تداعا اثنان زوجية امرأة،

(1) في المطبوع: "عليه".

(2)

في المطبوع و (ج): "في خلافه أيضًا".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 362، 363).

(4)

في (ب): "يمكن".

ص: 326

وأقاما (1) البينة وهي في يد أحدهما؛ فهي له ترجيحًا باليد، كذا ذكره القاضي، وإنما يتوجه على قولنا بتقديم (2) بينة الداخل.

وحكى صاحب "التلخيص" وجهًا بثبوت اليد على منافع الحر دون ذاته، ورتب عليه صحة إجارة المستأجر للأجير الخاص، وجزم الأزجي في "النهاية" بصحته، وبنى عليه جواز إجارة (3) الكافر للمسلم (4) المستأجر معه، وذكر احتمالين، وبنى صاحب "التلخيص" أيضًا على ذلك [مسألة](5) غصب الحر وحبسه عن العمل، فإن في [وجوب](5) ضمان أجرته وجهين.

تنبيه:

من الأصحاب من قال: منفعة البضع لا تدخل تحت اليد، [وبه جزم](6) القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "تذكرته" وغيرهما، وفرعوا عليه (7) صحة تزويج الأمة المغصوبة، وأن الغاصب لا يضمن مهرها ولو حبسها عن النكاح حتى فات بالكبر.

وخالف ابن المَنِّيِّ، وجزم في "تعليقه"(8) بضمان مهر الأمة بتفويت

(1) في (ج): "وأقام".

(2)

في المطبوع و (ج): "بتقديم".

(3)

في المطبوع: "جواز صحة إجارة".

(4)

في (ب): "المسلم".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(6)

في (ب): "وجزم به".

(7)

في (ج): "على ذلك".

(8)

صاحبها هو نصر بن فِتيان بن مَطَر النَّهرَوَاني، أبو الفتح، مدحه المصنف في =

ص: 327

النكاح، وذكر في الحرة ترددًا لامتناع ثبوت اليد عليها، وقد يتفرع على ذلك أن الأمة الموطوءة بغير إذن المالك لو حملت ثم تلفت [من الولادة](1) ضمنها الواطئ، بخلاف الحرة إذا زنى بها كرهًا، فحملت، ثم ماتت من الطلق؛ قال في "التلخيص": لأن [الاستيلاد كأنه](2) إثبات يد وهلاك تحت اليد المستولية على الرحم، والحرة لا تدخل تحت اليد، ومجرد السبب ضعيف. وفي "المغني" يضمنها مطلقًا بحصول (3) التسبب في التلف (4).

* * *

= "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 358) بقوله: "ناصح الإِسلام، واحد الأعلام، وفقيه العراق على الإطلاق"، وقال:"سليم الاعتقاد، صحيح الاتقاد في الأدلة الفروعية"، توفي سنة (583 هـ)، له "تعليقة" في الخلاف كبيرة معروفة، ونقل ابن رجب (1/ 360) عن ابن الجوزي قوله عنه:"وأضرّ بعد الأربعين سنة، وثقل سمعه، وكان "تعليقه" الخلاف على ذهنه، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه". قال ابن رجب عقبه: "قلت: وإلى يوما هذا الأمر على ذلك؛ فإن أهل زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: موفق الدين المقدسي، ومجد الدين ابن تيمية الحراني، فأما الشيخ موفق الدين؛ فهو تلميذ ابن المَنِّي، وعنه أخذ الفقه، وأما ابن تيمية؛ فهو تلميذ تلميذه. . . ".

(1)

في المطبوع: "بالولادة".

(2)

في المطبوع: "الاستيلاد كأنه"، وفي (أ):"الاستيلاد" فقط.

(3)

في المطبوع: "لحصول".

(4)

انظر: "المغني"(12/ 88، 89/ 1481 - ط هجر).

ص: 328

(القاعدة الثانية والتسعون)

هل تثبت يد الضمان مع ثبوت يد المالك أم لا؟

في المسألة خلاف، وقد قال أحمد في "رواية ابن الحكم" فيمن أسره أهل الحرب ومعه جاريته (1): أنها ملكه. مع أن مذهبه المشهور عنه أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء، والأظهر أنه إن زال امتناع (2) المالك وسلطانه؛ ثبت الضمان، وإلا؛ فلا، ويتفرع على ذلك مسائل:

- (منها): لو غصب دابة عليها (3) مالكها ومتاعه؛ ففي "الخلاف الكبير" لا يضمن، وكذلك قال الأصحاب: لو استولى على حر كبير لم يضمن ثيابه؛ لأنها في يد المالك، ولو كان الحر صغيرًا، وقلنا: لا تثبت [اليد عليه](4)؛ ففي ثيابه وجهان نظرًا إلى أن يده لا قوة لها [على المنع](5)، وهذا يشهد لاعتبار بقاء الامتناع (6) في انتفاء الضمان.

(1) في (ج): "جارية".

(2)

في المطبوع: "انتفاع".

(3)

في (أ): "علمها".

(4)

في (ب): "عليه اليد".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

كذا في المطبوع و (ب)، وفي (أ) و (ج):"الانتفاع".

ص: 329

- (ومنها): لو استأجر الدابة (1) إلى مسافة فزاد عليها، أو لحمل شيء فزاد عليه، وهي في يد المؤجر فتلفت؛ قال في "المجرد": يضمن؛ لتعدِّيه بالزيادة، وسكوت المالك لا يمنع الضمان؛ كمن خرق ثوبه وهو لا يمنع. وفي "التلخيص": يضمن إذا تلفت بفعل اللَّه تعالى، وإن تلفت بالحمل؛ ففي تكميل الضمان عليه وتنصيفه (2) وجهان، ويتوجه التفريق بين أن يكون قادرًا على الامتناع، أو لا يكون كذلك؛ فيجب الضمان مع عدم القدرة، كمن غصب دابة وأكره المالك على أن يحمل له عليها متاعه، فإن هذا زيادة عدوان؛ فلا يسقط به الضمان.

- (ومنها): الأجير المشترك إذا جنت يده على العين المستأجرة على العمل فيها ويد صاحبها ثابتة عليها؛ فلا ضمان، قاله القاضي في "المجرد"، قال: لأنه ليس بأكثر من الغاصب، والغاصب لا يضمن ما دام يد صاحيه ثابتة عليه. [انتهى](3).

ومراده بثبوت (4) يد صاحبه ثبوت سلطنته (5) وتصرفه، ولهذا لو أعاد الغاصب المغصوب إلى يد المالك على وجه لا يعود تصرفه إليه مثل: إن رهنه عنده (6)، أو استأجره للعمل [فيه](7)؛ لم يبرأ بذلك على الصحيح؛

(1) في المطبوع: "دابة".

(2)

في (أ): "وتنصفه".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (أ): "ثبوت".

(5)

في المطبوع: "سلطته".

(6)

في المطبوع: "عبده".

(7)

في (ج): "منه".

ص: 330

إلا أن يعلم أنه ملكه.

- (ومنها): لو دخل دار إنسان بغير إذنه أو جلس على بساطه بغير إذنه، والمالك جالس في الدار أو على البساط؛ ففي "الخلاف الكبير": لا ضمان، وعلل بانتفاء الحيلولة ورفع اليد، وكذلك قال فيمن ركب دابة غيره: إن حال بينه وبينها ورفع يده عنها؛ ضمن، وهذا يرجع إلى اشتراط القهر والحيلولة (1) للضمان.

وفي "التلخيص": لو دخل دار المالك وهو فيها قاصدًا للغصب؛ فهو غاصب للنصف لاجتماع يدهما واستيلائهما بشرط قوة الداخل وتمكنه من القهر، وإن كان المالك غائبا؛ فالدخول غصب بكل حال لحصول الاستيلاء به.

وذكر بعض أصحابنا في "خلافه": أن المجالس على بساط غيره بغير إذنه يكون ضامنًا لما جلس عليه منه، والداخل إن دخل بنية الغصب صار غاصبًا.

- (ومنها): لو أردف المالك خلفه على الدابة، فتلفت؛ فهل يضمن الرديف نصف القيمة لكونه مستعيرًا، أم لا لثبوت يد المالك عليها؟

ذكر في "التلخيص" احتمالين، وصحح الثاني.

تنبيه:

لو كانت العين ملكًا لاثنين، فرفع الغاصب يد أحدهما ووضع يده

(1) في المطبوع: "الحيلولة والقهر" بتقديم وتأخير.

ص: 331

موضع يده، وأقر الآخر على حاله؛ فهل يكون غاصبًا لنصيب [من](1) رفع جده خاصة، [أم](2) هو غاصب لنصف العين من الشركين (3) مشاعًا؟

قال القاضي وابن عقيل: هو غاصب لنصف (4) من رفع يده فقط، ورجحه الشيخ تقي الدين مستدلًّا بأن الأعمال بالنيات (5)؛ فعلى هذا، لو استغل (6) الغاصب والشريك الملك، [أو](7) انتفعا به؛ لم يلزم هذا الشريك لشريكه المخرج شيء، فلو باعا العين (8)؛ صح في نصبب الشريك البائع كله وبطل في النصف الذي باعه الغاصب، والمنصوص عن أحمد يدل على خلاف [ذلك](9)؛ لأنه نص في "رواية حرب" على أن من غصب من قوم ضيعة ثم رد إلى أحدهم نصيبه مشاعًا؛ لم يطلب للمردود عليه الانفراد بما رد عليه، وهو يشبه أصله المنصوص عنه في منع إجارة المشاع من غير الشريك لتعذر تسليمه بانفراده؛ فعلى هذا ليس للشريك

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في (ب): "أو".

(3)

في (أ): "الشريك".

(4)

في (ج): "لنصيب".

(5)

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى في "الاختيارات الفقهية"(ص 163): "وإذا كان بين اثنين مال مشترك، فغصب الظالم نصيب أحدهما مشاعًا من عقار أو منقول؛ فالأصح -وهو قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد-: إن النصف الآخر حلال للشريك الآخر. . . ".

(6)

في المطبوع: "استعمل".

(7)

في المطبوع و (ج): "و".

(8)

في (ج): "باع العين".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 332

الذي [لم](1) يرفع يده التصرف إلا في الربع، خاصة والربع الآخر حق لشريكه المغصوب منه، ولم تجتمع (2) ها هنا [يد المالك مع يد الغاصب](3) في شيء.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "يجتمع"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(3)

في المطبوع: "يد الغاصب مع يد المالك" بتقديم وتأخير.

ص: 333

(القاعدة الثالثة والتسعون)

من قبض مغصوبًا من غاصبه، ولم يعلم أنه مغصوب.

فالمشهور [بين](1) الأصحاب إنه بمزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة، ثم إن كان القابض قد دخل على ضمان عين أو منفعة؛ استقر ضمانها عليه، ولم يرجع على الغاصب، وإن ضمنه المالك ما لم يدخل على ضمانه ولم يكن حصل له بما ضمنه نفع؛ رجع به على الغاصب، وإن كان حصل له به نفع؛ فهل يستقر ضمانه عليه، أم يرجع [به](2) على الغاصب؟

على روايتين، هذا ما ذكره القاضي والأكثرون، وفي بعضه خلاف نشير إليه في موضعه إن شاء اللَّه [تعالى](3)، وهذه الأيدي القابضة من

(1) في المطبوع: "عن".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

وقال ناسخ (ج): "وهذا الخلاف المشار إليه هنا نصه: "هل يستقر الضمان على الباشر بإتلافه أو التلف تحت يده، أم على الضار تسببه إلى تضمين من لم يلزمه الضمان؟ على وجهين، وهل تجوز مطالبة من لا يستقر عليه الضمان ثم يرجع هو على من استقر عليه؟ على وجهين، وعلى القول بجوازه إذا طولب به؛ ضمن؛ فهل يرجع به على الآخر أم يستقر عليه لأنه أخذ منه بحق؟ على وجهين أيضًا، وفيه وجه ثالث، وهو إن كان =

ص: 334

الغاصب مع عدم العلم بالحال عشرة:

(الأولى): الغاصبة، ويتعلق (1) بها الضمان كأصلها، ويستقر عليها مع التلف تحتها، ولا يطالب (2) بما زاد على مدتها.

(الثانية): الآخذة (3) لمصلحة الدافع؛ كالاستيداع والوكالة بغير جعل؛ فالمشهور أن للمالك تضمينها، ثم [ترجع بما ضمنت](4) على الغاصب؛ لتغريره.

وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها لتلف المال تحتها من غير إذن. صرح به القاضي في "المجرد" في (باب المضاربة)، وسيأتي أصله.

ويتخرج وجه (5) آخر: إنه لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي، كذلك في المرتهن ونحوه، وأولى، وخرجه الشيخ تقي الدين من مودع المودع، حيث لا يجوز له الإيداع، فإن الضمان على الأول وحده (6)، كذلك قال القاضي في "المجرد" وابن عقيل في "الفصول"، وذكر أنه ظاهر

= المطالب به الغاصب؛ لم يرجع به على أحد، ولو كان استقراره لغيره؛ لقوة عدوانيته، بخلاف ما إذا طولب الآخر؛ فإنه يرجع على الغاصب، [كذا] ذكر أبو الخطاب في مسألة أكل الطعام، وفيه رواية أخرى مخرجة: إنه لا يستقر على الغاصب"".

(1)

في المطبوع: "يتعلق".

(2)

في (ج): "ولا تطالب".

(3)

في (ج): "الآخذ".

(4)

في المطبوع: "يرجع بما ضمن".

(5)

في المطبوع: "ويتخرج فيه وجه".

(6)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 162) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ص: 335

كلام أحمد، ومن الأصحاب من منع ظهوره.

وعلى تقدير أنه كذلك؛ ففرقوا (1) بين مونع المودع ومودع الغاصب بأن (2) الموجب للضمان في الأول القبض، وهو سبب واحد؛ فلا يجب به الضمان من جهتين (3)، بخلاف مونع الغاصب؛ فإن قبضه صالح لتضمينه، حيث [كان](4) الضمان مستقرًّا على الغاصب قبله، وبأن الضمان ترتب على التقبيض (5)؛ فهو متأخر عنه، والقبض [وقع من](6) يد أمينة، ولا عدوان فيه لعدم العلم؛ فاختص الضمان بالتعدي (7)، بخلاف مودع الغاصب لقبضه من يد ضامنه قبل القبض.

واعلم أن ما ذكره الأصحاب في الوكالة والرهن إن الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن، ثم بان المبيع مستحقًّا؛ لم يلزمهما شيء لا تناقض هذه المسألة كما يتوهمه من قصر فهمه؛ لأن مراد الأصحاب بقولهم لم يلزم الوكيل شيء أنه لا يطالبه المشتري بالثمن الذي أقبضه (8) إياه؛ لأن حقوق العقد تتعلق (9) بالموكل دون الوكيل، أما أن الوكيل لا يطالبه

(1) في المطبوع: "فرقوا".

(2)

في المطبوع و (ج): "فإن".

(3)

في (ب): "الجهتين".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

في المطبوع: "يترتب على القبض".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "وقع في"، وفي المطبوع:"من".

(7)

في المطبوع و (ج): "بالمتعدي".

(8)

في (ب): "يقبضه".

(9)

في المطبوع: "يتعلق"، وفي (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

ص: 336

المستحق للعين بالضمان؛ فإذا لم يتعرضوا له ها هنا ألبتة، وهو بمعزل من مسألتهم بالكلية.

(الثالثة): القابضة لمصلحتها (1) ومصلحة الدافع؛ كالشريك والمضارب والوكيل بجعل والمرتهن؛ فالمشهور جواز تضمينها أيضًا، وترجع بما ضمنت؛ لدخولها على الأمانة.

وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني" في الرهن احتمالين آخرين:

أحدهما: أنه يستقر الضمان على القابض لتلف مال الغير تحت يده التي لم يؤذن لها (2) في القبض؛ فهي كالعالمة بالحال، وحكوا هذا الوجه في المضارب أيضًا.

والثاني: لا يجوز تضمينها بحال لدخولها على الأمانة (3)، وينبغي أن يكون هو [هذا](4) المذهب، وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام؛ فإن المنصوص عن أحمد فيمن اشترى أرضًا فغرس فيها ثم ظهرت مستحقة: إنه لا يملك المستحق قلعه إلا مع ضمان نقصه؛ كالغراس المحترم المصادر عن إذن المالك؛ فجعل المغرور كالمأذون له؛ فلا يضمن ابتداء ما لم يلتزم (5) ضمانه.

(1) في (أ): "لمصلحتهما".

(2)

في المطبوع: "له"، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(3)

انظر: "المغني"(4/ 257/ 3385).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "يلزم".

ص: 337

وكذلك نقل حرب وغيره عن أحمد في المغرور في النكاح أن فداء ولده على من غيره، ولم يجعل على الزوج مطالبة، وقريب من ذلك ما نقل عنه مُهَنّأ فيمن بعث رجلًا إلى رجل له عنده مال، فقال له: خذ منه دينارًا. فأخذ منه أكثر: أن الضمان على المرسل لتغريره، ويرجع هو على الرسول.

وحكى القاضي وغيره في المضاربة وجهًا آخر: أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما؛ فأيهما ضمن؛ لم يرجع على الآخر.

(الرابعة): القابضة لمصلحتها خاصة؛ إما باستيفاء العين؛ كالقرض (1)، أو باستيفاء المنفعة؛ كالعارية؛ فهي داخلة على (2) الضمان في العين دون المنفعة، فإذا ضمنت العين والمنفعة؛ رجعت على الغاصب بضمان المنفعة؛ [لأن ضمانها كان بتغريره.

وفي المذهب رواية ثانية: لا يرجع (3) بضمان المنفعة] (4) إذا تلفت بالاستيفاء، ويستقر الضمان عليها في مقابلة الانتفاع لاستيفائها بدله كيلا يجتمع لها العوض والمعوض.

وأصل الروايتين الروايتان في رجوع المغرور بالمهر على من غره، وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداءً؛ ففيه طريقان:

أحدهما: البناء على الروايتين، فإن قلنا: لا يرجع القابض عليه إذا

(1) في (أ): "كالعوض".

(2)

في المطبوع: "في".

(3)

في (ج): "لا ترجع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 338

ضمن ابتداءً؛ رجع الغاصب هنا عليه، وإلا؛ فلا، وهو طريقة (1) أبي الخطاب ومن اتبعه والقاضي وابن عقيل في موضع.

والثاني: إنه لا يرجع الغاصب على القابض قولًا واحدًا، وقاله (2) القاضي وابن عقيل في موضع آخر.

وأما العين؛ فلا يرجع (3) بضمانها، حيث دخلت على ضمانها وعلى الاحتمال الأول في القسم الذي قبله يستقر ها هنا عليها ضمان العين والمنفعة، سواء تلفت المنفعة باستيفاء أو تفويت (4).

وعلى الاحتمال الآخر، وهو أنه لا يجوز تضمينها بالكلية؛ فلا يطالب (5) هذه بضمان ما لم يلتزم ضمانه ابتداءً ويستقر عليها ضمان [ما دخلت على ضمانه](6).

ويتخرج لنا (7) وجه آخر: إنه لا يستقر عليها ضمان شيء [بحال](8)، وسنذكر أصله في القسم الذي بعده.

- (الخامسة): القابضة تملكًا بعوض مسمى عن العين بالبيع؛ فهي

(1) كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع:"وهي طريقة"، وفي (أ):"وطريق".

(2)

في المطبوع: "قاله".

(3)

في (ج): "فلا ترجع".

(4)

في المطبوع و (أ): "بتفويت".

(5)

في المطبوع و (ج): "فلا تطالب".

(6)

ما بين المعقوفتين مكرر في المطبوع مرتين.

(7)

في (أ): "ويتخرج لها وجه آخر".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 339

داخلة على ضمان العين دون المنفعة، فإذا ضمنت قيمة العين والمنفعة؛ لم ترجع (1) بما ضمنت من قيمة العين لدخولها (2) على ضمانها، ولكن تسترد (3) الثمن من الغاصب؛ لأنه لم يملكه لانتفاء صحة العقد، وسواء كانت القيمة التي ضمنت للمالك (4) وفق الثمن أو دونه أو فوقه على ما اقتضاه كلام الأصحاب ها هنا، وفي البيع الفاسد، وفي ضمان المغرور المهر.

وفي "التلخيص" احتمال إن كانت القيمة أزيد رجعت بالزيادة على الغاصب، حيث لم يدخل (5) على الضمان بأكثر من الثمن المسمى، وبه جزم ابن المَنِّيِّ في "خلافه"، وقد سبق في قاعدة ضمان العقود الفاسدة بالمسمى أو بعوض المثل ما يشبه هذا، ولو طالب المالك الغاصب بالثمن كله إذا كان أزيد من القيمة؛ فقياس المذهب أن له ذلك، كما نص عليه أحمد في المتجر [في الوديعة من غير] (6) إذن: إن الربح للمالك. ثم من الأصحاب من يبنيه (7) على القول بوقف العقود على الإجازة، وهي طريقة

(1) في المطبوع: "يرجع".

(2)

في المطبوع: "كدخولها".

(3)

في المطبوع: "يسترد".

(4)

في المطبوع: "المالك".

(5)

في (ج): "لم تدخل".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بالوديعة بغير"، وفي (ج):"بالوديعة من غير".

(7)

كذا في (أ) وفي (ب)، وهو الصواب، وفي (ج):"يبينه"، وفي المطبوع:"بينه".

ص: 340

القاضي في "خلافه" وابن عقيل، ومنهم من يطلق ذلك، وكذا في المضارب إذا خالف.

وعنه رواية أخرى: يتصدق بالربح؛ لأنه ربح ما لم يضمن، وهل للمضارب أجرة المثل؟

على روايتين، وطردهما أبو الفتح الحلواني في "الكفاية" في الغاصب، وحكى صاحب "المغني" في (باب الرهن) رواية أخرى باستقرار الضمان على الغاصب في البيع؛ فلا يرجع على المشتري بشيء مما ضمنه (1)، وحكاه في "الكافي" في (باب المضاربة) وجهًا (2)، وصرح القاضي بمثل ذلك في "خلافه" في مسألة رجوع المغرور بالمهر، وهو عندي قياس المذهب؛ حيث قلنا في إحدى الروايتين برجوع المغرور بنكاح الأمة على من غيره مع استيفائه منفعة البضع واستهلاكها ودخوله على ضمانها، ولهذا طرد محققوا الأصحاب هذا الخلاف فيما إذا زوجها الغاصب ووطئها الزوج؛ هل يرجع بالمهر على الغاصب سواء ضمنه المالك المهر أو لم يضمنه؟

وأيضًا؛ فإن المنصوص عن أحمد إن البائع إذا دلس العيب ثم تلف عند المشتري؛ فله الرجوع بالثمن، وكذلك لو نقص أو تعيب وهو موجود؛ فإنه يرده بغير شيء، ويأخذ الثمن إلا أن يكون حصل له انتفاع بما نقصه،

(1) في المطبوع: "صنعه"!

وانظر: "المغني"(4/ 220/ 3284).

(2)

انظر: "الكافي"(2/ 276).

ص: 341

فإنه يرد عوف على أحد الوجهين إلحاقًا له بلبن المصراة مع أنه قد دخل على ضمان العين بالثمن (1)، ولكن سقط عنه لتدليس (2) البائع العيب (3)، وهو لا يمنع صحة العقد على الصحيح من المذهب، فلأن (4) لا يستقر الضمان على المشتري من الغاصب مع تدليس الغاصب عليه وعدم صحة العقد أولى.

وأما المنافع إذا ضمنها المالك للمشتري (5) بناءً على أن منافع (6) المغصوب مضمونة، وهو المذهب؛ فيرجع بذلك على الغاصب لدخوله على استيفائها في ملكه بغير عوض، وسواء انتفع بها أو تلفت تحت يده.

وعن أحمد رواية أخرى: لا يرجع بما انتفع به لاستيفائه عوضه كما تقدم، وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى، وحكم الثمرة والولد الحادث من المبيع حكم المنافع، إذا ضمنها رجع ببدلها (7) على الغاصب، وكذلك الكسب، صرح به القاضي في "خلافه"؛ إلا أن يكون انتفع بشيء من ذلك؛ فيخرج على الروايتين.

وقد أشار أحمد إلى هذا في "رواية ابن منصور" فيمن باع ماشية أو شاة

(1) في المطبوع: "بالمسمى".

(2)

في المطبوع: "كتدليس".

(3)

في (أ): "العين".

(4)

في المطبوع: "فلانه".

(5)

في (ب): "المشتري".

(6)

في المطبوع و (ج): "المنافع".

(7)

في (ب): "يرجع بعوضها"، وفي (ج):"رجع بعوضها".

ص: 342

فولدت أو نخلًا لها ثمرة فوجد بها عيبًا أو استحق أحد منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئًا أو كان (1) باع أو استهلك، فإن كان مات أو ذهب به الريح؛ فليس عليه شيء، فأوجب عليه ضمان ما انتفع به من الثمرة والنتاج دون ما تلف (2) في يده بغير فعله (3)، ولم يذكر رجوعًا على الغاصب، وظاهر كلامه أن ما تلف في يده من النماء؛ فليس للمالك تضمينه ابتداءً؛ لأنه لم يدخل على ضمانه ولم ينتفع به، وهذا يقوي التخريج المذكور في القسم الذي قبله، وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى [أنه](4) لا يضمن المشتري إلا ما يستقر عليه ضمانه، سواء دخل على ضمانه أو لم يدخل عليه، لكن انتفع (5) به؛ كالخدمة ومهر المشتراة، وأما قيمة الأولاد؛ فيرجع (6) بها عنده؛ لأن نفعها لغيره [لا له](7)، وأوجب على الغاصب قيمة غرس المشتري غير مقلوع إذا قلعه المالك، ومراده ما نقص بقلعه (8)، وإنما أجاز للمالك قلع الغراس من غير ضمان نقصه؛ لأن ذلك ليس من باب تضمين [القابض من](4) الغاصب، بل هو من باب امتناع المالك من الضمان له، فإن تفريغ الأرض من الغراس الذي لم يأذن فيه

(1) في المطبوع: "أو بأن".

(2)

في المطبوع: "أتلف".

(3)

انظر: "مسائل ابن منصور"(327 - 328/ 200).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ج): "لكن إن انتفع".

(6)

في المطبوع و (ج): "فلا يرجع"!

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(8)

في (أ): "بقعله".

ص: 343

لا بد من تمكينه منه، ولا ضمان عليه فيه، حيث لم يأذن فيه، وإنما الضمان على الغار (1)؛ لتعديه، كما أن تضمين القابض ما لم يلتزم (2) ضمانه ممتنع، حيث أمكن تضمين الغاصب لالتزامه الضمان (3)؛ فيضمنه، وهل يرجع به؟

على روايتين؛ كرجوع المغرور في النكاح (4) بالمهر.

تنبيه:

لو أقر المشتري للبائع بالملك؛ فلا رجوع له عليه، ولو أقر بصحة البيع؛ ففي الرجوع احتمالان ذكرهما القاضي، وقد يخرج كذلك في الإقرار بالملك حيث علم أن مستنده اليد، وقد بان عدوانها [وتعديه؛ فظهر بهذا أن الذي يدل عليه كلام أحمد: إن القابض لا يضمن إلا ما حصل له به نفع] (5).

(اليد السادسة): القابضة عوضًا مستحقًا بغير عقد البيع؛ كالصداق، و [عوض](6) الخلع والعتق والصلح عن [دم](7) عمد إذا كان

(1) في (ب): "الغارس"!!

(2)

في (أ): "يلزم".

(3)

في المطبوع و (أ) و (ج): "للضمان".

(4)

في المطبوع: "في باب النكاح".

(5)

ما بين المعقوفتين مذكور في المطبوع و (ب) و (ج) قبل ذلك بعد قوله: "حيث أمكن تضمين الغاصب؛ لالتزامه الضمان".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

ما بين المعقوفتين من (ب) والمطبوع فقط.

ص: 344

معينًا (1)، أو كان القبض وفاءً لدين (2) مستقر في الذمة من ثمن مبيع، أو [أجرة، أو](3) صداق، أو قيمة متلف ونحوه، فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها، ثم استحقت؛ [فللمستحق](4) الرجوع على القابض ببدل العين والمنفعة على ما تقرر.

ويتخرج وجه (5) آخر: أن لا مطالبة له عليه، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى في الصداق، والباقي مثله على القول بالتضمين؛ فيرجع على الغاصب بما غرم (6) من قيمة المنافع لتغريره؛ إلا ما (7) انتفع به؛ فإنه مخرج على الروايتين.

وأما قيم الأعيان؛ فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه أنه لا يرجع بها؛ لأنه دخل على أنها مضمونة عليه بحقه، وسواء كانت القيمة المضمونة وفق حقه أو دونه أو أزيد منه إلا على الوجه المذكور في البيع بالرجوع بفضل القيمة، ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة؛ فهو باقٍ بحاله، وإن كان عوضًا معينًا (8) في العقد؛ لم ينفسخ العقد ها هنا

(1) في المطبوع و (ج): "إذا كان معينًا منه".

(2)

في المطبوع: "كدين".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "غيره و".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

في المطبوع: "وجهًا".

(6)

في (ج): "غره".

(7)

في المطبوع: "بما".

(8)

في (ب) والمطبوع: "متعينًا".

ص: 345

باستحقاقه (1).

ولو قلنا: إن النكاح على المغصوب لا يصح؛ لأن القول بانتفاء الصحة مختص (2) بحالة العلم كذلك (3)، ذكره ابن أبي موسى، ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص، وهو قول القاضي في "خلافه"، وقال في "المجرد": يجب (4) مهر المثل، وأما عوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد؛ ففيها (5) وجهان:

أحدهما: يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق، وهو المنصوص؛ لأن هذه العقود لا تنفسخ باستحقاق أعواضها؛ فتجب (6) قيمة العوض، وهو قول القاضي في أكثر كتبه، وجزم به صاحب "المحرر"(7).

والثاني: تجب (8) قيمة المستحق في الخلع والصلح عن الدم، بخلاف العتق؛ فإن الواجب فيه قيمة العبد؛ لأن العبد له قيمة في نفسه، فيرجع بقيمته، بخلاف البضع والدم؛ فإن القيمة لعوضهما لا لهما، وهو قول القاضي في (البيوع) من "خلافه".

ويشبه قول أصحابنا فيما إذا جعل عتق أمته صداقها، وقلنا: لا ينعقد

(1) في المطبوع: "باستحقاقه فيه".

(2)

في (أ) و (ج): "يختص".

(3)

في (ب): "كذا".

(4)

في المطبوع: "ويجب".

(5)

في (ج): "ففيه".

(6)

في المطبوع: "فيجب".

(7)

انظر: "المحرر"(2/ 45).

(8)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) بدون تنقط، وفي المطبوع:"فيجب".

ص: 346

به النكاح، وأبت (1) أن تتزوجه على ذلك: إن (2) عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها.

وعلى الوجه المخرج في البيع أن المغرور يرجع بقيمة العين على الغاصب ها هنا كذلك.

(اليد السابعة): القابضة بمعاوضة عن المنفعة، وهي يد المستأجر؛ فقال القاضي والأكثرون: إذا ضمنت المنفعة؛ لم يرجع بها، ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة؛ ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن، وإذا ضمنت قمة العين؛ رجعت بها على الغاصب لتغريره.

وفي "تعليقة أبي البركات على الهداية": يتخرج (3) لأصحابنا وجهان:

أحدهما: أن المستأجر لا ضمان عليه بحال؛ كقول (4) الجمهور.

[والثاني: تضمين](5) العين، وهل القرار عليه؟

لنا وجهان:

أحدهما: عليه.

والآخر (6): على الغاصب، وهو الذي ذكره القاضي في "خلافه". انتهى.

(1) في المطبوع: "فأبت".

(2)

في المطبوع و (ج): "فإنَّ".

(3)

في المطبوع: "ويتخرج"، وفي (ب):"فيتخرج".

(4)

في المطبوع: "لقول".

(5)

في المطبوع: "يضمن"، وفي (ب):"والثاني يضمن".

(6)

في المطبوع: "والثاني".

ص: 347

والوجه الأول منزل على القول بأن المغرور لا يضمن شيئًا ابتداءً ولا استقرارًا، والوجه الآخر في قرار ضمان العين عليه يتنزل على الوجه المذكور في استقرار الضمان على المرتهن ونحوه بتلف العين تحت يده.

(اليد الثامنة): القابضة للشركة، وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجز من النماء؛ كالشريك والمضارب والمزارع والمساقي، ولهم الأجرة (1) على الغاصب؛ لعملهم له بعوض لم يسلم، فأما المضارب والمزارع بالعين المغصوبة وشريك العنان (2)، فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال، فإذا ضمنوا على المشهور؛ رجعوا بما ضمنوا؛ إلا حصتهم من الربح؛ فلا يرجعون بضمانها لدخولهم على ضمانها عليهم بالعمل، كذلك (3) ذكره القاضي وابن عقيل في المساقي والمزارع نظيره.

أما المضارب والشريك؛ فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة، سواء قلنا: ملكوا الربح بالظهور أو لا؛ لأن حصتهم وقاية لرأس المال، وليس لهم الانفراد بالقسمة؛ فلم يتعين لهم شيء مضمون.

وحكى الأصحاب في المضارب [للمضارب](4) بغير إذن وجهًا آخر: إنه (5) لا يرجع بما ضمنه بناءً على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده.

(1) في المطبوع: "جرة".

(2)

في (ج): "وشريك العنان فيها".

(3)

في المطبوع و (أ): "لذلك".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "أن".

ص: 348

ويتخرج وجه آخر: إنه (1) لا بملك المالك تضمينهم بحال لدخولهم على الأمانة، وقد ذكرنا فيما (2) تقدم حكم ضمان الشريك والمضارب [للمال](3)، وإنما أعدناه ها هنا لذكر النماء.

وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقًا بعد تكملة العمل؛ فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب.

وأما الثمر إذا تلف؛ فله حالتان:

إحداهما: أن بتلف بعد القسمة؛ فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه، وله أن يضمن الكل للغاصب، فإذا ضمنه الكل؛ رجع على العامل بما قبضه لنفسه؛ لأنه أخذ العوض؛ فهو كالمشتري من الغاصب.

وفي "المغني" احتمال: لا يرجع عليه؛ لتغريره (4)؛ فأشبه من قال [لغيره](5): كُلْ هذا؛ فإنه طعامي، ثم بان مستحقًّا. وهو قريب من الوجه السابق باستقرار ضمان المبيع على الغاصب بكل حال، وهل للمالك أن يضمن العامل جميع الثمرة؟

ذكر القاضي فيه احتمالين:

أحدهما: نعم؛ لأن يده ثبتت (6) على الكل مشاهدة بغير حق، ثم

(1) في المطبوع: "إن".

(2)

في (أ): "كما".

(3)

و (4) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

انظر: "المغني".

(6)

في المطبوع: "ثبت".

ص: 349

يرجع العامل على الغاصب بما قبضه من الثمر على المشهور، وبالكل على الاحتمال المذكور.

والثاني: لا؛ لأنه لم يكن قابضًا على الحقيقة، وإنما كان مراعيًا حافظًا، ويشهد لهذا ما قاله ابن حامد فيما إذا ختلف المساقي والمالك (1) في قدر المشروط (2) للعامل من الثمر، [وأقاما بينتين](3) أنه تقدم بينة (4) العامل؛ لأنه خارج والمالك هو الداخل لاتصال الثمر بملكه، ولو اشترى ثمرة شجر شراءً فاسدًا، وخلى البائع بينه وبينه على شجره (5)؛ لم يضمنه بذلك لعدم ثبوت يده عليه، ذكر (6) بعض أصحابنا أنه محل وفاق.

الحالة الثانية: أن يتلف الثمر قبل القسمة؛ إما على الشجر، أو بعد جده؛ ففي "التلخيص" في مطالبة العامل بالجميع احتمالان، وكذا لو تلف بعض الشجر وهو ملتفت إلى أن يد العامل هل تثبت على الشجر والثمر الذي عليه أم لا؟ والأظهر أن لا؛ لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجرة بالتخلية؛ إلا أن يقال: يده ها هنا على الثمر حصلت تبعًا لثبوت يده على الشجر؛ فيقال: وفي (7) ثبوت يده على الشجر هنا (8)

(1) في المطبوع: "الملك".

(2)

في المطبوع: "الشروط".

(3)

في (أ): "وأما ما يتبين".

(4)

في المطبوع: "بينة".

(5)

في المطبوع: "شجرة".

(6)

في المطبوع: "وذكر"، وفي (أ):"وذكر ذلك".

(7)

في المطبوع و (ب): "في".

(8)

في المطبوع: "هاهنا".

ص: 350

تردد ذكرناه آنفًا، حتى لو تلف بعض الشجر؛ ففي تضمينه للعامل الاحتمالان (1)، صرح به في "التلخيص" أيضًا، ولو اشترى شجرة بثمرها؛ فهل يدخل الثمر في ضمانه (2) تبعًا لشجره؟

قال ابن عقيل في "فنونه": لا يدخل.

[ويتخرج وجه آخر بدخوله](3) تبعًا لانقطاع علق البائع عنه من السقي وغيره.

وبكل حال؛ فيتوجه أن يضمن العامل الثمر التالف بعد جذاذه (4) واستحفاظه، بخلاف ما على الشجر.

(اليد التاسعة): القابضة تملكًا لا بعوض؛ إما للعين (5) بمنافعها بالهبة والوقف والصدقة [والهدية](6) والوصية أو للمنفعة؛ كالموصى له بالمنافع؛ فالمشهور أنها ترجع بما ضمننه بكل حال؛ لأنها دخلت على أنها غير ضامنة لشيء؛ فهي مغرورة، إلا ما حصل لها به نفع؛ ففي رجوعها بضمانه الروايتان.

ويتخرج وجه آخر: أنها لا تضمن ابتداءً ما لا (7) يستقر [ضمانها

(1) في (ج): "احتمالان".

(2)

في المطبوع: "ضمانها".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب) و (ج) والمطبوع: "والمذهب دخوله".

(4)

في المطبوع و (أ): "جداده".

(5)

في (أ): "العين".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(7)

في المطبوع و (ج): "ما لم".

ص: 351

عليه] (1).

وذكر القاضي وابن عقيل رواية: أنها لا ترجع بما ضمنته بحال، وهو منزل على القول باستقرار الضمان على ص تلف (2) تحت يده، وإن كان أمينًا كما سبق.

ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاثة:

إحداهن: أن محلهما إذا لم يقل الغاصب: هذا ملكي، أو ما يدل عليه؛ فإن قال ذلك؛ فالقرار (3) عليه بغير خلاف لاعترافه باستقرار الضمان عليه ونفيه عن القابض، وهي طريقة "المغني"(4).

والثانية: إن ضمن المالك القابض ابتداءً؛ ففي رجوعه على الغاصب الروايتان (5) مطلقًا، وإن ضمن الغاصب ابتداءً، فإن كان القابض قد أقر [له بالملكية](6)؛ لم يرجع على القابض رواية واحدة، ولو قلنا: إن ما ينتفع به يستقر ضمانه عليه؛ لأنه بإقراره بالملك معترف بأن المستحق ظالم له بالتغريم؛ فلا يرجع بظلمه على غير ظالمه، وهي طريقة القاضي.

(1) في (ج): "ضمانه عليها".

(2)

في (ج): "تلفت".

(3)

في المطبوع: "فالمدار".

(4)

"المغني"(5/ 154/ 3967).

(5)

في (ب): "الروايتين".

(6)

في (ب): "بالملكية له".

ص: 352

والثالث: الخلاف في الكل من غير تفصيل، وهي طريقة أبي الخطاب وجماعة (1).

(اليد العاشرة): المتلفة للمال نيابةً عن الغاصب؛ كالذابح (2) للحيوان والطابخ له؛ فلا قرار عليها بحال، وإنما القرار على الغاصب؛ لوقوع الفعل له، فهو كالمباشر، كذا قال (3) القاضي وابن عقيل والأصحاب.

ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها فيما أتلفته (4)؛ كالمودع إذا تلف (5) تحت يده، وأولى؛ لمباشرتها للإتلاف.

ويتخرج وجه آخر بلا ضمان عليها بحال من نص أحمد فيمن حفر لرجل في غير ملكه بئرًا فوقع فيها إنسان، فقال الحافر (6): ظننت أنها في ملكه؛ فلا شيء عليه.

وبذلك جزم القاضي وابن عقيل في (كتاب الجنايات)(7)، مع اشتراك الحافر والآمر [في التسبب](8) وانفراد الحافر بمباشرة السبب، وإنما

(1) في المطبوع: "وغيره".

(2)

في المطبوع: "كالذبح".

(3)

في المطبوع و (ب): "قاله".

(4)

في المطبوع: "تلقه".

(5)

في المطبوع: "تلفت".

(6)

في (أ): "للحافر".

(7)

في (أ): "ومع".

(8)

في (ج): "بالتسبب".

ص: 353

سقط عنه الضمان (1) لعدم علمه بالحال، وها هنا؛ أولى لاشتراكهما (2) في ثبوت اليد، ولو أتلفته على وجه محرم شرعًا عالمة بتحريمه؛ كالقاتلة للعبد المغصوب، والمحرقة للمال بإذن الغاصب؛ ففي "التلخيص" يستقر عليها الضمان لأنها عالمة بالتحريم (3)؛ فهي كالعالمة بأنه مال الغير، ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور؛ لأنها غير عالمة بالضمان؛ فتغرير الغاصب لها حاصل، واللَّه أعلم.

* * *

(1) في (ب): "الضمان عنه" بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع و (ج): "لاشتراكها".

(3)

في المطبوع و (ج): "بتحريمه".

ص: 354

(القاعدة الرابعة والتسعون)

وقبض (1) مال الغير من يد قابضه بحق بغير إذن مالكه.

إن كان يجوز له إقباضه؛ فهو أمانة عند الثاني إن كان الأول أمينًا، وإلا؛ فلا، كان لم يكن (2) إقباضه جائزًا؛ فالضمان عليها.

ويتخرج [فيه](3) وجه آخر: ألا يضمن غير الأول، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): مودع المودع، فإن كان حيث يجوز الإيداع؛ فلا ضمان على واحد منهما، وإن كان (4) حيث لا يجوز؛ فالضمان على الأول، وفي الثاني وجهان سبق ذكرهما.

- (ومنها): المستأجر من المستأجر، فإن كان حيث يجوز الإيجار (5) بأن كان لمن يقوم مقامه في الانتفاع؛ فلا ضمان، وإلا؛ ثبت (6) الضمان عليهما (7)، وقراره في العين على الأول.

(1) في المطبوع: "قبض"، وفي (ج):"لو".

(2)

في المطبوع: "يك".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج)، وفي (ب):"منه" بدلها.

(4)

في (أ): "كانت".

(5)

في (ج): "يجوز له الإيجار".

(6)

في المطبوع: "فلا يثبت".

(7)

في المطبوع و (ب): "عليها".

ص: 355

ويتخرج وجه آخر: أن (1) لا ضمان على الثاني بحال من المودع.

- (ومنها): مضارب (2) المضارب، حيث يجوز (3)؛ فهو أمين، وهل الثاني مضارب للمالك والأول وكيل في العقد لا شيء له من الربح، أو هو مضارب للأول فالربح بينهما؟

على وجهين، جزم القاضي (4) في "المجرد" بالأول، ثم اختار الثاني فيما إذا دفعه مضاربة وقلنا: لا يجوز له ذلك، وحيث منع من دفعه مضاربة؛ فللمالك تضمين أيهما شاء، ويرجع الثاني على الأول إن لم يعلم بالحال؛ لدخوله على الأمانة.

وفيه وجه آخر: لا يرجع؛ لحصول التلف تحت يده، وقد سبق أصله.

ويتخرج: أن لا يضمن الثاني بحال؛ كان علم بالحال؛ فهل هو كالغاصب لا أجرة له، أو كالمضارب المتعدي أجرة المثل؟

يحتمل وجهين، قاله صاحب "التلخيص"، وحكاهما صاحب "الكافي" روايتين من غير تقييد بحالة العلم (5).

- (ومنها): وكيل الوكيل حيث لا يجوز له التوكيل، وهو (6)

(1) في المطبوع: "أنه".

(2)

في (ج): "مضاربة".

(3)

في المطبوع و (ج): "يجوز له".

(4)

في المطبوع: "جزم به القاضي".

(5)

انظر: "الكافي"(2/ 280).

(6)

في المطبوع و (ب): "فهو".

ص: 356

كالمضارب في (1) الضمان.

- (ومنها): المستعير من المستعير، فإن قلنا بجوازه؛ فكل مهما ضامن للعين دون المنفعة لدخوله على ذلك على بصيرة، وإذا تلف (2) عند الثاني؛ ضمنه المالك كما لو كان هو المعير له، ولم يرجع على الأول لانتفاء التغرير، وإن قلنا بالمنع، وهو المشهور؛ فللمالك مطالبة كل منهما بضمان العين والمنفعة والقرار (3) على الثاني لحصول التلف [في](4) يده إن كان عالمًا بالحال، ومع عدم العلم يستقر عليه ضمان العين دون المنفعة؛ فإنه يستقر ضمانها على الأول لتغريره، كذا قال الأصحاب.

ويتخرج وجه آخر: إنه لا يضمن الثاني إذا لم يعلم بالحال.

- (ومنها): المستعير من المستأجر، قال في "التلخيص": هو أمين [في](5) الصحيح؛ لقبضه من يد أمين؛ فلا يكون ضامنًا.

- (ومنها): المشتري من الوكيل المخالف مخالفة يفسد بها البيع إذا تلف المبيع في يده؛ فللموكل تضمين القيمة من شاء (6) من الوكيل والمشتري على المشهور، ثم إن ضمن الوكيل؛ رجع على المشتري لتلفه في يده.

(1) في (أ): "وفي" بزيادة واو.

(2)

في المطبوع و (ج): "فإذا تلفت".

(3)

في المطبوع: "والمدار".

(4)

في (ج): "تحت".

(5)

في المطبوع و (ب): "على".

(6)

في المطبوع: "شاء منهما من".

ص: 357

(القاعدة الخامسة والتسعون)

من أتلف [مال غيره](1) وهو يظن أنه له، أو تصرف فيه يظن لنفسه ولاية عليه، ثم تبين (2) خطأ ظنه (3).

فإن كان مستندًا إلى سبب ظاهر من غيره، ثم تبين خطأ المتسبب، أو أقره (4) بتعمده للجناية؛ ضمن المتسبب، وإن كان مستندًا إلى اجتهاد مجرد؛ كمن دفع مالًا تحت يده إلى من يظن أنه مالكه أو أنه يجب الدفع إليه، أو أنه يجوز ذلك، أو دفع ماله الذي يجب عليه إخراجه لحق اللَّه [تعالى](5) إلى من يظنه مستحقًّا، ثم تبين الخطأ؛ ففي ضمانه قولان، وإن تبين أن المستند لا يجوز الاعتماد عليه، ولم يتبين أن الأمر بخلافه؛ فإن تعلق به حكم فنقص؛ فالضمان على المتلف، وإلا؛ فلا ضمان، ويندرج تحت هذه الجملة مسائل:

(1) في (ج): "مالًا لغيره".

(2)

في المطبوع: "يتبين".

(3)

انظر حول هذه القاعدة: "المنثور"(2/ 53) للزركشي، و"الأشباه والنظائر"(ص 161) لابن نجم، و (ص 157) للسيوطي، و (1/ 162) لابن السبكي، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 327)

(4)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"أو أقر".

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من (ب).

ص: 358

- (منها): أن يشهد شاهدان بموت زيد، فيقسم ماله بين ورثته، ثم تبين (1) بطلان الشهادة بقدومه حيًّا؛ فنص أحمد في "رواية الميموني": أنهما يضمنان المال، ولم يتعرض للورثة، وظاهر كلامه استقرار الضمان على الشهود (2) أو اختصاصهم به، وهو في الجملة موافق لقوله المشهور (3) عنه في تقرير الضمان على الغار كما سبق، وقال القاضي: يحتمل أن يكون أغرم الورثة، ورجعوا بذلك على الشهود لتغريرهم، ولا ضمان هنا على الحاكم! لأنه ملجأ إلى الحكم [جرحة](4) الشهود.

ونقل أبو النصر العجلي (5) عن أحمد في حاكم رجم رجلًا بشهادة أربعة بالزنا، ثم تبين أنه مجبوب: أن الضمان على الحاكم، ولعل تضمينه ها هنا لتفريطه؛ إذ المجبوب لا يخفى أمره غالبًا؛ فترك (6) الفحص عن حاله تفريط.

(1) في المطبوع و (ج): "يتبين".

(2)

في المطبوع: "المشهور".

(3)

في (ج): "موافق للمشهور".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "من جهة".

(5)

هو إسماعيل بن عبد اللَّه بن ميمون بن عبد الحمد بن أبي الرِّجال، أبو النَّصر العجلي، مروزيّ الأصل، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 105):"سمع. . . وإمامنا ونقل عنه مسائل كثيرة"، مات سنة سبعين ومئتين وعمره أربعًا وثمانين سنة.

ترجمته في: "طقبات الحنابلة"(1/ 105)، و"المنهج الأحمد"(1/ 238، 376)، و"المقصد الأرشد"(1/ 263 - 264).

(6)

في المطبوع و (ب): "فتركه".

ص: 359

- (ومنها): لو حكم الحاكم بمال، ثم رجع الشهود وصرحوا بالخطأ أو التعمد بشهادة (1) الزور؛ فإن الضمان يختص بهم لاعترافهم، ولا ينقض (2) حكم الحاكم بمجرد ذلك، ولا يرجع على المحكوم له بشيء، كما لو باع عينًا أو وهبها (3) أوأقر بها لرجل ثم أقر بها بعد [ذلك](4) لآخر؛ فإنه لا يقبل إقراره على الأول، ويضمن الثاني.

- (ومنها): أن يحكم الحاكم بمال ويستوفي، ثم تبين (5) أن الشهود فساق أو كفار؛ فإن حكمه في الباطن غير نافذ بالاتفاق، نقله [عنه](6) أبو الخطاب في "انتصاره"، وأما في الظاهر؛ فهو نافذ، وهل يجب نقضه؟

المذهب وجوبه، وهو قول الخرقي (7)؛ لتبين (8) انتفاء شرط الحكم، فلم يصادف محلًّا، ثم يجب ضمان المال على المحكوم له [به] (9) لإتلافه له مباشرة. قال القاضي: ولو كان المحكوم له معسرًا، فللمستحق مطالبة الإِمام، وقرار (10) الضمان على المحكوم له ولا شيء على المزكين بحال،

(1) في (ج): "لشهادة".

(2)

في المطبوع و (ب): "ولا ينتقض".

(3)

في (أ): "ووهبها".

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ب) و (ج).

(5)

في المطبوع و (ب): "يتبين".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(7)

في المطبوع و (ج): "قول الخرقي والقاضي".

وانظره مع: "المغني"(10/ 103 - 104/ 8239).

(8)

في المطبوع: "كتبين".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(10)

في المطبوع: "بقرار"، وفي (ج):"فقرار".

ص: 360

ولو حكم لآدمي بإتلاف نفس أو طرف؛ فطريقان:

أحدهما: هو كالمال؛ لأن المستوفي هو المحكوم له، والإمام ممكن لا غير، وهي طريقة "المحرر"(1).

والثاني: يضمنه الحاكم، صرح به القاضي في "المجرد"، وهو وفق إطلاق الأكثرين؛ لأن المحكوم له لم يقبض شيئًا؛ فنسب الفعل (2) إلى خطأ الامام، كما لو كان المستوفى حقًّا للَّه عز وجل (3)؛ فإن ضمانه على الإمام.

وحكى القاضي وغيره رواية أخرى: أنه لا ينقض الحكم إذا بأن الشهود فساقًا، ويضمن الشهود؛ كما لو رجعوا عن الشهادة، وهذا ضعيف جدًّا، ولا أصل لذلك في كلام أحمد، وإنما أخذوه من "رواية الميموني" في المسألة الأولى، وتلك لا فسق فيها؛ لجواز غفلة (4) الشهود، وإنما ضمنوا لتبين بطلان شهادتهم بالعيان؛ فهو أعظم من الرجوع، ولا يمكن بقاء (5) الحكم بعد تبين فساد المحكوم به عيانًا، ولا يصح إلحاق الفسق في الضمان بالرجوع؛ لأن الراجعين اعترفوا ببطلان شهادتهم وتسببهم إلى انتزاع مال المعصوم، وقولهم غير مقبول على نقض الحكم؛ فتعين تغريمهم، وليس ها هنا اعتراف ينبني (6) عليه التغريم؛ فلا وجه له؛

(1) انظر: "المحرر"(2/ 347).

(2)

في (ج): "الحكم".

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "حقًّا للَّه تعالى عز وجل".

(4)

في المطبوع: "عقله"!

(5)

في (ج): "إبقاء".

(6)

في المطبوع و (ج): "يبنى".

ص: 361

فالصواب الجزم بأنه لا ضمان على أحد على القول بأن الحكم لا ينقض؛ كما جزم به في "المحرر"(1).

- (ومنها): إذا وصى إلى (2) رجل بتفريق ثلثه ففعل، ثم تبين (3) أن عليه دينًا مستغرقًا للتركة؛ ففي ضمانه روايتان، ولكن هنا لم يتصرف في ملك الغرماء، بل فيما تعلق به حقهم، [ولكنه تعلق قوي](4)، لا سيما إن قلنا: لم ينتقل إلى الورثة، ولهذا قال أحمد في "رواية ابن منصور": التركة (5) هي للغرماء لا للورثة، ولهذا لا يملك الورثة التصرف فيها إلا بشرط الضمان.

وخرج الشيح تقي الدين على هذا الخلاف كل من تصرف بولاية في مال، ثم تبين أنه مستحق (6).

- (ومنها): لو وصى لشخص بشيء، فلم يعرف الموصى له؛ صرفه الوصي أو الحاكم فيما يراه من أبواب البر، فإن جاء الموصى له وأثبت ذلك؛ فهل يضمن المفرق ما فرقه؟

على روايتين، قال ابن أبي موسى: أظهرهما لا ضمان عليه، وقال أبو بكر في "الشَّافي": إنْ فعله الوصي بإذن الحاكم؛ لم يضمن، وإن

(1) انظر: "المحرر"(2/ 343).

(2)

في (ب): "إذا أوصى إلى"، وفي (ج):"إذا وصى لـ".

(3)

في المطبوع: "يتبين".

(4)

في (ب): "ولكنه تعلق قولي"، وفي (ج):"ولكن تعلّقه قوي".

(5)

في المطبوع و (ج): "في التركة".

(6)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 194) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ص: 362

[كان](1) بدون إذنه؛ ضمن.

- (ومنها): لو اشترى الورثة عبدًا من التركة وأعتقوه تنفيذًا لوصية مورثهم بذلك، ثم ظهر دين مستغرق؛ فإنهم يضمنون للغرماء، ذكره القاضي وابن عقيل.

ويتخرج فيه وجه آخر بانتفاء الضمان من مسألة الوصي.

- (ومنها): لو اشترى المضارب من يعتق على رب المال (2)؛ صح، وعتق عليه، وهل يضمن (3) العامل؟

فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يضمن بكل حال، سواء كان عالمًا بالحال أو جاهلًا، قاله القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب (4).

والثاني: إن كان جاهلًا؛ لم يضمن، وإن كان عالمًا؛ ضمن، كما لو عامل فاسقًا أو مماطلًا، أو سافر سفرًا مخوفًا، أو دفع الوصي وأمين (5) الحاكم مال اليتيم مضاربة إلى من ظاهره العدالة، فبان بخلافه؛ فإنه لا

(1) في المطبوع: "فعله".

(2)

في المطبوع و (ج): "على رب المال بغير إذنه".

(3)

في المطبوع: "يضمنه".

(4)

قال في "كتاب الهداية"(1/ 175): "وفي قدره روايتان:

إحداهما: يلزمه الئمن الذي اشتراه به.

والثانية: القيمة".

ونقل عن أبي بكر قوله الآتي من "التنبيه".

(5)

في المطبوع: "أو أمين".

ص: 363

ضمان في ذلك كله إلا مع العلم، وهو قول أبي بكر في "التنبيه" والقاضي في "خلافه".

والثالث: لا ضمان بكل حال، حكاه أبو بكر، وعلى (1) الضمان؛ فهل (2) يضمنه بالثمن المشتري أو بقيمة المثل ويكون شريكًا في الربح الزائد؟

على قولين (3) ذكرهما أبو بكر.

- (ومنها): إذا دفع القصار ثوب رجل إلى غيره خطأ، فتصرف فيه المدفوع إليه بقطع أو لبس يظنه ثوبه؛ فنقل حنبل عن أحمد في قصار أبدل الثوب فأخذه صاحبه فقطعه وهو لا يعلم: أنه ثوبه، قال على القصار إذا أبدل قيل له: فإن كان مالًا فأنفقه؟ قال: [ليس هذا](4) مثل المال على الذي أنفقه؛ لأنه مال تلف؛ ففرق بين المال إذا أنفق وتلف وبين الثوب إذا قطع؛ لأن العين هنا موجودة فيمن الرجوع فيها ويضمن نقصها القصار بجنايته (5) خطأ.

وظاهر كلامه [أنه لا يضمن](6) القاطع؛ لأنه مغرور، ولم (7) يدخل

(1) في المطبوع: "على".

(2)

في المطبوع: "هل".

(3)

في المطبوع: "وجهين".

(4)

في (ج): "هذا ليس" يتقديم وتأخير.

(5)

في المطبوع و (ج): "لجنايته".

(6)

في المطبوع: "أن لا شيء على".

(7)

في (ب): "لم".

ص: 364

على الضمان، أما إن دفع إليه دراهم غيره يظنه صاحبها، فأنفقها؛ فالضمان على المنفق؛ وإن كان مغرورًا لتلف المال تحت يده بانتفاعه به، وذلك مقرر للضمان مع [التعزير في](1) إحدى الروايتين.

ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في هذه المسألة أنه ذكر له قول مالك: لا يغرم الذي لبسه ويغرم الغسال لصاحب الثوب. فقال: لا يعجبني ما قال، ولكن إذا هو لم يعلم، فلبسه؛ فإن عليه ما نقص ليس على القصار شيء، فأوجب هنا الضمان (2) على اللابس لاستيفائه المنفعة دون الدافع؛ لأنه (3) لم يتعمد الجناية، فكأن إحالة الضمان على المستوفي للنفع أولًا.

وهذه الرواية توافق ما قبلها في تقرير الضمان على المنتفع، لا سيما والدافع هنا معذور (4)، وإنما ضمن القصار القطع؛ لأنه تلف لم يحدث من انتفاع القابض؛ فكان ضمانه على الدافع لنسبته إليه.

فالروايتان إذًا متفقتان، ومن الأصحاب من جعلهما مختلفتين في أن الضمان هل هو على القصار أو [على](5) المدفوع إليه، ثم منهم من حمل رواية ضمان القصار على أنه كان أجيرًا مشتركًا فيضمن جناية يده ورواية عدم ضمانه على أنه كان أجيرًا خاصًّا؛ فلا يضمن جنايته ما لم يتعمدها،

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "اليد على".

(2)

في (ج): "الضمان هنا".

(3)

في المطبوع: "الدافع بأنه"، وفي (ب):"الدفع لأنه".

(4)

في (ج): "مغرور".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 365

وأشار القاضي في "المجرد" إلى ذلك (1).

- (ومنها): لو دفع الملتقط اللقطة إلى واصفها، ثم أقام غيره البينة أنها له، فإن كان الدفع بحكم حاكم؛ فلا ضمان على الدافع، وإن كان بدونه؛ فوجهان:

أحدهما: لا ضمان لوجوب الدفع (2) عليه؛ فلا ينسب إلى تفريط.

والثاني: عليه الضمان، وهو قول القاضي، ثم يرجع به على الواصف؛ إلا أن يكون قد أقر له بالملك.

أما لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها، ثم تبين الخطأ؛ فقال الأصحاب: يضمن لتفريطه.

