الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل هذا الكتاب رسالة علميّة بعنوان: "التصحيح والترجيح لابن قطلوبغا، دراسة وتحقيق"، نال بها الباحث درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية، وأجيزت بتقدير: جيّد جدًّا مع التنويه، وقد نُوقشت بتاريخ 14/ ربيع الأول/ 1422 هـ، الموافق: 6/ 6/ 2001 م.
وكانت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة مكونة من:
• سماحة المفتي الشيخ خليل المَيْس/ مشرفًا.
• الأستاذ الدكتور رضوان السَّيِّد/ مشرفًا.
• الشيخ الدكتور أحمد اللَّدَن/ عضوًا.
• الشيخ الدكتور أنس طَبّارَة/ عضوًا.
بِسمِ اللَّهِ الرَحّمَن الرّحِيمِ
شكر وتقدير
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن وفى، وبعد:
فإني أشكر شكرًا جزيلًا كل من أسدى إليّ عونًا أو معروفًا خلال رحلة تحقيق هذا الكتاب، من توجيه أو نصح، أو زيارة لمكتبة أو إعارة لكتاب.
وأخص بالشكر والتقدير أستاذي الكريم سماحة المفتي الشيخ خليل المَيْس حفظه الله، الذي أشرف على هذا العمل العلمي.
والعرفان الجميل والشكر الجزيل إلى من كان لي عونًا على الطريق الذي ألتمس فيه علمًا: والديّ الكريمين، اللهم بارك فيهما، وارحمهما كما ربياني صغيرًا.
وأشكر إدارة مكتبة المعهد العالي للدراسات الإسلامية، التابع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، بما كان لها من يدٍ في تأمين بعض النسخ المخطوطة لهذا الكتاب.
كما أشكر إدارة المكتبة العامة في أزهر البقاع لتشجيعها على التفرغ للبحث، عبر تسهيل الإقامة في مبنى المكتبة.
ولا أنسى أن أخصّ بالشكر والدعاء أساتذتي ومشايخي الفضلاء، الذين تتلمذت على أيديهم في أزهر البقاع، وفي كلية الشريعة التابعة لدار الفتوى في بيروت، وفي بعض مساجد دمشق، وأخيرًا في المعهد العالي للدراسات الإسلامية، حيث كان هذا الجهد.
أسأل الله العظيم القبول والتوفيق، والعفو عن الذنوب والتقصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ضياء
بِسمِ اللَّهِ الرَحّمَن الرّحِيمِ
مقدمة سماحة المفتي الشيخ خليل المَيْس
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الواجب على من أراد أن يعمل لنفسه أو يفتي غيره أن يتبع القول الذي رجّحه علماء مذهبه، ولا يجوز له اختيار أحد القولين أو الوجهين من غير نظر، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأيضًا فإن كلًّا من القاضي والمجتهد لا يحل لهما الحكم أو الإفتاء بغير الراجح؛ لأنَّه اتباع للهوى وهو حرام شرعًا ..
وقد نُقل عن ابن كمال باشا قوله: "لابدّ للمفتي أن يعلم حال من يفتي بقوله. . من حيث مرتبته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من بين طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين. . .".
هذا، وللتمييز بين الروايات عن صاحب المذهب، والمفاضلة بين أقوال فقهائه، لا بدّ من تحصيل درجة فقهية تعرف عند أهل الاختصاص بطبقة أصحاب الترجيح من المقلّدين كأبي الحسين القُدُوري (- 428 هـ) وصاحب الهداية (- 593 هـ) وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم: هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوضح دراية، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرْفق للناس. . .
وقد التزم هؤلاء في مصنفاتهم وضع القول الصحيح من المذهب، الذي هو ظاهر الرواية، فيكون ما في غيرها مقابل الصحيح، ما لم يصرَّح بتصحيحه، فيقدم عليها لأنها تصحيح صريح فيقدم على التصحيح الالتزامي.
هذا وإن اختلاف الروايتين ليس من باب اختلاف القولين؛ لأن القولين نصّ المجتهد عليهما، بخلاف الروايتين، فالاختلاف في القولين من جهة المنقول عنه لا الناقل، بينما الاختلاف في الروايتين من جهة الناقل لا المنقول عنه.
ولا بد من الإشارة إلى أن كثيرًا من الأحكام التي نصّ عليها المجتهد صاحب المذهب، بناء على ما كان في عرفه وزمانه، قد تغيرت بسبب تغير الزمان، أو فساد أهله، أو عموم الضرورة. . من ذلك إفتاء المتأخرين بجواز الاستئجار لتعليم القرآن. . وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة. . وتضمين الأجير المشترك، وإفتاؤهم بتضمين الغاصب عقار الوقف واليتيم. . وغيرها من المسائل المبنية على العرف، لا على الحجّة والبرهان. .
وإن عبارتي (التصحيح) و (الترجيح) مصطلحان فقهيان، يقصد بالأولى منهما ما صح نسبته من الأقوال إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، برواية كبار تلاميذه كأبي يوسف ومحمد بن الحسن.
وأما (الترجيح) فيكون ما بين أقوال أصحابه الذين كانت لهم القدم الراسخة في الفقه، حيث تميّز المذهب الحنفي عن سائر المذاهب الفقهية الثلاثة بأنه مذهب جماعي، وإن القضاء أو الإفتاء بمقتضى مذهب الإمام يتعيّن أن يكون بالقول الراجح في المذهب، لذلك كله اقتضى إفراد هذين المصطلحين بمصنف يكون عمدة في هذا الباب.
وقد توجهت عناية العلامة قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة 879 هـ، إلى وضع مصنفه "الترجيح والتصحيح" على مختصر القدوري، - الذي يعتبر في مقدمة المتوفى المعتبرة في نقل المذهب - حيث عمد إلى ما ورد فيه من مسائل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، وبيّن القول الصحيح، المعتمد في المذهب.
وظلّ هذا الكنز مطويًّا في خزائن المخطوطات حوالي خمسة قرون، حتى قيّض الله تعالى له الباحث الفاضل الشيخ ضياء يونس فاختاره ليكون موضوع أطروحته العلمية لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للدراسات الإسلامية
/المقاصد/ .. وعكف عليه بشغفٍ وصدق عزيمة، وأعطاه من الجهد ما يستحق، بحثًا وتنقيبًا واستقصاء وتحقيقًا، حتى أخرجه في حلة قشيبة زادت في قيمة هذا الكنز المضنون به على أهله، واستحق تقديرًا لجهده العلمي المميز، التنويه من اللجنة المناقشة حيث أوصت بطباعته، ليكون في متناول الباحثين، ويعمّ نفعه بين طلبة العلم الشرعي، علمًا بأن هذا البحث هو باكورة عمله العلمي، كما أن الباحث هو في مقدمة من حصّل رتبة الماجستير من خريجي أزهر البقاع، وإننا لنرجو الله تعالى أن يحسن مثوبته، ويجعل هذا العمل مقبولًا ومباركًا، كما بورك في الكتاب الأصل (متن القدوري) والذي وُفِّق من قبل ابن قطلوبغا لخدمته، بحيث صار عمدة لكل من جاء بعده من الفقهاء وفي مقدمتهم ابن عابدين رحمه الله. . والذي اتخذ من "التصحيح والترجيح" مرجعًا لا يكاد يتجاوزه في رسالته (رسم المفتي)، ومادة علمية غزيرة لحاشيته (ردّ المحتار).
ونأمل أن يكون هذا الجهد من الباحث الفاضل منطلقًا له في مسيرة البحث العلمي، تحقيقًا وتصنيفًا وإبداعًا مميّزًا بإذنه تعالى وتوفيقه. . والله ولي التوفيق.
غزة ذي القعدة سنة 1422 هـ
المقابل 15 كانون الثاني سنة 2002 م
وكتبه
مفتي زحلة والبقاع الغربي
مدير أزهر لبنان وأزهر البقاع
الشيخ خليل الميس
بِسمِ اللَّهِ الرَحّمَن الرّحِيمِ
مقدّمة التحقيق
الحمد لله، وفّق للفِقه في الدّين من أراد به خيرًا من عباده المؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ورضي اللّه عن الخلفاء الأربعة الراشدين، ورَحِمَ الأئمة الأربعة المجتهدين، وكل من سار على نهجهم إلى يوم الدين.
وبعد؛ فلقد اتفقت الأمة في عصورها المتعاقبة، على الرجوع إلى أحد المذاهب الفقهية الأربعة المتّبَعة، إذ إنّ هذه المذاهب ورغم اختلافها في كثير من المسائل العمليّة، لم تخرج على ما كان عليه الصحابة الكرام، ولم تحِد عن مناهجهم في استنباط الأحكام، وقد اعتبر العلماء الخلافَ الفقهي خَصِيصةً لهذه الأمة، وتوسعة في شريعتها السَّمْحة.
وإنه لمن حكمة الله ورحمته أن أودع في أصول هذه الشريعة قواعد كلية ومبادئ عامة، كفيلة بتنظيم حياة الناس في الأزمنة والأمكنة كافة، "ولو التزمنا ألّا نحكم [بحكم] إلّا حتى نجد فيه نصًّا، لتعطّلت الشريعة، فإن النّصوص فيها قليلة. . وإنما هي الظواهر والعمُومات والأقيسة"
(1)
. ولمّا تعدّدت الاجتهادات
(2)
في القواعد والمسائل الأصولية المستنبطة، كان لا بدّ من تعدد الأقوال في تعيين الأحكام. . فتنوّعت المذاهب الفقهية، فاجتهد علماء المسلمين من بعد، في دراسة تلك المذاهب وتنقيحها وبيان أصولها وفروعها. .
ولقد حظي مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله بعناية خاصة منذ مراحل
(1)
"الجامع لأحكام القرآن"، للإمام القرطبي، 6/ 289، وما بين الحاصرتين زيادة من المحقِّق.
(2)
إن النصوص الشرعية ليست على مرتبة واحدة من حيث الثبوتُ والدلالة، إذ منها ما هو قطعىٌّ الثبوت؛ قطعي أو ظنيّ الدلالة، ومنها ما هو ظني الثبوت؛ قطعي أو ظني الدلالة، والاختلاف في تفسير الظنَيّات لا بُدَّ واقع فطرةً وخِلقةً، لاختلاف طبيعة العقول ..
تدوينه الأولى، حيث أيّد الله تعالى الإمام بأصحابِ أئمة مجتهدين، بحثوا معه المسائل ودوّنوا معه الكتب، إذ "كان أصحاب أبي حنيفة الذين دوّنوا معه الكتب أربعين رجلًا كبراء الكبراء"
(1)
.
ثم صنَّف الإمام محمد بن الحسن الشيباني كتبًا تلقّاها علماء الأمصار من بعده بالرضا والقَبول، وكانت عمدة المذهب الحنفي، ومرجعًا لمن ألّف في الفقه من بعده، وهي الكتب التي سمّيت بظاهر الرواية، وقد قيل في شأنها:"إن القاضي المقلِّد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر الرواية، لا بالرواية الشاذة، إلّا أن ينصّوا على أن الفتوى عليها"
(2)
. وكتب ظاهر الرواية ستة: "المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والسِّيَر الصغير، والجامع الكبير، والسير الكبير"؛ وقد يسمونها مسائل الأصول، وهي مروية عن الإمام محمد بالأسانيد الصحيحة الثابتة، وهي إمّا متواترة أو مشهورة عنه
(3)
.
ثم جمع الحاكم الشهيد (- 334 هـ) كتب محمّد الستة في كتاب "الكافي" ولقي كتابُه هذا الكثير من التقدير تبعًا لأصوله، قال العلامة إبراهيم البيري (- 1599 هـ) في "شرح الأشباه"
(4)
: "أعلم أن كتب مسائل الأصول: كتاب الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب". وقد شرحه جماعة من العلماء منهم شمس الأئمة السرخسي (- 483 هـ) وهو الشرح الذي اشتهر بـ: "مبسوط السرخسي"، وقد نال كذلك الثّقة والاعتماد في المذهب، حيث "لا يُعمل بما يخالفه، ولا يُركَن إلّا إليه، ولا يفتى ولا يعوّل إلا عليه"
(5)
.
ولقد حرص الأئمة الفقهاء قديمًا كالإمام أبي جعفر الطّحَاوي (- 321 هـ)، والإمام أبي الحسن الكَرْخي (- 340 هـ)، والإمام أبي الحسين القُدُوْرِي (- 428 هـ)، على وضع مختصرات تجمع مسائل الفقه المعتمدة، وتضبط أقوال الفقهاء المعتبرة في المذهب، مع الدقّة في العبارة والتمحيص في الصياغة، فجاءت كتبهم موجزة
(1)
"حُسْن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي" للكوثري ص 12، وفيه أن الخبر المذكور رواه الإمام الطّحاوي بسنده إلى المغيرة بن حمزة.
(2)
رسالة "رسم المفتي" - ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين - 1/ 16.
(3)
انظر: "رد المحتار على الدر المختار"، للعلامة ابن عابدين 1/ 47، و"رسم المفتي" له 1/ 16.
(4)
ونقله في: "رد المحتار" 1/ 47، 48، و"رسم المفتي" 1/ 20.
(5)
"حاشية ابن عابدين" 1/ 47، 48.
العبارة جامعة الإشارة، حتى يسهل على طالب العلم أن يستظهرها بأيسر طريق، وفي أقل زمن.
ولما كان مصنفو هذه المختصرات من كبار الفقهاء وحذّاق الأئمة، وقد التزموا فيها إيراد الراجح والمقبول في المذهب، صارت متونهم "موضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية"
(1)
، فمسائلها ملحقة بمسائل الأصول في صحتها وعدالة رواتها، "وقد تواترت عن مصنفيها كما لا يخفى. ."
(2)
.
واهتمّ عامّة علماء المسلمين قديمًا وحديثًا بتلقين النشء وتحفيظهم تلك المتون المختصرة الجامعة، لتكون نواةً صالحة، أو رُكنًا ثابتًا لما يمكن أن يبنى عليها من فقه وعلم. يقول الإمام فخر الإسلام قاضي خان (- 592 هـ):"ينبغي للمتفقه أن يحفظ كتابًا واحدًا من كتب الفقه دائمًا، ليَتيسّر له بعد ذلك حفظ ما يسمع من الفقه"
(3)
.
ثم اتسع اهتمام العلماء بالمختصرات، وصنفوا لها شروحًا كثيرة، بل إن أسلوب كتابة "الشروح" و"الحواشي" في التصنيف الفقهي، كان هو الأسلوب المعتمد الغالب عبر قرون عديدة.
ومع انتشار حركة الشروح هذه، ومع جهود العلماء الكبيرة في تنظيم الأبواب الفقهية وجمع شتات المسائل وتعليلها وتخريج الحوادث والنوازل على الأصول، يتبيّن للناظر مدى اختلاف الروايات وأقوال الأئمة في أغلب المسائل، وتشعّبِ آراء المجتهدين في المذهب، والمخرّجين عليه حول ما استجدّ من الوقائع.
لهذا، دعت الحاجة إلى ظهور أسلوب جديد في التأليف والكتابة، ونمط غير مسبوق في التعليق على المختصرات، من شأنه تقريب تلك المسائل - المختلف فيها - للطلاب، ببيان القول الصحيح المعتمد في المذهب سواء إذا تعدّدت أقوال الإمام في مسألة، أو عند اختلاف الأئمة - أبي حنيفة وأصحابه -، أو عند اختلاف الرواية عنهم في مسألة من المسائل، وإظهار الرأي الراجح من بين الآراء الاجتهادية المختلفة، فيكون ذلك المصنَّف ضابطًا لفتاوى المفتين، وموحِّدًا لأقضية القضاة
(1)
"رسم المفتي" 1/ 37.
(2)
"حاشية ابن عابدين" 1/ 49.
(3)
"تعليم المتعلم طريق التعلم"، للزّرْنُوجي، ص 83.
الحاكمين، فلا يُعمل بالمرجوح في مقابلة الراجح اتباعًا لرأي قد يقوده الهوى.
وكان على من استشرف في نفسه الملكة الفقهية، والقدرة على الاجتهاد أو استحضار أقوال المجتهدين وأصحاب الترجيح، أن يفرد كتابًا بالتصنيف يبرز فيه هذا النوع من المسائل تيسيرًا للطلاب المبتدئين، وتقريبًا للعلماء المتفقّهين "وإنْ كان ذلك موجودًا في الشروح والمطوْلات، إلا أنهم أسعفوا بذلك من لم يصل إلى تلك"
(1)
.
وبالفعل؛ كان أوّل من سبق إلى هذا النوع من الدراسة المتخصّصة في المذهب الحنفي
(2)
هو العلامة الفقيه المحدّث الشيخ قاسم بن قُطْلُوبُغا رحمه الله تعالى، حيث ألّف كتابه هذا:"التصحيح والترجيح"، وجمع فيه مختلف الأبواب الفقهية تبعًا لمسائل "مختصر القدوري"، مصحّحًا القولَ المعتمد، وذلك وَفْق منهج ذكره في تقدمته للكتاب، مع زيادات وتعليقات وتحقيقات. .
ولقد رأيت من واجبي - وأنا أخدم كتابًا في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه - أن أصدِّره بدراسة أذكر فيها بعض مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان، وكيف دُوّن مذهبه. . وطبقاتِ الفقهاء في المذهب الحنفي، وأنواع المسائل فيه، ثم الكلام على مختصر القدوري إذ هو الأصل الذي اعتمد عليه مصنف "التصحيح والترجيح" للتعليق على مسائله الخلافية، وهو ما شكّل المدخل للكتاب.
ثم أتبعت هذا المدخل بدراسة حول الكتاب وقسمتها إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول؛ ترجمت فيه للشيخ قاسم بن قطلوبغا ترجمة موسعة، وذكرت مكانته بين العلماء، كما فصّلت القول في بيان كتبه ورسائله.
ثم الفصل الثاني، وهو دراسة علميّة لكتاب "التصحيح والترجيح"، وفيه ثلاثة مباحث؛ المبحث الأول: أهمية كتاب التصحيح، والمبحث الثاني: حول مسألة الترجيح في المذهب الحنفي، والمبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه.
(1)
من مقدّمة المؤلف، ص 132.
(2)
يشير المصنف رحمه الله تعالى في أواخر مقدمته ص 132، إلى أنه وضع هذه التصحيحات، تأسّيًا بما فعله الأئمة من الشافعية لمختصراتهم، وقد ذكرت أمثلة على ذلك عند التعليق على الموضع المذكور من المقدمة.
أما الفصل الثالث فهو دراسة وصفيّة لكتاب "التصحيح والترجيح"، وقد بحثت فيه الأمور التالية: تسمية الكتاب، تاريخ تأليفه، وصف النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق، وأخيرًا، عملي في التحقيق. .
أسأل الله تبارك وتعالى القَبول والتوفيق والسّداد، والحمد لله أوّلًا وآخرًا.
وكتبه:
ضياء يونس يونس
لالا - البقاع - لبنان
1422 هـ / 2001 م
المدخل
-
الإمام أبو حنيفة، وسنده في العلم:
يقول التابعي الجليل مسروق بن الأجدع رحمه الله: "شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى سِتّة: عمر وعليّ وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت، ثم شاممت السّتّة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله. ."
(1)
.
وعبد الله، هو ابن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أرسله إلى الكوفة:"إني قد بعثت إليكم بعمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلِّمًا ووزيرًا. . فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي"
(2)
.
ولقد عني ابن مسعود بتفقيه أهل الكوفة وتعليمهم القرآن منذ أن بُنيت تلك المدينة سنة: (17 هـ)، إلى أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، عناية لا مزيد عليها، إلى أن امتلأت الكوفة بالقرّاء والفقهاء والمحدّثين، بحيث أبلغ بعض ثقات أهل العلم
(3)
عدد من تتلمذ على يديه نحو أربعة آلاف عالم وتلميذ. . حتى إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما انتقل إلى الكوفة سُرّ من كثرة فقهائها وقال: "رحم الله ابن أمِّ عبد، قد ملأ هذه القرية علمًا
(4)
".
وكان من أبرز فقهاء الكوفة من التابعين: علقمة بن قيس النَّخَعي المتوفى سنة 62 هـ، قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه:"لا أعلم شيئًا إلّا وعلقمة يعلمه"
(5)
، وإن مِن أبرز مَن تفقه على علقمة: إبراهيم بن يزيد النخعي، العالم التابعي الإمام،
(1)
قال الحافظ الهيثمي في: "مجمع الزوائد" 9/ 160: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير القاسم بن معين وهو ثقة".
(2)
"طبقات ابن سعد" 6/ 7، 8.
(3)
هو الإمام السرخسي في "المبسوط" 16/ 68.
(4)
انظر: "فقه أهل العراق وحديثهم"، للإمام الكوثري، ص 52.
(5)
المرجع السابق، ص 56.
المتوفى سنة 96 هـ، الذي قيل فيه
(1)
: "إنه ما ترك أحدًا أعلم أو أفقه منه". وكان الفقيه المجتهد حماد بن مسلم بن يزيد (- 120 هـ) من أخص تلامذة إبراهيم النخعي، بل هو أنبلهم وأفقههم وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي
(2)
. ولقد لازم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، هذا الإمام الجليل - حمادًا - ثماني عشرة سنة
(3)
فاستفاد من علمه وأدبه الكثير.
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"
(4)
: "فأفقه أهل الكوفة: علي وابن مسعود، وأفقه أصحابهما: علقمة، وأفقه أصحابه: إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم: حمّاد، وأفقه أصحاب حماد: أبو حنيفة"!.
وفي تاريخ بغداد
(5)
للخطيب البغدادي، بسنده إلى أبي حنيفة قال:"دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال لي: يا أبا حنيفة، عمّن أخذت العلم؟ قال: قلت عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، قال: فقال أبو جعفر: بخ بخ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة. .".
وأبو حنيفة هو: النُّعْمان بن ثابت بن المرزُبان، الإمام الأعظم والعلامة الأشهر، أحد كبار المجتهدين في عصر التابعين، ولد في الكوفة سنة: ثمانين، وتوفي في بغداد سنة: مئة وخمسين، مناقبه كثيرة وفضائله جليلة، وأقوال العلماء في مدحه وبيان مكانته وحسن سيرته. بما يصعب حصره جدًّا، بل إنّ الكتب والدراسات التي عنيت بشأنه لا زالت تتوالى حتى اليوم.
يقول عبد الله بن داود الخُرَيْبي رحمه الله: "يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلاتهم! وذَكَر حفظه عليهم السنن والفقه"
(6)
.
(1)
عن شعيب بن الحَبْحاب قال: "كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي، فقال الشعبي - عامر بن شراحيل -: أدفنتم صاحبكم؟ قلت: نعم، قال: أما إنه ما ترك أحدًا أعلم منه أو أفقه منه، قلت: ولا الحسن ولا ابن سيرين؟ قال: نعم، ولا من أهل البصرة، ولا من أهل الكوفة ولا من أهل الحجاز. ." كذا في "سير أعلام النبلاء" 5/ 431، وانظر "طبقات ابن سعد" 6/ 284.
(2)
"سير أعلام النبلاء" 6/ 60، 61.
(3)
"تاريخ بغداد" 13/ 333.
(4)
6/ 65.
(5)
13/ 334.
(6)
"تاريخ بغداد" 13/ 344.
-
تلاميذ الإمام أبي حنيفة:
قال الإمام أبو المؤيد الخُوَارزمي، في مقدمة كتابه "جامع المسانيد"
(1)
بسنده إلى قاضي القضاة أبي بكر عتيق بن داود اليماني رحمه الله تعالى أنه قال - وهو يذكر مناقب أبي حنيفة -: "هو إمام الأئمة وسراج الأمة ضخم الدَّسِيعَة
(2)
، السابق إلى تدوين الشريعة، ثم أيده الله بالتوفيق والعصمة فجمع له من الأصحاب والأئمة عصمة منه تعالى لهذه الأمة ما لم يجتمع في عصر من الأعصار في الأطراف والأقطار.
منهم ذو الفقه والدراية المعتَرف له بعلم الحديث والرواية، إمام المسلمين وقاضي قضاة المؤمنين: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، رحمه الله تعالى.
ومنهم ذو الفهم والبيان، الماهر في علمَي الفقه واللسان، العالم الرباني: محمّد بن الحسن الشيباني، رحمه الله تعالى.
