المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجديد في هذا العهد - التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي - جـ ٩

[عطية سالم]

الفصل: ‌الجديد في هذا العهد

وهو إمام دار الهجرة ممن يكره تعدد الجماعة في المسجد الواحد للفريضة الواحدة.

وقد مرَّت بالمدينة قبل هذا العهد أطوار مذهبية ساد أولا فيها مذهب مالك ثم ساد بعده مذهب الشافعي، ثم بعده مذهب أبي حنيفة رحمهم الله جميعا، وذلك بدون تعدد في وقت واحد ثم تعدد المذاهب في المدينة بعد أن ظهرت الدراسات المذهبية وتميز طلاب كل مذهب، وبدأت المنافسة ثم تحولت إلى مناقشة، ثم انتهت إلى تعصب، وأخيرا تعدد الأئمة في الصلوات الخمس، ثم جاء العهد السعودي فتوحدت فيه الجماعة في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام للصلوات الخمس وللتراويح.

أما عدد الركعات وكيفية الصلاة فكانت عشرين ركعة بعد العشاء وثلاثا وترا، وذلك طيلة الشهر فإذا دخل العشر الأواخر زيدت عشر ركعات في آخر الليل باسم القيام، ومعها ثلاث وترا. فيكون مجموع الركعات في العشر الأواخر ستا وثلاثين ركعة إذا أضفنا الوتر أول الليل وآخره فيتفق العدد مع ما كانت عليه من قبل، ولكن هل كان ذلك مقصودا أم جاء عفوا واتفاقا يغلب على الظن أنه جاء عفوا وإن الزيادة قصد بها الاجتهاد في العشر الأواخر كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها. وعنها أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر طوى فراشه وشد مئزره وأيقظ أهله.. إلى غير ذلك.

ولا سيما شدَّة التحري لليلة القدر التي تضافرت النصوص أنها في العشر الأواخر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر دون غيرها.

وعليه فتكون التراويح قد استقرت على عشرين ركعة على ما عليه العمل في جميع البلاد وعليه المذاهب الثلاثة. وخصت ليالي العشر الأواخر بعشر ركعات تهجدا وقياما.

ص: 69

‌الجديد في هذا العهد

.

فيكون الجديد في التراويح في هذا العهد بالنسبة لما قبله هو: توحيدها في الجماعة الأولى، وإبطال التعدد الذي كان يشوش بعضهم على بعض. وقد سمعت من الشيخ محمد مظهر أن جده كان يخرج إلى بيته يصلي

ص: 69

التراويح فرار عن التشويش في المسجد.

والجدير بالذكر أن من أعظم نعم الله على الأمة أن تتوحد في الصلوات كلها في جماعة واحدة، وعلى إمام واحد أيا كان مذهبه من المذاهب الأربعة التي لم تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولسنا في معرض مناقشة تعدد الأئمة والجماعة في الصلاة الواحدة في المسجد الواحد لا لشيء إلا لاختلاف مذهب هذا عن مذهب ذاك مع اتفاق أئمة المذاهب أنفسهم رحمهم الله على جواز صلاة كل منهم خلف الآخر. ولسنا كذلك في معرض المقارنة بين مذهب ومذهب فكلهم يرجعون إلى أصل واحد هو الكتاب والسنة. فلسنا في معرض هذا أو ذاك ولكن يهمنا وحدة الأمة، وبالأخص في عمل هو شعار الوحدة، ويكفي في ذلك الإشارة إلى ما سلف ذكره عن عمر رضي الله عنه لما دخل المسجد ووجد تعدد الجماعات فساءه ذلك فجمعهم على إمام واحد كراهية تفرقتهم أوزاعا، ولما رآهم من الغد ورأى اجتماعهم بعد الفرقة أعجبه ذلك وقال:"نعمت البدعة تلك".

أما العدد والاقتصار منه على عشرين ركعة فإنه العدد المعمول به عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في غير المدينة وأخذا برواية ((يزيد بن رومان)) في نفس المدينة وعدم الأخذ بالزيادة في مقابل طواف بعض أهل مكة الذي تقدم الكلام عليه. وهذا العدد هو ما كان العمل عليه في المائة الرابعة وما بعدها إلى عهد أبي زرعة رحمه الله وتقدم أنه لما أراد بإعادة الست والثلاثين ركعة لم يعدها مجتمعة بل راعى خلاف الأئمة فصلى عشرين ركعة بعد العشاء عملا بما عليه الاتفاق، وأتى بالست عشرة ركعة آخر الليل مراعاة لعمل أهل المدينة، وقد كان يختم القرآن مرتين إحداهما في العشرين ركعة أول الليل، والأخرى في الست عشرة ركعة التي يصليها في آخر الليل.

وهذا الختم موجود كذلك في هذا العهد حيث يختم الإمام في التراويح أول الليل ثم يختم مرة أخرى في العشر ركعات في آخر الليل من العشر الأواخر.

فالتقى هذا العهد مع الذي قبله تقريبا في النتيجة، وهي ختم القرآن

ص: 70

الكريم مرتين وإن اختلف عنه في عدد الركعات وفي كيفية توزيع الصلاة، وانفرد هذا العهد بتوحيد الجماعة وإن وجد عدة أئمة يتناوبون الصلوات الخمس دون أن تتعدد الجماعة للصلاة الواحدة.

وكان أول من تولى الإمامة في العهد السعودي من السعوديين هو الشيخ الحميدي بردعان من أهالي حائل.

وتولاها معه ومن بعده عدة أئمة كانوا من أئمة سابقين يصلون بأتباع المذاهب الثلاثة على الوضع الأول فكانوا يتناوبون جميعا للصلوات الخمس يصلي كل واحد منهم بالجميع فريضة دون تعدد الجماعات.

فكان الشيخ محمد خليل من أئمة الشافعية سابقا أسندت إليه صلاة الظهر للجميع.

وكان الشيخ مولود من أئمة المالكية سابقا أسندت إليه صلاة العصر.

وكان الشيخ أسعد توفيق من أئمة الأحناف أسندت إليه صلاة العشاء.

وأسندت صلاتي المغرب والفجر إلى الشيخ عبد الرزاق حمزة.

وكان ينوب عنه الشيخ تقي الدين الهلالي.

كما كان يصلي أيضا الشيخ محمد عبد الله التنبكتي.

ثم كان من بعدهم جميعا لجميع الصلوات الخمس وللتراويح فضيلة المرحوم الشيخ صالح الزغيبي تولى الإمامة حوالي ربع قرن ظل فيها إلى أخريات حياته.

ولما كبر كان يساعده فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ابتدأ من شعبان سنة 1367هـ ثم انفرد بالإمامة فضيلة الشيخ عبد العزيز بعد وفاة الشيخ صالح الزغيبي رحمه الله سنة 1376هـ تقريبا.

وفي سنة 1376هـ عيِّن فضيلة الشيخ عبد المجيد بن حسن مساعدا لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح.

ولا تزال إمامة المسجد النبوي الرسمية لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ونائبه فضيلة الشيخ عبد المجيد بن حسن إلى تاريخ كتابة ذلك.

وكنَّا نود أن نقدم الكثير عن أصحاب الفضيلة أئمة المسجد النبوي في هذا العهد وخاصة الذين صلوا التراويح ولكن ذلك يطول ذكره ويبعدنا عن الموضوع.

ولكن لا يسعنا إلا أن نورد عبارات موجزة ولمحات خاطفة إلى أن يقيض

ص: 71