ويتخرج فيه وجه آخر: أن الضمان على المتلف وحده، وهو ظاهر ما نقله حنبل عن أحمد في مسألة القصار، ولو قتل من يظنه قاتل أبيه لاشتباهه به في الصورة؛ قتل به لتفريطه في اجتهاده، ذكره ابن عقيل في "مفرداته".

ويتخرج (3)[فيه وجه آخر](3): أن لا قود، وأنه يضمن بالدية، كما لو قطع يسار قاطع يمينه ظانًّا أنها اليمين؛ فإنه لا قود، وسواء كان الجاني عاقلًا أو مجنونًا، وفي وجوب الدية [له](4) وجهان.

(1) في المطبوع و (ج): "إلى ذلك في المجرد" بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع: "الدافع"!

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 366

- (ومنها): لو مضى على المفقود (1) من تجوز فيه قسمة ماله، فقسم، ثم قدم؛ فذكر القاضي أن أبا يكر حكى في ضمان ما تلف في أيدي الورثة منه روايتين، والمنصوص عن أحمد في "رواية الميموني" و"ابن منصور" [وأبي داود] (2): عدم الضمان، وهو الذي ذكره أبو بكر في "التنبيه"، ووجهه أنه جاز اقتسام المال في الظاهر والتصرف فيه، ولهذا يباح لزوجته أن تتزوج، وإذا قدم خير بينها وبين المهر؛ فجعل التصرف فيما يملكه من مال وبضع موقوفًا على تنفيذه وإجازته ما دام موجودًا، فإذا تلف؛ [فقد](3) مضى الحكم فيه ونفذ، فإن إجازته ورده إنما يتعلق بالموجود لا بالمفقود، وقد نص أحمد في "رواية أبي طالب" على أنه إذا قدم بعد أن تزوجت زوجته وماتت؛ فلا خيار له ولا يرثها، ويشبه ذلك اللقطة إذا قدم المالك بعد الحول والتملك وقد تلفت؛ فالمشهور أنه يجب ضمانها للمالك، وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى: أنه لا يجب الضمان مع

(1) عرفه في "رواية صالح"(3/ 192/ 1632) بقوله: "المفقود إذا ركب البحر، وإذا لقي العدو، وإذا خرج للصلاة، فأما إذا كان بالبصرة ثم خرج إلى سواها؛ فلا".

وقال صالح أيضًا (1/ 201/ رقم 126 - 127): "قال: والمفقود أن يفقد الرجل في الحرب، أو يكسر به في البحر، أو يكون نائمًا على فراشه فلا يرى، ونحو ذلك. قلت: فالرجل يغيب عن أهله ولا يدرى مكانه؟ قال: ليس هذا بمفقود".

وانظر: "مسائل عبد اللَّه"(345/ 1273)، و"مسائل ابن هانئ"(1/ 216/ 1052).

(2)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط، والمذكور في "مسائل أبي داود"(ص 178).

(3)

في (ج): "وقد".

ص: 367

التلف، وإنما يجب الرد مع بقاء العين.

- (ومنها): لو قبضت المطلقةُ البائن النفقةَ يظن أنها حامل، [ثم بانت حائلًا](1)؛ ففي الرجوع عليها روايتان.

- (ومنها): لو غاب الزوج، فأنفقت الزوجة من ماله، ثم تبين موته؛ فهل يرجع عليها [بما أنفقته بعد موته](2)؟.

على روايتين.

- (ومنها): لو دفع زكاة ماله (3) أو كفارته إلى من بظنه فقيرًا، فبان أنه غني؛ ففي وجوب الضمان عليه روايتان، أصحهما أن لا ضمان، وكذلك لو كان العامل هو الدافع، قاله القاضي في "الأحكام السلطانية"(4)، وقال في "المجرد": لا يضمن الإمام بغير خلاف؛ لأنه أمين، ولم يفرط لأن هذا لم يمكن الاحتراز منه، وإن بأن عبدًا أو كافرًا أو هاشميًّا؛ فقيل: هو على الخلاف، وبه جزم ابن عقيل في "الفنون"(5)، وكذلك ذكر القاضي في آخر "الجامع الصغير"؛ إلا أنه خرج الخلاف في الضمان هنا على القول بعدمه في الغنى (6)، وقيل: لا يجزئه رواية واحدة؛ لظهور التفريط في الاجتهاد، فإن هذه الأوصاف لا تخفى بخلاف الغنى،

(1) في المطبوع: "ثم بانت حاملًا"، وفي (ج):"فبانت حائلًا".

(2)

في المطبوع: "بما أنفقته بعد الموت"، وفي (ب):"بالنفقة بعد موته".

(3)

في المطبوع و"ج": "زكاته".

(4)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 135).

(5)

في المطبوع: "فنونه".

(6)

في المطبوع: "المغني"!!

ص: 368

وإن بان أنه بسبب نفسه؛ فطريقان:

أحدهما: لا يجزئ (1) قولًا واحدًا.

[والثاني: هو كما لو بان](2) غنيًّا.

والمنصوص ها هنا الإجزاء؛ لأن المانع خشية المحاباة؛ وهو منتف مع عدم العلم.

قال الشيخ تقي الدين: وعلى قياس ذلك مال الفيء والخمس والأموال الموصى بها والموقوفة إذا ظن المتصرف فيها أن الآخذ مستحق فأخطأ.

* * *

(1) في المطبوع و (ج): "يجزئه".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كما لو بأن أنه عند نفسه، والثاني هو لو بان"، وفي (ج)"كما لو بان عند نفسه، والثاني هو كما لو بان"، ومن (ب) سقطت "كما".

ص: 369

(القاعدة السادسة والتسعون)

من وجب عليه أداء عين مال، فأداه عنه غيره بغير إذنه؛ هل تقع موقعه وبنتفي الضمان عن المؤدي؟

هذا على قسمين:

أحدهما: أن تكون العين ملكًا لمن وجب عليه الأداء، وقد تعلق بها حق [الغير](1)، فإن كان المتصرف له ولاية التصرف؛ وقع الموقع ولا ضمان، ولو كان الواجب دينًا؛ وإن لم يكن له ولاية؛ فإن كانت العين متميزة بنفسها؛ فلا ضمان، ويجزئ (2)، وإن لم تكن متميزة من بقية ماله؛ ضمن ولم يجزئ، إلا أن يجيز المالك التصرف، ويقول (3) بوقف عقود الفضولي على الإجازة، ويتفرع على هذا مسائل:

- (منها): لو امتنع من وفاء دينه وله مال، فباع الحاكم ماله ووفاه عنه؛ صح، وبرئ منه ولا ضمان.

- (ومنها): لو امتنع من أداء الزكاة، فأخذها الإمام منه قهرًا؛ فإنها (4)

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع:"للغير".

(2)

في (ج): "وتجزئ".

(3)

في (ب): "ويقول"، وفي المطبوع:"فنقول".

(4)

في المطبوع و (ج): "فإنه".

ص: 370

تجزئ عنه ظاهرًا وباطنًا في أصح الوجهين، وهو ظاهر كلام [الإمام](1) أحمد والخرقي (2)؛ لأن للإمام ولاية على الممتنع، وهذا حق تدخله النيابة، فوقع موقعه.

- (ومنها): لو تعذر استئذان من وجبت عليه الزكاة لغيبة (3) أو حبس، فأخذ الساعي الزكاة من ماله؛ سقطت عنه.

- (ومنها): ولي الصبي والمجنون يخرج عنهما الزكاة، ويجزئ؛ كما يؤدي عنهما سائر الواجبات المالية من النفقات والغرامات (4).

- (ومنها): إذا عين أضحية، فذبحها غيره [عنه](5) بغير إذنه؛ أجزأت عن صاحبها، ولم يضمن الذابح شيئًا، نص عليه؛ لأنها متعينة للذبح ما لم يبدلها، وإراقة دمها واجب؛ فالذابح قد عجل الواجب، فوقع موقعه.

ولا فرق عند الأكثرين بين أن تكون معينة ابتداءً، أو عن واجب في الذمة.

وفرق صاحب "التلخيص"[بين ما وجب في الذمة وغيره](6) وقال: المعينة [عن واجب](7) في الذمة يشترط لها نية المالك (8) عند الذبح؛ فلا

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ج).

(2)

كما في "مختصره"(2/ 265/ 1761 - مع "المغني").

(3)

في (ج): "لغيبته".

(4)

انظر مسألة الزكاة في مال الصبي في "الفنون"(1/ 399/ 362) لابن عقيل.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عنها".

(8)

في المطبوع بعد قوله "نية المالك": "غيره بغير إذنه، فقال".

ص: 371

يجزئ ذبح غيره لها بغير إذنه؛ فيضمن.

- (ومنها): لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد، فأطلقه [غيره بغير إذنه؛ فقال] (1) القاضي والأكثرون: لا يضمن؛ لأنه فعل الواجب عليه، كما لو أدى عنه دينه في هذه (2) الحال.

وفي "المبهج" للشيرازي: أنه يضمن (3)؛ لأن ملكه لم يزل عنه، وإرسال [الصيد](4) إتلاف يوجب الضمان؛ فهو كقتله، اللهم إلا أن يكون المرسل حاكمًا أو ولي صبي؛ فلا ضمان للولاية، وهذا كله بناءً على قولنا: يجب عليه إرساله وإلحاقه بالوحش، وهو المنصوص.

أما إن قلنا: يجوز له نقل يده إلى غيره بإعارة أو إيداع -كما قاله القاضي في "المجرد" وابن عقيل في (باب العارية) -؛ فالضمان واجب بغير إشكال.

- (ومنها): لو نذر الصدقة بمال معين، فتصدق [به] (5) عنه غيره؛ ففيه وجهان:

أحدهما: لا ضمان عليه؛ كالأضحية، وهو اختيار أبي الخطاب في "الانتصار"(6)، سواء قيل بزوال ملكه أو امتناع الإبدال، كما (7) اختاره، أو

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع و (ب): "هذا".

(3)

في المطبوع: "أنه لا يضمن"، والصواب حذف "لا".

(4)

في المطبوع: "الغير".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في المطبوع و (ج): "انتصاره".

(7)

في المطبوع: "كما لو".

ص: 372

ببقاء الملك وجواز الإبدال؛ إذ لا فرق بين الدراهم المنذورة وبين الأضحية في ذلك.

والثاني (1): الضمان، وهو قول القاضي وابن عقيل.

ويشكل الفرق بينه وبين الأضحية [لا سيما والنقود (2) لا تتعين بالتعيين في العقود على إحدى الروايتين، بخلاف الحيوان، وقد يقال في الفرق: إن الأضحية إنما يجوز إبدالها بخير منها، والنقود متساوية غالبًا؛ فلا معنى لإبدالها](3).

وقد أشار القاضي إلى الفرق بأن النذر يحتاج إخراجها (4) إلى نية كالزكاة، وهذا (5) ممنوع، بل نقول في نذر الصدقة بالمعين ما نقول في الأضحية المعينة.

وأما إذا أدى غيره زكاته الواجبة من ماله أو نذره الواجب في الذمة أو كفارته من ماله بغير إذنه، حيث لا ولاية له عليه؛ فإنه يضمن في المشهور؛ لأنه لا يسقط به فرض المالك لفوات النية المعتبرة منه وممن يقوم مقامه، وخرج الأصحاب نفوذه بالإجازة من نفوذ تصرف الفضولي بها، وهذا الذي ذكرناه في العبادات؛ كالزكاة والأضحية والنذر إنما هو إذا نواه المخرج عن المالك، فأما [إن](6) نوى عن نفسه، وكان عالمًا بالحال، فهو غاصب

(1) في المطبوع: "الثاني".

(2)

في المطبوع: "والمنقول".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(4)

في (ب): "إخراجه يحتاج" بتقديم وتأخير.

(5)

في (ج): "وهو".

(6)

في (ج): "إذا".

ص: 373

محض؛ فلا يصح تصرفه لنفسه بأداء الزكاة ولا بذبح الأضحية والهدي ولا غيرهما؛ لأنه وقع من أصله تعديًا، وذلك ينافي التقرب.

وخرج بعض الأصحاب وجهًا [بوقفه على الإجازة من القول بوقف تصرف الغاصب، وربما](1) ذكره بعضهم رواية في الزكاة، وخرجه ابن أبي موسى وجهًا في العتق، لكن إذا التزم ضمانه في ماله، وهذا شبيه بتصرف الفضولي، وهل يجزئ عن المالك في هذه الحال أم لا؟

حكى القاضي [والأكثرون](2) في الأضحية روايتين، والصواب أن الروايتين تتنزل على اختلاف حالين (3) لا على اختلاف قولين؛ فإن نوى الذابح الذبح (4) عن نفسه مع علمه بأنها أضحية الغير؛ لم يجزئ لغصبه واستيلائه على مال الغير وإتلافه له عدوانًا، وإن كان يظن الذابح أنها أضحيته (5) لاشتباهها عليه؛ أجزأت عن المالك.

وقد نص أحمد على الصورتين في "رواية ابن القاسم" و"سندي" مفرقًا بينهما مصرحًا بالتعليل المذكور، وكذلك الخلال فرق بينهما وعقد لهما بابين منفردين؛ فلا تصح (6) التسوية بعد ذلك، ومتى قيل بعدم الإجزاء؛ فعلى الذابح الضمان، لكن هل يضمن أرش الذبح أو كمال

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "حالتين".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "بالذبح".

(5)

في المطبوع: "أضحية".

(6)

في المطبوع: "يصح".

ص: 374

القيمة؟

أما على رواية تحريم ذبيحة الغاصب؛ فضمان القيمة متعين، و [أما](1) على القول بالحل، وهو المشهور؛ فقد يقال: إن كانت معينة عن واجب في الذمة؛ فحكم هذا الذبح حكم عطبها، وإذا عطبت؛ فهل ترجع إلى ملكه؟

على روايتين، فإن قيل برجوعها إلى ملكه؛ فعلى الذابح أرش نقص الذبح خاصة، كان قيل: لا يرجع إلى ملكه؛ فالذبح حينئذ بمنزلة إتلافها بالكلية؛ فيضمن الجميع، ويشتري المالك بالقيمة ما بذبحه عن الواجب عليه، [ويتصدق بالكل](2)، كان كانت معينة ابتداءً أو تطوعًا؛ فقد فوت على المالك التقرب بها وكونها أضحية أو هديًا، لكن على وجه لا يلزمه بدلها؛ فيحتمل أن يتصدق بلحمها، كالعاطب دون محله، ويأخذ أرش الذبح من الذابح ويتصدق به، ويحتمل أن يضمنه قيمتها، وهو أظهر؛ لأنه فوت عليه التقرب بها على وجه لا يعود إليه منبها شيء؛ فهو كإتلافها.

وأما إذا فرق الأجنبي اللحم؛ فقال الأصحاب: لا يجزئ؛ لأن أحمد قال في رواية ابن منصور فيما إذا ذبح كل واحد أضحية الآخر: يعتقد (3) أنها أضحيته أنهما يترادان اللحم. قالوا: وإن تلف؛ فعليه ضمان قيمته.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "ويصرف لكل مصرف الأضحية".

(3)

في (ب): "معتقدًا".

ص: 375

وأبدى ابن عقيل في "فنونه" احتمالًا بالإجزاء؛ لأن التفرقة ليست واجبة على المالك، بدليل ما لو ذبحها فسرقت، ويشهد له قول أحمد في "رواية المروذي" وغيره في رجل اشترى لقوم نسكًا، فاشترى لكل واحد شاة، [ثم] (1) لم يعرف (2) هذه من هذه؛ قال: يتراضيان ويتحالان، ولا بأس أن يأخذ كل واحد شاة بعد التحليل؛ فدل على أن التفريق إذا وقع عن (3) غير قصد ولا تعمد إنه يجزئ، ولولا ذلك؛ لم تجز التضحية بهذه الأضحية المشتبهة، وقد يكون عن واجب في الذمة، ويحمل قوله "يترادان (4) اللحم" مع بقائه.

القسم الئاني: أن يكون الواجب أداؤه غير مملوك له؛ فاداه الغير إلى مستحقه، فإن كان مستحقه معينًا؛ فإنه يجزئ ولا ضمان، وإن لم يكن معينًا؛ ففي الاجزاء خلاف، ويندرج تحت ذلك مسائل:

- (منها): الغصوب (5) والودائع إذا أداها أجنبي إلى (6) المالك؛ أجزأت ولا ضمان.

- (ومنها): إذا اصطاد المحرم صيدًا في إحرامه، فأرسله غيره من يده؛ فلا ضمان.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في (ج): "تعرف".

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "من".

(4)

في (ج): "ويترادان".

(5)

في المطبوع و (ب) و (ج): "المغصوب".

(6)

في (ب): "إلى أجنبي".

ص: 376

- (ومنها): إذا دفع أجنبي عينًا موصى بها إلى مستحق معين؛ لم يضمن، ووقعت موقعها، وكذا لو كانت الوصية بمال غير معين، بل مقدر، وإن كانت لغير معين؛ ففي الضمان وجهان، ونص أحمد في رواية حنبل فيمن بيده وديعة وص بها لمعين (1) أن المودع يدفعها إلى الموصى له والورثة. قيل له: فإن دفعها إلى الموصى له يضمن؟ قال: أخاف. قيل له: فيعطيه القاضي؟ قال: لا، ولكن يدفعه إليهم.

ونص في "رواية مُهنَّأ" على ضمانه بالدفع إلى الموصى [له](2)، وهذا محمول على [أن الوصية لم تثبت](3) ظاهرًا، وصرح الأصحاب بأنه لو كان عليه دين ووصى (4) به صاحبه لمعين؛ كان مخيرًا بين (5) دفعه إلى الورثة والموصى له؛ لأنه صار حقًّا له (6)؛ فهو كالوارث المعين، وعلى هذا يتخرج دفع مال الوقف إلى مستحقه المعين مع وجود الناظر فيه.

* * *

(1) في المطبوع و (ج): "المعين".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "أنه لم تثبت الوصية".

(4)

في المطبوع: "فوصى".

(5)

في المطبوع: "في".

(6)

في (ج): "صار حقٌّ".

ص: 377

(القاعدة السابعة والتسعون)

من بيده مال أو في ذمته دين يعرف مالكه، ولكنه غائب يرجى قدومه.

فليس له التصرف فيه بدون إذن الحاكم؛ إلا أن يكون [يسيرًا](1) تافهًا؛ فله الصدقة به عنه، نص عليه في مواضع، وإن كان قد آيس من قدومه بأن (2) مضت مدة يجوز فيها أن تزوج امرأته ويقسم ماله وليس له وارث؛ فهل يجوز التصرف في ماله بدون إذن الحاكم؟

[قد يتخرج على وجهين، أصلهما الروايتان في امرأة المفقود: هل تتزوج بدون [إذن](3) الحاكم] (4) أم لا؟

[والمنصوص](5) في رواية صالح (6) جواز التصدق به، ولم [يعتبر

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في (ج): "فإن".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 201، 355 - 356/ 124، 125، 322، 3/ 120، 121/ 1472، 1473)، و"مسائل عبد اللَّه"(345/ 1273)، و"الفروع"(5/ 35)، و"المبدع"(8/ 127 - 128، 131 - 132)، و"الإنصاف" (7/ 235 - 236 =

ص: 378

حاكمًا] (1)، وإن لم يعرف مالكه، بل جهل جاز التصدق به عنه بشرط (2) الضمان بدون إذن حاكم (3) قولًا واحدًا على أصح الطريقين.

وعلى الثانية فيه روايتان، وهي طريقة القاضي في "كتاب الروايتين"(4)، وفي موضع من "المجرد" وجزم في موضع آخر منه بتوقف التصرف على إذن الحاكم، والأولى أصح.

ويتخرج على هذه القاعدة مسائل:

- (منها): اللقطة التي لا تملك إذا أجزنا (5) الصدقة بها أو التي يخشى فسادها إذا أراد التصدق بها؛ فالمنصوص جواز الصدقة بها من غير حاكم (6).

وذكر أبو الخطاب [رواية أخرى](7): أنه إن كان يسيرًا باعه وتصدق به، وإن كان كثيرًا (8) رفعه إلى السلطان. وقال: نقلها مهنا، ورواية مُهَنَّأ إنما

= و 9/ 188)، و"كشاف القناع"(5/ 487 - 489)، و"شرح منتهى الإرادات"(3/ 222).

(1)

في المطبوع: "يعين حاكمًا"، وفي (ج):"يعتبر الحاكم".

(2)

في المطبوع و (ب): "لشرط".

(3)

في المطبوع: "الحاكم".

(4)

انظر: "كتاب المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 224) للقاضي أبي يعلى.

(5)

في المطبوع: "أخرنا".

(6)

في (ج): "من غير إذن حاكم".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(8)

في (ب): "كبيرًا".

ص: 379

هي فيمن باع من رجل شيئًا ثم مات المشتري قبل قبضه، وخشي البائع فساده، وهذا مما له ملك معروف، ويمكن الاطلاع على معرفة ورثته؛ فليست المسألة نبه على ذلك الشيخ مجد الدين [رحمه الله](1).

- (ومنها): اللقيط إذا وجد معه مال؛ فإنه ينفق عليه منه بدون إذن حاكم ذكره ابن حامد، قال (2) أبو الخطاب (3): وروى عنه أبو الحارث ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذن الحاكم (4)، قال الشيخ مجد الدين: وهذه الرواية إنما هي في المودع أنه لا ينفق على زوجة المستودع وأهله في غيبته إلا بإذن الحاكم، وليس هذا نظير مسألتنا؛ لأن الولاية هنا على معروف؛ فنظيره من وجد طفلًا معروف النسب وأبوه (5) غائب (6).

- (ومنها): الرهون التي لا يعرف (7) أهلها، نص أحمد على جواز الصدقة بها في "رواية أبي طالب" وأبي الحارث وغيرهما، وتأوله القاضي في "المجرد" وابن عقيل على أنه تعذر إذن الحاكم؛ لما روى عنه أبو طالب أيضًا إذا كان عنده رهن وصاحبه غاثب وخاف فساده؛ يأتي السلطان ليأمر

(1) ما بين المعقوفتين زبادة من المطبوع.

(2)

في (د): "وقال".

(3)

في كتابه "الهداية"(1/ 205).

(4)

في المطبوع: "حاكم".

(5)

في المطبوع: "أبوه" من غير واو.

(6)

قال في "المحرر"(1/ 373) عن اللقيط: "وما وجد معه من نقد وعرض فوقه، أو تحته، أو مشدودًا إليه، أو بقربه، أو مدفونًا عده دفنًا طريًّا؛ فهو له، ولحاضنه أن ينفق عليه منه بدون إذن الحاكم. . . ".

(7)

في المطبوع: "لا تعرف"، وفي (أ) بدون تنقيط.

ص: 380

ببيعه، ولا يبيعه بغير إذن السلطان.

وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وغيره، وأقروا النصوص على وجوهها؛ فإن كان المالك معروفًا، لكنه غائب؛ رفع أمره إلى السلطان، وإن [كان مجهولًا](1)؛ جاز التصرف فيه بدون حاكم، كان علم صاحبه لكنه أيس منه؛ تصدق به عنه، نص عليه في "رواية أبي الحارث".

- (ومنها): الودائع التي جهل مُلَّاكُها (2)؛ يجوز التصدق (3) بها بدون حاكم، نص عليه، وكذلك إن فقد ولم يطلع على خبره وليس له ورثة؛ تصدَّق (4) به، نص عليه، ولم يعتبر حاكمًا، قال القاضي في "المجرد": فيحتمل أن يحمل على إطلاقه؛ لأنه من فعل المعروف، ويحتمل أن يحمل عند تعذر إذن الحاكم؛ لأن هذا المال مصرفه إلى بيت المال، وتفرقة مال بيت المال موكول (5) إلى اجتهاد الإمام. انتهى.

والصحيح الإطلاق، وبيت المال ليس بوارث على المذهب المشهور، وإنما يحفظ فيه المال الضائع، فإذا أيس من وجود صاحبه؛ فلا معنى للحفظ، ومقصود الصرف في مصلحة المالك تحصل بالصدقة به عنه، وهو أولى من الصرف إلى بيت المال؛ لأنه ربما صرف عند (6) فساد بيت المال إلى غير مصرفه.

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "جهل".

(2)

في المطبوع و (ج): "مالكها".

(3)

في المطبوع: "التصرف".

(4)

في (ج): "وليس له وارث تصدق به"، وفي المطبوع:"يتصدق به".

(5)

في المطبوع و (ب): "موكولة".

(6)

في المطبوع: "عن".

ص: 381

وأيضًا؛ فالفقراء مستحقون من مال بيت المال، فإذا وصل إليهم (1) هذا المال على غير يد الامام؛ فقد حصل المقصود، [ولهذا قلنا على أحد الوجهين: إذا فرق الأجنبي الوصية، وكانت لغير معين كالفقراء؛ فإنها تقع الموقع، ولا يضمن كما لو كانت الوصية لمعين] (2).

وعلى هذا الأصل يتخرج جواز أخذ الفقير (3) الصدقة من يد من ماله حرام؛ كقطاع الطريق، وأفتى القاضي بجوازه، ونص أحمد في "رواية صالح" فيمن كانت عنده وديعة (4)، فوكل في دفعها، ثم مات، وجهل ربها، وأيس من الاطلاع عليه يتصدق بها عنه (5) الوكيل، وورثة الموكل في البلد الذي كان صاجها فيه، حيث يرون أنه كان وهم ضامنون إذا ظهر له وارث واعتبار الصدقة في موضع المالك مع الجهل به، وقد (6) نص على مثله في الغصب (7) وفي مال الشبهة (8)، واحتج بأن عمر جعل الدية على أهل

(1) في المطبوع و (ج): "لهم".

(2)

في (ب): "بمعين"، وما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع و (ب): "الفقراء".

(4)

في المطبوع و (ب): ودائع".

(5)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 288/ 232).

(6)

في (أ)"قد".

(7)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 287/ 230)، و"مسائل عبد اللَّه"(308 - 309، 313/ 1148، 1163)، و"الفروع"(4/ 513)، و"المبدع"(5/ 187 - 188).

(8)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 287/ 231)، و"مسائل عبد اللَّه"(313/ 1163)، و"المبدع"(5/ 189)، و"الإنصاف"(6/ 209)، و"المقنع"(2/ 251 - حاشيته).

ص: 382

القرية (1)(يعني: إذا جهل القاتل)، وجه (2) الحجة منه أن الغرم لما اختص بأهل المكان الذي فيه الجاني؛ لأن الظاهر إن الجاني أو عاقلته المختصين بالغرم لا يخلو المكان عنهم (3)؛ فكذلك الصدقة بالمال المجهول مالكه ينبغي أن يختص بأهل مكانه؛ لأنه أقرب إلى وصول المال إليه إن كان موجودًا أو إلى ورثته، ويراعى في ذلك الفقير (4)؛ لأنها صدقة؛ كما يراعى في وضع (5) الدية الغني.

- (ومنها): الغصوب التي جهل ربها، فيتصدق بها أيضًا، وقد نص على ذلك في رواية جماعة، ولم يذكر أكثر الأصحاب فيه خلافًا، وطرد القاضي في "كتاب الروايتين" فيه الخلاف بناءً على أنه مستحق لبيت المال (6)، وكذلك حكم المسروق ونحوه، نص عليه، ولو مات المالك ولا وارث له يعلم؛ فكذلك يتصدق به [عنه](7)، نص عليه (8) أيضًا.

(1) انظر في ذلك: "مصنف عبد الرزاق"(10/ 35، 41، 44)، و"الآثار"(رقم 981) لأبي يوسف، و"سنن الببهقي"(8/ 123 و 10/ 183)، و"أخبار القضاة"(2/ 193)؛ ففيها عدة آثار تدلل على ما ذكر المصنف رحمه اللَّه تعالى.

(2)

في المطبوع و (ج): "ووجه".

(3)

في المطبوع: "منهم".

(4)

في المطبوع و (ج): "الفقراء".

(5)

في المطبوع و (ب): "موضع".

(6)

انظر: كتاب "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(1/ 244/ 232).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(8)

في المطبوع: "نص عليه أحمد". وانظر: "مسائل صالح"(1/ 288/ 232).

ص: 383

تنبيهان:

أحدهما: الديون المستحقة كالأعيان يتصدق بها عن مستحقها، نص عليه، مع (1) أنه نص على أن من قال لغريمه: تصدق عني بديني (2) الذي [لي](3) عليك؛ لم يبرأ بالصدقة عنه، ولو وكله في قبضه من نفسه حيث لم يتعين المدفوع ملكًا له؛ فإن الدين لا يتعين ملكه فيه بدون قبضه أو قبض وكيله.

وفرق القاضي في "خلافه" بين أن يكون المأمور بالدفع إليه معينًا أو غير معين؛ فإن كان معينًا؛ برئ بالدفع إليه كالوكيل، وخرج في "المجرد"(4) المسألة على بيع الوكيل من نفسه نظرًا إلى أن العلة هي القبض من نفسه، حيث وكله المالك في التعيين والقبض، وقد أطلق [ها](5) هنا جواز الصدقة به [عنه](6)، فإما أن يكون هذا رواية ثانية بالجواز مطلقًا، أو محمولًا على حالة تعذر وجود المالك أو وكيله، وهو الأقرب، وكذلك نص في "رواية أبي طالب" فيمن عليه دين لرجل وقد (7) مات، وعليه ديون للناس، فقضى (8) عنه دينه بالدين الذي عليه: أنه يبرأ [به](5) في الباطن.

(1) في المطبوع: "ومع".

(2)

في المطبوع: "بالدين".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ج): "المحرر".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) والمطبوع:"قد".

(8)

في (ب): "يقضي".

ص: 384

والثاني: إذا أراد من بيده عين جهل [مالكها](1) أن يتملكها ويتصدق بقيمتها عن مالكها؛ فنقل صالح عن أبيه الجواز فيمن اشترى آجرًا، وعلم أن البائع باعه (2) ما لا يملك، ولا يُعْرَفُ له أرباب (3) أرجو إن أخْرَجَ (4) قيمة الآجر، فتصدق (5) به أن ينجوَ من إثمه (6).

وقد يتخرج فيه خلاف (7) من جواز شراء الوكيل من نفسه، ويشهد له اختلاف الرواية عنه فيمن له دين وعنده [به](8) رهن وانقطع خبر صاحبه وباعه؛ هل له أن يستوفي دينه منه ويتصدق بالفاضل، أم يتصدق به كله؟

على روايتين؛ لأن فيه استيفاء للحق بنفسه من تحت يده، واختار ابن عقيل جوازه مطلقًا، وخرجه من بيع الوكيل من نفسه ومن مواضع أخر.

* * *

(1) في المطبوع و (ج): "ربها".

(2)

في المطبوع: "باع".

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "أربابًا".

(4)

في المطبوع: "يخرج".

(5)

في المطبوع و (ج): "فيتصدق".

(6)

لم أعثر عليها في مسائل صالح".

(7)

في المطبوع: "الخلاف".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

ص: 385

(القاعدة الثامنة والتسعون)

من ادعى شيئًا وصفه من دفع إليه بالصفة إذا جهل ربه، ولم يثبث (1) عليه يد من جهة مالكه، وإلا؛ فلا.

ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): اللقطة يجب دفعها إلى واصفها، نص عليه (2)، وإن وصفها اثنان؛ فهي لهما، وقيل: يقرع بينهما (3)، وإن استقصى أحدهما الصفات، واقتصر الآخر على القدر الذي يجزئ [في](4) الدفع؛ فوجهان مخرجان (5) من الترجيح بالنساج (6) والنتاج، ذكره ابن عقيل في "مفرداته".

- (ومنها): الأموال المغصوبة والمنهوبة والمسروقة؛ كالموجودة مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم يكتفى فيها بالصفة.

(1) في المطبوع و (ب): "ولم تثبت".

(2)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 293/ 238 و 3/ 20/ 1240)، و"المغني"(5/ 708 - 709)، و"المبدع"(5/ 284 - 285)، و"كشاف القناع"(4/ 244)، و"الإنصاف"(6/ 411، 417 - 418)، و"الروض المربع"(2/ 263).

(3)

انظر: ما سيأتي (3/ 206 - 207).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "يخرجان".

(6)

في المطبوع: "بالفساخ"، وفي (ب):"بالنتاج".

ص: 386

- (ومنها): تداعي المؤجر والمستأجر دفنًا في الدار؛ فهو لواصفه منهما، نص عليه في "رواية الفضل بن زياد"(1).

- (ومنها): اللقيط إذا تنازع اثنان أيهما التقطه، وليس في يد أحدهما، فمن وصفه منهما؛ فهو أحق به.

- (ومنها): من (2) وجد ماله في الغنيمة قبل القسمة؛ فإنه يستحقه بالوصف ونحوه مما يدل على أنه له، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل، وسئل: أتزيد على ذلك بينة؟ قال: لا بد من بيان يدل على أنه له، وإن علم ذلك دفعه إليه الأمير. انتهى.

وقد قضى سعد بن أبي وقاص [رضي الله عنه](3)[في هذا](4) بالعلامة المحضة.

* * *

(1) هو الفضل بن زياد، أبو العبَّاس القطَّان البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال؛ فقال:"كان من المتقدمين عند أبي عبد اللَّه، وكان أبو عبد اللَّه يعرف قدره ويكرمه، وكان يُصلِّي بأبي عبد اللَّه، وكان له "مسائل" كثيرة عن أحمد".

ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 251)، و"المنهج الأحمد"(1/ 439)، و"تاريخ بغداد"(12/ 363)، و"المقصد الأرشد"(2/ 312).

(2)

في المطبوع: "لو".

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من المطبوع.

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيها".

ص: 387

(القاعدة التاسعة والتسعون)

ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من [الأموال و](1) الأعيان ولا ضرر في بذله؛ لتيسره (2) وكثرة وجوده، [أو المنافع المحتاج إليها](3)؛ يجب بذله مجانًا بغير عوض [في الأظهر](3).

ويندرج تحت ذلك مسائل:

- (منها): الهر لا يجوز بيعه [على](4) أصح الروايتين، وثبت في "صحيح مسلم" النهي عنه (5)، ومأخذ المنع ما ذكرنا (6).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(2)

في المطبوع و (ج): "لتيسيره".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(4)

في (ج): "في".

(5)

أخرج مسلم في "صحيحه"(كتاب المساقاة، باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور، رقم 1567) عن أبي الزبير، قال:"سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر؟ قال: زَجَرَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك".

وأخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 3479، 3480)، والترمذي في "الجامع"(رقم 1279)، والنسائي في "المجتبى"(7/ 309)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 2161)، وأحمد في "المسند"(3/ 349)، والطحاوي في "المشكل"(4/ 53)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 10)، عن جابر بألفاظ نحوه، ولفظ أبي داود:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهرة". والهرة هي السِّنَّور.

(6)

في (ج): "ما ذكرناه".

ص: 388

- (ومنها): الماء الجاري والكلأ يجب بذل القاضل منه للمحتاج إلى الشرب وإسقاء بهائمه، وكذلك زروعه (1) على الصحيح أيضًا، وسواء قلنا يملكه من هو في أرضه أو (2) لا، والصحيح أن مأخذ المنع من بيعه [ما ذكرنا لا أنه](3) غير مملوك بملك الأرض؛ فإن النصوص متكاثرة عن أحمد بملك (4) المباحات النابتة في الأرض، ويشهد له أيضًا ما نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في اللقاط (5): لا أرى لصاحب الأرض أن يمنعه (6) الناس فيه سواء، مع أنه مملوك له بلا إشكال، ولا يقال: زال ملكه عنه بمصيره منبوذًا مرغوبًا عنه؛ لأن المنع والبيع ينافي ذلك.

- (ومنها): وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضر [به](7)، وكذلك (8) إجراء الماء في (9) أرضه على (10) إحدى الروايتين.

(1) في (ب) و (ج): "زرعه".

(2)

في المطبوع و (ج): "أم".

(3)

في (ج): "ما ذكرناه لأنه".

(4)

في المطبوع: "بتملكة".

(5)

في "مسائل ابن منصور"(213/ 51): "سئل الإمام أحمد عن بيع الكلأ؛ فقال: لا يمنع الكلأ من أرضه ولا من غيرها" اهـ.

وفيها (255/ 96): "سئل عن بيع الماء؛ فقال: لا يباع فضل الماء، والذي يحمل في القرب؛ فلا بأس به".

(6)

في (ب) و (ج): "يبيعه".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(8)

في (ب): "وكذا".

(9)

في المطبوع و (ج): "على".

(10)

في المطبوع و (ج): "في".

ص: 389

- (ومنها): إعارة الحلي ظاهر كلام أحمد وجماعة من الأصحاب وجوبه، وصرح به بعض المتأخرين، واختار بعضهم وجوب بذل الماعون، وهو ما خف قدره وسهل؛ كالدلو والفأس والقدر والمنخل وإعارة الفحل للضراب، وهو اختيار الحارثي (1)، وإليه ميل الشيخ تقي الدين (2).

- (ومنها): المصحف تجب عليه إعارته لمن احتاج إلى القراءة فيه، ولم يجد مصحفًا غيره، نقله القاضي في "الجامع الكبير"، [وذكر ابن عقيل في كلام مفرد (3) أن الأصحاب عللوا قولهم: لا يقطع] (4) بسرقة (5) المصحف؛ لأن (6) له فيه حق النظر لاستخراج أحكام الشرع إذا خفيت عليه، وعلى صاحبه بذله، كذلك قال ابن عقيل، وهذا تعليل يقتضي التسوية بين سرقته وسرقة كتب السنن؛ فإنها مضمنة من الأحكام أمثال ذلك، والحاجة داعية إليها وبذلها للمحاويج (7) إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوى واجب على مالكها. انتهى.

- (ومنها): ضيافة المجتازين، والمذهب (8) وجوبها، وأما إطعام

(1) في (ج): "الحلواني".

(2)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 159).

(3)

في المطبوع و (ج): "في كلام مفرد له".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في المطبوع: "لسرقة".

(6)

في المطبوع: "فإن"، وفي (ب) و (ج):"بأن".

(7)

في المطبوع و (ب): "من المحاويج".

(8)

في المطبوع: "المذهب".

ص: 390

المضطرين؛ [فواجب، لكن لا يجب بذله مجانًا، بل بالعوض (1)، وأما المنافع المضطر](2) إليها كمنفعة الظهر للمنقطعين في الأسفار وإعارة ما يضطر إليه؛ ففي وجوب بذلها مجانًا وجهان، واختار (3) الشيخ تقي الدين أن المضطر إلى الطعام إن كان فقيرًا وجب بذله له مجانًا؛ لأن إطعامه فرض كفاية؛ فلا (4) يجوز أخذ العوض عنه، بخلاف الغني؛ فإن الواجب معاوضته فقط (5)، وهذا حسن.

وحكى الآمدي رواية أنه لا يضمن المضطر الطعام الذي أخذه من صاحبه قهرًا لمنعه إياه.

- (ومنها): رباع مكة لا يجوز بيعها ولا إجارتها على المذهب المنصوص، واختلف في مأخذه؛ فقيل: لأن مكة فتحت عنوة (6)، فصارت وقفًا أو فيئًا؛ فلا ملك فيها لأحد، وعلى هذا؛ فينبني الخلاف في البيع والإجارة على الخلاف في فتحها عنوة أو صلحًا، وقيل: بل لأن الحرم حريم البيت والمسجد الحرام، وقد جعله اللَّه للناس؛ سواء العاكف فيه

(1) في (ج): "بعوض".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في المطبوع و (ج): "واختيار".

(4)

في المطبوع: "لا".

(5)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 322) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(6)

ألفت في هذه المسألة كتب ورسائل، طبع منها:"الحجة في فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة عنوة" لأبي جعفر الطحاوي (ت 321 هـ)، وهو مضمن في كتابه "شرح معاني الآثار"(3/ 311 وما بعد).

ص: 391

والباد؛ فلا يجوز لأحد التخصيص بملكه وتحجره (1)، بل الواجب أن يكون الناس فيه شرعًا واحدًا؛ لعموم الحاجة إليه، فمن احتاج إلى ما بيده منه؛ سكنه، وإن استغنى عنه؛ [وجب](2) بذل فاضله للمحتاج إليه، وهو مسلك ابن عقيل في "نظرياته".

وسلكه القاضي في "خلافه" أيضًا، واختاره الشيخ تقي الدين، وتردد كلامه في جواز البيع؛ فأجازه مرة كبيع أرض العنوة عنده، ويكون نقلًا لليد بعوض، ومنع منه (3) أخرى؛ إذ الأرض وإنقاض (4) البناء من الحرم غير مملوك للباني، وإنما له التأليف، وقد رجح [به](5) بتقديمه في الانتفاع؛ كمن بنى في أرض مسبلة للسكنى بناء من ترابها وأحجارها (6)، ونقل ابن منصور عن أحمد [ما يدل على](7) جواز البيع دون الإِجارة (8)، وتأوله القاضي.

وعلى هذا المأخذ؛ فقد يختص المنع (9) بالقول بفتحها عنوة لمصير

(1) في المطبوع: "وتحجيره".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "ومنعه في".

(4)

في المطبوع و (ج): "وإبعاض".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(29/ 211)، و"الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(3/ 1131 - 1135) للدكتور أحمد موافي.

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(8)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 121) لشيخ الإسلام رحمه الله.

(9)

في المطبوع: "البيع".

ص: 392

الأرض فيئًا، وقد نص أحمد في "رواية حنبل" على أن علة الكراهة أنها فتحت عنوة؛ فصار المسلمون فيها شركًا واحدًا. قال: وعمر إنما ترك السواد لذلك. قال: ولا يعجبني منازل السواد ولا أرضيهم (1)، وهذا نص بكراهة المنع في سائر أراضي العنوة، وبكل حال؛ فلا يجب الإسكان في دور مكة إلا في الفاضل عن حاجة السكن، نص عليه (2).

* * *

(1) في المطبوع و (ب): "أرضهم".

(2)

انظر بسط المسألة وأدلتها في: "شرح معاني الآثار"(3/ 331 وما بعد)، و"فتح الباري"(3/ 526 - 527 و 5/ 91)، و"الإنصاف"(4/ 289، 290) للمرداوي، و"إعلام الساجد بأحكام المساجد"(ص 144) للزركشي.

ص: 393

(القاعدة المئة)

[(1) الواجب بالنذر هل يلحق بالواجب بالشرع (2) أو بالمندوب؟

فيه خلاف يتنزل (3) عليه مسائل كثيرة:

- (منها): الأكل من أضحية (4) النذر، وفيه وجهان، اختار أبو بكر الجواز (5).

- (ومنها): [فعل](6) الصلاة المنذورة في وقت النهي، وفيه

(1) ومن هنا إلى بداية القاعدة الثانية بعد المئة سقط من (أ).

(2)

في المطبوع: "الواجب بالشروع".

(3)

في (ج): "يترتب".

(4)

في (ج): "الأضحية".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

قول أبي بكر بالجواز هو الصحيح، وذلك لأن الناذر يقول: للَّه عليَّ نذر أن أذبح ضحية، ومعلوم أن الأضحية يجوز له أن يأكل منها، ونذر الأضحية له وجهان:

الوجه الأول: أن يقول: للَّه علي نذر أن أضحي هذا العام.

والتاني: أن يقول: للَّه علي أن أضحي بهذه الشاة.

وكلاهما سواء، والصحيح أن له أن ياكل لأن موضوع الأضحية شرعًا الأكل والإهداء والصدقة، وبذلك تكون الأضحية المنذورة كالواجبة بالشرع. (ع).

ص: 394

وجهان، أشهرهما الجواز (1).

- (ومنها): نذر [صيام](2) أيام التشريق والصلاة في وقت النهي، وفيه وجهان أيضًا، واختار ابن عقيل أنه كنذر المعصية؛ لأن الملتزم (3) بالنذر هو التطوع المطلق (4).

- (ومنها): لو نذر صلاة؛ فهل يجزئه ركعة، [أو](5) لا بد من ركعتين؟

على روايتين (6).

(1) إذا قال الإنسان: للَّه عليَّ نذر أن أصلي ركعتين؛ فهذا نذر مطلق؛ فهل يجوز أن يصلي في وقت النهي، أو لا يجوز؟

يقول: فيه وجهان، أشهرهما الجواز، والصحيح أنه لا يجوز إلا إذا وجد سبب النذر فى وقت النهي، مثل أن يقول: إن قدم فلان؛ للَّه عليَّ نذر أن أصلي ركعتين. فقدم فلان في وقت النهي؛ ففي هذه الحال يجوز أن يصلي؛ لأنه وجد سبب الصلاة في وقت النهي؛ فصارت صلاته ذات سبب، وإذا كان كذلك؛ جاز أن تُصلى في وقت النهي. (ع).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "الملزم".

(4)

لو قال: للَّه علي أن أصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالت عشر من شهر ذي الحجة؛ فهذا لا يجوز ولا يجوز أن يصوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يعصي اللَّه؛ فلا يعصه". (ع).

(5)

في المطبوع: "أم".

(6)

فهل تجزئه ركعة لأن أقل صلاة تطوع ركعة، وهي الوتر، أو لا بد من ركعتين لأن أقل صلاة الفريضة ركعتان؟

إذا قلنا: إن الواجب بالنذر كالواجب بالشرع؛ قلنا: يلزمه ركعتان، وإذا قلنا بالمندوب! قلنا يجزئه ركعة، والظاهر أنه يلزمه ركعتان، لأنه المتبادر للذهن في الغالب. (ع).

ص: 395

- (ومنها): لو نذر عتق رقبة؛ لم تجزئه (1) إلا سليمة، ذكره القاضي حملًا له على واجب الشرع، ويحتمل أن يجزئه ما يقع عليه الاسم؛ كالوصية؛ فإن القاضي سلمها مع أن المنصوص عن أحمد فيمن وصى بعتق رقبة لا يعتق عنه إلا مسلمة (2).

-[(ومنها): لو نذر صوم شهر، فجن فيه جميعه؛ لم يلزمه قضاؤه على الأصح، وليس كذلك إذا جن جميع رمضان.

- (ومنها): لو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فقدم في أثناء النهار وهو ممسك، فصامه؛ أجزأه على الأصح، وعنه يلزمه قضاؤه] (3).

* * *

(1) في المطبوع: "يجزئه".

(2)

في المطبوع: "عليه إلا سليمة".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 396

(القاعدة الحادية بعد المئة)

من خُيِّرَ بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا؛ فهل يجزئه أم لا؟

فيه خلاف يتنزل عليه مسائل (1):

(1) هذا شخص وجب عليه العبد، لكنه مخير فيه، فإذا أتى بنصفي هذا الشيء من المخير فيه؛ هل يجزئه أم لا؟ فإذا أعتق نصفي رقبتين، أي اشترى نصف هذا العبد فاعتقه واشترى نصف العبد الثاني فأعتقه؛ فهل يجزئ؟

يقول المؤلف: في ذلك وجهان، والفرق بين الوجهين والروايتين أن الوجهين عن الأصحاب والروايتين عن الإمام أحمد، وفيه قول ثالث بالتفصيل: أنه إن كملت الحرية فيهما أجزأ، وإلا؛ فلا، وهذا القول قريب جدًّا، وأما القول بالتشقيص دون كمال الحرية؛ فهو ضعيف جدًّا، وعلى هذا؛ فيكون ثلاثة أقوال للعلماء:

1 -

الإجزاء مطلقًا.

2 -

عدمه مطلقًا.

3 -

التفصيل.

وكمال الحرية بأن يكون النصف الذي اشتريته هو يكمل حرية العبد بأن يكون نصفه الذي قبل هذا النصف محررًا.

وهذا القول جيد؛ لأنه يحصل به الإنسان على تحربر رقبتين، ولو أخرج في الزكاة نصفي شاتين، كأن يكون عنده خمس من الإبل أو أربعون من الغنم، فأخرج نصف الشاتين؛ يقول المؤلف: إنه يجزئه ذلك، ولكنه في النفس من هذا شيء؛ لأنه إذا أخرج شاة كاملة حصل الفقير على شاة ليس فيها تشقيص، وهو حرٌ فيها، أما إذا أعطي نصف =

ص: 397

- (منها): لو أعتق في الكفارة نصفي رقبتين، وفيها وجهان، وقيل: إن كان باقيمها حرًّا؛ أجزأ وجهًا واحدًا لتكميل الحرية [به](1).

وخرجوا على الوجهين: لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين، وزاد صاحب "التلخيص": لو أهدى نصفي شاتين، وفيه نظر؛ إذ المقصود من الهدي اللحم، ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة، وقد روى عن أحمد ما يدل على الإِجزاء هاهنا.

- (ومنها): لو أخرج الجبران في زكاة الإِبل شاة وعشرة دراهم؛ فهل يجزئه؟

على وجهين.

- (ومنها): لو كفر يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة؛ فإنه يجزئ على المشهور، وفيه وجه مذكور في "شرح الهداية" في زكاة الفطر.

- (ومنها): لو أخرج في الفطرة صاعًا من جنسين؛ فالمذهب (2) الإجزاء، ويتخرج فيه وجه [آخر](3)(4).

= شاتين؛ فيكون له شريك، وربما تأذى من الشركة؛ فعلى هذا الصحيح أن ذلك لا يجزئه، ومثله لو أهدى نصفي شاتين؛ فهذا لا بأس به لأنه سوف يذبح هاتين الشاتين، والمقصود وهو الذبح ومنفعة الفقراء في الحرم باللحم، وهذا حاصل بنصفي الشاتين. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في المطبوع و (ج): "والمذهب".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(4)

لو أخرج نصف صاع من بُرّ ونصف صاع من أرز؛ فالجميع صاع، ولكن من جنسين؛ فهل يجزئ؟ =

ص: 398

- (ومنها): لو كفر في محظورات الحج بصيام يوم وإطعام أربعة مساكين؛ فالأظهر منعه (1).

وفي "أحكام القرآن"(2) للقاضي: يحتمل الجواز؛ لأنها على التخيير، بخلاف كفارة اليمين، وعلى قياس هذا لو أعتق في كفارة اليمين ثلث رقبة وأطعم أربعة مساكين وكسى أربعة [مساكين] (3): أنه يجزئ (4)، وفيه بعد.

- (ومنها): لو أخرج عن أربع مئة من الإبل أربع حقاق وخمس بنات

فيه وجهان، المذهب الإجزاء، لأنه أخرج صاعًا من طعام، لكن الأفضل بلا شك ألَّا يفعل، والكلام بها في الإجزاء لا في الأفضلية. (ع).

(1)

وهذا فى فدية الأذى ففي، كما قال تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]؛ فالصيام ثلاثة أيام، والإطعام إطعام ستة مساكين، وإذا صام يومًا؛ فإنه يقابل إطعام مسكينين؛ فهذا رجل صام يومًا وأطعم أربعة مساكين، أو صام يومين وأطعم مسكينين؛ فهل يجزئه ذلك أم لا؟

يقول المؤلف: الأظهر منعه، وهو الصواب؛ للتباين بين الإطعام والصيام، بخلاف الذي أخرج نصف صالح من بُرّ ونصف صالح من أرز في صدقة الفطر؛ لأن القصد فيهما واحد، وهو الإطعام، وقد حصل، وأما هنا نوعان متباينان؛ فلا يمكن أن يجتمعا في آن واحد. (ع).

(2)

ذكره لأبي يعلى ابنُه في "طبقات الحنابلة"(2/ 205)، وعدّه أستاذنا الدكتور محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية"(ص 245) من مصنفاته المفقودة.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع و (ج): "يجزئه".

ص: 399

لبون؛ جاز (1) بغير خلاف عندنا؛ لأنه عمل بمقتضى قوله: "في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حِقَّة"(2)، ولأن هذه واجبات متعددة؛ [فهي ككفارات متعددة](3)؛ فإن أخرج بتشقيص؛ كما لو أخرج عن مئتين حقتين وبنتي لبون ونصفا؛ فهو كإخراج نصفي شاتين على ما سبق (4).

* * *

(1) في المطبوع: "أجزأ".

(2)

جزء من كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم، وقد خرجتُه بإسهاب في تعليقي على "الخلافيات"(1/ رقم 294، 295، 296، 297)، فانظره غير مأمور.

وأخرج المذكور بحرفه عن أبي بكر الصّديق رفعه: البخاري في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، رقم 1454)، وغيره.

وابن اللَّبُونِ: هو الذي أتى عليه حولان، وطحن في السنة الثالثة؛ لأن أمَّه تصر لبُونًا بوضع الحمل.

والحِقَّة: هي التي أتت عليها ثلاثُ سنين، وطعنت في الرابعة، سُمِّيت بها؛ لأنها تستحقّ الحملَ والضِّراب.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

الظاهر عدم الإجزاء، لأنّ التشقيص فيه مضرة المشاركة، ومن المعلوم أن انفراد الإنسان في ملكه أحب إليه من مشاركة غيره له فيه.

والخلاصة: إن من خير بين شيئين، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا؛ فهل يجزئ أو لا؟

وقع خلاف في هذه المسألة؛ ولا شك أن الأفضل أن يجعل كل جنس على حدة، وألا يوزع أولًا؛ لأن هذا ما جاءت به النصوص، وثانيًا لأنه قد يكون للشارع نظر في هذا المقدار المعين من هذا النوع المعين، وفيما ذكر من المسائل بعضها قريب وبعضها بعيد. (ع).

ص: 400

(القاعدة الثانية بعد المئة)

من أتى بسبب يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات] (1) على وجه محرم، وكان مما تدعو النفوس إليه؛ ألغي ذلك الشرط (2)، وصار وجوده كالعدم، ولم يترتب عليه أحكامه.

ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة:

- (منها): الفار من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه تجب عليه الزكاة، ولو أكثر صرف (3) أمواله في تملك (4) ما لا زكاة فيه؛ كالعقار والحلي؛ فهل ينزل منزلة الفار؟

على وجهين (5).

- (ومنها): المطلق في مرضه لا يقطع طلاقه حق الزوجة من إرثها

(1) من بداية القاعدة المئة إلى هنا سقط من (أ).

(2)

في المطبوع و (ج): "السبب".

(3)

في المطبوع و (ب): "صرف أكثر" تقديم وتأخير.

(4)

في المطبوع: "ملك".

(5)

انظر في المسألة: "الهداية"(1/ 64)، و"المحرر"(1/ 219)، و"الكافي"(1/ 377)، و"المقنع"(1/ 294)، و"المبدع"(2/ 302)، و"الإفصاح"(1/ 209)، و"الإنصاف"(3/ 31)، و"الروض الندي"(145)، و"شرح منتهى الإرادات"(1/ 371)، و"كشاف القناع"(2/ 207)، و"مطالب أولي النهي"(2/ 22).

ص: 401

منه؛ إلا أن تنتفي التهم بسؤال الزوجة ونحوه؛ ففيه روايتان.

- (ومنها): القاتل لموروثه لا يرثه، وسواء كان متهمًا أو غير متهم عند أكثر الأصحاب.

وحكى ابن عقيل في "مفرداته" و"عمد الأدلة" وجهًا: أنه متى انتفت التهمة؛ كقتل الصبي والمجنون؛ لم يمتنع [الإرث. قال: و](1) هو أصح عندي.

- (ومنها): قتل الموصى له الموصي [بعد الوصية](2)؛ فإنه يبطل (3) الوصية رواية واحدة على أصح الطريقين.

- (ومنها): السكران بشرب الخمر عمدًا يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه في المشهور من المذهب، بخلاف مِنْ سُكْرٍ ببنجٍ ونحوه، [أو](4) أزال عقله بأن ضرب رأسه فجن؛ فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص؛ لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه، بل في الطبع وازع عنه، ولذلك (5) لا يجب عليه قضاء الصلاة إذ جن في هذه الحالة على الصحيح.

- (ومنها): تخليل الخمر لا يفيد حله ولا طهارته على المذهب الصحيح.

- (ومنها): ذبح الصيد في حق المحرم لا يبيحه بالكلية، وذبح

(1) في (ج): "إرثه وقال".

(2)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط.

(3)

في المطبوع: "تبطل".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "ومنها لو".

(5)

في المطبوع و (ب): "وكذلك".

ص: 402

الكل للمحرم لا يبيحه للمحرم المذبوح له [أيضًا](1)، وفي حله لغيره من المحرمين وجهان، ولا يرد على هذا ذبح الغاصب والسارق؛ لأن ذبحهما لا يترتب عليه الأباحة لهما؛ فإنه باقٍ على ملك المالك ولا إباحة بدون إذنه مع أن أبا بكر التزم تحريمه مطلقًا، وحكاه رواية، ويلتحق بهذه القاعدة.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 403

(قاعدة)(1)

من تعجل حقه، أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم؛ عوقب بحرمانه (2).

ويدخل فيها من مسائل:

- الأولى: مسألة قتل الموروث والموصى له.

- (ومنها): المال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين.

- (ومنها): من تزوج امرأة في عدتها حرمت عليه على التأبيد على رواية.

-[(ومنها): من تزوجت بعبدها؛ فإنه يحرم عليها على التأبيد؛ كما

(1) هنا في (ب) أخذت هذه القاعدة (رقم 103)، وما بعدها (104). . . وهكذا بزيادة

(2)

انظر حول هذه القاعدة والمسائل التي تندرج تحتها: "إيضاح المسالك"(ق 82) للونشريسي؛ و"المنثور"(3/ 183) للزركشي، و"الأشباه والنظائر" لابن الوكيل، و (ص 152) للسيوطي، و (ص 104) لابن نجيم، و"المدخل الفقهي"(رقم 630)، و"موسوعة القواعد الفقهية"(2/ 150 - 151).

ص: 404

روى عن عمر رضي الله عنه (1)، نص عليه أحمد في رواية عبد اللَّه (2)، ذكره الخلال في أحكام العبيد عن الخضر بن المثنى الكندي عنه، والخضر هذا مجهول، ينفرد (3) عن عبد اللَّه برواية المناكير التي لا يتابع عليها] (4).

-[(ومنها)](5): من اصطاد صيدًا قبل أن يحل من إحرامه؛ لم يحل له؛ وإن تحلل حتى يرسله ويطلقه، وأما إذا قتل الغريم غريمه؛ فإنه يحل دينه عليه، كما لو مات، صرح به جماعة من الأصحاب.

ويتخرج فيه وجه آخر: أنه لا يحل طردًا للقاعدة (6).

* * *

(1) أخرج عبد اللَّه بن الإمام أحمد في "مسائل أبيه"(ص 323/ رقم 1191)؛ قال: حدثني أبي؛ قال: حدثني هشيم؛ قال: أخبرنا حصين، عن بكر بن عبد اللَّه؛ قال:"كتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار: أيُّما امرأةٍ تزوّجت عبدها، أو تزوجت بغير بيِّنة ولا وليّ، فاضربوها، وفرِّقوا بينهما".

ورجاله ثقات؛ إلا أن بكرًا لا يعرف له سماع من عمر، وسنه لا تحتمل ذلك. انظر:"تهذيب الكمال"(4/ 217).

ولوجود الولي شاهد عند عبد الرزاق في "المصنف"(6/ رقم 10480، 10485)، وابن أبي شيبة في "المسند"(1/ في 207/ ب)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 111)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 454).

(2)

انظر: "مسائل عبد اللَّه"(323/ 1191).

(3)

في المطبوع: "تفرد".

(4)

ما بين المعقوفتين ليس في (أ)، وأثبتها من (ب) و (ج).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في (ب): "القاعدة".

ص: 405

(القاعدة الثالثة بعد المئة)(1)

الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد، ولا ينقطع يالتفرق اليسير، ولذلك صور:

- (منها): مكاثرة الماء القليل النجس (2) بالماء الكثير يعتبر له الاتصال المعتاد دون صب القلتين دفعة واحدة (3).

(1) في (ب) أخذت هذه القاعدة (رقم 104).

(2)

في المطبوع: "النجس القليل" بتقديم وتأخير.