ومنهم ذو الذكاء الباهر والعلم الزاهر: زُفَر بن الهذيل التميمي العَنْبري.
ومنهم الفاضل النزيه والكامل الفقيه: الحسن بن زياد اللؤلؤي، رحمه الله.
ومنهم الفقيه البصير، المقرّ له بالتفسير، الورع الفصاح: وكيع بن الجرّاح.
ومنهم الفقيه الكامل، الماجد الورع الزاهد: عبد الله بن المبارك المروزي.
ومنهم أزهد الأئمة، وراهب هذه الأمة: داود بن نصير الطائي رحمه الله.
ومنهم إمام أئمة حديث النبي: حفص بن غياث النخعي، رحمه الله تعالى.
ومنهم الإمام المعظم: والعالم المقدم: محمد بن زكريا بن أبي زائدة.
ومنهم: الإمام ابن الإمام حمّادُ بن أبي حنيفة، ويوسف بن خالد السمتي، وعافية بن يزيد الأودي، وحبان، ومندل، ابنا علي، وعلي بن مسهر، والقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأسد بن عمرو البجلي قاضي واسط، ونوح بن أبي مريم الجامع، وغيرهم ممن يطول ذكرهم، رضي الله عنهم ".
(1)
1/ 31، 32، وانظر "مناقب الإمام الأعظم"، للموفق المكي 2/ 132، 133.
(2)
إعطاء الدَّسِيعة: للعطية الجزيلة. (القاموس المحيط ص 923، 924).
-
تدوين مذهب أبي حنيفة:
حدّث الإمام الطَّحاوي بسنده إلى أسد بن الفرات أنه قال: "كان أصحاب أبي حنيفة الذين دوّنوا الكتب أربعين رجلًا، فكان في العشرة المتقدمين: أبو يوسف، وزفر بن الهذيل، وداود الطائي، وأسد بن عمرو، ويوسف بن خالد السمتي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو الذي كان يكتبها لهم ثلاثين سنة"
(1)
.
وعن المغيرة بن حمزة: "كان أصحاب أبي حنيفة الذين دونوا معه الكتب: أربعين رجلًا كبراء الكبراء"
(2)
.
وقال الموفق المكي
(3)
: "وضع أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم، اجتهادًا منه في الدين، ومبالغةً في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلّبهم ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده، ويناظرهم شهرًا أو أكثر من ذلك حتى يستقرّ أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول"
(4)
.
وقال أسد بن عمرو: "كانوا يختلفون عند أبي حنيفة في جواب المسألة، فيأتي هذا بجواب وهذا بجواب، ثم يرفعونها إليه ويسألونه عنها، فيأتي الجواب من كثب - أي من قرب -، وكانوا يقيمون في المسألة ثلاثة أيام ثم يكتبونها في الديوان"
(5)
.
وقال يحيى بن معين، عن الفضل بن دكين، سمعت زفر يقول: "كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فكنا نكتب عنه، قال زفر: فقال يومًا أبو حنيفة لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد
(1)
انظر: "حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي"، للإمام الكوثري، ص 12.
(2)
ذكره الكوثري في "حسن التقاضي" ص 12.
(3)
في: "مناقب الإمام الأعظم" 2/ 133.
(4)
ذكر الخوارزمي في "جامع المسانيد" 1/ 33، بسنده إلى وكيع بن الجراح، أن رجلا قال:"أخطأ أبو حنيفة! فقال وكيع: كيف يقدر أبو حنيفة أن يخطئ ومعه مثل أبي يوسف وزفر ومحمد، في قياسهم واجتهادهم، ومثل يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل ابنا علي، في حفظهم للحديث ومعرفتهم به، والقاسم بن معن - يعني ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - في معرفته باللغة والعربية، وداود بن نصير الطائي وفضيل بن عياض، في زهدهما وورعهما. .؟ من كان أصحابه هؤلاء وجلساؤه، لم يكن ليخطئ؛ لأنَّه إن أخطأ ردّوه إلى الحق".
(5)
"حسن التقاضي" ص 12.
أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا وأتركه في غده"
(1)
اهـ. قال الكوثري بعد هذا النقل: "انظر كيف كان ينهى أصحابه عن تدوين المسائل إذا تعجّل أحدهم بكتابتها قبل تمحيصها كما يجب، فإذا أحطتَ خبرًا بما سبق، علمتَ وجاهة ما يقوله الموفق المكي أنه وضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم. ."، إلخ كما سبق.
وهكذا، يمكن لنا أن نستوحي من هذه النقول أن الاجتهاد في المذهب الحنفي لم يكن اجتهادًا فرديًّا لإمام المذهب، إنما كان اجتهادًا جماعيًّا، كثرت فيه الأقوال، ودونت فيه الآراء عن الأصحاب إلى جانب آراء إمامهم، وهو ما يؤكد فكرة "الشورى" في تدوين المذهب. يقول الشيخ وهبي سليمان غاوجي
(2)
: "وإنها - لَعَمر الله - دراسة منهجية حرّة شريفة، يظهر فيها احترام الآراء، ويشتغل فيها عقل الحاضرين من التلامذة، ليُدْلي كلٌّ بدلوه، ويذكر ما يرى لرأيه من حجّة، ثم يعقّب هو على آرائهم بما يدفعها بالنقل أو الرأي، ويصوب صواب أهل الصواب ويؤيده بما عنده من أدلة. . فإذا تقررت مسألة من مسائل الفقه على تلك الطريقة كان من العسير نقدها فضلًا عن نقضها، والله الهادي الموفق إلى الخير".
ولقد كان أحسن أصحاب أبي حنيفة تدوينًا لأقواله واجتهاداته من بعده: محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى، حيث صنف ما عرف بكتب ظاهر الرواية، وقد ذكر فيها رأيه، ورأي أبي يوسف، بعد قول أبي حنيفة
(3)
، ثم توجّه المشايخ إلى تلك التصانيف تلخيصًا وتقريبًا، وتخريجًا وتأسيسًا. .
-
طبقات الفقهاء في المذهب الحنفي:
لا بد للمفتي المقلِّد أن يعلم حال من يفتي بقوله، حتى يكون على بصيرة وافية تمكنه من التمييز بين القائلَين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين، "ولحاجته إلى معرفة من اعتبر قوله في انعقاد الإجماع في محل الاتفاق والاجتماع، ويعتد به في الخلاف في محل الافتراق والاختلاف، وافتقاره إليه في الترجيح والإعمال عند تعارض الأقوال بقول أعلَمِهم وأورعهم في
(1)
المرجع السابق.
(2)
في كتابه: "أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء" ص 64، (بتصرف).
(3)
وفي فتاوى العلامة قاسم بن قطلوبغا: أن ما لم يحكِ محمد فيه خلافًا فهو قولهم جميعًا، كما ذكر المحقق الكمال بن الهمام. (انظر "رسم المفتي" لابن عابدين 1/ 19).
الأحوال"
(1)
، إلا أنه لم يُنقل عن المتقدمين تقسيم الفقهاء إلى مراتب وطبقات، وإن كان البعض قد وُصف بالاجتهاد في المذهب، أو بأن له تخريجات أو ترجيحات. .
والتقسيم الذي شاع وتداولته كتب الحنفية هو الذي وضعه أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا
(2)
في القرن العاشر الهجري، وتبعه الحَنّائي علي بن أمر الله
(3)
في كتابه "طبقات الحنفية" وقال فيه
(4)
: "كذا حقّقه بعض الفضلاء من المتأخرين"، ثم اعتمده غير واحد من بعد، من أبرزهم العلامة ابن عابدين
(5)
رحمه الله في رسالته في رسم المفتي
(6)
. .
إلا أن هذا التقسيم لم يسلم من النقد فقد اعتُرض عليه من وجوه، وسنذكر أولًا كلام ابن كمال باشا بحروفه، ثم نورد بعض ما تُعقِّب به عليه.
قال رحمه الله:
(7)
"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أعلم أن الفقهاء على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط أحكام الفروع من الأدلة الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس، على حسب تلك القواعد من غير تقليد أحد في الفروع والأصول.
الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله القادرين على استخراج الأحكام عن الأدلة المذكورة على حسب القواعد التي قررها أستاذهم أبو حنيفة رحمة الله عليه وعيَّنها، فإنهم وإن خالفوه في بعض الأحكام الفرعية لكنهم يقلدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون
(1)
من: "طبقات الحنفية" لعلي بن أمر الله الحنائي، مخطوط في المكتبة الوطنية بدمشق رقم 8950، الورقة رقم 9.
(2)
توفي سنة 940 هـ كما في الأعلام 1/ 133، وفيه أنه صنف طبقات الفقهاء (مخطوط)، وطبقات المجتهدين (مخطوط).
(3)
المتوفى سنة 979 هـ، كما في الأعلام 4/ 264، 265، وفيه: الحَنّالي.
(4)
الورقة رقم 11.
(5)
هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره، ولد سنة 1198، وتوفي سنة 1252 هـ رحمه الله تعالى. (الأعلام 6/ 42).
(6)
1/ 11، 12 (ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين).
(7)
نقل نصَّ رسالة ابن كمال باشا هذه، الإمام الكوثري في هامش:"حسن التقاضي" ص 25 - 27.
عن المعارضين في المذهب ويفارقونهم كالشافعي ونظرائه المخالفين لأبي حنيفة رحمة الله عليه في الأحكام غير المقلدين له في الأصول.
الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب كالخصاف وأبي جعفر الطحاوي وأبي الحسن الكرخي وشمس الأئمة الحلوائي وشمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام البزدوي وفخر الدين قاضي خان وغيرهم، فإنهم لا يقدرون على المخالفة للشيخ لا في الفروع ولا في الأصول، لكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل التي لا نص فيها عنه، على حسب أصول قررها ومقتضى قواعد بسطها.
الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي وأصحابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلًا، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم المآخذ يقدرون على تفصيل مجمل ذي وجهين وحكم مبهم محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب أو واحد من أصحابه المجتهدين، برأيهم ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع، وما وقع في بعض المواضع من الهداية من قوله: كذا في تخريج الكرخي وتخريج الرازي، من هذا القبيل.
الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح من المقلِّدين، كأبي الحسين القُدُوري وصاحب الهداية وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر بقولهم: هذا أولى، وهذا أصح دراية، وهذا أصح رواية، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرفق للناس.
السادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب وظاهر الرواية، والروايات النادرة كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين كصاحب "الكنز" وصاحب "المختار" وصاحب "الوقاية" وصاحب "المجمع"، وشأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة.
السابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذُكر، ولا يفرقون بين العجاف والسمين والشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون، وهم كحاطب ليل فالويل لهم ولمن قلدهم كل الويل. والحمد لله أوّلًا وآخرًا" اهـ.
قال الإمام الكوثري رحمه الله
(1)
: ولم يصب ابن الكمال الوزير في ترتيب
(1)
في حسن التقاضي ص 24، 25.
الطبقات ولا في توزيع الفقهاء عليها، وإن لقي استحسانًا من المقلِّدة بعده، وقد تعقبه الناقد العصامي الشهاب المَرْجاني
(1)
في كتابه: "ناظورة الحق"، بهدم الأمرين - الترتيب والتوزيع معًا - فعاد الأمر إلى نصابه بتحقيقه، فجزاه الله عن العلم خيرًا".
ومما قاله الشيخ شهاب الدين المرجاني في رده رحمه الله: ". . ومهما تسامحنا معهم - ابن كمال ومن تبعه - في عدّ الفقهاء والمتفقهة على هذه المراتب السبع - وهو غير مسلم لهم - فلا يتخلصون من فحش الغلط والوقوع في الخطأ المفرط في تعيين رجال الطبقات وترتيبهم على هذه الدرجات"
(2)
. ثم أخذ يبيّن درجة العلماء الثلاثة أبي يوسف ومحمد وزفر في الاجتهاد وأنهم قد يخالفون أبا حنيفة في قواعد الأصول، وأن حالهم في الفقه إن لم يكن أرفع من مالك والشافعي وأمثالهما فليسوا بدونهما، وقال: غير أنهم لحسن تعظيمهم للأستاذ وفرط إجلالهم لمحله ورعايتهم لحقه، تشمروا على تنويه شأنه، وتوغلوا في انتصاره والاحتجاج لأقواله وروايتها للناس. . لاعتقادهم أنه أعلم وأورع وأحق للاقتداء به والأخذ بقوله، وأوثق للمفتي وأرفق للمستفتي. . ومن ذلك الوجه امتازوا عن المخالفين كالأئمة الثلاثة والأوزاعي وسفيان وأمثالهم، لا لأنهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد المطلق في الشرع، ولو أنهم أولعوا بنشر آرائهم بين الخلق وبثها في الناس والاحتجاج لها بالنص والقياس لكان كل ذلك مذهبا منفردا عن مذهب الإمام أبي حنيفة، مخالفًا له"
(3)
.
ثم انتقل المرجاني لمناقشة ابن كمال في تعيين رجال الطبقات على هذه الدرجات فقال: ثم إن قوله في الخصاف والطحاوي والكرخي إنهم لا يقدرون على مخالفة أبي حنيفة لا في الأصول ولا في الفروع ليس بشيء، فإن ما خالفوه فيه من المسائل لا يعد ولا يحصى، ولهم اختيارات في الأصول والفروع، وأقوال مستنبطة بالقياس والمسموع، واحتجاجات بالمنقول والمعقول، على ما لا يخفى على من تتبّع كتب الفقه والخلافيات والأصول. .
ثم إنه عدّ أبا بكر الرازي الجصّاص من المقلدين الذين لا يقدرون على
(1)
هو شهاب الدين بن بهاء الدين المَرْجاني القرْاني، دراسته في بخارى وسمرقند، وتخرج على يديه كثير من العلماء، توفي سنة 1306 هـ رحمه الله تعالى، (الأعلام 3/ 178).
(2)
"حسن التقاضي"، ص 85.
(3)
"حسن التقاضي" ص 88.
الاجتهاد أصلًا، وهو ظلم عظيم في حقه وتنزيل له عن رفيع محله وغض منه وجهل بيّن بجلالة شأنه في العلم. . ومن تتبع تصانيفه والأقوال المنقولة عنه عَلِم أن الذين عدهم من المجتهدين من شمس الأئمة ومن بعده كلهم عيال لأبي بكر الرازي. .
ثم إنه جعل القُدُوري وصاحب الهداية من أصحاب الترجيح، وقاضي خان من المجتهدين، مع تقدم القدوري على شمس الأئمة زمانًا وكونه أعلى منه كعبًا وأطول باعا. . وأما صاحب الهداية فكيف ينزل شأنه عن قاضي خان بمراتب؟ بل هو أحق منه بالاجتهاد وأثبت في أسبابه وألزم لأبوابه.
هذا ولم يحصل من بيانه فرق بين أهل الطبقة الخامسة والسادسة، وليت شعري بأي قياس قاسهم ووجد هذا التفاوت بينهم؟.
والحال أن العلم بهذه الكلية كالمتعذر بالنسبة إلى أجلّة الفقهاء وأئمة العلماء، فإنهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها"
(1)
.
ونقل الإمام اللكنوي في مقدمة شرحه على الجامع الصغير تقسيم ابن كمال باشا وأعقبه بقوله: "وكذا ذكره ابن عمر الأزهري المصري المتوفى سنة تسع وسبعين وألف، في آخر كتابه: "الجواهر النفيسة شرح الدرة المنيفة في مذهب أبي حنيفة"، وكذا ذكره من جاء بعده مقلدًا له، إلا أن فيه أنظارًا شتّى من جهة إدخال من في الطبقة الأعلى والأدنى"، ثم نقل بعض كلام المرجاني في الرّدّ عليه
(2)
.
وناقش الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تقسيم ابن كمال لفقهاء الحنفية واعترض عليه في عدد من النقاط، وقرر ما يلي:
"إن أبا يوسف ومحمدًا والأصحاب من طبقة المجتهد المطلق، وعليه فليس لهذه الطبقة التي مثّلت بهم من وجود في المذهب الحنفي.
إن الفرق بين الطبقتين الثالثة والرابعة فرق دقيق لا يكاد يستبين، ومن عدهما طبقة واحدة لا يعدو الحقيقة.
إن التفرقة بين الطبقة الخامسة (طبقة المرجّحين) وسابقتها، ليست واضحة، وإنه لكي تكون الأقسام متميزة غير متداخلة يجب حذف طبقة من هذه الطبقات
(1)
انتهى كلام المرجاني باختصار، انظر:"حسن التقاضي" ص 89 - 92.
(2)
"النافع الكبير شرح الجامع الصغير"، للكنوي، ص 11، 12.
الثلاث: الثالثة والرابعة والخامسة، واعتبارهما طبقتين اثنتين: إحداهما طبقة المخرجين الذين يستخرجون أحكامًا لمسائل لم تؤثر أحكام لها عن أصحاب المذهب الأولين بالبناء على قواعد المذهب. والثانية: طبقة المرجحين الذين يرجحون بين الروايات المختلفة والأقوال المختلفة.
إن عمل الطبقة السادسة ليس الترجيح، ولكن معرفة ما رُجِّح، وترتيب درجات الترجيح، وقد يؤدي ذلك إلى الحكم بين المرجحين فيختار من أقوالهم أقواها ترجيحًا، وأكثرها اعتمادًا في الترجيح على أصول المذهب، أو ما يكون أكثر عددًا وأعزّ ناصرًا. . ."
ويتساءل أبو زهرة أخيرًا: "أما الطبقة السابعة، فكيف يُعدون من الفقهاء؟ إنهم نَقَلة، إن أردنا أن نرفق بهم في الاسم"
(1)
.
إن التقسيم الذي اشتهر عن ابن كمال باشا رحمه الله تعالى في جعل فقهاء المذهب الحنفي على سبع طبقات، وإن لقي رواجًا وقبولًا عند بعض العلماء، إذ قد يكون هو أوّل من حاول وضع قاعدة في هذا الشأن، إلا أنه انتقد عليه بإجابات مقنعة، سواء في أصل القسمة وجعلها سبع طبقات، أو في توزيع الفقهاء على هذه الطبقات، كما يتبين من كلام المرجاني واللكنوي والكوثري وأبي زهرة عليهم رحمة الله تعالى.
-
طبقات الكتب والمسائل في المذهب الحنفي:
وكما قسموا العلماء على طبقات، كذلك قسموا المسائل على درجات. . إذ لا بد للمفتي المقلد أن يعلم الكتب المعتمدة في نقل المذهب، ليختار عند التعارض ما هو من الدرجة الأعلى ولا يرجح الأدنى
(2)
، ولا ثقة بما يفتى به بمجرد مراجعة كتاب من الكتب المتأخرة، خصوصًا غير المحررة
(3)
، قال العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى: "وقد يتفق نقل قول في نحو عشرين كتابًا من كتب المتأخرين ويكون القول خطأً أخطأ به أول واضع له، فيأتي مَن بعده وينقله عنه، وهكذا ينقل بعضهم
(1)
انظر كتاب: "أبو حنيفة"، لمحمد أبي زهرة ص 440 - 445.
(2)
"النافع الكبير" ص 17.
(3)
"رسم المفتي" 1/ 13.
عن بعض. .
(1)
"
قال العلماء: مسائل المذهب على ثلاث طبقات
(2)
:
الأولى: الكتب التي رويت عن محمد بن الحسن رواية ظاهرة، وتسمى مسائل الأصول، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى، ويقال لهم العلماء الثلاثة، وقد يلحق بهم زفر والحسن وغيرهما ممن أخذ الفقه عن أبي حنيفة، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة أو قول بعضهم.
ثم هذه المسائل هي ما وجد في كتب محمد التي هي: "المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسِّيَر الصغير والجامع الكبير والسير الكبير"
(3)
، وإنما سميت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه. والفتوى عليها في المذهب وإن لم يصرحوا بالتصحيح، نعم لو صححوا رواية أخرى من غير كتب ظاهر الرواية يتبع ما صححوه، قال العلامة الطرسوسي في "أنفع الوسائل" في مسألة الكفالة إلى شهر: إن القاضي المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر الرواية لا بالرواية الشاذة، إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها
(4)
.
الثانية: مسائل النوادر أو مسائل غير ظاهر الرواية، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين لكن لا في الكتب المذكورة، بل إما في كتب أخر
(1)
ويضرب ابن عابدين مثالًا على ذلك فيقول: "ومن ذلك مسألة الاستئجار على تلاوة القرآن المجردة، فقد وقع لصاحب السراج الوهاج والجوهرة شرح القدوري أنه قال: (إن المفتى به صحة الاستئجار) وقد انقلب عليه الأمر فإن المفتى به صحة الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته، ثم إن أكثر المصنفين الذين جاءوا بعده تابعوه على ذلك ونقلوه، وهو خطأ صريح، بل كثير منهم قالوا: إن الفتوى على صحة الاستئجار على الطاعات، ويطلقون العبارة ويقولون إنه مذهب المتأخرين، وبعضهم يفرع على ذلك صحة الاستئجار على الحج، وهذا كله خطأ أصرح من الخطأ الأول. ."(رسم المفتي 1/ 13).
(2)
"رد المحتار" 1/ 47، "رسم المفتي" 1/ 16، 17، "النافع الكبير" 17، 18.
(3)
وفي "رسم المفتي" 1/ 19: "قال في البحر في بحث التشهد: كل تأليف لمحمد بن الحسن موصوف بالصغير فهو باتفاق الشيخين أبي يوسف ومحمد، بخلاف الكبير فإنه لم يُعرض على أبي يوسف".
(4)
"رسم المفتي" 1/ 16.
لمحمد بن الحسن كالكَيْسانيّات
(1)
والهارُونيّات
(2)
، والجُرْجانيات
(3)
، والرَّقيات
(4)
. . وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية لأنها لم تروَ عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى. وإما في كتب غير محمد ككتاب "المجرّد" للحسن بن زياد وغيرها، ومنها كتب الأمالي لأبي يوسف
(5)
. وإما برواية مفردة مثل رواية ابن سماعة، ومعلّى بن منصور وغيرهما في مسائل معينة.
الثالثة: الفتاوى، وتسمى أيضًا: الواقعات، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عن ذلك ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب المتقدمين وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد، وأصحاب أصحابهما وهَلُمّ جَرَّا، وهم كثيرون. . وقد يتفق لهم أن يخالفوا أصحاب المذهب لدلائل وأسباب ظهرت لهم.
يقول العلامة ابن عابدين
(6)
: "وأول كتاب جمع في فتواهم فيما بلغنا كتاب "النوازل" للفقيه أبي اللَّيث السمرقندي ثم جمع المشايخ بعده كتبًا أخر. . ثم ذكر المتأخرون هذه المسائل مختلطة غير متميزة كما في فتاوى قاضي خان و"الخلاصة" وغيرهما، وميز بعضهم كما في كتاب "المحيط" لرضيّ الدين السرخسي، فإنه ذكر أوّلًا مسائل الأصول ثم النوادر ثم الفتاوى، ونِعْم ما فعل".
وذكر ولي بن عبد الرحيم الدهلوي في رسالته: "عِقْد الجِيد في أحكام الاجتهاد والتقليد"، تقسيم المسائل بوجه آخر فقال
(7)
: "أعلم أن القاعدة عند محققي الفقهاء أن المسائل على أربعة أقسام: قسم تقرر في ظاهر المذهب، وحكمه أنهم يقبلونه
(1)
هي "مسائل أملاها محمد على أبي عمرو سليمان بن شعيب الكَيْساني". (حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، ص 10).
(2)
هي "مسائل جمعها محمد في زمن هارون الرشيد". (حاشية الطحطاوي ص 10).
(3)
مسائل جمعها محمد بجرجان. (حاشية الطحطاوي ص 10).
(4)
مسائل جمعها محمد حين كان قاضيًا بالرقة، رواها عنه محمد بن سماعة. (حاشية الطحطاوي ص 10،9).
(5)
قال الكوثري في "حسن التقاضي" ص 33: "وقال محمد بن إسحاق النديم" لأبي يوسف من الكتب في الأصول والأمالي: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود، كتاب الوكالة، كتاب الوصايا، كتاب الصيد والذبائح، كتاب الغصب، كتاب الاستبراء، ولأبي يوسف إملاء رواه بشر بن الوليد القاضي يحتوي على ستة وثلاثين كتابًا مما فرّعه أبو يوسف".
