المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المائة الثانية عشرة - التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي - جـ ٧

[عطية سالم]

الفصل: ‌المائة الثانية عشرة

تنبية: تقدم ذكر الشافعي رحمه الله عدد التراويح (تسع وثلاثون) منها ثلاثة للوتر ولم يفصل نوع وكيفية الصلاة للوتر والمعروف عند الشافعي رحمه الله أنه ثلاث مفرقات. ولكن السيد السمهودي أشار إلى تغيير في الكيفية حيث قال عقب كلامه الأول ما نصه: "فوقع له خلل في أمر الوتر نبهنا عليه في كتاب (مصابيح القيام في شهر الصيام) وكنت قد ذكرت لهم ما يحصل به إزالة ذلك ففعلوه مدة، ثم غلبت الحظوظ النفسية على بعضهم فعاد الأمر كما كان".

قوله هنا: "فوقع لهم خلل في أمر الوتر نبهنا عليه

إلخ" لم نعلم ما نوع هذا الخلل وما هو تنبيهه عليه. والمعلوم أنه لا يوجد خلاف في الوتر إلا في صورته ما بين الجمع والتفريق كما هو بين الأحناف يجمعون الثلاثة كالمغرب، والجمهور يفرقون بينهما يسلمون من اثنتين ويأتون بواحدة مفردة.

والأحناف يقنتون في الوتر إلا أن الحنابلة يجهرون فيه والأحناف يسرون والشافعية والمالكية يقنتون في الصبح إلا أن الشافعية بعد الركوع والمالكية قبله.

ولعل الخلل هو بسبب تعدد الأئمة وتعدد صور الوتر كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله عند الكلام عن المائة الثالثة عشرة وإيراد رسالة الشيخ سليمان العمري في الوتر وكلام أئمة وعلماء المسجد النبوي أنذاك في هذا الموضوع.

ص: 58

‌المائة الحادي عشرة

ما بعد الألف المائة الحادية عشرة:

يغلب على الظن أنه لم يطرأ تغيير على التراويح في المائة الحادية عشرة لأننا وجدنا كلام السيد السمهودي المتوفى سنة 911 أن التراويح كانت ستاً وثلاثين ركعة وثلاثة وترا فالمجموع تسع وثلاثون وأنهم كانوا يصلونها على فعله أبو زرعة رحمه الله.

ثم وجدنا للشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته التي كتبها عن المدينة في المائة الثانية عشرة أن التراويح أيضاً تسع وثلاثون ركعة مما يؤكد أنها مضت في طريقها إلى عهده وشاهدها على ما جاء عنه تفصيله كالأتي:

ص: 58

‌المائة الثانية عشرة

دخلت المائة الثانية عشرة والتراويح على حالها كما كانت قبل الألف عشرون ركعة في أول الليل وست عشرة ركعة في آخره وتسمى الستة عشرية كما جاء من وصف الشيخ النابلسي في رحلته إلى المدينة وما نقلته مجلة العرب عن الرحلة في عدد ذي القعدة الجزء الخامس من السنة الأولى للمجلة سنة 1386ص430 نقلاً عن الشيخ النابلسي قوله: "كنا نصلي عند الشيخ السيد علي السمهودي، وولدي يصلي إماما وكان ولد السمهودي إماما من أئمة الشافعية أنذاك وقال: "إن عادة أهل المدينة بعد فراغ الصلاة التراويح يخرجون

ص: 58

من الحرم، ويقفلون أبوابه، فإذا مضى وقت من الليل نحو الثلاث ساعات أو أربع يعود كثير منهم، فيفتحون أبواب الحرم ويوقدون القناديل، ويصلون ست عشرة ركعة جماعة يسمونها الستة عشرية" اهـ. وهذا هو محل الشاهد على بقاء التراويح على ما كانت عليه زمن السمهودي في المائة العاشرة ولم يطرأ عليها تغيير إلا أنهم يسمون الصلاة التي في آخر الليل الستة عشرية أي نظراً لعدد الركعات ست عشرة ركعة وهذا مما يؤكد أن التراويح ظلت بعد الألف تسع وثلاثون ركعة منها ثلاثة وتراً وتصلى عشرين أول الليل وست عشرة آخره. غير أنه قد وجد أو كان موجوداً من قبل تعدد الأئمة للتراويح حسب تعدد الإمامة للفريضة والذي كان موجوداً آنذاك أئمة لمذهبين فقط هما الشافعية، والحنفية وكان عدة خطباء للائمة الثلاثة أي بزيادة المذهب المالكي، كما جاء في مجلة العرب أيضاً في الجزء الرابع من سنتها الأولى عدد شوال سنة 1386هـ ص334 نقلاً عن رحلة النابلسي أيضاً ما نصه: "وللحرم الشريف خمسة عشر إماما منهم الحنفيون ومنهم الشافعيون وله واحد وعشرون خطيباً، منهم اثنا عشر خطيباً حنفيين، وثمان خطباء شافعيين، وخطيب واحد مالكي.