(3)

صورة المسألة: هذا ماء نجس قليل وأراد الإنسان أن يطهِّرهُ بالمكاثرة بالماء؛ فيأتي بماء كثير -وحدّ الكثير عندهم ما بلغ قلتين فأكثر-، فيصبُّه على هذا الماء القليل، فإذا صبّه دفعة واحدة بأن كان في إناء واسع وصبه دفعة واحدة؛ فطهارة الماء القليل واضحة لأن الفعل لم يتفرق وإن صبّ على هذا الماء النجس ماءً قليلًا؛ فهل يطهر الماء القليل النجس؟

لا؛ لأن الماء القليل لا يطهر، بل ينجس بملاقاته لذلك الماء النجس الذي قبله، وصار الكل نجسًا، فإذا أتى في اليوم الثاني وصب عليه ماءً قليلًا، فإنه كذلك لا يطهر، وفي الصورة السابقة صبّ من الماء الكثير ماءً قليلًا وبقي بصب أو مع وقف قليل ولكنه في النهاية صبَّ كثيرًا؛ فهل يطهر الماء النجس أو لا؟

نعم، يطهر؛ لأن هذا الفصل ينبني بعضه على بعض مع الاتصال أو التفريق اليسير.

وصورة رابعة: جاء بماء كثير ليصبه على الماء القليل، ولكنه جعل فم القربة ضيقًا وأخذ يصب على الماء القليل النجس؛ فهل يجزئ؟

يجزئ ويكون الماء القليل طاهرًا، وعلى هذا؛ فالصور أربعة: =

ص: 406

- (ومنها): الوضؤ إذا [اعتبرنا له](1) الموالاة؛ لم يقطعه التفرق اليسير، وهل الاعتبار [فيه](2) بالعرف أو بجفاف الأعضاء؟

على روايتين (3).

= أ- صب الماء الكثير دفعة واحدة.

ب- بتفرق بعيد.

ج- بتفرق يسير.

د- بالاتصال.

وهذا التفصيل بناء على المذهب، وتقدم أن الصواب أن الماء يطهر بأي صورة تتقدمه (ع).

(1)

في المطبوع: "اعتبر حالة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

أفاد المؤلف في هذه المسألة أن المولاة فيها خلاف عند العلماء، والمشهور أن الموالاة شرط؛ إذ الوضوء فعل واحد؛ فلا بد أن تتصل أجزاؤه بعضها يعض، وهذا هو الصحيح: أن الموالاة شرط، ومن ذلك الموالاة في الطواف والسعي، قال بعض أهل العلم: هي شرط، وقال آخرون: ليست كذلك، وفرق آخرون بين السعي والطواف؛ فقالوا: هي في الطواف شرط، وفي السعي سنة، وعلى هذا (أي على القول بأن الموالاة ليست شرطًا)، فلو طاف الإنسان الشوط الأول في الساعة الواحدة، والثاني في الثانية وهكذا. . . أي: جاء بالطواف في سبع ساعات؛ صحّ، وهذا القول وإن كان ضعيفًا من حيث النظر والدليل؛ لأن الطواف عبادة واحدة، ولا بد أن ينبني بعضها على بعض، ولكن أحيانًا قد يسوغ القول به فيما إذا حصل للإنسان بغير اختياره؛ فقد حصل سؤال هذا العام عن جماعة معهم نساء وطافوا طواف العمرة، ثم أذن الفجر وعادتهم أنه إذا أذن أخرجوا النساء من المطاف، فأخرجوهن من المطاف ولم يجدن مكانًا إلا في السوق، فبقوا نحوًا من ثلت ساعة حتى خرجوا إلى السوق، ثم بعد ذلك عجزوا عن الدخول؛ لأن الناس يقابلونهم خارجين من الحرم، فبقوا نحوًا من نصف ساعة وأكثر حتى وصلوا إلى المطاف، فكان بين خروجهم =

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ودخولهم ساعة، فأكملنّ الطواف؛ فهل يجزئ هذا؟

على القول بالموالاة: لا يجزئهم، وأما على القول بعدم الموالاة، وهو الأصح في مذهب الشافعية: إنه يجزئهم، والصواب في مثل هذه الصورة أن يُفتوا بالجواز، لأنهم قد خرجوا بغير اختيارهم وتأخر البناء بغير اختيارهم، ولو قلنا: إنه يلزمهم الاستئناف؛ فربما اضطروا إلى البناء أيضًا مرة أخرى، ثم إذا لم يكن في المسألة نص واضح؛ فينبغي للإنسان في باب الفتوى -خصوصًا إذا لم يمكن التدارك- أن يُسَهِّل فيها، وهؤلاء على القول باشتراط الموالاة، وهم الآن متمتعون، ماذا نجعل نسكهم وقد طافوا هذا الطواف وسعوا وقصروا ولبسوا؟

فعلى القول باشتراط الموالاة نجعل نسكهم هنا قرانًا؛ لأنهم أدخلوا الحج والعمرة؛ لأن عمرتهم ما صحت لعدم صحة الطواف؛ فنقول لهم: أنتم قارنون وتحللهم، وربما جامع بعضهم، فنفول: لا يلزمهم شيء لأنهم جاهلون؛ إذ لم يفعلوا هذا إلا ظنًّا منهم أنهم تحللوا من النسك، فعذرهم بالجهل واضح.

وأما في الوضوء فإذا قلنا باشتراط الموالاة؛ فبماذا ننضبط؛ هل يكون ذلك بالعرف أو بجفاف العضو؟

المذهب أنه بجفاف العضو، أي لا يؤخر غسل عضو حتى يجف الذي قبله، لكن بزمن معتدل، وفي جوٍّ معتدل، فإذا كان بزمن غير معتدل؛ فإنه ربما جفّ بسرعة، وهذا لا عبرة به، وكذلك في الشتاء، فربما لا يجف، وقال آخرون: إن العبرة في العرف وهو صعب انضباطه، وإذا قلنا: إذا سلم من الصلاة قبل تمامها من الفصل المعتبر فيه العرف، وكذلك السفر المعتبر فيه العرف؛ فما هو العرف؟

والأقرب في مسألة العبادة أن يقال: إذا ظهر التباين بين أجزائها، بحيث لا يعرف من شاهدها: أنها عادة واحدة؛ فقد انفصل بعضها عن بعض، أما إذا شعر الإنسان الرائي لها أن العبادة مثل واحد سلَّم قبل التمام، ثم قام يسبح ويهلل؛ فقيل له بعد ذلك: إنك أنقصت ركعة، فجاء بالركعة، فمثل هذه الحال ينبني بعضها على بعض، لكنه لو سلّم قبل تمام الصلاة، ثم أخذ القدوم، وكان نجارًا، وفعل وفعل، لكن في وقت قريب وقليل؛ فإن =

ص: 408

- (ومنها): الصلاة يجوز البناء عليها إذا سلم [منها](1) ساهيًا مع قرب الفصل ولا تبطل بذلك (2).

- (ومنها): المسافر إذا أقام مدة يومين (3)؛ فهو سفر واحد، ينبني بعضه على بعض، وإن زاد؛ لم يبن.

- (ومنها): إذا ترك العمل في المعدن الترك المعاد أو لعذر، ولم يقصد الإِهمال، ثم عاد إلى الاستخراج؛ ضم الثاني إلى الأول (4) في النصاب.

- (ومنها): الطواف إذا تخلله صلاة مكتوبة أو جنازة يبني عليه؛ سواء قلنا: الموالاة [فيه](1) سنة، أو شرط على أشهر الطريقين للأصحاب.

- (ومنها): لو حلف لا أكلت (5) إلا أكلة واحدة في يومي هذا؛ فأكل

= صلاته لا ينبني بعضها على بعض؛ لأنه عمل عملًا بعيدًا عن الصلاة، فلا يظن الرائي أنه يبني صلاته بعضها على بعض. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

انظر في المسألة: "مسائل ابن هانئ"(338، 849، 855)، و"المحرر"(1/ 243)، و"الهداية"(1/ 101)، و"المقنع"(1/ 445)، و"الكافي"(1/ 587)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(21/ 140)، و"الإنصاف"(4/ 17)، و"المبدع"(3/ 222)، و"كشاف القناع"(2/ 562)، و"شرح منتهى الإرادات"(2/ 53)، و"مطالب أولي النهي"(2/ 398).

(3)

في (ج): "أربعة يومين"!

(4)

في المطبوع: "ضم الأول إلى الثاني".

(5)

في (ج): "لا آكل".

ص: 409

متواصلًا؛ لم يحنث، وإن تفرق التفرق المعتاد على الأكلة الواحدة؛ ولو طال زمن الأكل، وإن قطع ثم عاد بعد طول الفصل؛ حنث، ذكره القاضي في "خلافه" في القطع في السرقة [والآمدي](1)، وقياسه: لو حلف لا وطئها إلا مرة واحدة، فإن الوطء في العرف عبارة عن الوطء التام المستدام إلى الإنزال، ولا يبعد أن يقال [مثل ذلك](2) فيمن رتب [حكمًا](3) على مطلق الوطء.

وفي "الترغيب" أنه ظاهر كلام أصحابنا فيما إذا قال: إن وطئتك؛ فواللَّه لا وطئتك، ولكن لمنصوص الحنث بالتقاء الختانين.

وقد ذكر القاضي وجهًا: إنه لا حدَّ (4) على من أكمل الوطء المعلق عليه الطلاق الثلاث بإتمامه إلى الإنزال (5).

- (ومنها): لو أخرج السارق من الحرز بعض النصاب، ثم دخل وأخرج باقيه (6)، وكل منهما بانفراده لا يبلغ نصابًا، فإن لم يطل الفصل بينهما؛ قطع، وإن طال؛ ففيه وجهان ذكرهما القاضي في "خلافه"

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(2)

في المطبوع: "مثله".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(4)

في المطبوع و (ج): "لاحق".

(5)

الذي يظهر في مثل هذه المسألة تعليق الحكم بما دلَّ عليه الحديث، وهو التقاء الخانين؛ إلا أن تكون نية الحالف سوى ذلك، وإلا؛ فلا شك أنه عند الإطلاق يحصل الجماع بالتقاء الختانين. (ع).

(6)

في المطبوع: "ما فيه".

ص: 410

وصاحب "المحرر" وعمهُ (1) في "الترغيب"، وقال: اختار بعض شيوخي أنه لا قطع مع طول الفصل (2).

- (ومنها): إذا ترك المرتضع الثدي بغير اختياره، ثم عاد إليه قبل طول الفصل؛ فهي رضعة واحدة عند ابن حامد، وكذا ذكر الآمدي: أنه لو قطع باختياره لتنفس أو إعياء يلحقه ثم عاد ولم يطل الفصل؛ [فهي رضعة واحدة. قال: ولو انتقل من ثدي إلى آخر ولم يطل الفصل](3)؛ فإن كان من امرأة واحدة؛ فهي رضعة واحدة، وإن كان من امرأتين؛ فوجهان، وحكى أبو الخطاب عن ابن حامد نحو ذلك في جميع الصور؛ إلا في صورة المرأتين، وذكر [أيضًا أنه](4) ظاهر كلام الخرقي، وحكى عن أبي بكر أنها تكون رضعتين في جميع ذلك، وأنه ظاهر كلام أحمد، [واللَّه

(1) في المطبوع: "وعنه".

(2)

لو قال قائل: إنه يرجع إلى نية السارق، فإذا سرق الأول ومن نيته أن يسرق الثاني؛ قطع، لا سيما إذا فعل هذا التفريق من باب الحيلة، وأما إذا سرق الأول، ثم ذهب به ولم يكن في نيته أن يرجع، ثم بدا له بعد أن يرجع؛ فهذه سرقة جديدة، ولا قطع عليه حينئذ، ولكن إذا قلنا: العبرة هي هذا التفصيل؛ فطريق العلم بذلك يكون بإقراره؛ فإننا كما رجعنا إلى إقراره في أصل السرقة نرجع إلى إقراره في وصف السرقة، فإن قال قائل: إذا ثبت هذا ببينة؛ فماذا تقولون؛ هل يُقبل قوله إنه فرق، وهو لا يريد السرقة الثانية، أو نقول؛ الأصل أنه أراد الرجوع؟

قيل: حينئذ نرجع إلى التفريق، فإن كان طويلًا، فالظاهر أنه لم يرد السرقة، وإن كان يسيرًا؛ فالظاهر أنه أرادها. (ع).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وأثبته من المطبوع و (ب) و (ج).

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أنها".

ص: 411

أعلم (1)(2).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(2)

والصحيح في هذا كله أنها رضعة واحدة، حتى ولو أطلق الثدي عدة مرات، بل ولو انتقل من ثدى إلى آخر؛ فإنه رضعة واحدة، ولكن لو انتقل من امرأة إلى امرأة؛ فهل هي رضعة واحدة أو اثنتين؟

فيه وجهان، والأقرب أن هذا رضعتان؛ لاختلاف المرأتين. (ع).

قلت: قول الشيخ (لاختلاف المرأتين) وصفٌ غير مؤثر، والعبرة في الرضعة العلم بها، ولا يكون ذلك إلا عن شبع؛ فربما كان شبعه من امرأة واحدة أو ثنتين، ولا فرق، واللَّه أعلم.

ص: 412

(القاعدة الرابعة بعد المئة)

الرضا بالمجهول قدرًا أو جنسًا أو وصفًا؛ هل هو رضا معتبر لازم؟

إن (1) كان الملتزم عقدًا أو فسخًا يصح إبهامه بالنسبة إلى أنواعه أو إلى أعيان من يرد عليه؛ صح الرضا به ولزم (2) بغير خلاف، وإن كان غير ذلك، ففيه خلاف

فالأول له صور:

- (منها): أن يحرم (3) بمثل ما أحرم به فلان أو بأحد الأنساك؛ فيصح.

- (ومنها): [إذا](4) طلَّق إحدى زوجاته؛ فيصح، وتعين بالقرعة على المذهب.

- (وبها): [لو](5) أعتق أحد عبيده؛ فيصح، ويعين بالقرعة أيضًا

(1) في (ب): "بأن".

(2)

في المطبوع: "وألزم".

(3)

في المطبوع: "أن يحرم منها"، وفي (ج):"أن يحرم بما أحرم".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 413

على الصحيح.

وأما الثاني؛ فله صور:

- (منها): إذا طلق بلفظ أعجمي من لا يفهم معناه، والتزم موجبه عند أهله؛ ففي لزوم الطلاق له وجهان، والمنصوص في "رواية أبي الحارث": أنه لا يلزمه الطلاق، وهو قول القاضي وابن عقيل والأكثرين.

- (ومنها): إذا طلق العجمي بلفظ الطلاق، ولم يفهم معناه، ولكنه التزم موجبه عند العرب فيه (1) خلاف.

- (ومنها): إذا أعتق (2) العجمي أو العربي بغير لغته، ولم يفهم معناه، وفيه (3) الخلاف، ونص أحمد من "رواية عبد اللَّه" أنه لا يلزمه (4) العتق (5).

- (ومنها): إذا قال لامرأته: أنت طالق مثل [ما طلق](6) فلان زوجته، ولم يعلم عدده (7)؛ فهل يلزمه مثل طلاق فلان بكل حال، أو لا يلزمه أكثر من واحدة؟

(1) في (ب) و (ج): "وفيه".

(2)

في المطبوع: "عتق".

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "ففيه".

(4)

في المطبوع: "لا يلزمه".

(5)

في "مسائل عبد اللَّه"(395/ 1426) نص أحمد على أنه: "إن كان يفهم؛ عتقت، وإن كان لا يفهم؛ لم تعتق؛ لأنه لا يدري".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "طلاق".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 414

فيه وجهان.

- (ومنها): إذا قال: أيمان البيعة تلزمني لأفعلن كذا، ولم يعلم ما هي، وفيه (1) ثلاثة أوجه:

أحدها: لا تنعقد يمينه بالكلية.

والثاني: تنعقد إذا التزمها (2) ونواها، وله أفتى أبو القاسم الخرقي فيما حكاه (3) عنه ابن بطة، قال أبو القاسم؛ وكان أبي يتوقف فيها ولا يجيب بشيء (4).

والثالث: تنعقد (5) فيما عدا اليمين باللَّه [تعالى](6) بشرط النية بناءً على أن اليمين باللَّه لا تصح بالكناية (7).

وفيه وجه رابع، وهو ظاهر كلام القاضي في "خلافه": إنه يلزمه موجبها نواها أو لم ينوها، وصرح به (8) في بعض "تعاليقه"، وقال: لأن من أصلنا وقوع الطلاق والعتاق بالكناية (7) بالخط وإن لم ينوه (9).

(1) في المطبوع: "فيه، وفيه".

(2)

في المطبوع: "ألزمها".

(3)

في المطبوع: "حكى".

(4)

في المطبوع: "ولا يجيب فيها بشيء".

(5)

في المطبوع: "ينعقد" وفي (أ) بدون تنقيط.

(6)

ما بين المعقوفتين من (ج).

(7)

في المطبوع: "الكتابة".

(8)

في المطبوع: "وصرح به أيضًا".

(9)

في (أ): "ولم ينويه".

ص: 415

- (ومنها): لو قال: أيمان المسلمين تلزمني؛ ففي "الخلاف" للقاضي يلزمه اليمين باللَّه [تعالى](1) والطلاق والعتاق والظهار والنذر، نوى ذلك أو لم ينوه، وهو مفرع [على قوله](2) في أيمان البيعة.

قال الشيخ مجد الدين: وذكر [هـ](3) اليمين باللَّه [تعالى](1) والنذر مبني على قولنا بعدم تداخل كفارتهما (4)، فأما على [قولنا](5) بالتداخل؛ فيجزئه لهما كفارة يمين (6)، وقياس المشهور عن أصحابنا في يمين البيعة: أنه لا يلزمه شيء حتى ينويه ويلتزمه (7)، أو لا يلزمه شيء بالكلية حتى يعلمه أو يفرق بين اليمين باللَّه [تعالى](1) وغيرها، مع أن صاحب "المحرر" لم يحك خلافًا [في](8) اللزوم ها هنا، وإن لم ينوها؛ لأن أيمان المسلمين معروفة بينهم، لا سيما (9) اليمين باللَّه [تعالى](10) وبالطلاق والعتاق، بخلاف أيمان البيعة (11).

- (ومنها): البراءة من المجهول، وأشهر الروايات صحتها مطلقًا،

(1) ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(2)

و (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في المطبوع: "كفاراتهما".

(5)

في (ج): "القول".

(6)

في المطبوع و (ج): "كفارة اليمين".

(7)

في المطبوع: "ويلزمه".

(8)

في المطبوع: "على".

(9)

في المطبوع و (ج): "ولا سيما".

(10)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(11)

انظر: "المحرر"(2/ 197 - 198).

ص: 416

سواء جهل المبرئ قدره أو وصفه (1) أو جهلهما معًا، وسواء عرفه المبرئ أو لم يعرفه.

والثانية: لا يصح إذا عرفه المبرئ، سواء علم المبرئ بمعرفته أو لم يعلم.

وفي تخريج [آخر](2): أنه إن علم بمعرفته (3)[به](4)؛ صح، وإن ظن جهله [به](4)؛ لم يصح لأنه غار له.

والثالثة: لا تصح (5) البراءة من المجهول وإن جهلاه؛ إلا فيما تعذر علمه للضرورة، وكذلك البراءة من الحقوق في الأعراض والمظالم.

- (ومنها): البراءة من عيوب المبيع إذا (6) لم يعين منها شيء، وفيه روايتان:

أشهرهما: أنه لا يبرأ.

والثانية: يبرأ إلا من عيب علمه، فكتمه؛ لتغريره وغشة.

وخرج أبو الخطاب وجهًا آخر بالصحة مطلقًا من البراءة من المجهول.

- (ومنها): إجازة الوصية المجهولة، وفي صحتها وجهان.

(1) في المطبوع: "ووصفه".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ب) فقط.

(3)

في المطبوع: "معرفته".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"لا يصح".

(6)

في (ج): "إذ".

ص: 417

(القاعدة الخامسة بعد المئة)

في إضافة الإِنشاءات والإخبارات إلى المبهمات.

أما الإنشاءات، فمنها العقود، وهي أنواع:

أحدها: عقود التمليكات المحضة؛ كالبيع والصلح بمعناه، وعقود التوثقات؛ كالرهن والكفالة، والتبرعات اللازمة بالعقد أو القبض بعده؛ كالهبة والصدقة؛ فلا (1) يصح في مبهم من أعيان متفاوتة؛ كعبد من عبيد وشاة (2) من قطيع، وكفالة أحد هذين الرجلين وضمان أحد هذين الدينين، وفي الكفالة احتمال؛ لأنه تبرع؛ فهو كالإباحة والإعارة (3)، ويصح في مبهم من أعيان متساوية مخنلطة؛ كقفيز [من](4) صبرة [ورطل من زبرة](4)، فإن كانت متميزة متفرقة؛ ففيه احتمالان ذكرهما في "التلخيص"، وظاهر كلام القاضي الصحة؛ فإنه ذكر في "الخلاف": أنه يصح عين من أعيان متقاربة النفع؛ لأن المنافع لا تتفاوت كالأعيان، وإن كانت مختلفة من جنس واحد؛ كصبرة مختلفة الأجزاء؛ فوجهان:

(1) في (ج): "ولا".

(2)

في (ب): "أو شاة".

(3)

في المطبوع و (ج): "كالإعارة والإباحة".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 418

أحدهما: البطلان؛ كالأعيان المتميزة.

والثاني: الصحة، وله من كل نوع بحصته.

والثاني: عقود معاوضات غير متمحضة؛ كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد؛ ففي صحتها على مبهم من أعيان مختلفة وجهان، أصحهما الصحة، وفي الكتابة (1) طريقان:

أحدهما: أنها كذلك، وهي طريقة القاضي.

والثاني: لا تصح (2) وجهًا واحدًا؛ لأن عوضها مال محض.

والثالث: عقد تبرع معلَّق بالموت؛ فيصح في المبهم بغير خلاف لما دخله من التوسع؛ كعبد من عبيده وشاة من قطيعه، وهل تعين (3) بتعيين الورقة أو بالقرعة؟

على روايتين.

ومثله: عقود الإباحات (4)؛ كإعارة أحد هذين الثوبين، وإباحة أحد هذين الرغيفين، وكذلك عقود المشاركات والأمانات المحضة، مثل أن يقول: ضارب بإحدى هاتين المئتين، وهما في كيسين، ودع الأخرى (5) عندك وديعة، أو ضارب من هذه [المئة](6) بخمسين؛ فإنه يصح

(1) في المطبوع: "الكناية".

(2)

في (أ): "لا يصح".

(3)

كذا في (أ)، وفي (ب) بدون تنقيط، وفي المطبوع و (ج):"يعين".

(4)

في المطبوع: "عقود التبرعات".

(5)

المطبوع: "ودع عنك الأخرى"، وفي (ج):"ودع الآخر".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 419

للتماثل (1)، ذكره صاحب "التلخيص"، [فأما إن](2) كان الإبهام في المتملك (3)، فإن كان على وجه يؤول إلى العلم كقوله: أعطو أحد هذين كذا؛ صحت الوصية، كما لو قال في الجعالة: من رد عبدي؛ فله كذا. وإن كان على وجه لا يؤول إلى العلم كالوصية لأحد هذين؛ ففيه روايتان، وعلى الصحة يميز بالقرعة.

- (ومنها)(4) الفسوخ؛ فما وضع منها على التغليب والسراية، صح في المبهم؛ كالطلاق والعتاق.

وخرج صاحب "التلخيص" وجهًا في الوقف: أنه كالعتق لما فيه من التحرير، والمذهب خلافه؛ لأن الوقف عقد تمليك؛ فهو بالهبة أشبه.

وأما الإخبارات؛ فما كان منها خبرًا دينيًا، أو كان يجب به [حق](5) على المخبر قبل في المبهم، وإن (6) تعلق به وجوب حق [له](7) على غيره؛ لم يقبل إلا فيما يظهر فيه (8) عذر الاشتباه؛ ففيه خلاف، وإن تعلق به وجوب الحق على غيره لغيره؛ فحكمه حكم إخبار من وجب عليه الحق،

(1) في المطبوع و (ج): "التماثل".

(2)

فى (ب): "وأما إن"، وفي (ج):"فإن".

(3)

في المطبوع: "التملك"، وفي (ج):"الملك".

(4)

في المطبوع و (ج): "وأما".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في المطبوع: "فإن".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(8)

في المطبوع: "إلا فيما يظهر له فيه".

ص: 420

ويتخرج (1) على ذلك مسائل:

- (منها): لو أخبره أن كلبًا ولغ في أحد هذين الإنائين لا بعينه قبل، وصار كمن اشتبه عليه طاهر بنجس، وكذلك (2) لو أخبره بنجاسة أحد الثوبين، أو أن أحد هذين اللحمين ميتة والآخر مذكاة ونحو ذلك.

- (ومنها): الإقرار؛ فيصح بالمبهم (3)، ويلزم بتعيينه، مثل أن يقول: أحد هذين ملك لفلان، أو له عندي درهم أو دينار، ويصح للمبهم؛ كما لو أقر أنه أعتق أحد هذين العبدين، أو أعتقه موروثه، وكذلك إذا أقر أنه زوج إحدى بناته من رجل [ولم يسمها](4) ثم مات؛ فإنها تميز بالقرعة على المنصوص، وكذا (5) لو أقر أن هذه العين التي في يده لأحد هذين وديعة ولا أعلمه عينًا؛ فإنهما يقترعان عليها، نص عليه.

وكذا لو أقر أنه باع هذه العين من أحد هذين، وهما يدعيانها؛ فإنهما يقترعان [عليها](6)، ولو كانت في يد أحدهما، نص عليه [أحمد](7) في "رواية ابن منصور" في رجلين ادعى كل [واحد](8) منهما أنه اشترى من رجل ثوبًا، وقال أحدهما: اشتريته بمئة، وقال الآخر: بمئتين، وأقر البائع

(1) في المطبوع و (ب) و (ج): "ويحرج".

(2)

في (ج): "وكذا".

(3)

في المطبوع و (ج): "المبهم".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في المطبوع و (ب): "وكذلك".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ)، وفي (ج):"كل منهمي".

ص: 421

أنه باعه بمئتين ولم يعين؛ فإنه يقرع بينهما، وإن أقاما بينتين، وكان الثوب في يد أحدهما (1)، وهذا اختيار أبي بكر، ولا اعتبار بهذه اليد للعلم بمستندها.

وعنه رواية ثانية (2): أنها يد معتبرة؛ فتكون العين لصاحبها، ومع تعارض البينتين يخرج على الخلاف في بينة الداخل والخارج.

- (ومنها): الدعوى بالمبهم؛ فإن كانت بما يصح وقوع العقد عليه مبهمًا؛ كالوصية والعبد المطلق في المهر (3) ونحوه؛ فإنها تصح، قال في "الترغيب": وألحق أصحابنا الإقرار بذلك؛ قال: والصحيح عندي أن دعوى الإقرار بالمعلوم لا يصح؛ [لأنه ليس بالحق ولا موجبه](4)؛ فكيف

(1) في "مسائل ابن منصور"(439/ 376): "قلت: رجل باع ثوبًا، فجاء رجل، فأقام البينة أنه اشتراه بمئة، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه بمئتين، والبائع يقول: بعته بمئتين، والثوب في يد البائع بعد؟ قال: المتبايعان بالخيار: إن شاء أحدهما أخذ النصف بمئة والآخر بخمسين، وإن شاءا ردَّاه، فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أيهما اشترى أولًا؟ قال: هي للذي في يديه؛ إلا أن يجيء هذا ببينة أنه أول، فهو له، وإذا أقاما جميعًا البينة أنه الأول؛ فهو للذي في يديه. قال أحمد: ليس قول البائع بشيء، يقرع بيهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو له بالذي ادَّعى أنه اشتراه به، قلت: فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أبهما اشتراه أولًا؟ قال: لا ينفعه ما في يديه، إذا كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان؛ يقرع بينهما. قلت: إذا أقاما جميعًا البينة أنه أول؟ قال: يقرع بيهما إذا كان مقرًّا أنه اشتراه من فلان ولا ينفعه ما في يديه. قال إسحاق: كما قال" اهـ.

(2)

في المطبوع: "أخرى".

(3)

في المطبوع: "المبهم".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 422

بالمجهول؟!

وأما الدعوى على المبهم؛ فلا تصح ولا تسمع ولا يثبت بها قسامة ولا غيرها، فلو قال: قتل أبي أحد هؤلاء الخمسة؛ لم تسمع (1)، قال في "الترغيب": ويحتمل أن تسمع (1) للحاجة؛ فإن مثله يقع كثيرًا، ويحلف كل واحد منهما. قال: وكذلك يجري في دعوى الغصب والإتلاف والسرقة، ولا يجري في الإقرار والبيع إذا قال: نسيت؛ لأنه مقصر.

- (ومنها): الشهادة بالمبهم؛ فإن كان المشهود به يصح مبهمًا؛ صحت الشهادة به؛ كالعتق والطلاق والإِقرار والوصية، وإلا؛ لم تصح (2)، لا سيما الشهادة التي لا تصح بدون دعوى؛ فإنها تابعة للدعوى في الحكم؛ أما إن شهدت البينة أنه [أعتق أو طلق](3) أو أبطل وصية معينة، وادعت نسيان عينها؛ ففي القبول وجهان حكاهما في "المحرر"(4)، وجزم ابن أبي موسى بقبول الشهادة بالرجوع عن إحدى الوصيتين مطلقًا.

وكذلك حكى عن أبي بكر، ونقل ابن منصور عن أحمد في شاهدين شهدا على رجل أنه أخذ من يتيم ألفًا، وشهد آخران على آخر أنه هو الذي أخذها يأخذ الولي بأيهما شاء، ولعل المراد أنه إذا صدق إحدى البينتين حكم له بها.

(1) في المطبوع و (ج): "يسمع"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(2)

في (ب) والمطبوع و (ج): "يصح".

(3)

في المطبوع و (ج): "طلق أو أعتق" بتقديم وتأخير.

(4)

قلت: أحدهما قبول هذه الشهادة، والآخر ردها. انظر:"المحرر"(2/ 245).

ص: 423

(فصل)

ولو تعلق الإِنشاء باسم لا يتميز به مسماه لوقوع الشركة فيه؛ فإن لم ينوه (1) في الباطن معينًا؛ فهو كالتصريح بالإبهام، كان نوى به معينًا؛ فإن كان العقد مما لا يشترط له الشهادة؛ صح، وإلا؛ ففيه خلاف، والإخبار تابع للإِنشاء في ذلك، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): ورود عقد النكاح على اسم لا يتميز مسماه لا يصح، [فلو] (2) قال: زوجتك بنتي وله بنات؛ لم يصح، وأما إن عينا في الباطن واحدة وعقدا العقد عليها باسم غير مميز، نحو أن يقول: بنتي. وله بنات، أو يسميها باسم، وينويا في الباطن غير مسماه؛ ففي الصحة وجهان، اختار القاضي في موضع الصحة، وأبو الخطاب [وغيره](3) البطلان (4)، ومأخذه أن النكاح يشترط له الشهادة ويتعذر الإشهاد على النية.

وعن أبي حفص العكبري: إن كانت المسماة غلطًا لا يحل نكاحها لكونها مزوجة أوغير ذلك؛ صح النكاح، وإلا؛ فلا، ولو (5) وقع مثل هذا في غير النكاح مما لا يشترط له الشهادة، فإن قلنا في النكاح: يصح؛ ففي غيره أولى، وإن قلنا في النكاح: لا يصح؛ فمقتضى تعليل من علل

(1) في (أ) و (ب): "ينوبه"، وفي (ج):"ينويه".

(2)

في المطبوع و (ب): "فلو".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "والقاضي في موضع آخر".

(4)

انظر: "كتاب الهداية"(1/ 251) لأبي الخطاب.

(5)

في المطبوع: "فلو".

ص: 424

باشتراط الشهادة أن يصح في غيره مما لا يعتبر الإشهاد عليه لصحتها.

- (ومنها): الوصية لجاره محمد، وله جاران بهذا الاسم؛ فله حالتان:

إحداهما: أن يعلم بقرينة أو غيرها أنه أراد واحدًا منهما معينًا وأشكل علينا معرفته؛ فها هنا تصح (1) الوصية بغير تردد، ويخرج المستحق منهما بالقرعة على قياس المذهب في اشتباه المستحق للمال بغيره من الزوجة المطلقة والسلعة المبيعة وغيرهما.

والحالة الثانية: أن يطلق وقد يذهل عن تعيين أحدهما بعينه؛ فهو كالوصية لأحدهما بهما، وكذلك حكى الأصحاب في الصحة روايتين، ولكن المنصوص عن أحمد الصحة، قال صالح: سألت أبي عن رجل مات وله ثلاثة (2) غلمان، ثلاثتهم اسمهم فرج، فأوصى (3) عند موته، فقال: فرج حر، وفرج له مئة، وفرج ليس له شيء؛ قال (4): يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو حر، وأما صاحب المئة؛ فلا شيء له، و [ذلك أنه](5) عبد، والعبد هو وماله لسيده (6)، وهذا يدل على [صحة الوصية](7) مع

(1) في المطبوع: "يصح"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(2)

في (ب) و (ج): "ثلاث"!

(3)

في المطبوع: "فوصى".

(4)

في المطبوع: "قال أبي:".

(5)

في (ج): "لأنه".

(6)

انظر: "مسائل صالح"، وسيأتي عند المصنف (2/ 427) أنها رواية ابن بختان.

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "الصحة".

ص: 425

اشتراك الاسم؛ لأنه إنما علل البطلان ها هنا بكونه (1) عبدًا؛ فدل على أنه لو كان حرًّا لاستحق.

وزعم صاحب "المغني" أن رواية صالح تدل على بطلان الوصية (2)، وخالفه صاحب "المحرر"(3)، ونقل حنبل: قال أبو عبد اللَّه في رجل له كلامان اسمهما واحد، فاوصى عند موته، فقال: فلان حر [بعد](4) موتي لأحد الغلامين، وله مئتا درهم، وفلان ليس هوحر واسمهما واحد؛ قال (5): يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة؛ فهو حر، وأما صاحب المئتين؛ فليس له شيء، [وذلك](6) أنه عبد، والعبد وماله لسيده، وهذه تدل (7) على مثل ما دلت عليه "رواية صالح"، لكن السؤال يقتضي أن الموصى له بالمئتين هو العتيق، والجواب يدل (8) على خلافه.

ومن ثم زعم صاحب "المحرر" أنها تدل على بطلان الوصية للإبهام (9)، وليس كذلك؛ لأنه إنما علل بكونه عبدًا لم يعتق، وتأولها

(1) في المطبوع و (ج): "لكونه".

(2)

انظر: "المغني"(6/ 127/ 4743).

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 383).

(4)

في (ج): "عند".

(5)

في المطبوع و (ج): "فقال".

(6)

في (ب): "وكذلك".

(7)

في المطبوع و (ج): "لا تدل".

(8)

في (ج): "ما يدل".

(9)

انظر: "المحرر"(2/ 3).

وقال المرداوي في "الإنصاف"(7/ 231) عن البطلان: "الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب"!!

ص: 426

القاضي وابن عقيل على أن الوصية لم تصح؛ لكونه عبدًا حال الإيصاء (1)، ولا تكفي (2) حريته حال الاستحقاق، وعلى هذا؛ فلا تصح الوصية لأم الولد والمدبر، وهو ضعيف جدًّا، وجواب أحمد إنما يتنزل على أن الموصى له بالدراهم غير المعتق (3).

ونقل يعقوب بن بختان أن أبا عبد اللَّه سئل عن رجل له ثلاثة غلمان، اسم كل واحد منهم فرج؛ فقال: فرج حر، ولفرج مئة درهم. فقال (4): يقرع بينهم، فمن خرج سهمه؛ فهو حر، والذي أوصى له بالمئة لا شيء له؛ لأن هذا ميراث، وهذه الرواية من جنسها ما قبلها، حيث علل فيها بطلان (5) الوصية بكون العبد الموصى له ميراثًا (6) للورثة؛ فهذه الروايات [الثلاثة](7) التي ساقها الخلال في "الجامع" وكلها دالة على الصحة، وهو قول القاضي.

وساقها أبو بكر في "الشافي" على أنَّ الموصى له بالدراهم هو المعتق (3)، وأنَّ أحمد صحيح الوصية له في "رواية صالح"(8)، وأبطلها في "رواية حنبل"، قال أبو بكر: وبالصحة أقول.

(1) في (ج): "الإيصال"!

(2)

في المطبوع: "يكفي".

(3)

في (ج): "العتيق"!

(4)

في المطبوع: "قال".

(5)

في المطبوع: "ببطلان".

(6)

في المطبوع و (ج): "ميراث".

(7)

في (ج): "الثلاث"، وفي (ب):"التامة".

(8)

لم أظفر بها في مطبوع "مسائل صالح".

ص: 427

وفي ["جامع](1) الخلال" أيضًا عن مُهَنَّأ: إن أحمد قال في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى عند هوته، [فقال] (2): لفلان بن فلان من أصحاب فلان ألف درهم، أو أحاله بها والشهود لا يعرفون فلان بن فلان؛ كيف يصنعون وقد مات الرجل؟ فقال (3): ينظرون في أصحاب فلان فيهم (4) فلان بن فلان من أصحاب فلان؟ قلت: فإن جاء رجلان، فقال كل واحد منهما: أنا فلان بن فلان من أصحاب فلان؛ قال: فلا يدفع إليهم شيء (5)، حتى يكون رجل واحد.

والظاهر أن أحمد لم يتوقف في الدفع إلا ليتيقن المستحق من غيره، لا لصحة الوصية؛ فإنها ها هنا لمعين في نفس [الأمر](2)، وإنما اشتبه علينا لاشتراك الاسمين؛ فلذلك وقف الدفع على معرفة عين المستحق [إذا رجى انكشاف الحال، وأما مع الإياس من ذلك؛ فيتعين تعيين المستحق](6) بالقرعة، قاله بعض أصحابنا (7) المتقدمين، وهو الحق (8).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "قال".

(4)

في (ج): "أفيهم".

(5)

في المطبوع: "إليهما شيئًا".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

فى المطبوع و (ج): "الأصحاب".

(8)

قال في "الإنصاف"(7/ 231): "فعلى القول بالصحة؛ فقيل: يعينه الورثة، جزم به في "الرعاية الكبرى"، وقيل: يعين بقرعة، قطع به في "القواعد الفقهية"، وهو الصواب". وانظر: "المبدع"(6/ 33)، و"المغني"(6/ 542 - مع "الشرح الكبير").

ص: 428

- (ومنها): اشتباه المدعى عليه إذا كتب القاضي إلى قاضٍ ببلد (1) آخر: أن لفلان [بن فلان](2) على فلان بن فلان المسمى الموصوف كذا، فأحضره المكتوب إليه بالصفة والنسب، فادعى (3) أن له مشاركًا في ذلك ولم يثبت حكم عليه، وإن ثبت [له مشارك](4) في الاسم والنسب والصفة (5)؛ وقف حتى يعلم الخصم منهما، ولم يجز القضاء مع عدم العلم، أما (6) لو كان المدعى المكتوب فيه حيوانًا أو عبدًا موصوفًا، ولم يثبت له مشارك؛ ففيه وجهان:

أشهرهما: أنه يسلم إلى المدعي مختوم العنق، ويؤخذ منه كفيل حتى يأتي القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضى له به، [ومتى لم](7) يشهدوا على عينه؛ وجب رده إلى الحاكم الذي سلمه، ويكون في ضمان الذي أخذه؛ لأنه أخذه بغير استحقاق.

والوجه الثاني: لا يسلم إلا بالشهادة على عينه.

والفرق بينها وبين التي قبلها أن الحر قد طابق قول المدعى اسمه ونسبه وصفته، فيبعد الاشتراك في ذلك والعبد والحيوان إنما حصل الاتفاق

(1) في المطبوع: "قاضي بلد".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

في (ج): "فالدعي"!! وهو خطأ.

(4)

في المطبوع: "أن له مشاركًا".

(5)

في المطبوع و (ج): "والصفة والنسب" بتقديم وتأخير.

(6)

في (ج): "وأما".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وإن"!

ص: 429

في وصفه أو في وصفه واسمه، والوصف كثير الاشتباه وكذلك الاسم، ونظير هذا ما ذكروه (1) في شهادة الأعمى: أنه إن (2) عرف المشهود عليه باسمه ونسبه؛ قبلت شهادته، وإن عرفه برؤية (3) قبل عماه فوصفه؛ ففي قبولها وجهان؛ لأن الوصف المجرد يحصل فيه الاشتراك.

- (ومنها)، لو كان له ابنتان اسمهما واحد، فوهب لإِحديهما (4) شيئًا أو أقر لها، ثم مات ولم يبين؛ فقال القاضي في "بعض تعاليقه": قياس المذهب إخراج المستحقة منهما بالقرعة؛ كما لو أقر أنه زوج إحدى بناته، ثم مات ولم يبين، وهذا صحيح؛ لأن الهبة والإقرار هنا وقع لمعين (5) في الباطن، وإنما أشكل علينا الوقوف عليه؛ فيميز بالقرعة.

- (ومنها): لو وجد في كتاب وقف: إن [رجلًا](6) وقف على فلان وبني بنيه واشتبه؛ هل المراد بنى بنيه (جمع ابن)، أو بني بنته (7) (واحدة البنات)؛ قال ابن عقيل [في "فنونه"] (8): يكون بينهما عندنا؛ لتساويهما؛ كما في تعارض البينات.

(1) في (ج): "ما ذكره".

(2)

في (ج): "إذ".

(3)

في المطبوع و (ج): "برؤيته".

(4)

في المطبوع: "لإحداهما".

(5)

في المطبوع: "لمعنى".

(6)

في (ب): "فلانًا".

(7)

في المطبوع: "أو بني بنيه".

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 430

قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا من تعارض البينات (1)، بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة، ولو (2) كان من تعارض البينات (1)؛ فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة، وإلا؛ فالصحيح إما التساقط وإما القرعة؛ فيحتمل أن يقرع ها هنا؛ لأن الحق ثبت لإِحدى الجهتين، ولم يعلم عينها، ويحتمل أن يرجح بنو البنين؛ لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنته (3) لا يخص بنيها (4) الذكور، بل يعم أولادها (5)، بخلاف الوقف على ولد الذكور؛ فإنه يخص ذكورهم كثيرًا كآبائهم، ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته قال: وهذا أقرب إلى الصواب (6)، وأفتى [رحمه الله] (7) فيمن وقف على أحد أولاده وله عدة أولا وجهل اسمه: أنه يميز بالقرعة (8).

* * *

(1) في المطبوع: "البينتين".

(2)

في (ج): "فلو".

(3)

في المطبوع: "ولد بنيه".

(4)

في المطبوع: "منهما"!

(5)

في المطبوع: "أولادهما"!

(6)

انظر لشيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا قريبًا من هذا في "الاختيارات الفقهية"(ص 180).

(7)

ما بين المعقوفتين من المطبوع.

(8)

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 180).

ص: 431

(القاعدة السادسة بعد المئة)

ينزل المجهول منزلة المعدوم؛ وإن كان الأصل بقاءه إذا يئس من الوقوف (1) عليه أو شق اعتباره.

وذلك في مسائل:

- (منها): الزائد على ما تجلسه المستحاضة من أقل الحيض أو غالبه إلى منتهى أكثره حكمه حكم المعدوم، حيث حكمنا فيها للمرأة بأحكام الطهارات كلها، فإن مدة الاستحاضة تطول، ولا غاية لها تنتظر، بخلاف الزائد على الأقل في حق المبتدئة على ظاهر المذهب، حيث تقضي الصوم الواقع فيه قبل ثبوت العادة بالتكرار؛ لأن أمره ينكشف بالتكرار عن قرب (2)، وكذلك النفاس المشكوك فيه تقضى فيه الصوم؛ لأنه لا يتكرر.

- (ومنها): اللقطة بعد الحول؛ فإنها تتملك لجهالة ربها وما لا يتملك منها يتصدق به عنه على الصحيح، وكذلك (3) الودائع والغصوب ونحوها.

(1) في (ج): "الوقف".

(2)

انظر هذه المسألة مع أدلتها وآراء العلماء فيها: "الخلافيات" للبيهقي (3/ مسألة رقم 48 - بتحقيقي).

(3)

في (ج): "وكذا".

ص: 432

- (ومنها): امرأة المفقود لغيبة ظاهرها الهلاك فيما بعد أربع سنين تباح للأزواج، وكذلك يقسم ماله بين الورثة؛ كالميت، لكن؛ هل يثبت له أحكام المعدوم من حين فقده أو لا يثبت إلا من حين إباحة أزواجه وقسمة ماله؟

على وجهين، ينبني عليهما لو كان له في مدة انتظاره من إرثه؛ فهل يحكم بتوريثه منه أم لا؟

ونص أحمد على أنه يزكى ماله بعد مدة انتظاره معللًا بأنه مات وعليه زكاة، وهذا يدل على أنه لا يحكم له بأحكام الموتى إلا بعد المدة، وهو الأظهر] (1).

- (ومنها): مال من لا يعلم له وارث؛ فإنه يوضع (2) في بيت المال؛ كالضائع مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى؛ إذ الناس كلهم بنو آدم، فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه؛ فهو عصبته، ولكنه مجهول؛ فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح.

وكذلك (3) لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحالة، ولم يلتفت إلى هذا المجهول.

ولنا رواية أخرى: أنه ينتقل إلى بيت المال إرثًا لهذا المعنى، فإن أريد أن اشتباه الوارث بغيره يوجب الحكم بالإرث للكل؛ فهو مخالف

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(2)

في (ج): "يجعل".

(3)

في (أ) و (ج): "ولذلك".

ص: 433

لقواعد المذهب، وإن أريد أنه إرث في الباطن لمعين؛ فيحفظ ميراثه في بيت المال، ثم يصرف [في المصالح](1) للجهل بمستحقه عينًا؛ فهو والأول بمعنى واحد، وينبني على ذلك مسألة اقتصاص الإمام ممن قتل [من](2) لا وارث له.

وفي المسألة وجهان: منهم من بناهما (3) على أن بيت المال هل هو وارث [أو](4) لا، ومنهم من قال: لا ينبني على ذلك، ثم لهم طريقان:

أحدهما: أنه لا يقتص، ولو قلنا بأنه وارث؛ لأن في المسلمين الصبي والمجنون والغائب، وهي طريقة أبي الخطاب.

والثاني: يجوز الاقتصاص، وإن قلنا: ليس بوارث؛ لأن ولاية الإمام ونظره في المصالح قائم مقام الوارث، وهو مأخذ ابن الزاغوني.

- (ومنها): إذا اشتبهت أخته بنساء أهل مصر؛ جاز له الإقدام على النكاح من نسائه، ولا يحتاج إلى التحري في ذلك على أصح الوجهين، وكذلك لو اشتبهت ميتة بلحم أهل مصر أو قرية أو اشتبه حرام قليل بمباح كثير ونحو ذلك؛ إلا أن يكثر الحرام ويغلب؛ فتخرج (5) المسألة على تعارض الأصل والظاهر؛ كثياب الكفار وأوانيهم.

- (ومنها): طين الشوارع محكوم بطهارته على الصحيح

(1) في (ب): "للمصالح".

(2)

في (ج): "ممن".

(3)

في (ب): "بناها".

(4)

في المطبوع و (ج): "أم".

(5)

في المطبوع: "فيخرج"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الثاني.

ص: 434

المنصوص.

- (ومنها): إذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها؛ فإنها تميز بالقرعة، ويحل له وطئ البواقي على المذهب الصحيح المشهور، وكذلك لو أعتق واحدة من إمائه (1).

- (ومنها): إذا أحرم بنسك وأنسيه، ثم عينه بقران؛ فإنه يجزئه عن الحج، وهل يجزئه عن العمرة؟

[على](2) وجهين:

أشهرهما عند المتأخرين: لا يجزئه؛ لجواز أن يكون أحرم بحج أولًا ثم أدخل عليه العمرة بنية القرآن؛ فلا تصح عمرته.

والثاني: يجزئه؛ لأنه إنما يمنع من إدخال العمرة على الحج مع العلم، فأما مع عدمه؛ فلا تنزيلًا للمجهول كالمعدوم؛ فكأنه ابتدأ الإحرام بهما من حين التعيين.

* * *

(1) انظر في المسألة: "الهداية"(2/ 39)، و"المحرر"(2/ 60)، و"شرح الزركشي على مختصر الخرقي"(5/ 433)، و"الكافي"(2/ 844).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 435

(القاعدة السابعة بعد المئة)

تمليك المعدوم والإباحة.

له نوعان:

أحدهما: أن يكون بطريق الأصالة؛ فالمشهور [أنه](1) لا يصح.

والثاني: أن يكون بطريق التبعية؛ فيصح في الوقف والإجازة (2)، وهذا إذا صرح بدخول المعدوم، فأما إن لم يصرح، وكان المحل لا يستلزم المعدوم؛ ففي دخوله خلاف، وكذا لو انتقل الوقف إلى قوم فحدث من يشاركهم.

ويتخرج على هذه القاعدة مسائل:

- (منها): الإجارة لفلان ولمن يولد له؛ فإنها تصح، وفعل ذلك أبو بكر بن أبي داود، وهو من أعيان أصحابنا؛ [فإنه](3) أجاز لشخص وولده (4) ولحبل الحبلة.

(1) في (ب): "أن".

(2)

في المطبوع و (ب): "والإجارة" -براء-.

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(4)

في المطبوع: "وولده".

ص: 436

- (ومنها): الإجازة (1) لمن يولد لفلان ابتداءً؛ فأفتى القاضي فيها بالصحة (2)، نقله عنه أبو بكر الخطيب، وقياس قوله في الوقف عدم الصحة.

- (ومنها): الوقف على من يولد (3) له؛ فصرح القاضي في "خلافه" بأنه لا يصح لأنه وقف على من لا يملك في الحال واقتصر عليه؛ فلم يصح؛ كالوقف (4) على العبد.

وقال (5) أحمد: في "رواية صالح"(6) الوقف يكون (7) أن يوقفه على ولده أو من يكون من أقاربه، فإذا انقرضوا؛ فهو صدقة على المساكين أو من رأى، قال الشيخ مجد الدين: ظاهره يعطي صحة الوقف ابتداءً على من يولد له أو يوجد (8) من أقاربه، وهذا عندي وقف معلق بشرط. انتهى (9).

ويمكن أن يحمل على أن مراده من يكون موجودًا من أقاربه؛ فتكون (10) كان ناقصة وخبرها محذوفًا.

(1) في (ب): "الإجارة".

(2)

في المطبوع: "بالصحة مطلقًا".

(3)

في المطبوع: "سيولد".

(4)

في المطبوع: "كما لو وقف".

(5)

في المطبوع: "قال".

(6)

انظر: "مسائله"(. . .).

(7)

في المطبوع: "إنما يكون".

(8)

في المطبوع و (ب) و (ج): "أو من يوجد".

(9)

نحوه في "المحرر"(1/ 369).

(10)

في المطبوع: "فيكون".

ص: 437

- (ومنها): لو وقف (1) على ولده وولد ولده أبدًا، أو من يولد له؛ فيصح بغير إشكال، نص عليه.

- (ومنها): لو وقف على ولده وله أولاد موجودون، ثم حدث له ولد آخر؛ ففي دخوله روايتان، وظاهر كلام أحمد دخوله في المولود قبل تأبير النخل، وقد سبق وهو قول ابن أبي موسى [أيضًا](2)، وظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وأفتى به ابن الزاغوني.

- (ومنها): لو وقف على ولده، ثم على ولدهم أبدًا على أن من مات عن ولد؛ فنصيبه لولده، ومن مات عن غير (3) ولد؛ فنصيبه لمن في درجته؛ فكان في درجته عند موته اثنان مثلًا؛ فتناولا نصيبه، ثم حدث ثالث؛ فهل يشاركهم؟

يخرج فيه وجهان من التي قبلها، والدخول هنا أولى، وبه أفتى [الشيخ شمس الدين](4) ابن أبي عمر المقدسي؛ لأن الوقف على الأولاد قد يلحظ فيهم أعيان الموجودين عند الوقف، بخلاف الدرجة والطبقة؛ فإنه لا يلحظ فيه إلا مطلق الجهة.

[وعلى هذا؛ لو](5) حدث من هو أعلى من الموجودين، وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى؛ فإنه ينزعه (6) منهم.

(1) في المطبوع: "الوقف".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "غيره"!

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج) فقط.

(5)

في (ج): "فعلى هذا لو"، وفي المطبوع:"وعلى هذا؛ فلو".

(6)

في (ب) و (ج): "ينتزعه"، وفي المطبوع:"يفترغه".

ص: 438

فأما (1) حكم الوصية؛ فإنها لا تصح لمعدوم بالأصالة، كمن [تحمل](2) هذه الجارية، صرح به القاضي وابن عقيل.

وفي [دخول](3) المتجدد بعد الوصية وقبل موت الموصي روايتان، وذكر القاضي [أيضًا] (4) فيمن وصى لمواليه وله مدبرون وأمهات وأولاد: أنهم يدخلون، وعلل بأنهم موال حال الموت، والوصية تعتبر بحال الموت.

وخرجه الشيخ تقي الدين على الخلاف في المتجدد بين الوصية والموت، قال: بل هذا متجدد بعد الموت؛ فمنعه أولى، وهذا الذي قاله يتوجه إن عللنا (5) الوصية بصدق الاسم، فأما إن كان قصد الموصي الوصية لأعيان رقيقه، وسماهم (6) باسم يحدث لهم؛ فإنهم يستحقون الوصية بغير توقف.

وأفتى [الشيخ](7) أيضًا بدخول المعدوم في الوصية تبعًا؛ كمن وصى بغلة ثمره للفقراء إلى أن يحدث لولده ولد؛ فيكون له، وهو (8) قريب من تعليق الوصية بشرط آخر بعد الموت (9).

(1) في المطبوع: "وأما".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أوصى بحمل".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (ب) و (ج): "متوجه إن علقنا"، وفي المطبوع:"يتوجه إن علقنا".

(6)

في (أ): "فسماهم".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(8)

في المطبوع: "وهو له".

(9)

انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(31/ 309)، و"الجامع للاختيارات الفقهية =

ص: 439

والمنصوص عن أحمد في "رواية أحمد بن الحسين بن حسان"(1) فيمن أوصى أن يتصدق في سكة فلان بكذا وكذا، فسكنها قوم بعد موت الموصي؛ قال: إنما كانت الوصية للذين كانوا. ثم قال: ما أدري كيف هذا؟ قيل (2): فيثبه هذا الكورة. قال: لا، الكورة وكثرة أهلها خلاف هذا المعنى، ينزل قوم ويخرج قوم يقسم بينهم؛ ففرق بين الكورة والسكة؛ لأن الكورة لا يلحظ الموصي فيها قومًا معينين لعدم انحصار أهلها، وإنما المراد تفريق الوصية [الموصى بها](3)؛ فيستحق المتجدد فيها بخلاف السكة؛ فإنه قد يلحظ أعيان ساكنها الموجودين لحصرهم (4)، ويفارق الوقف في ذلك الوصية، لأن الوقف تحبيس وتسبيل يتناول المتجدد من الطباق؛ فكذا [من](5) الطبقة الواحدة، بخلاف الوصية؛ فإنها تمليك؛ فيستدعي (6) موجودًا في الحال، [واللَّه أعلم](7).

* * *

= لشيخ الإسلام ابن تيمية" (2/ 940 - 943).

وانظر في المسألة: "المبدع"(6/ 49)، و"الإنصاف"(7/ 252).

(1)

صحب الإمام أحمد، وروى عنه أشياء، انظر بعضًا منها في:"طبقات الحنابلة"(1/ 39)، و"المنهج الأحمد"(1/ 354)، و"المقصد الأرشد"(1/ 89).

(2)

في المطبوع: "قيل له".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "فيها"، وفي (ج):"بها".

(4)

في (ج): "بحصرهم".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في (ج): "فتستدعي".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 440

(القاعدة الثامنة بعد المئة)(1)

ما جهل وقوعه مترتبًا أو متقارنًا؛ هل يحكم عليه بالتقارن أو بالتعاقب؟

فيه خلاف، والمذهب: الحكم بالتعاقب؛ لبعد (2) التقارن، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): [المتوارثان إذا ماتا](3) جملة بهدم أو غرق أو طاعون، وجهل تقارن موتهما وتعاقبه (4)؛ حكمنا بتعاقبه على المذهب المشهور، وورَّثْنا كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه من صاحبه.

وخرج أبو الخطاب رواية أخرى بعدم التوارث للشك في شرطه، وكذلك لو علم سبق أحدهما بالموت وجهل عينه، أو علم عينه، ثم نسى على المذهب، لكن هذا يستند إلى أن يقين (5) الحياة لا يشترط للتوريث.

- (ومنها): إذا أقيم في المصر جمعتان لغير حاجة، وشك: هل

(1) هنا في (ب): "القاعدة 109".

(2)

في (أ): "لتعذر".

(3)

في (أ) و (ب): "المتوارثون إذا ماتوا".

(4)

في (أ) و (ج): "أو تعاقبه".

(5)

في المطبوع: "تيقن".

ص: 441

أحرم بهما معًا؛ فيبطلان وتعاد الجمعة (1) أو أحرم بهما مترتبتين (2)؛ فيصلي الظهر على وجهين] (3):

أصحهما: تعاد الظهر؛ لأن التقارن مستبعد.

وعلى الثاني: تعاد الجمعة؛ إما لاحتمال المقارنة، أو تنزيلًا للمجهول كالمعدوم (4).

- (ومنها): إذا زوج الوليان (5) وجهل هل وقع العقدان معًا فيبطلان، أو مترتبين فيصح (6) أحدهما بالقرعة؟

ففيه وجهان أيضًا:

أحدهما: يبطلان؛ لاحتمال التقارن.

والثاني: [لا](7)؛ لاستبعاده.

- (ومنها): إذا أسلم الزوجان الكافران قبل الدخول، واختلفا: هل أسلما معًا أو متعاقبين؛ فهل القول قول مدعي التقارن فلا ينفسخ النكاح، أو مدعي التعاقب لأن الظاهر معه؟

(1) في (ج): "جمعة".

(2)

في (ج): "مترتبين".

(3)

في المطبوع: "فتصلى الظهر على الوجهين".

(4)

صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة بدعة ما أنزل اللَّه بها من سلطان، وقد أسهبتُ في بيان ذلك في كتابي "القول المبين في أخطاء المصلين"(ص 384 - 388)، فراجعه.

(5)

في المطبوع: "وليان".

(6)

في المطبوع و (ج): "فيصحح".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 442

على وجهين يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر.

- (ومنها): إذا كان في يد رجل عبد، فادعى رجلان كلًّا منهما أنه باعه هذا العبد بألف، وأقاما بذلك بينتين، ولم يؤرخا؛ فهل يصح العقدان ويلزمه الثمنان لجواز أن يكونا [في عبدين](1) في زمنين (2) مختلفين، وحد استرجاع العبد (3) بينهما، أو تتعارض (4) البينتان لجواز أن يكونا عقدًا واحدًا فيسقطان والأصل براءة ذمته؟

على وجهين.

* * *

(1) في المطبوع: "في عقدين"، وفي (ج):"عقدين".

(2)

في المطبوع و (ج): "وقتين".

(3)

في المطبوع و (ج): "العقد".

(4)

في المطبوع: "يتعارض".

ص: 443

(القاعدة التاسعة بعد المئة)

المنع من واحد مبهم من أعيان أو معين مشتبه (1) بأعيان يؤثر الاشتباه فيها المنع بمنع التصرف في تلك الأعيان قبل تمييزه.

والمنع من الجمع يمنع (2) التصرف في القدر الذي يحصل به الجمع خاصة؛ فإن حصل الجمع دفعة واحدة منع من الجميع مع التساوي، فإن كان لواحد منهما (3) مزية على غيره بأن يصح وروده على غيره ولا عكس؛ اختص الفساد به على الصحيح، والمنع من القدر المشترك كالمنع من الجميع يقتضي العموم.

وللأول (4) أمثلة:

- (منها): إذا طلق واحدة مبهمة منع من وطء زوجاته حتى تميز (5) بالقرعة على الصحيح، وحكى رواية أخرى أنه يميزها بتعيينه (6).

(1) في المطبوع و (ج): "مشتبهة".

(2)

في المطبوع و (ج): "يمنع من".