(6)
"رد المحتار" 1/ 47.
(7)
كما نقله الإمام اللكنوي في "النافع الكبير" ص 19.
في كل حال، وافقت الأصول أو خالفت. وقسم هو رواية شاذة عن أبي حنيفة وصاحبيه، وحكمه أنهم لا يقبلونه إلا إذا وافق الأصول. وقسم هو تخريج المتأخرين اتفق عليه جمهور الأصحاب، وحكمه أنهم يفتون به على كل حال؛ وقسم هو تخريج منهم لم يتفق عليه جمهور الأصحاب، وحكمه أن يعرضه المفتي على الأصول والنظائر من كلام السلف، فإن وجده موافقًا لها أخذ به وإلا تركه".
ومن الكتب الملحقة بمسائل الأصول، والمعتمدة في نقل المذهب: كتاب "الكافي" للحاكم الشهيد، و"المبسوط" للإمام السرخسي، قال ابن عابدين
(1)
رحمه الله: "قال في فتح القدير وغيره: إن كتاب الكافي هو جمع كلام محمد في كتبه الست التي هي كتب ظاهر الرواية اهـ، وفي شرح الأشباه للعلامة البيري: أعلم أن من كتب مسائل الأصول كتاب الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب، شرحه جماعة من المشايخ منهم: شمس الأئمة السرخسي وهو المشهور بمبسوط السرخسي اهـ، قال الشيخ إسماعيل النابلسي قال العلامة الطرسوسي: مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه ولا يركن إلا إليه ولا يفتى ولا يعول إلا عليه".
ويلحق بكتب الأصول أيضًا مختصرات المشايخ الكبار، جاء في مقدمة كتاب "المتانة"
(2)
: "وأما المختصرات التي صنفها حذاق الأئمة وكبار الفقهاء المعروفين بالعلم والزهد والفقاهة والعدالة في الرواية كالإمام أبي جعفر الطحاوي وأبي الحسن الكرخي والحاكم الشهيد المروزي وأبي الحسين القدوري، ومن في هذه الطبقة من علمائنا الكبار فهي موضوعة لضبط أقوال صاحب المذهب وجمع فتاواه المروية عنه، فمسائلها ملحقة بمسائل الأصول وظواهر الروايات في صحتها وعدالة رواتها، وما فيها دائر بين متواتر ومشهور وآحاد صحيحة الإسناد، وقد تواترت هذه المختصرات عن مصنفيها
(3)
وتلقاها علماء المذهب بالقبول منهم".
وهذه المختصرات أو المتون التي ذكرها صاحب المتانة كانت معتمد
(1)
في "رد المحتار" 1/ 47، و "رسم المفتي" 1/ 20.
(2)
"المتانة في مرمة الخزانة"، لأبي سعيد غلام مصطفى القاسمي السندي ص 76. 77. (نقلًا عن:"المدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة"، لأحمد سعيد حوّى - بحث ماجستير، سنة 1413 هـ، غير منشور - ص 220).
(3)
انظر رد المحتار 1/ 49.
المتقدمين. . وهناك متون أخرى اعتمدها المتأخرون، التزم أصحابها ذكر الراجح والمقبول والقوي كذلك. يقول الإمام اللكنوي
(1)
رحمه الله تعالى: "واعلم أن المتأخرين قد اعتمدوا على المتون الثلاثة: "الوقاية" و"مختصر القدوري" و"الكنز"، ومنهم من اعتمد على الأربعة: "الوقاية" و"الكنز" و"المختار" و"مجمع البحرين"، وقالوا: العبرة لما فيها عند تعارض ما فيها وما في غيرها، لما عرفوا من جلالة قدر مؤلفيها، والتزامهم إيراد مسائل ظاهر الرواية، والمسائل التي اعتمد عليها المشايخ".
وقال العلامة ابن عابدين رحمه الله بعدما ذكر قول المصنف في "تصحيحه"(إن ما في المتون مصحح تصحيحًا التزاميًّا)
(2)
قال: "لا يخفى أن المراد بالمتون، المتون المعتبرة كـ "البداية"، و"مختصر القدوري"، و"المختار"، و"النُّقاية"، و"الوقاية"، و"الكنز"، و"الملتقى"، فإنها الموضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية"
(3)
.
-
أهميّة مختصر القُدُوري:
بعد أن استقر عند الحنفية أن المعتمد في المذهب هو ما أورده الإمام محمد بن الحسن في الروايات الظاهرة، رأى بعض حذّاق الأئمة المعروفين بالفقاهة والزهد والثقة في الرواية، كأبي جعفر الطَّحاوي وأبي الحسن الكَرْخي والحاكم الشهيد المَرْوَزي وأبي الحسين القُدُوري، أن يصنفوا كتبًا مختصرة
(4)
تجمع أهم المسائل
(1)
في "النافع الكبير" ص 23، وانظر "الفوائد البهية" ترجمة رقم 226، ص 180.
(2)
انظر ص 242.
(3)
انظر "رسم المفتي" 1/ 36، 37.
(4)
ينتقد البعض أسلوب الاختصار في التأليف قائلًا: إن المقصود من التأليف في كل فمن هو تيسير الوصول إلى المطلوب في ذلك الفن ولا يلتئم هذا المرام بالاختصار الذي يجعل من بعض المسائل ملحقة بالألغاز. . ولكن يرى آخرون أن هذا الغرض المذكور نفسه هو الذي دفع إلى كتابة المختصرات؛ لأن بها يتيسّر على الطالب استيعاب واستظهار أهم المسائل بأقل زمن. ويرى الشيخ عبد الحكيم الأفغاني في كتابه: "كشف الحقائق شرح كنز الدقائق" 1/ 4، حكمةً في إيراد بعض المسائل المغلقة نتيجة اختصارها فيقول: "إن الحكيم لا يجعل كتابه خاليًا عن العويصات والمعضلات، لئلّا يستبدّ التلميذ بإدراك جميعه! بل يراجع في مجملاته إليه مستفيدًا من فيوضاته دائمًا، انظر إلى كتاب الله تعالى، كم فيه من المجملات لا تُدرك إلا بالمراجعة إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أن المختصر وإن فاتته حكمة الانطواء على المشكلات فقد أدركته حكمة تكثير الانتفاع به" اهـ.
الفقهية الملحّة، مع الدّقّة في صوغ العبارة، والتمحيص لكل قول يرى أنه الأصح المعتمد، حتى صارت تلك المتون موضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية
(1)
، إذْ "ميزّ مصنفوها بين الراجح والمرجوح، والمقبول والمردود، والقوي والضعيف، فلا يوردون في متونهم إلا الراجح المقبول القوي"
(2)
.
وكان من أبرز تلك المختصرات المعتمدة والتي كُتب لها القبول بإذن الله، مختصرُ الإمام القدوري، وهو الذي يطلق عليه اسم "الكتاب" عند الحنفية، وذلك لاستفاضة ذكره عندهم، ولكثرة من تفقّه واعتمد عليه.
قال في "كشف الظنون"
(3)
: "وهو متن متين معتبر متداول بين الأئمة الأعيان، وشهرته تغني عن البيان. قال صاحب مصباح أنوار الأدعية: إن الحنفية يتبرّكون بقراءته في أيام الوباء، وهو كتاب مبارك، من حفظه يكون أمينًا من الفقر، حتى قيل إن من قرأه على أستاذ صالح ودعا له عند ختم الكتاب بالبركة فإنه يكون مالكًا لدراهم على عدد مسائله. وفي بعض شروح المجمع أنه مشتمل على اثني عشر ألف مسألة اهـ، وشروحه كثيرة جدًّا. . ." اهـ من "الكشف". "وفي مختصر ربيع الأبرار: أنه لمّا صنّف [الإمام القدوري] هذا الكتاب، حمله مع نفسه إلى بيت الله الحرام وعلّقه من أستاره، وسأل الله تعالى أن يبارك له فيه، فاستجيب له، وجعله مباركًا لذلك"
(4)
.
ويُثني الإمام علاء الدين السمرقندي على مختصر القدوري بقوله: "أعلم أن المختصر المنسوب إلى الشيخ أبي الحسين القدوري رحمه الله، جامع جملًا من الفقه مستعملة بحيث لا تراها مدى الدهر مهملة، يهدي بها الرائض في أكثر الحوادث والنوازل، ويرتقي بها المرتضى إلى أعلى المراقي والمنازل"
(5)
، أما صاحب الهداية فيقول:"وجدت المختصر المنسوب إلى القدوري أجمل كتاب في أحسن إيجاز وإعجاب"
(6)
.
(1)
"رسم المفتي" - ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين - 1/ 37.
(2)
"التعليقات السنية" للكنوي، ص 180.
(3)
2/ 1631.
(4)
انظر التقدمة على مختصر القدوري، الطبعة العثمانية، (در سعادت)، سنة 1309 هـ.
(5)
"تحفة الفقهاء"، للسمرقندي 1/ 5.
(6)
نقله الإمام اللكنوي في ترجمة الإمام المرغيناني في "الفوائد البهية"، ص 231، رقم 278.
وأخيرًا، يقول صاحب "الجواهر المضية" رحمه الله تعالى
(1)
: "صنّف [أي الإمام القدوري] من الكتب: المختصر المشهور، فنفع الله به خلقًا
(2)
لا يُحصَون". .
(3)
.
-
ترجمة الإمام القُدُوري
(4)
:
هو الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حَمْدان البغدادي، شيخ الحنفية بالعراق، الإمام المشهور المعروف بالقُدوري
(5)
، المولود سنة 362 هـ.
قال الخطيب البغدادي في ترجمته: "كتبت عنه وكان صدوقًا، وكان ممّن أنجب في الفقه لذكائه، وانتهتْ إليه بالعراق رئاسة أصحاب أبي حنيفة، وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه، وكان حسن العبارة في النظر، جريء اللسان، مديمًا
(1)
"الجواهر المضية"، الجزء الأول، ترجمة رقم 179.
(2)
وقد اختار هذا المختصر كثير من طلبة العلم ليحفظوه في بداياتهم، حيث أشار إلى ذلك العلامة ابن قطلوبغا في مقدمة التصحيح، ص 132. ويسمي الشيخ عبد القادر القرشي منهم: والده (محمد بن محمد بن نصرالله بن سالم ابن أبي الوفاء القرشي)، وشقيقه (محمد بن محمد بن محمد بن نصرالله بن سالم)، انظر الجواهر المضية 3/ 336، 352.
(3)
وقد صدرت في عصرنا طبعات عديدة لكتاب القدوري، فقد طبع في:"دلهي 1847 م، ولاهور 1870 م، وقازان 1890 - 1909 م، وبومباي 1303 هـ، واستنبول 1310 هـ و 1317 - 1318 هـ، والقاهرة 1957 م، وترجم إلى الفرنسية ونشر في باريس 1829 م، ثم في تونس"، (انظر هامش د. عمر عبد السلام تدمري، على "تاريخ الإسلام" للحافظ الذهبي، حوادث ووفيات سنة 428، ص 212).
هذا، وقد طبع الكتاب بعد ذلك طبعات كثيرة، خاصة تلك التي مع شرحه المشهور:"اللباب شرح الكتاب" للميداني.
(4)
اقتبست ترجمته من: "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي 4/ 377، رقم 2249، و"المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي 15/ 257، رقم 3200، و"وفيات الأعيان" لابن خلّكان 1/ 73، 78، 79، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي، 17/ 574، 575، رقم 380، و"تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" له، حوادث سنة 428 ص 211 - 213، رقم 254، و"الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للقرشي 1/ 247 - 250، رقم 179، و"تاج التراجم" لابن قطلوبغا ص 98، 99، رقم 19، و"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" للأتابكي 5/ 24، و"الطبقات السنية في تراجم الحنفية"، للتميمي 2/ 19 - 31، و"الفوائد البهية في تراجم الحنفية" و"التعليقات السنية" كلاهما للكنوي ص 57، 58، رقم 45.
(5)
قيل إنه نسبة إلى قرية من قرى بغداد يقال لها قُدورة، وقيل نسبة إلى بيع القدور. كذا في "الفوائد البهية" ص 57، وانظر "اللباب في تهذيب الأنساب" لابن الأثير الجزري، ص 19.
لتلاوة القرآن". وقال المؤرخ ابن تغري بَرَدي الأتابكي بعدما نقل قول الخطيب المذكور: "والفضل ما شهدت به الأعداء، ولولا أن شأن هذا الرجل كان قد تجاوز الحدّ في العلم والزهد ما سلم من لسان الخطيب، بل مدحه مع عِظم تعصّبه على السادة الحنفية وغيرهم. ."
-
مشايخه:
أخذ الفقه عن أبي عبد الله الفقيه، محمد بن يحيى الجُرجاني عن أحمد الجصّاص عن عبيد الله أبي الحسن الكرخي، عن أبي سعيد البردعي، عن موسى الرازي، عن محمد بن الحسن.
وروى الحديث عن محمد بن علي بن سُوَيد المؤدِّب، وعبيد الله بن محمد الحَوْشبي.
-
تلاميذه:
كان ممّن تفقّه عليه: أبو نصر أحمد بن محمد بن محمد الفقيه المعروف بالأَقْطَع، وقد شَرح مختصره.
وممّن روى عنه: أبو بكر الخطيب البغدادي، وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامَغَاني.
وكان يناظر
(1)
الشيخ أبا حامد الإسفرايني الفقيه الشافعي، ويعَظّمه ويفضّله على كل أحد.
قال الإمام اللكنوي: "ذكره ابن كمال باشا الرومي ومن تبعه، في أصحاب الترجيح من المقلِّدين الذين شأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض، من دون قدرة على الاجتهاد، وتعقَّبه بعض الفضلاء بأن القدوري متقدم على شمس الأئمة الحَلْواني زمانًا وأعلى منه كعبًا وأطول باعًا، فما باله نقص مرتبته عن مرتبته"
(2)
؟!
(1)
أورد التقي التميمي في "الطبقات السنيّة" 2/ 20 - 31، مناظرة حافلة بينه وبين القاضي أبي الطيب الطبري الشافعي، وهي مناظرة تدل على رفع أدبه، وعظيم منزلته وعلو كعبه في علوم الأصول والجدل وغيرها. وهذه المناظرة مثبتة أيضًا في "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي، 5/ 36 - 46.
(2)
وكان ابن كمال باشا في تقسيمه لطبقات الفقهاء قد ذكر الحلواني في الطبقة الثالثة، والقدوري في الطبقة الخامسة. انظر ما مر في المدخل ص 23 - 25.
قال في الجواهر المضيّة: "وذكره أبو محمد الفامِي في طبقات الفقهاء، فأثنى عليه وقال: كان له ابن فلم يعلّمه الفقه، وكان يقول: دعوه يعيش لروحه، قال فمات وهو شاب".
-
مصنّفاته:
صنّف المختصر المعروف باسمه "مختصر القُدُوري" وهو الكتاب المبارك المشهور المتداول، الذي عُني به كثير من الفقهاء.
وشرَح "مختصر الكرخي" في عدة مجلدات.
وله كتاب "التجريد" في سبعة أجزاء، يشتمل على الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه
(1)
، شرع في إملائه سنة 405، وأبان فيه عن حفظه لما عند الدارقطني من أحاديث الأحكام وعللها.
وكتاب "التقريب"، في مسائل الخلاف بين أبي حنيفة أصحابه، مجردًا عن الدلائل، في مجلد. ثم صنف "التقريب الثاني" في عدّة مجلدات، فذكر المسائل بأدلّتها.
وله "جزء حديثي"؛ قال الشيخ قاسم في "تاج التراجم": "وله جزء حديثي رويناه عنه"
(2)
.
وشرَح
(3)
"أدب القاضي" للخصّاف، أحمد بن عمرو، المتوفى سنة 261.
(1)
وفي "الأعلام" للزركلي 1/ 212: منه المجلد الأول مخطوط في شستربتي رقم 3523، وذكر أيضًا أن من كتب القدوري:"كتاب النكاح - مطبوع".
(2)
قال الكوثري: وللقدوري جزء حديثي معروف مروي في أثبات المشايخ على توالي القرون، وهو مروي في المجمع المؤسس للحافظ ابن حجر. ("التحرير الوجيز" للكوثري ص 108).
(3)
كما في "كشف الظنون" 1/ 46.
-
وفاته:
كانت وفاته يوم الأحد، منتصف رجب أو خامس رجب، سنة (428) ثمان وعشرين وأربع مئة
(1)
، ببغداد، ودفن من يومه بداره في دَرْب أبي خَلَف، ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور، ودفن هناك بجنب أبي بكر الخُوارزمي الفقيه الحنفي، رحمهما الله تعالى.
(1)
وفي كشف الظنون 1/ 46، أنه توفي سنة:"ثمان وثلاثين وأربع مئة"، وهو خطأ؛ وفيه - في غير هذا الموضع -، أنه توفي سنة: 428، وهو الموافق لما ذكره مترجموه.
الفصل الأول
دراسة حول مؤلِّف
كتاب "التصحيح والترجيح"
وفيه مبحثان
المبحث الأول:: ترجمة المؤلف (ابن قطلوبغا)
المبحث الثاني: مكانة المؤلف العلمية ومؤلفاته
ترجمة المؤلِّف
(1)
(قاسم بن قُطْلوبُغا)
-
اسمه ومولده:
هو الإمام العلامة الفقيه المحدّث الحافظ المفتي، أبو العَدْل زين الدين، قاسم بن قطلوبغا
(2)
بن عبد الله السودوني الجَمَالي
(3)
، الحنفي المصري، كان يعرف بقاسم الحنفي
(4)
، ويُذكر في بعض الكتب والمصادر بلفظ:"العلامة قاسم"، أو "الشيخ قاسم".
ولد في القاهرة، في شهر محرم سنة:(802) اثنتين وثمان مئة هجرية
(5)
، (الموافق لسنة: 1399 ميلادية).
(1)
مصادر الترجمة: "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" للسخاوي 6/ 184 - 188، و"وجيز الكلام في الذيل على تاريخ الإسلام" له 2/ 859، و"حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران" لابن الحمصي، 1/ 205، 206، و"البدر الطالع" للشوكاني، 2/ 45، و"شذرات الذهب" لابن العماد، 7/ 326، و"التعليقات السنية على الفوائد البهية" للكنوي، ص 167، 168، و "الأعلام" للزركلي 5/ 180، و "تزيين الألفاظ بتتميم ذيول تذكرة الحفاظ" لمحمود سعيد ممدوح، ص 41 - 44.
والمترجَم مذكور أيضًا في: "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران"، و"عنوان العنوان" لبرهان الدين البقاعي، وفي:"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، لحاجي خليفة، وفي:"إيضاح المكنون" و"هدية العارفين" 2/ 830، 831، للبغدادي، وفي:"فهرس الفهارس والأثبات ومعجم الشيوخ والمشيخات" 2/ 972، للكتاني، وفي:"معجم المؤلفين" 8/ 112، لكحّالة، كما ذكر في "طبقات المفسرين" للأدنه وي ص 344، وفي "أصول الفقه تاريخُه ورجاله" تأليف شعبان محمد إسماعيل، ص 469، وفي دائرة المعارف الإسلامية 1/ 368 وجاء اسمه فيها هكذا:"ابن قُتلُبُغا".
(2)
بضم القاف وسكون الطاء وضم الباء الموحدة، ويعني:"الفحل الميمون". (من مقدمة الكوثري على "منية الألمعي" لابن قطلوبغا ص 6).
(3)
نسبة إلى جمال الدين سودون الشيخي الجركسي نائب السلطنة، فإن قطلوبغا - والد الشيخ قاسم - كان من الفتيان الذين استقدمهم سودون المذكور من القوقاس للتجنيد في مصر، على العادة الجارية في ذلك الزمان. (مقدمة الكوثري على "منية الألمعي" ص 6).
(4)
وبه كان يوقّع؛ انظر خطّه وتوقيعه ص 109، وانظر "الأعلام" للزركلي 5/ 180.
(5)
كذا أخبر المؤلف عن نفسه لتلميذه الإمام السخاوي، (انظر الضوء اللامع 6/ 184) خلافًا لما جاء في:"بدائع الزهور" 3/ 97، أنه ولد سنة: 801 هـ.
-
نشأته وطلبه للعلم:
لم يمضِ زمن طويل على ولادته حتى توفي أبوه
(1)
، فنشأ يتيمًا، وألجأته ظروف الحياة
(2)
منذ نعومة أظفاره إلى التكسّب وطلب الرزق، فعمل بالخياطة حتى برع فيها بحيث كان يخيط بالخيط الأسود في الثوب البغدادي الأبيض فلا يظهر، ومع ذلك. . فقد حفظ القرآن الكريم، وحفظ بعض المختصرات، وعرض بعضها على العز بن جماعة
(3)
.
ثم ظهرت عليه علامات النبوغ والذكاء المتميز، فأقبل على الاشتغال بطلب العلم، وبدأ ينهل من معينه متنقّلًا بين علماء بلده، متزودًا من مختلف الفنون. .
وتزايد شوقه إلى العلم ومجالسَةِ أهله، فسافر مع شيخه التاج النعماني
(4)
إلى الشام، وحظي فيها بالإجازة العامة سنة ست عشرة وثمان مئة، حيث كان في الرابعة عشرة من عمره.
كما أقبل على التأليف في وقت مبكر، وكان أول ذلك وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة. .
ولم يزل على اهتمامه وجِدّه حتى شاع ذكره وانتشر صيته، وأثنى عليه
(1)
يقول ابن تغري بردي في: "النجوم الزاهرة" 13/ 23، وهو يذكر أحداث سنة 803 أن ممن توفي فيها:"الشيخِ الإمام الفقيه سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الحنفي في نصف جمادى الأولى، وكان فقيهًا فاضلًا مستحضرًا لمذهبه، معدودًا من الفقهاء الحنفية"، قلت: قد يكون هو والد العلامة قاسم، رحمهما الله.
(2)
يحكي لنا المؤرخ المقريزي ما ألمّ بمصر في ذلك الوقت من سوء الحالة الاقتصادية، وكيف ارتفعت الأسعار وتزايدت الأجور فيقول:"وعظم الرزء وعمّت البلية وطمت، حتى مات من أهل الإقليم بالجوع والبرد ما ينيف عن نصف الناس، وعمّ الموتان حتى نفقت الدواب في سنة ست وسبع [وثمان مئة]، وعز وجودها، وبلغت أثمانها إلى حد يُستحى من ذكره. ." ويقول وهو يتحدث عن أقسام الناس وأصنافهم في هذه المرحلة: "وأما القسم الخامس فهم أكثر الفقهاء وطلاب العلم ومن يلحق بهم من الشهود. . فهم ما بين ميت أو مشتهي الموت، لسوء ما حل بهم!. . وأما القسم السادس، فهم أرباب المهن والأجراء والحمّالون والخدم والسواس والحاكة والبناة والفعلة ونحوهم، فإن أجرهم تضاعف تضاعفًا كثيرًا". انتهى كلام تقي الدين المقريزي من كتابه: "إغاثة الأمة بكشف الغمة" ص 42، 43، 75.
(3)
هو محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، يعرف بابن جماعة، توفي سنة 819 هـ رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 139، البدر الطالع 2/ 148).
(4)
هو تاج الدين أحمد بن محمد النعماني الفرغاني، قاضي بغداد، من ذرية الإمام أبي حنيفة النعمان. برع في فنون وأخذ عنه الأعيان، توفي سنة 834 هـ رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 2/ 82).
مشايخه، وعرف بقوة الحافظة والذكاء، وأشير إليه بالعلم.
-
شيوخه:
كان للشيخ قاسم رحمه الله تعالى شيوخ وأساتذة كثيرون، من بينهم مشاهير أفذاذ ومحققون كبار، وذلك ممّا يدلّ على علو منزلته التي تبوأها بين علماء عصره.
ولعل أهم ما يشير إلى كثرة عدد مشايخه ما صنفه هو في ذكر شيوخه و"مشايخ شيوخ العصر"، ومع أنه لم يصلنا من ذلك شيء، إلا أن فيما ذكره مترجموه عن شيوخه كفاية في هذا المقام.
