المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إختصاص أهل المدينة - التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي - جـ ٦

[عطية سالم]

الفصل: ‌إختصاص أهل المدينة

قال النووي في المجموع ما نصه: "وأما ما ذكروه من فعل أهل المدينة فقال أصحابنا سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافا ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأرد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادت ست عشرة ركعة، وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعا وثلاثين والله أعلم".

قال الزركشي وهو من أعلام المائة الثامنة في كتابه: (إعلام الساجد بأحكام المساجد) ص260: ما نصه: "قال الماوردي والروياني: اختلفوا في السبب في ذلك على ثلاثة أقوال: أي سبب الزيادة على العشرين المذكورة:

أحدها: أن أهل مكة كانوا إذا صلوا ترويحة طافوا سبعا إلاّ الترويحة الخامسة فإنهم يوترون بعدها، ولا يطوفون فتحصل لهم خمس ترويحات وأربع طوافات فلما لم يكن لأهل المدينة مساواتهم في أمر الطواف الأربع، وقد ساووهم في الترويحات الخمس، جعلوا مكان كل أربع طوافات أربع ترويحات، زوائد فصارت تسع ترويحات، فتكون ستا وثلاثين ركعة لتكون صلاتهم مساوية لصلاة أهل مكة وطوافهم.

والثاني: السبب فيه أن عبد الملك بن مروان كان له تسعة أولاد فأراد أن يصلي جميعهم بالمدينة فقدم كل واحد منهم فصلى ترويحة فصارت ستا وثلاثين.

والثالث: أن تسع قبائل من العرب حول المدينة تنازعوا في الصلاة، واقتتلوا فقدم كل قبيلة منهم رجلا، فصلى بهم ترويحة فصارت سنة والأول أصح"، انتهى منه.

والظاهر أن السبب الحقيقي إنما هو الأول فقط لأنّ الثاني وإن كان يعطينا فكرة عن أبناء الأمراء والخلفاء ومنازل الشرف وميادين المنافسة بالتقدم إلى الصلاة بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاّ أنه كان من الممكن حصول ذلك لهم بالتناوب لكل واحد ليلة، ويبقى العدد على ما هو عليه.

أما الثالث: فهو فضلا عن أنّ فيه صورة العصبية فإنّه أبعد أن يكون في الصدر الأول، ولا سيما للمسجد إمام مسؤول عنه، وقد صلوا جميعا بصلاته فريضة العشاء، فكيف يتنازعون عليه في النافلة.

ص: 41

‌إختصاص أهل المدينة

بهذا العدد:

وهل هذا العمل خاص بأهل المدينة أم لغيرهم لمن أراد المنافسة في الخير؟.

فقد ناقش العلماء هذه

ص: 41

المسألة: فأكثر الشافعية يقولون هو خاص بهم.

قال الزركشي الشافعي في كتابه إعلام الساجد: في خصائص المدينة في المسألة العشرين: قال ما نصه: "قال أصحابنا وليس لغير أهل المدينة أن يجاوروا أهل مكة ولا ينافسوهم" انتهى.

وقال ولي الدين العراقي في طرح التثريب ج1ص98 ما نصه: "وقال الحليمي من أصحابنا في منهاجه فمن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين أيضا لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعض الناس".

والظاهر من مذهب المالكية أنفسهم أنها ثلاث وعشرون ركعة، أي في غير المدينة.

وجاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجموع ج22ص272 في كلامه على قيام رمضان ما نصه: قال: "ثم كان طائفة من السلف يقومون أربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن".

وعلى هذا فلا يقوم دليل على خصوصية هذا العدد بأهل المدينة إلاّ بالعمل وبالنقل على مدى الزمن إلى القرن السابع ومن ثم إلى أواخر عهد الأشراف وقبل العهد السعودي.

وقد تقدم أن سبب زيادة أهل المدينة على أهل مكة أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين سبعا ويصلون ركعتين سنة الطواف فجعل أهل المدينة مكان كل طواف ترويحة زائدة حتى بلغ عدد تراويحهم ستا وثلاثين.

وهذا على إطلاقه يفيد أن هذا العمل أي الطواف كان لجميع أهل مكة، ولكن الواقع خلاف ذلك، وهو أنّ أهل مكة كانوا يصلون بأربعة أئمة للمذاهب الأربعة، ولم يكن يفعل ذلك أي الطواف بين التراويح إلا إمام الشافعية فقط، وهذا بناء على ما ذكره ابن جبير في رحلته وقد كان في مكة سنة579 قال:"والشافعي في التراويح أكثر الأئمة اجتهادا، وذلك أن يكمل التراويح المعتادة التي هي تسليمات ويدخل الطواف مع الجماعة، فإذا فرغ من السبع وركع عاد لإقامة تراويح آخر وضرب بالفرقعة الخطيبة ضربة يسمعها كل من في المسجد لعلو صوتها كأنها إيذان بالعودة إلى الصلاة فإذا فرغوا من تسليمتين ثم عادوا للطواف هكذا إلى أن يفرغوا من عشر تسليمات فيكمل لهم عشرون ركعة ثم يصلون الشفع والوتر وينصرفون، وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا".

ص: 42

ومعلوم أن الشافعية في غير مكة لا يزيدون على ثلاث وعشرين ركعة، والعلم عند الله تعالى.

وبهذا العرض تنهي المائة الثانية ثم قد استهل عصر التأليف والتدوين والاجتهاد والاستنباط والأئمة الأربعة رحمهم الله، وفي أوائل المائة الثالثة بدأ تميز المذاهب الأربعة، وسنفرد لهم فصلا نورد فيه مذاهبهم رحمهم الله كل مذهب على حدة وذلك في نهاية البحث إن شاء الله بعد الفراغ من العرض المسلسل تاريخيا، ونعقد مقارنة بين أقوال المذاهب في حكم التراويح وعددها والقراءة فيها وعمل الختم، وختم أهل مكة وختم أهل المدينة.

ثم نعقبه بمتنوعات عن التراويح مما يتم به العرض وبالله التوفيق وإلى المائة الثالثة.

ص: 43