(3)

في (أ): "منها".

(4)

في المطبوع: "فللأول".

(5)

في المطبوع و (ج): "يميز".

(6)

قال ابن عقيل في "الفنون"(2/ 433/ 387) فيمن قال: واحدة من نسائي =

ص: 444

- (ومنها): إذا أعتق أمة من إمائه مبهمة؛ منع من وطء واحدة منهن حتى تميز [المعتقة](1) بالقرعة، وفيه وجه بالتعيين.

- (ومنها): إذا اشتبهت المطلقة ثلاثًا بزوجاته؛ منع من وطء واحدة منهن حتى تميز (2) المطلقة وتميزها بالقرعة على [ظاهر](3) المذهب.

- (ومنها): لو اشتبهت أخته بعدد محصور من الأجنبيات منع من التزوج (4) بكل واحدة منهن حتى يعلم أخته من غيرها.

- (ومنها): إذا اشتبهت ميتة بمذكاة؛ فإنه يمنع من الأكل منهما حتى يعلم المذكاة.

- (ومنها): اشتباه الآنية النجسة بالطاهرة يمنع من الطهارة [بواحدٍ منها](5) حتى [يتيقن عين الطاهر](6).

- (ومنها): لو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة، فاختلطت في تمر؛ فإنه

= طالق التي اختلفت فيها المذاهب؛ قال: "فمذهبنا أنه يقع الطلاق على واحدة، لا يعيّنها، وتخرجها القرعة".

وانظر في المسألة: "الهداية"(2/ 39)، و"المحرر"(2/ 60)، و"شرح الزركشي على متن الخرقي"(5/ 433)، و"الكافي"(2/ 844).

(1)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "منهن".

(2)

في المطبوع و (ج): "يميز".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ج): "التزويج".

(5)

في المطبوع: "بواحدة منها"، وفي (ج):"بواحدة".

(6)

في المطبوع: "يتبين على الظاهر"! وهو خطأ.

ص: 445

يمنع من أكل تمرة [منه](1) حتى يعلم عين التمرة، وإن كنا لا نحكم عليه بالحنث بأكل واحدة.

- (ومنها): لو حلف بطلاق زوجاته أن لا يطأ واحدة منهن، ونوى واحدة مبهمة؛ فإنه يمنع من الوطء حتى يميزها بالقرعة، وقيل: بتعيينه.

- (ومنها): لو أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن، [أو](2) أسلم واحد منهم، ثم تداعوه؛ حرم قتلهم بغير خلاف.

وفي استرقاقهم وجهان:

أحدهما: وهو المنصوص: أنه يحرم مع التداعي.

والثاني: أنه يخرج واحد منهم بالقرعة ويرق الباقون، وهو قول أبي بكر والخرقي (3)، ورجحه ابن عقيل في روايتيه (4) إلحاقًا له باشتباه العتق بغيره، وكما لو أقر أن أحد هذين الولدين من هذه الأمة ولده، ثم مات ولم يوجد (5) قافة؛ فإنا نقرع لإِخراج الحرية، وإن كان أحدهما حر الأصل، والصحيح الأول؛ لأن أهل الحصن لم يسبق لهم رق فإرقاقهم إلا واحدًا يؤدي إلى ابتداء الإِرقاق مع الشك في إباحته، بخلاف ما إذا كان أحد المشتبهين رقيقًا؛ فأخرج غيره بالقرعة، فإنه إنما يستدام الرق مع الشك في زواله.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في (ج): "و".

(3)

انظر: "مختصره"(9/ 227/ 7566 - مع "المغني").

(4)

في المطبوع و (ج): "روايته".

(5)

في المطبوع: "ولم يوجده".

ص: 446

وللثاني أمثلة:

- (منها): إذا ملك أختين أو أمًا وبنتًا؛ فالمشهور أن له الإقدام على وطء واحدة منهما ابتداءً، فإذا فعل؛ حرمت الأخرى.

وعن أبي الخطاب: أنه يمنع من وطء واحدة منهن (1) حتى تحرم (2) الأخرى (3).

ونقل ابن هانئ عن أحمد ما يدل [عليه](4) وهو راجع إلى تحريم إحداهما مبهمة، والأول أصح؛ لأن المحرم هو ما يحصل به الجمع.

(1) في المطبوع: "منهما".

(2)

في (ج): "يحرم".

(3)

نقل قول أبي الخطاب هذا ابن رجب في ترجمته في كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 121).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

وفي "مسائل ابن هانئ"(2/ 98 - 99/ 1600): "وسئل [أي: الإمام أحمد] عن رجل اشترى جاريتين على أنه ليس بينهما قرابة، فلما صارتا في ملكه؛ ادعتا أنهما أختان؟ قال أبو عبد اللَّه: لا يطأ واحدة منهما حنى يستثبت ويصح عنده أنهما أختان أو ليستا بأختين. قيل: فإن شهد بعض الروم أنهما أختان، كيف ترى فيهما؟ قال أبو عبد اللَّه: لا أقبل شهادة بعضهم على بعض، إلا أن يكون بعضهم قد أسلم، بعض من يشهد مسلم أنهما أختان؛ فإنه يعتزل واحدة منهما إذا لم يكن وطأ أختها التي وطأ أوَّلًا، وينبغي أن يخرج الأخرى من ملكه".

وفيها أيضًا (1/ 205/ 1014): "سألت أبا عبد اللَّه عن رجل اشترى جاريةً ولها ابنة، فقبل أمها؛ أتحل له الابنة؟ قال: لا تحل له الابنة. قلت له: فإن قبل ابنتها؛ تحل له الأم؟ قال: لا تحل له أيضًا. قلت له: فقد أتى للجارية عشر سنين؟ قال: ما كانت من السبع إلى العشر يحرّم عليه، أيهما قبَّل حرمت عليه الأخرى" اهـ.

ص: 447

- (ومنها): إذا وطئ الأختين واحدة بعد الأخرى؛ [فهل يمنع](1) من وطئهما جميعًا حتى يحرم إحداهما لثبوت استفراشهما جميعًا، أم (2) تباح له الأولى إذا استبرأ الثانية لأنهما أخص بالتحريم حيث كان الجمع حاصلًا بوطئها؟

على وجهين، والأظهر [ها](3) هنا الأول؛ لثبوت الفراش لهما جميعًا؛ فيكون الممنوع منهما واحدة مبهمة.

- (ومنها): إذا أسلم الكافر وتحته (4) أكثر من أربع نسوة، فأسلمن أو كن كتابيات؛ فالأظهر أن له وطء أربع منهن، ويكون اختيارًا منه؛ لأن التحريم إنما يتعلق بالزيادة على الأربع، وكلام القاضي قد يدل على هذا، وقد يدل على تحريم الجميع قبل الاختيار.

- (ومنها): لو قال لزوجاته الأربع: واللَّه؛ لا وطئتكن، وقلنا: لا يحنث (5) بفعل البعض؛ فأشهر الوجهين أنه لا يكون موليًا حتى يطأ ثلاثًا؛ فيصير حينئذ موليًا من الرابعة، وهو قول القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب؛ لأنه يمكنه وطء [كل](6) واحدة منهن من غير حنث؛ فلا تكون يمينه مانعة، بخلاف ما إذا وطئ ثلاثًا؛ فإنه لا يمكنه وطء الرابعة بدون

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "يمتنع".

(2)

في (ج): "ثم".

(3)

ما بين المعقوفتين ليس في (ج).

(4)

في المطبوع: "وعنده".

(5)

في المطبوع: "لا تحنث".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 448

حنث.

والثاني: هو مول في الحال من الجميع، وهو قول القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عُمَده"، وقالا (1): هو ظاهر كلام أحمد، ومأخذ الخلاف أن الحكم المعلق بالهيئة الاجتماعية هل هو حكم على ما يتم به مسماها حسب، أم (2) على مجموع الأجزاء في حالة الاجتماع دون الانفراد؟

فعلى الثاني يكون موليًا من الجميع ويتوقف حنثه بوطء كل واحدة على وطئ البواقي معها.

- (ومنها): إذا زنى بامرأة وله أربع نسوه؛ ففي "التعليق" للقاضي: يمنع من وطء الأربع حتى يظهر (3) بالزانية حمل، واستبعده الشيخ مجد الدين (4)، وهو كما قال؛ لأن التحريم هنا لأجل الجمع بين خمس؛ فيكفي فيه أن يمسك [عن واحدة منهن](5)، وصرح به صاحب "الترغيب".

وقد ذكر صاحب "المغني" مثله فيمن أسلم على خمس نسوة ففارق واحدة؛ فإنه يمسك عن وطء واحدة منهن حتى تستبرئ المفارقة (6).

- (ومنها): إذا تزوج خمسًا أو أختين في عقد واحد؛ فالنكاح باطل؛

(1) في المطبوع: "وقال"!

(2)

في المطبوع: "حنث أو".

(3)

في المطبوع: "يستظهر".

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 21).

(5)

في المطبوع: "عن وطء واحدة منهم لا حتى تستبرئ"!

(6)

انظر: "المغني"(7/ 121/ 5442).

ص: 449

لأن الجمع (1) حصل به ولا ميزه (2) للبعض على البعض؛ فبطل (3)، بخلاف ما إذا تزوجهن في عقود متفرقة.

وذكر القاضي في "خلافه" احتمالًا بالقرعة فيما إذا زوج الوليان من رجلين دفعة واحدة، وهذا مثله، ولكن هذا لعلة تخالف (4) الإجماع، قاله الشيخ مجد الدين (5)، ولكنه يعتضد بالرواية التي نقلها ابن أبي موسى فيمن قال لعبيده: أيكم جاءني بخبر كذا وكذا؛ فهو حر، فأتاه به اثنان معًا؛ عتق واحد منهما بالقرعة، وكذلك لو قال: أول غلام يطلع علي؛ فهو حر، أو أول امرأة تطلع علي؛ فهي طالق، فطلع عليه عبيده كلهم ونساؤه كلهن (6): أنه يطلق ويعتق واحد منهم بالقرعة، نص عليه في "رواية مُهَنَّأ"، وأقره القاضي وصاحب "المغني" في موضع منه على ظاهره، وتأولاه (7) مرة على أنهم اطلعوا (8) واحدًا بعد واحد (9)، وأشكل السابق، وهذا هو الأظهر؛ لأنه المعتاد (10) وغيره بعيد.

(1) في المطبوع: "الجميع".

(2)

في المطبوع و (ج): "مزية".

(3)

في المطبوع و (ج): "فيبطل".

(4)

في (ج): "يخالف".

(5)

نحوه في "المحرر"(2/ 19)؛ فراجعه.

(6)

في المطبوع: "أكلهن"!

(7)

في المطبوع: "تأوَّلا".

(8)

في المطبوع: "طلعوا".

(9)

انظر: "المغني"(7/ 361/ 5988).

(10)

في المطبوع: "اجتهاد".

ص: 450

أما (1) إن كان لبعضهم مزية؛ فله صور:

- (منها): إذا تزوج أمًا وبنتًا في عقد [واحد](2)؛ ففيه وجهان:

أحدهما: يبطل النكاحان معًا، وهو قول القاضي وابن عقيل وصاحب ["الكافي"](3).

والثاني: يبطل نكاح الأم وحدها، حكاه صاحب "الكافي"(4)، وجزم به صاحب "المحرر"(5)؛ لأن نكاح البنت لا يمنع نكاح الأم إذا عُري عن الدخول، بخلاف العكس؛ فكان نكاح الأم أولى [بالإِبطال](6).

- (ومنها): لو أسلم الكافر على أم وبنت لم يدخل بواحدة منهما؛ فالمذهب أنه ينفسخ نكاح الأم وحدها، وتحرم عليه على التأبيد، ويثبت نكاح البنت، نص عليه أحمد فيما ذكره القاضي في "خلافه"، واتفق الأصحاب عليه، وبناه القاضي على أن أنكحة الكفار صحيحة، فإذا صح النكاح في البنت؛ صارت أمها من أمهات نسائه، فحرمت عليه، قال: ولو

(1) في المطبوع: "وأما".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع و (ج): "المغني".

وانظر: "الكافي"(3/ 40)، و"المغني"(7/ 94/ 5364)؛ ففيهما نحو هذه المسألة.

(4)

هذا الوجه في "الكافي"(3/ 41)، وعلله بقوله:"لأنها تحرم بمجر العقد على ابنتها، والبنت لا تحرم بمجرد العقد؛ فكانت الأم أولى بالبطلان، فاختصت به".

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 21).

(6)

في (ج): "بالبطلان".

ص: 451

لم يكن صحيحًا فيهما (1)؛كان له أن يختار أيهما شاء، وهذا يخالف ما قرره في "الجامع الكبير": إن العقد الفاسد في النكاح يحرم ما يحرمه الصحيح، وهذا النكاح غايته أنه فاسد؛ لأنه مختلف في صحته، والمنصوص عن أحمد في رواية أبي طالب أنه يفرق بينه وبين الأم والبنت؛ [لأنهما](2) قد حرمتا عليه، وهذا محمول على ما إذا وجد الدخول بهما؛ لأنه قال في تمام الرواية (3): إذا كان تحته أختان فرق بينه وبين إحداهما (4)، وإذا كان تحته فوق أربع فرق بينه وبين الزيادة؛ فدل على أنه لم يجعله كابتداء العقد.

- (ومنها): لو تزوج صغيرة وكبيرة (5)، ولم يدخل بها حتى أرضعت [الكبيرة](6) الصغيرة؛ فسد نكاح الكبيرة لمصيرها من أمهات نسائه.

وفي الصغيرة روايتان:

إحداهما: يفسد نكاحها أيضًا، كمن عقد على أم وبنت ابتداءً.

والثانية: لا يبطل، وهي أصح، ومسألة الجمع في العقد (7) قد سبق الخلاف فيها، وعلى التسليم فيها؛ فالفرق بينها (8) وبين مسألتنا أن الجمع

(1) في المطبوع: "فيها".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "و".

(3)

في المطبوع: "تمام هذه الرواية".

(4)

في المطبوع: "أحدهما"!

(5)

في المطبوع و (ج): "كسرة وصغيرة" بتقديم وتأخير.

(6)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(7)

في (ج): "وهو أصح الجمع في العقد".

(8)

في المطبوع: "بينهما"!

ص: 452

ها هنا حصل في الاستدامة دون الابتداء والدوام أقوى من الابتداء؛ فهو كمن أسلم عن أم وبنت.

- (ومنها): لو كان تحت ذمي أربع نسوة، ثم استرق للحوقه بدار الحرب أو غيره؛ قال الشيخ مجد الدين: يحتمل أن يتخير منهم اثنتين كما لو أسلم عبد وتحته أربع، ويحتمل أن يبطل نكاح الجميع؛ كالرضاع الحادث (1) المحرم [للجمع](2).

- (ومنها): لو تزوج حرة وأمة في عقد، وهو فاقد لشرط نكاح الإماء؛ فإنه يبطل نكاح الأمة وحدها على الأصح؛ لأن الحرة تمتاز عليها بصحة (3) ورود نكاحها عليها في مثل هذه الحال ولا عكس.

وللثالث -وهو المنع من القدر المشترك- أمثلة:

- (منها): لو قال لزوجاته: "واللَّه؛ لا وطئت إحداكن" ناويًا بذلك الامتناع من وطء مسمى احداهن؛ وهو القدر المشترك بين الجميع؛ فيكون موليًا من الجميع، مع أن العموم يستفاد أيضًا من كونه مفردًا مضافًا، أما لو قال: لا وطئت واحدة منكن؛ فالمذهب الصحيح أنه يعم الجميع، وهو قول القاضي والأصحاب بناءً على أن النكرة في سياق النفي تفيد (4)

(1) في المطبوع: "كالرضاع إلى الحادث".

(2)

في (ج): "للجمع"!

وانظر: "المحرر"(2/ 30).

(3)

في المطبوع: "بصفة"!

(4)

في المطبوع: "يفيد".

ص: 453

العموم (1).

وحكى القاضي عن أبي بكر أنه يكون موليًا من واحدة غير معينة، وأخذه من قوله: إذا آلى من واحدة معينة (2) منهن وأشكلت عليه؛ أخرجت بالقرعة، ولا يصح هذا الأخذ كما لا يخفى.

وحكى صاحب "المغني" عن القاضي كذلك (3) والقاضي مصرح بخلافه؛ فإنه قال: هو إيلاء من الجميع رواية واحدة، لكنه قال: متى وطئ واحدة منهن انحلت اليمين (4) من الكل، بخلاف ما إذا قال: لا وطئت كل واحدة منكن أو لا وطئتكن؛ فإنه إذا وطئ واحدة منهن حنث، وبقي الإِيلاء من البواقي، وإن لم يحنث بوطئهن؛ لأن حقهن من الوطء لم يستوف، والفرق بين الصور الثلاث: أن قوله: "لا أطأ كل واحدة منكن أو لا (5) أطأكن" في قوة أيمان متعددة لإِضافته إلى متعدد، بخلاف قوله: لا أطأ

(1) انظر حول هذه القاعدة الأصولية: "المحصول"، و"الإِحكام"(2/ 197) للآمدي، و"المستصفى"(2/ 90)، و"كشف الأسرار"(2/ 12)، و"فواتح الرحموت"(1/ 260)، و"روضة الناظر"(2/ 668)، و"المسودة"(ص 101)، و"المنخول"(ص 146)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 181)، و"شرح اللمع"(1/ 314)، و"نهاية السول"(2/ 322)، و"إرشاد الفحول"(ص 112)، و"المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي"(514).

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

انظره في: "المغني"(7/ 422/ 6116).

(4)

في المطبوع: "يمينه".

(5)

في المطبوع: "ولا".

ص: 454

واحدة منكن؛ [فإنه](1) مضاف [إلى](2) مفرد منكر (3) موضوع بالأصالة لنفي الوحدة وعمومه عموم بدل لا شمول؛ فاليمين فيه واحدة، فتنحل بالحنث بوطء واحدة، ولكن مقتضى هذا التفريق أن تتعدد الكفارة في الصورتين الأولتين بوطء كل واحدة، وهو قياس إحدى الروايتين في الظهار من نسائه بكلمة واحدة: إن الكفارة تتعدد، ويمكن أن يقال: النكرة في سياق النفي إن قيل: إنها تعم بوضعها كما نعم صيغ الجموع؛ فالصور الثلاث متساوية، وإن قيل: إن عمومها جاء ضرورة نفي الماهية؛ [فالمنفي](4) بها واحد لا تعدد فيه، وهو الماهية المطلقة؛ فيتجه تفريق القاضي المذكور، واللَّه أعلم.

- (ومنها): إذا قال: إن خرجتِ (5) من الدار مرة بغير إذني؛ فأنت طالق، ونوى بذلك [القدر المشترك](6) بين المرات؛ اقتضى العموم بغير إشكال، وإن أطلق؛ فقال القاضي في "خلافه": تتقيد يمينه بمرة واحدة، وسلم أنه لو أذن لها مرة، فخرجت بإذنه، ثم خرجت بعد ذلك بغير إذنه؛ لم تطلق، وخالفه أبو الخطاب وابن عقيل في "خلافيهما"(7)، وهو الحق، ثم اختلف المأخذ؛ فقال ابن عقيل: ذكر المرة تنبيه على المنع من الزيادة

(1) في (ج): "لأنه".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "منكن"

(4)

في (ب): "فالنفي"!!

(5)

في المطبوع و (ج): "خرجتي"!

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في المطبوع: "خلافهما".

ص: 455

عليها، وظاهر كلام أبي الخطاب أن العموم أتى من دخول النكرة في النفي (1)، ولا حاجة إلى ذلك كله؛ فإن اليمين عندنا إنما تنحل بالحنث، ولو خرجت مئة مرة بإذنه؛ لم تنحل اليمين بذلك عندنا، والمحلوف عليه قائم، وهو خروجها مرة بغير إذنه؛ فمتى وجد ترتب عليه الحنث.

* * *

(1) في المطبوع و (ج): "الشرط".

ص: 456

(القاعدة العاشرة بعد المئة)

من ثبت له أحد أمرين.

فإن اختار أحدهما؛ سقط الآخر، وإن أسقط (1) أحدهما؛ ثبت (2) الآخر، وإن امتنع منهما، فإن كان امتناعه ضررًا على غيره؛ استوفى له الحق الأصلي الثابت له إذا كان ماليًا، فإن (3) لم يكن حقًّا ثابتًا سقط، وإن كان الحق غير مالي ألزم بالاختيار، وإن كان حقًّا (4) واجبًا له وعليه، فإن كان مستحقه غير معين؛ حبس حتى يعينه ويوفيه، وإن كان مستحقه معينًا؛ فهل يحبس أو يستوفى (5) منه الحق الذي عليه؟

فيه خلاف، وإن كان حقًّا عليه وأمكن استيفاؤه منه استوفى، وإن كان عليه حقان أصل (6) وبدل، فامتع من البدل؛ حكم عليه بالأصل.

ويندرج تحت هذه القاعدة صور:

(1) في (ب): "يسقط".

(2)

في المطبوع: "أثبت".

(3)

في المطبوع: "وإن".

(4)

في (ب): "وإن كان الحقُّ".

(5)

في المطبوع و (ج): "ويستوفى".

(6)

في المطبوع و (ج): "أصلي".

ص: 457

- (منها): لو عفى مستحق القصاص عنه، وقلنا: الواجب (1) أحد أمرين؛ تعين له المال، [ولو](2) عفى عن المال؛ ثبت له القود.

- (ومنها): لو اشترى شيئًا (3)، فظهر على عيب فيه، ثم استعمله استعمالًا يدل (4) على الرضا [بإمساكه] (5)؛ لم يسقط حقه [من المطالبة] (6) بالأرش عند ابن عقيل؛ لأن العيب موجب لأحد شيئين: إما الرد، وإما الأرش، فإسقاط أحدهما لا يسقط به الآخر.

وقال ابن أبي موسى والقاضي: يسقط الأرش أيضًا وفيه بعد.

- (ومنها): لو أتاه الغريم بدينه في محله، ولا ضرر عليه في قبضه؛ فإنه يؤمر بقبضه أو إبرائه، فإن امتنع قبضه له الحاكم وبرئ غريمه.

- (ومنها): لو امتنع الموصى له من القبول والرد؛ حكم عليه بالرد، وسقط حقه من الوصية.

- (ومنها): لو تحجر مواتًا، وطالت مدته، ولم يحيه، ولم يرفع يده عنه؛ فإن حقه يسقط منه.

- (ومنها): لو أسلم على أختين أو أكثر من أربع نسوة، وامتنع من الاختيار؛ حبس وعزر حتى يختار.

(1) في المطبوع و (ج): "الواجب له".

(2)

في (ج): "ولمن".

(3)

في (أ): "شيء".

(4)

في المطبوع: "لا يدل".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 458

- (ومنها): لو أخرت المعتقة تحت عبد الاختيار حتى طالت المدة؛ أجبرها الحاكم على اختيار الفسخ أو الإقامة بالتمكين من الاستمتاع.

- (ومنها): لو أبى المولى بعد المدة أن يفيء أو يطلق؛ فروايتان:

إحداهما: يحبس حتى يفيء أو يطلق.

والثانية: يفرق الحاكم بينهما.

- (ومنها): لو حل دين الرهن وامتنع من توفيته، وليس ثَمَّ وكيل في البيع؛ باعه الحاكم وَوَفَّى الدَّيْن منه.

- (ومنها): لو ادُّعِيَ عليه، فأنكر، وطُلِبَتْ (1) منه اليمين، فنكل عنها؛ قضي [عليه](2) بالنكول، وجعل مقرًّا لأن اليمين بدل عن الإقرار، [أو عن البذل](3)، فإذا امتنع من البدل؛ حكم عليه بالأصل.

- (ومنها): لو نكل المدعى عليه عن الجواب بالكلية، فإن كانت الدعوى مما يقضى فيها بالنكول؛ فهل يقضى عليه [به](4) هنا، أم يحبس حتى يجيب؟

على وجهين، وإن كانت مما لا يقضى فيها بالنكول؛ كالقتل والحد؛ فهل يحبس حتى يقر، أو يخلى سبيله؟

على وجهين.

(1) في المطبوع و (ج): "وطلب".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وعن النكول".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع:"فهل يقضى عليه به ها هنا".

ص: 459

(القاعدة الحادية عشر بعد المئة)

إذا كان الواجب بسبب واحد أحد شيئين، فقامت حجة يثبت (1) بها أحدهما دون الآخر؛ فهل يثبت به (2) أم لا؟

على روايتين، ويخرج عليها (3) مسائل:

- (منها): إذا قلنا: موجب قتل العمد (4) أحد شيئين، فإذا ادعى أولياء المقتول على ولي [القاتل في](5) القسامة، فنكل؛ فهل يلزمه (6) الدية؟

على روايتين.

- (ومنها): لو ادعى جراحة عمد (7) على شخص، وأتى شاهد وامرأتين؛ فهل تلزمه ديتها؟

(1) في (ب): "ثبت".

(2)

في المبطوع: "يثبت" فقط، وفي (ب):"ثبت به".

(3)

في المطبوع و (ج): "عليهما".

(4)

في (ج): "القتل العمد".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في (ج): "تلزمه".

(7)

في المطبوع: "عمدًا".

ص: 460

على الروايتين (1)، والصحيح فيهما (2) عدم وجوب الدية؛ لئلا يلزم أن يجب بالقتل الدية عينًا، وأما [إن] (3) قلنا: إن موجب القتل القصاص عينًا، فالدية بدل؛ فلا يجب (4) بما لا يجب به المبدل (5).

- (ومنها): [لو](6) شهد رجل وامرأتان بقتل عبد عمدًا؛ فهل يثبت بذلك غرم قيمة العبد دون القود؟

على روايتين حكاهما صاحب "المحرر"، وذكر أن رواية وجوب القيمة رواها ابن منصور، وتأملت "رواية ابن منصور"؛ فإذا ظاهرها أن القاتل كان حرًّا؛ فلا تكون (7) جنابته موجبة للقود (8)؛ فلا تكون المسألة من هذا القبيل، بل من نوع آخر، وهو إذا كانت الجناية موجبة للمال عينًا، وقامت بها بينة يثبت (9) بها المال دون أصل الجناية؛ فهل يجب بها المال (10)؟

(1) في المطبوع: "روايتين".

(2)

في المطبوع: "فيها".

(3)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج).

(4)

في (ج): "فلا تجب".

(5)

في المطبوع: "المبدول"، وفي (ج):"البدل".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في المطبوع: "يكون".

(8)

انظر: "المحرر"(2/ 325).

(9)

في (ب): "ثبت".

(10)

في (ج) بعد قوله: "فهل يجب بها المال": "دون أصل الجناية، أو هل يجب بها المال؟ ".

ص: 461

على روايتين، كما لو كانت الجناية [خطأ أو](1) عمدًا يوجب المال دون القود، وأتى عليها بشاهد وامرأتين، أو ادعى قتل كافر في الصف وأتى بشاهد وحلف معه؛ فهل يستحق بذلك سلبه؟

على الروايتين.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 462

(القاعدة الثانية عشر بعد المئة)

إذا اجتمع للمضطر محرمان، كل منهما لا يباح بدون الضرورة؛ وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررًا؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها؛ فلا تباح (1)؟

ويتخرج على ذلك مسائل (2):

(1) في المطبوع و (ب): "يباح".

وانظر عن هذه القاعدة: "القواعد الكلية والضوابط الفقهية"(ص 10) ليوسف بن عبد الهادي، و"الموافقات"(5/ 266 - بتحقيقي)، و"إيضاح المسالك"(ق 42)، و"قواعد المقّري"(ق 212)، و"الأشباه والنظائر"(ص 87) للسيوطي، و (ص 89) لابن نجيم، و (1/ 41) لابن السبكي، و"الأمر بالمعروف"(ص 22 - ط المكتبة القيمة) لابن تيمة، و"مفتاح دار السعادة"(ص 341، 348)، و"الداء والدواء"(ص 225 - 226، 309 - 310)، و"روضة المحبين"(ص 132)، و"إعلام الموقعين"(2/ 7 و 3/ 291)، و"الأمر بالمعروف"(ص 178) للعمري، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 229).

(2)

معنى القاعدة: إذا اجتمع محرمان، والمحرم لا يباح إلا للضرورة، ولا بد من ارتكاب أحدهما؛ فنحن مضطرون إلى ارتكاب أحد المحرمين؛ فأيهما نقدم؟

نقدم الأخف؛ لأن الزيادة على الأخف زيادة محرمة لا ضرورة إليها، والواجب تجنب المحرم قدر الإمكان، كما أنه لو اجتمع واجبان، أحدهما أوجب، ولا بد من ترك أحدهما؛ نقدم الأوجب لأننا لو أخذنا بالأدنى؛ لأسقطنا الواجب الزائد، وهذا لا ضرورة إلى إسقاطه. (ع).

ص: 463

- (منها): إذا وجد المحرم صيدًا وميتة؛ فإنه يأكل الميتة، نص عليه أحمد (1)؛ لأن في أكل الصيد ثلاث جنايات: صيده، وذبحه، وأكله، وأكل الميتة فيها جناية واحدة، وعلى هذا؛ فلو وجد لحم صيد ذبحه محرم وميته، فإنه يأكل لحم الصيد، قاله القاضي في "خلافه"، لأن كلًّا منهما فيه جناية واحدة، ويتميز الصيد بالاختلاف في كونه مذكى، وفي هذا نظر؛ فإن أكل الصيد جناية على الإحرام، ولهذا يلزمه بها الجزاء عند الحنفية، وهو مستغنى عن ذلك بالأكل من الميتة، ثم وجدت أبا الخطاب في "انتصاره" اختار أكل الميتة معللًا (2) بما ذكرنا، ولو وجد بيض صيد؛ فظاهر كلام القاضي أنه يأكل الميتة ولا يكسره ويأكله لأن كسره جناية كذبح الصيد (3).

(1) قال صالح في "مسائله"(1/ 442/ 439): "وسألته عن المحرم يضطر إلى الميتة والصيد؟ قال: يأكل الميتة".

ونحوه في "مسائل عبد اللَّه"(243/ 902)، و"مسائل ابن هانئ"(2/ 134/ 1754)، و"مسائل أبي داود"(ص 128).

(2)

في المطبوع: "وعلله".

(3)

الصحيح في هذه المسألة أنه يأكل الصيد؛ لأن تحريم الميتة لخبثها وتحريم الصيد لاحترامه، ومعلوم أن ما حرم لخبثه أشد مما حرم لاحترامه؛ لأن المحرم لخبثه يضرّ بعينه، ثم يقال: الصيد إذا اضطر الإنسان إليه؛ صار حلالًا، فإذا ذكاه كان ذبحه حلالًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر الدم؛ فكل" وثالثًا؛ إن النفس تتقزز من الميتة، وربما يموت الانسان جوعًا ولا يأكل الميتة، ولا تتقزز من الصيد. (ع).

قلت: ويمكن أن يُضاف إلى هذه الوجوه بأن يقال: الميتة تحريمُها تحريم مطلق في كل وقت، وأما الصيد، فمتعلق بوصف، ويزول بزوال كون الإنسان محرمًا، والتحريم الدائم أشد بكثير من التحريم المؤقّت أو المقيّد. =

ص: 464

- (ومنها): نكاح الإماء والاستمناء كلاهما إنما يباح للضرورة، ويقدم نكاح الإماء كما نص عليه ابن عباس (1)؛ لأنه مباح بنص

= وانظر في المسألة: "المغني"(3/ 315 و 8/ 601)، و"المبدع"(3/ 158 و 9/ 206)، و"الإنصاف"(3/ 391 و 10/ 372).

(1)

يشير المصنف إلى ما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 199) عن يزيد ابن هارون، عن سفيان الثوري، عن عمار الدُّهني، عن مسلم البَطين، عن ابن عباس؛ أنه سئل عن الخضخضة (أي: نكاح اليد)؟ فقال: "نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزّنا".

وإسناده منقطع، مُسْلم البطين لم يدرك ابن عباس، قاله أبو حاتم في "المراسيل"(218)، وقال الشوكاني في "بلوغ المنى" (ص 32 - بتحقيقي):"هذا مرسل موقوف".

قلت: إلا أن للأثر طرقًا أخرى:

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنّف"(3/ 442): نا سفيان بن عيينة، عن عمار، عن أبي مسلم، عن أبي عمران، عن أي يحيى؛ قال:"رأيت رجلًا سأل ابن عباس. . . "؛ فذكر نحوه.

وأخرج الدوري في "ذم اللواط"(رقم 19): ثنا أبو كريب، ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش وإسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، عن ابن عباس نحوه.

وأبو يحيى هو مصدع الأعرج، صدوق، تكلم فيه؛ إلا أنه كان عالمًا بابن عباس.

وإسماعيل بن سميع صدوق، تكلم فيه أيضًا.

وباقي رجاله ثقات.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 390 - 391/ رقم 13588) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(11/ 392 - 993) - عن الثوري ومعمر، عن الأعمش، عن أبي رزبن، عن أبي يحيى، عن ابن عباس نحوه.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" أيضًا (7/ 391/ رقم 13589) عن معمر، عن الأعمش مثله بإسناده عن ابن عباس.

وأخرجه أيضًا برقم (13590) عن ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن مسلم؛ قال: =

ص: 465

[الكتاب](1)، والآخر متردد فيه.

وقال ابن عقيل في "مفرداته": الاستمناء أحبُّ إليَّ من نكاح الأمة (2). وفيه نظر، وأما نكاح الإماء ووطء المستحاضة؛ فقال ابن عقيل [في روايتيه] (3): إنما يباح وطء المستحاضة عند خوف العنت وعدم الطول لنكاح غيرها، وظاهر هذا أن نكاح الإماء مقدم عليه، ويوجه (4) بما ذكرنا من النص على إباحة نكاح الاماء دون وطء المستحاضة؛ فإنه في معنى وطء الحائض لكونه دم أذى (5).

= "رأيت سعيد بن جبير لقي أبا يحيى، فتذاكرا حديث ابن عباس؛ فقال له أبو يحيى: سئل ابن عباس عن رجل يعبث بذكره حتى ينزل. فقال ابن عباس: إن نكاح الأمة خير من هذا، وهذا خير من الزنا".

وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 199) من طريق آخر يه ضعف، وهذه الطرق تدل على أن للأثر أصلًا، وهو صحيح ان شاء اللَّه تعالى بمجموعها.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

والآية المشار إليها هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنين:5 - 6]

(2)

ذكر ابن رحب في كتاب "الذيل"(1/ 159): أن من المسائل التي تفرد بها ابن عقيل مسألة تحريم الاستمناء بكل حال؛ قال: "وحكاه رواية" اهـ.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في المطبوع: "ويتوجه".

(5)

هذا رجل ليس عنده مهر أن ينكح الحرة، وقد قال اللَّه عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، فإن لم يكن لديه مهر؛ فلا شك في جواز نكاح الأمة، وهذه المسألة غير واردة في كلام المؤلف؛ لأن المسألة مفروضة فيما إذا كان نكاح الأمة حرامًا، =

ص: 466

- (ومنها): من أبيح له الفطر لشبقه، ولم (1) يمكنه الاستمناء، واضطر إلى الجماع [في الفرج](2)؛ فله فعله، فإن وجد زوجة مكلفة صائمة وأخرى حائضة؛ ففي احتمالان ذكرهما صاحب "المغني":

أحدهما: وطء الصائمة أولى لأن أكثر ما فيه أنها تفطر لضرر غيرها، وذلك جائز؛ كفطرها (3) لأجل الولد، وأما وطء الحائض؛ فلم يعهد في الشرع جوازه؛ فإنه حرم للأذى ولا يزول الأذى بالحاجة إليه.

والثاني: يخير (4) لتعارض مفسدة وطء الحائض من غير إفساد عبادة عليها وإفساد صوم الطاهرة (5).

= كأن يكون متزوجًا أو عنده مهر يتزوج به حرّة، ولكنه لم يُقدم على زواج الحرّة؛ فبقي الآن مترددًا بين الاستمناء أو زواجه من الأمة؟ فيقال هنا له: تزوج حُرّة؛ فإن قال: طلبت فما وجدت؛ فيقال له بعد ذلك: تزوج أمة لأنها حلال حينئذ؛ لأن تعذر المرأة كتعذر المهر، والجامع بينهما العجز، وقول المؤلف مباح بنص إذا كان كذلك لا يكون قد اجتمع عند محرمان؛ لأنه والحالة إذ يكون حلالًا، ولكن على تقدير التعارض بين نكاح الأمة والاستمناء؛ فإن ما قاله ابن عقيل هو الصواب، وإن الاستمناء أخف، ووجه ذلك أن نكاح الأمة يترتب عليه استرقاق الأولاد، والصواب أن يقال كذلك في هذه المسألة: إن وطء المستحاضة جائز، والمستحاضة طاهر، ولو كان وطء المستحاضة حرامًا؛ لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه استحاضت نساء كثير أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم منع أزواجهن من وطئهن. (ع).

(1)

في المطبوع: "فلم".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(3)

في المطبوع: "لقطرها"، والصواب ما أثبتناه.

(4)

في المطبوع: "مخير".

(5)

انظر: "المعني"(3/ 42/ 2093).

ص: 467

والأول هو الصحيح؛ لما ذكرنا من إباحة الفطر لأسباب دون وطء الحائض (1).

- (ومنها): إذا ألقى في السفينة نار، واستوى الأمران في الهلاك (أعني: المقام في النار، وإلقاء النفوس في الماء)؛ فهل يجوز إلقاء النفوس في الماء، أو يلزم المقام؟

على روايتين، والمنقول عن أحمد في "رواية مُهَنَّأ" أنه قال: أكره طرح نفوسهم في البحر. وقال في "رواية أبي داود": يصنع (2) كيف شاء. قيل له: هو في اللج لا يطمع في النجاة! قال: لا أدري (3)؟

(1) صورة المسألة: رجل اضطر إلى ثلاثة أشياء:

إما الاستمناء، أو وطء حائض، أو وطء صائمة فرض.

فنقول أولًا: يبدأ بالاستمناء، فإن لم يزل شبقه بذلك؛ فهو الآن مضطر إلى الجماع، وأمامه حائض وصائمة؛ فأيهما أولى أن يطأ الحائض أو الصائمة؟

فيه احتمالان، قيل: يطأ الحائض؛ لأن وطء الحائض لا يستلزم إفساد عبادة، غاية ما هنالك أنه وطء محرم، وليس هناك عادة تفسد على المرأة، وقال بعضهم: بل يطأ الصائمة؛ لأن إفساد صوم الصائمة جائز لمصلحة الغير، ولهذا تفطر المرضع لحاجة ابنها في الرضاع، وهذه مثلها، وهذا هو الصحيح، لأن فطر الصائمة لمصلحة الغير ثابت، ولأن وطء الحائض أذى، وهو مستقذر، وأما وطء الصائمة؛ فليس كذلك، ثم إن الصائمة عند إرادة الوطء سوف تنوي الفطر وتفطر؛ فتجامع وهي مفطرة لعذر، وحينئذ ينتهك المجامع حرمة الصوم؛ فالمهم إن وطء الصائمة أولى من وطء الحائض، هذا مع ما يضاف إلى ما يذكر من أن وطء الحائض فيه أضرار عظيمة، وحينئذ يكون في وطئها ضرر عليها، بخلاف الصائمة؛ إذ غاية ما هنالك من ضرر أن تفطر هذا اليوم ثم تقضيه، واللَّه أعلم. (ع).

(2)

في (ج): "يفعل".

(3)

انظر: "مسائل أبي داود"(ص 247).

ص: 468

[فتوقف](1). ورجح ابن عقيل وغيره وجوب المقام مع تيقن الهلاك فيها، لئلا يكون قاتلًا لنفسه، بخلاف ما إذا لم يتيقنوا ذلك؛ لاحتمال النجاة بالإلقاء (2).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

هذه المسألة مشكلة، وهي إذا شبّ حريق في السفينة، فإن رأوا أن الأقرب إلى النجاة البقاء؛ لزمهم البقاء، وإن رأوا أن الأقرب أن يلقوا أنفسهم في الماء؛ لزمهم الإلقاء، وهذا واضح، ولكن المسألة ما إذا شكوا في الأمر، وتساوى عندهم الأمران؛ فهل يبقوا حتى تأكلهم النار، أم يلقوا أنفسهم في الماء ويغرقوا؟

فأمامهم هلاكان: هلاك بالنار، وهلاك بالماء، والظاهر أنهم يبقوا لأنهم إذا بقوا؛ صار هلاكهم بغير فعلهم، وأما إذا ألقوا أنفسهم؛ فيصير هلاكهم بفعلهم، وهذا حال عدم الترجيح. . (ع).

ص: 469

(القاعدة الثالثة عشر بعد المئة)

إذا وجدنا جملة ذات أعداد موزعة على جملة أخرى؛ فهل تتوزع أفراد الجملة (1) الموزعة على أفراد الأخرى، أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأولى (2)؟

هذه على قسمين:

الأول: أن توجد قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين؛ فلا خلاف في ذلك؛ فمثال ما دلت القرينة فيه على توزيع الجملة على الجملة الأخرى،

(1) في (ج): "تقلدهُ".

(2)

الألفاظ قد تستعمل مفردة مقابل مفردة مثلها، وقد تستعمل جملة متعددة مقابل جملة متعددة أو مفردة.

وموضوع القاعدة: الجملة ذات الأعداد بمقابل جملة ذات أعداد كذلك.

فعند تقابل الجملة ذات الأعداد بالجملة الأخرى ذات الأعداد؛ فهل توزع أفراد الجملة الأولى على أفراد الجملة الثانية؟ مثل أن يُقال: أعط عشرة فقراء عشرة دراهم، فيعطى كل واحد منهم درهمًا. أو يوزع كل فرد من مجموع الجملة الأولى على مجموع أفراد الجملة الثانية؟ كمن باع عبدين له من رجلين بثمن واحد مشاعًا؛ فلكل واحد منهما نصف كل عبد منهما.

وفي المثال الأسبق يستحق كل واحد من العشرة عشر كل درهم. انظر: "موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 346).

ص: 470

فيقابل (1) كل فرد كامل بفرد يقابله؛ إما لجريان العرف، أو دلالة الشرع على ذلك، وإما لاستحالة [ما سواه] (2) أن يقول لزوجتيه: إن أكَلْتُما هذين الرغيفين؛ فأنتما طالقتان، فإذا أكلت كل واحدة منهما رغيفًا؛ طلقت لاستحالة أكل كل واحدة للرغيفين، أو يقول لعبديه: إن ركبتما دابتيكما أو لبستما ثوبيكما أو تلقدتما سيفيكما أو اعتقلتما رمحيكما (3) أو دخلتما بزوجتيكما؛ فأنتما حران؛ فمتى وجد كل واحد [منهما](4) ركوب دابته أو لبس ثوبه أو تقلد (5) سيفه أو رمحه أو الدخول بزوجته؛ ترتب عليهما (6) العتق؛ لأن الانفراد بهذا عرفي، وفي بعضه شرعي؛ فيتعين صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة، ذكره في "المغني"(7).

ومثال ما دلت القرينة فيه على توزيع كل فرد من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى: أن يقول رجل لزوجتيه: إن كلمتما زيدًا [وكلَّمْتُما](8) عمرًا؛ فأنتما طالقتان؛ فلا يطلقان حتى تكلم كل واحدة منهما زيدًا وعمرًا.

(1) في المطبوع: "يتوزع أفراد الجمل".

(2)

في (ج): "فيقال: بل".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع: "رمحكما".

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

في (ج): "عليه".

(7)

انظر: "المغني"(7/ 354/ 5972).

(8)

في المطبوع: "أو كلمتما"، وقوله "كلمتما" مضروب عليه في (أ).

ص: 471

والقسم (1) الثاني: أن لا يدل دليل على إرادة أحد التوزيعين؛ فهل يحمل التوزيع عند هذا الإطلاق (2) على الأول أو الثاني؟

في المسألة خلاف، والأشهر أنه يوزع كل [فرد](3) من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى إذا أمكن، وصرح بذلك القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في مسألة الظهار من نسائه بكلمة واحدة، ولذلك (4) لا يذكر الخلاف إلا في بعض الصور، ويجب طرده في سائرها ما لم يمنع منه مانع، ولذلك أمثلة كثيرة:

- (فمنها)(5): قوله صلى الله عليه وسلم في تعليل (6) مسحه [على](7) الخفين: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان (8) "؛ هل المراد أنه أدخل كل واحدة من قدميه

(1) في المطبوع: "القسم" من غير واو.

(2)

في (ج): "فهل يحمل هذا التوزيع عند الإطلاق".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

في المطبوع: "وكذلك".

(5)

في (ب): "ومنها".

(6)

في (ج): "تعليله".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(8)

في المطبوع: "طاهرتين".

والحديث أخرجه البخاري في "الصحيح"(كتاب الوضوء باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، 1/ 309/ رقم 206، وكتاب اللباس، باب لبس جُبَّة الصوف في الغزو، 10/ 268 - 269/ رقم 5799)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، 1/ 230/ رقم 274 بعد 79)، وأحمد في "المسند"(4/ 255)؛ من حديث المغيرة بن شعبة، واللفظ لأحمد. =

ص: 472

الخفين وكل واحدة منهما طاهرة، أو المراد أنه أدخل كلا (1) القدمين الخفين وكل قدم في حال إدخالها طاهرة؟

وينبني على ذلك مسألة ما إذا غسل إحدى رجليه، ثم أدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف؛ فعلى التوزيع الأول، وهو توزيع المفرد على الجملة: لا يجوز المسح؛ لأنه في حال إدخال الرجل الأولى الخف لم تكن (2)، الرجلان طاهرتين، وعلى الثاني -وهو توزيع المفرد على المفرد-: يصح.

وفي المسألة روايتان عن أحمد، ولكن القائل بأن الحدث الأصغر لا يتبعض، وأنه لا يرتفع إلا بعد استكمال الطهارة بمنع طهارة الرجل الأولى عند دخولها الخف.

نعم، وجدت طهارتهما عند استكمال لبس الخفين، وذلك من باب توزيع الجملة على الجملة (3).

= وقد خرجت الحديث بإسهاب طرفه وألفاظه في تعليقي على "الخلافيات"(3/ 236 - 244/ مسألة 42)؛ فراجعه إن شئت.

(1)

في المطبوع: "كل".

(2)

في المطبوع: "يكن".

(3)

قال الإمام الحافظ ابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 114 - 115) بعد أن أورد الحديث بلفظ: "أدخلتهما وهما طاهرتان": "وقد استدل به بعضهم على أن إكمال الطهارة فيهما شرط، حتى لو غسل إحداهما وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف؛ لم يجز المسح.

وفي هذا الاستدلال عندنا ضعف -أعني: في دلالته على حكم هذه المسألة-؛ فلا يمتنع أن يُعَبَّرَ بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أُدخلت طاهرة، بل ربما يُدَّعى أنه ظاهر =

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= في ذلك؛ فإنَّ الضمير في قوله: "أدخلتهما" يقتضي تعليق الحُكم بكل واحدة منهما.

نعم، من روى:"فإني أدخلتهما وهما طاهرتان"؛ فقد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله: "أدخلتهما" إذا اقتضى كلَّ واحدة منهما؛ فقوله: "وهما طاهرتان" حال من كل واحدة منهما، فيصير التقدير: أدخلت كل واحدة في حال طهارتها، وذلك إنما يكون بكمال الطهارة.

وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه قد لا يتأتَّى في رواية مَنْ روى: "أدخلتُهما طاهرتين".

وعلى كل حال؛ فليس الاستدلال بذلك القوي جدًّا لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معًا، اللهم إلا أن يُضمَّ إلى هذا دليل يدل على أنه لا يحصل الطهارة لإحداهما إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء؛ فحينئذ يكون ذلك الدليل -مع هذا الحديث- مستندًا لقول القائلين بعدم الجواز -أعني: أن يكون المجموع هو المستند-؛ فيكون هذا الحديث دليلًا على اشتراط طهارة كل واحدة منهما، ويكون ذلك الدليل دالًّا على أنها لا تطهر إلا بكمال الطهارة".

وقال الماوردي في "الحاوي الكبير"(1/ 441) بعد أن أورده بلفظ: "إن أدخلتهما وهما طاهرتان": "فجعل اللبس بعد طهرهما شرطًا في جواز المسح عليهما، ولأنه لبس قبل كمال الطهارة؛ فوجب أن يمنع من جواز المسح قياسًا على لبسه قبل غسل قدميه، ولأن لبس الخفين يفتقر إلى الطهارة، وما كان إلى الطهارة مفتقرًا كان تقديمها على جميعه لازمًا؛ كالصلاة، يلزم تقديم الطهارة على جميع الركعات، ولأن المستباح بسبب لا يجوز تقديمه على السفر والمرض، ولأن المسح مستباح لشرطين: اللبس، والحدث؛ فما لزم تقديم الطهارة على الحدث لزم تقديمها على اللبس، لأن كل واحد منهما شرط في جواز المسح، ولأن حكم أحد الخفين مرتبط بالآخر، ألا ترى أنه لو نزع أحد الخفين اننقض مسحه كما لو نزع جميع الخفين؟! فوجب إذا لبس أحد الخفين قبل كمال الطهارة أن لا يكون حكمه حكم من لبس جميع الخفين؟ ".

وقد أيد بعضهم القول به بلفظ حديث أبي بكرة رفعه: "أنه صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة =

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه: أن يصح عليهما".

أخرجه ابن ماجه في "السنن"(كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر، 1/ 184/ رقم 556)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 179)، والشافعي في "المسند"(ص 17 و 1/ 32 - مع "بدائع المنن") وفي "الأم"(1/ 34) -ومن طريقه البيهقي في "المعرفة"(2/ 1994)، وفي "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"(ص 136 - ط دعيس) -، والأثرم في "سننه" -كما في "التعليق المغني"(1/ 204)، و"تنقيح التحقيق"(1/ 526) -، وابن خزيمة في "الصحيح"(1/ 96/ رقم 192) -ومن طريقه الدارقطني في "السنن"(1/ 204)، والبيهقي في "الخلافيات"(3/ رقم 995) وفي "السنن الكبرى"(1/ 281) وفي "المعرفة"(2/ 109/ رقم 1997) وابن الجرزي في "التحقق"(1/ 211/ رقم 242)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 87)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 82)، والدارقطني في "السنن"(1/ 194)، وابن حبان في "الصحيح"(4/ 153 - 154/ رقم 1324 - "الإحسان")، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 281)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 460/ رقم 237)؛ من طرق عن عبد الوهاب الثقفي، به.

وإسناده حسن من أجل المهاجر بن مخلد.

قال ابن معين: "صالح"، وقال الساجي:"صدوق "، وليَّنه أبو حاتم.

انظر: "الجرح والتعديل"(4/ 1/ 262)، و"التهذيب"(10/ 323).

وقال الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 175 - 176): "وسألت محمدًا -أي: البخاري-، فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال: صفوان بن عسال، وحديث أبي بكرة حسن".

وصححه الخطابي والشافعي.

انظر: "التلخيص الحبير"(1/ 157)، و"نصب الراية"(1/ 168)، و"المنتقى"(1/ 111) للمجد ابن تيمية، و"تنقيح التحقيق"(1/ 525 - 526).

ووجهُ الحُجَّة من الحديث على هذا -وهو مذهب الشافعية- أن الفاء للتعقيب؛ =

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فعقَّب طهارة الرجلين باللبس، واستدل به الشيخ ابن عُثيمين في "مجموع الفتاوى"(7/ 175 - الطهارة) على ترجح هذا القول، ولكن أورده من وجه آخر، قال:

"هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: لا بدَّ أن يُكمِلَ الطهارة قبل أن يلبس الخف أو الجورب، ومنهم من قال: إنه يجوز إذا غسل اليمنى أن يلبس الخف أو الجورب ثم يغسل اليسرى ويلبس الخف أو الجورب؛ فهو لم يُدخل اليمنى إلا بعد أن طهرها واليسرى كذلك، فيصدق عليه أنه دخلهما طاهرتين، لكن هناك حديث أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه. . . " الحديث؛ فقوله: "إذا توضأ" قد يُرَجِّحُ القول الأول؛ لأن من لم يغسل اليسرى لا يَصْدُقُ عليه أنه توضأ؛ فعليه فالقول به أول".

قلت: لي عليه ملاحظات:

الأولى: في بعض مصادر الحديث "إذا توضأ أحدكم؛ فلبس"، وليس "ولبس".

الثانية: الحديث في "المستدرك"(1/ 181) وفيه عبد الغفار بن داود الحراني، رواه عن حماد بن سلمة، قال الحاكم:"عبد الغفار ثقة، غير أنه ليس عند أهل البصرة عن حماد"، ولذا قال الذهبي في "التلخيص":"تفرد به عبد الغفار وهو ثقة، والحديث شاذ".

الثالثة: على فرض صحة رواية "وليس"، فإن الواو لا تفيد الترتيب باطراد؛ كما ذكره ابن مالك، ونقله البغدادي في "خزانة الأدب"(3/ 271).

(ملاحظة):

ملحق في آخر كل مجلد من "المستدرك" فهرس لمواضيع الأحاديث مرتبًا على أسماء الصحابة، وفي آخر المجلد الأول منه (ص 27) تحت (أبو بكرة صحابي):(في رخصة المسح لمن لبس الخفين على الطهارة)(ص 281)، وهذا الفهرس موضوع خطأ في آخر "المستدرك"، وهو لـ" السنن الكبرى" للبيهقي؛ فتنبَّه.

والراجح في هذه المسألة -واللَّه أعلم- ما رجحه ابن المنذر -وهو مذهب الحنفية، وقول بعض الشافعية، ورواية عن أحمد-، قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 442):

"وقد احتج بعض أصحابنا القائلين بهذا القول بأن الرجل إذا غسل وجهه ويديه، =

ص: 476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ومسح برأسه، وغسل إحدى رجليه؛ فقد طهرت رجله التى غسلها، فإذا أدخلها الخف؛ فقد أدخلها وهي طاهرة، ثم إذا غسل الأخرى من ساعته وأدخلها الخف؛ فقد أدخلها وهي طاهرة، فقد أدخل من هذه صِفتُهُ رجليه الخف وهما طاهرتان؛ فله أن يمسح عليهما بظاهر الخير؛ لأنه قد أدخل قدميه وهما طاهرتان، قال: والقائل بخلاف هذا القول قائل بخلاف الحديث، وليس لِخَلْعِ هذا خُفَّيه ثم لُبْسِهما معنى".

قلت: يعني: من غسل إحدى رجليه ولبس الخف، ثم غسل الأخرى ولبس الخف؛ فعند القائين باشتراط إدخال الرجلين بعد غسلهما من الخف، يقول: بأن من فعل هذا لو خلع خف اليمنى بعد وضوئه ثم لبسها يكون قد أدخلهما معًا على طهارة؛ فجائز له حينئذ المسح! إذ لا فائدة في نزع الأول ثم لبسه؛ استدلالًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن"، ولم يفرق، ولأنه حدث طرأ على طهارة ولبس، فجاز له المسح قياسًا عليه إذا لبسهما بعد كمال الغسل.

ولأن نزع الخفين مؤثر في المنع من المسح؛ فلم يجز أن يكون شرطًا في جواز المسح.

ولأن استدامة اللبس تجري مجرى ابتدائه، بدليل ما لوحلف لا يلبس خفًّا هو لابسه حنث؛ كما لو ابتدأ لبسه؛ فصار استدامة لبسه في حكم من ابتدأ لبسه في جواز مسحه.

وهذا الذي رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، قال في "الاختيارات" (ص 14):"ومن غسل إحدى رجليه ثم أدخلهما الخُفَّ قبل غسل الأخرى؛ فإنه يجوز له المسح عليهما من غير اشتراط خلع، ولُبسه قبل إكمال الطهارة كلُبسه بعدها، وكذا لُبْسُ العمامة قبل إكمال الطهارة، وهو إحدى الروايتين [عن أحمد]، وهو مذهب أبي حنيفة".

وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3/ 370 - ط طه عبد الرؤوف سعد): "إذا توضأ ولبس إحدى خفيه قبل غسل رجله الأخرى، ثم غسل رجله الأخرى وأدخلها في الخف؛ جاز له المسح على أصح القولين، وفي قول آخر: أنه لا يجوز لأنه لم يلبس الأولى على طهارة كاملة، فالحيلة في جواز المسح أن ينزع خف الرجل الأولى ثم يلبسه، وهذا نوع عبث لا غرض للشارع فيه، ولا مصلحة للمكلف؛ فالشرع لا يأمره به".

ص: 477

- (ومنها): مسألة مد عجوة، وهي قاعدة عظيمة مستقلة بنفسها؛ فلنذكر ها هنا مضمونها ملخصًا؛ فنقول: إذا باع ربويًا بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما؛ كمدِّ عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم، أو مد عجوة ودرهم بمدي عجوة أو بدرهمين؛ ففيه روايتان:

أشهرهما: بطلان العقد، وله مأخذان:

أحدهما: وهو مسلك القاضي وأصحابه: إن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة؛ يقسط الثمن على قيمتهما، وهذا يؤدي ها هنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي، وكلاهما مبطل للعقد في أمرال الربا، وبيان ذلك أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهمًا بمدين يساويان ثلاثة دراهم؛ كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد، ويبقى مد في مقابلة مد وثلث، وذلك ربا، وكذلك إذا باع مدًّا يساوي درهمين ودرهمًا بمدين يساويان] (1) ثلاثة دراهم؛ فإنه يتقابل [الدرهم بثلثي مد، ويبقى مد وثلث](2) في مقابلة مد، وأما إن فرض التساوي؛ كمد يساوي درهمًا ودرهم بمد يساوي [درهمين](3)؛ فإن التقويم ظن وتخمين؛ فلا يتيقن (4) معه المساواة والجهل بالتساوي ها هنا؛ كالعلم بالتفاضل، فلو فرض أن المُدَّيْن من شجرة واحدة أو زرع (5) واحد، وأن الدرهمين من نقد واحد؛ ففيه وجهان

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "درهمًا ودرهمين بمدين يساوين"!

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مد".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "درهمًا ودرهم".

(4)

في المطبوع: "يتعين"!

(5)

في المطبوع: "أو من زرع"!

ص: 478

ذكرهما القاضي في "خلافه" احتمالين:

أحدهما: الجواز؛ لتحقق المساواة.

والثاني: المنع؛ لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد، فتنقص (1) قيمته وحده، وصحح أبو الخطاب في "انتصاره" المنع؛ قال: لأنا لا نقابل مدًا بمد ودرهمًا بدرهم، بل نقابل مدًا بنصف مد ونصف درهم، وكذلك لو خرج مستحقًّا؛ لاسترد ذلك (2)، وحينئذ؛ فالجهل بالتساوي قائم، هذا ما ذكروه (3) في تقرير هذه الطريقة، وهو عندي ضعيف؛ لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمن، لا إجراء (4) أحدهما على قيمة الآخر؛ ففيما إذا باع مدًا يساوي درهمين ودرهمًا (5) بمدين يساويان ثلاثة، لا نقول الدرهم (6) مقابل بثلثي مد، بل نقول: ثلث الثمن [مقابل لثلث (7) المثمن، فنقابل ثلث المدين بثلث مد وثلث درهم، ونقابل ثلثا المدين بثلثي (8) مد وثلثي درهم؛ فلا تنفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم](9)، ولهذا لو باع شقصًا وسيفًا بمئة درهم وعشرة دنانير؛ لأخذ الشفيع الشقص

(1) في (ب): "فتنتقص".

(2)

في (ج): "كذلك"!

(3)

في المطبوع و (ج): "ذكره".

(4)

في (ب): "لا إجزاء".

(5)

في (ج): "ودرهم".

(6)

في المطبوع: "درهم"!

(7)

في المطبوع: "بثلث".

(8)

في (ج): "ويقابل ثلثا المدين بثلثي"، وفي المطبوع:"بلثى".

(9)

ما بين المعقوفتين مكرر في المطبوع مرتين.

ص: 479

بحصته من الدراهم والدنانير.