فقد كان من أبرز مشايخه:
العلامة المجتهد الكمال بن الهمام، محمد بن عبد الواحد السيواسي الحنفي المتوفى سنة 861 هـ رحمه الله تعالى. لازمه ابن قطلوبغا مدة طويلة من حياته، وذلك من سنة خمس وعشرين وثمان مئة حتى وفاته، وكان معظم انتفاعه به، حيث أخذ عنه غالب ما كان يقرأ عنده في مختلف الفنون.
ومنهم الحافظ الشهير العلامة أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ رحمه الله تعالى، أخذ عنه الحديث وعلومه. وعندما قرأ عليه ابن قطلوبغا كتابه:"الإيثار بمعرفة رواة الآثار"، وصفه بالشيخ الفاضل المحدّث الكامل الأوحد، وقال: قراءة عليّ وتحريرًا، فأفاد ونبّه على مواضع ألحقت في هذا الأصل فزادته نورًا، وهو المعني بقوله في خطبة الكتاب
(1)
: "إن بعض الإخوان التمس مني الكلام على رواة كتاب الآثار، فأجبته إلى ذلك مسارعا ووقفت عند ما اقترح طائعًا"، كما أفاده السخاوي في "الضوء اللامع".
ومنهم المؤرخ العلامة أبو العباس أحمد بن علي التقي المقريزي، المتوفى سنة 845 هـ رحمه الله تعالى، وقد ذكر الشيخ قاسمًا في عقوده وأثنى عليه
(2)
.
(1)
انظر كتاب: "الإيثار بمعرفة رواة الآثار" لابن حجر العسقلاني، تحقيق سيد كسروي حسن، ص 35.
(2)
كما في "الضوء اللامع"؛ وقد أثنى ابن قطلوبغا على شيخه المقريزي في مقدمة تاج التراجم ص 85 بقوله: "لما وقفت على تذكرة شيخنا الإمام العالم العلامة، إمام المؤرخين وبقية الحفاظ العارفين، شهاب الدين. . المقريزي أمتع الله بحياته، وأعاد علينا من بركاته. ."
ويستفاد من هذا النص أن المؤلف بدأ بكتابه: "التاج" في حياة شيخه المقريزي، أي قبل عام 845، وقد فات ذلك محقق الكتاب - محمد خير رمضان - وأغرب فيما قاله في تاريخ تأليفه ص 45. وانظر =
ومنهم تاج الدين أحمد بن محمد النعماني الفرغاني، قاضي بغداد، المتوفى سنة 834 هـ، رحمه الله.
ارتحل معه ابن قطلوبغا في بداية طلبه العلم، إلى الشام، بحيث أخذ وروى عنه "جامع مسانيد أبي حنيفة" للخوارزمي، ودرس عليه "علوم الحديث" لابن الصلاح، وغير ذلك، وأجاز له في سنة ثلاث وعشرين.
وسمع تجويد القرآن، على شمس الدين محمد بن أحمد الزراتيتي الحنبلي المقرئ، إمام الظاهرية البرقوقية
(1)
.
والتفسير، على العلاء البخاري، محمد بن محمد علاء الدين البخاري العجمي الحنفي
(2)
.
والحديث وعلومه، على شمس الدين بن الجزري
(3)
، وشهاب الدين الواسطي
(4)
، والزين الزركشي
(5)
، والشمس بن المصري
(6)
، والبدر حسين البوصيري
(7)
، وناصر الدين الفاقوسي
(8)
، والتاج الشرابيشي
(9)
، والعز بن جماعة،
= ص 203 من "تاج التراجم" حيث يقول ابن قطلوبغا عن شيخه أيضًا: "ولم يذكر الشيخ سلّمه الله تعالى، في عثمان أحدًا. ."
(1)
توفي سنة 825 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 9/ 11، شذرات الذهب 7/ 171).
(2)
توفي سنة 841 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 241، البدر الطالع 2/ 260)
(3)
هو محمد بن محمد بن محمد الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجزري، رحل إلى القاهرة، وبرع في القراءات العشر، توفي سنة 833 هـ رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 204، البدر الطالع 2/ 257).
(4)
هو أحمد بن محمد بن أبي بكر، الشهاب الواسطي المقدسي، توفي سنة 836 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 2/ 106)
(5)
اسمه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد، الزين أبو ذر المصري الحنبلي، ويعرف بالزركشي، توفي سنة 846 هـ رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 4/ 136، شذرات الذهب 7/ 256).
(6)
هو محمد بن محمد بن خضر، أبو البركات، بن الشمس الناصري ويعرف بابن المصري، توفي سنة 868 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 9/ 79)
(7)
هو حسين بن علي بن سبع البدر الطالع، أبو علي البوصيري القاهري المالكي، توفي سنة 838 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 3/ 150، شذرات الذهب 7/ 227).
(8)
هو محمد بن حسن بن سعد، ناصر الدين أبو محمد الشافعي، يعرف بالفاقوسي، توفي سنة 841 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 7/ 221)
(9)
هو محمد بن عمر بن أبي بكر، التاج أبو الفتح الشرابيشي، المتوفى سنة 839 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 8/ 241، شذرات الذهب 7/ 232)
وعائشة الحنبلية
(1)
.
وأصول الدين على العلاء البخاري، والبساطي المالكي
(2)
، وقرأ على السعد بن الدَّيْري
(3)
شرحَه لعقائد النسفي.
وأخذ الفقه عن الكمال بن الهمام، والتاج أحمد الفرغاني، والعلاء البخاري، وابن حجر، والسراج قارئ الهداية
(4)
، والمجد الرومي
(5)
، والنظام السيرامي
(6)
، والعز عبد السلام البغدادي
(7)
، وعبد اللطيف الكرماني
(8)
.
وأصول الفقه عن ابن الهمام، وقارئ الهداية، والشرف السبكي
(9)
، والعلاء البخاري. .
والفرائض والميقات عن ناصر الدين البارنباري
(10)
، والسيد علي، تلميذ ابن المجدي
(11)
وغيرهما، ومنهما استمد كثيرًا من علم الحساب.
(1)
هي عائشة بنت علي بن محمد، أم عبد الله الحنبلية، برعت في الحديث وكانت على درجة من الذكاء، توفيت سنة 840 رحمها الله تعالى. (الضوء اللامع 12/ 78، شذرات الذهب 7/ 234)
(2)
هو محمد بن أحمد بن عثمان، شمس الدين البساطي المالكي النحوي قاضي القضاة، توفي سنة 842 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 7/ 5)
(3)
هو سعد بن محمد بن عبد الله المقدسي نزيل القاهرة، المعروف بابن الديري، تولى قضاء الحنفية، توفي سنة 867 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 3/ 249)
(4)
هو عمر بن علي بن فارس الكناني، سراج الدين، المعروف بقارئ الهداية، انتهت إليه رئاسة الحنفية في زمنه، توفي سنة 829 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 6/ 109، شذرات الذهب 7/ 190)
(5)
كذا في الضوء اللامع 6/ 184 - في ترجمة الشيخ قاسم -، ولعله: مجد الدين إسماعيل بن علي بن محمد الزمزمي البيضاوي المتوفى سنة 838. (الضوء اللامع 2/ 302، شذرات الذهب 7/ 226).
(6)
هو يحيى بن يوسف نظام الدين السيرامي، المتوفى سنة 833 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 10/ 266، شذرات الذهب 7/ 207)
(7)
هو عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم البغدادي، عز الدين الحنفي، برع في فقه الحنفية والشافعية، توفي سنة 859 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 294)
(8)
هو عبد اللطيف افتخار الدين الكرماني الحنفي، فقيه فصيح واسع الاطلاع، توفي في عهد ولاية الظاهر جقمق، رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 4/ 340 رقم 949)
(9)
هو موسى بن أحمد شرف الدين السبكي الشافعي، لم يخلفه نظير في الفقه، توفي سنة 840 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 236)
(10)
هو محمد بن عبد الوهاب بن محمد ناصر الدين البارنباري، توفي سنة 832 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 199)
(11)
ابن المجدي هو أحمد بن رجب بن طنبغا، كان رأسًا في الفرائض والحساب والهندسة والميقات، =
والعربية عن العلاء البخاري، والتاج الفرغاني النعماني، والمجد الزمزمي، والشرف السبكي.
والصرف، عن البساطي.
والمعاني والبيان، عن العلاء البخاري والنظام السيرامي والبساطي.
والمنطق، عن شرف الدين السبكي.
وقد زار الشيخ قاسم بيت المقدس، والشام، ودخل مدينة الإسكندرية وقرأ بها على الكمال بن خير، وقاسم التروجي. كما حجّ غير مرة. . ولا بدّ أن يكون قد جالس علماء الحرمين وأخذ عنهم.
-
تلامذته:
تصدّى العلامة قاسم للإفتاء والتدريس في سنّ مبكر، فقد أجاز له غير واحد في ذلك، ثم أخذ عنه الفضلاء من بعدُ، في فنون كثيرة.
يقول السخاوي: "وأسمع من لفظه: "جامع مسانيد أبي حنيفة"، بمجلس الناصري ابن الظاهر جَقْمَق
(1)
بروايته له عن قاضي بغداد، عن عمِّه، عن ابن الصبّاغ، عن الخُوارزمي
(2)
مؤلِّفِه. وكان الناصري - صاحب المجلس - من تلاميذ الشيخ أخذ عنه واختص بصحبته. وقرئ "جامع المسانيد" ببيت المحبّ بن الشحنة
(3)
، وسمعه عليه هو وغيره، وحمله الناس عنه قديمًا وحديثًا.
= وله في ذلك مصنفات، توفي سنة 850، (شذرت الذهب 7/ 268). وأما تلميذه (السيد علي) فلعله علي العجمي الحنفي المتوفي سنة 860. (شذرات الذهب 7/ 297)
(1)
الظاهر جقمق هو أحد سلاطين دولة المماليك البرجية، امتد حكمه من سنة 842 حتى سنة 857. (انظر الضوء اللامع 3/ 71، والأعلام 2/ 132).
(2)
هكذا أوجز الشيخ قاسم سنده إلى الخوارزمي في "تاج التراجم" ص 278 رقم 259، وهو إيجاز حسن لولا أن فيه إبهامًا، وفي الضوء اللامع 6/ 185، 186، ذكر هذا السند على النحو التالي:". . عن التاج النعماني، عن محيي الدين أبي الحسن حيدرة بن أبي الفضائل محمد بن يحيى العباسي مدرس المستنصرية ببغداد، سماعًا عن صالح بن عبد الله بن الصباغ، عن أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي". وقد توفي الخوارزمي سنة 655 هـ رحمه الله تعالى.
(3)
هو محمد بن محمد بن محمد بن محمود المحب بن الشحنة، ولي قضاء الحنفية، توفي سنة 890 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 7/ 349)
ويُعتبر الإمام السخاوي
(1)
رحمه الله تعالى من أبرز تلاميذه؛ سمع منه مع والده المسلسل بسماعه له على الواسطي، وكتب عنه من نظمه وفوائده أشياء كثيرة، وكانت بينهما مودة وصحبة، من ذلك ما قاله في ترجمته في الضوء:". . واستعار مني أشياء من تعاليقي ومسوداتي وغيرها، وكثر تردّده لي قبل ذلك وبعده بسبب المراجعة وغيرها، صريحًا وكناية لحسن اعتقاده فيّ"، وكان والد السخاوي من قدماء أصحابه، كان يجلسه ويعظمه ويقول:"ما أكثر محفوظه وأحسن عشرته".
وممن كتب عنه من نظمه ونثره أيضًا: برهان الدين البقاعي
(2)
، وعظم انتفاع الشرف المناوي
(3)
به، وكذا البدر بن الصواف في كثير من مقاصدهما.
ومن تلاميذه كذلك: شمس الدين المغربي، وأبو إسحاق الخجندي، وابن إسماعيل الجوهري، والبدر الطولوني، وبدر الدين القاهري، وابن العيني، والفيومي القاهري، وابن الجندي، والعلاء السكندري، وابن الصيرفي، وابن الغزال، وأبو الفضل العراقي والكافوري، وغيرهم كثيرون. . يقول ابن العماد وهو يترجم للشيخ قاسم في الشذرات
(4)
: "وأخذ عنه من لا يحصى كثرة". . رحمهم الله تعالى.
-
بعض صفاته وأعماله:
اشتهر العلامة قاسم بتواضعه وزهده وورعه، وقُصد بالفتاوى في النوازل والمهمات فبلغوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالبًا. واشتغل بالتدريس، فدرّس الحديث بقبة البيبرسية عقب ابن حسان، ثم رغب عنه بعد ذلك، وقرّره جانبك الجداوي في مشيخة مدرسته التي أنشأها بباب القرافة، ولم يدم ذلك كثيرًا.
عُيّن لمشيخة الشيخونية عند توعك الكافيجي بسفارة المنصور، حين كان
(1)
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد، شمس الدين السخاوي الشافعي، علّامة كثير التصانيف، ومن أشهرها:"الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع"، توفي سنة 902 رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب 8/ 15).
(2)
هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط المولود سنة 809، والمتوفى سنة 885 رحمه الله تعالى. (الأعلام 1/ 56)
(3)
هو يحيى بن محمد أبو زكريا شرف الدين الحدادي المناوي الشافعي، ولي قضاء مصر، توفي سنة 871 رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع 10/ 254)
(4)
"شذرات الذهب" 7/ 326.
بالقاهرة عند الأشرف قايِتْباي
(1)
، وكذا بسفارة الأتابك أيبك فقدرت وفاته قبله.
ولما استقر رفيقه السيف الحنفي في مشيخة المؤيدية عرض عليه السكنى بقاعها لعلمه بضيق منزله وكثرة عياله، مع تكلفه بالصعود إليه لكونه بالدور الأعلى، فما وافق. .
ولما استقر الشمس الأمشاطي في قضاء الحنفية رتب له من معاليمه في كل شهر ثمان مئة درهم، لمزيد اختصاصه به، وتقدم صحبته معه.
ومع أنه لم ينل من المناصب ما يستحقه ويناسب حاله، حتى التدريس في الأمكنة التي صار يدرس فيها من هو دونه في جميع الأوصاف
(2)
، إلا أنه كان عالي الهمة، عظيم النفس، لم يتأثر بظروفٍ
(3)
شخصية أو غيرها فيعتزل الناس، بل دأب على العكس، حيث كان يألف مجالس المناظرة ومذاكرة العلماء بتواضع، وأخلاق رفيعة. .
يقول السخاوي
(4)
: "هو إمام علامة قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أحسن من تحقيقه، مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة. . ولقد سمعته يقول: إنه أفرد زوائد متون الدارقطني أو رجاله على الستة من غير مراجعتها!. كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها، وقد لا يكون عنده جوابها
(5)
، ولهذا كان بعضهم يقول: إن كلامه أوسع من علمه، وأما أنا [الإمام السخاوي] فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه، مع كونه غاية في التواضع وطرح التكلف وصفاء الخاطر جدًّا، وحسن المحاضرة لا سيما في الأشياء التي يتحفظها، وعدم اليبس والصلابة،
(1)
الأشرف قايتباي، من أبرز سلاطين دولة المماليك، حكم مدة طويلة؛ من سنة 872، حتى سنة 901. (الأعلام 5/ 188).
(2)
كما قال صاحب "البدر الطالع" 2/ 47.
(3)
انظر ما سيأتي ذكره من ضيق عيشه وبلائه.
(4)
في "الضوء اللامع" 6/ 187، 188.
(5)
كذا في مطبوعة "الضوء اللامع"، وقد وجدت في "طبقات الحنفية" للسخاوي هذه العبارة بلفظ:"وقد يكون عنده جوابها" ومعنى ما أثبتّ أولى، والله أعلم. وكتاب طبقات الحنفية المذكور، مخطوط في المكتبة الوطنية بدمشق، برقم 13818.
والرغبة في المذاكرة للعلم وإثارة الفائدة، والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه".
ولقد عانى الشيخ قاسم رحمه الله الفقر والفاقة، ولكنه تغلب على ذلك بصبره واحتسابه، على عادة العلماء الصلحاء. . فعاش كريمًا مبتعدًا عن حياة الذل ودناءة التزلّف، رافضًا الاعتماد على الهبات والصدقات، وربما تفقده الأعيان من الملوك والأمراء ونحوهم، فلا يدبّر نفسه في الارتفاق بذلك بل يسارع إلى إنفاقه ثم يعود لحالته، وهكذا مع كثرة عياله وتكرر تزويجه. كل ذلك، مع همّة نادرة في طلب العلم ومدارسة أهله، والاشتغال بالتصنيف والتأليف.
ولقد اشتهر الشيخ رحمه الله بالمناضلة عن ابن عربي ونحوه مع حسن عقيدته، كما يقول السخاوي، وكان قد حدث في أواخر سني حياته انشقاقٌ بين العلماء بسبب ابن الفارض الشاعر المتصوف المشهور، وذلك لاختلافهم في فهم بعض الأبيات الشعرية من قصيدته التائية، وكثرت بينهم المحاجة والمناظرة، فمنهم من أخذ بظاهر قوله ونسبه إلى الحلول والاتحاد، وحكم بفسقه وكفره، ومنهم من لم يأخذ بظاهر القول وتأول كلام الشيخ ولم ينسبه إلى فسق أو قول بالحلول، بل حكم بإيمانه الثابت الراسخ
(1)
.
وقد اشتد الأمر بين الشيخ قاسم ومخالفيه ممن يرون كفر ابن الفارض، حتى تعرّض برهان الدين البقاعي لشيخه - ابن قطلوبغا - بالإساءة، وبالغ في أذيّته،
(1)
جاء في كتاب: "عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي" تأليف: محمود رزق سليم، تحت عنوان:(إنشقاق بين العلماء بسبب ابن الفارض سنة 875 هـ)، المجلد الثاني ص 413 ما يلي:"ولما طال الأمر وبلغ مسامع السلطان قايِتْباي، أمر كاتب السر - ابن مزهر - أن يكتب سؤالا في الموضوع يوجّهه إلى الشيخ زكريا الأنصاري، فأجاب شيخ الإسلام على الاستفتاء بعد تمنّع شديد بما يلي: "يحمل كلام هذا العارف - رحمة الله عليه ونفع ببركاته - على اصطلاح أهل طريقته، بل هو ظاهر فيه عندهم، إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي، مجاز في غيره كما هو مقرر في محله، ولا ينظر إلى ما يوهمه تعبيره في أبيات في التائية من القول بالحلول والاتحاد، فإنه ليس من ذلك في شيء بقرينتَي: حاله ومقاله. ." إلى آخر كلامه الذي كان سببًا في ركود ريح الخلاف وسكون الفتنة والحمد لله رب العالمين. ولكن الغريب جدًا؛ أن مؤلف "عصر سلاطين المماليك" في المجلد السادس ص 47، نسب ابن قطلوبغا إلى القول بالاتحاد! محيلًا في الهامش على ترجمته في "الضوء اللامع"؛ مع أن الإمام السخاوي لم يزد فيه على أن قال: "واشتهر بالمناضلة عن ابن عربي ونحوه مع حسن عقيدته" كما مر. (انظر الضوء اللامع 6/ 188).
واتهمه بالكذب، وتكلم عليه بما لا يليق
(1)
، كما أن المحبّ بن الشحنة بعد أن كان من أخصّ أصحاب الشيخ قاسم الذي أذن لابنه الصغير في الإفتاء، إلا أنه لامس الشيخ منهم غاية المكروه، بحيث شافهوه بمجلس السلطان بما لا يليق، وانتصر له العز قاضي الحنابلة وهجرهم بسببه مدة حتى توسط بينهم العضد الصيرامي.
وبالجملة فقد توقف الكثير منهم في شأنه رحمه الله ولم ينزلوه منزلته، وهكذا حال أكثرهم جريا على عادة العصريين
(2)
.
-
مرضه ووفاته:
كان الشيخ قاسم قويًّا في بدنه يمشي جيدًا، فأصيب بعسر البول واشتد به حتى خيف موته، وعولج حتى صار به سلس البول، فقام وقد هرم، ثم عرض له مرض حاد تعلّل به مدة طويلة.
وكان الشيخ قد نقل سكناه عدة مرات في أحياء القاهرة إلى أن تحول قبيل موته بيسير إلى قاعة بحارة الديلم، فلم يلبث أن مات فيها، في ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة (879) تسع وسبعين وثمان مئة هجرية، (الموافق لسنة 1474 ميلادية)، وصلّى عليه من الغد تجاه جامع المارداني
(3)
قاضي القضاة ولي الدين الأسيوطي الشافعي، في مشهد حافل، ودفن على باب المشهد المنسوب لعقبة بن عامر عند أبويه وأولاده، وتأسفوا على فقده، رحمه الله وإيّانا
(4)
.
وهكذا مضى العلامة قاسم عن سبع وسبعين سنة من العمر المبارك، قضاها في ربوع العلم والإفادة، والقدوة الحسنة. . تغمّده الله تعالى برحمته، وأغدق عليه سحائب رضوانه، وأسكنه فسيح جناته، وسائر العلماء العاملين. . آمين.
(1)
فقد أظهر المرض الذي أصاب الشيخ قاسمًا في آخر حياته بصورة دنيئة، معتبرًا أن ما أصابه كان عقوبة له من الله على موقفه! انظر:"الضوء اللامع" 6/ 186.
(2)
"الضوء اللامع" 6/ 188.
(3)
انظر: "حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران"، لابن الحمصي 1/ 205، 206، وفيه:"بباب جامع المارديني"، بدل:(المارداني).
(4)
"الضوء اللامع" 6/ 189.
مكانة المؤلفّ العلميّة ومؤلفاته
-
ثناء العلماء عليه:
ابتدأ العلامة قاسم بن قُطْلوبغا بالقرآن الكريم فحفظه وهو صغير، ثم أقبل على الاشتغال بالعلم، ودرس الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة حتى صار مبرزًا فيه.
عُرف بالذكاء وقوة الحافظة، وأشير إليه بالعلم
(1)
، تصدّر للتدريس والإفتاء مبكرًا، وأخذ عنه الفضلاء، وصار المشار إليه من الحنفية، ولم يخلف بعده مثله
(2)
. برع رحمه الله في الحديث والفقه وغيرهما
(3)
، وكتبه دالّة على أكثر من ذلك.
وإن مقام الأئمة الحفاظ: الزيلعي والعراقي وابن حجر، في الحفظ وسعة الاطلاع معلوم مشهور، ومع ذلك نجد الشيخ قاسمًا يستدرك عليهم ما يعسر عليهم الوقوف عليه، فقد استدرك على الزيلعي ما فاته من تخريج "الهداية" في:"منية الألمعي"، واستدرك على العراقي ما فاته من تخريج "الإحياء" في:"إتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء"، واستدرك على ابن حجر في "الدراية" التي
(1)
"الضوء اللامع" 6/ 185.
(2)
"البدر الطالع" 2/ 45، 46.
(3)
فقد عرف أيضا بحسن النظم والفصاحة، يقول السخاوي (في ترجمته في الضوء اللامع 6/ 189):"وقد صحبته قديما. . وكتبت عنه من نظمه وفوائده أشياء. . ويقول: وخطه عندي شاهد بأعلى من ذلك حسبما أثبته في موضع آخر مع كثير من نظمه وفوائده" اهـ، وللسخاوي كتاب في من أثنى عليه من الشيوخ والأقران ممن دونهم، وما علمه مما صدر عنه من السجع (الضوء اللامع 8/ 17) ولربما وجد فيه الكثير من ذخائر العلامة قاسم، والله أعلم. ومن نظم ابن قطلوبغا ردًّا لقول القائل:
إن كنت كاذبة التي حدثتني
…
فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
الواثبين على القياس تمردا
…
والراغبين عن التمسك بالأثر
فقال:
كذب الذي نسب المآثم للذي
…
قاس المسائل بالكتاب وبالأثر
إن الكتاب وسنة المختار قد
…
دلا عليه فدع مقالة من فشر
لخص فيها "نصب الراية" في الحواشي التي كتبها على "الدراية"
(1)
.
ومقام الإمام المحقق ابن الهمام في علم الفقه مشهور، وقد وقع اختياره رحمه الله أن يكون العلامة قاسم خليفة عنه بعد وفاته، قال العلامة الكشميري في "فيض الباري":"لما دنا وفاة ابن الهمام سأله الناس عمن يجلس مجلسه بعده؟ فقال: العلامة قاسم بن قطلوبغا."
(2)
!