فالأئمة يصلون بالنوبة في كل يوم إمام واحد من الحنفية، وإمام واحد من الشافعية فيبدؤون من الظهر إلى الصبح والإمام الشافعي يصلي أولاً، ثم الإمام الحنفي إلا في المغرب فيتقدم الحنفي لكراهة تأخير المغرب عنده.

ويصلي الإمام الحنفي يوماً في محراب النبي صلى الله عليه وسلم الذي في الروضة الشريفة فيصلي الإمام الشافعي ذلك اليوم في المحراب الذي خلف المنبر (محراب السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان) ثم في ثاني يوم يصلي الإمام الشافعي كذلك. ويصلي الحنفي مثل ما صلى هو أول يوم". وهؤلاء يصلون التراويح أيضاً في وقت كل لجماعته إلا في ليلة الختم للشافعي فإنهم يصلون جميعاً العشاء والتراويح خلف إمام واحد هو إمام الشافعية وكان إمام الشافعية هو المقدم آنذاك. في الفريضة يصلي أولاً وفي التراويح يختم هو أولاً أيضاً في حفل وحفاوة بالغة كالآتي:

صورة الختم بالمدينة في المائة الثانية عشرة.

قال النابلسي يصف حضوره لختم القرآن العظيم في صلاة التراويح في الروضة الشريفة مع السادة الشافعية. وما شاهده بنفسه كالآتي:

"جاء في مجلة العرب ج9 من سنتها الأولى سنة 1387 عدد ربيع الأول. نقلاً عن رحلة النابلسي ما نصه: وذكر أي النابلسي: "أنهم يختمون

ص: 59

في كل رمضان في صلاة التراويح ختماً كاملاً، يجعلونه ليلة السابع والعشرين من رمضان وأن الحنفية يجعلون الختم ليلة التاسع والعشرين من رمضان". والنابلسي حنفي المذهب.

ثم قال: "وجلسنا في الروضة الشريفة حين أذن العشاء، واجتمع الناس وحضر العلماء والأعيان، والأكابر على طبقاتهم، كل واحد منهم له سجادة مبسوطة في مرتبته، وحضر مفتي الحنفية، ومفتي الشافعية، وقاضي المدينة، وشيخ الحرم، وخدام الحجرة المطهرة، والخطباء والأئمة كلهم، وكان الشريف سعد بن زيد أمير الحجاز قد سافر قبل ذلك مع أولاده وعساكره إلى جهة مكة" أي أنه لم يحضر لسفره. ولعل هذا يشير إلى حضور الأمير في مثل ذلك اليوم.

قال: "وحضر المؤذنون كلهم فأقاموا الصلاة، وصلى الإمام بالناس كلهم صلاة العشاء". أي أنهم جميعاً صلوا بصلاة إمام واحد فريضة العشاء على غير المعتاد في بقية الأيام. وذلك تمهيداً لصلاتهم جميعاً التراويح بإمام واحد ولذا قال: "وكانت النوبة في الإمامة للشاب الفاضل حادي الفضائل السيد عمر بن السيد السمهودي الشافعي". أي أن إمامة الشافعية موزعة على عدة أشخاص من الشافعية أنفسهم ويتناوبون الصلاة بالشافعية وكذلك الحال عند الأحناف لهم عدة أئمة كما تقدم بيان عدد الجميع.

ثم قال - وهو محل شاهد -: "ثم صلى بهم التراويح إلى أن فرغ منها". أي أن الإمام الشافعي وهو السيد عمر بن السيد السمهودي شافعي المذهب صلى بالجميع التراويح تلك الليلة إلى أن فرغ منها.

ثم قال مبيناً صورة الختم وحفاوتهم به: "فاجتمع المؤذنون في الروضة الشريفة وأنشدوا القصائد النبوية المشتملة على المديح، وذكر الروضة، والمنبر والحجرة المطهرة وحصل الخشوع والبكاء. وأنشدوا القصائد في وداع شهر رمضان، وضج الناس بذلك، وكانت الهيبة العظيمة والجلال والخشوع.

وقد أشعلوا الشموع الكثيرة، وصفوها في الروضة الشريفة والقناديل العديدة موقدة ومباخر الطيب بالعنبر والعود دائرة، وماء الورد كأنه سحابة هامرة وكل جماعة من الحاضرين قدامهم طبق موضوع من الزهور والفل والفاغية، وأنواع الرياحين، حتى أرسل شيخ الحرم إلى الإمام بعد فراغه بالخلعة السنية الفضية الذهبية. وقام الناس يباركون له الختم الشريف وهو جالس في محراب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك المقام المنيف وقد حصل لنا كمال الثواب والأجر في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وزرنا النبي صلى الله عليه وسلم" ثم ذكر

ص: 60