نعم! نحتاج (1) إلى معرفة ما يقابل الدرهم أو المد من الجملة الأخرى إذا ظهر أحدهما مستحقًّا أورد بعيب أو غيره؛ ليرد [ما قابله من عوضه](2)، حيث كان المردود ها هنا معينًا مفردًا، أما مع صحة العقد في الكل واستدامته؛ فإنا نوزع أجزاء الثمن على أجزاء المثمن بحسب القيمة، وحينئذ؛ فالمفاضلة المتيقنة كما ذكروه منتفية، وأما أن المساواة غير معلومة؛ فقد تعلم (3) في بعض الصور كما سبق.

والمأخذ الثاني: إن ذلك ممنوع؛ سدًّا لذريعة الربا، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع كبيع مئة درهم في كيس بمئتين جعلًا للمئة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهمًا؛ فمنع ذلك وإن كانا مقصودين حسمًا لهذه المادة.

وفي كلام أحمد ايماء إلى هذا المأخذ.

والرواية الثانية: يجوز ذلك بشرط أن يكون مع الربوي من غير جنسه (4) من الطرفين، أو يكون مع أحدهما، ولكن المفرد أكثر من الذي معه غيره، نص عليها أحمد في رواية جماعة جعلًا لغير الجنس في مقابلة الجنس أو في (5) مقابلة الزيادة.

(1) في (ج): "يحتاج".

(2)

في (ج): "ما يقابله من عوض".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فقدت".

(4)

في (ج): "من غير جنسه معه".

(5)

في المطبوع: "وفي".

ص: 480

ومن المتأخرين؛ كالسامري من شرط (1) فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي جعلًا لكل جنس في مقابلة جنسه، وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره، لا سيما مع اختلافهما في القيمة.

وعلى هذه الرواية؛ فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا، وقد نص أحمد على هذا الشرط في "رواية حرب" ولا بد منه، وعلى هذه الرواية يكون التوزيع ها هنا للأفراد على الأفراد، وعلى الرواية الأولى هو من باب توزيع الأفراد على الجمل، أو توزيع الجمل على الجمل.

وللأصحاب في المسألة طريقة ثانية: [وهي](2) أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته قولًا واحدًا، وفي بيعه بنقد آخر روايتان، ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة، وهذه (3) طريقة أبي بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى والشيرازي وأبي محمد التميمي وأبي عبد اللَّه الحسين الهمذاني في كتاب (4)"المقتدى"(5).

(1) في المطبوع: "يشترط".

(2)

في المطبوع: "وهو".

(3)

في المطبوع و (ج): "وهي".

(4)

في المطبوع و (ب): "كتابه".

(5)

ترجمه المصنف في: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 208)، ونعته بـ "شمس الحفاظ" وقال:"له كتاب "المقتدى في الفقه في المذهب"، وقال: "ذكره ابن الصقال الحرَّاني في رسالته المسماة بـ "الإنباء عن تحريم الرِّبا"، وذكر أنه ذكر في هذا الكتاب. . . "، ونقل المسألة المذكورة هنا، ثم قال: "ولا أعلم من حاله غير هذا".

وانظر: "المنهج الأحمد"(2/ 296).

ص: 481

ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه وغير جنسه؛ كأبي بكر في "التنبيه"، وقال الشيرازي: الأظهر المنع، ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه؛ كالتميمي، ومنهم من حكى الخلاف؛ كابن أبي موسى.

ونقل البرزاطي عن أحمد ما يشهد لهذه الطريقة في حلي صيغ (1) من مئة درهم فضة ومئة نحاس: إنه لا يجوز بيعه كله بالفضة ولا بالذهب، ولا بوزنه من الفضة والنحاس، ولا يجوز بيعه حتى يخلص الفضة من النحاس، ويبيع (2) كل واحد منهما وحده.

وفي توجيه هذه الطريقة غموض، وحاصله أن بيع المحلى بنقد بجنسه (3) قبل التمييز والتفصيل بينه وبين حليته يؤدي إلى الربا؛ لأنه بيع ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة لأن بعض الثمن يقابل العرض؛ فيبقى الباقي مقابلًا للربوي، ولا تتحقق مساواته [له](4)، وأما مع تميز (5) الربوي ومعرفة مقداره؛ فإنما منعوا منه إذا ظهر فيه وجه الحيلة (6)، أو كان التفاضل فيه متيقنًا؛ كبيع عشرة دراهم مكسورة بثمانية صحاح، وفلسين أو ألف

(1) في المطبوع و (ب): "صنع".

(2)

في المطبوع و (ج): "وبيع"

(3)

في المطبوع: "من جنسه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع و (ج): "تمييز".

(6)

في المطبوع و (ج): "الحلية".

ص: 482

صحاحًا (1) بألف مكسرة (2)، وثوب أو ألف (3) صحاحًا ودينار بألف ومئة مكسرة (2). هكذا ذكره ابن أبي موسى.

وأما بيعه بنقد آخر أو بربوي من غير جنسه، ولكن علة الربا فيهما (4) واحدة؛ فالخلاف فيه مبني على الخلاف في بيع الموزونات والمكيلات (5) بعضها ببعض جزافًا، وفي جوازه روايتان، واختيار أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي في "خلافه" المنع، وعللوه بأنه لو استحق أحدهما لم يدر بما يرجع على صاحبه فيؤدي إلى الربا من جهة العقد، وهكذا علل أهل هذه الطريقة المنع في هذه المسألة، وفيه ضعف؛ فإن المستحق لم يصح العقد فيه وعوضه ثابت في الذمة، فتجوز (6) المصالحة عنه كسائر الديون المجهولة، وهذا الخلاف يشبه الخلاف في اشتراط العلم برأس مال السلم وضبط صفاته، وأنه إذا أسلم في جنسين؛ لم يجز حتى يبين (7) قسط كل واحد منهما، فإن السلم والصرف متقاربان، وهذا كله في الجنسين.

فأما بيع نوعي جنس بنوع منه، ففيه طريقان:

أحدهما: إن حكم نوعي الجنس حكم الجنسين، وهو طريق

(1) في المطبوع و (ب) و (ج): "صحاح".

(2)

في المطبوع: "مكسورة".

(3)

في المطبوع: "ألفًا"، وفي (ج):"ألف صحاح".

(4)

في المطبوع و (ب): "فيها".

(5)

في المطبوع و (ج): "والمكيلات"!

(6)

في المطبوع: "فيجوز".

(7)

في المطبوع: "يتبين".

ص: 483

القاضي وأصحابه نظرًا إلى توزيع العوض بالقيمة؛ فيؤدي ذلك [ها هنا](1) إلى تعين المفاضلة؛ [إذ](2) ليس ها هنا شيء من غير الجنس يجعل في مقابلة الفاضل.

والثاني: الجواز ها هنا، وهو طريق أبي بكر، ورجحه صاحب "المغني"(3) و"التلخيص" نظرًا إلى أن الجودة والرداءة لا تعتبر في الربويات مع اتحاد النوع؛ فكذا في الجنس الواحد، والتقسيط إنما يكون في غير أموال الربا (4) أو في غير الجنس، بدليل ما لو باع نوعًا بنوع يشتمل على جيد ورديء؛ فإن المذهب جوازه، ولكن ذكر أبو الخطاب في "انتصاره"[فيه](5) احتمالًا بالمنع، ونقل ابن القاسم عن أحمد إن كان نقدًا؛ لم يجز، وإن (6) كان ثمرًا؛ جاز، والفرق أن أنواع الثمار يكثر اختلاطها ويشق تمييزها، بخلاف أنواع النقود، وهذا كله فيما إذا كان الربوي مقصودًا بالعقد، فإن كان غير مقصود بالأصالة، وإنما هو تابع لغيره؛ فهذا ثلاثة أنواع:

أحدها: ما لا يقصد عادة ولا يباع مفردًا؛ كتزويق الدار ونحوه؛ فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "و".

(3)

انظر: "المغني"(4/ 45/ 2837).

(4)

في (ج): "الرق"!

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(6)

في المطبوع: "فإن".

ص: 484

والثاني: ما يقصد تبعًا لغيره وليس أصلًا لمال (1) الربا؛ كبيع العبد ذي المال بمال من جنسه إذا كان المقصود الأصلي هو العبد، وفيه ثلاثة طرق (2):

أحدها: إنه يصح، رواية واحدة، سواء قلنا: إن العبد يملك أوْ لا يملك، وهي طريقة أبي بكر والخرقي (3) والقاضي في "خلافه" وابن عقيل في موضع من "فصوله" وصاحب "المغني"(4)، وهي المنصوصة عن أحمد.

والثانية: البناء على ملك العبد، فإن قلنا: يملك؛ صح (5)؛ لأن المال ملك العبد؛ فليس بداخل في عقد البيع؛ كمال المكاتب لا يدخل معه في بيعه، وإن قلنا: لا يملك اعتبر له شروط البيع، وهي طريقة القاضي في "المجرد" وأبي الخطاب في "انتصاره".

والثالثة: طريقة صاحب "المحرر"(6): إن قلنا: لا يملك [اعتبر](7) له شروط البيع، وإن قلنا: يملك؛ فإن كان مقصودًا اعتبر له ذلك وإلا؛ فلا.

(1) في (ج): "لبيع"!

(2)

في (ب): "ثلاث".

(3)

انظر "مختصره"(رقم 2833 - مع "المغني").

(4)

انظر: "المغني"(4/ 45 - 46/ 2838).

(5)

في المطبوع و (ج): "يصح".

(6)

انظر: "المحرر"(1/ 313).

(7)

في (ب): "لم يعتبر".

ص: 485

وأنكر القاضي في "المجرد" أن يكون القصد وعدمه معتبرًا في صحة العقد في الظاهر، وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله.

النوع الثالث: ما لا يقصد، وهو تابع لغيره، وهو أصل لمال الربا إذا بيع (1) بما فيه منه، وهو ضربان:

أحدهما: أن يمكن إفراد التابع بالبيع؛ كبيع نخلة عليها رطب برطب، وفيه طريقان:

أحدهما: وهو طريق القاضي في "المجرد": المنع؛ لأنه مال مستقل بنفسه، فوجب اعتبار أحكامه بنفسه منفردًا عن حكم الأصل.

والثاني: الجواز، وهو (2) طريقة أبي بكر والخرقي (3) وابن بطة والقاضي في "الخلاف" كما سبق في بيع العبد ذي المال، واشترط ابن بطة وغيره أن يكون الرطب غير مقصود، وكذلك (4) شرط في بيع النخلة التي عليها ثمر لم يبد صلاحه: أن يكون الثمر غير مقصود، ونص أحمد عليه في "رواية إبراهيم بن الحارث" و"الأثرم"، وتأوله القاضي لغير معنى (5)، ومعنى قولنا: غير مقصود؛ أي: بالأصالة، وإنما المقصود الأصلي (6) الشجر، والثمر مقصود تبعًا.

(1) في المطبوع و (ب): "أبيع".

(2)

في المطبوع: "وهي".

(3)

انظره مع: "المغني"(4/ 65/ 2882).

(4)

في المطبوع و (ب): "ولذلك".

(5)

في المطبوع و (ب): "لغير معين".

(6)

في المطبوع: "وإنما المقصود في الأصلي".

ص: 486

والضرب الثاني: أن لا يكون التابع (1) مما يجوز (2) إفراده بالبيع؛ كبيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف، وبيع التمر (3) بالنوى؛ فيجوز ها هنا عند القاضي في "المجرد" وابن حامد وابن أبي موسى، ومنع منه أبو بكر والقاضي في "خلافه"، وقد حكى في المسألة روايتان عن أحمد، ولعل المنع يتنزل على ما إذا كان الربوي مقصودًا والجواز على عدم القصد، وقد صرح باعتبار عدم القصد ابن عقيل وغيره ويشهد له تعليل الأصحاب كلهم الجواز بأنه تابع غير مقصود.

واعلم أن هذه [المسائل مقتطعة](4) عن مسائل مد عجوة، فإن (5) القول بالجواز فيها لا يتقيد بزيادة المفرد على ما معه [غيره](6).

وقد نص [عليه](6) أحمد في بيع العبد الذي له مال بمال دون الذي معه، وقاله القاضي في "خلافه" في مسألة العبد والنوى بالتمر (7)، وكذلك المنع فيها مطلق عند الأكثرين.

ومن الأصحاب من خرجها أو بعضها على مسائل مد عجوة؛ ففرق بين أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أولًا، وقد صرح به طائفة من

(1) في (ج): "التابع بالبيع".

(2)

في المطبوع: "مما لا يجوز".

(3)

في المطبوع و (ب): "الثمر".

(4)

في المطبوع: "المسألة منقطعة".

(5)

في المطبوع و (ب): "وإن".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في المطبوع و (ب) و (ج): "بالثمر".

ص: 487

الأصحاب؛ كأبي الخطاب وابن عقيل في مسألة العبد ذي المال، وكذلك حكى أبو الفتح الحلواني رواية في بيع الشاة ذات الصوف واللبن بالصوف ؤاللبن أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر مما في الشاة من جنسه، ولعل هذا مع قصد اللبن والصوف بالأصالة والجواز مع عدم القصد؛ فيرتفع الخلاف حينئذ، واللَّه أعلم.

وإن حمل على إطلاقه؛ فهو متنزل على أن التبعية ها هنا لا عبرة بها، وأن الربوي التابع لغيره كالمستقل (1) بنفسه، [واللَّه أعلم](2).

- (ومنها): إذا باع رجل عبدين له من رجلين بثمن واحد؛ فإن المبيع يقع شائعًا بينهما؛ فيكون لكل رجل (3) منهما نصف كل عبد.

ولا يتخرج هنا وجه آخر: أن يكون لكل واحد عبد؛ لأنه يلزم من ذلك عدم تعيين المبيع؛ فيفسد البيع.

نعم، لو كان العقد مما يصح مبهمًا (4)؛ كالوصية والمهر والخلع توجه هذا التخريج فيه، ولو أقر لرجل بنصف عبدين، ثم فسره بعبد معين قبل بخلاف ما إذا أقر له بنصف هذين العبدين، ثم فسره بأحدهما، ذكره صاحب "الترغيب"؛ لأن الأول مطلق، فيصح تفسيره بمعين؛ كما لو قال لزوجته: أنت طالق نصف طلقتين (5)؛ فإنها تطلق واحدة، وأما إذا أوصى

(1) في المطبوع و (ج): "فهو مستقل".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع و (ب) و (ج): "واحد".

(4)

في المطبوع: "مما يصح به مبهمًا"، وفي (ب):"مما يصح منهما".

(5)

في المطبوع و (ب): "تطليقتين".

ص: 488

له بثلث ثلاثة أعبد، ثم استحق منهم اثنان؛ فهل يستحق ثلث الباقي أو كله؟

فيه وجهان، وهذا قد يتوهم منه قبول التفسير بعبد مفرد مع التعيين، وليس كذلك، بل مأخذ هذين الوجهين أنه هل يدخل العبيد ونحوهم (1) قسمة الإجبار أم لا؟

وفيه وجهان، والمنصوص دخولها.

- (ومنها): إذا رهنه اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على دين له عليهما، مثل أن يرهناه دارًا لهما على ألف درهم له عليهما؛ فنص (2) أحمد في "رواية مُهَنَّأ" على أن أحدهما إذا قضى ما عليه ولم يقض الآخر: إن الدار رهن (3) على ما بقي.

وظاهر (4) هذا أنه جعل نصيب كل واحد رهنًا بجميع (5) الحق توزيعًا للمفرد على الجملة، لا على المفرد، وبذلك جزم أبو بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى وأبو الخطاب، وهو المذهب عند صاحب "التلخيص".

قال القاضي [في "الخلاف"](6): هذا بناءً على الرواية التي تقول:

(1) في (ج): "ونحوهم تحت قسمة".

(2)

في المطبوع و (ب) و (ج): "نص".

(3)

في (ج): "رهنًا".

(4)

في المطبوع و (ب): "فظاهر".

(5)

في (ب): "لجميع".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

ص: 489

إن عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة، فأما (1) إذا قلنا بالمذهب الصحيح: أنهما في حكم عقدين؛ كان نصيب كل واحد مرهونًا بنصف الدين. قال: ويجوز أن يكون كل منهما (2) لما رهن صار كفيلًا عن صاحبه؛ فلا ينفك الرهن في نصيبه حتى بؤدي جميع (3) ما عليه.

وتأوله [أيضًا](4) في موضع آخر على أن كل واحد منهما كان كفيلًا عن صاحبه، فإذا قضى أحدهما؛ لم ينفك حقه من الرهن؛ لأنه مطالب بما ضمنه، قال: وأما إن لم يضمن كل واحد منهما [ما](4) على صاحبه؛ فله الرجوع بقدر حصته، وليس في كلام أحمد ما يدل على الضمان، وقد نبه على ذلك الشيخ مجد الدين وقال: على هذا يصح الرهن ممن ليس الدين عليه، وعلى الأول لا يصح (5).

[وتأول القاضي أيضًا](6) في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المغني"(7) كلام أحمد على أن الرهن انفك في نصيب الموفي للدين، لكن ليس للراهن مقاسمة المرتهن؛ لما عليه من الضرر، لا بمعنى (8) أن

(1) في المطبوع: "أما".

(2)

في المطبوع و (ج): "كل واحد منهما".

(3)

في المطبوع: "بجميع".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

انظر: "المحرر"(1/ 336).

(6)

في (ج): "وتأوله القاضي"، وسقطت "أيضًا".

(7)

انظر: "المغني"(4/ 227/ 3303).

(8)

في المطبوع: "لمعنى".

ص: 490

العين تكون (1) كلها رهنًا، وبمثل ذلك تأول صاحب "المغني" ما قاله أبو الخطاب والحلواني وغيرهما فيمن رهن عند رجلين فَوَفَّى (2) أحدهما أنه يبقى جميعه رهنًا عند الآخر (3)، وتأويله (4) على المنع من المقاسمة ضعيف (5) لوجهين:

أحدهما: أن أحمد نص على أن الدار رهن على ما بقي.

والثاني: أن انفكاك أحد النصيبين (6) وقبض صاحبه له لا يتوقف على المقاسمة؛ فإن الشريك يقبض نصيبه [من](7) المشترك من غير اقتسام، ويكون قبضًا صحيحًا؛ إذ القبض يتأتى في المشاع.

ويشبه هذه المسألة ما إذا كاتب عبدين له صفقة بعوض (8) واحد، ثم أدى أحدهما حصته من الكتابة؛ هل يعتق أم لا؟

على وجهين:

أحدهما: يعتق، وهو اختيار القاضي وأصحابه؛ لأنه أدى ما يخصه؛ فهو كما لو أدى أحد المشتريَيْن حصته من الثمن؛ فإنه يتسلم نصيبه

(1) في المطبوع: "المعين يكون".

(2)

في المطبوع: "فوفا"!

(3)

انظر: "المغني"(4/ 261/ 3396).

(4)

في المطبوع: "وتأوله"!

(5)

في المطبوع: "وهو ضعيف"!

(6)

في (ب): "النصفين".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(8)

في المطبوع و (ج): "صفقة واحدة بعوض".

ص: 491

تسلمًا (1) مشاعًا عند الأصحاب.

وما ذكره في "المغني" من منع التسليم [في هذه المسألة](2)؛ فهو يرجع إلى أنه لا يتسلم العين كلها، وهذا صحيح، وقد صرح به القاضي في "الخلاف" و"الجامع الصغير".

والوجه الثاني: إنه لا يُعتَق واحدٌ منهما حتى يؤديان جميع مال الكتابة، وهو قول أبي بكر وأبن أبي موسى، ونقل مُهَنَّأ عن أحمد ما يشهد له، واختلف (3) مأخذه؛ فقيل: لأن عتق الكتابة (4) معلق بشرط؛ فلا يقع إلا بعد كمال شرطه، وهو ها هنا أداء جميع المال، وهذا بعيد على أصل أبي بكر؛ لأنه يرى أن الكتابة عقد معاوضة محضة لا تعليق فيها بحال، وقيل: لأن كل واحد منهما (5) كفيل ضامن عن صاحبه؛ فلا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه، وقيل: لأنها صفقة واحدة؛ فلا تتبعض، وهذا قد يرجع إلى الضمان أيضًا، كأنه التزم كل واحد منهما الألف عنه وعن صاحبه؛ فيكون توزيعًا على الجملة (6) إذ لو لم يلزم أحدهما أداء جميع المال؛ لما وقف عتقه على أدائه.

وقد اختلف كلام القاضي وابن عقيل في ضمان كل منهما عن

(1) في المطبوع و (ج): "تسليمًا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

وانظر: "المغني"(4/ 93/ 2959 و 10/ 397/ 8819).

(3)

في المطبوع: "واختلفوا في"، وفي (ب) و (ج):"واختلف في".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "الكتابة عتق" بتقديم وتأخير.

(5)

في المطبوع و (ج): "منهم".

(6)

في المطبوع و (ب) و (ج): "فيكون توزيعًا للمفرد على الجملة".

ص: 492

الآخر؛ فنفياه تارة وأثبتاه أخرى.

ونقل ابن منصور عن أحمد في رجل له على قوم حق أنه كتب في كتابهم: أيهم شئت أخذت بحقي منه يأخذ أيهم شاء، ومفهومه أن الغرماء لا ضمان بينهم بدون الشرط [بحال](1).

- (ومنها): لو وضع المتراهنان الرهن على يدي عدلين، وكانا عينين منفردين، أو كان مما يقسم؛ كالمكيل والموزون؛ فهل لهما اقتسامه (2) وانفراد كل واحد منهما بحفظ نصفه (3) أم لا؟

على وجهين:

أحدهما: يجوز ذلك، قاله القاضي في "المجرد" توزيعًا للمفرد على المفرد؛ فيكون كل واحد منهما أمينًا على نصفه، وصرح القاضي بذلك.

وعلى هذا، فلو دفع أحدهما النصف المقسوم الذي بيده إلى الآخر؛ فتلف [في يده](4)؛ فهل يضمنه؟

على احتمالين ذكرهما القاضي؛ لأنه انفرد به بعد القسمة، بخلاف ما إذا سلم الكل قبل القسمة؛ فإنه لا يضمن، كذا قال القاضي.

وقال مرة أخرى: يضمن نصفه أيضًا.

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب) و (ج): "بكل حال".

(2)

في المطبوع: "انقسامه".

(3)

في المطبوع: "نصيبه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 493

والثاني: لا يجوز اقتسامه، بل يتعين حفظه كله على كل واحد منهما مجتمعين، وهو قول القاضي في "خلافه" وابن عقيل وصاحب "المغني"(1) و"التلخيص"؛ لأن المتراهنَيْن إنما رضيا بحفظهما جميعًا؛ فلا يجوز لهما الانفراد؛ كالوصيين والوكيلين (2) في البيع.

وعلى هذا تخرج (3) الوديعة لاثنين والوصية بالنسبة إلى الحفظ خاصة دون التصرف؛ فإنه لا يستقل أحدهما بشيء منه.

وقد روي عن أحمد ما يدل على جواز انفراد كل واحد منهما بنصف التصرف؛ فنقل عنه حرب فيمن قال لرجلين: تصدقا عني بألفي درهم من ثلثي. فأخذ كل واحد ألفًا فتصدق بها على حدة ليكون أسهل عليهما؛ فلم ير به بأسًا، وهذا قد يختص بالصدقة لحصول المقصود بها (4) بالانفراد، بخلاف غيرها من التصرفات التي يقصد [بها](5) الحظ والغبطة والكسب.

قال في "التلخيص": ولو وكل اثنين في المخاصمة؛ لم يكن لواحد الاستبداد بها؛ كالوصيين ووكيلي التصرف، ويحتمل أن يكون له لأن العرف في الخصومة يقتضيه بخلاف غيرها. انتهى.

وقال أيضًا (6): ولو تعدد المعين؛ فاحتمالان (يعني: في تعدد

(1) انظر: "المغني"(4/ 227/ 3303).

(2)

في المطبوع و (ج): "والوكيل".

(3)

في المطبوع: "يخرج".

(4)

في المطبوع و (ب) و (ج): "منها".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في المطبوع: "وقال القاضي أيضًا".

ص: 494

الصفقة واتحادها).

- (ومنها): الضمان، فإذا ضمن اثنان دين (1) رجل لغريمه؛ فهل كل واحد منهما ضامن لجميع الدين أو بالحصة؟

على وجهين:

أحدهما: كل منهما ضامن للجميع، نص عليه أحمد في رواية مُهَنَّأ في رجل له على رجل ألف درهم؛ فكفل بها كفيلان كل واحد منهما كفيل ضامن؛ فأيهما شاء أخذ جميع حقه منه، وكذلك قال أبو بكر (2) فيمن قال [في السفينة] (3) لرجل: ألق متاعك في البحر على أني وركبان السفينة ضمناء، فألقاه؛ ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا بالضمان معه، وقد يكون مأخذ أبي بكر أن هذا من باب التغرير؛ فإنه إنما ألقاه ظنّاَّ (4) منه أن قيمته ترد عليه اعتمادًا على قول هذا القائل؛ فلذلك لزمه الضمان [كله](5).

وعلى هذا؛ فيفرق بين أن يكون صاحب المتاع عالمًا بالحكم أو جاهلًا به.

والوجه الثاني: أن الضمان بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه، مثل أن يقولوا: ضمنا لك، [و](6) كل واحد [منا](6) الألف التي لك

(1) في المطبوع: "دية"!

(2)

في المطبوع و (ج): "قال أبو بكر في التنبيه فيمن قال".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(4)

في المطبوع: "ضنًا"!

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 495

على فلان فإن كل واحد يلزمه الألف حينئذ.

وأما مع إطلاق ضمان الألف منهم؛ فبالحصة (1)، وهذا قول القاضي في "المجرد" و"الخلاف" وصاحب "المغني"(2).

وذكر ابن عقيل في المسألة احتمالين، وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين؛ فيصير الضمان موزعًا عليهما.

وعلى هذا، فلو كان المضمون دينًا متساويًا على رجلين، فهل يقال: كل [واحد](3) منهما ضامن لنصف الدينين، أو كل منهما ضامن لأحدهما بانفراده؟

إذا قلنا بصحة ضمان المبهم يحتمل وجهين، والأول أشبه بكلام الأصحاب، وشبيهه بهذه المسألة ما إذا كفل اثنان شخصًا لآخر، فسلمه أحدهما إلى المكفول له؛ فهل يبرأ الكفيل الآخر أم لا؟

على وجهين:

أشهرهما: إنه لا يبرأ؛ لأنهما كفالتان، والوثيقتان إذا انحلت إحداهما بغير توفية؛ بقيت الأخرى؛ كالضامنين إذا أُبرئ (4) أحدهما، وهذا قول القاضي وأصحابه.

والثاني: يبرأ؛ لأن التوفية قد وجدت بالتسليم؛ فهو كما لو سلم

(1) في المطبوع: "بالحصة".

(2)

انظر: "المغني"(9/ 161/ 7410).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).

(4)

في المطبوع و (ج): "برئ".

ص: 496

المكفول نفسه أو وفى أحد الضامنين الدين، وهو احتمال في "الكافي"(1)، وقواه (2) الأزجي في "نهايته"، وهو ظاهر كلام السامري في "فروقه"(3)، وهو يعود إلى أنها كفالة واحدة، والأظهر أنهما [إن](4) كفلا كفالة اشتراك بأن (5)

(1) قال في "الكافي"(2/ 237): "ويحتمل ان يبرأ؛ كلما لوأدى أحد الضامنين الدين".

(2)

في المطبوع و (ج): "وقول".

(3)

انظر: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"(1/ 331).

وهذا الكتاب قال عنه الطوفي في "علم الجذل"(ص 73): "وكتابه من أحسن الفروق، كثير المسائل، نافع، جيد، دقيق المآخذ لطيفهما"، ومدحه المصنف في "ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 122) بقوله في ترجمته:"وفي كتابيه "المستوعب" و"الفروق"، "فوائد جليلة ومسائل غريبة"، وقال ابن بدران في "المدخل" (ص 458): "وهو كتاب نافع جدًّا"، وحقق قسم العبادات منه الأستاذ محمد بن إبراهيم اليحيى لنيل درجة الماجستير من جامعة الإمام ابن سعود سنة 1402 هـ.

وقد رتب العلامة عبد الرحيم بن عبد اللَّه الزَّرَيراني (ت 741 هـ) كتاب "الفروق" في كتابه "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"، وقال فيه (1/ 142):"فقد سألني من لا يخيب قصده ولا يحسن رده تنقيح كتاب "الفروق السَّامريّة" وتهذيبه، وتبيين ما أخذ عليه وتقويمه، فأجبتهُ إلى ذلك بعد الاستقاله وعدم إسعافه بالإقالة، مع ما بي من تشرّد البديهة وتفرّقها وتبدد القريحة وتمزّقها، وزدت فيه ما تيسّر من النكت والفرائد. . . وعلامة الزيادة (قلت) في أولها"، وهومطبرع في جزئين، بتحقيق الشيخ عمر بن محمد السبيل، وهو من مطبوعات جامعة أم القرى.

وانظر في المسألة: "المغني"(4/ 620)، و"الشرح الكبير"(3/ 53)، و"الهداية"(1/ 157)، و"الكافي"(2/ 237)، و"الفروع"(4/ 252)، و"الإقناع"(2/ 186)، و"المبدع"(4/ 268).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(5)

في المطبوع: "الاشراك؛ فإن".

ص: 497

قالا: كفلنا لك زيدًا نسلمه إليك، فإذا سلمه أحدهما؛ برئ الآخر؛ لأن التسليم الملتزم واحد؛ فهو كأداء أحد الضامنين للمال، وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا: كل واحد منا كفيل لك بزيد؛ فكل منهما ملتزم له إحضارًا (1)؛ فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيًا على المكفول؛ فهو كما لو كفلاه (2) في عقدين متفرقين، وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين للدين (3).

واعلم أن عقود التوثقات والأمانات إذا اشتملت على جمل؛ فإنه يمكن فيها توزيع أفراد الجملة أو أجزائها على أفراد الجملة المقابلة لها، أو على أجزاء العين المقابلة لها؛ فيقابل كل مفرد لمفرد أو كل مفرد لجزء، أو كل جزء لجزء، ويمكن توزيع كل فرد من الجملة على مجموع أفراد الجملة الأخرى، أو أجزائها؛ فيثبت الاشتراك بالإِشاعة، ويكون العقد على هذين الاحتمالين واحدًا، ويمكن أن يثبت حكم التوثقة والأمانة بكماله لكل فرد فرد؛ فيكون (4) ها هنا عقود متعددة، وقد ذكرنا في هذه المسائل التفريع على هذه الاحتمالات الثلاث.

فأما عقود التمليكات؛ فلا يتأتى فيها الاحتمال الثالث، ولو قيل بتعدد الصفقة فيما يتعدد المتعاقدين لاستحالة أن يكون الملك ثابتًا في

(1) في (ج): "إحضاره".

(2)

في المطبوع: "كفلا".

(3)

في (ب): "لدين".

ونقل المرداوي في "الإنصاف"(5/ 217) كلام المصنف هذا.

(4)

في (ب): "فتكون".

ص: 498

عين واحدة لمالكين على الكمال، وإنما يقع التردد فيها بين الاحتمالين الأولين، ويستثنى من ذلك صورتان:

إحداهما (1): أن يوصى بعين لزيد ثم يوصى بها لعمرو، وتقول (2): ليس برجوع (3) كما هو المشهور من المذهب؛ فيكون كل (4) منهما مستحقًّا للعين بكمالها، ويقع التراحم (5) فيشتركان في قسمتها (6)، فلو مات أحدهما قبل الموصى أوْ رد؛ لاستحقها الآخر بكمالها.

والثانية: أن يقف على قوم معينين أو موصوفين، ثم على آخرين بعدهم؛ فإن كل واحد من الطبقة الأولى مستحق لجميع الوقف بانفراده، حتى لو لم يبق من الطبقة سواه لاستحق الوقف كله، هكذا ذكره القاضي والأصحاب.

وقد نص أحمد (7) في "رواية يوسف ابن موسى"(8) و"محمد بن عبيد

(1) في المطبوع: "أحدهما".

(2)

في المطبوع: "ويقول"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(3)

في (ب): "رجوع"!

(4)

في المطبوع: "كلًّا"!

(5)

في المطبوع و (ج): "التزاحم".

(6)

في المطبوع: "قسمها".

(7)

في المطبوع: "وقد نص عليه أحمد".

(8)

في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"، والتصويب من (أ) وهي بخط الحافظ ابن رجب، ومن "طبقات الحنابلة"(1/ 430)، و"المقصد الأرشد"(3/ 144).

وهو الإِمام يوسف بن موسى العطار الحربي، روى عن الإمام أحمد، وحدَّث عنه أبو بكر الخلَّال، وأثنى عليه ثناءً حسنًا، وكان يوسف هذا يهوديًّا، فأسلم على يدي الإمام أحمد رحمه الله، وهو حَدَثّ؛ فحسن إسلامه، ولزم العلم، وأكثر من الكتاب، ورحل في =

ص: 499

اللَّه المنادي" (1) فيمن وقف ضيعة على ولده وأولادهم وأولاد أولادهم أبدًا ما تناسلوا، فإن حدث بواحد منهم حدث الموت؛ دفع ذلك إلى ولد ولده (يعني: الواقف وولد أولادهم) يجري ذلك عليهم ما تناسلوا، وقد ولد لهؤلاء (2) القوم الذين وقف (3) عليهم أولاد [يدخلون مع أولادهم](4) في القسمة، أو يصير هذا الشيء إليهم بعد موت آبائهم (5)، ومن مات منهم ولم يخلف ولدًا يرجع نصيبه إلى إخوته أم لا؟

قال: يجري ذلك على الولد وولد الولد يتوارثون ذلك حتى لا يكون للميت ولد، فيرد على الباقين من إخوته، وظاهر كلامه أنه (6) يكون ترتيب أفراد بين كل ولد ووالده؛ لقوله (7): يتوارثون ذلك، وجعل قول الواقف من

= طلب العلم، وسمع من قوم أجلة، ولزم الإمام أحمد حتى كان ربما تبرم به من كثرة لزومه له.

انظر ترجمته في: المراجع السابقة، و"مختصر طبقات الحنابلة"(280)، و"المنهج الأحمد"(1/ 464)، و"تاريخ بغداد"(14/ 308).

(1)

هو محمد بن عبيد اللَّه بن يزيد، أبو جعفر بن المنادي، قال أبو حاتم:"صدوق"، قال ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 303):"نقل عن إمامنا أحمد مسائل وغيرها، وذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد بن حنبل"، وتوفي سنة (272 هـ) من مئة سنة وسنة واحدة.

وانظر: "المنهج الأحمد"(1/ 301)، و"المقصد الأرشد"(2/ 433).

(2)

في المطبوع و (ج): "هؤلاء".

(3)

في (ج): "أوقف".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "هل يدخلون مع آبائهم".

(5)

في المطبوع و (ج): "بعد الموت موت آبائهم".

(6)

في (ب): "أن".

(7)

في (ب): "بقوله".

ص: 500

مات عن ولد؛ فنصيبه لولده مقتضيًا لهذا الترتب ومخصصًا لعموم أول الكلام المقتضي للتشريك (1).

وقد زعم الشيخ مجد الدين أن كلام القاضي في "المجرد" يدل على خلاف ذلك، وأنه يكون مشتركًا بين الأولاد وأولادهم، ثم يضاف إلى كل ولد نصيب والده بعد موته (2)، وليس في كلام القاضي ما يدل على ذلك لمن راجعه وتأمله.

وأما قوله: حتى لا يكون للميت ولد فيرد على الباقين من إخوته (3)؛ فيعني به: أن من مات عن غير ولد؛ فنصيبه لإِخوته، وهذا قد يدل لما ذكره الأصحاب: إن من مات من طبقة انتقل نصيبه إلى الباقين منها بإطلاق الوقف (4)، وقد يقال: لا دلالة فيه على ذلك؛ لأن هذا الواقف وقف على ولده وولد ولده أبدًا بالتشريك، فلو تُرِكْنَا وهذا (5)؛ لشَرَكْنَا (6) بين البطون كلها، لكنه استثنى من ذلك أن من مات عن ولد فنصيبه لولده؛ ففهم منه أن الولد لا يستحق مع والده، فيبقى ما عداه داخلًا في عموم أول الكلام،

(1) كذا في المطبوع و (ب) و (ج)، وفي (أ) لعلها:"للشريك".

(2)

انظر: "المحرر"(1/ 369).

(3)

هنا في (ج) زيادة من الناسخ ليست في (أ) التي هي بخط الحافظ ابن رجب نفسه، وهي:"ومن منا تكرر كلامه: أنه يكون ترتب أفراد بين كل ولد ووالده؛ لقوله: "يوارثون ذلك"، وجعل قول الواقف من مات عند ولد؛ فنصيبه لولده مقتضيًا لهذا الترتيب، ومخصصًا لعموم أول الكلام المقتضي للتشريك إلى هنا". اهـ.

(4)

في المطبوع: "الواقف".

(5)

في المطبوع و (ج): "هذا".

(6)

في (ج): "هذا التشريك لشركنا".

ص: 501

فاستحقاق الأخوة ها هنا متلقى من كلام الواقف.

ومثل هذا لا نزاع فيه، إنما النزاع فيما إذا لم يدل كلام الواقف عليه ولا يقال: قد دل كلام الواقف عليه حيث جعله بعد تلك الطبقة لطبقة أخرى، فلم يجعل للثانية حقًّا فيه مع وجود الأولي؛ فدل على أن الأولى هي المستحقة ما دامت موجودة؛ لأنه قد يجاب عنه بأن نفي استحقاق الثانية مع وجود الأولى لا يدل على أن الأولى هي المستحقة لجميعه؛ لجواز صرفه مصرف (1) المنقطع؛ إلا أن هذا بعيد من مقصود الواقف، والأظهر من مقصوده ما ذكرنا؛ فعلى هذا يكون عوده إلى بقية الطبقة مستفادًا (2) من معنى كلام الواقف، ويشبه ذلك ما لو وقف على فلان، فإذا انقرض أولاده؛ فعلى المساكين؛ فهل يكون بعد موت فلان لأولاده، ثم بعدهم (3) للمساكين (4) أو يصرف (5) بعد موت فلان مصرف المنقطع حتى تنقرض (6) أولاده، ثم يصرف للمساكين (4) على وجهين مذكورين في "الكافي"(7)، والأول (8) قول القاضي وابن عقيل.

ولنا في المسألة مسلك آخر، وهو أن يقال: الوقف تحبيس للمال في

(1) في (ب) و (ج): "صرف".

(2)

في (ج): "مستفادٌ".

(3)

في المطبوع: "ثم من بعدهم".

(4)

في المطبوع و (ج): "على المساكين".

(5)

في المطبوع: "تصرف"، وفي (أ) بدون تنقيط الأول.

(6)

في (ج): "ينقرض"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(7)

انظر: "الكافي"(2/ 458).

(8)

في (ج): "الأول".

ص: 502

وجوه البر، والموقوف عليهم [هم](1) المصرف المعين لاستحقاقه؛ فلا يمتنع (2) أن يستحقه كل (3) واحد منهم بانفراده، ويقع التزاحم فيه عند الاجتماع، بخلاف التمليكات المحضة، فإنه يستحيل (4) أن يملك كل واحد من المملكين جميع ما وقع فيه التمليك، وهذا على قولنا: إن الموقوف عليه لا يملك عين الوقف أظهر، ويتعلق بهذا من مسائل التوزيع ما إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده أبدًا؛ فهل يقال: لا ينتقل إلى أحد من أولاد أولاده إلا بعد انقراض جميع أولاده، أو ينتقل بعد كل ولد إلى ولده؟

المعروف (5) عند الأصحاب: الأول، وهو الذي ذكره القاضي وأصحابه ومن اتبعهم.

وحكى الشيخ تقي الدين [رحمه اللَّه تعالى](6) وجهًا آخر بالثاني، ورجحه (7)؛ فعلى الأول يكون من باب توزيع الجملة على الجملة، وعلى

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ب): "هو".

(2)

في المطبوع و (ج): " فلا يمنع".

(3)

في المطبوع: "لكل".

(4)

في (ج): "مستحيل".

(5)

في (ج): "والمعروف".

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من ناسخ (ج)، وفي المطبوع:"رحمه الله".

(7)

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والأظهر. . . أنه ينتقل نصب كل إلى ولده، وإن لم ينقرض جميع المستحقين من البطن الأول، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد" اهـ.

انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 180)، و"مجموع الفتاوى"(31/ 356).

ص: 503

الثاني [هو](1) من باب توزيع المفرد على المفرد.

ويشهد لهذا من كلام أحمد ما رواه عنه يوسف بن موسى (2) ومحمد ابن عبيد اللَّه المنادي في رجل أوقف ضيعة على أن لعلي بن إسماعيل ربع غلتها ما دام حيًّا، وربع منها لولد عبد اللَّه وولد محمد وولد أحمد بينهم بالسوية، وإن مات علي بن إسماعيل؛ فوزعوا هذين الربعين بين ولده وولد الثلاثة؛ ففعلوا ذلك، ثم إن بعض ولد علي بن إسماعيل مات وترك ولدًا؛ كيف نصنع بنصيبه يدفع إلى ولده أو يرد [على] (3) شركائه؟ ولم يقل الميت: إن مات علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده إنما قال: ولد علي ابن إسماعيل.

قال [الإمام](4) أحمد: يدفع ما جعل لولد علي بن إسماعيل إلى ولده، فإن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضًا؛ لأنه قال: بين ولد علي بن إسماعيل، وهذا من ولد علي بن إسماعيل؛ فدل هذا الكلام على أصلين:

أحدهما: أن ولد الولد داخل في مسمى الولد عند الإطلاق.

والثاني: أنه إنما يستحقه ولد الولد بعد موت أبيه ويختص به دون طبقة أبيه المشاركين له، حيث ذكر أن [علي](5) بن إسماعيل توفي عن

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "يكون".

(2)

في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"! وقد سبق تصويب اسمه قريبًا.

(3)

في (ج): "إلى".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

في (ج): "محمد"!

ص: 504

ولد، وأن بعض ولده توفي عن ولد، ونقل إلى هذا الولد نصيب أبيه مع وجود المشاركين للأب من إخوته.

ووجه هذا أنه لما رتب بين علي بن إسماعيل وولده، ولم يجعل لولده شيئًا إلا بعد موته؛ فكذلك ينبغي أن يكون الترتيب بين ولده وولد ولده، وهذا خلاف ما ذكره الأصحاب من الوجهين في كيفية استحقاق ولد الولد إذا قيل بدخوله في مطلق الولد:[هل يستحق مع الولد مشركًا (1) أو بعد انقراض الولد](2)؟

كلهم مرتبًا ترتيب طبقة على طبقة؛ فإن أحمد جعله مرتبًا ترتيب أفراد بين كل ولد ووالده، فيؤخذ من ذلك أن من وقف على أولاده، ثم على أولادهم أبدًا: أنه (3) يكون مرتبًا بين كل والد وولده [دون](4) بقية طبقته، وقد يفرق بينهما بأن الوقف ها هنا أولًا كان [بين](5) شخص وولده؛ فروعي هذا الترتيب في استحقاق ولده وولد ولده، وليس فيه طبقة (6) بعد طبقة، ولكن سنذكر من كلام أحمد في مسألة التدبير ما يحسن تخريج هذا الوجه منه إن شاء اللَّه تعالى.

- (ومنها): إذا علق طلاق نسائه أو عتق رقيقه على صفات متعددة،

(1) في (ج): "شركًا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(3)

في المطبوع: "أن".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "وبين".

(5)

في (ب): "من".

(6)

في المطبوع: "في طبقة".

ص: 505

فوجد بعضها من بعض وباقيها من بعض آخر؛ فهل يكفي في وقوع الطلاق والعتاق مع قطع النظر عن الحنث بوجود بعض الصفة؟

فإن للأصحاب في الاكتفاء ببعض الصفة في الطلاق والعتاق طرقًا ثلاثة:

إحداهن: أنه يكتفي بها كما يكتفي بذلك في الحنث في اليمين، وهي طريقة القاضي، [واستثنى في "الجامع" من ذلك أن تكون الصفة معاوضة](1).

والثانية: لا يكتفي بها؛ وإن اكتفينا ببعض المحلوف عليه في الحنث؛ لأن هذا شرط ومشروط وعلة ومعلول؛ فلا يترتب الأثر إلا على تمام المؤثر، وهي طريقة ابن عقيل وصاحب "المغني"(2).

والثالثة: إن كانت الصفة [تقتضي حضًّا أو منعًا](3) أو تصديقًا أو تكذيبًا؛ فهي كاليمين، وإلا؛ فهي علة محضة؛ فلا بد من وجودها بكمالها، وهي طريقة صاحب "المحرر"(4).

والقاضي يفرع على اختياره في هذه [المسائل](5)، فقال فيما إذا قال لعبيده: إذا أديتم إلي ألفًا؛ فأنتم أحرار؛ عتق كل واحد منهم بأداء حصته، وكذلك إذا قال لعبيده: إذا دخلتم الدار؛ فأنتم أحرار؛ عتق من دخل منهم؛

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

انظر: "المغني"(7/ 354/ 5972).

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "تنتفي قطعًا أو تبعًا".

(4)

"المحرر"(2/ 62 - 63).

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "المسألة مسائل".

ص: 506

لأن وجود الصفة تقوم مقام جميعها؛ فمتى أدى واحد منهم عتق، فكذا ذكره في باب الكتابة.

ورده الشيخ مجد الدين، وقال: هو عندي خطأ يقينًا؛ لأن هذه الصفة لا تشتمل (1) على منع ولا حث. [انتهى](2).

وعندي أنه لو صح الاكتفاء ببعض الصفة ها هنا؛ لم يصح ما قاله القاضي، ولم يتفرع على الاكتفاء ببعص الصفة؛ إذ لو كان التفريع على ذلك لعتقوا كلهم بأداء (3) بعضهم لبعض الألف، وبدخول بعضهم الدار، وهذا خلاف قول القاضي، وإنما يتوجه ما قاله القاضي على أن يكون من باب توزيع المفردات على المفردات؛ فكأنه قال: من دخل منكم الدار؛ فهو حر، ومن أدى إلي حصته من الألف؛ فهو حر، وهذا لا تعلق له بمسألة الاكتفاء ببعض الصفة، وكلام أحمد يدل على اعتبار هذا التوزيع في مثل هذه التعليقات (4)؛ فإنه نص في "رواية مُهَنَّأ" في عبد بين رجلين قالا له: إذا متنا فأنت حر، ثم مات أحدهما؛ عتقت حصته فقط، فإذا مات الآخر عتقت حصته. قال أبو بكر: لأنهما كالمعتقين على انفرادهما، وهذا هو المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى.

وتعليل أبي بكر يدل على أنه جعله من باب توزيع المفرد على

(1) في (ج): "لم تشتمل".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(3)

في (ج): "لأداء".

(4)

في (ج): "التعلقات".

ص: 507

المفرد، كأنهما قالا: إن مات أحد منا فنصببه [منك](1) حر، وتأول القاضي ذلك على أن العتق حصل بوجود بعض الصفة، ورده الشيخ مجد الدين بأن الصفة إنما يكتفى ببعضها إذا كانت [في معنى اليمين يقتضي حضًّا](2) أو منعًا، وما لم يكن كذلك؛ كطلوع الشمس وقدوم زيد؛ فلا يكتفى فيه بالبعض، ونقل الإجماع عليه (3).

وهو مردود من وجه آخر، وهو أنه لو أكتفي ببعض الصفة؛ [لعتق العبد كله عليها](4) بموت أحدهما، ولم يكن وجه لعتق نصيب أحدهما، وإنما لم يسر إلى نصيب صاحبه لأحد أمرين؛ إما لأن السراية تمنع بعد الموت كما هو إحدى الروايتين، أو لأن التدبير يمنع السراية، وهو أحد الوجهين.

وخرج الشيخ مجد الدين المسألة [على](1) روايتين من مسألة تعليق العتق على صفة بعد الموت (5)؛ فإن في صحته روايتين:

إحداهما: بصح هذا التعليق؛ فلا (6) يعتق [منه](7) شيء هاهنا حتى يموت الآخر منهما، فيعتق العبد كله حينئذ.

والثانية: لا يصح هذا التعليق؛ فلا (6) يعتق به شيء من العبد ها

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في (ج): "في معنى أن اليمين حضًّا".

(3)

في "شرح الهداية" وهو من الكتب المفقودة، ولا قوة إلا باللَّه.

(4)

في (ج): "لعتق كله عليهما".

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 6).

(6)

في المطبوع: "ولا".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "به".

ص: 508

هنا؛ لأن كلًّا منهما علق عتقه على موته وموت شريكه، ولا يوجد إلا بعد موته! ولكن ها هنا [قد](1) يمكن اجتماع موتهما في آن واحد؛ فلا يتوجه إبطال التعليق من أصله، بخلاف قوله: إن دخلت الدار بعد موتي؛ فأنت حر.

- ومن هذه المسائل: لو قال لزوجتيه: إن دخلتما هاتين الدارين أو كلمتما زيدًا وعَمرًا؛ فأنتما طالقتان، فكلمت إحداهما زيدًا والأخرى عمرًا، أو دخلت كل واحدة منهما دارًا، وقلنا: لا يكتفى ببعض الصفة؛ فهل تطلقان أم لا؟

فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب ومن بعده من الأصحاب، وجعل أبو الخطاب المذهب الوقوع، وإنما ذكر الأخرى تخريجًا، ومذهب الحنفية والمالكية الوقوع، وهو أحد وجهي الشافعية مع قولهم وقول الحنفية: إن بعض الصفة لا يكفي (2) في الحنث؛ فعلم بذلك أن هذا ليس مفرعًا على الاكتفاء ببعض الصفة.

ويتخرج [من](3) مسألة التدبير السابقة أن يطلق (4) ها هنا [كل واحدة بدخول الدار عقب](5) دخولها، ولا يتوقف طلاقها على دخول الأخرى؛ لأن معنى كلامه: من دخلت منكما دارًا من هاتين الدارين؛ فهي طالق.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في (ب): "لا تكفي"، وفي (أ): بدون تنقيط الحرف الأول.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في".

(4)

في المطبوع و (ج): "تطلق".

(5)

في (ب): "كل واحدة منهما بدخولٍ عقيب".

ص: 509

ويتخرج من هذا القول ها هنا فيما إذا قال لهما: إن حضتما فأنتما طالقتان وجه: إن كل واحدة تطلق بحيض نفسها وإن لا يشترط ثبوت حيض كل واحدة منهما بالنسبة إليهما، بل يكفي ثبوت حيضها في حقها بإقرارها (1)، وكذلك في قوله: إن شئتما فأنتما طالقتان، فشاءت إحداهما، أو إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثم حلف بطلاق إحداهما: أنها تطلق.

ومن العجب أن القاضي لم يفرع شيئًا من هذه المسائل على اختياره في الاكتفاء بوجود بعض الصفة مطلقًا، سواء اقتضت حثًّا أو منعًا أو كانت تعليقًا محضًا، ومقتضى قوله: إن تطلقا (2) ها هنا معًا بوجود حيض إحداهما، ومشيئة إحداهما، والحلف بطلاق إحداهما في هذه المسائل.

- (ومنها): إذا قال لزوجاته الأربع: أوقعت بينكن أو عليكن ثلاث تطليقات؛ فهل تقسم كل طلقة على الأربع أرباعًا ثم يكمل فيقع بهن الثلاث جميعًا، أو توزع (3) الثلاث على الأربع فيلحق كل واحدة ثلاثة أرباع طلقة ثم تكمل فتطلق كل واحدة منهن طلقة؟

على روايتين، والأولى اختيار أبي بكر والقاضي، والثانية اختيار أبي الخطاب وصاحب "المغني" (4)؛ قال: لأن القسمة بالأجزاء إنما تكون في

(1) انظر في المسألة: "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين"(2/ 142 - 143).

(2)

في المطبوع و (ج): "يطلقا"، وفي (ب):"يطلقان".

(3)

في المطبوع: "أو يوزع".

(4)

انظر: "المغني"(7/ 378/ 6031).

ص: 510

المختلفات؛ كالدور ونحوها، فأما الجمل المتساوية من جنس؛ كالنقود؛ فإنها تقسم برؤوسها، ويكمل نصيب (1) كل واحدٍ (2)، كأربعة لهم درهمان صحيحان، يقسم لكل واحد نصف من درهم واحد؛ فكذلك الطلقات، ويمكن الأولين الجواب عن هذا بأن هذه القسمة لا تمنع الاشتراك في الاستحقاق من كل جزء، ولهذا قيل في قسمة الأموال المشتركة: إنها بيع، ومتى ثبت استحقاق كل واحد من الشركاء لجزء من كل عين قبل القسمة توجه وقوع الطلاق الثلاث هنا (3) بكل واحدة، كما لو مات زوج المرأة وخلف إخوتها أرقاء مع عبيد أخر؛ فإنه يعتق عليها من كل أخ لها بنسبة نصيبها من الميراث، وإن كان نصيبها لا يستوعب قيمة الجميع، ولو قال: أنتن طوالق ثلاثًا؛ طلق كلهن ثلاثًا ثلاثًا، نص عليه في "رواية ابن منصور"، ولم يذكر القاضي فيه خلافًا؛ لأنه أضاف الثلاث إلى الجميع، وفي الصورتين الأولتين أرسل الثلاث بينهن [أو عليهن، ويتوجه تخريج الخلاف فيها أيضًا؛ لأن إضافة الثلاث إليهن لا ينافي أن يوزع الثلاث على مجموعهن، لا على كل واحدة منهن](4).

ومما يدخل في هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. . .} (5) الآية؛ فهل المراد توزيع مجموع الصدقات على

(1) في المطبوع و (ب) و (ج): "النصيب".

(2)

في المطبوع: "واحدة".

(3)

في المطبوع و (ب): "ها هنا".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

التوبة: 60.

ص: 511

مجموع الأصناف، أو كل فرد من أفراد الصدقات على مجموع الأصناف؟

وينبني على ذلك مسألة وجوب استيعاب (1) الأصناف بكل [صدقة](2)، وفي ذلك روايتان، أشهرهما أنه غير واجب.

وهل يجب على الإمام إذا اجتمعت عنده الصدقات أن يعم الأصناف منها أم لا؟

قال ابن عقيل: يجب ذلك؛ لتحصل التوفية باستيعاب الأصناف بمجموع الصدقات كما دلت عليه الآية. وقال القاضي: يستحب ذلك، ولا يجب؛ لأن حق بقية الأصناف يسقط بإعطاء الملاك لهم، وأيضًا؛ فليس في الآية إيجاب الاستيعاب بصدقات (3) كل عام؛ فيجوز تعويضهم في عام (4) آخر.

ومما يدخل فيه أيضًا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. . .} (5) الآية؛ هل اقتضت مقابلة مجموع المظاهرين بمجموع (6) نسائهم [وتوزيع](7) كل مظاهر على زوجته، أو مقابلة كل فرد من المظاهرين بمجموع (6) نسائه المظاهر منهن؟

(1) في (ب): "استيفاء".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

في المطبوع: "لصدقات".

(4)

في المطبوع: "في كل عام".

(5)

المجادلة: 3.

(6)

في المطبوع: "لمجموع".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وتوزيعه مع".

ص: 512

قرر أبو الخطاب وغيره من أصحابنا الثاني، واستدل [به](1) على أن المظاهرة (2) من جميع الزوجات بكلمة واحدة لا يوجب سوى كفارة واحدة، وكذلك قال في قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ. . .} (3) إلى [آخرها](4): إن المراد حرمت على كل واحد بناته وأخواته وعماته وخالاته، فأما الأمهات؛ فجعلها [من](5) مقابلة الأفراد [بالأفراد](6)، [قال: لأنه] (7) لما لم يتصور أن يكون للواحد أمان (8)؛ علم أنه أراد الواحد في مقابلة الواحد، وأما ما احتمل الجمع في مقابلة الواحد؛ فإنه [يحمل عليه](9)، والأظهر -واللَّه أعلم- أن الكل مما قوبل فيه الواحد بالواحد والجملة بالجملة، وأن المعنى: حرمت على كل واحد أمه وبنته وأخته؛ إذ لو أريد مقابلة الواحد بالجمع؛ لحرم على كل واحد أمهات الجميع وبناتهم، وهو باطل قطعًا.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(2)

في (ب) و (ج): "المظاهر".

(3)

النساء: 23.

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "آخر الآية".

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "في".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

في (ج): "لأنه قال" بتقديم وتأخير.

(8)

في (ب): "اثنان".

(9)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "عمل حيلة"، وفي (ج):"عمل جملة".

ص: 513

(القاعدة الرابعة عشر بعد المئة)

إطلاق الشركة؛ هل يتنزل على المناصفة، [أم](1) هو مبهم يفتقر إلى تفسير؟

فيه وجهان ذكرهما صاحب "التلخيص" في البيع، والذي ذكره الأصحاب في الإقرار أنه مبهم، وكذلك صرح به ابن عقيل في "نظرياته" مختارًا له، وقال القاضي في "المجرد" في البيع وفي (2) "خلافه" أيضًا: ينزل على المناصفة، وهل يقال باستحقاق الشريك من كل جزء [جزءً](3) أو بالتشاطر؟

يحتمل وجهين، وكلام الأصحاب يدل على التشاطر، ويتفرع على [هذا] (4) مسائل:

- (منها): لو قال لمشتري سلعة: أشركني في هذه السلعة؛ فهل يصح وينزل على المناصفة، أم لا للجهالة؟

على وجهين ذكرهما في "التلخيص"، والجزوم به في ["المجرد"](5)

(1) في المطبوع و (ج): "أو".

(2)

في (ب) والمطبوع: "في".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "ذلك".

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "المحرر".

ص: 514

الصحة تنزيلًا على المناصفة.

- (ومنها): لو قال: هذا العبد شركة بيني وبين فلان، أو هو شريكي فيه؛ فوجهان (1)، المجزوم [به] (2) في الإِقرار: الإِبهام، ويرجع في تفسيره إليه، وهو اختيار ابن عقيل، وقال القاضي في "خلافه": هو بينهما نصفين.

- (ومنها): لو أوقع طلاقًا ثلاثًا بامرأة له، ثم قال لأخرى: أشركتك] (3) معها، فإن قلنا بالمناصفة؛ اقتضى وقوع اثنتين، وإن قلنا بالإِبهام؛ لم يقع أكثر من واحدة لأنها اليقين؛ [إلا أن يفسره بأكثر من ذلك](4)، ويحتمل أن يقع ثلاثًا بناءً على أن الشركة تقتضي الاستحقاق من كل جزء (5)، وقد يقال هذا إنما [يمكن](6) في التمليكات دون الطلاق، فإن حقيقة الاشتراك في طلاق الأولى لا يمكن (7)؛ فحمل على استحقاق نظيره، أما لو تعدد الشركاء؛ فهل يقال: يستحق الشريك مثل نصف ما لهم، أو مثل واحد منهم؟

على وجهين ذكرهما القاضي في البيع، وبنى عليهما: لو اشترى اثنان شيئًا، ثم أشركا ثالثًا فيه؛ فهل له نصفه أو ثلثه؟

(1) في المطبوع: "أو هو شريكي، فيه وجهان".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "للأخرى شركتك".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

في (ج): "كل جزء جزء".

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "يكون".

(7)

كذا في (ب)، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع و (أ):"تمكن".

ص: 515

على وجهين.

وخرج صاحب "الترغيب" والشيخ مجد الدين في "المسودة" الوجهين فيما إذا قال لثلاث نسوة: أوقعت بينكن طلقة، ثم قال لرابعة: أشركتك معهن؛ هل يقع بها [طلقة](1) واحدة أو طلقتين؟

على الوجهين.

* * *

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

ص: 516

(القاعدة الخامسة عشر بعد المئة)

الحقوق المشتركة بين اثنين فصاعدًا نوعان:

أحدهما: ما يقع استحقاق كل واحد بانفراده بجميع (1) الحق ويتزاحمون فيه عند الاجتماع.

والثاني: ما يستحق كل واحد من الحق بحصته خاصة.