وإذا كان الشيخ قاسم قد دعا إلى التزام الراجح في المذهب وعدم قبول التلفيق والخروج على المذهب المتبع، إلا أنه لم يقبل مقولة أن المجتهد قد فُقد أو أن باب الاجتهاد قد أغلق، بل إن ابن عابدين رحمه الله لا يستبعد أن يكون ابن قطلوبغا نفسه ممن بلغ تلك المرتبة، حيث قال - بعدما نقل عن شيخ الإسلام "علي المقدسي" أن ابن الهمام بلغ رتبة الاجتهاد -:"وكذلك نفس العلامة قاسم من أهل تلك الكتيبة"
(3)
.
ولبلوغه تلك المكانة في العلم فقد استفاد منه كثير من علماء عصره، ومن جاء بعدهم من الأئمة، وكان من أبرز هؤلاء: العالم الجليل مفتي مكة العلامة إبراهيم البيري، الذي شَرَح "التصحيح والترجيح"
(4)
. . وخاتمة المحققين العلامة ابن عابدين، وقد ظهر انتفاعه به في غير ما تصنيف له. . وكذلك تلميذه الشيخ عبد الغني الميداني الذي جعل كتاب "التصحيح" مرجعًا مهمًّا، لكتابه النافع المشهور:"اللباب شرح الكتاب". .
(5)
.
ومما يدل على منزلة المؤلف الرفيعة بين العلماء، ما وجدناه من عباراتهم الكثيرة في مدحه والثناء عليه، والإشادة بعظيم علمه وفضله.
فقد وصفه الحافظ ابن حجر العسقلاني بـ "الإمام العلامة المحدث الفقيه الحافظ". ولما قرأ عليه الشيخ قاسم كتابه "الإيثار بمعرفة رواة الآثار" وصفه بـ "الشيخ الفاضل المحدّث الكامل الأوحد"، وقال: "قراءة عليّ وتحريرًا، فأفاد ونبّه
(1)
انظر: "دراسة حديثية مقارنة لنصب الراية وفتح القدير ومنية الألمعي"، تأليف محمد عوامة، ص 300.
(2)
"دراسة حديثية مقارنة لنصب الراية وفتح القدير ومنية الألمعي"، لمحمد عوامة، ص 302، 303.
(3)
"رسم المفتي" 1/ 32.
(4)
انظر "هدية العارفين" 1/ 34.
(5)
وانظر ذلك بمزيد من التفصيل في مبحث: "أهمية الكتاب"، ص 71، 72.
على مواضع ألحقت في هذا الأصل فزادته نورًا"، وهو المعني بقوله في خطبة الكتاب: "إن بعض الإخوان التمس مني، فأجبته إلى ذلك مسارعًا ووفقت عند ما اقترح طائعًا"
(1)
.
وقال العلامة المقريزي: "وبرع في فنون من فقه وعربية وحديث وغير ذلك، وكتب مصنفات عديدة"
(2)
.
و وصفه ابن الدَّيْري بـ "الشيخ العالم الذكيّ"
(3)
.
وقال السخاوي: "هو إمام علامة قوي المشاركة في فنون. . واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدم في هذا الفن طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أوسع من تحقيقه .. وكلامه أحسن من قلمه، مع كونه غاية في التواضع وطرح التكلف وصفاء الخاطر جدًّا وحسن المحاضرة، ولا سيما في الأشياء التي يتحفظها، وعدم اليبس والصلابة، والرغبة في المذاكرة للعلم وإثارة الفائدة، والاقتباس ممن دونه مما لعلّه لم يكن أتقنه، وقد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن، وصار بينهم من أجلة شأنه"
(4)
.
وترجمه الزين رضوان
(5)
في بعض مجاميعه بقوله: "من حذّاق الحنفية، كتب الفوائد واستفاد وأفاد"
(6)
.
وقال برهان الدين البقاعي: "شاع ذكره وانتشر صيته وأثنى عليه مشايخه، وصنف التصانيف المفيدة. ."
(7)
.
وقال ابن إياس
(8)
: "كان عالمًا فاضلًا فقيها محدّثا كثير النوادر، مفتيًا من أعيان
(1)
الضوء اللامع 6/ 185، وانظر مقدمة "الإيثار بمعرفة الآثار" للحافظ ابن حجر ص 35.
(2)
"الضوء اللامع" 6/ 189.
(3)
"الضوء اللامع" 6/ 185.
(4)
"الضوء اللامع" 6/ 185.
(5)
هو رضوان بن محمد بن يوسف، الزين الشافعي الحافظ القاهري، توفي سنة 852 رحمه الله. (شذرات الذهب 7/ 274، البدر الطالع 1/ 246)
(6)
"الضوء اللامع" 6/ 185.
(7)
انظر "شذرات الذهب" لابن العماد 7/ 326، نقلًا عن "عنوان الزمان بتراجم الأقران" للبقاعي.
(8)
في: "بدائع الزهور في وقائع الدهور" 3/ 97.
الحنفية .. وقال: وكان نادرة عصره".
ويقول ابن الحمصي
(1)
: "الشيخ الإمام العلامة المفنن المحقق زين الدين قاسم بن قطلوبغا .. لم يخلف بعده حنفيًّا مثله رحمه الله تعالى".
وقال عنه الشوكاني
(2)
: "أخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة، وصار المشار إليه في الحنفية، ولم يخلف بعده مثله".
وقال الإمام اللكنوي
(3)
: ". . وقد طالعت من تصانيفه: فتاواه، وشرح مختصر المنار ورسائل كثيرة، كلها مفيدة شاهدة على تبحره في فمن الفقه والحديث وغيرهما".
وأختتمُ مع كلمة العلامة ابن عابدين حيث ذكره في مقدمة حاشيته
(4)
بقوله: "الحافظ الذي انتهت إليه رآسة مذهب أبي حنيفة في زمنه، الشيخ قاسم الحنفي".
-
مؤلّفاته:
لقد اشتغل قاسم بن قطلوبغا بالتأليف مبكرًا، وترك كثيرًا من الآثار العلميّة ما بين مؤلف، ومصنّف، ومرتّب، وشرح، وتلخيص، وغير ذلك مما أكثره مسودات، كما قال تلميذه البقاعي
(5)
.
وأذكر هنا ما وقفت عليه في مصادر ترجمته مع ذكر المصدر
(6)
، وأبين ما طبع منها ومكان الطبع، مرتبًا ذلك حسب المواضيع على النحو التالي:
(1)
في "حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران" 1/ 205، 206.
(2)
"البدر الطالع" 2/ 45، 46.
(3)
"التعليقات السنية على الفوائد البهية" ص 167، 168.
(4)
"رد المحتار على الدر المختار" 1/ 36.
(5)
في كتابه: "عنوان الزمان"، ونقله ابن العماد في "شذرات الذهب" 7/ 326.
(6)
أي مختصرًا، فإذا قلت:"الضوء اللامع" أو "الضوء" يكون الكتاب مذكورًا في ترجمة ابن قطلوبغا في "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" للسخاوي، 6/ 184 - 190، و"البدر" أي "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع"، 2/ 46، 47، و "شذرات الذهب" لابن العماد في الجزء السابع ص 326 منه، و"فهرس الفهارس" أي:"فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" للكتاني 2/ 972، 973، و"هدية العارفين" أي في الجزء الثاني منه ص 830، 0831 أما غير هذه المصادر، فلم أقتصر فيها على الإشارة والاختصار.
أولًا: التفسير وعلوم القرآن:
- 1 - "تعليقة" على "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"
(1)
.
- 2 - "رسالة في البسملة"
(2)
.
- 3 - "غريب القرآن"
(3)
.
- 4 - "رسالة في القراءات العشر، وهل هي متواترة"
(4)
.
- "حاشية على تفسير أبي الليث" = انظر: تخريج أحاديث تفسير أبي الليث.
ثانيًا: علوم الحديث وشروحه:
- 5 - " الأجوبة عن اعتراض ابن أبي شيبة على أبي حنيفة" في الحديث
(5)
.
- 6 - "الأمالي على مسند أبي حنيفة"(رواية الحارثي)
(6)
.
- 7 - "الأمالي على مسند عقبة بن عامر رضي الله عنه "
(7)
.
- 8 - "ترتيب مسند أبي حنيفة"، لابن المقري، علي بن محمد الفزاري
(8)
- 9 - "تبويب مسند أبي حنيفة"، للحارثي
(9)
.
- 10 - "ترجمة ذي النون المصري وعوالي حديثه
(10)
.
(1)
وصل فيه إلى قوله تعالى: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} . وكتاب "أنوار التنزيل" هو تفسير القاضي البيضاوي. (كشف الظنون 1/ 193)
(2)
الضوء اللامع، هدية العارفين، فهرس الفهارس.
(3)
جمع فيه بين كتابي: "البيان في غريب القرآن" لابن جماعة، وبين "تحفة الأريب" لأبي حيان. فسّر فيه الغريب حسب ترتيب القرآن الكريم، ثم رتب الغريب على حروف المعجم. وقد حقق هذا الكتاب: أحمد محمد الحمادي، في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في الرياض، سنة 1407 هـ. وهو في 861 ورقة.
(4)
يوجد منها نسخة في المكتبة الوطنية بدمشق، رقم 11716، 16 ورقة.
(5)
الضوء اللامع، كشف الظنون 1/ 12، هدية العارفين.
(6)
الضوء، البدر الطالع، كشف الظنون 2/ 1680، فهرس الفهارس، الرسالة المستطرفة 163.
(7)
(الضوء اللامع، البدر الطالع) وربما هو مسند عقبة .. الآتي ذكره.
(8)
رتّبه على أبواب الفقه. (كشف الظنون 2/ 1680، هدية، فهرس الفهارس).
(9)
(هدية العارفين)، وقد يكون هو "الأمالي على المسند"، رقم 6.
(10)
مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم المخطوطات رقم 1167، 5 ق، وفهرس المخطوطات العربية في برلين 2/ 188 رقم 1397.
- 11 - "ترصيع الجوهر النّقي في تلخيص سنن البيهقي"
(1)
.
- 12 - "تعليقة على شرح نخبة الفكر"، لتقي الدين الشمنّي
(2)
.
- 13 - "تعليقة على الموطأ"(برواية محمد بن الحسن)
(3)
.
- 14 - "تعليق على مسند الفردوس" للدَّيلمي
(4)
.
- 15 - "حاشية على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث"، للحافظ العراقي
(5)
.
- 16 - "حاشية على مشارق الأنوار"
(6)
.
- 17 - "حاشية على نزهة النظر"
(7)
.
- 18 - "زوائد سنن الدارقطني" في مجلد
(8)
.
- 19 - "شرح غريب أحاديث شرح الأقطع على القدوري"
(9)
.
(1)
قال صاحب الكشف 2/ 1007: "صنف الشيخ علاء الدين علي بن عثمان المعروف بابن التركماني كتابًا سماه: الجوهر النقي في الردّ على البيهقي، في مجلد كبير، قال فيه: هذه فوائد علقتها على السنن الكبيرة للبيهقي، أكثرها اعتراضات عليه ومناقشات ومباحثات معه، ثم لخصه زين الدين قاسم بن قطلوبغا. . وسماه: ترصيع (*) الجوهر النقي، ورتبه على ترتيب حروف المعجم، وبلغ فيه إلى حرف الميم"(كذا). وفي الضوء اللامع: "ترصيع الجوهر النقي، كتب منه إلى أثناء التيمم". (الضوء اللامع، البدر الطالع، هدية العارفين، الرسالة المستطرفة ص 33).
(2)
ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر متن متين في علوم الحديث للحافظ ابن حجر. وممّن نظم النخبة: محمد بن محمد بن حسن الشمني، ثم شرح هذا النظم ولده تقي الدين أحمد، وسماه: العالي الرتبة شرح نظم النخبة، وعليه تعليقة للشيخ قاسم. . قاله صاحب الكشف " 2/ 1936. وانظر (البدر الطالع، والهدية).
(3)
ذكره المقريزي في عقوده. (الضوء اللامع)، وفي البدر الطالع أن له: أمالي على موطأ محمد بن الحسن.
(4)
كله مُقَفّص (**)، والذي خرجه منه قليل جدًا. (الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس)
(5)
كشف الظنون 1/ 156، الضوء.
(6)
وكتاب مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية، ألفه الإمام رضي الدين حسن بن محمد الصغاني. (كشف الظنون 2/ 1690، هدية العارفين).
(7)
ونزهة النظر شرح نخبة الفكر، كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلاني. (الضوء اللامع، فهرس الفهارس، الرسالة المستطرفة ص 216، وفي كشف الظنون 2/ 1937: وعليه [أي على نخبة الفكر] تعليقة للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، مختصر).
(8)
الرسالة المستطرفة ص 172، وانظر:"زوائد رجال سنن الدارقطني على الستة" رقم 43.
(9)
كذا في كشف الظنون 2/ 1634، وفي الضوء: غريب أحاديث شرح الأقطع.
(*) في "الكشف": "ترجيع".
(**) تَقَفّص: تجمع. (القاموس المحيط).
- 20 - "شرح قصيدة ابن فرح الإشبيلي"(القصيدة الغرامية)
(1)
.
- 21 - "شرح كتاب جامع المسانيد" لأبي المؤيد الخوارزمي
(2)
.
- 22 - "شرح مصابيح السنَّة لما للبغوي
(3)
.
- 23 - "شرح منظومة ابن الجزري" في الحديث
(4)
.
- 24 - "عوالي حديث أبي جعفر الطَّحاوي"
(5)
.
- 25 - "عوالي حديث الليث بن سعد"
(6)
.
- 26 - "مسند عقبة بن عامر الجُهني"
(7)
.
- 27 - "منتقى من منتقى ابن الجارود"
(8)
.
(1)
بحث فيه مع العز بن جماعة. قال في كشف الظنون 2/ 1865: منظومة ابن فرح شهاب الدين أحمد بن فرح اللخمي المالكي الإشبيلي في الحديث، لامية في ثلاثين بيتًا، أولها: غرامي صحيح والرجا فيك معضل. (الضوء، كشف الظنون 2/ 1329، فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي 2/ 196، رقم 1559/ 3).
(2)
انظر: (الرسالة المستطرفة ص 176).
(3)
شرح مجلدًا منه. (الضوء، كشف الظنون 2/ 1698، هدية العارفين).
(4)
قال السخاوي: "إنه جمع فيه من كل نوع حتى صار في مجلدين، يعني وخرج عن أن يكون شرحًا لهذا النظم المختصر، ولكنه لم يكمل، وكان يقول: إنه "زردخانتي"، إشارة إلى أنه جمع فيه كل ما عنده". وفي "عنوان الزمان"(*): شرَح منظومة ابن الجزري في علم الحديث المسماة بالهداية، وقال في كشف الظنون 2/ 2028: الهداية إلى علوم الدراية، منظومة للشيخ الإمام محمد بن محمد الجزري، وفي ص 1866: منظومة في الحديث لابن الجزري شرحها الشيخ قاسم بن قطلوبغا، ومثله في هدية العارفين.
(5)
الضوء، فهرس المخطوطات العربية في برلين 2/ 188 رقم 1398.
(6)
الرسالة المستطرفة ص 165، كشف الظنون 2/ 1178، فهرس المخطوطات العربية في برلين 2/ 188، 189، رقم 1399. وقد طبع عوالي الليث، رواية حسن بن الطولوني، بتحقيق عبد الكريم بدر الموصلي النعيمي، في دار الوفاء - جدة، سنة 1408 هـ / 1987 م، 109 صفحات.
(7)
أوله: "الحمد لله رب العالمين. . وبعد فلما دفنت والدي وأولادي بجوار الضريح المنسوب إلى سيدي عقبة بن عامر الجهني رحمه الله، أحببت أن أجمع ما تيسر لي من أحاديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. .".
(فهرس المخطوطات العربية في برلين 2/ 188 رقم 1396).
(8)
وابن الجارود هو العلامة أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري، من حفاظ الحديث، توفي سنة 307 رحمه الله تعالى. (الأعلام 4/ 104).
وانظر "المنتقى" مكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، قسم المخطوطات رقم 1167، 8 ق، وفهرس المخطوطات العربية في برلين 2/ 189 رقم 1400)
(*) ونقله ابن العماد في: "شذرات الذهب" 7/ 326.
ثالثًا: علم الرجال:
- 28 - " أسئلة الحاكم للدارقطني"، (جمع وترتيب)
(1)
.
- 29 - "الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي"
(2)
.
- 30 - "الإيثار برجال معاني الآثار"
(3)
.
- 31 - "تاج التراجم"(فيمن صنف من الحنفية)
(4)
.
- 32 - "تراجم مشايخ شيوخ العصر"، (لم يتم)
(5)
.
- 33 - "تراجم مشايخ المشايخ"
(6)
.
- 34 - "ترتيب الإرشاد في علماء البلاد"
(7)
.
- 35 - "ترتيب التمييز"، للجوزقاني
(8)
.
- 36 - "تقويم اللسان" في الضعفاء
(9)
.
- 37 - "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة"
(10)
.
- 38 - "حاشية على تقريب التهذيب" لابن حجر
(11)
.
(1)
الضوء اللامع، البدر الطالع، هدية العارفين، فهرس الفهارس.
(2)
الضوء، البدر الطالع، هدية العارفين، فهرس الفهارس.
(3)
كشف الظنون 2/ 1728، هدية العارفين، شذرات الذهب، فهرس الفهارس، الرسالة المستطرفة ص 210.
(4)
طبع عدة طبعات، منها: طبعة مكتبة المثنى ببغداد، سنة 1382 هـ، 134 صفحة، وطبعة دار القلم - دمشق، سنة 1413 هـ - 1992 م، 568 صفحة بتحقيق: محمد خير رمضان يوسف.
(5)
الضوء اللامع، البدر الطالع، فهرس الفهارس.
(6)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس.
(7)
كتاب الإرشاد هو لأبي يعلى خليل بن عبد الله الخليلي القزويني الحافظ، ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء على ترتيب البلاد إلى زمانه .. ورتبه الشيخ قاسم على الحروف. (الضوء اللامع، كشف الظنون 1/ 70، الرسالة المستطرفة ص 131.
(8)
انظر: الضوء اللامع.
(9)
الضوء، البدر الطالع، كشف الظنون 1/ 470، فهرس الفهارس.
(10)
كمل في أربعة مجلدات. (الضوء، البدر الطالع، شذرات، كشف الظنون 1/ 522، الرسالة المستطرفة ص 147، فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي - تركيا، 1/ 144 رقم 264).
(11)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس، وفيه:"تعليق على تقريب ابن حجر".
- 39 - "حاشية على مشتبه النسبة" لابن حجر
(1)
.
- 40 - "رجال كتاب الآثار، لمحمد بن الحسن
(2)
.
- 41 - "رجال مسند أبي حنيفة"(لابن المقري)
(3)
.
- 42 - "رجال الموطأ"، برواية محمد بن الحسن
(4)
.
- 43 - "زوائد رجال سنن الدارقطني على الستة"
(5)
.
- 44 - "زوائد رجال الموطأ"
(6)
.
- 45 - "زوائد رجال مسند الإمام الشافعي"
(7)
.
- 46 - "زوائد العجلي"
(8)
.
- 47 - "معجم الشيوخ"
(9)
.
- 48 - "من روى عن أبيه عن جده"
(10)
.
رابعًا: التخريج:
- 49 - " إتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء"
(11)
.
- 55 - "بغية الرائد في تخريج أحاديث شرح العقائد"(النسفية)
(12)
.
(1)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس.
(2)
قال المقريزي: تعليقة على آثار محمد بن الحسن. (الضوء، فهرس الفهارس).
(3)
الضوء اللامع، فهرس الفهارس.
(4)
الضوء اللامع، فهرس الفهارس، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ ص 220.
(5)
كذا ذكر السخاوي عندما كان يعدّد كتب المؤلف في ترجمته في الضوء اللامع، وكذا قاله في الإعلان بالتوبيخ، ص 220، وقال في سياق الترجمة في الضوء:"ولقد سمعته يقول إنه أفرد زوائد متون الدارقطني أو رجاله على الستة من غير مراجعتها".
(6)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس، الإعلان بالتوبيخ ص 220.
(7)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس، الإعلان بالتوبيخ ص 220.
(8)
الضوء، فهرس الفهارس.
(9)
الضوء، البدر الطالع، كشف الظنون 2/ 1735، هدية العارفين.
(10)
طبع في الكويت، مطبعة المعلا، سنة 1408 هـ، بتحقيق: باسم فيصل الجوابرة، 645 صفحة.
(11)
أي: "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وهو استدراك على الحافظ زين الدين العراقي في كتابه:"المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار".
(الضوء، البدر الطالع، الكشف وفيه: "تحفة الأحياء"، هدية العارفين، فهرس الفهارس).
(12)
الضوء، كشف الظنون 2/ 1145، هدية العارفين.
- 51 - "تخريج أحاديث بداية الهداية"
(1)
.
- 52 - "تخريج أحاديث جواهر القرآن"، للغزالي
(2)
.
- 53 - "تخريج أحاديث الأربعين في أصول الدين"
(3)
.
- 54 - "تخريج أحاديث تفسير أبي الليث"(السمرقندي)
(4)
.
- 55 - "تخريج أحاديث شرح القدوري" للأقطع
(5)
.
- 56 - "تخريج أحاديث الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض
(6)
.
- 57 - "تخريج أحاديث عوارف المعارف"
(7)
.
- 58 - "تخريج أحاديث الفرائض" للسجاوندي
(8)
.
- 59 - "تخريج أحاديث كنز الوصول إلى معرفة الأصول" للبزدوي
(9)
.
- 60 - "تخريج أحاديث منهاج العابدين"، للغزالي
(10)
.
- 61 - "تخريج عوالي القاضي بكار"
(11)
.
(1)
والبداية، مختصر في الموعظة، للإمام أبي حامد الغزالي.
(الضوء، البدر الطالع، كشف الظنون 1/ 228).
(2)
الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس.
(3)
ذكر في كشف الظنون أن للغزالي كتابًا اسمه "الأربعين"، وأنَّه قسم من كتابه المسمى بجواهر القرآن، الذي مر (رقم 52). قال: وقد أجاز أن يكتب مفردا فكتبوه وجعلوه كتابًا مستقلا. (الضوء، البدر الطالع، وكشف الظنون 1/ 61).
(4)
الضوء، البدر الطالع، كشف الظنون 1/ 441، فهرس الفهارس، الرسالة المستطرفة ص 186، طبقات المفسرين 1/ 344 وفيه: حاشية على تفسير أبي الليث.
(5)
شذرات الذهب 7/ 326، نقلا عن عنوان الزمان للبقاعي، وفي كشف الظنون 2/ 1634: شرح غريب أحاديث شرح الأقطع، وقد مرّ برقم 19.
(6)
كتب منه أوراقًا. (الضوء، البدر الطالع، فهرس الفهارس).
(7)
وكتاب: "عوارف المعارف" في التصوف، لشهاب الدين عمر بن عبد الله السهروردي. (الضوء، البدر الطالع، الكشف 2/ 1178، فهرس الفهارس".
(8)
شذرات الذهب، كشف الظنون 2/ 1250، وحرّف فيه السجاوندي إلى: السخاوي.
(9)
قال ابن قطلوبغا في ترجمة البزدوي في "التاج" ص 206، رقم 162:"وكتابه في أصول الفقه مشهور، وقد خرجتُ أحاديثه ولم أسبق إلى ذلك، والله الموفق".
(الضوء، البدر الطالع، الشذرات، الكشف 1/ 113، هدية العارفين، فهرس الفهارس).
(10)
البدر الطالع، فهرس الفهارس، الضوء اللامع وفيه: منهاج الأربعين!.
(11)
أي القاضي بكار بن قتيبة البكراوي. (كشف الظنون 2/ 1178).
- 62 - "التعريف والإخبار بتخريج أحاديث الاختيار"
(1)
.
- 63 - "منية الألمعي بما فات الزيلعي"
(2)
.
خامسًا: علم الفقه:
- 64 - " إجارة الإقطاع"
(3)
.
- 65 - "أجوبة على اعتراضات ابن العز على الهداية".
- 66 - "الأصل في بيان الفصل والوصل"
(4)
.
- 67 - "تحرير الأقوال في مسألة الاستبدال"
(5)
.
- 68 - "تصحيح على مجمع البحرين"، لابن الساعاتي
(6)
.
- 69 - "التصحيح والترجيح على مختصر القدوري". (وهو كتابنا هذا).
- 70 - "تعريف المسترشد في حكم الغراس في المسجد"
(7)
.
- 71 - "شرح جامعة الأصول"، في الفرائض
(8)
.
- 72 - "الحيطان"
(9)
.
(1)
مطبوع. . و "الاختيار شرح المختار" في فروع الفقه الحنفي، كلاهما للموصلي.
(2)
خرج الإمام الزيلعي أحاديث الهداية للمرغيناني، وفاته بعض الأحاديث، فاستدرك عليه ابن قطلوبغا بهذا الكتاب.
وهو مطبوع بتقديم وتحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، مكتبة الخانجي - القاهرة، سنة 1370 هـ، 64 صفحة. كما أعيد طبعه في مؤسّسة الريان - بيروت، سنة 1418 هـ مع كتاب:"فقه أهل العراق وحديثهم" للكوثري.
(3)
كشف الظنون 1/ 10، هدية العارفين.
(4)
يعني وصل التطوع بالفريضة. (الضوء اللامع، كشف الظنون 1/ 107، هدية العارفين، فهرس المخطوطات العربية في بْرِنسْتون ص 151، رقم 1741).
(5)
فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 100، رقم 1108، وفي الضوء: تخريج الأقوال في مسألة الاستبدال.
(6)
عنوان الزمان للبقاعي، انظر شذرات الذهب 7/ 326.
(7)
فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 100، رقم 1117.
(8)
قال السخاوي: إن تصنيفه له كان في سنة عشرين. (الضوء، هدية العارفين).
(9)
مخطوط في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة 161/ 80، ومكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة رقم 8557/ 2، والمكتبة السليمانية، قسم حفيد أفندي، رقم 89، كما في نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا 1/ 158.
- 73 - "خلاصة التقارير في تحرير الدراهم والدنانير"
(1)
.
- 74 - "دفع المضرات عن الأوقاف والخيرات"
(2)
.
- 75 - "رد القول الخائب في القضاء على الغائب"
(3)
.
- 76 - "رسالة في رفع اليدين في الصلاة"
(4)
.
- 77 - "رسالة في لحم الفرس"
(5)
.
- 78 - "رفع الاشتباه عن مسألة المياه"
(6)
.
- 79 - "شرح درر البحار"، في المذاهب الأربعة
(7)
.
- 85 - "شرح رسالة السيد"، في الفرائض
(8)
.
- 81 - "شرح فرائض الكافي"
(9)
.
(1)
مخطوط في المكتبة الظاهرية - دمشق، رقم 10879.
(2)
كشف الظنون 1/ 757، هدية العارفين.
(3)
كشف الظنون 1/ 837، وجاء في معجم المطبوعات العربية والمعربة ص 1937 أنه طبع ضمن مجموع في الهند، بدون تاريخ. . ومنه نسخة مخطوطة في جامعة الملك سعود بالرياض رقم 2075/ 2، 4 أوراق، كما في فهرس مخطوطات الجامعة 6/ 368.
(4)
الضوء، فهرس الفهارس.
(5)
طبع في دار ابن حزم - بيروت، سنة 1414 هـ/ 1994 م، 120 صفحة، بعنوان:"حكم الإسلام في لحوم الخيل"، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف.
(6)
الضوء، كشف الظنون 1/ 909، وفيه: رفع الاشتباه عن مسيل المياه، وفي هدية العارفين: عن سبل المياه، وانظر فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 99، رقم 1106، وفهرس مخطوطات كوربلي 1/ 315، رقم 652/ 5.
(7)
وهو في تصنيفين، قال إن المطول منهما لم يتم. و"درر البحار" من تصنيف محمد بن يوسف بن إلياس القونوي. (الضوء، البدر الطالع، الشذرات، كشف الظنون 1/ 746، هدية العارفين).
(8)
والمراد من رسالة السيد: فرائض السجاوندي (*)، وهو الإمام سراج الدين السجاوندي، ويقال لها أيضا: الفرائض السراجية، وهي مقبولة متداولة. (الضوء، هدية العارفين).
(9)
انظر: الضوء اللامع، وكتاب الكافي في الفرائض هو لإسحاق بن يوسف الفرضي الزرقالي. . اليمني المتوفى في حدود سنة 500 هـ، وهو كتاب نافع مبارك واضح بكثرة الأمثلة (كشف الظنون 2/ 1377).
(*) وقد تبين لي هذا المراد من إطلاق لفظ السيد، من مقدمة شرح محمد شاه بن علي الفناري على فرائض السجاوندي، حيث جاء فيها:"الحمد لله الذي خلق الموت والحياة .. فهذه مجموعة جامعة لبعض الفوائد المتعلقة بشرح الفرائض للسيد" كما في "كشف الظنون" عند ذكر شروح الكتاب المذكور 2/ 1248.
- 82 - "شرح فرائض مجمع البحرين"، لابن الساعاتي
(1)
.
- 83 - "شرح المختار"، لأبي الفضل المَوصلي
(2)
.
- 84 - "شرح مختصر الطحاوي"
(3)
.
- 85 - "شرح مختصر القدوري"
(4)
.
- 86 - "شرح مختصر الكافي" في الفرائض لابن المجدي
(5)
.
- 87 - "شرح مختصر الكرخي".
(6)
- 88 - "شرح النُّقاية مختصر الوقاية"
(7)
.
- 89 - "العصمة عن الخطأ في نقص القسمة"
(8)
.
- 90 - "الفتاوى القاسمية"
(9)
.
وفي فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي 1/ 313 قال: "الفوائد الفقهية = الفتاوى القاسمية 226 ق"، ثم قال: تفصيل الفوائد:
- الجواب عن عظم ميت وقع في البئر ومسائل أخرى.
- رسالة ببيان السهو في السجدات
(10)
.
(1)
الضوء، الشذرات، كشف الظنون 2/ 1601، هدية العارفين.
(2)
كشف الظنون 2/ 1623، هدية العرفين.
(3)
الضوء، إيضاح المكنون 2/ 449، هدية العارفين.
(4)
(الضوء، البدر الطالع)، قال ابن قطلوبغا في تاج التراجم ص 91، بعدما ذكر مقولة الإمام أبي حنيفة:"لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه)، قال: "وهذه الرواية هي التي حملتني على شرحي للقدوري، الذي ذكرت فيه من أين أخذوا علمهم". وأما ما قاله الإمام السخاوي - في معرض ذكره كتب المؤلف -:"شرح القدوري، تقيد فيه بكونه من رواية أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن"، فغير دقيق؛ وإن قصد به "تصحيح القدوري"، حيث لم يذكره في "الضوء اللامع". والحق أنهما كتابان، والله تعالى أعلم.
(5)
الضوء، هدية العارفين.
(6)
الضوء اللامع.
(7)
ولم يكمله. (الضوء، كشف الظنون 2/ 1971، هدية العارفين).
(8)
كشف الظنون 2/ 1141، 1142، هدية العارفين، فهرس المخطوطات العربية في برلين 4/ 207، رقم 4724.
(9)
كشف الظنون 2/ 1227، هدية العارفين، فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 99 رقم 1105.
(10)
أو: النجدات في بيان السهو عن السجدات. (الضوء، كشف الظنون 2/ 1930، هدية العارفين).
- رسالة أحكام الفأرة إذا وقعت في الزيت. [برنستون، رقم 1109]
- رسالة أحكام الصلاة على الجنازة في المسجد. [برنستون، رقم 1742]
- رسالة التراويح والوتر. [برنستون، 1743]
- رسالة في مسألة اشتباه القبلة
(1)
.
- رسالة في أحكام القهقهة. [برنستون، 1745]
- رسالة الأسوس في كيفية الجلوس
(2)
.
- رسالة تحرير الأقوال في صوم الست من شوال. [برنستون، 1827]
- رسالة في قضاء القاضي. [برنستون، 1110]
- رسالة في عدة المرأة المطلقة.
- رسالة في حطّ الثمن والإبراء منه. [برنستون، 1112]
- رسالة في مسائل الشيوع. [برنستون، 1113]
- رسالة في أحكام الشهادة والتزكية. [برنستون، 1114]
- رسالة أحكام الأشربة وطبخ العصير.
- رسالة الدَّين المشترك.
- رسالة في البيع.
- رسالة إذا لم يجد وقت العشاء والوتر.
- رسالة في قطعة أرض من أراضي بيت المال أرصده السلطان بَرْقوق.
- رسالة في القراءة.
- رسالة في رجل تزوج امرأة على مئة دينار على حكم الحول. . وإجارة الوقف ومسائل أخرى.
- رسالة في الذبائح.
- رسالة عن رجل سامري أتى بالشهادتين طوعًا. . ومسائل أخرى.
(1)
أو: الفوائد الجلة في مسألة اشتباه القبلة، (الضوء، كشف الظنون 2/ 1296، هدية العارفين، برنستون، 1744).
(2)
الضوء، كشف الظنون 1/ 91، هدية العارفين، برنستون، رقم 1746.
- الكلام على وقف البناء
(1)
.
- رسالة تهدّم الكنائس بمصر
(2)
.
- رسالة في قضاء القاضي بشهادة الزور.
- استبدال القرية بقطعة من الأرض. . ومسائل أخرى"
(3)
.
- 91 - "القول القاسم في بيان حكم الحاكم"
(4)
.
- 92 - "القمقمة في مسألتي الجزء والقمقمة"
(5)
.
- 93 - "ما ينقض من القضاء"
(6)
.
- 94 - "الماء المستعمل وبيان حكم الجاري والكثير منه"
(7)
.
- 95 - "موجبات الأحكام وواقعات الأيام"
(8)
.
- "النجدات في بيان السهو في السجدات" = الفتاوى القاسمية، (رسالة ببيان السهو في السجدات).
- 96 - "نزهة الرائض في أدلة الفرائض"
(9)
.
سادسًا: أصول الفقه:
- 97 - " أجوبة على اعتراضات العز بن جماعة على أصول الحنفية"
(10)
.
(1)
أو: فتاوى في الوقف، (كما في فهرس المخطوطات العربية في برلين 4/ 264، رقم 4826) وفي مكتبة عارف حكمت نسخة مخطوطة بعنوان: أسئلة وأجوبة في الأوقاف، 162 مجاميع، وفي برنستون: مسألة في الوقف واشتراط النظر للإرشاد، رقم 1116.
(2)
أو: القول المتبع في أحكام الكنائس والبيَع، (الضوء، الكشف 2/ 1364، هدية العارفين).
(3)
انتهى من فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي، وإضافة الزيادات الموضوعة بين حاصرتين من المحقّق.
(4)
كذا في الضوء، وفي هدية العارفين، وإيضاح المكنون 2/ 251: القول القائم. . وانظر فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 100 رقم 1107.
(5)
انظر هدية العارفين.
(6)
فهرس المخطوطات العربية في برنستون ص 100 رقم 1115)
(7)
المكتبة الظاهرية - دمشق، رقم 10879، وقد يكون هو: رفع الاشتباه الذي مرّ برقم 78.
(8)
طبع في بغداد، مطبعة الإرشاد، سنة 1983 م، بتحقيق د. محمد سعود المعيني.
(9)
الضوء، البدر الطالع، هدية العارفين.
(10)
الضوء اللامع.
- 98 - "تحير الأنظار في أجوبة ابن العطار"
(1)
.
- 99 - "حاشية على التلويح"
(2)
.
- 100 - "حاشية على شرح تنفيح الأصول" لنفره كار
(3)
.
- 101 - "حاشية على شرح المنار" لابن ملك
(4)
.
- 102 - "خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار"، لابن حبيب الحلبي
(5)
.
- 103 - "شرح (أو: حاشية على) منار الأنوار"، للنسفي
(6)
.
- 104 - "شرح الورقات"، لإمام الحرمين الجويني
(7)
.
سابعًا: العقيدة وعلم الكلام:
- 105 - " حاشية على شرح العقائد"
(8)
.
- 106 - "شرح المسايرة"، لابن الهمام
(9)
.
- 107 - "من يكفر ولم يشعر"، أو: رسالة في الكفر
(10)
.
(1)
وهو في قول المحققين من أئمتنا: إن النفي والإثبات إذا تعارضا وكان النفي مما يعلم بدليله فإنه يقضي على المثبت. كذا في "الكشف".
(الضوء، هدية العارفين، كشف الظنون 1/ 356، وفيه:"تحرير الإنكار. ."
(2)
وصل فيها إلى أثناء بحث السنة، وهو في مجلد. (شذرات الذهب).
و "التلويح" هو للشيخ سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، شرح به "التوضيح في حلّ غوامض التنفيح"، وهما - أي التوضيح وتنفيح الأصول - لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي.
(3)
هو السيد عبد الله بن محمد الحسيني، المعروف بنفره كار، المتوفى سنة 750 هـ تقريبًا. (كشف الظنون 1/ 499، هدية العارفين).
(4)
كشف الظنون 2/ 1825، هدية العارفين.
(5)
وفي الضوء اللامع: "شرح مختصر المختصر". وقد طبع في بيروت في دار ابن كثير، سنة 1413 هـ / 1993 م، 187 صفحة، تحقيق: د. زهير بن ناصر الناصر.
(6)
الضوء، كشف الظنون 2/ 1825، هدية العارفين، برنستون، رقم 911.
(7)
وهو من أوائل ما صَنَّف. (الضوء، كشف الظنون 2/ 2006، هدية العارفين).
(8)
الضوء اللامع، أي شرح العقائد النسفية، للتفتازاني، والله تعالى أعلم.
(9)
و"المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة"، هو من جملة الكتب التي قرأها المصنف على شيخه ابن الهمام. وقد طبع الشرح مع المسايرة في القاهرة، المطبعة الأميرية الكبرى، سنة 1317 هـ،/ 1899 م، 70 صفحة.
(10)
مخطوط في المكتبة الوطنية بدمشق، رقم 7473، 20 ورقة، وانظر: كشف الظنون 2/ 1887، وهدية العارفين.
ثامنًا: السيرة النبوية والتاريخ:
- 108 - " تلخيص السيرة النبوية" لمغلطاي
(1)
.
- 109 - "تلخيص دولة الترك"
(2)
.
- 110 - "منتقى من درر الأسلاك في قضاة مصر
(3)
.
تاسعًا: علوم العربيّة:
- 111 - " تعليقة على الأندلسية"، في العروض
(4)
.
- 112 - "تعليقة على القصارى"
(5)
.
- 113 - "حاشية على شرح العزي"، للتفتازاني
(6)
.
- 114 - "شرح مخمسة العز"، عبد العزيز الديريني، (في العربية)
(7)
.
- 115 - "اختصار تلخيص المفتاح"
(8)
.
كتب أخرى:
- 116 - " تبصرة الناقد في كيد الحاسد"، في الدفع عن أبي حنيفة
(9)
.
(1)
الضوء اللامع، البدر الطالع، كشف الظنون 2/ 1013. ومغلطاي هو الحافظ علاء الدين بن قليج البكجري التركي، له: "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم"، و"الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا". (هدية العارفين 2/ 467، 468) وكتاب "الإشارة" مطبوع.
(2)
الضوء، البدر الطالع.
(3)
لم يتم. (الضوء)، وفي كشف الظنون 1/ 737، 738:"درة الأسلاك في دولة الأتراك"، لبدر الدين حسن بن حبيب الحلبي المتوفى سنة 779، وهو تاريخ مرتب على السنين، في مجلد. . وللشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا: منتقى درة الأسلاك".
(4)
الضوء اللامع، البدر الطالع، كشف الظنون 2/ 1135، هدية العارفين.
(5)
القصارى، متن في التصريف لعلاء الدين أحمد الخجندي. (الضوء، كشف الظنون 2/ 1327).
(6)
قال صاحب الكشف 2/ 1138، 1139:"العزي في التصريف، للشيخ عز الدين أبي الفضائل إبراهيم بن عبد الوهاب الزنجاني، المتوفى بعد سنة 655، وهو مختصر متداول نافع، وشرحه العلامة سعد الدين مسعود بن عمر القاضي التفتازاني". (الضوء، هدية العارفين وهو فيه بلفظ: حاشية على شرح التفتازاني لتصريف الزنجاني).
(7)
الضوء اللامع.
(8)
(الضوء، البدر الطالع)، وفي كشف الظنون 2/ 1762، 1768:"مفتاح العلوم، للعلامة سراج الدين السكاكي (- 626 هـ) وهو في علوم العربية، وقد اعتنى بثرحه وتلخيصه عدد من العلماء".
(9)
الضوء، البدر الطالع وفيه:"تبصرة الناقد في كبت الحاسد"، كشف الظنون 1/ 338، هدية العارفين.
- 117 - "تقويم الميزان"، شرح ميزان النظر، (في المنطق)
(1)
.
- 118 - "الدعاوى"
(2)
.
- 119 - "شرح منار النظر"، (في المنطق)
(3)
.
- 125 - "فضول اللسان"
(4)
.
- 121 - "الواقعات"
(5)
.
- 122 - "طيب الكلام بفوائد السلام"، أتمّه (؟) السمهودي
(6)
.
- 123 - "ذكر مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن وزفر"
(7)
.
. . . .
(8)
، قال الإمام السخاوي بعدما ذكر قائمة مصنفات العلامة الشيخ قاسم:"وله أعمال في الوصايا والدوريات وإخراج المجهولات". . قلت وفي هذا القدر كفاية، للدلالة على عظيم جهده في الكتابة ونشر العلم، رحمه الله تعالى.
(1)
وهو شرح ممزوج. (كشف الظنون 2/ 1919).
(2)
مخطوط في المكتبة الظاهرية - دمشق، رقم 7441.
(3)
(الضوء، البدر الطالع)، ومنار النظر هو لابن سينا. (هدية العارفين 1/ 309).
(4)
وهو غير: تقويم اللسان - الذي مر برقم 36 - ، وقد ذكرهما السخاوي في الضوء.
(5)
مجموعة رسائل مخطوطة في المكتبة الوطنية بدمشق، برقم 13877، 151 ق.
(6)
أوله: الحمد لله الملك القدوس السلام، مانح من اصطفى منه تحية السلام. . أما بعد؛ فقد وقف فقير رحمة ربه الغني علي بن عبد الله بن أحمد أبي الحسن الحسيني الشافعي السمهودي نزيل الحبيبة المحبة على ثلاثين سؤالًا تتعلق بالسلام، جمعها شيخنا زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي. . الخ. كذا في فهرس المخطوطات العربية في برلين 5/ 93، 94، رقم 5574، وفي كشف الظنون 2/ 1119: "ذكر فيه [السمهودي]، أنه وقف على ثلاثين سؤالًا يتعلق بالسلام جمعها شيخه قاسم ابن قطلوبغا، ثم بعث بها مع نجله سيدي محمد البدري لبعض علماء الحنفية، وقد توفي جامعها ولم يكتب جوابها، فأجاب، وفرغ من تبييضه في العشر الأول من جمادى الآخرة سنة 892.
والسمهودي هو علي بن عبد الله الحسيني السمهودي الشافعي نزيل طيبة، المتوفى سنة 911. (كشف الظنون 2/ 1119، والأعلام 4/ 307).
(7)
فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي 2/ 530، رقم 244/ 2.
(8)
جاء في فهرس مخطوطات كوربلي 1/ 515، ما يلي:"رسالة في جواب عشرين مسألة في عشرين علمًا، سألها أبو المؤلف حينما كان المؤلف في بلاد قرامان مع شرح المتن. . ربما تأليف قاسم بن قطلوبغا" كذا، وليست هذه الرسالة صحيحة النسبة إلى المؤلف، فقد توفي أبوه وهو صغير، كما أنه لم تذكر له رحلة إلى بلاد قرامان، فيما وقفت عليه من كتب التراجم.
الفصل الثاني
دراسة علميَّة لكتاب "التصحيح والترجيح"
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: أهمية كتاب التصحيح والترجيح
المبحث الثاني: الترجيح في المذهب الحنفي
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه
أهمية كتاب التّصْحِيح والتَّرْجِيح
من المعلوم في تاريخ المذهب الحنفي أنه مذهب جماعي شوري، فقد كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يناظر أصحابه في المسألة، يسمع ما عندهم ويقول ما عنده حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يكتبونها في الديوان
(1)
.
ومعلوم أن أحسن من دوّن أقوال أبي حنيفة واجتهاداته من بعده هو صاحبه محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله، وأنَّه ذكر في مصنفاته رأيه ورأي أبي يوسف بعد رواية قول أبي حنيفة فيما خالفه من المسائل.
وإن الإمام محمدًا مع علوّ كعبه في الاجتهاد، لم يُقِم نفسه مقام إمام متبوع فيرجح مذهبه ويدعو إلى آرائه التي تفرّد بها عن شيوخه لأدلة لاحت له أصولًا وفروعًا .. وذلك لتأثره بالمنهج الذي خطه أستاذه وإمامه، إضافة إلى تواضعه وعرفانه لجميل شيوخه.
ونتيجة لما سبق، كثرت الأقوال في المذهب الحنفي
(2)
، واختلفت الروايات عن الإمام وأصحابه، فحرص الفقهاء المصنفون من بعدهم أن يرجحوا بين تلك الأقوال، ويبيّنوا الرأي الصحيح الذي عليه العمل في المذهب.
ولكن تلك التصحيحات والترجيحات المضمّنة في الشروح والمطولات، قد لا يطلع عليها إلا القلّة من العلماء ممن توفرت لديهم الكثير من الكتب والمصنفات، إذ لا يكفي فراءة كتاب واحد يحتوي على بعض الترجيحات؛ لأنَّه ربما يكون لصاحبه رأي خاص في بعض المسائل، وقد يختلف منهجه في التصحيح.
(1)
انظر ذلك - بمزيد من التفصيل - في المدخل ص 20، 21.
(2)
هناك أسباب عديدة أخرى ساهمت في تكثير الأقوال في المذهب الحنفي، ويرجع الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله كثرة الأقوال في المذهب إلى أربعة أسباب:
- اختلاف الرواية عن أبي حنيفة وأصحابه.
- تعدد أقوال الإمام في المسألة الواحدة، وكذا أقوال أصحابه.
- اختلاف الأئمة أبي حنيفة وأصحابه، في المسألة الواحدة.
- اختلاف المخرجين، ومخالفة بعضهم للأئمة أحيانًا. (انظر كتاب:"أبو حنيفة" لأبي زهرة، ص 446 - 453).
ومن هنا فقد وجد اختلاف بين الأئمة المصحّحين، أهل التخريج والترجيح، في تعيين القول الأصح المعتمد من بين الأقوال أو الروايات.
وكان على الفقيه المفتي إذا أراد الاعتماد على أحد تلك التصحيحات المختلفة، أن يرجع - أولًا - إلى النقل والرواية ليتثبت مما صحّت نسبته إلى أصحاب المذهب من غيره، ولا يتيسر له طريق هذا، إلا باتباع نقول من تقدم من الأقدمين الأفذاذ ممن شهد لهم أهل العلم بالرواية والدراية. يقول الإمام البيضاوي الشافعي رحمه الله:"لا بد للفقيه أن يعلم آراء المجتهدين وأقاويل المتقدمين رضي الله عنهم؛ لأنَّه إن كان مقلدًا فلا يتأتى له التقليد قبل أن يقف على ما هو مذهب مَن يقلده، وإن كان مجتهدًا فلا بد أن يعرف مخالفتهم وموافقتهم حتى لا يخالف جماعتهم ولا طريق له سوى النقل والرواية"
(1)
.
وإن معرفة القول الصحيح والراجح في المذهب، هو من أهم ما يعنى به المقلد، وخاصة من تصدر منهم للفتوى أو القضاء، حتى لا يعمل بالمرجوح في مقابلة الراجح اتباعًا للهوى.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: "ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف. . وتعارض الفتويَين عليه كتعارض الدليلين على المجتهد، فكما أن المجتهد لا يجوز في حقِّه اتباع الدليلين معًا، ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معًا ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح. . ومتى خيرنا المقلِّدِين في مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات في الاختيار، وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة.
ويقول: إن فائدة وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، وتخييره بين القولين نقض لذلك الأصل. . يقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}
(2)
، وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان، فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول. . " اهـ
(3)
.