وللأول أمثلة كثيرة:

- (منها): الشفعاء المجتمعون كل منهم بستحق الشفعة بكمالها، فإذا عفى أحدهم عن حقه؛ توفر على الباقين.

- (ومنها): غرماء المفلس الذي لا يفي ماله بدين كل واحد على انفراده، وهم كالشفعاء.

- (ومنها): الأولياء المتساوون في النكاح.

- (ومنها): العصبات المجتمعون في الميراث، ويتفرع على ذلك لو اجتمع ابنان (2) نصف كل واحد منهما حر؛ فهل يستحقان المال كله أم لا؟

(1) في المطبوع و (ب): "لجميع".

(2)

في المطبوع: "اثنان".

ص: 517

على وجهين:

أحدهما: يستحقان جميع المال، رجحه القاضي والسامري وطائفة من الأصحاب، وله مأخذان:

أحدهما: جمع الحرية [فيهما؛ فيكمل](1) بها حرية ابن، وهو مأخذ أبي الخطاب وغيره.

والثاني: إن حق كل واحد منهما مع كمال حريته في جميع المال لا في نصفه، وإنما أخذ نصفه لمزاحمة أخيه له، وحينئذ؛ فقد أخذ كل واحد منهما نصف المال هنا، وهو نصف حقه مع كمال حريته؛ فلم يأخذ زيادة على قدر ما فيه من الحرية.

والوجه الثاني: لا يستحقان المال كله؛ لئلا تستوي حال حريتهما الكاملة والمبعضة، وهل يستحقان نصفه تنزيلًا لهما حالين أو ثلاثة أرباعه تنزيلًا لهما ثلاثة أحوال؟

على وجهين، ولو كان ابن نصفه حر (2) مع أم؛ فعلى [هذا](3) المأخذ [الثاني في الوجه الأول](4) يتوجه أن يأخذ نصف المال كله، وهو أحد الوجوه للأصحاب، ورجحه الشيخ تقي الدين، وذكر أنه اختيار أبيه، وقيل: يأخذ نصف الباقي بعد ربع الأم، وهو اختيار أبي بكر القاضي في "خلافه"، وقيل: يأخذ نصف ما كان يأخذه حال كمال

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فيها فيملك"!

(2)

في المطبوع: "حرًّا"!!

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 518

الحرية، وهو هنا (1) ربع وسدس، وهو الذي ذكره إبراهيم الحربي في "كتاب الفرائض"(2)، واختاره القاضي في "المجرد" وابن عقيل وصاحب "المحرر"؛ لأن القدر الذي حجب (3) عنه الأم يستحقه كله، وإنما يتنصف عليه ما عداه.

- (ومنها): ذوو الفروض المجتمعون المزدحمون في فرض واحد كالزوجات والجدات، ويتفرع على هذا إذا اجتمعت جدتان أم أم وأم أب مع ابنها الأب، وقلنا: إنه يحجبها؛ فهل تستحق [أم](4) الأم السدس كله أو نصفه؟

على وجهين:

أصحهما: أنها تستحق السدس كله لزوال المزاحمة مع قيام الاستحقاق لجميعه.

والثاني: تستحق (5) نصفه، وله مأخذان:

أحدهما: أن أم الأب تحجبها عن السدس إلى نصفه، ولا (6) أثر

(1) في (ج): "هاهنا".

(2)

كتاب "الفرائض" كغيره من الكتب المفردة لإبراهيم الحربي (ت 285 هـ)، ولم أظفر بذكر له في فهارس دور المخطوطات. وانظر:"المدخل المفصل"(2/ 964) للشيخ بكر أبو زيد.

(3)

في المطبوع و (ج): "حجبت".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(5)

في المطبوع و (ب): "يستحق".

(6)

في المطبوع: "فلا".

ص: 519

لكونها محجوبة كما يحجب ولد الأم الأم مع انحجابهم بالأب، وفيه نظر؛ فإن حجب [الجد للجدة](1) إنما هو بطريق المزاحمة، ولا مزاحمة هنا، وحجب الأخوة للأم ليس بالمزاحمة؛ فإنهم لا يشاركونها في فرضها، وإنما وجودهم مقتض (2) لتنقيص فرضها.

والثاني: أن أم الأب لها مع أم الأم نصف السدس، فلما حجب [الأب](3) أمه؛ توفر ذلك عليه لا على الأخرى، ورد بأن ولد الأم يحجبون الأم عن السدس، ثم لا يأخذونه، بل يتوفر على الأب، وقد يجاب عنه بأن ولد الأم لما كانوا محجوبين بالأب توفر ما حجبوا عنه الأم على من حجبهم، وهو الأب كذلك هنا.

- (ومنها): الوصايا المزدحمة في عين أو مقدار من المال، فإن حق كل واحد منهم في مجموع وصيته، وإنما يأخذ دون ذلك للمزاحمة، فإذا رد بعضهم توفر على الباقين، وإن أجاز الورثة بعض الوصايا دون بعض؛ فهل يعطى المجاز له القدر الذي [كان](3) يأخذه في حال الإِجارة للكل، أو يكمل له الجزء المسمى في الوصية كله إن أمكن لقيام استحقاقه له وقد أمكن وصوله إليه بزوال المزاحمة بالرد على غيره؟

فيه وجهان، صحح صاحب "المحرر" الثاني (4)، ومن رجح الأول قال: القدر المزاحم به كان حقًّا للمزاحم، فإذا رده الورثة عليه توفر

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "الأم".

(2)

في المطبوع: "وإنما وجودهم هو مقتضٍ".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

انظر: "المحرر"(1/ 376 - 377).

ص: 520

[عليهم](1) لا على الوصية الأخرى، ويشهد للأول ما ذكره الخرقي وابن حامد والقاضي والأصحاب فيمن وصى لرجل بعبد قيمته ثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، فإن أجاز (2) الورثة؛ فللموصى له بالعبد [ربعه](3) لمزاحمة الآخر له فيه، ولصاحب الثلث ربع العبد وثلث باقي المال، وإن ردوا قسم [الثلث](4) بينهما نصفين؛ فيأخذ صاحب وصية العبد بقدر سدس المال كله من العبد، ويأخذ الآخر سدس العبد وسدس باقي المال لزوال المزاحمة بالرد؛ فأمكن وصول كل منهما إلى نصف ما سمى له كاملًا؛ فلا ينقص منه (5).

وخرج صاحب "المحرر" وجهًا آخر من الوجه الثاني في المسألة التي قبلها: إنه يقسم الثلث بينهما على حسب ما كانا (6) يقتسمان وصيتيهما حال الإجازة؛ فيفضل نصيب صاحب الثلث على نصيب صاحب العبد (7)، وهو اختيار صاحب "المغني" تسوية بينهما في الرد والإِجازة (8).

وفي تخريج هذا من المسألة التي قبلها نظر؛ لأن الورثة هناك قد

(1) في (ب): "عليه".

(2)

في المطبوع و (ب): "أجازه".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "ثلاثة أرباعه".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "العبد".

(5)

انظر: "المغني"(6/ 129/ 4747).

(6)

في المطبوع: "ما كان"!

(7)

انظر: "المحرر"(1/ 389).

(8)

انظر: "المغني"(6/ 129 - 130/ 4747).

ص: 521

يكون مقصودهم بالرد على أحدهما توفير ما كان يأخذه بالمزاحمة [عليهم](1)، كما لو أجازوا لصاحب الوصية بالكل وردوا على الموصى له بالثلث؛ فلو أعطينا صاحب الكل ما ردوه على صاحب الثلث؛ لم يبق في ردهم فائدة لهم، وهنا لا يخرج عنهم سوى الثلث؛ فينبغي أن تقسمه (2) الوصيتان على قدرهما عملًا بمراد الموصي من التسوية، حيث أمكن ولا ضرر على الورثة في ذلك.

- (ومنها): استحقاق الغانمين من الغنيمة متى رد أحدهم (3) توفر على الباقين، وسواء قلنا ملكوه بالاستيلاء أو لم يملكوه.

- (ومنها): الموقوف عليهم؛ إذا رد بعضهم توفر على الباقين؛ كما لو مات بعضهم، وقد سبقت.

- (ومنها): حد القذف الموروث لجماعة يستحق كل واحد بانفراده، فلو (4) أسقطه بعضهم؛ فللباقين استيفاؤه.

• وأما النوع الثاني؛ فله أمثلة:

- (منها): عقود التمليكات الحضانة إلى عدد؛ فيملك كل واحد منهم بحصته لاستحالة أن يكون كل واحد منهم مالكًا لجميع العين، ثم ها هنا حالتان:

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في المطبوع: "تقسم".

(3)

في المطبوع و (ج): "بعضهم".

(4)

في المطبوع: "فإذا".

ص: 522

إحداهما: أن يكون التمليك بعوض؛ مثل أن يبيع من رجلين عبدًا أو عبدين بثمن، فيقع الشراء بينهما نصفين، ويلزم كل واحد نصف الثمن، وإن كان لاثنين عبدان مفردان، لكل واحد عبد، فباعاهما من رجلين صفقة واحدة، لكل واحد عبدًا معينًا بثمن واحد؛ ففي صحة البيع وجهان، أصحهما -وهو المنصوص-: الصحة، وعليه؛ فيقتسمان الثمن على قدر قيمتي العبدين.

وذكر القاضي وابن عقيل وجهًا آخر: أنهما يقتسمانه على عدد رؤوس المبيع نصفين تخريجًا من أحد الوجهين فيما إذا تزوج أربعًا في عقد بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد: أنه يكون بينهن أرباعًا، وهو ها هنا بعيد جدًّا؛ لأن البضع ليس بمال محض؛ فكيف تُسَوَّى (1) به الأموال المبتغى بها الأرباح والتكسب؟!

وخرجاه أيضًا في الكتابة وهو أقرب من البيع؟ إذ الكتابة فيها معنى العتق.

الحالة الثانية: أن يكون بغير عوض، مثل أن يهب لجماعة شيئًا أو يملكهم إياه عن زكاة أو كفارة مشاعًا في الكفارة؛ فقياس كلام الأصحاب في التمليك بعوض أنهم يتساوون في ملكه.

وحكى صاحب "المغني" فيما إذا وضع طعامًا في الكفارة بين يدي عشرة مساكين، فقال: هو بينكم بالسوية، [فقبلوه] (2) ثلاثة أوجه:

(1) في المطبوع: "سوى"، وفي (ج):"يسووا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 523

أحدها -وهو الذي جزم به أولًا-: إنه يجزئه (1)؛ لأنه ملكهم التصرف فيه والانتفاع به قبل القسمة، كما لو دفع دين غرمائه بينهم.

والثاني -وحكاه عن ابن حامد-: يجزئه (1)، وإن لم يقل بالسوية؛ لأن قوله (خذوها عن كفارتي) يقتضي التسوية؛ لأن ذلك حكمها.

والثالث -وحكاه عن القاضي-: إنه إن علم أنه وصل إلى (2) كل واحد قدر حقه أجزأ، وإلا؛ لم يجزئ (3)، هذا ما ذكره (4).

وأصل ذلك ما قاله القاضي في "المجرد": إذا أفرد ستين مدًّا وقال لستين مسكينًا: خذوها. [فأخذوها](5)، أو قال: كلوها. ولم يقل بالسوية، أو قال: قد ملكتكموها (6) بالسوية [فأخذوها](5)؛ فقال شيخنا أبو عبد اللَّه (7): يجزئه (1)؛ لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية؛ لأن حكم الكفارة أن يكون بينهم بالسوية، فإن عرف أنها وصلت إليهم بالسوية؛ أجزأه، وإن علم التفاضل، فمن حصل معه الفضل (8)؛ فقد أخذ زيادة، ومن أخذ أقل؛ كان عليه أن يكمله، وإن لم يعلم كيف وصل إليهم؛ لم يجزئه (1)، وعليه استئنافها؛ لأنه لم يعلم [قدر](5) ما وصل إلى كل واحد

(1) في المطبوع: "يجزيه".

(2)

في المطبوع: "وصل إليه إلى".

(3)

في المطبوع: "لم يجزه"، وفي (ج):"لم يجز".

(4)

انظر: "المغني"(8/ 26/ 6212).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(6)

في المطبوع و (ج): "ملكتموها".

(7)

في المطبوع: "أبو عبد اللَّه بن حامد".

(8)

في المطبوع: "التفضيل".

ص: 524

[منهم](1) بعينه. انتهى.

فحكى الكلُّ عن ابن حامد وصاحبُ "المغني" جعلَ الإِجزاء مطلقًا قول ابن حامد واعتبار الوصول قول القاضي (2). وليس كذلك، وكذلك (3) استشكل الشيخ مجد الدين ما وقع في "المجرد" وقال: لعله [وقع](4) غلط في النسخة، وليس كذلك أيضًا؛ فإني نقلت ما ذكرته من أصل القاضي بخطه، ثم قال: وعندي (5) أنا إن قلنا: ملكوها بالتخلية، وإنها قبض؛ أجزأته بكل حال. قال: ولعل هذا اختيار ابن حامد، وهذا بعيد [جدًّا](6)، بل اختيار ابن حامد عكسه، وإن الهبة والصدقة لا تملك بدون قبض، وقد قدمنا ذلك عنه في مسائل القبوض، وأن القبض في المنقول بالنقل، فيتوجه على هذا أنه لا بد من تحقق (7) قبض كل واحد لمقدار ما يجزئ دفعه إليه؛ لأنه لم يملكه بدونه، ولا عبرة بالإيجاب لهم بالسوية، وما حكاه القاضي عن ابن حامد يشعر بأن إطلاق قوله خذوا هذا أو هو (8) لكم لا يحمل على التسوية؛ فإنه إنما علل بأن التسوية حكم الكفارة،

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

انظر: "المغني"(8/ 26/ 6212).

(3)

في (ب): "ولذلك".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

في المطبوع: "عندي".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(7)

في المطبوع و (ج): "تحقيق".

(8)

في المطبوع: "هذا وهو".

ص: 525

وهذا مخالف لما قرروه (1) في عقود المعاوضات.

وأما ما حكاه في "المغني" من طرد الخلاف فيما لو قال: هو بينكم بالسوية، أو اقتصر على قوله: هو بينكم؛ فليس (2) ذلك في كلام القاضي، ويتخرج ذلك على أصل، وهو أن إطلاق البينة هل يقتضي التساوي أم لا؟

وفي المسألة وجهان:

أحدهما: إنه يقتضيه، وهو الذي ذكره الأصحاب في المضاربة إذا قال: خذ هذا المال فاتجر [به](3) والربح بيننا؛ أنهما يتساويان فيه (4).

وصرح القاضي وابن عقيل والأصحاب في مسألة المضاربة [بأن](5) إطلاق الإقرار بشيء أنه بينه وبين زيد يتنزل (6) على المناصفة [أيضًا](7).

وكذلك صرحوا به في الوصايا، إذا قال: وصيت لفلان وفلان بمئة بينهما أن لكل واحد خمسين، ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن قال: بين فلان وفلان مئة درهم، وأحدهما ميت ليس للحي إلا خمسون درهمًا، وكذا (8) لو قال: لفلان وفلان مئة درهم، وأحدهما ميت، وأنكر قول

(1) في (ج): "قرره".

(2)

في المطبوع: "هو بينكم ألبتة؛ فليس".

(3)

في المطبوع: "فيه".

(4)

وهذا مذهب الحنفية، انظر:"بدائع الصنائع"(7/ 81)، وإن خسر في هذه الصورة؛ فعلى المال؛ كما قال أحمد في "مسائل صالح"(2/ 453/ 1152).

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ج): "في أن".

(6)

في (ب): "فينزل".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(8)

في المطبوع: "وكذلك".

ص: 526

سفيان بالتفرقة بينهما، وهذا تصريح بأن اطلاق الوصية [لفلان وفلان](1) يتنزل على التساوي، كما [لو](1) قال بينهما.

والوجه الثاني: إن إطلاق [البينة لا يقتضي](2) التساوي، وبه جزم القاضي في "خلافه" وابن عقيل في "عمده" في مسألة الإِقرار في كتاب البيع، وكذلك ذكره أبو الخطاب في (الإقرار) وصاحبا "المغني" و"المحرر"(3).

- (ومنها): القصاص المستحق لجماعة بقتل موروثهم يستحق كل واحد منهم بالحصة؛ فمن عفى منهم سقط حقه، وسقط الباقي؛ لأنه لا يتبعض، وها هنا صور مختلف فيها؛ هل تلحق (4) بالنوع الأول أو الثاني؛ كالغرامات الواجبة على جماعة بسبب واحد؛ كالمشتركين في قتل آدمي، أو صيد محترم (5)، أو في الوطء في الحج، أو الصيام (6)؛ هل يتعدد (7) عليهم الديات والجزاء والكفارة؟

وكذلك عقود التوثقات؛ كالرهن والضمان والكفالة، وقد سبق ذكرها.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

في (ب): "البينية لا يقتضي"، وفي المطبوع:"البينة لا تقتضي".

(3)

انظر: "المغني"(6/ 142 - 143/ 4772)، و"المحرر"(1/ 384).

(4)

في المطبوع و (ج): "يلحق"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(5)

كذا في (أ) بخط ابن رجب و (ب)، وفي المطبوع و (ج):"محرَّم"!!

(6)

في المطبوع: "أو في الصيام".

(7)

في (ج): "تعدد".

ص: 527

(القاعدة السادسة عشر بعد المئة)

من استند [تملكه](1) إلى سبب مستقر لا يمكن إبطاله، وتأخر حصول الملك عنه؛ فهل تنعطف (2) أحكام ملكه إلى أول وقت انعقاد السبب وتثبت (3) أحكامه من حينئذ، أم لا يثبت إلا من حين ثبوت الملك؟

فيه خلاف، وللمسألة أمثلة كثيرة:

- (منها): ملك الشفيع إذا أخذ بالشفعة، وثم نخل مؤبر؛ كان وقت البيع غير مؤبر، وفيه وجهان سبق ذكرهما.

- (ومنها): ملك الموصى له إذا قبل بعد الموت؛ فهل يثبت له الملك من حين الموت أم لا؟

وفيه خلاف معروف.

- (ومنها): إذا تملك المالك للأرض زرع الغاصب بنفقته بعد بدو صلاحه؛ فهل تجب (4) زكاته عليه أم على الغاصب؟

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "ينعطف"، وفي (أ) بدون تنقيط الحرف الأول.

(3)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول، وفي المطبوع:"ويثبت".

(4)

في المطبوع: "يجب".

ص: 528

على وجهين، وقد سبق في بيع الثمر قبل بدو صلاحها بشرط القطع نحو ذلك.

- (ومنها): الفسخ بالعيب والخيار؛ فإنه يستند إلى مقارن للعقد؛ فهل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه؟

وفيه خلاف معروف.

- (ومنها): دية المقتول؛ هل تحدث على ملك الوارث لأنها تجب بعد الموت، أو على ملك الموروث لأن سببها وجد في حياته؟

على روايتين معروفتين، وحكى ابن الزاغوني في "الإقناع" الروايتين في القصاص أيضًا؛ هل هو واجب للورثة ابتداءً أو موروث عن الميت؟

-[(ومنها): إذا انعقد سبب الملك أو الضمان في الحياة، وتحقق بعد الموت؛ كمن نصب شبكة، فوقع فيها صيد بعد موته، أو عثر بها إنسان، وفيه (1) خلاف سبق ذكره](2).

- (ومنها): إذا كاتب عبدًا، ثم مات ولم يؤدِ (3) إليه شيئًا، فأدى (4) إلى ورثته وعتق؛ فهل الولاء للسيد الذي كاتبه لانعقاد سببه في ملكه، أو للورثة المؤدى إليهم لتحقق السبب في ملكهم؟

على روايتين، والمذهب أن الولاء للسيد الأول.

(1) في المطبوع: "ففيه".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "ولم يؤدي"!

(4)

في المطبوع: "فأد"!

ص: 529

- (ومنها): إذا كاتب المكاتب عبدًا، فأدى إليه وعتق قبل أدائه، أو أعتقه بمال، وقلنا له ذلك؛ ففي ولائه (1) وجهان:

أحدهما: إنه للسيد الأول، وهو محكي عن أبي بكر؛ لثبوت الولاء على هذا العتيق (2) في حال ليس مولاه من أهل الميراث، فاستقر لمولى المولي.

والثاني: هو موقوف، فإن أدى المكاتب الأول وعتق؛ فالولاء له لانعقاده له قبل عتقه، وهو قول القاضي في "المجرد"، ورجح في "الخلاف" قول أبي بكر حتى حكى عنه أنه لو عتق المكاتب الأول قبل الثاني؛ فالولاء للسيد لانعقاد سبب الولاء له، حيث كان المكاتب ليس أهلًا له.

وكلام أبي بكر إنما يدل على استقرار الولاء للسيد إذا وقعت الكتابة أو العتق المنجز بإذنه، وأما ما وقع بغير إذنه؛ فالعتق عنده موقوف على أداء المكاتب الأول؛ فينبغي أن يكون الولاء له كولاء ذوي (3) رحمه الذين (4) اشتراهم في حال الكتابة.

وأما العبد القن إذا أعتق بإذن سيده بما (5) ملَّكَه، وقلنا: يملكه (6)؛

(1) في المطبوع و (ج): "ولايته".

(2)

في المطبوع و (ج): "العتق".

(3)

في (ج): "ذي".

(4)

في المطبوع: "والذين".

(5)

في المطبوع و (ج): "مما".

(6)

في المطبوع: "بملكه".

ص: 530

فحكى صاحب "المغني" عن طلحة العاقولي (1) من أصحابنا أنه موقوف، فإن عتق؛ فالولاء له، وإن مات قنًّا؛ فهو للسيد (2).

وفي "المجرد" للقاضي: إن الولاء للسيد مطلقًا، ونص أحمد في "رواية ابن منصور" في عبد أذن له سيده أن يبتاع عبدًا ويعتقه (3): أن ولاءه للسيد (4)، وقال: إذا أذنوا له؛ فكأنهم هم المعتقون، وهذا يدل على الفرق بين عتق المكاتب بإذن سيده وعتقه بدونه كما سبق، ويحتمل أن يكون مخرجًا على قوله: إن العبد لا يملك، وإنه أعتقه بإذن سيده بطريق الوكالة، ثم ليس في نصه أن العبد عتق بعد ذلك، وإنما فيه أن سيده باعه.

ويشبه هذه المسائل إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه، واختار منهن أربعًا؛ انفسخ نكاح البواقي، وهل يبتدئن العدة من حين الاختيار لأن نكاحهن إنما انفسخ به، أو من حين الإِسلام لأنه السبب؟

(1) هو طلحة بن أحمد بن طلحة، ولد سنة (432 هـ) بدير العاقول، قرب بغداد على خمسة عشر فرسخًا منها، وكان عارفًا بالمذهب، حسن المناظرة، وكان ثقة أمينًا، مات سنة (512 هـ).

انظر ترجمته في: "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 138)، و"المنهج الأحمد"(رقم 744).

(2)

انظر: "المغني"(13/ 531 / 1819 - ط هجر).

ونقله عنه المصنف في ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة"(1/ 140)، وقال عقبه:"وهذا خلاف ما ذكره الأكثرون: إن العبد لا يرث بالولاء ولا غيره".

(3)

في (ج) والمطبوع: "أو يعتقه".

(4)

في المطبوع و (ج): "لسيده".

ص: 531

على وجهين، فأما تصرف الفضولي إذا قلنا: يقف على الإجازة؛ فإجازة من عقد له؛ فهل يقع الملك فيه من حين العقد حتى يكون النماء له، أم من حين الإجازة؟

على وجهين:

أحدهما: [من حين الملك](1)، وبه قطع القاضي في "الجامع" وصاحب "المغني" في مسألة نكاح الفضولي (2).

والثاني: من حين الإجازة، وبه جزم صاحب "النهاية"، ولكن السبب هنا غير مستقر؛ لإمكان إبطاله (3) بالرد، [ويشهد للوجه الثاني أن القاضي صرح بأن حكم الحاكم المختلف فيه إنما يفيد صحة المحكوم به وانعقاده من حين الحكم وقبل الحكم كان باطلًا](4).

ويلتحق بهذه القاعدة العبادات التي يكتفى بحصول بعض شرائطها في أثناء وقتها إذا وجد الشرط في أثنائها؛ فهل يحكم لها بحكم ما اجتمعت شرائطه من ابتدائها أم لا؟

فيه خلاف [أيضًا](5)، وينبني عليه مسائل:

- (منها): إذا نوى الصائم المتطوع الصوم من أثناء النهار؛ فهل

(1) كذا في (أ) بخط ابن رجب، وقال ناسخ (ب) في الهامش:"الملك من حين العقد".

(2)

انظر: "المغني"(5/ 57 - 58/ 3751 و 7/ 121/ 5442).

(3)

في المطبوع: "زواله".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ج).

ص: 532

يحكم له بحكم الصيام من أوله، [أو من](1) حين نواه فلا يثاب على صومه إلا من حين النية؟

على وجهين، والثاني ظاهر كلام أحمد.

- (ومنها): إذا بلغ الصبي أو عتق العبد وهما محرمان قبل فوات وقت الوقوف؛ فهل يجزئهما عن حجة الإِسلام؟

على روايتين، أشهرهما الإجزاء، فقيل: لأن (2) إحرامهما انعقد مراعى؛ لأنه قابل للنقل والانقلاب، وقبل: بل بقدر ما مضى منه؛ كالمعدوم، ويكتفى بالموجود منه، وقيل: إن قلنا: الإحرام شرط محض؛ كالطهارة للصلاة؛ اكتفى بالموجود منه، وإن قيل: هو ركن؛ لم يكتف به.

* * *

(1) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "أم"، وفي (ج):"أو".

(2)

في (ج): "إن"!

ص: 533

(القاعدة السابعة عشر بعد المئة)

كل عقد معلق يختلف باختلاف حالين إذا وجد تعليقه في أحدهما ووقوعه في الآخر؛ فهل يغلب عليه جانب التعليق أو جانب الوقوع؟

في المسألة قولان؛ إلا أن يفضي (1) اعتبار أحدهما إلى ما هو ممتنع شرعًا؛ فيلغى، ويتفرع على ذلك مسائل:

- (منها): الوصية لمن هو في الظاهر وارث؛ فيصير عند الموت غير وارث أو بالعكس، والمذهب أن الاعتبار بحال الموت، ولم يحك الأكثرون فيه خلافًا؛ فإن الوصية للوارث (2) لا يمكن أن تلزم، والوصية للأجنبي بالثلث فما دون لا يمكن أن تقف على الإِجارة، ومنهم من حكى خلافًا ضعيفًا [في] (3) الاعتبار بحال الوصية كما حكى أبو بكر وأبو الخطاب رواية: إن الوصية في حال الصحة من رأس المال، ولا يصح عن أحمد، وإنما أراد به العطية المنجزة، كذلك قال القاضي وغيره.

- (ومنها): إذا علق عتق عبده في صحته بشرط، فوجد في مرضه؛

(1) في المطبوع: "يقتضي".

(2)

في المطبوع: "للورثة".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "بـ".

ص: 534

فهل يعتق من الثلث أو من رأس المال؟

على وجهين، وحكى القاضي في "خلافه" روايتين، واختيار أبي بكر (1) وابن أبي موسى: إنه يعتق من الثلث، وهذا إذا لم تكن الصفة واقعة باختيار المعلق، فإن كانت من فعله؛ فهو من الثلث بغير خلاف، وقد نص عليه أحمد في "رواية صالح": إذا (2) قال لامرأته: أنت كذا وكذا إن لم أخرج إلى البصرة. وقال: لم تكن لي نية في تعجيل ذلك؛ فلا تطلق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يخرج (3). وكذلك لو قال: غلامه حر إن لم يفعل كذا وكذا، فلم يكن له نية؛ فلا يعتق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يفعل الذي قال، فإذا طلقت ورثته واعتدت، وإذا عتق؛ كان من ثلثه، وهكذا حكم ما إذا أعتق حمل أمته في صحته ثم وضعته في مرضه، وقلنا: لا يعتق الحمل إلا بعد الوضع.

- (ومنها): إذا علق طلاق امرأته في صحته (4) على صفة، فوجدت

(1) في المطبوع: "واختار أبو بكر".

(2)

في المطبوع: "أنه إذا"، وفي (ج):"قال: إذا".

(3)

في المطبوع: "يخرج فيه".

وفي "مسائل صالح"(384/ 364): "قال [أي: الإمام أحمد رحمه الله]: وإذا قال [أي: الزوج لزوجته] أنت طالق إذا جاء الهلال، أو أنت طالق عند الهلال، فهو يستمتع منها إلى الهلال، وإذا قال: أنت طالق إلى الهلال؛ فإن كان أراد: إذا جاء الهلال، فهو على ما أراد، وإذا كان أراد: من الساعة التي تكلَّم به إلى الهلال؛ فهو على ما أراد، تطلق ساعة قال".

قلت: وانظر: "مسائل ابن هانئ"(1/ 237/ 1140).

(4)

في المطبوع: "صحة"!

ص: 535

في مرضه ولم يكن من فعله؛ فهل ترث (1) أم لا؟

على روايتين، والمنصوص أنها ترثه في "رواية صالح"(2) و"مُهَنَّأ"، والأخرى مخرجة من مسألة قذفها في الصحة وملاعنتها في المرض.

- (ومنها): إذا أوصى إلى فاسق، فصار (3) عدلًا عند الموت؛ فهل تصح (4) الوصية بناءً على قولنا:[لا تصح](5) إلى الفاسق؟

على وجهين.

- (ومنها): لو أوصى (6) لزيد بدار، ثم انهدم بعض بنائها قبل الموت؛ فهل تدخل تلك (7) الأنقاض في الوصية؟

على وجهين، وكذلك (8) الوجهان لو زاد فيها بناءً؛ لم يكن حال الوصية، ذكر ذلك أبو الخطاب (9).

- (ومنها): لو قال العبد: متى ملكت عبدًا فهو حر، وقلنا: يصح هذا التعليق من الحر؛ كما هو المشهور من المذهب، ثم عتق ثم ملك

(1) في المطبوع و (ج): "ترثه".

(2)

انظر: "مسائل صالح"(2/ 235/ 822 و 3/ 174 - 175/ رقم 1590 - 1594).

(3)

في المطبوع: "وصار".

(4)

في المطبوع: "يصح".

(5)

في المطبوع: "لا يصح الإيصاء"، وفي (ب):"لا تصح الوصية".

(6)

كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"وصى".

(7)

في المطبوع: "يدخل ملك"!

(8)

في المطبوع: "وكذا".

(9)

في "كتاب الهداية"(1/ 223).

ص: 536

عبدًا؛ فهل يعتق؟

على وجهين، ولو وصى المكاتب بشيء، ثم عتق قبيل (1) موته؛ فهل تصح (2) وصيته؟

خرجها الشيخ مجد الدين على وجهين (3).

- (ومنها): لو قال العبدي لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثًا، ثم عتق، ثم دخلت الدار؛ فهل تطلق ثلاثًا أو اثنتين، حيث لم يكن مالكًا حال التعليق لأكثر منها؟

على وجهين.

- (ومنها): لو علق طلاق امرأته قبل الدخول على قدوم زيد مثلًا، ثم دخل بها، ثم قدم زيد وهي حائض؛ فإنه يقع الطلاق بدعيًا لا بمعنى الإثم به، بل بمعنى أمره بالمراجعة فيه، ولو كان قد علق طلاقًا أو غيره على طلاق البدعة ترتب عليه ولم يحك الأصحاب فيه خلافًا، ولو قال: إن قمت فأنت طالق، فقامت وهي حائض؛ فهل يكون بدعيًّا؟

قال في "الانتصار"(4): مباح. وفي "الترغيب": بدعي؛ [لقصدها لوزم رجعتها بقيامها، بخلاف قدوم زيد؛ لعدم قصدها فيه](5).

(1) كذا في (أ)، وفي المطبوع و (ب) و (ج):"قبل".

(2)

في المطبوع: "يصح".

(3)

في المطبوع: "وجهين".

(4)

في المطبوع: "قال في رعاية الانتصار"! والصواب ما أثبتناه.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج)، وكتب ناسخ (أ) على هامشها:"هذا التعليل وجد بخط المصنف".

ص: 537

(القاعدة الثامنة عشر بعد المئة)

تعليق فسخ العقد وإبطاله بوجوده (1).

إن كان فيه مقصود معتبر شرعًا؛ صح، وإلا؛ لم يصح؛ إذ لو صح لصار العقد غير مقصود في نفسه، هذا مقتضى قواعد المذهب، ويتخرج على ذلك مسائل:

- (منها): إذا علق الطلاق بالنكاح؛ فالمذهب المنصوص [أنه](2) لا يصح؛ لأن النكاح لا يقصد للطلاق عقيب العقد.

واختلفت الرواية عنه فيمن حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها بتعليق طلاق من يتزوجها عليها (3) بنكاحها؛ هل يصح أم لا؟

على روايتين؛ لأن هذا فيه حق للزوجة، فيصير (4) مقصودًا، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها؛ فمن الأصحاب من خص الخلاف بهذه الصورة، ولم يخرج، ومنهم من خرج في الكل روايتين، هذا كله إذا لم تكن حالة التعليق في نكاحه؛ فإن كانت في نكاحه حينئذ، وعلق طلاقها على نكاح

(1) في المطبوع: "لوجوده".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع:"عن أحمد أنه".

(3)

في المطبوع: "عليه"!

(4)

في (ج): "فيكون".

ص: 538

آخر يوجد؛ فنص أحمد في "رواية ابن منصور" وغيره على أنه يصح هذا التعليق، وحكاه القاضي في "المجرد" عن أبي بكر، ورجحه ابن عقيل؛ لأن التعليق هنا في نكاح، ومن أصلنا أن الصفة المطلقة تتناول جميع الأنكحة بإطلاقها وتعود الصفة فيها؛ فكيف إذا قيدت بنكاح معين، ولو علقه لي ملك يمينه لأمته على نكاحها بعد عتقها؛ فنص أحمد في "رواية ابن هانئ" على أنه يصح معللًا بأن ملك اليمين كالنكاح في استباحته الوطء؛ فلا يكون التعليق [فيه](1) كتعليق نكاح الأجنبية (2).

وكذلك (3) نص فيمن أعتق أَمَتَهُ، ثم قال لها متصلًا بعتقها: إن نكحتك فأنت (4) طالق: أنه يصح؛ لأنه في هذه الحال يملك عقد النكاح عليها قهرًا، فلم ينقطع آثار الملك فيه بالكلية؛ فلذلك انعقدت فيه الصفة.

- (ومنها): تعليق العتق بالملك، والمذهب المنصوص صحته؛ لأن الملك يراد للعتق ويكون مقصودًا كما في شراء ذي الرحم وغيره، والخلال وصاحبه لا يثبتان في المذهب في ذلك خلافًا، وابن حامد والقاضي يحكيان روايتين (5).

- (ومنها): تعليق النذر بالملك، مثل: إن رزقني اللَّه مالًا، فلله علي أن أتصدق به أو بشيء منه؛ فيصح، ونقل الشيخ تقي الدين عليه

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(2)

انظر: "مسائل ابن هانئ"(1/ 236/ 1138).

(3)

في (أ): "لذلك".

(4)

في المطبوع: "فإن"!

(5)

في المطبوع: "يحكيان في ذلك روايتين".

ص: 539

الاتفاق (1)، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} (2) الآيات (3).

- (ومنها): تعليق فسخ الوكالة على وجودها، وتعليق (4) الوكالة على فسخها؛ كالوكالة الدورية، وقد ذكر صاحب "التلخيص" أن قياس المذهب صحة ذلك بناءً على أن الوكالة قابلة للتعليق عندنا وكذلك فسخها، وقال الشيخ تقي الدين: لا يصح؛ لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة، وذلك تغيير لقاعدة الشرع، وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ، وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها.

- (ومنها): تعليق (5) فسخ البيع بالإِقالة على وجود البيع أو تعليق فسخ النكاح بالعيب على وجود النكاح، وقد صرح الأصحاب ببطلان ذلك؛ منهم القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب، معللين بأنه رفع للعقد (6) قبل

(1) في المطبوع: "بالاتفاق".

(2)

التوبة: 75.

(3)

قال شيخ الإسلام: "الاختيارات الفقهية"(ص 329): "لا أعلم فيه نزاعًا، ومن قال: هذا ليس بنذر؛ فقد أخطأ، وقول القائل: لئن ابتلاني اللَّه؛ لأصبرن، ولئن لقيت عدوًّا؛ لأجاهدن، ولو علمت أي العمل أحب إلى اللَّه؛ لعملته؛ فهو نذر معلق بشرط؛ كقول اللَّه تعالى: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} [التوبة: 75] الآية". وقريب منه في "القواعد النورانية الفقهية"(ص 241).

(4)

في المطبوع: "أو تعليق".

(5)

في المطبوع و (ج): "تعلق".

(6)

في المطبوع: "وقع العقد".

ص: 540

عقده، ومنهم من يعلل بأن الفسوخ لا تقبل التعليق، وقد صرح كثير منهم؛ [كالقاضي وأبي الخطاب](1) وابن عقيل وصاحب "المغني" بهذا المأخذ (2)، وهو مخالف [لما] (3) نص عليه [أحمد] (4) في مسألة: إن جئتني بالثمن إلى كذا [وكذا]، وإلا؛ فلا بيع بيننا: أنه يصح ويكون تعليقًا (5) للفسخ على شرط، وقد صرح القاضي [بجوازه](6) في البيع، خاصة في خلافه، ومن المتأخرين من صرح به في فسخ الإِجارة أيضًا.

- (ومنها): تعليق فسخ التدبير بوجوده، وصرح القاضي في "المجرد" بامتناعه فيما إذا قال لأمته المدبرة: كلما ولدت ولدًا؛ فقد رجعت في تدبيره! فقال: لا يكون رجوعًا؛ لأن الرجوع إنما يصح في تدبير موجود، وهذا (7) بعد ما خلق؛ فكيف يكون رجوعًا؟ كما لو قال لعبده: متى دبرتك؛ فقد رجعت لم يصح. هذا لفظه.

* * *

(1) في (ب): "القاضي وأبو الخطاب".

(2)

انظر: "المغني"(4/ 113، 158 أو 10/ 56/ 1180 - ط هجر).

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لـ".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

في المطبوع و (ج): "تعلقًا".

(6)

في المطبوع: "في جوازه".

(7)

في (ج) والمطبوع: "هذا" من غير واو.

ص: 541

(القاعدة التاسعة عشر بعد المئة)

إذا وجدنا لفظًا عامًّا قد خص بعض أفراده بحكم موافق للأول أو مخالف له؛ فهل يقضى بخروج الخاص من العام وانفراده (1) بحكمه المختص به، أو يُقضى بدخوله فيه؛ فيتعارضان مع اختلاف الحكم، ويتعدد سبب الاستحقاق مع اتفاقه (2)؟

هذا على قسمين:

أحدهما: أن يكون الخاص والعام في كلام واحد متصل؛ فالمذهب أنه يفرد الخاص بحكمه ولا يقضى بدخوله في العام، وسواء إن كان ذلك الحكم مما يمكن الرجوع عنه كالوصايا، أو لا يمكن كالإِقرار، ويتفرع على ذلك مسائل:

- (منها): لو قال: هذه الدار لزيد، ولي منها هذا البيت؛ قبل، ولم يدخل البيت في الإِقرار، صرح به الأصحاب، ويجيء على اختيار ابن عقيل في مسألة كان له علي وقضيته أنه لا يقبل منه في القضاء أن لا يقبل

(1) في (ج): "أو انفراده".

(2)

في المطبوع: "إبقائه".

وانظر حول هذه القاعدة: "الموافقات"(4/ 46 وما بعدها - مع تعليقي)، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 348).

ص: 542

ها هنا إفراد البيت؛ لأن مأخذه أن المعطوف بالواو جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها؛ فهى دعوى مستقلة؛ كما قالوا في قوله: أنت طالق وعليك ألف: إنها تطلق بغير عوض، بخلاف الاستثناء والصفات؛ فإنها مع ما قبلها شيء واحد، والصحيح الأول، وأن المعطوف بالواو مع المعطوف عليه في حكم الجملة الواحدة، وهو المنصوص عن أحمد، وأما أنت طالق وعليك ألف؛ ففيها روايتان، ومأخذ الوقوع بغير عوض [غير](1) ما ذكروه.

- (ومنها): لو وصى لزيد بشيء وللمساكين بشيء، [وهو مسكين](2)؛ فإنه لا يستحق مع المساكين من نصيبهم شيئًا، نص عليه أحمد في "رواية ابن هانئ"(3) و"علي بن سعيد"(4)، ونقل القاضي فيما قرأته بخطه الاتفاق على أن زيدًا لا يستحق من وصية المساكين في [مثل](5) هذه الصورة؛ وإن كان مسكينًا، مع أن ابن عقيل في "فنونه" حكى

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع، وفي (ج):"غير ما ذكره".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في "مسائل ابن هانئ"(2/ 48/ 1378): "وسُئل عن رجلٍ أوْصى لأناسٍ -وسمَّاهم-، وأوصى للمساكين، أيعطي هؤلاء المسمِّيين؟ قال: لا يعطى هؤلاء الذين سمَّاهم إلا ما أوصى لهم، ويدفع الباقي إلى من أوصى من المساكين".

(4)

هو علي بن سعيد بن جرير، أبو الحسن النّسوي، توفي سنة (256 هـ) أو التي بعدها، قال الخلال:"روى عن أبي عبد اللَّه جزئين مسائل"، وقال:"كبير القدر، صاحب حديث، يُناظر أبا عبد اللَّه مناظرةً شافيةً".

وانظر: "طبقات الحنابلة"(1/ 224)، و"المنهج الأحمد"(1/ 427)، و"المقصد الأرشد"(2/ 225)، و"التهذيب"(7/ 326).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 543

عنه أنه خرج وجهًا آخر بمشاركتهم إذا كان مسكينًا.

- (ومنها): لو وصى لزيد بخاتم وبفصه لآخر، أو وصي لرجل بعبد وبمنافعه لآخر، أو لأحدهما بالدار ولآخر بسكناها ونحو ذلك بلفظ لا يقتضي انفراد كل واحد بما وصى له به صريحًا؛ فقال أبو بكر في "الشافي": لكل واحد منهما ما وصى له به لا يشاركه الآخر فيه، وحمله الشيخ مجد الدين على أنه كان في كلام واحد متصل، وأخذه من مسألة الإقرار السابقة، والمنصوص عن أحمد ها هنا التوقف.

قال مُهَنَّأ: سألتُ أبا عبد اللَّه عن رجل أوصى بعبد لرجل، ثم أوصى به لآخر؛ قال: هذه مشكلة. فقلت له: فإن ناسًا يقولون: يكون العبد بينهم نصفين. قال: لا. فقلت له: فإن أوصى بدار لرجل وأوصى بغلتها لآخر؟ فقال: هذه (1) مثل تلك. فقلت لأبي عبد اللَّه [رحمه الله](2): إنه أوصى بخاتمه لرجل وأوصى بالفص لآخر. فقال: وهذه [أيضًا](3) مثل تلك، ولم يخبرني فيهم بشيء، فتوقف في المسألة، وأنكر قول من قال بالاشتراك في العبد إذا أوصى به لاثنين، وجعل حكم الوصية بالدار وغلتها والخاتم وفصه حكم الوصية بعبد لاثنين؛ فدل على أنه لا اشتراك في الفص والغلة.

وظاهر كلامه أنه يكون للموصى له [به](3) بخصوصه، لكن هذا قد يكون مأخذه أن الوصية الثانية رجوع عن الأولى، كما أشعر به كلامه في العبد والمشهور في المذهب أن الوصية بعين مرة لرجل ومرة لغيره لا

(1) في (ج): "وهذه أيضًا مثل. . . ".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 544

يكون (1) رجوعًا، بل يشتركان فيها؛ كما نص عليه أحمد في الوصية بالإِجزاء المنسوبة؛ كالثلث ونحوه.

- (ومنها): لو وصى بثلثه لرجل (2)، ووصى لآخر بمُقَدَّرٍ (3) منه، قال أحمد في "رواية الحسن بن ثواب" في رجل قال: ثلثي هذا لفلان، ويعطى فلان منه مئة درهم في كل شهر إلى أن يموت؛ قال: هو للآخر منهما. قيل: كيف؟ قال: لأن الوصية رجعت إلى الذي قال: ويعطى هذا منه كل شهر، وإذا مات هذا، ففضل (4) شيء؛ يرد إلى صاحب الثلث.

ظاهر (5) هذه الرواية يدل (6) على تقديم (7) الوصية بالمقدر على الوصية بالجزء المنسوب؛ لأنهما كالخاصة والعامة، وكتب القاضي بخطه على حاشية "الجامع" للخلال: ظاهر كلام أحمد أن الوصية الثانية (8) تقتضي الرجوع عن الأولى؛ لأن الثانية تستغرق جميع المال؛ إذ العمر ليس له حد معروف. قال: وقد قيل: لا يكون رجوعًا، ويقسم الثلث على أربعة: للموصى له بالثلث سهم، وثلاثة للآخر، كما لو وصى لرجل بماله ولآخر بثلثه. انتهى.

(1) في (ج): "لا تكون".

(2)

في المطبوع و (ج): "لرجل بثلثه" بتقديم وتأخير.

(3)

في المطبوع: "بقدر".

(4)

في المطبوع: "أو فضل".

(5)

في المطبوع: "وظاهر".

(6)

في المطبوع: "تقدم".

(7)

في المطبوع: "تقدم".

(8)

في (ج): "للثاني".

ص: 545

وكلا الوجهين المذكورين فيهما ضعف؛ لأن أحمد رد الفاضل عن النفقة إلى الأول، وهذا يبطل أنه رجوع، ولأن الوصية للثاني إنما هي من الثلث؛ فكيف تكون وصية (1) بالمال كله؟!

فيتعين (2) حملها على ما قدمناه أولًا.

فأما (3) المسألة التي ذكرها الخرقي في "كتابه" وهي إذا أوصى لرجل بمعين (4) من ماله؛ كعبد، ولآخر بجزء مشاع منه؛ كالثلث؛ أن الوصيتين يزدحمان في المعبن مع الإجازة، كما لو وصى به لاثنين (5)، وتبعه (6) على ذلك ابن حامد والقاضي والأصحاب، فهذا قد يحمل على ما إذا كانت الوصيتان في وقتين مختلفين، ولا إشكال على هذا، وإن حمل على إطلاقه وهو الذي اقتضاه كلام الأكثرين؛ فهو وجه آخر، ونصوص (7) أحمد وأصوله تخالفه؛ كنصه في "رواية مُهَنَّأ" في الوصية بالعبد لاثنين، ونصه على أن من وصى لزيد (8) بشيء ولجيرانه بشيء وزيد من جيرانه: أنه لا يستحق من الوصية للجيران شيئًا، وقد ذكر ابن حامد أن الأصحاب استشكلوا مسألة الخرقي، وأنكروها عليه، ونسبوه إلى التفرد بها.

(1) في (ج): "وصيته".

(2)

في المطبوع: "فتعين".

(3)

في (ج): "وأما".

(4)

في (ج): "بعين".

(5)

انظر: "المغني"(6/ 129/ 4747).

(6)

في (ب): "ومنعه".

(7)

في (ج): "فنصوص".

(8)

في (ج): "وصى".

ص: 546

القسم الثاني: أن يكون الخاص والعام في كلامين منفردين؛ فها هنا حالتان:

إحداهما: أن يكون المتكلم بهما (1) لا يمكنه الرجوع عن كلامه، ولا يقبل منه؛ كالأقارير والشهادات والعقود؛ فيقع التعارض في الشهادات ولا يكون الإقرار الثاني ولا العقد الثاني رجوعًا عن الأول، هكذا ذكره غير واحد [من](2) المتأخرين، مع أن كلام أحمد وأبي بكر عبد العزيز [في] (3) أن الخاص لا يدخل في العام ليس فيه تفصيل بين الكلام الواحد وغيره؛ فقد (4) يقال: إن الخاص لا يدخل لي العام مطلقًا، ويكون تخصيصه بالذكر قرينة مخرجة [له](5) من العموم ما لم يعارض ذلك قرينة تقتضي دخوله فيه، وعلى تقدير دخوله فيه بقرينة أو مطلقًا، فإذا تعارضت (6) دلالة العام ودلالة الخاص في شيء واحد؛ فهل ترجح دلالة الخاص، أم يتساويان؟

ذكر ابن عقيل في "الواضح" أنهما يتساويان، وذكر أبو الخطاب في "التمهيد"(7) أنه يقدم دلالة الخاص، وهذا هو الذي ذكره القاضي وابن عقيل أيضًا والأصحاب كلهم في مسألة تخصيص القرآن بخبر الواحد.

(1) في المطبوع: "بها"!

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

في المطبوع: "وقد".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(6)

في المطبوع: "تعارض".

(7)

انظر: "التمهيد في أصول الفقه"(2/ 110).

ص: 547

وفي (1) مسألة تقديم الخاص على العام عند التعارض، وإن علم تقدم الخاص حتى قال أبو الخطاب وغيره: لا يجوز أن ينسخ العام الخاص؛ لأنه ليس بمساوٍ له (2).

والحالة الثانية: أن يكون الرجوع ممكنًا؛ كالوصية، وعزل الإمام لمن يمكنه عزله وولايته؛ فهذا يشبه تعارض العام والخاص (3) في كلام الشارع في الأحكام، وفي ذلك ثلاث روايات:

أشهرها (4): تقديم الخاص مطلقًا وتخصيص العموم به، سواء جهل التاريخ أو علم.

والثانية: إن جُهِل التاريخ؛ فكذلك، وإلا، قُدِّمَ المتأخرُ منهما.

والثالثة: إنْ عُلم التاريخ؛ عُمِل بالمتأخر، وإن جهل؛ تعارضا.

ويتصل بهذه القاعدة قاعدتان:

إحداهما (5): إذا اجتمع في شخص استحقاق بجهة (6) خاصة؛ كوصية معينة وميراث، واستحقاق بجهة عامة؛ كالفقر والمسكنة؛ فإنه لا يأخذ إلا بالجهة الخاصة (7)، نص عليه (8)، ويتفرع على ذلك مسائل:

(1) في (أ): "في".

(2)

انظر: "التمهد في أصول الفقه"(2/ 112).

(3)

في المطبوع: "الخاص" من غير واو.

(4)

في المطبوع: "أشهرهن".

(5)

هذه رقمت في (ب) قاعدة مستقلة؛ فحملت (رقم 121).

(6)

في (ج): "لجهة".

(7)

انظر: "موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 350).

(8)

في المطبوع: "نص عليه أحمد".

ص: 548

- (منها): إذا وصى لزيد بشيء و [وصى](1) لجيرانه بشيء، وهو من الجيران؛ فإنه لا يعطى من نصيب الجيران.

- (ومنها): إذا وصى لزيد بشيء وللفقراء بشيء وزيد فقير؛ [فإنه](2) لا يعطى من نصيب الفقراء شيئًا (3)، نص أحمد على الصورتين.

وخرج القاضي فيما نقله ابن عقيل [عنه](4) في "فنونه" الاستحقاق بجهة الفقر (5) والجوار، كما يستحق عامل الزكاة الأخذ بجهة الفقر مع العمالة.

- (ومنها): لو وصى لأقاربه بشيء، ووصى أن يكفر عنه أيمان (6)؛ فلا يعطى من الكفارة من أخذ من الوصية من الأقارب، نص [عليه](7) في "رواية صالح"(8).

- (ومنها): لو وصى للفقراء وورثته فقراء؛ لم يَجُزْ لهم الأخذ من الوصية، نص عليه في "رواية حرب". وقال: الوارث لا يضرب (9) في المال

(1) ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

في المطبوع: "شيء".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "الفقراء".

(6)

في المطبوع: "بأيمان".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "على ذلك".

(8)

انظر: "مسائل صالح"(1/ 257/ 192).

(9)

في المطبوع: "لا يصرف".

ص: 549

مرتين، إذا كان وارثًا (1)؛ لم يأخذ من الوصية شيئًا.

ونقل نحوه أبو الصقر والفضل بن زياد، وكذلك نص على أن الوارث لا يحج عن الميت، ويأخذ الوصية، [وحمله القاضي على](2) منعه من أخذ الزائد عن نفقة المثل، فأما نفقة المثل؛ فتجوز (3) لأنها معاوضة.

القاعدة الثانية (4): إذا اجتمعت صفات في عين؛ فهل يتعدد الاستحقاق بها كالأعيان المتعددة (5)؟

المشهور في المذهب أنها كالأعيان في تعدد الاستحقاق، ويندرج تحت ذلك صور:

- (منها): الأخذ من الزكاة بالفقر والغرم [والغزو](6) ونحوها.

- (ومنها): الأخذ من الخمس بأوصاف متعددة.

- (ومنها): الأخذ من الصدقات المنذورة والفيء والوقوف.

- (ومنها): المواريث بأسباب متعددة! كالزوج [إذا كان](7) ابن عم [وابن العم](8) إذا كان أخًا لأم بالاتفاق، وكذلك الجدات المدليات

(1) في (أ) و (ب) والمطبوع: "وارثٌ".

(2)

في (ج): "وحمل القاضي عليه".

(3)

في المطبوع: "فيجوز"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(4)

هذه القاعدة أخذت في (ب)(رقم 122).

(5)

انظر: "موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 351).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

ص: 550

بقرابتين والأرحام والمجوس ونحوهم ممن يدلي بنسبين (1)؛ فإنهم يرثون بالجميع على الصحيح من المذهب.

- (ومنها): في تعليق الطلاق، كما لو قال: إن كلمت رجلًا فأنت طالق، وإن كلمت فقيهًا فأنت طالق، وإن كلمت أسود فأنت طالق؛ فكلمت رجلًا فقيهًا أسود؛ طلقت ثلاثًا.

وكذا [لو](2) قال: إن ولدت ولدًا فأنت طالق، وإن ولدت أنثى فأنت طالق، فولدت انثى؛ طلقت طلقتين.

وقال الشيخ تقي الدين (3): لا تطلق إلا [طلقة](4) واحدة في المسائل كلها مع الإطلاق؛ لأن الأظهر في (5) مراد الحالف أنت طالق، سواء ولدت ذكرًا أو أنثى، وسواء كلمت رجلًا أو فقيهًا أو أسود؛ فينزل الإِطلاق عليه لاشتهاره في العرف؛ إلا أن ينوي خلافه.

ونص الإِمام أحمد في "رواية ابن منصور"(6) فيمن قال لامرأته: أنت طالق طلقة إن ولدت ذكرًا، وطلقتين إن ولدت أنثى، فولدت ذكرًا وأنثى: إنه على ما نوى، إنما أراد ولادة واحدة.

(1) في (ب): "بسببين".

(2)

في (ج): "إن".

(3)

في "الاختيارات الفقهية"(ص 265) بنحوه.

(4)

ما بين المعقوفتين من المطبوع و (ج).

(5)

في المطبوع و (ج): "من".

(6)

نقل هذه الرواية شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات الفقهية"(ص 265 - 266).

ص: 551

وأنكر قول سفيان: إنه يقع عليها؛ فالأول ما علق به، وتبين بالثاني ولا تطلق به. وقول سفيان هو الذي عليه أصحابنا أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه، وكذلك ابن حامد وزاد أنها تطلق بالثاني أيضًا، والمنصوص أصح؛ لأن الحالف إنما حلف على حمل واحد وولادة واحدة، والغالب أنها لا نكون (1) إلا ولدًا واحدًا، لكنه لما كان ذكرًا مرة وأنثى أخرى نوع التعليق عليه، فإذا ولدت هذا الحمل ذكرًا وأنثى؛ لم يقع به المعلق بالذكر والأنثى جميعًا، بل المعلق بأحدهما فقط؛ لأنه لم يقصد إلا إيقاع أحد الطلاقين، وإنما ردده لتردده في كون المولود ذكرًا أو أنثى، [وينبغي أن يقع أكثر الطلاقين إذا كان القصد تطليقها بهذا الوضع، سواء كان ذكرًا أو أنثى](2)، لكنه أوقع بولادة أحدهما أكثر من الآخر فيقع به أكثر المعلقين.

تنبيه:

إذا كانت الجهة واحدة لم يتعدد الاستحقاق بتعدد الأوصاف المدلية إليها؛ كالوصية لقرابته إذا أدلى شخص بقرابتين والآخر بقرابة واحدة، ذكره القاضي في "خلافه" في الوصية للأخوة: أنه يستوي الأخوة للأبوين والأخوة للأب والأخوة للأم؛ لأن الكل مشتركون في جهة الأخوة؛ فلا عبرة بتعدد الجهات الموصلة إليها.

* * *

(1) في المطبوع: "أنه لا يكون".

(2)

ما بين المعقوفتين مذكور في (ج) بعد قوله: "فيقع به أكثر المعلقين".

ص: 552

(القاعدة العشرون بعد المئة)(1)

يرجح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة، وإن لم تكن إحداهما لها مدخل في الاستحقاق.

في مسائل:

- (منها): في الأخ [(2) للأبوين على الأخ للأب في الميراث بالولاء رواية واحدة، وخرج ابن الزاغوني في كتابه (3)"التلخيص" في الفرائض رواية أخرى بالاشتراك من (4) مسألة النكاح.

- (ومنها): تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب في ولاية النكاح في إحدى الروايتين، اختارها أبو بكر ورجحه صاحب "المغني"(5).

- (ومنها): تقديمه عليه في حمل العاقلة، وفيه الروايتان.

(1) من هنا تأخذ كل قاعدة في (ب) زيادة عن رقمها ثلاثة أعداد.

(2)

من هنا إلى منتصف القاعدة (121) سقط من (ج)، وقال مصححها في هامشها:"هنا سقط قرب ورقة قد حررته في الوجه الأيسر" اهـ.

(3)

في (أ): "في كتاب".

(4)

في المطبوع: "باشتراكه في"، وفي (ب):"بالاشتراك في".

(5)

قال في "المغني"(7/ 12/ 5155): "واختارها أبو بكر، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في الجديد، وهو الصحيح إن شاء اللَّه".

ص: 553

- (ومنها): تقديمه عليه في الصلاة على الجنازة، وفيه الروايتان أيضًا.

- (ومنها): في الوقف المقدم فيه بالقرب، وكذلك الوصية؛ فيترجح الأخ للأبوين على الأخ للأب، صرَّح به القاضي والأصحاب في الوصية، وعللوا بأن الانفراد بالقرابة كالتقدم بدرجة، وخالف الشيخ تقي الدين في الوقف وقال: لا يرجح فيه بالقرابة الأجنبية عن استحقاق الوقف (1).

* * *

(1) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(31/ 23).

ص: 554

(القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة)

في تخصيص العموم بالعرف (1).

ولها (2) صورتان:

إحداهما: أن يكون قد غلب استعمال الاسم العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية؛ فهذا يخص به العموم بغير خلاف، فلو حلف لا يأكل شواء اختصت يمينه باللحم المشوي دون البيض وغيره مما يشوى، وكذلك لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد لا يتناول إلا ما يسمى في العرف كذلك دون الآدمي والسماء والشمس والجبل؛ فإن هذه التسمية فيها هُجِرَت حتى عادت مجازًا.

الصورة الثانية: أن لا يكون كذلك، وهو نوعان:

أحدهما: ما لا يطلق عليه الاسم العام إلا مقيدًا به، ولا يفرد بحال؛

(1) انظر: "الموافقات"(4/ 18 - 42/ بتحقيقي). وقد أسهب الشاطبي وفصل في ضرورة تخصيص الحام بالعادة والعرف، وذكر أمثلة وأدلة شرعية على هذا.

والأمثلة المذكورة عد المصنف كلها في (الأيمان)، ويجعل بعض الفقهاء الأمثلة المذكورة وغيرها تدرج تحت قاعدة (الأيمان مبنية على الألفاظ أو على الأغراض).

انظر: "الأشباه والنظائر"(ص 53، 186) لابن نجيم، و"المبسوط"(8/ 168 - 169)، و"منار السبيل"(2/ 442)، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 344).

(2)

في المطبوع و (ج): "وله".