فإذا كان معرفة القول الصحيح الراجح في المذهب أمرًا بالغ الأهمية، ولا
(1)
"الغاية القصوى في دراية الفتوى" 1/ 184.
(2)
سورة النساء، الآية 59.
(3)
"الموافقات" 4/ 498 - 501، (باختصار).
يمكن تجاوزه والاستغناء عنه، إلا أن الوصول إلى الغاية فيه قد لا يتيسّر أو يتعذر على الكثير الغالب من المتفقهين، فقد جاء كتاب "التصحيح والترجيح" لييسر هذا الصعب، وليسدي خدمة جليلة للفقه الحنفي، حيث عمد مصنِّفه إلى "مختصر القدوري" واختار ما ورد فيه من مسائل الخلاف بين أصحاب المذهب، وبيّن القول الصحيح المعتمد منها، فقرب المسائل وجمع الشوارد من كتب كثيرة في مصنَّف واحد.
وإذا كان هذا الكتاب قد نال أهميته من خلال موضوعه وأسلوب تصنيفه - في اعتنائه بالوحدة الموضوعية - فإنه يزداد أهمية بمصنِّفِه العالم النبيه، ذي الملَكة الفقهية الوقّادة، الذي تميّز بكثير من التحرر والانفتاح، فلم يقبل، أو لم يقنع بكل مسألة جاءت على لسان السابقين من غير تحقيق وتدقيق. . يقول رحمه الله في أول رسالته المسماة:"رفع الاشتباه عن مسألة المياه": "لما منع علماؤنا رحمهم الله تعالى مَن كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف، قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه قال: لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه، تتبّعت مآخذهم وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير، ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المصنفين. . ."، وقال في رسالة أخرى:"وإني ولله الحمد، لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه: لا يقلد إلّا عصبي أو غبي"
(1)
.
وإن رجلًا هذا شأنه، وعالمًا هذه منزلته، لقمينٌ بأن يتصدر للكتابة في موضوع دقيق ومهم، هو ترجيح ما عليه العمل مما فيه خلاف من المسائل، ولجدير كذلك بأن يُعتمد على ما انتهى إليه من تحقيقات وترجيحات.
هذا وقد اعتني بكتابه هذا كبار العلماء والفقهاء، ونقلوا كثيرًا من مسائله في مصنفاتهم، بل إن العلامة إبراهيم البيري الذي اشتهر بشرحه كتاب "الأشباه" لابن نجيم، عبّر عن أهمية كتاب التصحيح بعمل شرح عليه أيضًا
(2)
.
(1)
نقل هذين القولين العلامة ابن عابدين رحمه الله، بعدما اعتبر أن الشيخ قاسمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد. (انظر:"رسم المفتي" 1/ 32)، وقد وقفنا في مبحث سابق على شخصية المؤلف العلمية، وأقوال بعض فضلاء أهل العلم في حقه، انظر ص 49 - 52.
(2)
ذكر ذلك إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" 1/ 34، ولم أقف على هذا الشرح فيما رجعت إليه من فهارس المخطوطات.
وإن العلامة ابن عابدين خاتمة المحققين، اعتمد كثيرًا على تصحيح العلامة قاسم في رسالته "رسم المفتي"، وحاشيته الشهيرة على "الدّرّ المختار"، وغيرهما من كتبه ورسائله.
وعندما جاء تلميذ ابن عابدين السيد عبد الغني الغنيمي الميداني وكتب شرحه القيم المعروف ب "اللباب شرح الكتاب"، كان يكثر الاقتباس من "التصحيح" في كل مسألة من مسائل الخلاف، حتى ضمّن جزءًا كبيرًا منه في شرحه، وغدا "التصحيح" من أهم مصادر "اللباب".
وهكذا فقد اكتسب كتاب "التصحيح والترجيح" أهميته من خلال ثلاثة اعتبارات أساسية:
1 -
موضوع الكتاب، 2 - مكانة مؤلفه، 3 - اهتمام العلماء به.
الترجيح في المذهب الحنفي
" نَعَم؛ اتباع الهوى حرام، والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم، والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع"
(1)
. . هذا ما عبر به المصنف، في مستهل كلامه على الترجيح وضرورته في المذهب
(2)
، ووافقه على ذلك من بعده كثير من العلماء.
وإذا تساءلنا عن هذه الأهمية الكبيرة لموضوع الترجيح،
(3)
مع أنه لم يكن ذا بال عند الفقهاء الأولين، ولا رأيناهم بحثوا فيه أو اعتنوا به كل هذا الاعتناء؟ فنشير في الجواب إلى كلام الإمام الفقيه تاج الدين السبكي الشافعي (- 771 هـ)، في معرض حديثه عن ذلك فيقول: "أعلم أن المتقدمين لم يكن شوقهم إلى الترجيح في الخلاف، ولا اعتنوا ببيان الصحيح، وسبب ذلك أن العلم كان كثيرا، وكان كلٌّ عند الفتيا يفتي بما يؤدّي إليه نظره، وقد يؤدي نظره اليوم إلى خلاف ما أدى إليه أمس، فما كان الأمر عنده مستقرًّا على شيء لتضلعهم بالعلم، فمن ثم ما كان المصنفون يلتفتون إلى تصحيحاتهم، بل يشتغلون عن الترجيح بذكر المآخذ، وفتح أبواب الاستنباط والمباحث، من غير اعتناء بما هو الأرجح، إنما كلٌّ ينظر لنفسه.
(1)
انظر مقدمة المؤلف، ص 121.
(2)
قال في الفتاوى الخيرية (كما في رسم المفتي 1/ 13): "ولا شك أن معرفة راجح المختلف فيه من مرجوحه، ومراتبه قوة وضعفًا، هو نهاية آمال المشمرين في تحصيل العلم، فالمفروض على المفتي والقاضي التثبت في الجواب وعدم المجازفة فيها خوفًا من الافتراء على الله تعال بتحريم حلال وضده، ويحرم اتباع الهوى والتشهي والميل إلى المال الذي هو الداهية الكبرى والمصيبة العظمى، فإن ذلك أمر عظيم لا يتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي".
(3)
المقصود بالترجيح هنا، هو بيان الراجح من الأقوال المختلفة لأئمة المذهب أو الروايات المختلفة عنهم، أي ليس محل الترجيح في هذا الكتاب الأدلة الشرعية الظنية المتعارضة كخبر الواحد والقياس وغيرهما من الظنيات، أو الأدلة القطعية المتفاوتة الدلالة في خفائها وجلائها والنظر إلى الراجح منها. . فللبحث في ذلك مصنفات أخرى مستقلة، ككتاب مشكل الآثار للطحاوي، أو تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، أو غيرهما من كتب الأدلة الفقهية والفقه المقارن.
فلما قلّ العلم، وأشرف على التبدّد، واحتيج إلى ضرب من التقليد، وأن الفقيه يتبع من هو أفقه منه، وإن تشاركا في أصل النظر، اعتني بالراجح"
(1)
.
وقد تصدى العلماء قديمًا لبيان الراجح وعلامات الترجيح ووضعوا ضوابط يعرف بها القول المعتمد للفتوى من بين أقوال الأئمة، وهو ما سمي برسم المفتي، أي العلامة التي تدل المفتي على ما يفتي به
(2)
.
وكان من أوائل من كتب في ذلك: العلامة الحسن بن منصور الأُوزْجَنْدي المعروف بقاضي خان (-592 هـ)، في مقدمة فتاواه المشهورة. وأتى من بعده العلامة ابن قطلوبغا ليزيد الموضوع توضيحًا وتنقيحًا في مقدمة كتابه "التصحيح" هذا.
أما الذي توسّع في الموضوع وحقّقه، وأبرزه بمؤلف خاص، فهو العلامة المحقق محمد أمين بن عابدين في منظومته:"عقود رسم المفتي" وشرْحها، فقد جمع في هذه الرسالة ما يعتبر من علامات الفتوى وقواعد الترجيح والإفتاء بالأقوى، وغير ذلك. . مستفيدًا ممّن سبقه من الفقهاء، حتى كانت رسالته هي الغاية في الموضوع، وصار عليها اعتماد كل من جاء بعده.
وسأتبع فيما يلي القواعد الأساسية المتبعة في الترجيح معتمدًا فيها على ما جاء في مقدمة "التصحيح"، تاركًا التفصيل لمظانّه، إلا أني سأبرز مواضع الخلاف، عند اختلاف مناهج الترجيح بين المصنِّف وغيره، وذلك في حِينِه، إن شاء الله تعالى.
يقول المصنف في مقدمة كتابه: "قال بعض من لا يدري مراد العلماء: قد قالوا إن الإمام متى كان في جانب وهما في جانب فالمفتي والقاضي بالخيار، فقلت: ليس كما توهّم. ."، ثم أثبت رحمه الله المعاني الآتية:
- المفتي في المذهب إما أن يكون مجتهدًا أو لا.
- والمسألة؛ إما أن ترِد في ظاهر الرواية أو لا.
(1)
"تصحيح التنبيه" للنووي، مقدمة المحقق 1/ 45، 46، نقلا عن "ترشيح التوشيح" للسبكي، (وهو كتاب مخطوط في المكتبة الظاهرية، بدمشق، رقم 378، فقه شافعي).
(2)
"رد المحتار" 1/ 47.
أوْلًا؛ إذا كان المفتي مجتهدًا:
فإن كانت المسألة في ظاهر الرواية واتفق فيها الأئمة، فهذه لا يجوز العدول عنها.
وإن كانت المسألة مختلفًا فيها بين الأئمة:
- فإن كان مع أبي حنيفة أحد صاحبيه يأخذ بقولهما.
- وإن خالف الصاحبان أبا حنيفة، فإما أن يكون اختلاف عصر وزمان أو لا. . .
- فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان، يأخذ بقول الصاحبين، أو قول أحدهما وإن كان الآخر مع الإمام، لاجتماع المتأخرين على ذلك، بل اختاروا قول زفر في مقابلة قول الكل في بعض المسائل.
- وإما أن لا يكون الاختلاف اختلاف عصر وزمان، فعند ذلك يخير المفتي المجتهد، وقيل يأخذ بقول أبي حنيفة.
وإن كانت المسألة في غير ظاهر الرواية:
- فإن كانت رواية توافق أصول أصحاب المذهب يعمل بها، وإن لم يجد لها رواية عن الأصحاب، واتفق فيها المتأخرون على شيء يعمل به.
- وإن لم يجد رواية، واختلف المتأخرون في مسألة، يجتهد ويفتي بما هو الصواب عنده.
ثانيًا؛ إذا كان المفتي مقلِّدًا:
فإن كانت المسألة في ظاهر الرواية، ولا خلاف، يعمل بها مطلقًا.
وإن كانت مختلفًا فيها:
- فإن كان مع أبي حنيفة أحد صاحبيه، يعمل بقولهما.
- وإن خالف أبا حنيفة صاحباه، أو كان لكلّ منهم قول يأخذ بقول أبي حنيفة إلا في مسائل يسيرة اختاروا الفتوى فيها على قولهما أو قول أحدهما وإن كان الآخر مع الإمام، لتغير أحوال الناس واختلاف العصر والزمان.
وفي غير الروايات عن الأئمة، يقول في ذلك المصنف:
"نعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغيّر العُرف وأحوال الناس وما هو الأرفق
بالناس، وما ظهر عليه التعامل، وما قوي وجهه، ولا يخلو الوجود ممّن يميز هذا حقيقة لا ظنًّا بنفسه، فيرجع من لم يميز لمن يميز لبراءة ذمته".
ونقل رحمه الله عن الكاساني (-587 هـ) فيما إذا لم يكن من أهل الاجتهاد أو لم يحفظ أقاويل الأصحاب، قال:"عمل بقول أهل الفقه في بلده من أصحابنا، وإن لم يكن في البلد إلا فقيه واحد من أصحابنا يسعه أن يأخذ بقوله"
(1)
.
إذًا، على المقلد أن يأخذ بقول أبي حنيفة إذا وردت عنه رواية، إلا في مسائل قليلة اختاروا فيها قول غيره لتغير العرف. . وكذا يأخذ المقلد بقول المشايخ والمجتهدين في المذهب في النوازل والواقعات التي لم يرد فيها رواية عمّن سبقهم.
ومن تتبّع قواعد الترجيح في المذهب لا يجد خلافًا بين العلماء حول هذه القواعد، إلا في زيادة بعض التفاصيل، مثل أن يقدم قول أبي يوسف، ثم قول محمد ثم قول زفر ثم قول الحسن بن زياد. .
ولكن الملاحظ أن الاختلاف في مناهج الترجيح قد بدأ من المرحلة التي تلي ما ذُكر، أي إذا ما اختلف المشايخ والفقهاء المجتهدون حول المفتى به في المسائل المستجدة، هل يؤخذ فيها بقول الأكثر، أم يقدم قول الأعلم، أم العبرة بصيغ التصحيح وعبارات المصحّحين، فيقدم الذي وزنه على أفعل التفضيل، أم إنّ الذي يقابله هو الأولى بالترجيح؟. .
لقد ظهر لي أسلوبان في ذلك، أو منهجان أساسيان، ويمكن القول بأن الأول منهما هو "منهج السابقين"، والثاني "منهج المتأخرين". وكان أبرز من تكلم على الأول، هو العلامة الشيخ قاسم بن قطلوبغا في هذا الكتاب؛ وأما من عبّر عن منهج المتأخرين فهو العلامة المحقق محمد بن عابدين، في رسالته في رسم المفتي.
فمن يطالع كتاب "التصحيح والترجيح" هذا لن يجد فيه شيئًا من التمييز بين طبقات الفقهاء بعد عصر الإمام وصاحبيه، كما أن المصنف لم يلتفت إلى التدقيق بين عبارات التصحيح، فيقدم بعض الصيغ والألفاظ على البعض الآخر، بل جعل تصحيح مسألة ما، من قِبَل مجتهد في المذهب، كافيًا لأخذ المقلّد بها، سواء كان التصحيح بعبارة: هو الصحيح، أو: الأصح، أو كان ترجيحًا بألفاظ أخرى كـ: عليه
(1)
انظر مقدمة المصنف ص 128، و"بدائع الصنائع" للكاساني 7/ 4، 5 والعبارة فيه:"من أصحابنا من قال: يسعه أن يأخذ بقوله".
الفتوى، أو: هو المختار.
ولكن الملاحظ أن ابن قطلوبغا توسع في الاعتداد بالمسائل المصرَّح بتصحيحها، فقدم بعضها على ما في المتون، معتبرًا أنها - أي المتون - وإن كانت صحيحة وقد وضعت لنقل المعتمد في المذهب، إلا أن ما فيها "تصحيح التزامي، والتصريح أقوى من الالتزام"
(1)
، وتبعه في ذلك عدد من العلماء، كما ردّ عليه البعض. .
يقول الإمام اللكنوي في مقدمة "النافع الكبير"
(2)
: "إذا تعارض ما في المتون وما في غيرها من الشروح والفتاوى، فالعبرة لما في المتون، ثم للشروح المعتبرة ثم للفتاوى، إلا إذا وجد التصحيح ونحو ذلك في الشروح والفتاوى ولم يوجد ذلك في المتون، فحينئذ يقدم ما في الطبقة الأدنى على ما في الطبقة الأعلى"، وقال في التعليقات السنية
(3)
: "قالوا ما في المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى، إلا إذا وجد ما يدل على الفتوى في الشروح والفتاوى، فحينئذ يقدم ما فيهما على ما في المتون؛ لأن التصحيح الصريح أولى من التصحيح الالتزامي"، وقال العلامة ابن عابدين
(4)
: "صرحوا أن ما في المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند التصريح بتصحيح كل من القولين، أو عدم التصريح أصلا، أما لو ذكرت مسألة في المتون ولم يصرحوا بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها، فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني لأنَّه تصحيح صريح، وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي، أي التزام المتون ذكر ما هو الصحيح في المذهب".
هذا ما قالوه، ولم يسلَّم لهم. . فقد جاء في "الطراز المُذْهب في ترجيح الصحيح من المذهب"
(5)
ما نصه: "ما ذكره الشيخ قاسم في "التصحيح" في كتاب الحَجْر، حيث قال:(وقال القاضي في كتاب الحيطان: وعندهما يجوز الحجر على الحرّ، والفتوى على قولهما، قلت: هذا تصريح وهو أقوى من الالتزام)، لا
(1)
كما يقول في ص 242.
(2)
"النافع الكبير شرح الجامع الصغير"، ص 25، 26.
(3)
"التعليقات السنية على الفرائد البهية" للكنوي، ص 180.
(4)
"رد المحتار" 1/ 49، وانظر "رسم المفتي" 1/ 36.
(5)
رسالة مخطوطة، موجودة في آخر النسخة التركية (د)، انظر ص 96، والمثيلات ص 114.
يجدي نفعًا، ولم يقع موقعه، حيث جعل العلة والمدرك في ذلك إنما هو التصريح دون الالتزام، ولا شك أن العمل والفتوى على كتب المذهب من المتون والشروح، كما صرح به هو وغيره، ألا ترى أنهم يقولون في أحكام كثيرة يقع فيها مصادمة من بعض الكتب لبعض: على رواية كتاب البيوع الحكم كذا، وعلى رواية كتاب الصلاة الحكم كذا، وكذا يقولون: على رواية شرح الطحاوي الحكم كذا وعلى رواية القدوري الحكم كذا إلى غير ذلك، فالمشايخ رحمهم الله إنما اعتمادهم على المتون وشروحها لأنها موضوعة لما هو المعتمد في المذهب، ولو عملنا بما ذهب إليه الشيخ قاسم من هذا البحث لزمنا إلغاء جميع روايات الكتب التي عليها العمل إذا وجدنا نقلًا عنها ونقلًا عن الفتاوى مصرَّحًا بالتصحيح فيه، وليس الأمر كذلك، إذ لم يقل به أحد من أئمتنا ولا هو المدرك في المسألة، بل المدرك فيها ما صرح هو به في صدر مقدمة "التصحيح" من أن ذلك اختلاف عصر وزمان، وفيه يفتى بقولهما، كما اختاره المشايخ المتأخرون وأجمعوا عليه، كما قد تقرر في موضعه "اهـ. وهو ملمح حسن.!
وبعد ذلك؛ أشير إلى منهج المتأخرين - كما اصطلحت تسميته - فقد كان أول ذلك عندما نشأت مقولة تقسيم الفقهاء على طبقات، وتقسيم المسائل على مراتب
(1)
، حيث جُعل ذلك أساسًا في تقديم أحد القولين المتعارضين على مقابله. .
وبحث العلامة ابن عابدين في أصول الترجيح في المذهب، فحقق وأجاد، وأغنى الموضوع وأفاد، وكان من أبرز ما قاله وأضافه على كلام السابقين في موضوع: اختلاف الفقهاء المجتهدين في المسائل التي لم يرد فيها نص عن السابقين، أنه إن كان اجتهاد الأكثر في مقابل اجتهاد الأقل، فالأرجح هو اجتهاد الأكثر، ممّا يختاره الفقهاء الكبار، كأبي حفص، وأبي جعفر، وأبي الليث، والطحاوي، وغيرهم ممن يعتمد عليه في الاجتهاد، فإن تعذّر ذلك، ولم يوجد منهم جواب البتة، فالمفتي مخير بين الاجتهادين مطلقا
(2)
.
وإذا كانت الروايات واردة في كتابين معتبرين، فإما أن تصحّح الروايتان معًا
(1)
أي منذ القرن العاشر الهجري، وانظر المدخل ص 21 - 30.
(2)
انظر "رسم المفتي" لابن عابدين 1/ 33.
بصيغة واحدة، ويكون المفتي مخيرًا بينهما مطلقًا، وإما أن تختلف صيغة التصحيح في إحداهما عن الأخرى، وهنا ينظر:
فإن كان في إحداهما فقط لفظ الفتوى، فالمفتي ملزم بهذه الرواية
(1)
.
وإذا كان لفظ الفتوى في كليهما معًا، فينظر؛ فإذا كان لفظ الفتوى في إحداهما يفيد الحصر مثل:"به يفتى"، أو:"عليه الفتوى"، أو:"عليه عمل الأمة"، فهو الأَولى. وإذا لم يكن لفظ الفتوى في إحداهما يفيد الحصر، فالمفتي مخير بينهما مطلقا.
أما إذا لم يكن لفظ الفتوى في إحداهما، فينظر أيضًا، فإذا اقترنت إحداهما بإحدى صيغ أفعل التفضيل، فهي التي يفتى بها، وهو المشهور، وقيل: بل يفتى بالرواية الأخرى وجوبًا. أما إذا لم تقترن إحداهما بإحدى صيغ أفعل التفضيل، فالمفتي مخير بينهما
(2)
.
وقد ذكر ابن عابدين من الألفاظ التي تستعمل للدلالة على القول الصحيح المعتمد ما يلي: "عليه الفتوى، به يفتى، به نأخذ، عليه الاعتماد، عليه عمل اليوم، عليه عمل الأمة، هو الصحيح، هو الأصح، هو الأظهر، هو المختار في زماننا، فتوى مشايخنا، هو الأشبه، هو الأوجه، وغيرها. ."، ثم ذكر بعدها قواعد الترجيح بين هذه العبارات الموسومة بعلامات الإفتاء، فنقل عن الشيخ خير الدين الرملي في فتاويه:"وبعض الألفاظ آكد من بعض، فلفظ الفتوى، آكد من لفظ الصحيح والأصح والأشبه وغيرها، ولفظ به يفتى، آكد من لفظ الفتوى عليه، والأصح آكد من الصحيح، والأحوط آكد من الاحتياط"
(3)
.
وأخيرًا؛ فإن قواعد الترجيح التي ذكرها قاضي خان وتبعه عليها المصنف، ثم
(1)
قال ابن عابدين: "وإذا اختلف اللفظ، فإذا كان أحدهما لفظ الفتوى فهو أولى لأنَّه لا يفتى إلا بما هو صحيح، وليس كل صحيح يفتى به؛ لأن الصحيح في نفسه قد لا يفتى به لكون غيره أوفق لتغير الزمان وللضرورة ونحو ذلك، فما فيه لفظ الفتوى يتضمن شيئين: أحدهما الإذن بالفتوى به، والآخر صحته؛ لأن الإفتاء به تصحيح له، بخلاف ما فيه لفظ الصحيح أو الأصح مثلًا". (رسم المفتي 1/ 38، 39).
(2)
"رسم المفتي" 1/ 39 - 40.
(3)
انظر: "رسم المفتي" 1/ 38، و "الدر المختار" للحصكفي، مع حاشية ابن عابدين 1/ 72، 73. (دار الفكر).
تناقلها العلماء من بعد، والتي غالبًا ما أضاف فيها المتأخر على من تقدمه، حتى بلغت تلك الزيادات ذروتَها مع الفقيه ابن عابدين. . إنما كان يُنص على لزوم عمل المفتين بها - وقد التزموا بها فعلًا - لاعتبارات عدة، منها: الحفاظ على أقوال الأئمة المجتهدين من تقوّل أدعياء الاجتهاد، والحرص على هيبة المذهب ومكانته في نفوس أتباعه، كما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
ولكن الذي عليه العلماء أن الاجتهاد يبقى واجبًا مؤكدًا على الأمة في كل زمان، بل قد أدّى اجتهاد بعضهم إلى النظر في هذه القواعد المذكورة نفسها. . يقول إمام العصر محمد أنور شاه الكشميري رحمه الله تعالى:"إن الروايات إذا اختلفت عن إمامنا [أبي حنيفة] في مسألة، فعامّة مشايخنا يسلكون فيها مسلك الترجيح، فيأخذون بظاهر الرواية، ويتركون نادرها، وليس بسديدٍ عندي، سيّما إذا كانت الرواية النادرة تتأيّد بالحديث، فإني أحمله على تلك الرواية، ولا أعبأ بكونها نادرة. ."
(1)
.
واليوم؛ تتجه أنظار أكثر الباحثين إلى ما يسمى بالاجتهاد الجماعي، ليمارسه فقهاء العصر الثقات، بطريق الشورى فيما بينهم وبين غيرهم من محدثين ولغويين وخبراء. . لأن حركة الحياة متجدّدة، والأعراف متغيرة، ولا بد لكل واقعة من فتوى .. ومن هنا نبتت فكرة إنشاء مجمع فقهي يضم نخبة من فقهاء العصر في مختلف البلاد الإسلامية، وكان من ثمرة هذه الدعوة انعقاد مؤتمرات دورية عديدة للفقه في غير ما مكان من العالم الإسلامي
(2)
.