ص: 555

فهذا لا يدخل في العموم بغير خلاف نعلمه؛ كخيار (1) شنبر وتمر هندي لا يدخلان في مطلق التمر (2) والخيار، ذكره القاضي في "خلافه"، ونظيره ماء الورد لا يدخل في مسمى (3) الماء المطلق.

والنوع الثاني: ما يطلق عليه الاسم العام، لكن الأكثر أن لا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة، ولا يكاد يفهم عند الإطلاق دخوله فيه؛ ففيه وجهان، ويتفرع عليهما مسائل (4):

(1) في المطبوع و (ج): "فخيار".

(2)

في المطبوع و (ج): "الثمر".

(3)

في المطبوع و (ج): "اسم".

(4)

إذا تكلم الإنسان بلفظ عام، لكن العرف يخصصه؛ فهل نعتبر العموم، أو نعتبر العرف؟

فإذا اعتبرنا العموم؛ أخذنا بعموم اللفظ، وإذا اعتبرنا العرف؛ أخذنا بخصوص اللفظ، وقسم المؤلف هذه المسألة قسمين:

الأول: أن يكون الأصل مهجورًا، ولا يكاد يراد به العموم، إلا إذا نواه الإنسان أو لفظ به، فهنا نرجع إلى العرف؛ لأن الأصل مهجور هجرًا كاملًا، ومثاله: حلف ألا يأكل الشِّواء -والشواء في العرف هو اللحم المشويِّ، ولا تعرف كلمة شواء في العرف إلا اللحم المشوي-، فلو أنك شويت خبزًا أو ذرة أو غيرها من غير اللحم؛ فهنا العموم يخصص بالعرف، فإذا قال: واللَّه لا آكل شواءً، ثم شوى سنبلة من الحب وأكله؛ فإنه لا يحنث لأن العرف أطرد في أن المراد بالشواء اللحم المشوي، وكذلك لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد لا يتناول إلا ما يكون في العرف، كذلك دون الآدمي بالنسبة للدابة، ودون السماء بالنسبة للسقف، ودون الشمس بالنسبة للسراج، ودون الجبل بالسبة للوتد، فلو قال: واللَّه لا أستضيء بضوء سراج، ثم جلس تحت الشمس، فإنه لا يحنث لأن العرف قد هجر استعمال السراج في الشمس، ولو قال: واللَّه؛ لا أسقي دابةً ماءً، فجاءه إنسان فأسقاه ماءً؛ فإنه لا يحنث لأن الإنسان في العرف ليس دابة، وهكذا؛ فالحاصل: إن تخصيص العموم =

ص: 556

- (منها): لو حلف لا يأكل الرؤوس؛ فقال القاضي: يحنث بأكل كل ما يسمى رأسًا من رؤوس الطيور والسمك، ونقله في موضع عن أحمد، [وقال في موضع: العرف يعتبر في تعميم الخاص لا في تخصيص العام] (1)، وقال أبو الخطاب: لا يحنث إلا برأس يؤكل في العادة مفردًا، وكذلك ذكر القاضي في موضع من "خلافه": إن يمينه تختص بما يسمى رأسًا عرفًا، وحكى ابن الزاغوني في "الإِقناع" روايتين:

إحداهما: يحنث بأكل كل رأس.

والثانية: لا يحنث إلا بأكل رؤوس (2) بهيمة الأنعام خاصة، وعزى الأولى (3) إلى الخرقي (4)، وفي "الترغيب" ذكر الوجه الثاني: إنه لا يحنث إلا بأكل رأس يباع مفردًا للأكل عادة، قال: فإن جرت عادة قوم بإفراد (5) رؤوس الظباء حنث به في ذلك المكان.

= بالعرف إذا كان اللفظ مهجورًا ثابثٌ بلا خلاف بين العلماء.

والصورة الثانية: أن لا يكون مهجورًا، ولكن الغالب ألّا يذكر إلا مقيدًا، وإن لم يكن مهجورًا بالكلية؛ فهذا أيضًا لا يكون العموم شاملًا له بغير خلاف نعلمه، كذا قال المؤلف، فلو قال قائل: واللَّه؛ لا آكل تمرًا؛ فهل يدخل فيه التمر الهندي؟

لا يدخل؛ لأنه في الغالب لا يذكر إلا مقيدًا، والنوع الثاني من هذه الصورة ما يطلق عليه الاسم العام، لكن الأكثر ألّا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة. (ع).

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

في المطبوع و (ج): "رأس".

(3)

في (أ) و (ب): "الأول".

(4)

انظره مع: "المغني"(10/ 56/ 8150).

(5)

في المطبوع و (ج): "بأكل".

ص: 557

وفي غيره (1) وجهان، مأخذهما: هل الاعتبار بأصل العادة أو عادة الحالف؟ انتهى (2).

- (ومنها): لو حلف لا يأكل البيض؛ فهو على الوجهين أيضًا؛ فيحنث عند القاضي بأكل بيض السمك وغيره، ولا يحنث عند أبي الخطاب إلا بأكل بيض يزايل بايضه في حياته، وزعم صاحب "الكافي" أن التخصيص هنا إنما [جاء من](3) إضافة الأكل إلى الرؤوس والبيض، حيث كانت العادة تخص (4) بعض أنواعهما (5)، وظاهر (6) كلامه أنه لو علق حكمًا سوى الأكل؛ لعم بغير خلاف، وفيه نظر (7).

- (ومنها): لو حلف: لا يأكل اللحم، فأكل لحم السمك؛ ففيه وجهان أيضًا، وقال أحمد في "رواية صالح": هو على نيته (8)، قال القاضي: معناه إن نوى لحمًا بعينه؛ لم يحنث بأكل غيره مع الإطلاق، وهو قول

(1) في المطبوع: "وغير".

(2)

والصواب أن المعتبر عادة الحالف؛ لأن الإِنسان لا يحمل عادة قوم لا يعرفهم.

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كان".

(4)

في المطبوع: "تختص".

(5)

في المطبوع: "أنواعها".

وانظر: "الكافي"(4/ 398) لابن قدامة رحمه الله.

(6)

في (ب): "فظاهر".

(7)

العرف على أن البيض هو بيض الدجاج فقط، فلو قال قائل: أفطرنا عند فلان وأكلنا طبق بيض؛ لم ينصرف العرف إلّا إلى بيض الدجاج. (ع).

(8)

نص كلام أحمد رحمه الله في "مسائل صالح"(2/ 197/ 763): "يكون ذلك عندي على قدر نيته".

ص: 558

الخرقي (1)، وقال ابن أبي موسى: لا يحنث مع الإِطلاق، وإنما يحنث (2) بإدخاله بالنية، ولعله ظاهر كلام أحمد (3).

- (ومنها): لو حلف لا يدخل بيتًا، فدخل مسجدًا أو حمامًا؛ فالمنصوص في "رواية مُهَنَّأ" أنه يحنث، وأنه لا يرجع في ذلك إلى نيته (4)، واستدل بأن المسجد والحمام يسمى بيتًا في الكتاب (5) والسنة (6)،

(1) قال الخرقي في (10/ 56/ 8150 - مع "المغني"): "وإذا حلف أن لا يأكل لحمًا، ولم برد لحمًا بعينه، فأكل من لحم الأنعام أو الطيور أو السمك؛ حنث".

(2)

في المطبوع: "يحنف".

(3)

هذا رجل قال: واللَّه؛ لا آكل اللحم؛ فهل يحنث بأكل لحم السمك؟

فيه وجهان، الإمام أحمد يقول: على نيته، وهذا معلوم أن النية مقدمة على كل شيء إذا كان يحتملها اللفظ، ولكن إذا أطلق؛ فهل نقول: لا يدخل لحم السمك إلا بالنية أو نقول: لا يخرج إلا بنية؟ ولو قال قائل: إذا كان هذا الحالف من أهل الشواطئ؛ دخل لحم السمك وإن لم يكن من أهل الشواطئ لم يدخل؛ فلو قيل بهذا؛ لكان جيدًا؛ لأن أهل الشواطئ جرت العادة أن لحم السمك يباع عندهم بكثرة، على خلاف غيرهم. (ع).

(4)

في المطبوع: "نية".

(5)

في المطبوع: "بيتًا بالكتاب"، ويشير المصنف إلى آياتٍ عديدةٍ، منها قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36].

(6)

تسمية الحمام بيتًا ورد في السنة، وفي أحاديث عدّة، أقواها:

ما أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 362)، والدولابي في "الكنى"(2/ 134)، والطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 255/ رقم 652)، والخطيب في "الموضح"(1/ 360)، عن أبي صخر -واسمه حميد بن زياد-، عن يحنُس أبي موسى، عن أم الدرداء؛ قالت:"خرجتُ من الحمام، فلقيني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام. فقال: والذي نفسي بيده؛ ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها؛ إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن". لفظ أحمد. =

ص: 559

وهذا] (1) يخالف نصه في "رواية صالح"(2) في لحم السمك؛ فيخرج له في المسألتين (3) روايتان.

وخرج (4) الأصحاب في هذا وجهًا بعدم الحنث، وخرجه صاحب

= وقواه المنذري، وصحح إسناده شيخنا الألباني في "آداب الزفاف"(ص 60).

وله طريق آخر عن أم الدرداء سنده ضعيف جدًّا؛ كما قال ابن حجر في "الإصابة"(4/ 295)، فيه زبان بن فائد وسهل بن معاذ، كلاهما ضعيف، خرجته بإسهابٍ في تعليقي على "من وافقت كنيتة كنية زوجه من الصحابة"(ص 55 - 56).

وللحديث شاهد عن عائشة مرفوعًا.

أخرجه أبو داود في "السنن"(رقم 4010)، والترمذي في "الجامع"(رقم 2803)، وابن ماجه في "السنن"(رقم 3750)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 294/ رقم 1132)، وأحمد في "المسند"(6/ 41، 173، 199، 267، 362)، والطيالسي في "المسند"(1/ 62 - مع "المنحة")، والدارمي في "السنن"(2/ 281)، وابن المنذر في "الأوسط"(2/ 123 - 124/ رقم 660)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 288 - 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 308) وفي "الآداب"(رقم 846)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 58)؛ عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي المليح الهذلي:"أن نساءً من أهل حمص أو من الشام دخلن على عائشة. . . "؛ فذكرت نحوه مرفوعًا.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، ونقل صاحب "عون المعبود" (11/ 47) عن الشوكاني قوله:"رجاله رجال الصحيح"، وقال المعلِّمي في تعليقه على "الموضح" (1/ 362):"إسناده صحيح".

(1)

إلى هنا كله ساقط من (ج)، وقد سبقت الإشارة بعد القاعدة (120).

(2)

انظر: "مسائل صالح"(2/ 197/ 763)، ومضى نصها قريبًا.

(3)

في المطبوع: "المسألة".

(4)

قوله: "يُخرج" معنى التخريج؛ أي: في المسألة الأولى مسألة السمك؛ قال: هو على نيته، وهنا قال: لا عبرة بنيته؛ فنخرج روايتين: رواية في المسألة الأولى وهي ألا =

ص: 560

"المحرر" من نصه الآتي فيمن حلف بصدقة ماله أنه يختص بما يسمى عنده مالًا (1)، وكذا الخلاف لو حلف لا يركب فركب سفينة.

- (ومنها): لو حلف: لا يشم الريحان، فقال القاضي: تختص يمينه بالفارسي؛ لأنه المسمى بالريحان عرفًا، وقال أبو الخطاب وغيره: يحنث بكل نبت له رائحة طيبة لأنه ريحان حقيقة، وهذا يعاكس قولهما في مسألة الرؤوس والبيض.

- (ومنها): لو حلف: لا يأكل لحم بقر؛ فهل يحنث بأكل [لحم](2) بقر الوحش؟

على وجهين ذكرهما في "الترغيب"، وخرجهما من وجهين، حكاهما فيما إذا حلف لا يركب حمارًا فركب حمارًا وحشيًا؛ هل يحنث أم لا؟

والخلاف ها هنا يقرب أخذه من مسألة وجوب الزكاة في بقر الوحش والحنث في مسألة الركوب أضعف؛ لأن الركوب إنما يراد به الحمار الأهلي، [وشبيه بهذا](3) الخلاف لأصحابنا في مرور الحمار الوحشي بين يدي المصلي؛ هل يقطع صلاته أم لا؟

وقد حكاه أبو البقاء في "شرح الهداية"(4).

= يرجع إلى النية، ورواية في الثانية، وهي أن يُرجع إلى النية؛ فالتخريج أن تنقل الرواية إلى المسألة التي فيها الرواية الثانية. (ع).

(1)

انظر: "المحرر"(2/ 79).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "ويشبه هذا".

(4)

الصواب أن الحمار الوحشي لا يقطع الصلاة؛ لأن الكلام على المعهود =

ص: 561

- (ومنها): لو حلف: لا يتكلم، فقرأ أو سبح؛ هل يحنث أو لا (1)؟

المشهور أنه لا يحنث، وتوقف أحمد [فيه](2) في رواية (3).

= المعرفي، وهو الحمار الأهلي. (ع).

(1)

في (ج): "أم لا".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ج).

(3)

هذه مسألة مهمة جدًّا، فإذا حلف ألا يتكلم ثم سبح أو قرأ القرآن؛ فهل يكون متكلمًا؟

المذهب لا، وأحمد توقف في هذا، والصواب أن يقال: إن فيه تفصيلًا، فإذا أراد من عدم الكلام أنه لا ينطق بشيء دخل في ذلك التسبح، وإن أراد ألّا يكلم الكلام المعهود، فهو الذي يكون مع الناس، فإذا قال قائل: على أي شيء يحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية: "أمرنا ألّا نصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم"؛ فهل يشمل هذا التسبيح، ونقول: الرجل إذا صلى الفريضة وسبح وهلل؛ فإن له أن يتطوع بعد ذلك، أو لا بد أن يتكلم مع الناس؟

فإن قلنا: إن الكلام يطلق على التسبيح والذكر؛ قلنا: هذا الرجل تكلم، وإن قلنا: لا؛ قلنا: إن هذا الرجل لم يتكلم؛ فالظاهر أنه يحصل التمييز بين الفرض والسنة بالتسبح ونحوه؛ لأن هذا التسبيح يدل على الخروج من الصلاة، ويتميز بين الصلاة الأولى والثانية؛ وإن كان الكلام مع الناس أبين وأوضح، ويدل لذلك على أن الكلام يشمل حتى التسبح قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"؛ فدل على وجود كلام آخر، أي: غير التكلم معهم، وهو التسبيح وقراءة القرآن. (ع).

قلت: أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، 1/ 381/ رقم 537)، وأحمد في "المسند"(5/ 448 و 449)، وأبو داود في "سننه"(كتاب الصلاة، باب تشميت العاطس في الصلاة، 1/ 243/ 931)، والنسائي في "سننه"(كتاب الصلاة، باب الكلام في الصلاة، 3/ 18/ 1218)، وغيرهم؛ من حديث معاوية بن الحكم السلمي.

ص: 562

- (ومنها): لو حلف بعتق عبيده، أو أعتقهم منجزًا؛ فقال الخرقي (1) وأبو بكر: يتناول القن والمدبر والمكاتب وأم الولد وأشقاصه (2)، وزاد القاضي: عبيد عبده التاجر، ونص عليه أحمد في المكاتب في "رواية ابن منصور"، وخرج القاضي رواية بعدم دخول المكاتبين بدون نية من "رواية مهنا" في الأشقاص: إنهم لا يدخلون في عتق المماليك؛ إلا أن ينويهم، ومأخذه أنهم خارجون من اسم (3) الرقيق والمملوك عرفًا، ولو قيل:[إن](4) أم الولد كذلك؛ لم يبعد (5).

- (ومنها): لو حلف بصدقة ماله، وأراد البر أو نذره نذر تبرر (6)؛ فإنه يتصدق بثلث جميع أمواله (7) عند الأصحاب، ونقل الأثرم عن أحمد أنه

(1) في "مختصره"(9/ 409/ 7985 - مع "المغني").

(2)

انظر: "المغني"(9/ 9 - 4/ 7985).

(3)

في المطبوع و (ج): "مسمى".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

لو حلف أو أعتق عبيده يتناول القِنّ، أي المملوك ملكًا تامًّا بدون شريك، ويتناول المدبر، وهو الذي عُلِّق عتقه بالموت، فقال سيده: إذا متُّ؛ فإن عبدي فلان حُرّ، والمكاتب هو الذي اشترى نفسه من سيده وأم الولد هي التي أتت من سيدها بولد وأشقاص؛ أي: يملك من هذا العبد نصفه، ومن هذا ربعه، ومن هذا ثلثه، وهكذا، فإذا قال: أعتقت عبيدي؛ فإنه يشمل القِنّ والمدبر والمكاتب وأم الولد والأشقاص أيضًا، والوجه الثاني: أن لا يدخل فيه إلا القِنّ الخالص الذي ليس فيه شريك؛ لأن هذا هو المعهود، وأم الولد والمكاتب والمدبر والشقص ما يطرأون على باله، ولكن الأخذ بالعموم أولى إلّا أن يخرجهم بنيته. (ع).

(6)

سيأتي شرحه إن شاء اللَّه تعالى.

(7)

في المطبوع و (ج): "ماله".

ص: 563

سئل: هل الثلث من الصامت خاصة أو من (1) جميع ما يملك؟ فقال: ذلك على قدر ما نوى وعلى قدر مخرج يمينه، والأموال عند الناس تختلف، الأعراب يسمون الإبل والغنم الأموال، وغيرهم يسمى الصامت، وغيرهم الأرضين، فلو أن أعرابيًا قال: ما لي صدقة؛ أليس كنا نأخذه بإبله أو نحو هذا؟ قال القاضي في "خلافه": فظاهر هذا أنه يرجع إلى نيته في ذلك، فإن أطلق؛ يرجع إلى عُرف الإطلاق عند الناذر (2)، وقال أحمد أيضًا في "رواية صالح": إذا قال: جاريتي حرة إن لم أصنع كذا وكذا؛ قال ابن عمر وابن عباس: تعتق، وإذا قال: مالي في المساكين؛ لم يدخل فيه جاريته (3).

(1) في (ج): "أم من".

(2)

في المطبوع و (ج): "النادر".

(3)

المسألة في "مسائل صالح"(2/ 484 - 485/ 1209).

وأثر ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8/ رقم 15998) -ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 68) - عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن عثمان بن أبي حاضر؛ قال:"حلفت امرأة من أهل في أصبح، فقالت: مالي في سبيل اللَّه، وجاريتها حرة إن لم يفعل كذا وكذا شيء كرهه زوجها، فحلف زوجها أن لا يفعله، فسئل عن ذلك ابن عمر وابن عباس؛ فقالا: أما الجارية؛ فتعتق، وأما قولها: مالي في سبيل اللَّه؛ فتصدق بزكاة مالها".

وعثمان بن حاضر، وقيل: ابن أبي حاضر -وهو وهم- وثقه أبو زرعة وابن حبان (5/ 156)، وجهله أبو حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ رقم 1652) وابن حزم في "المحلى"(7/ 110)، وقال ابن حجر في "التقريب":"صدوق"، وقال البيهقي عقبه:"كذا في هذه الرواية، وقد رُوِّيناهُ عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ما دل على جواز التكفير، واللَّه أعلم".

ص: 564

قال القاضي: وظاهر (1) هذا أن الأمة لا تدخل في عموم المال. قال: والمذهب التعميم، والعجب أنه لم يحك بالتعميم عن أحمد نصًّا صريحًا، ولا ظاهرًا (2).

- (ومنها): لو حلف لا مال له، وله مال غير زكوي؛ فقال الأصحاب: يحنث. وأخذوه من المسألة التي قبلها، قال ابن الزاغوني في "الإِقناع": وظاهر كلام أحمد أنه لا يحنث؛ لأنه قال في "رواية الحربي"(3): نحن لا نعد الدار والثياب والخادم مالًا.

(1) في المطبوع و (ب): "فظاهر".

(2)

لو قال: للَّه عليّ أن أتصدق بثلث مالي؛ فهل يشمل هذا الصامت وغير الصامت؟

يقول الإمام أحمد: يرجع في ذلك إلى نيته؛ لأن الأموال عند الناس تختلف؛ فالمال عند صاحب الإبل هي الإِبل، وعند صاحب الغنم هي الغنم، وعند أصحاب العقار هي العقار، وعند أصحاب التجارة هي عروض التجارة، وهكذا؛ فيرجع في ذلك إلى نيته، وقول المؤلف نذر تَبَرُّر؛ أي: الذي قصد به الطاعة؛ لأن النذر قد يكون نذر منع، كان يقول: للَّه عليّ إن كلمت فلانًا أن أتصدق بثلث مالي؛ فهذا لا يلزمه أن يتصدق بثلث ماله، بل نقول: إن شئت تصدقت أو كفرت كفارة يمين، ولو قال: إن لبست هذا الثوب للَّه عليّ أن أتصدق بجميع ثيابي؛ فهذا نذر منع لا يلزمه أن يتصدق بجميع ثيابه، ويكفر كفارة يمين، ولو قال: إن آتني اللَّه مالًا للَّه عليّ أن أتصدق بثلثه؛ فهذا نذر تبرر؛ فيتصدق، فنذر التبرر ما قصد به البر والطاعة، وغير التبرر ما لم يقصد به ذلك. (ع).

قلت: انظر في المسألة: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(35/ 253 - 254، 257)، و"الإنصاف"(11/ 119 - 120)، و"المغني"(11/ 194 - 196 - مع "الشرح الكبير").

(3)

سيأتي التعريف به في التعليق على (ص 362).

ص: 565

(القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة)(1)

يخص العموم بالعادة على المنصوص (2).

وذلك في مسائل:

- (منها): لو وصى لأقربائه أو أهل بيته؛ قال أحمد في "رواية ابن القاسم": إذا قال: لأهل بيتي أو قرابتي، فهو على ما يعرف من مذهب الرجل إن كان يصل عمته وخالته، ونقل سندي نحوه، وقال في "رواية صالح" في الوصية لأهل بيته: ينظر من كان يصل من أهل بيته من قِبَلِ أبيه وأمه، فإن كان لا يصل قرابته من قبل أمه؛ فأهل بيته من قبل أبيه (3).

(1) من هنا وترقيم القواعد في (ج) ينقص عددًا؛ فهذه القاعدة هي الحادية والعشرون بعد المئة.

(2)

وبعضهم يذكرها بلفظ: "استعمال الناس حُجّة يجب العمل بها".

انظر: "المدخل الفقهي"(رقم 605) ، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 388)، والتعليق على القاعدة السابقة.

(3)

هذه الرواية هي من "مسائل عبد اللَّه"(385/ 1397)، وهذا نصُّها:"حدثنا؛ قال: سمعت أبي وقد سُئل عن رجل أوصى بثلث لقرابته: مَنْ قرابته؟ قال: إن كان يصل قرابته من قبل أبيه ومن قبل أمه؛ فإنهم جميعًا يدخلون في الوصية، وإن كان لا يصل قرابته من قبل أمه؛ فقرابته من قبل أبيه، لا يجاوز بالقرابة أربعة آباء".

قلت: وعلل قوله: "لا يجاوز بالقرابة أربعة آباء" في "مسائل ابن هانئ" (2/ 52 =

ص: 566

واختلف الأصحاب في حكاية هذه الرواية على طريقين:

أحدهما: أنها رواية ثالثة في قرائب (1) الأم [خاصة](2) أنهم لا يدخلون في الوصية؛ إلا إن كان يصلهم في حياته، وهذه طريقة القاضي في "المجرد".

والطريق الثاني: إنها هي المذهب، وإن الاعتبار بمن كان يصله في حياته بكل حال؛ فإن لم تكن له عادة بالصلة؛ فهي لقرابة الأب، وهي طريقة القاضي في "خلافه".

ونقل عن أحمد: أنه لا اعتبار بالصلة، قال في "رواية ابن منصور" في رجل وصى (3) في فقراء أهل بيته وله قرابة في بغداد وقرابة في بلاده وكان يصل في حياته الذين ببغداد؛ قال: يعطى هؤلاء الحضور والذين في بلاده. وكذلك نقل عبد اللَّه (4)، قال ابو حفص البرمكي: هذا قول آخر لا

=/ 1395) بقوله: "والحجة في الأربعة آباء: إن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وولد عبد مناف، ولم يجز به عبد مناف، وقد كان له قرابة غيرها، ولا من قريش".

أما نص رواية صالح؛ ففي "مسائله"(2/ 277 - 279/ 885): "قلت: الرجل يوصي لأهل بيته، أو لقرابته، أو لجنسه، من هم؟ فإن مات بعضهم بعد الميت قبل أن تقسم الوصية؛ أيكون له وصية؟ قال: أما القرابة؛ فلا يجاوز بهم أربعة آباء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسَّم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، ولم يعد به هؤلاء، وقد وجب لكل من أوصى له إذا كان حيًّا يوم يوصي له".

(1)

في المطبوع و (ب): "قرابة".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في (ج): "أوصى".

(4)

انظر: "مسائل عبد اللَّه"(388 - 389/ 1407).

ص: 567

يعتبر بمن كان يصل في حياته. قلت: ويحتمل أن يقال: منع الصلة ها هنا لمن ليس ببغداد قد علم سببه، وهو تعذر الصلة للبعد، والكلام إنما هو فيما تركه مع قدرته (1) عليه، قال القاضي: ويشهد لرواية ابن منصور ما روى عبد اللَّه عنه في رجل وصى بصدقة في أطراف بغداد، وقد كان ربما تصدق في بعض الأرباض وهو حي، قال: يتصدق عنه في أبواب بغداد كلها (2).

- (ومنها): لو وصى لقرابة غيره وكان يصل بعضهم، أو وصى للفقهاء أو للفقراء (3) وكان يصل بعضهم؛ قال القاضي في "خلافه": لا رواية فيه، ولا يمتنع أن [نقول فيه ما نقوله](4) في أقارب نفسه.

- (ومنها): لو وقف على بعض أولاده وسماهم، ثم على أولاد أولاده (5)؛ فهل يختص البطن الثاني بأولاد المُسَمِّينَ أولًا، أو يشمل جميع ولد ولده؟

نص أحمد في "رواية حرب" على أنه يشمل جميع ولد الولد.

ويتخرج وجه آخر بالاختصاص بولد من وقف عليهم اعتبارًا بآبائهم؛ فإن هذه عطية واحدة؛ فحمل بعضها على بعض أقرب من حمل الوصية على العطية في الحياة، وهذا النص هو قوله في "رواية حرب" في رجل له

(1) في المطبوع و (ج): "القدرة".

(2)

انظر: "مسائل عبد اللَّه"(388/ 1406).

(3)

في (ج): "وصى للفقهاء بشيء وللفقراء".

(4)

في (ب): "يقول فيه ما يقول".

(5)

في (ج): "أولاد أولادهم"! والصواب ما أثبتناه.

ص: 568

وُلد صغار خاف عليهم الضيعة، فأوقف (1) ماله على ولده، وكتب كتابًا، وقال: هذا صدقة على ولده فلان وفلان، وسماهم (2)، ثم قال: وولد ولده وله ولد غير هؤلاء، قال: هم شركاء.

فحمله الشيخان [صاحبا "المغني" و"المحرر"](3) على ما قلنا (4)، وتبويب الخلال يدل عليه (5)، وقد يقال: إنما عم البطن الثاني ولد الولد؛ لأن تخصيص البطن الأول بالصغار كان لخوفه عليهم الضيعة، وهذا المعنى مفقود في البطن الثاني؛ فلذلك اشترك (6) فيه أولاد الأولاد كلهم.

وحمله القاضي وابن عقيل على أن البطن الأول يشترك فيه [الولد](7) المسمَّون وغيرهم أخذًا من عموم قوله: صدقة على ولده وتخصيص بعضهم بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم؛ كقوله (8): {وَمَلَائِكَتِهِ [وَرُسُلِهِ] (9) وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (10)، وهذا فاسد؛ لأن الآية فيها عطف نسق

(1) في (ب): "فإن وقف".

(2)

في المطبوع: "سماهم" من غير واو.

(3)

في المطبوع: "صاحب "المغني" وصاحب "المحرر"".

(4)

انظر: "المغني"(5/ 357 - 359/ 4389)، و"المحرر"(1/ 382).

(5)

انظر: "الوقوف والترجُّل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل"(57/ 22) لخلال.

(6)

في المطبوع: "أشرك".

(7)

في المطبوع: "ولد"، وفي (ج):"البطن".

(8)

كذا في (ج)، وفي المطبوع و (أ) و (ب):"لقوله".

(9)

ما بين المعقوفتين سقط من المخطوطات والمطبوع.

(10)

البقرة: 98.

ص: 569

بالواو، وها هنا (1) إما عطف بيان أو بدل، وأيهما كان فيقتضي التخصيص بالحكم؛ لأن عطف البيان موضح لمتبوعه ومطابق (2) له، وإلا؛ لم يكن بيانًا، والبدل هو الواسطة المقصود بالحكم؛ فيتعين (3) التخصيص به.

[ولهذا لو قال من له أربع زوجات: زوجتي فلانة طالق؛ لم تطلق الثلاث البواقي، أو قال من له عبيد: عبدي فلان حر؛ لم يعتق من عداه بغير خلاف](4).

-[(ومنها): لو استأجر أجيرًا يعمل له مدة معينة حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره بغير خلاف](5).

- (ومنها): لو حلف: لا يأكل من هذه الشجرة؛ اختصت يمينه بما يؤكل منها عادة، وهو الثمر دون ما لا يؤكل [عادة](6)؛ كالورق والخشب.

* * *

(1) في (ج): "بالواو وهنا".

(2)

في (ج): "مطابق" من غير واو.

(3)

في المطبوع: "فيعين".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ) و (ب).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 570

(القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئة)

ويخص العموم بالشرع أيضًا على الصحيح.

في مسائل:

- (منها): إذا نذر صوم الدهر؛ لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيام السنة أو ما يجب صومه شرعًا؛ كرمضان على أصح الروايتين.

- (ومنها): لو حلف لا يأكل لحمًا؛ لم يتناول يمينه اللحم المحرم [شرعًا](1) على أحد الوجهين.

- (ومنها): لو وصى لأقاربه؛ لم يدخل فيهم الوارثون في أحد الوجهين، حكاهما في "الترغيب"، وظاهر [كلام القاضي](2) الدخول، وظاهر كلام ابن أبي موسى وابن عقيل خلافه.

- (ومنها): لو وكله في أن يطلق زوجته؛ فهل يدخل فيه الطلاق المحرم؟

على وجهين، ذكرهما ابن عقيل وصاحب "المحرر"(3).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كلامه".

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 349).

ص: 571

- (ومنها): لو نذر اعتكاف شهر متتابع؛ فله أن يعتكف في غير الجامع، ويخرج إلى الجمعة؛ لاستثنائها بالشرع، وفيه وجه لا يجوز الاعتكاف في غير الجامع، والأول المذهب، كما أنه لا ينقطع الصيام (1) المتتابع بصوم رمضان ولا فطر أيام النهي.

* * *

(1) في المطبوع: "لا ينقطع في الصيام".

ص: 572

(القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة)

هل نخص (1) اللفظ العام بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له؟

فيه وجهان:

أحدهما: لا يخص به، بل يقضي بعموم اللفظ، وهو اختيار القاضي في "الخلاف" والآمدي وأبي الفتح الحلواني وأبي الخطاب وغيرهم، وأخذوه من نص أحمد في "رواية علي بن سعيد" فيمن حلف: لا يصطاد من نهر لظلم رآه فيه، ثم زال الظلم؛ قال [أحمد] (2): النذر يوفى به.

وكذلك أخذوه من قاعدة المذهب فيمن حلف لا يكلم هذا الصبي، فصار شيخًا: أنه يحنث بتكليمه تغليبًا للتعيين على الوصف (3). قالوا: والسبب والقرينة عندنا تعم الخاص ولا تخصص العام.

والوجه الثاني: لا يحنث، وهو الصحيح عند صاحبي ["المحرر"

(1) في (ج): "يختص"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

(2)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(3)

حكى ابن عقيل عن أحمد؛ أنه قال: "إذا حلف: لا دخلتُ هذا الحمام، فصار مسجدًا ودخله، أوْ: لا أكلتُ لحم هذا الجدي، فصار تيسًا، أو هذا التمر، فاستحال ناطفًا أو خلًّا؛ حنث بأكله".

انظر: كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 168 - 169).

ص: 573

و"المغني"] (1)، لكن صاحب "المحرر" استثنى صورة النهر وما أشبهها كمن حلف لا يدخل بلدًا لظلم رآه فيه، ثم زال.

وصاحب "المغني" عدَّى (2) الخلاف إليها ورجحه ابن عقيل في "عُمَدِ الأدلة"، وقال: هو قياس المذهب؛ لأن المذهب أن الصفة لا تنحل بالفعل حالة البينونة؛ لأن اليمين بمقتضى دلالة الحال تقتضي التخصيص بحالة الزوجية دون غيرها، وكذلك جزم به القاضي في موضع من "المجرد"، واختاره الشيخ تقي الدين، وفرق بينه ويين مسألة النهر المنصوصة بأن نص أحمد إنما هو في النذر والناذر، إذا قصد التقرب بنذره؛ لزمه الوفاء [به](3) مطلقًا، كما منع المهاجرون من العود إلى ديارهم التي تركوها للَّه (4) وإن زال المعنى الذي (5) تركوها لأجله؛ فإن تُرك [شيء للَّه؛

(1) في المطبوع: ""المغني" و"المحرر" و".

وانظر: "المحرر"(2/ 76، 77)، و"المغني"(10/ 48).

(2)

في المطبوع و (ج): "عزى".

(3)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(5)

في (ج): "التي"!

(4)

أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب مناقب الأنصار، باب إقامة المهاجر بمكّة بعد قضاء نُسُكه، رقم 3933)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الحج، باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر مها بعد فراغ الحج والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة، رقم 1352)؛ عن العلاء بن الحضرمي؛ قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "للمهاجر إقامة ثلاثٍ بعد الصَّدْر بمكة" كأنه يقول: لا يزيد عليها. لفظ مسلم.

قال ابن حجر في "الفتح"(7/ 267): "وفقه هذا الحديث: إن الإقامة بمكة كانت حرامًا على من هاجر منها في الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، ولهذا رثى النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة، =

ص: 574

يمنع العود فيه] (1) مطلقًا، وإن كان لسبب (2) قد يتغير، ولهذا نهى المتصدق أن يشتري صدقته (3)، وهذا أحسن، وقد يكون جده صاحب "المحرر"

= ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر، وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين، ولا معنى لتقيده بالأولين، قال النووي: معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم علهم استيطان مكة، وحكى عياض أنه قول الجمهور؛ قال: وأجازه لهم جماعة (يعني: بعد الفتح)؛ فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه؛ قال: واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سكنى المدينة كان واجبًا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس، وأما غير المهاجرين؛ فيجوز له سكنى أي بلد أراد، سواء مكة وغيرها بالاتفاق. انتهى كلام القاضي، ويستثنى من ذلك من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة في غير المدينة".

(1)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "شيئًا للَّه؛ يمتنع فيه العود"، وفي (ج):"الشيء للَّه يمنع العود فيها".

(2)

في المطبوع: "بسبب".

وانظر: "العلل"(رقم 646) لابن أبي حاتم.

(3)

أخرج البخاري في "صحيحه"(كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى المتصدِّق خاصةً عن الشّراء ولم ينه غيره، رقم 1489): أن عمر بن الخطاب تصدَّق بفرسٍ في سبيل اللَّه، فوجده يُباعُ، فأراد أن يشتريه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره؛ فقال:"لا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ". فبذلك كان ابنُ عمر رضي الله عنهما لا يَتْرُكُ أن يبتاع شيئًا تصدَّق به إلا جعله صَدَقةٌ.

وأخرجه البخاري في "صحيحه"(كتاب الهبة، باب لا يحل لأحدٍ أن يرجع في هبته وصدقته، رقم 2263، وباب إذا حمل رجل على فرسٍ فهي كالعمرى والصدقة، رقم 2636، وكتاب الجهاد، باب الجعائل والحلان في السبيل، رقم 2970)، ومسلم في "صحيحه"(كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإِنسان ما تصدَّق به لمن تُصدِّق عليه، رقم 1620)، والنسائي في "المجتبى"(كتاب الزكاة، باب شراء الصّدقة، 5/ 108)، وابن =

ص: 575

لحظ هذا؛ حيث خص صورة النهر بالحنث مع الإِطلاق، بخلاف غيرها [من الصور](1).

وأما مسألة الحلف على العين الموصوفة بالصفة؛ فإن كان ثم سبب يقتضي اختصاص اليمين بحال بقاء الصفة؛ لم يحنث بالكلام بعد زوالها، صرح به في "الكافي"(2) و"المحرر"(3)؛ فهي كمسألتنا.

ويتفرع على هذه القاعدة مسائل:

- (منها): لو دعى إلى غداء، فحلف لا يتغدى؛ فهل يحنث بغداء غير ذلك المحلوف بسببه؟

على الوجهين (4)، وجزم القاضي في "الكفاية" وصاحب "المحرر" بعدم الحنث (5).

- (ومنها): لو حلف لا رأيت منكرًا إلا رفعته إلى فلان القاضي،

= ماجه في "السنن"(كتاب الأحكام، باب الرجوع في الصدقة، 2/ 799 - رقم 2390)، ومالك في "الموطأ"(رقم 168، 214 - رواية القاسم)، وأحمد في "المسند"(1/ 25، 37، 40)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(رقم 10502)، والطبراني في "الأوسط"(2/ رقم 1303)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ رقم 2371، 2372، 2273 و 3/ رقم 4045). وانظر: "العلل"(رقم 646) لابن أبي حاتم.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وانظر:"المحرر"(2/ 82).

(2)

انظر: "الكافي"(4/ 396 - 397).

(3)

انظر: "المحرر"(2/ 78 - 79).

(4)

في المطبوع: "وجهين".

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 78 - 79).

ص: 576

فعزل؛ فهل تنحل يمينه؟

على الوجهين (1).

وفي "الترغيب": إن كان السبب أو القرائن تقتضي حالة الولاية؛ اختص بها وإن كانت تقتضي الرفع إليه بعينه، مثل أن يكون مرتكب المنكر قرابة الوالي مثلًا وقصد إعلامه بذلك؛ لأجل قرابته، وذكر الولاية تعريفًا تناول (2) اليمين حال الولاية والعزل، وإن لم يكن (3) دلالة بحال؛ فهل يبر برفعه إليه بعد العزل ويحنث بتركه؟

على وجهين، فإن كانت يمينه رفعه إلى الوالي (4) من غير تعيين؛ فهل يتعين المنصوب (5) في الحال، أم يبرأ بالرفع إلى كل من ينصب بعده؟

على وجهين؛ لتردد الألف واللام بين تعريف العهد والجنس، ولو علم بمنكر بعد علم الوالي احتمل وجهين:

أحدهما: أن البر قد فات؛ كما لو رآه معه.

والثاني: لم يفت؛ لأن صورة الرفع ممكنة، ثم على الوجه الأول يخرج على ما إذا تبدد الماء الذي في الكوز بعد حلفه على شربه أو أبرأه من الدين بعد حلفه على قضائه، وفيه وجهان. انتهى.

(1) في المطبوع: "وجهين".

(2)

في المطبوع: "تتناول".

(3)

في (ج): "تكن".

(4)

في (ج): "القاضي".

(5)

في المطبوع: "المنصوص".

ص: 577

فجعل محل الوجهين إذا انتفت القرائن والدلائل بالكلية، ومع دلالة الحال والسبب يختص الرفع بحال (1) الولاية وجهًا واحدًا.

- (ومنها): لو حلف على عبده أو زوجته أو لغريمه لا يخرج إلا بإذنه، ثم باع العبد وطلق الزوجة ووَفىَّ الغريم؛ فهل تنحل يمينه؟

على الوجهين.

- (ومنها): لو قالت له [زوجته](2): تزوجت علي؟ فقال (3): كل امرأة لي طالق، فإن المخاطبة تطلق بذلك، نص عليه في "رواية المروذي" و"ابن هانئ"(4).

وكذلك نقل عنه أبو داود [السجستاني](5) في رجل تزوج امرأة؛ فقيل له: إن لك غيرها؟ فقال: كل امرأة لي طالق. فسكت، [فقيل: إلا فلانة] (6). فقال: إلا فلانة؛ فإني لم أعنها. فأبى أن يفتي فيه (7)، وهذا توقف منه.

وخرج ابن عقيل في "عمد الأدلة" المسألة على روايتين.

(1) في المطبوع و (ب): "بحالة".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "امرأته".

(3)

في المطبوع: "قال".

(4)

انظر: "مسائل ابن هانئ"(2/ 224/ 1090).

(5)

ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(7)

انظر: "مسائل أبي داود"(173 - 174).

ص: 578

(القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة)

النية تعم الخاص وتخصص العام بغير خلاف [فيهما](1)، وهل تقيد المطلق [أو تكون](2) استثناء من النص؟

على وجهين فيهما (3)؛ فهذه أربعة أقسام:

أما القسم الأول؛ فله صور كثيرة:

- (منها): لو حلف على زوجته: لا تركت هذا الصبي يخرج، فخرج بغير اختيارها؛ فنص أحمد في "رواية مُهَنَّأ": إنه [إن](4) نوى أن لا يخرج من الباب فخرج؛ فقد حنث، وإن كان نوى أن لا تدعه (5)؛ لم يحنث لأنها لم تدعه.

- (ومنها): لو قال: إن رأيتك تدخلين هذه الدار؛ فأنت طالق؛ فنص أحمد في "رواية مهنأ" أنه إن أراد أن لا تدخلها بالكلية، فدخلت ولم يرها؛ حنث، وإن كان نوى إذا رآها؛ فلا يحنث حتى يراها تدخلها (6).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج)، وفي المطبوع:"فيها".

(2)

في (ب)"ويكون".

(3)

في المطبوع: "فيها".

(4)

في (ب): "لو".

(5)

في (ب): "أن لا يدعه".

(6)

بعدها في المطبوع: "وقرر القاضي أن هذا اللفظ ونحوه في موضوع في العرف =

ص: 579

- (ومنها): لو حلف [أن](1) لا يضربه، ونوى أن لا يؤلمه؛ حنث بكل ما يؤلمه من خنق وعض وغيرهما، نص عليه.

- (ومنها): لو حلف: لا يكلم امرأته يقصد هجرانها بذلك؛ حنث بوطئها، أومأ إليه أحمد.

- (ومنها): لو طلق امرأته طلقة رجعية وحلف لا راجعتها، وأراد الامتناع من عودها إليه مطلقًا؛ حنث بتزويجها (2) بنكاح جديد بعد البينونة، نص عليه في "رواية ابن منصور".

- ومنها: لو حلف لا يشرب له الماء، ونوى الامتناع من جميع ماله؛ حنث بتناول كل ما يملكه، وقرر القاضي في موضع: أن هذا اللفظ ونحوه موضوع في العرف لعموم الامتناع [من شرب الماء](3)، وكذلك ابن عقيل؛ فعلى هذا لا يحتاج إلى نية العموم، بل إذا أطلق اقتضى الامتناع من شرب الماء فما فوقه خاصةً، وصرح به ابن عقيل.

- (ومنها): لو حلف لا يدخل هذا البيت، يريد هجران قومٍ، فدخل علبهم بيتًا آخر؛ حنث، نص عليه في "رواية محمد بن يحيى

= لعموم الامتناع، وكذلك ابن عقيل، فعلى هذا لا يحتاج إلى نية العموم، بل إذا أطلق اقتضى الامتناع من شرب الماء فما فوقه خاصة، وصرح به ابن عقيل، ومنها: لو حلف لا يدخل. . . ومها لو حلف لا يشرب له الماء

ما يملكه"، والصواب ما أثبتناه، وهو كذلك بخط الحافظ ابن رجب رحمه الله.

(1)

ما بين المعقوفتين ليس في (أ).

(2)

في المطبوع و (ب): "بتزوجها".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 580

الكحال".

- (ومنها): لو حلف على زوجته لا تخرج (1) من بيته لتهنئة ولا تعزية، ونوى أن لا تخرج أصلًا؛ هل يحنث بخروجها لغير تهنئة أو تعزية؟

فذكر القاضي في "بعض تعاليقه": أنه توقف فيها، وأن القاضي أبا الطيب الطبري من الشافعية قال له: مقتضى مذهبكم أنه لا يحنث؛ لأن الغرض يختلف في الخروج، ولا يوجد المقصود في كل خروج، بخلاف ما إذا قصد قطع المنة، فإن المنة توجد في غير المحلوف عليه.

قلت: والصواب الجزم بالحنث ها هنا مطلقًا، وعليه يدل نص أحمد في المسألتين الأولتين المذكورتين ها هنا، ولا يشبه هذا ما لو حلف لا يلبس من غزلها، يقصد (2) قطع المنة؛ فإنه لا يحنث بالانتفاع بغير الغزل وثمنه من أموالها [عند بعض الأصحاب](3)؛ لأن العموم هناك يستفاد (4) من السبب، وهنا يستفاد (4) من النية؛ فهو أبلغ.

وأما القسم الثاني؛ فصوره كثيرة جدًّا:

- (فمنها)(5): أن يقول: نسائي [طوالق](6). ويستثني بقلبه واحدة، أو يحلف لا يسلم على زيد؛ فسلم على جماعة هو فيهم، ويستثنيه بقلبه،

(1) في المطبوع و (ج): "لا خرجت".

(2)

في (ج): "يريد".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ).

(4)

في (ج): "مستفاد".

(5)

في المطبوع و (ب): "منها".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

ص: 581

ووقع في كلام القاضي وابن عقيل في هذه المسألة ما يقتضي حكاية روايتين في حنثة في مسألة السلام، وتأوله صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" على أن المراد هل يقبل (1) منه دعوى إرادة ذلك أم لا؟

قال: وقد صرحا بذلك في موضع آخر من كتابيهما، ولو حلف لا يدخل على فلان بيتًا، فدخل بيتًا هو فيه مع جماعة ونوى بدخوله غيره؛ هل يحنث؟

خرجه القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب على وجهين في مسألة السلام، قال صاحب "المحرر": وعندي فيه نظر؛ لأن الدخول فعل حسي لا يتميز، بخلاف السلام (2).

- (ومنها): لو قال لزوجته: إن لبست ثوبًا؛ فأنت طالق، وقال: أردت أحمرًا، وقال: إن لبست [ثوبًا](3)؛ فأنت طالق، ثم قال: أردت ثوبًا أحمر، وقال: إن دخلت الدار؛ فأنت طالق، ثم قال: أردت في هذه السنة؛ فالجمهور من الأصحاب على أنه يدين في ذلك، وفي قبوله في الحكم روايتان، وشذ طائفة؛ فحكوا الخلاف في تديينه في الباطن، منهم الحلواني وابنه، وكذلك وقع في موضع من "مفردات ابن عقيل" في الأيمان، وكذلك وقع للقاضي في "المجرد"، قال صاحب "المحرر": وهو

(1) في (ج): "تقبل".

(2)

نحوه في "المحرر"(2/ 81 - 82).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 582

سهو (1). وذكر (2) القاضي في "كتاب الحيل"(3): إنه إن كان المخصص بالنية ملفوظًا [به](4)؛ صح تخصيصه، وإلا؛ فلا، فلو حلف لا يأكل شيئًا أبدًا، ونوى به اللحم؛ قُبِلَ، وإن حلف لا يأكل، ونوى اللحم لم تنفعه نيته؛ لأنه خصص ما ليس في لفظه.

وحمل [اختلاف](5) كلام أحمد في قبول دعوى خلاف الظاهر في اليمين على اختلاف [هذين الـ](6) حالين، لا على اختلاف قولين.

وذكر [عنه](7) السامري في "فروقه"[وذكر فيها أيضًا:](8): إن المنوي إن كان يرفع مقتضى الحكم بالكلية؛ كالاستثناء بالمشيئة في اليمين باللَّه، أو حيث ينفع؛ لم [يصح](9) بالنية إلا مع الظلم (10).

وقد نص أحمد في "رواية حرب" على صحة استثناء المظلوم في

(1) انظر: "المحرر"(2/ 53).

(2)

في (أ): "وعن".

(3)

للقاضي أبي يعلى "إبطال الحيل"، ذكره ابنه في "طبقات الحنابلة"(2/ 205) وغيره، وعدّه أستاذنا الدكتور محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية"(ص 245) من الكتب المفقودة.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

ما بين المعقوفتين ليس في (ج)، وفي المطبوع:"وحمل حنبل اختلاف".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

ما بين المعقوفتين من (أ) و (ج).

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(9)

في (ج): "تصح".

(10)

انظر: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"(2/ 262).

ص: 583

نفسه بالمشيئة؛ لأنها ترفع الحكم بالكلية؛ فهي كالفسخ (1)؛ فلا [يصح](2) بالنية إلا مع العذر، بخلاف شروط الطلاق ونحوها؛ فإنها تصح بالنية مطلقًا؛ لأنها مخصصة لا رافعة.

وأما القسم الثالث؛ فله صور:

- (منها): إذا نذر الصدقة بمال، ونوى في نفسه قدرًا معينًا؛ فنص أحمد في "رواية أبي داود": أنه لا يلزمه ما نواه (3)، وخرج صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" اللزوم؛ قال: وقد نص أحمد فيمن نذر صومًا أو صلاةً ونوى في نفسه أكثر مما يتناوله اللفظ: إنه يلزمه ما نواه، وهذا مثله. وكذلك رجح ابن عقيل اللزوم فيما نواه (4) في الجميع، وكذلك ذكر صاحب "الكافي": إنه لو حلف ليأكلن لحمًا أو فاكهة، أو ليشربن ماءً، أو ليكلمن رجلًا، أو ليدخلن دارًا، وأراد بيمينه معينًا؛ تعلقت يمينه به دون غيره، وإن نوى الفعل في وقت بعينه، اختص به (5). ولم يذكر فيه خلافًا.

(1) في المطبوع: "فهو كالنسخ"!

(2)

في (ج): "تصح".

(3)

في "مسائل أبي داود"(224)؛ قال: "سمعت أحمد سئل عن رجل؛ قال: إن قدم [في نسخة: فلان] لأتصدقن [وفيها: بمالي]، فنوى في نفسه ألف درهم، فقدم؟ قال: يخرج ما شاء ما يسمى مالًا" اهـ.

(4)

في المطبوع: "نوى".

(5)

انظر: "الكافي"(4/ 390)، وفيه بعد قوله:"أو ليدخلن دارًا": "أو لا يفعل ذلك"، وفيه بعد قوله:"وإن نوى الفعل": "أو الترك"، وفيه بدل "اختص به":"اختص بما نواه".

ص: 584

- (ومنها): لو قال: أنت طالق، ونوى ثلاثًا؛ فهل يلزمه (1) الثلاث، أم لا يقع به أكثر من واحدة؟

على روايتين، وجه القول بلزوم الثلاث: أن طالقًا اسم فاعل، وهو صادق على من قام به الفعل مرة وأكثر، فيكون محتملًا للكثرة، فينصرف إليها بالنية، ورأيت في كتاب "شرح القوافي" (2) لابن جني: إن الأفعال كلها للعموم. وحكاه عن أبي علي، وهو غريب.

وأما إذا قال: ثلاثًا؛ فتطلق ثلاثًا، لكن لنا فيه طريقان:

أحدهما: إن ثلاثًا صفة لمصدر محذوف تقديره طلاقًا ثلاثًا، والمصدر يتضمن العدد.

والثاني: إن ثلاثًا صالح لإيقاع الثلاث من طريق الكناية، وذكر الطلاق يقرر الإيقاع بها كنية الطلاق.

ويتفرع على المأخذين: هل وقع الثلاث بقوله: أنت طالق، أم بقوله: ثلاثًا؟ ولو ماتت مثلًا في حال قوله ثلاثًا؛ هل تقع الثلاث أو واحدة؟

على وجهين، ذكرهما في "الترغيب"، وهذا إنما يتوجه على قولنا: إنه إذا قال: أنت طالق، ونوى ثلاثًا: أنه يقع به الثلاث، أما (3) إن (4) قلنا:

(1) في (ج): "تلزمه".

(2)

اسمه "المعْرِب في شرح القوافي" -وقد يصحَّف في بعض المواطن بـ "المغرب"-، وهو تفسير "قوافي أبي الحسن الأخفش"؛ أفاده ابن جنِّي في "الخصائص"(1/ 85)، وذكرهُ له صاحب "الخزانة"(2/ 331) وغيره.

(3)

في (ج): "وأما" بزيادة واو.

(4)

في المطبوع: "إذا".

ص: 585

لا يقع الثلاث بالنية؛ لم يقع الثلاث إلا بقوله ثلاثًا، بغير خلاف.

- (ومنها): إذا وقع العقد على اسم مطلق، ونوى تعيينه قبل العقد؛ فهل يصح أم لا؟

قد سبق أن لنا (1) في صحة النكاح وجهين إذا قال: زوجتك بنتي، وله بنات، ونويا واحدة معينة، وأن مأخذ البطلان اشتراط الشهادة على النكاح، وهذا يقتضي صحة سائر العقود التي لا يحتاج إلى (2) الشهادة بمثل ذلك.

وصرح صاحب "المحرر"[بأنه](3) إذا اشترى شيئًا بثمن مطلق في الذمة، ونوى نقده من المال المغصوب ونقده منه؛ فهل يكون العقد باطلًا كما لو وقع على عين المغصوب، أو يكون صحيحًا؟

على روايتين.

وإنما خرج الخلاف في تقييد المطلق بالنية دون تخصيص العام بها؛ لأن تخصيص العام نقص فيه (4) وقصر له على بعض مدلوله، وذلك إنما يكون بالنية والإرادة؛ فهي المخصصة [حقيقة](5)، وإنما تسمى الأدلة الدالة على التخصيص مخصصات (6)؛ لدلالتها على الإِرادة المخصصة،

(1) في المطبوع: "لنا أن" بتقديم وتأخير.

(2)

في المطبوع: "التي لا يحتاج فيها إلى".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(4)

كذا في (ب) و (ج)، وفي المطبوع و (أ):"منه".

(5)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(6)

في المطبوع: "تخصيصات".

ص: 586

[وهذا](1) بخلاف تقييد المطلق؛ فإنه زيادة على مدلوله؛ فلا تثبت الزيادة بالنية المجردة، فإن قيل: هذا ينتقض عليكم بتعميم الخاص بالنية؛ فإنه إلزام بزيادة (2) على اللفظ بمجرد النية؛ قيل: الفرق بينهما: إن الخاص إذا أريد به العام؛ كان نصًّا على الحكم في صورة لعلة، فيتعدى (3)[الحكم](1) إلى كل ما وجدت فيه تلك العلة، وهذا غير موجود في المطلق إذا أريد به بعض مقيداته، [واللَّه أعلم](4).

وأما القسم الرابع؛ فله صور:

- (منها): لو قال: أنت طالق ثلاثًا، واستثنى بقلبه إلا واحدة؛ فهل يلزمه الثلاث في الباطن؟

على وجهين:

أحدهما: لا يلزمه (5)، وهو قول أبي الخطاب وصاحبه الحلواني.

والثاني: يقع به الثلاث في الباطن، وهو الذي جزم به السامري في "فروقه"(6) وصاحب "المغني"(7) واختاره صاحب "المحرر"(8)؛ لأن النية

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(2)

في المطبوع: "زيادة".

(3)

في (أ): "تعدى".

(4)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

(5)

في (ج): "لا تلزمه".

(6)

انظر: "إيضاح الدلائل"(2/ 91).

(7)

انظر: "المغني"(7/ 371/ 6016).

(8)

انظر: "المحرر"(2/ 60).

ص: 587

إنما تصرف اللفظ إلى محتمل، ولا احتمال في النص الصريح، إنما الاحتمال في العموم، ويشهد له قول أحمد في "رواية صالح": النية فيما خفي ليس فيما ظهر (1).

- (ومنها): لو قال: نسائي الأربع طوالق، واستثنى بقوله فلانة؛ فهي كالتي قبلها.

- (ومنها): لو قال: كل عبد لي حر، واستثنى بقلبه بعض عبيده؛ فذكر ابن أبي موسى في صحته روايتين، ولكن صحة الاستثناء هنا أظهر، وفي كلام أحمد في مسألة الأشقاص ما يدل عليه؛ لأن كلا، وإن كانت موضوعة لاستغراق ما تضاف إليه (2)؛ إلا أنها من صيغ العموم القابلة للتخصيص في الجملة.

(تنبيه حسن):

فرق الأصحاب بين الإثبات والنفي في الأيمان في مسائل، وقالوا في الإثبات: لا بتعلق البر إلا بتمام المسمى، وفي الحنث يتعلق ببعضه على الصحيح. وقالوا: الأيمان تحمل على عرف الشرع، والشارع إذا نهى عن شيء؛ تعلق النهي بجملته وأبعاضه، وإذا أمر بشيء؛ لم يحصل (3)

(1) في "مسائل صالح"(1/ 476، 477): "سألته عن رجل طلق ثلاثًا، وهو ينوي واحدة؟ قال: هي ثلاث. قلت: طلق واحدة، وهو ينوى ثلاثًا؟ قال: هي واحدة. قال: إنما النية فيما خفي، وليس فيما ظهر".

ونقلها ابنه عبد اللَّه في "مسائله"(373/ 1374)، ونحوها عند أبي داود في "مسائله"(169).

(2)

في المطبوع و (ب): "يضاف"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(3)

في (أ): "يحسن"!

ص: 588

الامتثال بدون الإتيان بكماله.

فأخذ الشيخ تقي الدين من هذا أن اليمين في الإثبات لا تعم، وفي النفي تعم؛ كما عمت أجزاء المحلوف [عليه] (1). قال: وقد ذكر القاضي في موضع من "خلافه": أن السبب يقتضي التعميم في النفي دون الإثبات. قال الشيخ: وهذا قياس المذهب في الأيمان. وقرره بأن المفاسد يجب اجتنابها كلها، بخلاف المصالح؛ فإنه إنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه منها، فإذا (2) وجب تحصيل مصلحة (3)؛ لم يجب تحصيل أخرى مثلها للاستغناء عنها بالأولى.

وكلامه يشمل التعميم بالنية أيضًا؛ حتى ذكر في العلة المنصوصة في كلام الشارع: إنها [إن](4) كانت في تحريم تعدت (5) بالقياس إلى غير المنصوص عليه بالعلة، وإن كانت ايجابًا؛ لم تتعد، وذكر أن هذا قياس (6) المذهب، وحكى عن أبي الخطاب: أنه [لو](7) أوجبت كل يوم أكل السكر لأنه حلو؛ وجب أكل كل حلو. ثم قال: وهذا (8) بعيد، بل الذي يقال: إنه

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(2)

في (أ): "إذا".

(3)

في المطبوع و (ب): "منفعة".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في (أ) و (ج): "تعدى".

(6)

في (أ): "القياس".

(7)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "قال: إن".

(8)

في (أ): "هذا".

ص: 589

يجب كل يوم [أكل شيء](1) من الحلو كائنًا ما كان. قال: وفيه نظر؛ لأنه يبطل إيجاب السكر، وعلى هذا التقدير؛ فلا (2) إشكال في مسألة قول السيد: أعتقت غانمًا لسواده، وأنه لا يعتق عليه كل أسود؛ كما هو قول الجمهور، خلافًا لما ذكره أبو الفتح الحلواني وأبو الخطاب، [واللَّه أعلم](3).

* * *

(1) في (ج): "أكل كل شئ"، والصواب ما أثبتناه.

(2)

في المطبوع: "قع"، وهو خطأ.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب) و (ج).

ص: 590

(القاعدة السادسة والعشرون بعد المئة)

الصور التي لا تقصد من العموم عادةً؛ إما لندورها، أو لاختصاصها بمانع، لكن يشملها اللفظ مع اعتراف المتكلِّم بأنه لم يرد إدخالها فيه؛ هل يحكم بدخولها أم لا؟

في المسألة خلاف، ويترجح في بعض المواضع الدخول وفي بعضها عدمه؛ بحسب قوة القرائن وضعفها.

ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة:

- (منها): إذا قيل [له](1): تزوجت على امرأتك؟ فقال: كل امرأة [لي](1) طالق؛ هل تطلق المرأة المخاطبة أم لا، إذا قال لم أردها؟

وقد سبق أن أحمد نص تارة على أنها تطلق وتوقف فيها أخرى، وخرجها ابن عقيل على روايتين.

- (ومنها): لو قذف أباه إلى آدم وحواء؛ فنص أحمد في "رواية حرب": إن عليه حدًّا واحدًا، ولم يجعله ردة عن الإِسلام؛ لأنه لم يقصد دخول الأنبياء في ذلك، ولا يقصد ذلك مسلم.

وخرج [الشيخ تقي الدين فيه](2) وجهًا آخر: إنه ردة من المسألة

(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "شيخ الإسلام ابن تيمية فيها".

ص: 591

الآتية.

- (ومنها): لو قال: عصيت اللَّه فيما أمرني به؛ هل يكون يمينًا؟

قال القاضي: ليس بيمين؛ لأن المشهور تخصيص المعاصي بالذنوب دون الكفر، وقال صاحب "المحرر": عندي أنه يمين لدخول التوحيد فيه (1).

- (ومنها): لو قال لعبيده وهم عنده: أنتم أحرار، وكان فيهم أم ولده وهو لا يعلم بها ولم يرد عتقها؛ هل تعتق أم لا؟

على روايتين حكاهما أبو بكر وابن أبي موسى، ونص أحمد على عتقها في "رواية ابن هانئ"(2) وغيره، وشبهها في رواية أحمد بن الحسين بن حسان بمن نادى امرأة له، فأجابته أخرى، فطلقها يظنها المناداة، وقال: تطلق هذه بالإجابة وتلك بالتسمية.

وهذه المسألة (أعني: مسألة المناداة) فيها روايتان (3):

إحداهما: تطلق المناداة وحدها، نقلها مُهنَّأ، وهي اختيار الأكثرين؛ كأبي بكر وابن حامد والقاضي؛ فيتعين تخريج رواية في أم

(1) انظره في: "المحرر"(2/ 197).

(2)

في "مسائل ابن هانئ"(2/ 80/ 1520): "وسئل عن رجلٍ كان على رأسه مماليك له؛ فأومأ إليهم: أنتم أحرار، وبينهم جارية لم يرد عتقها، فقال بيده، فأومأ إليهم: اذهبوا، فأنتم أحرار، ثم بَصُرَ بالجارية، فقال: لم أر عتقها؟ قال أبو عبد اللَّه: أرى أنها قد لأنه أومأ إليهم وهي فيهم، فقد وَقّع عيها الحرية".

(3)

في المطبوع: "روايتين"!

ص: 592

الولد: إنها لا تعتق منها.

وعلى الرواية الثانية: [تطلق](1) المناداة والمجيبة.

وظاهر كلام أحمد في "رواية أحمد بن الحسين بن حسان": إنهما يطلقان جميعًا في الباطن والظاهر؛ كما يقول (2) في إحدى الروايتين: إذا لقي امرأة يظنها أجنبية، فطلقها، فإذا هي زوجته؛ تطلق ظاهرًا وباطنًا.

وزعم صاحب "المحرر" أن المجيبة إنما تطلق ظاهرًا (3)، والفرق بينهما وبين المطلقة التي يعتقدها أجنبية: إن الطلاق ها هنا صادف محلًّا، ينفذ (4) فيه، وهو المناداة؛ فلا يحتاج إلى محل آخر، بخلاف طلاق من يعتقدها أجنبية؛ فإنه لو لم يقع بها؛ للغي الطلاق الصادر من أهله في محله، ولا سبيل إليه، وقد أشار أحمد إلى معنى هذا الفرق، وسنذكره فيما بعد إن شاء اللَّه [تعالى](5).

- (ومنها): لو حلف: لا يسلم على فلان، فسلم على جماعة هو فيهم، و [هو لا يعلم](6) بمكانه، ولم يرده بالسلام؛ فحكى الأصحاب في حنثه الروايتين، ويشبه تخريجهما على مسألة من حلف لا يفعل [شيئًا](7)

(1) في (أ) و (ب): "تعتق"!

(2)

في (ج): "كما نقول".

(3)

في "المحرر"(2/ 61).

(4)

في المطبوع: "فنفذ".

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "لم".

(7)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 593

ففعله جاهلًا: بأنه المحلوف عليه.

والمنصوص عن أحمد ها هنا (1) الحنث في "رواية مهنأ"؛ حتى فيما إذا كان المحلوف عليه مستترًا بين القوم بسارية في المسجد وهو لا يراه، ونقل عنه أبو طالب: إن كان وحده فسلم عليه وهو لا يعرفه؛ حنث، وإن كان بين جماعة ولم (2) يعلم به؛ لم يحنث لأنه أراد الجماعة. وهذا يشبه ما تقدم في الفرق بين المناداة إذا أجابت (3) غيرها وبين من يطلقها يعتقدها أجنبية؛ فإن المحلوف عليه لم يقصد السلام عليه بالكلية، وهناك من يصح قصده غيره (4)، فانصرف السلام إليه دونه، بخلاف ما إذا كان وحده؛ فإن المحلوف عليه وجد، ولكن مع الجهل به.

وقد تأول القاضي رواية أبي طالب هذه على أنه أخرجه بالنية من السلام، ولا يصح؛ لأنه لم يكن عالمًا بحضوره بينهم؛ فكيف يستثنيه بالنية؟!

- (ومنها): لو وقف المسلم على قرابته أو أهل قريته أو وصى لهم وفيهم مسلمون وكفار؛ لم يتناول الكفار حتى يصرح بدخولهم، نص عليه في "رواية حرب" و"أبي طالب"، ولو كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار؛ في الاقتصار عليه وجهان؛ لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدًّا.

- (ومنها): لو تهايأ المعتق بعضه هو وسيده على منافعه وأكسابه؛

(1) في المطبوع و (ج): "هنا هنا عن أحمد".

(2)

في المطبوع: "وهو لم".

(3)

في (ج): "أجابه".

(4)

في المطبوع: "وغيره".

ص: 594

فهل يدخل فيها الأكساب النادرة؛ كالركاز والهدية واللقطة، أم لا؟

على وجهين.

- (ومنها): لو قال: ما أحل اللَّه علي حرام، وله زوجة ومال، وقال: لم أرد زوجتي؛ فهو مظاهر، عليه كفارة الظهار، نص عليه في "رواية ابن منصور"؛ لأن الزوجة أشهر أفراد الحلال الذي يقصد تحريمه، ولا ينصرف الذهن ابتداءً إلى غيره؛ فلا يصح إخراجه من العموم بعدم إرادة دخوله، وإنما يصح إخراجه بإرادة عدم دخوله، فأما إن لم تكن (1) له زوجة وله مال؛ فهو يمين كسائر تحريم المباحات، وإذا كان له زوجة ومال؛ فعليه كفارة ظهار (2) لا غير، نص عليه أحمد في "رواية أبي طالب" و"ابن منصور"(3) في صورة كلُّ ما أحل اللَّه علي حرام، وقال ابن عقيل: يجب مع كفارة الظهار كفارة يمين؛ لدخول المال في العموم.

ووجه القاضي نص أحمد بتوجيهات مستبعدة، وعندي في تخريجه وجهان:

أحدهما: إن المتبادر إلى الأفهام من تحريم الحلال تحريم الزوجة دون الأموال؛ فإنها لا تقصد بالتحريم؛ فلا تدخل في العموم لكونها لا تقصد عادة؛ فتكون المسألة حينئذ من صور [القاعدة](4).

(1) في (ج): "يكن".

(2)

في (ج): "كفارة الظهار".

(3)

في المطبوع و (ج): "ابن منصور وأبي طالب".

(4)

في (ج): "العادة".

ص: 595

والثاني: أن تكون مخرجة على قوله بتداخل الأيمان، وأن موجبها واحد؛ فإن الجنس ها هنا واحد، وهو تحريم الحلال؛ فصار موجبه كفارة واحدة، ثم تعينت بكفارة الظهار؛ لدخول كفارة اليمين فيها من غير عكس.

* * *

ص: 596

(القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة)

إذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب؛ إلا أن تكون المباشرة مبنية على السبب وناشئة عنه، سواء كانت ملجئة إليه أو غير ملجئة، ثم إن كانت المباشرة والحالة هذه لا عدوان فيها بالكلية؛ استقل السبب وحده بالضمان، وإن كان فيها عدوان؛ شاركت السبب في الضمان (1).

فالأقسام ثلاثة.

ومن صور القسم الأول مسائل (2):

(1) انظر حول هذه القاعدة وقارن بـ: "المنثور في القواعد"(1/ 123)، و"الأشباه والنظائر"(ص 162) للسيوطي، (وص 163) لابن نجيم، و"الفوائد البهيّة"(ص 184)، و"قواعد الخادمي"(ص 6)، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 224).

(2)

عندنا ثلاثة أقسام:

الأول: ألّا تكون المباشرة مبنية على السبب؛ فالضمان على المباشرة، أي: إذا اجتمع متسبب ومباشر، والمباشرة ليست مبنية على السبب؛ فالضمان على المباشر.

الثاني: إذا كانت المباشرة مبنية على السبب، والسبب ليس فيه عدوان إطلاقًا؛ فالضمان على المباشرة.

الثالث: أن تكون مبنية على السبب، وفيه نوع عدوان؛ فيشتركان في الضمان. (ع).

ص: 597

- (منها): إذا حفر واحد بئرًا عدوانًا، ثم دفع غيره فيها آدميًا معصومًا أو مالًا لمعصوم، فسقط، فتلف؛ فالضمان على الدافع وحده (1).

- (ومنها): لو فتح قفصًا عن طائر، فاستقر بعد فتحه، فجاء آخر فنفره؛ فالضمان على المنفِّر (2) وحده (3).

- (ومنها): لو رمى معصومًا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف، فقدّه [به](4)؛ فالقاتل هو الثاني دون الأول (5)، [فأما إذا](6) ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا وفيه حياة غير مستقرة، فضربه آخر فمات؛ فالقاتل هو الأول، وعليه الغرة، ويعزر الثاني؛ لأن الضارب (7) ليس بمتسبب، بل هو مباشر

(1) هذا رجل حفر بئرًا بالسوق، ومعلوم أن حفره هكذا عدوان، ثم إن رجلًا رأى رجلًا واقفًا على هذه البئر، فربطه، فقط، فمات؛ فالضمان على الدافع، وإن كان المتسبب أخطأ بالحفر، لكن لا أثر له في هذا الدفع؛ فيكون الضمان على المباشر وحده. (ع).

(2)

في المطبوع: "المنفرد"! وهو خطأ.

(3)

لأن المنفر هو الذي نفره، وقد كان القفص مفتوحًا ولم يطر. (ع).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(5)

فإن قال قائل: هذا الرجل إذا سقط من الشاهق؛ فسيموت، وإن لم يتلقاه أحد؛ قيل: لكن ربما لا يموت، ويقال أيضًا: إن صاحب السيف قد أصابه بسبب الموت قبل أن يصل إلى الأرض التي يموت بها لو سقط عليها؛ فتكون المباشرة سابقة على أثر السبب، وهنا لم يرتطم بالأرض، وإذا تلقاه الإنسان لئلا يسقط على الأرض؛ فإنه محسن بهذا التلقي. (ع).

(6)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "فأما إن لو"، وفي (أ):"ومنها"، و (ج):"فإذا".

(7)

في (ب): "لأن هنا الضارب".

ص: 598

للقتل؛ فلذلك لزمه الضمان (1).

وكذا لو رمى (2) صيدًا فأصاب مقتله، ثم رماه آخر فمات؛ فالقاتل هو الأول، فيباح الصيد بذلك، والثاني جانٍ عليه؛ فيضمن ما خرق من جلده، هذا قول القاضي والأكثرين (3).

وخرجه طائفة على الخلاف في تحريم ما سقط بعد الذبح في ماء (4) ونحوه لإِعانته على قتله، وظاهر كلام الخرقي تحريمه ها هنا (5)؛ فيضمن الثاني قيمته كاملة (6)، وسقط منها جرح الأول (7).

ومن صور القسم الثاني مسائل:

- (منها): إذا قدم إليه طعامًا مسمومًا عالمًا به، فأكله وهو لا يعلم بالحال؛ فالقاتل هو المقدم، وعليه القصاص والدية (8).

- (ومنها): لو قتل الحاكم حدًّا أو قصاصًا بشهادة، ثم أقر الشهود

(1) لو ضرب بطن امرأة، فأسقط جنينًا، فضربه آخر، فمات؛ يقول: فالقاتل هو الأول، وعليه الغرّة، مع أن هذا يشبه أن يكون من باب المتسبب والمباشر؛ فإنه هنا بمجرد الإسقاط ثبت الضمان، ولولا الإسقاط؛ ما تمكن الثاني من ضربه ولا قتله، ولهذا كان الضمان بإسقاطه سابقًا للضمان بقتله. (ع).

(2)

في المطبوع: "لو رمى به".

(3)

في (ب): "وأكثرين".

(4)

في المطبوع "بناء"! وهو خطأ.

(5)

انظره مع: "المغني"(9/ 306/ 7732).

(6)

في (ب): "كاملًا"!

(7)

والقول الصحيح في مسألة رمي الصيد قول القاضي والأكثرين. (ع).

(8)

في المطبوع: "أو الدية"!

ص: 599

أنهم تعمدوا الكذب؛ فالضمان والقود عليهم دون الحاكم، ونقل أبو النضر العجلي عن أحمد: إذا رجم الحاكم بشهادة أربعة، ثم تبين أن المرجوم مجبوب؛ فالضمان على الحاكم. وهو مشكل؛ لأنه قد تبين كذبهم بالعيان؛ فهو كإقرارهم بتعمد الكذب، وقد يفرق بأن المجبوب [لا يخفى أمره](1) غالبًا؛ فالإقدام على رجمه لا يخلو من تفريط، وبأنَّ الشهود قد يشتبه عليهم؛ فلا يتحقق تعمدهم للكذب، وأما إن تبين أن الشهود فسقة أو كفار، وقلنا: ينقض الحكم، وكان الحق لآدمي؛ فالضمان على المحكوم له، وإن كان للَّه تعالى؛ فله حالتان:

إحداهما: أن يستند الحاكم في قبول الشهادة إلى تزكية من زكاهم، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها (2): الضمان على المزكيين، قاله أبو الخطاب، وصححه صاحبا (3)"الكافي"(4) و"الترغيب"؛ لأنهم ألجؤوا الحاكم إلى الحكم، والحاكم فعل ما وجب عليه، والشهود لا يعترفون ببطلان (5) شهادتهم؛ فتعيَّن (6) إحالة الضمان على المزكيين.

والثاني: الضمان على الحاكم وحده، قاله القاضي وابن عقيل في

(1) في (ج): "لا تخفى حاله".

(2)

في المطبوع: "أحدهما"! وفي (ب): "أحدهم".

(3)

في المطبوع: "صاحب"!

(4)

انظر: "الكافي"(4/ 565).

(5)

في المطبوع: "ببطلانهم"!

(6)

في المطبوع: "فيتعين".

ص: 600

كتاب الشهادات؛ لأنه مفرط بالحكم بشهادة من لا تجوز شهادته (1)، وحكمه يختص بالمحكوم به، بخلاف التزكية؛ فإنها لا تختص المحكوم به.

والثالث: يخير المستحق بين تضمين من شاء من الحاكم والمزكيين والقرار على المزكيين، قاله القاضي وابن عقيل في كتاب الحدود؛ لما ذكرنا من وجه تغريم كل منهما؛ فيخير المستحق ويستقر الضمان على المزكيين لإلجائهم الحاكم إلى الحكم.

وحكي عن أبي الخطاب وجه رابع: إن الضمان على الشهود؛ كما لو رجعوا عن الشهادة، ولا تصح (2) حكايته عنه؛ لتصريحه بخلافه، وهو غير متوجه (3)؛ لأنهم لم يعترفوا ببطلان شهادتهم ولا ظهر كذبهم، بخلاف الراجعين عن الشهادة، ولكن ذكر القاضي وأبو الخطاب رواية: إنه لا ينقض الحكم ويضمن الشهود، وهذا ضعيف جدًّا.

وخرج صاحب "المحرر" في "تعليقه على الهداية" ضمان الشهود من إحدى الروايتين فيما إذا شهد أربعة بالزنا ثم بانوا فساقًا؛ فإنهم يحدون على إحدى الروايتين؛ وإن لم يعترفوا ببطلان قولهم، وهذا تخريج ضعيف؛ لأن الشهادة بالزنا قذف في المعنى موجبة للحد في نفسها؛ إلا أن يوجد معها كمال النصاب المعتبر، ولم يوجد ذلك هنا، وكذلك (4) يجب

(1) في المطبوع: "شهادتهم".

(2)

في المطبوع: "لا يصح"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

(3)

في المطبوع: "متجه".

(4)

فى المطبوع و (أ): "ولذلك".

ص: 601

عليهم حد القذف، سواء استوفى من المشهود عليه الحد أو لا، وليس المستوفى من الشاهد نظير المستوفى من المشهود عليه، وأما الشهادة بالمال؛ فلا يترتب عليها ضمان إلا أن (1) ينشأ عنها غرم، ثم يتبين بطلانها؛ إما بإقرار الشاهد، أو يتبين كذبها بالعيان، ولم يوجد هنا واحد منهما.

والحالة الثانية: أن لا يكون ثم تزكية؛ فالضمان على الحاكم وحده، ذكره الخرقي (2) والأصحاب لتفريطه بقبول [الشهادة مـ](3) من لا تجوز قبول شهادته من غير إلجاء له إلى القبول (4).

- (ومنها): المكره على إتلاف مال الغير، وفي الضمان وجهان:

أحدهما: إنه [على المكره](5) وحده، لكن للمستحق مطالبة

(1) في المطبوع: "إلا بعد أن".

(2)

انظره مع: "المغني"(12/ 151 - 152 - "الشرح الكبير").

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (أ) و (ب).

(4)

إذا حكم الحاكم، ورجع الشهود؛ فالضمان على الشهود، وإذا حكم الحاكم، وتبين أن الشهود كفار أو فساق، ولم يزكهم أحد؛ فالضمان على الحاكم، وإن زكاهم أحد؛ فالضمان على المزكيين، هذا هو المعروف من المذهب، وهناك قول: إن الضمان على الحاكم، وهناك قول ثالث: إنه يخير من له الحق بين أن يضمن الحاكم أو المزكيين، وفيه قول رابع ضعيف: إن الضمان على الشهود، والأظهر أن الضمان على المزكيين؛ لأن الحاكم فعل ما يجب عيه بقبول شهادتهم مع تزكيتهم، وأما الشهود؛ فلا ضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عنها؛ فبقي الضمان على المزكيين؛ لأن حكم الحاكم ترتب على تزكية المزكيين، ولولاهم لما حكم الحاكم؛ فالراجح في هذه المسألة أن الضمان على المزكيين. (ع).

(5)

بدل ما بين المعقوفتين في (ب): "مكره".

ص: 602

المتلف ويرجع به على المكره؛ لأنه معذور في ذلك الفعل؛ فلم يلزمه الضمان، بخلاف المكره على القتل؛ فإنه غير معذور؛ [فلهذا شاركه](1) في الضمان، وبهذا جزم القاضي في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(2) وابن عقيل في "عمد الأدلة".

والثاني: عليهما الضمان؛ كالدية، صرح (3) به [في](4)"التلخيص"، وذكره القاضي في "بعض تعاليقه" احتمالًا، وعلل باشتراكهما في الإثم، وهذا تصريح بأن الإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير، وكان فرض الكلام في الوديعة، وحكى احتمالًا آخر: إن الضمان على المتلف وحده، كما لو اضطر إلى طعام الغير فأكله، وهذا ضعيف جدًّا؛ لأن المضطر لم يلجئه إلى الإتلاف من يُحال الضمان عليه (5)؛ ولو أُكْره

(1) في (ج): "لهذا يشاركه".

(2)

ذكره له ابنه في "طبقات الحنابلة"(2/ 205)، والعليمي في "المنهج الأحمد"(2/ 112)، ومنه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع (رقم 42)، ويقع في ثلاثين ورقة من القطع الصغير، ويبدأ بـ (ق 96) وينتهي بـ (ق 125)، وسقط من أوله كراس واحد، وقد نسخته من سنواتٍ، واللَّه الموفق.

(3)

في (ج): "وصرح".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "صاحب".

(5)

إذا أكره على إتلاف مال الغير؛ فعلى من الضمان؟

في المسألة ثلاثة أقوال: قيل: الضمان على المكره، ويرحع بالضمان على من أكرهه، أما بالقتل؛ فالضمان عيهما جميعًا، أي: على المكرِه والمكرَه، والفرق بينهما أن حرمة الشخص أعظم من حرمة المال، بل ولا يجوز إتلاف نفس الغير لإبقاء نفسه، والصواب أن الإكراه على نوعين؛ فتارة يكون المكرَه كالآلة في يد المكره، كأن يضرب به شخصًا آخر؛ فالضمان على المكرِه لأن المكرَه صار كالآلة، وأما مع الاختيار؛ فإن الأقرب أن يكون =

ص: 603

على تسليم الوديعة إلى غير المالك، فقال القاضي: لا ضمان؛ لأنه ليس بإتلاف، كذا (1) ذكره في "بعض تعاليقه"، وصرح به في "المجرد" مفرقًا بينه وبين الإكراه على القتل بأن القتل لا يعذر فيه بالإكراه، بخلاف هذا، وهذا التعليل يشمل الإتلاف أيضًا.

وتابع ابن عقيل في "الفصول" وصاحب "المغني"(2) القاضي في "المجرد". وفي "شرح الهداية" لأبي البركات: المذهب (3) أنه لا يضمن؛ كما لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرهًا.

وفي "الفتاوى الرَّحبيات" عن أبي الخطاب وابن عقيل الضمان مطلقًا؛ لأنه افتدى بها ضرره. وعن ابن [الزاغوني](4): أنه إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد؛ فعليه الضمان ولا إثم، وإن ناله العذاب؛ فلا إثم ولا ضمان.

= الضمان على المكره؛ لأنه مباشر والمكرِه متسبب، ويمكن إحالة الضمان على المباشر؛ فيكون هو الضامن. (ع).

قال أبو عبيدة عفى اللَّه عنه: هذا آخر ما يسر اللَّه من شرح للشيخ العلامة محمد صالح بن عثيمين حفظه اللَّه ونفع به على "قواعد ابن رجب"، وكان قد ابتدأ به مرتَّبًا، ثم علق وشرَح ما رآه ضروريًّا، وقمتُ بنقل كلامه، وتصرفتُ في اللازم، مع الاختصار وحذف المكرر وتخريج ما وقع من أحاديث في "شرحه"، نسأل اللَّه أن يثيبه، ويبقيه ذخرًا لطلبة العلم وأهله.

(1)

في المطبوع: "وكذا".

(2)

في "المغني"(8/ 213/ 6582).

(3)

في (أ): "المذهب في أنه".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في (ج): "أبي موسى".

ص: 604

وأشار صاحب "المحرر" في مسألة الإكراه على الأكل في الصوم من "شرح الهداية" إلى خلاف في أصل جواز تضمين المكره على إتلاف المال، وقد ذكر صاحب "المغني" في الأيمان أن المحرم إذا قتل صيدًا مكرهًا؛ فضمانه على المكره له (1)، وقد نص أحمد في "رواية ابن ثواب" على أن حافر البئر عدوانًا إذا أكرهه السلطان على الحفر؛ لم يضمن، لكن هذا إكراه على السبب دون المباشرة.

[وهذه النقول الثلاثة ترجع إلى أنه لا يضمن ابتداءً من لا يستقر عليه الضمان، وقد تقدم ذلك](2).

وأما المكرهة على الوطئ في الحج والصيام إذا أفسدنا حجَّها وصيامها؛ فهل تجب (3) عليها الكفارة في مالها، أم (4) لا يجب عليها شيء، أو يجب على الزوج أن يتحملها عنها؟

على ثلاث روايات، وتأول بعضهم الأولى على أنها ترجع بها على الزوج، والمكره على حلق رأسه في الإحرام تجب الفدية على الحالق في أشهر الوجهين، قاله أبو بكر، والثاني على المحلوق يرجع بها على الحالق، ذكره ابن أبي موسى وجهًا؛ [لأن حلق الشعر كالإِتلاف، ولهذا يستوي عمده وسهوه على المشهور](2).

(1) انظر: "المغني"(3/ 265/ رقم 2665).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(3)

في المطبوع: "يجب".

(4)

في المطبوع و (أ): "أو".

ص: 605

ومن صور القسم [الثالث](1) مسائل:

- (منها): المكره على القتل، والمذهب اشتراك المكره والمكره في القود والضمان؛ لأن الإكراه ليس بعذر في القتل، وذكر القاضي في "المجرد" وابن عقيل في باب الرهن: أن أبا بكر ذكر أن القود على المكره المباشر، ولم يذكر على المكره قودًا؛ قالا: والمذهب وجوبه عليهما؛ كما نص عليه أحمد في الشهود الراجعين إذا اعترفوا بالعمد.

وقد بين القاضي في "خلافه" كلام أبي بكر، وأنه قال في الأسير إذا أكره على قتل مسلم فقتله: فعليه القود، وها هنا المكره ليس من أهل الضمان؛ لأنه حربي؛ فلذلك لم يذكر تضمينه.

وذكر ابن الصيرفي أن أبا بكر السمرقندي من أصحابنا خرج وجهًا: إنه لا قود على واحد منهما من رواية امتناع قتل الجماعة بالواحد، وأولى؛ لأن السبب [ها](2) هنا غير صالح في كل واحد منهما؛ لأن أحدهما متسبب والآخر ملجأ، وفي صورة الاشتراك هما مباشران مختاران.

- (ومنها): الممسك مع القاتل؛ فإنهما يشتركان في الضمان والقود على إحدى الروايتين، وفي الأخرى يختص [بالقود](3) المباشر بهما، ويحبس الممسك (4) حتى يموت.

(1) في (أ) و (ج): "الثاني"!

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ب).

(4)

في المطبوع: "الماسك".

ص: 606

- (ومنها): لو حفر بئرًا عدوانًا في الطريق، فوضع آخر حجرًا إلى جانبها؛ فهل يختص بالضمان الواضع جعلًا له؛ كالدافع، أويشتركان فيه؛ كالممسك والقاتل؟

على روايتين، ولو كان الحافر غير متعد؛ فالضمان على الواضع وحده، وهي من صور القسم الثاني.

- (ومنها)(1): لو دل المودع لصًّا على الوديعة، فسرقها؛ فالضمان عليهما، ذكره القاضي وغيره؛ كما لو دل المحرم محرمًا آخر على صيد فقلته، ولو دل حلالًا؛ فالضمان على المحرم [وحده](2)، وهي من صور القسم الثاني.

- (ومنها): لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد، وتمكن من إرساله، فلم يفعل حتى قتله محرم آخر؛ ففيه احتمالان ذكرهما القاضي في "المجرد":

أحدهما: الضمان على القاتل؛ لأنه مباشر والأول متسبب غير ملجئ.

والثاني: الضمان عليهما على الأول باليد وعلى الثاني بالمباشرة.

ويتخرج على هذين الوجهين كل من أتلف عينًا في يد من هي مضمونة عليه باليد؛ هل يضمن المتلف وحده الجميع دون صاحب اليد، أو يجوز تضمين صاحب اليد ويرجع على المتلف؟

(1) هذه الصورة مذكورة في (ج) بعد التي تليها؛ أي: آخر فرع في هذه القاعدة.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 607

وفرض القاضي في "كتاب التخريج"(1) مسألة الصيد في حالين: صاد أحدهما في الحرم صيدًا، فقتله الآخر فيه، وذكر أن عليهما جزاءين كاملين: أحدهما على القاتل بقتله، والآخر على الممسك لتلفه في يده قبل إرساله، ثم يرجع الذي في يده على القاتل بما غرمه؛ لأنه قرر عليه ضمانًا كان قادرًا على التخلص منه بالإرسال، [وصرح](2) في أثناء المسألة بأن المغصوب إذا أتلفه متلف في يد الغاصب؛ كان المالك مخيرًا في المطالبة لمن شاء منهما.

* * *

(1) لم يذكره أحدٌ ممن ترجم له! واعتنى بمصنفات القاضي ابنهُ أبو الحسين، قال في "طبقات الحنابلة" (2/ 205):"فأما عدد مصنفاته"؛ فكثيرة، فنشير إلى ذكر ما يتيسّر منها. . . " وسردها ولم يذكر هذا الكتاب!

(2)

في (ج): "وخرج".

ص: 608

(القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئة)

إذا اختلف حال المضمون في [حالي](1) الجناية والسراية (2).

[فها هنا](3) أربعة أقسام:

أحدها: أن يكون مضمونًا في الحالين، لكن يتفاوت قدر الضمان فيهما؛ فهل الاعتبار بحال السراية أو بحال (4) الجناية؟

على روايتين.

(1) في (ج): "حال".

(2)

المضمونات نوعان: نوع مضمون بالجناية؛ كمن قطع يد إنسانٍ خطأ أو عمدًا؛ فيجب الضمان أرشًا أو قصاصًا، ونوع مضمون بالسراية، كمن قطع يد إنسانٍ، فنزف، فمات؛ فهو مضمون نتيجة القطع، وهو الموت، لا بالقطع، وهو الجناية.

وبعضهم يخرج بعض الفروع المذكورة هنا على قاعدة: "إذا اختلف حكم الشيء بالنظر إلى حاله ومآله، فما المعتبر منهما؟ "، ومثلها؟ "هل العبرة بالحال أو بالمآل؟ "، أو:"إذا كان للشيء مآلان مختلفا الحكم؛ فهل يعتبر بأوّلهما أو بآخرهما؟ "، وما عند المصنف في القاعدة الآتية يدخل ضمن عمومات هذه الألفاظ.

وانظر غير مأمور: "الموافقات"(5/ 177، 179)، و"قواعد المقَّري"(رقم 394، 395)، و"الأشباه والنظائر"(ص 178) للسيوطي، و"موسوعة القواعد الفقهية"(1/ 236، 239).

(3)

في (ب): "فهنا".

(4)

في المطبوع: "حال".

ص: 609

والقسم الثاني: أن يكون مهدرًا في الحالين؛ فلا ضمان بحال.

والثالث: أن تكون الجناية مهدرة والسراية في حال الضمان؛ فتهدر تبعًا للجناية بالاتفاق.

والرابع: أن تكون الجناية [في حال الضمان](1) والسراية في حال الإهدار؛ فهل يسقط الضمان أم لا؟

على وجهين.

فأما القسم الأول؛ فله أمثلة:

- (منها): لو جرح ذميًّا، فأسلم ثم مات؛ فلا قود، وهل تجب (2) فيه دية مسلم أو دية ذمي؟

على وجهين، اختار القاضي وأبو الخطاب وجوب دية ذمي اعتبارًا بحال الجناية، وابن حامد وجوب دية مسلم، وذكر ابن أبي موسى أنه نص أحمد، وبكل حال؛ فالدية تكون لورثته من المسلمين؛ لأنه استحق أرش جرحه حيًّا، فملكه ثم أسلم ومات؛ فانتقل ما ملكه إلى ورثته المسلمين، ذكره القاضي في "خلافه" وأبو الخطاب في "الانتصار".

- (ومنها): لو جرح عبدًا، ثم أعتق، ثم مات من الجرح؛ فهل يضمن بقيمته أو بديته؟

على روايتين، نقل حنبل عن أحمد: يضمنه بقيمته لا بالدية. وكذلك ذكره أبو بكر في "خلافه"، ونصره القاضي في "الخلاف" أيضًا.

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(2)

في المطبوع: "يجب"، وفي (أ) و (ب) بدون تنقيط الحرف الأول.

ص: 610

ونقل ابن منصور عنه فيمن ضرب بطن أمة، فأُعتقت، ثم أسقطت جنينًا حيًّا، ثم مات: هو حر، وعليه ديته؛ لأن العتق لا يجب إلا بالولادة. وهذا اختيار ابن حامد، حكاه (1) عنه القاضي: إنه يجب أقل الأمرين من قيمة العبد أو الدية.

وحكى أبو الخطاب عن القاضي: إن ابن حامد أوجب دية حر للمولى منها أقل الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة والباقي لورثته.

وذكر القاضي في "المجرد" احتمالًا بوجوب أكثر الأمرين من القيمة أو الدية.

و [ذكر](2) ابن أبي موسى أن المنصوص في الذمي إذا أسلم وجوب دية مسلم، وفي العبد إذا عتق قيمة عبد، ثم خرج المسألتين (3) على روايتين، وعلى الأولى (4)؛ فجميع القيمة للسيد، ذكره أبو بكر والقاضي والأصحاب؛ لأن السراية لا تثبت منفردة، وإنما تجب تابعة للجناية، وقد ثبت أرش الجرح (5) للسيد حين كان المجروح عبدًا لا يملك؛ فتتبع السراية الجناية، ويكون أرشها لمستحق أرش الجناية، وهو السيد، وهكذا لو باعه المولى بعد الجرح، ثم مات عند المشتري؛ فالقيمة كلها للأول، ذكره القاضي.

(1) في المطبوع و (ج): "وحكى"!

(2)

في (ج): "حكى".

(3)

في المطبوع: "المسألة".

(4)

في المطبوع و (ج): "الأول".

(5)

في (أ): "الحرج"!

ص: 611

وذكر ابن الزاغوني في "الإِقناع" فيما إذا قطع يدي عبد وقيمته ألفا دينار، فأعتقه سيده ثم مات؛ احتمالين:

أحدهما: إن الألفين بين السيد والورثة نصفين توزيعًا للقيمة على السراية والجناية.

والثاني: يقسم بينهما أثلاثًا؛ لأن للسيد ما يقابل اليدين، وهو كمال الدية، وللورثة كمال الدية، وهي (1) بقدر نصف القيمة، ولا قصاص على الحر المسلم في هذه المسألة والتي قبلها؛ لانتفاء المكافأة حال الجناية.

[وفرق القاضي في "المجرد" وابن عقيل في موضعين بين مسألة العبد والذّميّ، قال في "المسودة": "لا أعلم للتفرقة وجهًا"، واضطرب كلام أبي الخطاب في "الهداية" فيها في مواضع](2).

(تنبيه):

ذكر القاضي في "خلافه" أن رواية الضمان بدية حر، نقلها حرب عن أحمد، وتبعه صاحب "المحرر" وزاد: إن للسيد منها أقل الأمرين (3)، ولم ينقل حرب شيئًا من ذلك، وإنما نقل: إنه ذكر له قول الزهري: يضمنه (4)[بقيمة مملوك](5)؛ فقال: ما أدري كيف هذا؟ ولم يجب [فيه](6) بشيء،

(1) في المطبوع: "هي".

(2)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط، وأثبتها الناسخ في الهامش.

(3)

انظر: "المحرر"(2/ 146).

(4)

في المطبوع: "يضمنه".

(5)

في (ج): "بقيمته مملوكًا".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

ص: 612

وهذا يدل على أنه أنكر ضمانه بالقيمة، وإنما نقل ابن منصور عن أحمد أنه يضمنه بدية حر كاملة باللفظ الذي زعم القاضي أن حربًا نقله.

- (ومنها): لو ضرب بطن أمة حامل، فأعتقت أو جنينها، ثم ألقته ميتًا؛ فهل يضمنه (1) بغرة جنين حر أو بقيمة جنين أمة؟

على وجهين، وكذلك لو ضرب بطن نصرانية حامل بنصراني، [ثم] أسلمت (2)، ثم ألقت جنينًا ميتًا؛ هل يضمنه ضمان جنين مسلم أو ذمي؟

على الوجهين.

- (ومنها): لو قطع يدي عبد وقيمته ألفان، ثم سرت إلى نفسه ومات وقيمته ألف؛ فقال القاضي في "خلافه": قياس المذهب أنه يضمنه بألفين؛ لأن نقصان القيمة كنقصان بدله بالحرية، وقد قلنا: يضمن بألفين إذا عتق، كذلك هنا (3). قال: وهذا موضع مجمع عليه؛ لأن موته حصل بقطع يده وقيمته في تلك الحال ألفان.

ويلتحق بهذا ما إذا جرح ذمي خطأً، ثم أسلم وسرى الجرح إلى النفس، وفيه ثلاثة أوجه مذكورة في "المغني" (4) و"المحرر" (5):

أحدها: الدية على عاقلته حال الجرح، وبه جزم في "الكافي"(6)

(1) في (ج): "فهل يضمن".

(2)

في المطبوع: "فأسلمت".

(3)

في المطبوع و (ج): "ها هنا".

(4)

انظر: "المغني"(8/ 302/ 6805).

(5)

انظر: "المحرر"(2/ 150).

(6)

انظر: "الكافي"(4/ 79).

ص: 613

و"المحرر"(1) اعتبارًا بحال الجناية.

والثاني: على عاقلته أرش الجرح، والزائد بالسراية في ماله؛ لأنه حصل بعد مخالفته لدين عاقلته.

والثالث: الدية كلها في ماله؛ كما لو [اختلفت ديته](2) حال الرمي والإصابة على ما يأتي ذكره؛ لأن أرش الجرح إنما يستقر بالاندمال أو السراية، ولو كان الجاني ابن معتقة لقوم، ثم أنجز ولاؤه (3) إلى موالي أبيه؛ ففي "المحرر": هو على هذا الخلاف (4)، وفي "الكافي": الدية في ماله. ولم يذكر خلافًا.

وأما القسم الثاني؛ فمن أمثلته: ما إذا جرح عبدًا حربيًّا ثم عتق ثم مات، أو جرح عبدًا مرتدًّا ثم عتق ثم مات؛ فلا ضمان لأن الحربي والمرتد لا يضمن، حرًّا كان أو عبدًا.

وأما القسم الثالث؛ فله أمثلة:

- (منها): لو جرح حربيًّا، ثم أسلم، ثم مات؛ فلا ضمان.

- (ومنها): لو جرح مرتدًّا، ثم أسلم، ثم مات؛ فلا ضمان أيضًا.

وذكر صاحب "الترغيب" أن الضمان هنا مخرج على الضمان فيما

(1) انظر: "المحرر"(2/ 150).

(2)

في (ج): "اختلف دينه".

(3)

في (ج): "أنجز ولائه".

(4)

"انظر: "المحرر" (2/ 149).

ص: 614

إذا طرأ الإسلام بعد الرمي وقبل الإصابة.

- (ومنها): لو جرح صيدًا في الحل، ثم دخل الحرم فمات فيه؛ فلا ضمان، ويحل أكله؛ لأنه ذكاة في الحل، ذكره القاضي ونص عليه أحمد في "رواية ابن منصور"، وقد سأله عن قول سفيان في صيد رمي (1) في الحل، فتحامل، فدخل الحرم، فمات؛ قال: ليس عليه كفارة، ويكره أكله؛ لأنه مات في الحرم. قال أحمد: ما أحسن ما قال! وهذه الكراهة (2) كراهة تنزيه.

- (ومنها): لو جرح عبد نفسه، ثم عتق، ثم مات؛ فهل يضمنه أم لا؟

على وجهين ذكرهما في "الترغيب"؛ لأن عبد نفسه إنما يهدر ضمانه على السيد دون غيره؛ فهو مضمون في الجملة، بخلاف المرتد والحربي، وظاهر كلام القاضي أنه يضمنه بدية حر، وأما على قول أبي بكر: إن الضمان بالقيمة؛ فلا إشكال في عدم ضمانه، ولهذا خرجه صاحب "الكافي" على الوجهين في الاعتبار بحال الجناية أو السراية (3).

وأما القسم الرابع؛ فله أمثلة:

- (منها): لو جرح مسلمًا أو قطع يده عمدًا، فارتد ثم مات؛ فهل يجب القود في طرفه أم لا؟

(1) في المطبوع: "ذمي"!!

(2)

في (أ): "الكراهية".

(3)

انظر: "الكافي"(4/ 80 - 81).

ص: 615

على وجهين، المرجح منهما عدمه؛ لأن الجراحة صارت نفسًا لا قود فيها بالاتفاق، وفي "الترغيب": أصل الوجهين الخلاف (1) فيما إذا قطع يده عمدًا، فسرت إلى نفسه؛ هل يقتص في الطرف ثم في النفس، أم في النفس [فحسب (2)؟ وعلى وجه ثبوت القود؛ هل يستوفيه الإِمام أو وليه المسلم؟

على وجهين] (3)، والمحكي عن أبي بكر: أنه يستوفيه الولي.

قال في "الترغيب": أصلهما أن ماله هل هو فيء أو لورثته؟ وهو ظاهر كلام الآمدي. قال في "الترغيب": وعلى القول بأن الوارث يستوفيه لو عفا على مال؛ لم يكن له المال لامتناع إرثه.

وفي "المحرر"(4) وجهان على قولنا: ماله فيء.

وأما ضمان طرفه؛ ففيه وجهان:

أحدهما: لا ضمان أيضًا؛ لأن الجناية صارت نفسًا مهدرة.

والثاني: يضمن؛ لثبوت ضمان الطرف قبل الردة.

ثم هل يضمن بأقل الأمرين من دية النفس أو الطرف، أو بدية الطرف مطلقًا؟

(1) في (ب): "أصل الوجهين في الخلاف".

(2)

في المطبوع: "حسب".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 168).

ص: 616

على وجهين، المرجح منهما (1) الأول، ولم (2) يذكر في "المحرر" سواه.

- (ومنها): لو جرح صيدًا في الحرم، فخرج إلى الحل، فمات؛ لزمه كمال ضمانه، ذكره القاضي وأبو الخطاب في "خلافيهما"؛ تغليبًا لضمان الصيد حيث كان له حالان يضمن في أحدهما دون الآخر؛ كالمتولد بين مأكول وغيره، ويتوجه أن يضمن أرش جرحه خاصة من المسألة التي قبلها.

* * *

(1) في (أ): "منها"!

(2)

في المطبوع: "لم" من غير واو.

ص: 617

(القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئة)

إذا تغير (1) حال المرمي أو الرامي بين الرمي والإصابة؛ فهل الاعتبار بحالة (2) الإصابة أم بحالة الرمى، أم يفرق بين القود والضمان، أم بين أن يكون الرمي مباحًا أو محظورًا (3)؟

فيه للأصحاب أوجه، ويتفرع (4) على ذلك مسائل:

- (منها): لو رمى مسلم ذميًّا أو حرٌّ عبدًا، فلم يقع بهما السهم حتى أسلم الذمي وعتق العبد ثم ماتا؛ فهل يجب القود أم لا؟

على وجهين:

أحدهما: لا يجب، وهو قول الخرقي (5) وابن حامد، وصححه القاضي؛ لفقد التكافئ حين الجناية، وهو حالة الإِرسال؛ فهو كما لو رمى

(1) في المطبوع: "تعين"!!

(2)

في المطبوع: "بحال".

(3)

ذكرها المقّري في "قواعده"(رقم 390) بلفظ "إذا تقابل المبدأ والمنتهى فما المقدم منهما؟ "، وذكر بعض الفروع التي عند العتق. وانظر غير مأمور: التعليق على القاعدة السابقة.

(4)

في المطبوع: "يتفرع" من غير واو.

(5)

انظر كلام الخرقي في: "مختصره"(8/ 245/ 6662 - مع "المغني")، وقال ابن قدامة تحته:"هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي".

ص: 618

إلى مرتد فأسلم قبل الإِصابة.

والثاني: يجب، وهو قول أبي بكر، وأخذه مما روى الحسن بن محمد بن الحارث (1) عن أحمد في رجل أرسل سهمًا على زيد، فأصاب عَمرًا؛ قال: هو عمد، عليه القود. فاعتبر الرمي المحظور إذا أصاب به معصومًا؛ وإن كان غير المقصود.

وفرق أبو بكر بين رمي المرتد والذمي: بأن رمى المرتد مباح، ورده القاضي بأن رميه إلى الإِمام (2) لا إلى آحاد الناس؛ فهو غير مباح لآحادهم، وأما النص المذكور؛ فلم يجب عنه القاضي، ويمكن الجواب عنه: بأنه قصد هناك مكافئًا وأصاب نظيره، وهنا لم يقصد مكافئًا.

وقد خرج صاحب "الكافي" وجوب القصاص في مسألة النص على قول أبي بكر (3)، وقد تبين أنها أصله، وأما صاحب "المحرر"؛ فجعله خطأ بغير خلاف؛ لأنه أصاب من لم يقصده! فأشبه ما إذا قصد صيدًا (4)، وهذا ضعيف؛ لأنه قصد معصومًا فأصاب نظيره، بخلاف من قصد صيدًا، ولهذا لو قصد صيدًا معينًا فأصاب غيره؛ حل، بخلاف ما إذا رمى هدفًا

(1) في (ج): "الحسين بن محمد بن الحارث"! والتصويب من (أ) و (ب)، وهو الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني، قال عنه القاضي أبو يعلى:"نقل عن إمامنا أشياء".

انظر ترجمته في: "طبقات الحنابلة"(1/ 174/139)، و"المقصد الأرشد"(1/ 333/ 350)، و"المنهج الأحمد"(1/ 391).

(2)

في المطبوع: "للإمام".

(3)

انظر: "الكافي"(4/ 79).

(4)

انظر: "المحرر"(2/ 126، 146).

ص: 619

يعلمه فأصاب صيدًا؛ [فإنه](1) لا يحل، أما لو ظن الهدف صيدًا فأصاب صيدًا؛ فوجهان، وقد يتخرج ها هنا مثلهما لو رمى هدفًا يظنه آدميًّا معصومًا، فأصاب آدميًّا معصومًا غيره لأن أصل الرمي كان محظورًا؛ فهذا الكلام في القود، وأما الضمان؛ فيضمنه بدية حر، ذكره الخرقي (2) والقاضي والأكثرون، ولم يحكوا فيه خلافًا؛ حتى نقل صاحب "الترغيب" اتفاق الأصحاب على ذلك اعتبارًا بحالة الإصابة؛ فإنه إنما أصاب حرًّا مسلمًا، وتكون دية المعتق لورثته دون السيد، ذكره القاضي.

- (ومنها): لو رمى إلى مرتد أو (3) حربي فأسلما، ثم وصل إليهما السهم فقتلهما؛ فلا قود بغير خلاف؛ لأن دمهما حال الرمي كان مهدرًا، وهل يجب الضمان؟

فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: وجوبه فيهما، قاله القاضي في "خلافه" والآمدي (4) وأبو الخطاب في موضع من "الهداية"، وعزاه غير واحد إلى الخرقي اعتبارًا بحالة الإِصابة، وهما حينئذ مسلمان معصومان، ولا أثر لانتفاء العصمة حال السبب؛ كما لو حفر بئرًا لهما فوقعها فيها بعد إسلامهما؛ فإنه يضمنهما بغير خلاف، ذكره القاضي وغيره، قال القاضي: ولا نسلم أن

(1) في (ج): "أنه".

(2)

انظر: "مختصره"(8/ 216/ 6589 - مع "المغني")، وقال ابن قدامة:"وهذا مذهب الشافعي".

(3)

في المطبوع: "أو إلى".

(4)

في (ب): "والآدمي"!.

ص: 620

رمي الحربي والمرتد مباح مطلقًا، بل هو مراعا، فإن أسلم قبل الوقوع؛ تبينا أنه لم يكن مباحًا.

والثاني: لا ضمان فيهما، وهو أشهر، وحكاه القاضي في روايتيه (1) عن أبي بكر في المرتد، وقال: لا خلاف فيه في المذهب، لأن رميهما كان مأمورًا به، وقد حصل على وجه لا يمكن تلافيه؛ فأشبه ما إذا جرحهما ثم أسلما.

والثالث: يضمن المرتد دون الحربي، وأصل هذا الوجه طريقة القاضي في "المجرد" وابن عقيل وأبي (2) الخطاب في موضع من "الهداية": إنه لا يضمن الحربي بغير خلاف، وفي المرتد وجهان. والفرق إن المرتد قتله إلى الإمام؛ فالرامي إليه متعد؛ فهو كالرامي (3) إلى الذمي، بخلاف الحربي؛ فإن لكل أحد قتله؛ فرميه ليس بعدوان، أما عكسه، وهو لو (4) رمى إلى معصوم، فأصابه السهم وهو مهدر [الدم](5)؛ كمسلم ارتد، أو ذمي (6) نقض العهد بين الرمي والإصابة؛ فلا ضمان، بغير خلاف أعلمه بين الأصحاب؛ لأن الإصابة لم تصادف معصومًا؛ فهو كما لو رمى معصومًا، فأصابه السهم بعد موته، وكذلك لو رمى عبدًا قيمته عشرون

(1) في المطبوع: "روايته"!

(2)

في المطبوع و (ب): "وأبو"!

(3)

في المطبوع: "وهو كالرامي"، وفي (ج):"وهو كالرمي".

(4)

في المطبوع: "لما".

(5)

ما بين المعقوفتين من (ج) فقط.

(6)

في (أ) والمطبوع: "وذمي".

ص: 621

دينارًا، فأصابه السهم وقيمته عشرة؛ فإنه يضمنه بقيمته وقت الإِصابة لا وقت الرمي بغير خلاف، ذكره القاضي وغيره.

- (ومنها): لو رمى الذمي سهمًا إلى صيد فأصاب آدميًّا، وقد أسلم الرامي؛ فقال الآمدي: يجب ضمانه في ماله؛ لأنه لم يكن مسلمًا حال الرمي لتعقله (1) عاقلته المسلمون، ولا يجب على عاقلته من أهل الذمة؛ لأنه حين الإصابة كان مسلمًا، وبذلك جزم صاحب (2)"المحرر"(3) و"الكافي"(4)، وكذلك حكم ما إذا (5) رمى ابن معتقة، فلم يُصَب حتى انجر ولاؤه (6) إلى موالي أبيه، ولو رمى مسلم (7) سهمًا ثم ارتد ثم أصاب سهمه فقتل؛ فهل تجب الدية في ماله اعتبارًا بحال الإِصابة، أم على عاقلته اعتبارًا بحال الرمي؟

على وجهين ذكرهما صاحب "المستوعب".

ويتخرج منهما (8) في المسألتين الأولتين وجهان أيضًا:

أحدهما: إن الضمان على أهل الذمة وموالي الأم.

(1) في (ج): "ليعقله".

(2)

كذا في الأصول الثلاثة والمطبوع، ولعل الصواب:"وصاحبا".

(3)

انظر: "المحرر"(2/ 149).

(4)

انظر: "الكافي"(4/ 124).

(5)

في المطبوع: "ماذا"!!

(6)

في المطبوع: "أنجز ولاؤه"، وفي (ج):"انجر ولائه".

(7)

في المطبوع: "مسلمًا".

(8)

في المطبوع: "منها"!

ص: 622

والثاني: إنه على المسلمين وموالي الأب.

- (ومنها): لو رمى الحلال إلى صيد ثم أحرم قبل أن يصيبه؛ ضمنه، ولو رمى المحرم إلى صيد ثم [أحل](1) قبل الإِصابة؛ لم يضمنه اعتبارًا بحال الإِصابة فيهما (2)، ذكره القاضي في "خلافه" في الجنايات، قال: ويجيء على قول أحمد فيمن رهى طيرًا على غصن في الحل أصله في الحرم: أن يضمن هنا في الموضعين تغليبًا للضمان. انتهى.

ويتخرج عدم الضمان فيما إذا رمى وهو محل ثم أحرم من عدم ضمان الحربي إذا أسلم قبل الإِصابة؛ اعتبارًا بإباحة الرمي؛ إلا أن يفرق بأن قصد الإحرام عقيب (3) الرمي تسبب (4) إلى الجناية على الصيد فيه، ولا سيما إن قصد الرمي قبيل (5) الإِحرام لذلك.

- (ومنها): لو رمى الحلال من الحل صيدًا في الحرم، فقتله؛ فعليه ضمانه على المنصوص، قال أحمد في "رواية ابن منصور" في رجل رمى صيدًا في الحل فأصابه في الحرم؛ قال: عليه جزاؤه. وقال أيضًا في روايته: وذكر له قول سفيان: لو رمى شيئًا في الحل، فدخلت رميته في الحرم فأصابت شيئًا؛ ضمن لأن يده التي جنت. قال أحمد: ما أحسن ما قال!

(1) في (ج): "حل".

(2)

في المطبوع: "فيما".

(3)

في (ج): "عقب".

(4)

في المطبوع: "سبب"!

(5)

في المطبوع: "قبل".

ص: 623

وكذلك نص [أحمد](1) في "رواية ابن منصور": في شجرة في الحل غصنها في الحرم عليه طير؛ لا يرمى. ولم يفصل بين رميه من الحل والحرم، وبهذا جزم ابن أبي موسى والقاضي والأكثرون، ولم يذكر القاضي في "خلافه" سواه؛ لأنه صيد معصوم بمحله؛ فلا يباح قتله بكل حال، وفيه الضمان.

وذكر القاضي في "المجرد" وأبو الخطاب وجماعة رواية أخرى: إنه لا يضمنه اعتبارًا بحال الرامي ومحله، وهو ضعيف، ولا يثبت عن أحمد، وإنما أخذه القاضي من "رواية ابن منصور" في إباحة الاصطياد بالكلب وإرساله من الحرم إلى الحل؛ قال: فظاهر (2) هذا أنه متى كان أحدهما في الحل والآخر في الحرم؛ فلا ضمان، ولا يصح؛ لوجهين:

أحدهما: أن النص في الكلب، والكلب له فعل اختياري، فإذا أرسله في الحرم على صيد في الحل؛ فهو بمنزلة من وكل عبده في الحرم في شراء صيد من الحل وذبحه فيه، وهذا بخلاف ما إذا أرسل سهمه؛ لأنه منسوب إلى فعله، ولهذا فرق أحمد في "رواية ابن منصور" بين أن يرسل سهمه من الحل إلى صيد في الحل، فيدخل الحرم، فيقتل فيه، فيضمنه، وبين أن يرسل الكلب، فلا يضمن؛ لأن دخول الكلب إلى الحرم باختياره (3) ودخول السهم بفعل الرامي، ولهذا لو أصاب سهمه (4) هذا

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في (ج): "وظاهر".

(3)

في (ج): "باختيار".

(4)

في المطبوع: "سهم".

ص: 624

آدميًّا؛ لضمنه، ولو أصاب الكب آدميًّا، لم يضمنه، وإلى هذا التفريق أشار ابن أبي موسى؛ حيث ضمن في رمي السهم في المسألتين، ولم يضمن في صيد الكب إذا أرسله في الحل فصاد في الحرم؛ إلا أن يرسله بقرب الحرم، وأما إن أرسله في الحرم فصاد في الحل؛ فحكى فيه روايتين؛ قال: والأظهر عنه أن (1) لا جزاء فيه، ولكن القاضي إنما صرح بالخلاف في الكلب، وأبو الخطاب هو الذي طرد الخلاف في السهم.

والوجه الثاني: إن هذا النص إنما يدل على انتفاء الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم على صيد في الحل؛ لأن صيد الحل غير معصوم؛ فلا (2) يصح إلحاق صيد الحرم به.

وقد فرق طوائف من الأصحاب بين الصورتين؛ فمنهم من جزم بنفي الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل وبالضمان في العكس (3)، من غير خلاف حكاه فيهما، وهو [الشيرازي في "المبهج"](4)، ومنهم من حكى الخلاف فيهما وصحح الفرق، وهو صاحب "المغني"(5)، ومنهم من حكى الخلاف فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل ولم يحك الخلاف في ضمان عكسه، وهو القاضي في "خلافه"، وأخذ نفي الضمان في الصورة الأولى من "رواية ابن منصور" المذكورة والضمان من

(1) في المطبوع: "أنه".

(2)

في (ج): "ولا".

(3)

في (ج): "وبالضمان بالعكس".

(4)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "في "المبهج" للشيرازي".

(5)

انظر: "المغني"(3/ 167/ 2406).

ص: 625

"رواية ابن منصور" أيضًا عن أحمد فيمن قتل صيدًا على غصن في الحل أصله في الحرم: إنه يضمنه.

وفي أخذ الضمان من هذا نظر؛ فإن الغصن تابع لمحل معصوم، وهو أصل الشجرة الذي في الحرم؛ فكان حكمه حكم الحرم، بخلاف الحل، ولهذا؛ لم يفرق أحمد بين قتله من الحل أو من الحرم؛ فدل على أن حكم الغصن عنده حكم الحرم.

ونقل ابن منصور عنه أيضًا وذكر له قول سفيان في شجرة أصلها في الحل وأغصانها في الحرم وعليها طير، فرماه إنسان، فصرعه؛ قال: ما كان في الحل؛ فليرم، وما كان في الحرم؛ فلا يرم. قال [أحمد] (1): ما أحسن ما قال!

فجعل القاضي هذه رواية ثانية مخالفة للأولى، وحكى في الصيد الذي على غصن في الحل أصله في الحرم روايتين، وليس كذلك، فإن أحمد ضمن الصيد في الأولى؛ إلحاقًا للفرع بأصله في الحرمة، ولم يضمن في الثانية؛ إلحاقًا للفرع بأصله في عدم الحرمة، وإنما ضمن ما كان على الغصن الذي في الحرم؛ لأنه في هواء الحرم؛ فهو (2) معصوم بمحله، وهو الحرم، [وجعل ابن أبي موسى الغصن تابعًا لقراره من الأرض دون أصله، وهو مخالف لنص أحمد](3)؛ [لأنه في هواء الحرم](4).

(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(2)

في المطبوع: "وهو".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين من (أ) فقط.

ص: 626

- (ومنها): هل الاعتبار [في حل](1) الصيد بأهلية الرامي وسائر الشروط حال الرمي أو الإصابة؟

فيه وجهان:

أحدهما: الاعتبار بحال الإصابة، وبه جزم القاضي في "خلافه" في كتاب الجنايات وأبو الخطاب في "رؤوس مسائله"(2)، فلو رمى سهمًا وهو محرم أو مرتد أو مجوسي ثم وقع السهم بالصيد وقد حل أو أسلم؛ حل أكله، ولو كان بالعكس؛ لم يحل، وقد سبق الخلاف في المحرم.

والثاني: الاعتبار بحال الرمي (3)، قاله القاضي في ["خلافه" في](4) كتاب الصيد، وأخذه من نص أحمد في "رواية يوسف بن موسى"(5) في رجل رمى بنشاب وسمى، فمات الرامي قبل أن يصيب؛ فلا بأس بأكله إذا رماه بما يجرح، وفرع عليه: ما إذا رمياه جميعًا، فأصابه سهم أحدهما أولًا فأثخنه، ثم أصابه سهم الآخر فقتله؛ أنه يجوز أكله؛ لأن الثاني أرسل سهمه قبل امتناعه والقدرة عليه؛ قال: وقد أومأ إليه أحمد في "رواية محمد بن الحكم" في رجلين رميا صيدًا فأصاباه جميعًا، فإن كانا قد ذكياه جميعًا؛ أكلاه، قال القاضي: معناه إذا كانا رمياه جميعًا [بما لهُ حَدٌّ](6)، ولم يفرق

(1) في المطبوع: "بحال"، وفي (ج):"في حالة".

(2)

في المطبوع: "رؤوس المسائل".

(3)

في المطبوع: "الرامي".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(5)

في المطبوع: "يوسف بن أبي موسى"! وهو خطأ، وسبق التنبيه على ذلك.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

ص: 627

بين أن يتقدم إصابة أحدهما على الآخر أو يتأخر. انتهى.

ومما يتفرع على ذلك التسمية؛ فإنها تشترط عند الإِرسال، ولو سمى بعد إرساله؛ فإن انزجر بالتسمية وزاد جريه؛ كفى، وإلا؛ فلا، نص عليه في "رواية الميموني"، وقال القاضي في كتاب الجنايات: إنما اعتبرت التسمية وقت الإرسال؛ لمشقة معرفة (1) وقت الإِصابة، وهذا مشعر بأنه لو سمى عند الإصابة مع العلم بها؛ لأجزأ.

* * *

(1) في المطبوع: "معرفته".

ص: 628