وإلى أن تتحقق الصفة الإلزامية لقرارات ونتائج هذه المؤتمرات، ربما كان الأصلح - فيما يتعلق بغير المسائل التي استجدت - أن نتمسك بتلك القواعد التي بها عُرف القول الراجح في المذهب من بين مختلف الأقوال والروايات، والتي أنارت لأهل العلم سبيلهم، وكانت ضمانة لوحدة الفتوى فيما بينهم، والحمد لله ربّ العالمين.
(1)
انظر: "فيض الباري" كتاب الغسل، باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو، 1/ 357، (نقلته من كتاب:"تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر، وآثارهم الفقهية" للشيخ عبد الفتاح أبي غدّة، هامش ص 39).
(2)
انظر "المدخل الفقهي العام" للأستاذ مصطفى الزرقا، 1/ 249، 250.
منهج المؤلّف في كتابه
تميّزَ كتاب "التصحيح والترجيح" عن كثير من كتب المتقدمين، بمقدمته الفقهية الأصولية، التي أوضح فيها المصنف منهجه والطريقة المعتمدة في اختيار المسائل وترجيحها.
فقد أكّد رحمه الله تعالى أولًا، على ضرورة التزام المقلد القول الراجح في المذهب، الذي التزم تقليده، إذ "العمل بالتشهي اتباع للهوى"، ولأن "المرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم، والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع".
(1)
ولم يقصد المصنف من الترجيح البحثَ عن الأدلة النقلية والعقلية أو إيراد المناقشات الفقهية وإقامة الحجج على صحة مذهبه وترجيحه في مقابلة المذاهب الأخرى، ولربما فعل ذلك في تصانيف أخرى. . ولكنه حاول في هذا الكتاب إرشاد أتباع المذهب الحنفي إلى القول الذي ينبغي أن يختاروه إذا تعددت الروايات عن الإمام، أو إذا ما خالف الإمامَ في مسألة أحدُ أصحابه، وهي مسائل كثيرة.
ويرى رحمه الله أن القضاء أو الإفتاء إذا لم يكن بمقتضى القول الراجح في المذهب، يكون عملًا بما تشتهيه النفس، واتباعًا للهوى المحرم، حتى إن شيخه الكمال بن الهمام قال في ذلك:"إن التارك لمذهبه عمدًا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل"
(2)
.
ولم يخرج المصنف في تقريره قواعد الترجيح بين المسائل والروايات على ما وضعه السابقون، بل نقل في ذلك كلام العلامة قاضي خان في مقدمة فتاواه، كما أشار إلى ما قاله صاحب المحيط والكاساني وغيرهما، وقد مر ذكر تلك القواعد في المبحث السابق.
ولكن ابن قطلوبغا وإن التزم تلك القواعد بالجملة، إلا أنه اختص بجانب ميّز فكره ومنهجه عن سواه، وكذلك من يتصدر لتصنيف كتاب، لا بد أن ينفرد فيه
(1)
انظر ص 121.
(2)
انظر ص 129.
بأسلوب جديد، أو رأي قد يسبق إليه، فيبرهن عليه.
وكان أبرز ما امتاز به منهج المؤلف في "تصحيحه"، هو التزامه ترجيح كل ما ذهب إليه الإمام الأعظم فيما وجد له فيه قول، إلا في مسائل ألجأته ضرورة تغير الزمان إلى اختيار ما اتفق المتأخرون على ترك العمل بقول الإمام، وفي ذلك يقول رحمه الله:"إن المجتهدين نظروا في المختلف ورجّحوا وصحّحوا، فشهدت مصنفاتهم بترجيح دليل أبي حنيفة والأخذ بقوله إلا في مسائل يسيرة. . . الخ"
(1)
.
أما إذا لم يكن الخلاف خلاف عصر وزمان، بل حجة وبرهان، وقد رجّح بعض العلماء أو صحّح قول أحد الصاحبين دون قول الإمام، فإن المؤلف كان يحرص على إيراد ما استُدِل به لأبي حنيفة، وإثبات صحة ما ذهب إليه.
ولقد ساعده حفظه المذهب واطلاعه الواسع على أصول المؤلفات فيه، على إدراج روايات لأبي حنيفة تبين بعض المسائل التي كان يُظن أن المفتى فيها على قول بعض أصحابه، وأن لا رواية فيها عن الإمام، كيف أنها مروية عن أبي حنيفة أيضًا، والعملُ بقوله هو الأصل الذي لا ينبغي أن يعدل عنه اختيارًا. .
مثال ذلك ما جاء في مسألة: (إذا صلى المريض قاعدًا)، حيث قال المؤلف
(2)
: "قال في الذخيرة: قال الفقيه أبو الليث: الفتوى على قول زفر، قلت: وليس هو قول زفر وحده، بل أشار إليه أبو حنيفة ومحمد، على ما قال محمد في كتاب الآثار. . .".
وكأنّ المصنف قصد من تصنيف هذا الكتاب أن ينبّه الدارسين والمفتين أن قول أبي حنيفة هو القول الذي ينبغي أن يرجع إليه ويعول عليه، وأن السبيل إلى إثبات ذلك هو معرفة ما صحت نسبته إليه من بين سائر الروايات، وذلك هو المراد بـ (التصحيح)، ثم ترجيح قوله على غيره من أقوال الأصحاب وذلك هو (الترجيح).
ولقد حرص المصنّف حرصًا شديدًا على الأمانة في العزو إلى المصادر، فنسب كل قول إلى مصدره، مع كثرة تلك النقول والمصادر. . أما بالنسبة للنقل، فهو أمين فيما نقل أيضًا، إلا أنه قد يتصرف أحيانًا تصرفا لفظيًّا غير مخل بالمعنى، مفضِّلا
(1)
انظر ص 131، 132.
(2)
ص 180.
الإيجاز والتركيز على ما يريد بيانه والوصول إليه.
ويعتمد المصنف في اختيار الصحيح من المسائل الخلافية على كلام السابقين، يذكر أقوالهم وينقل تصحيحاتهم ويقارن بين الآراء والترجيحات المختلفة، ثم يكثر من حشد الأقوال التي تصحح ما يراه موافقًا لما هو ظاهر الرواية. . أو أصلح للزمان فيما لا رواية فيه، وهكذا؛ مِن غير أن يصحِّح المسائل برأيه، وما رأيته صحح مسألة من نفسه قط، بل يقول: وتصحيح فلان أولى، أو الراجح في المسألة قول فلان، وغير ذلك. . تقديرًا منه لمكانة السابقين في العلم، ولغلبة تواضعه من أن ينسب الأقوال إلى نفسه، ما دام قد سَبق إلى تصحيح المسألة غيرُه، والله تعالى أعلم.
إنّ المصنف وإن التزم بالمنهج الذي وضعه في مقدمة الكتاب غالبًا، وهو أن يضع على مختصر القدوري تصحيحات معزوة إلى قائلها أو ناقلها، حيث تتبع رحمه الله المسائل التي اختلف فيها أبو حنيفة وصاحباه أو أحدهما، من مسائل المختصر المذكور، فذكر فيها معتمد الإمام برهان الشريعة المحبوبي، والإمام أبي البركات النسفي وغيرهما، ولكنه أثرى الكثير من الموضوعات - التي اختَلف الأئمة في تصحيحها - بمناقشات علميّة، وأدلة نقلية وعقلية، فذكر بعض الآيات والآثار، وأوجُهَ الاستنباط منها، وآراء المجتهدين، وما إلى ذلك. . كما أضاف مسائل جديدة نص على تصحيحها العلامة قاضي خان، ملتزمًا في ذلك ما ذكره في المقدمة حيث قال
(1)
: "مع زيادات نص على تصحيحها القاضي الإمام فخر الدين قاضي خان في فتاواه، فإنه مِن أحقّ مَن يعتمد على تصحيحه".
إن هذا الكتاب - مع تنوّعه وغناه -، لو كان مقتصرًا على مجرّد نقول لتصحيحات وجمع لروايات، لاعتُبر عملا جديرًا بالتقدير والاعتناء، إذ أملته عقلية علمية لها صفاتها الخاصة، ووجهتها الفريدة، وهو عمل دلّ على قدرة كبيرة على الفهم والتحصيل، مِن تمثّل أفكار السابقين واستيعابها وإخراجها في صورة خاصة، بل إنه يعتبر نوعًا من التجديد في أساليب التصنيف الفقهي بالنظر إلى حالة المناهج التي عرفت في التأليف آنذاك، بالإضافة إلى ما له من فضل في حفظ كثير من الآراء والنقول المنسوبة إلى أصحابها الأولين.
(1)
انظر ص 134.
وبعد ما تقدم تبقى ثمة ملاحظات لا بد من تسجيلها حول منهج المؤلف وبعض مصطلحاته في كتابه:
1 -
لما كان كتاب التصحيح تعليقات على مختصر القدوري، فإن قراءته بدونه يجعله متعذر الفهم أحيانًا؛ لأن المسائل يجب أن يعرف سياقها من الكلام، خاصة أن المؤلف قد لا يذكر المسألة كاملة عند نقلها من القدوري، وكأنه كان يعتمد على حفظ الطالب لها. . فكان الأَولى أن يكتب التصحيح على حاشية مختصر القدوري
(1)
.
2 -
الكتاب غني بالعزو إلى المصادر، ولكن المصنف قد يذكر المصدر بمصطلح لم يشتهر عنه، وربما ذكر اسم الكتاب بأكثر من صيغة، مثل قوله:"الجامع الحسامي، شرح الجامع، الجامع المحبوبي، شرح التأويلات، عبارات النوازل، وغيرها. ."
3 -
لم يلتزم ذكر العلماء بأسمائهم المعروفة المشهورة عنهم دائمًا، وقد يقتصر على ذكر اللقب أو الكنية
(2)
، مثل:"نجم الأئمة، عبد الرب، أبو الرجاء، بهاء الدين، جمال الإسلام. .".
4 -
لا حظّ في الكتاب للأدلة، سواء كانت أدلة نقلية من كتاب وسنّة، أو أدلة عقلية؛ إلا إذا استثنينا بعض المرّات التي آثر المصنف فيها الاستطراد فخرج عن منهجه (أو خطّة البحث). . لكون تلك المسائل مما يكثر فيها الخطأ - بنظر المصنف - أو هي مسائل أثيرت في وقته بين أقرانه، فأراد إزالة بعض ما فيها من إشكال.
5 -
ليس في الكتاب إشارة إلى ذكر المذاهب الأخرى، بل وجدت المصنف في بعض نقوله عن الهداية، قد حذف اسم "الشافعي"، أو "مالك" إذا كان المرغيناني قد ذكرهما في ذلك النص المنقول
(3)
.
(1)
وهو ما قمت به في هذا المطبوع، وانظر منهج المحقق ص 100، 101.
(2)
ولذلك لم أستطع أن أتحقق من اسم نجم الأئمة. . كما لم أهتدِ إلى معرفة صاحب "شرح التأويلات".
(3)
انظر ص 413، ت 3 على سبيل المثال.
6 -
لم يعتمد اللفظ الحرفي عندما نقل عن المصادر في كل مرة، وكثيرًا ما يختصر في اقتباساته من غير أن يبيّن ذلك.
7 -
وينسحب شيء من ذلك على بعض ما أورده من الأحاديث، حيث نقل في ص 193، حديثًا بالمعنى، وكذلك فعل في بعض الآثار التي استشهد بها في ص 166، 167.
8 -
لم يدقّق في التفريق بين عبارات التصحيح، كما فعل من جاء بعده، وانظر شرح ذلك في ما مر ص 76، 77.
الفصل الثالث
دراسَةً وصْفيّة لكتاب "التصحيح والترجيح"
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: تسمية الكتاب وتاريخ تأليفه
المبحث الثاني: وصف النسخ المخطوطة
المبحث الثالث: منهج التحقيق
تسمية الكتاب وتاريخ تأليفه
اختلفت العبارات في تسميته اختلافا كثيرًا، سواء كان ذلك في النسخ المخطوطة التي حصلت عليها أو في فهارس المخطوطات ومصادر ترجمة المؤلف، إلا أن تلك التسميات كانت واضحة الدلالة على أن المقصود منها هو هذا الكتاب نفسه.
فجاء اسمه في طرّة نسختي الأصل و (ب) هكذا: "كتاب الترجيح والتصحيح"، وورد الاسم في نسخة (جـ)، وفي غالب ما وقفت عليه من فهارس المخطوطات:"تصحيح مختصر القدوري" أو "تصحيح القدوري".
ورأيت في "فهرس كُتُب الفقه الحنفي والمالكي، في قسم المخطوطات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة"
(1)
، اسم مخطوطةٍ لابن قطلوبغا بعنوان:"ترجيح ما عليه العمل مما فيه خلاف" رقم 4535/ 1، نوع الخط مغربي، عدد الأوراق 79، المصدر: تونس، دار الكتب الوطنية، رقم 4225؛ فرجعت إلى فهرس مخطوطات دار الكتب الوطنية بتونس
(2)
، ووجدت تحت الرقم المذكور كتابًا لابن قطلوبغا بعنوان "كتاب في الأصول"، وإن المواصفات المذكورة متطابقة. .
ويظهر لي أن أكثر هذه التسميات تركز على الإشارة إلى مضمون الكتاب، لا على تحقيق اسمه الكامل، أما اسمه العلمي الصحيح، الذي سماه به المؤلف وكتبه بيده فهو:"التصحيح والترجيح"، كما يتبين ذلك للقارئ، عندما يقف على صورة الإجازة التي سطرها المؤلف في آخر نسخة (الأصل) لتلميذه، إذ يقول في فاتحة تلك الإجازة:"الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد؛ فقد قرأ عليَّ هذا الكتاب المسمى بالتصحيح والترجيح من تأليفي، الشيخ الفاضل. . . الخ"
(3)
.
ولقد أثبتُ اسم الكتاب كذلك، ولكني كتبت بعده - وبخط أصغر ومغاير - عبارة:"على مختصر القدوري" لتوضيح وتحديد مضمونه.
(1)
إعداد عمادة شؤون المكتبات في الجامعة، سنة 1417 هـ.
(2)
ط سنة 1980 م.
(3)
انظر المثيلات المرفقة ص 105 - 117.
-
متى ألّف الشيخ قاسم كتابه؟
أما عن تاريخ تأليف "التصحيح والترجيح"، فلم أعثر على ما يبين ذلك في النسخ المخطوطة التي عندي، وإن كنت أعتقد - غير جازم - أن المؤلف كتبه في أيام شبابه أو قبل سنة 845 هـ على الأقل.
ذلك أنه ذكر في "تاج التراجم" - وقد صنّفه قبل وفاة شيخه المقريزي
(1)
- أن له شرحًا على مختصر القدوري، حيث قال في ترجمة إبراهيم بن يوسف:". . روى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله، قال: لا يحلّ لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه، قلت: وهذه الرواية هي التي حملتني على شرحي للقدوري، الذي ذكرت فيه من أين أخذوا علمهم، والله أعلم"
(2)
.
ولكن التحقيق؛ أن هذا الشرح غير كتابه: "التصحيح" كما سبق بيانه عند ذكر مؤلفاته
(3)
، إلا إذا جاز لنا أن نقول بأن تصنيفه الشرح المذكور يعتبر تطورًا في بحثه العلمي، وتقدمًا في دراسته الفقهية. . وبهذا الاعتبار
(4)
يكون "تصحيح القدوري" متقدم على الشرح.
والجدير بالذكر كذلك، أن المصنف لم يذكر في هذا الكتاب أيًّا من تصانيفه الأخرى.
(1)
المتوفى سنة 845 هـ، ودليل ذلك أنه يقول في مقدمة التاج ص 85 وهو يذكر شيخه المقريزي:"أمتع الله بحياته"، وقال في آخر ترجمة عبيد الله بن مسعود ص 203:"ولم يذكر الشيخ [أي المقريزي] سلمه الله تعالى في عثمان أحدا" فيكون تصنيف ابن قطلوبغا لتاج التراجم قبل سنة 845. وقد سها محقق التاج عن هذه الحقيقة عندما قال في مقدمته ص 45: "ولا يعرف متى بدأ بكتابه".
(2)
انظر تاج التراجم، ص 91.
(3)
ص 61، ت 4.
(4)
وهو اعتبار محتمل، وإن كان بعيدًا، لعدم اطلاعنا على ذلك الشرح.
وصف النُّسخ المخطوطة
1 - نسخة الأصل (أ):
حصلت على "ميكروفيلم" لهذه النسخة من المكتبة الوطنية بدمشق (مكتبة الأسد)، وتحمل رقم: 13879، وهذه المخطوطة كانت سابقًا في المكتبة الأحمدية بمدينة حلب في سورية، ضمن مجموع رقمه 606
(1)
.
وقد نَسخ هذه المجموع أحد تلاميذ المصنف، واسمه: أبو الخير محمد زين الدين بن شمس الدين محمد بن عمران الحنفي، (نزيل القدس الشريف).
وفرغ من نسخ التصحيح في: الثالث عشر ربيع الآخر سنة 866 هـ، وقد أجازه المصنف في نهاية هذه النسخة، وذكر في إجازته له، أنه قرأ عليه هذا الكتاب قراءة إتقان لمبانيه وإيقان لمعانيه. . ويظهر في حاشية بعض صفحات هذه النسخة تصويبات وإثبات لعناوين في كثير من المسائل.
وكُتبت هذه النسخة بخط نسخي صغير مقروء، ويقع في 67 ورقة (أو لوحة)، وكل ورقة صفحتان:"أ" و "ب"، في كل صفحة 21 سطرًا، ومعدل كلمات كل سطر: 13 كلمة تقريبًا.
وبالجملة فهي نسخة ممتازة، اعتمدتها كأصل لغيرها، ورمزت لها بحرف:(أ)، وقد أذكرها بلفظ:"الأصل".
وفي أول هذه النسخة وقبل البدء بالكتاب، يوجد ثلاث صفحات منقولة من كتاب:"الثبات عند الممات"، للإمام ابن الجوزي، وفي الصفحة التالية: كُتب اسمٌ، - ربما هو لمتملّك المجموع -، هكذا:"بحمد الله المنعم على عبده الفقير يوسف الحسين خادم السنة النبوية المحمدية بحضرة نبي الله زكريا عليه السلام [و] التحية، بجامع بني أمية، والمدرس بالمدرسة الصلاحية بمدينة حلب المحمية، عفي عنه".
وفي الصفحة التالية: "فهرست كتاب التصحيح والترجيح: الطهارة 1،
(1)
ويحتوي هذا المجموع على: "التصحيح والترجيح، ومختصر في أصول الفقه، للشيخ طاهر بن الحسن بن عمر بن حبيب رحمه الله، وشرح هذا المختصر، للشيخ قاسم بن قطلوبغا رحمه الله".
الصلاة 2، الزكاة. . . إلخ"، وفي آخر الصفحة بيتان من الشعر هما:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
…
فكلك عورات وللناس ألسُنُ
وعينك لا تنظر بها لقبيحةٍ
…
وقل لها يا عين للناس أعيُن
وفي الصفحة المقابلة كتب اسم الكتاب والمؤلف، بشكل هرمي معكوس:"كتاب الترجيح والتصحيح، جمع الشيخ الإمام العالم العلامة الحبر. . الفهامة، وحيد دهره وفريد عصره رُحلة الطلاب والمحدثين، محقق الفروع والأصول، أبو العدل قاسم بن قطلوبغا الجمالي، متع الله بحياته، بمحمد وآله، آمين"، وبجانب ذلك ختم بختم استطعت أن أقرأ منه الآتي:"من الكتب التي أوقفها السيد أحمد أفندي طفاده (؟) على مدرسة الأحمدية. ." وفي أسفل الصفحة: "بحمد الله المنعم على عبده الفقير السيد يوسف بن السيد حسين غفر لهما"، ثم ختم آخر كأنه باسم (السيد يوسف). وفي الصفحة التالية [6 أ] بداية الكتاب، وفي أول الصفحة:"وقف مدرسة الأحمدية بمدينة حلب، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله. . الخ".
أما آخر المخطوط [67 ب] فجاء على الشكل التالي: "قلت وقد مر أن الفتوى على قول الإمام، والحمد لله على التمام، وصلى الله على سيدنا محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام، حسبنا الله ونعم الوكيل. نجز تعليقه على يد فقير عفو الله تعالى محمد بن محمد بن عمران الحنفي، في ليلة يسفر صباحها عن ثالث عشر من ربيع الآخر، سنة 866، أحسن الله عاقبتها، آمين.
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. .
وبعد، فقد قرأ علي هذا الكتاب المسمى بالتصحيح والترجيح من تأليفي، الشيخ الفاضل والمحصل الكامل، عين الأماثل من الأعيان الأفاضل: أبو الخير محمد زين الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن عمران الحنفي الفقيه المقرئ، قراءة إتقان لمبانيه، وإيقان لمعانيه، فحقق وأجاد وعن صوب الصواب فما حاد، فاستحق أن يجاز بتحقيق ما روى وما استفاد، فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجزته بذلك وبجميع ما تجوز لي روايته، بتاريخ جمادى الأولى، من سنة ست وستين وثمان مئة.
قاله وكتبه قاسم الحنفي، حامدًا ومصليًا ومسلمًا"
(1)
.
(1)
انظر المثيلات المرفقة، ص 109.
وفي الورقة الأخيرة من المخطوط سؤال مطوّل وجوابه للمصنف، أذكر نصهما كالآتي:
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وفقهاء المسلمين رضي الله عنهم أجمعين في رجل تزوج امرأة على مئة دينار على حكم الحلول على أن يعجل منها [؟] قبل الدخول بها أربعين دينارًا وبقية الصداق على حكمه فدفع إليها الأربعين ودخل بها ثم منعت نفسها منه لقبض الباقي وطالبته بذلك عند حاكم حنفي فحكم ذلك الحنفي بتأخير بقية الصداق إلى الطلاق أو موت أحدهما، متمسكا بقول نجم الدين الزاهدي: وصار تأخير الصداق إلى الموت أو الطلاق بخوارزم عادة مألوفة وشريعة معروفة عندهم، وبقول فخر الدين الزيلعي: ليس لها أن تحبس نفسها فيما تعورف تأخيره إلى الميسرة أو إلى الموت أو الطلاق ولو كان حالا لأن المتعارف كالمشروط، فهل حكم هذا الحنفي صحيح أو لا، وهل هذا الحكم مستفاد من عبارة هذين الإمامين المذكورين أو لا، وإذا لم يكن حكمه صحيحًا، فما معنى قول فخر الدين (ولو كان حالا)، وهل اشتراط تعجيل البعض مع النص على حلول الجميع دليل على تأخير الباقي إلى الطلاق أو الموت أوْ لا؟ أفتونا مأجورين، وبيّنوا رضي الله تعالى عنكم أجمعين وأثابكم الجنة بمنّه وكرمه آمين، حسبنا الله ونعم الوكيل.
(مثال)
(1)
الحمد لله، ربِّ زدني علمًا؛
ليس للحاكم الحنفي الحكم بتأخير بقية الحالّ من الصداق، ولا متمسك له بما ذكر الزاهدي؛ لأن عرف خوارزم فيما لا نص فيه على تعجيل ولا تأجيل، وهو خلاف الواقع في مملكة مصر والشام وما والاهما من البلاد، ولا متمسك له بما ذكر الزيلعي أيضا لقوله (فهو على ما شرطا)، وليس الحكم بصحيح ولا مستفاد من العبارتين بل كلاهما ينبو عنه، ومعنى وقوله (ولو كان حالا) أنه ولو كان حالا بمقتضى العقد فإن العرف يقضي عليه لأن المتعارف كالمشروط، وشرط التأجيل يقضي على موجب العقد، وقد صرح بهذا شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وبقية
(1)
يعني الناسخ بكلمة مثال: أن الجواب منقول من خط المجيب حرفيًّا، بمقدمته وإمضائه في نهايته، فقد جاء فيه آخرًا:"قاله وكتبه قاسم الحنفي". . وليس هو خط ابن قطلوبغا (الذي عُرف من إجازته المشار إليها في الصفحة السابقة).
كلام الزيلعي صريح في هذا وهو قوله: وإذا نصا على تعجيل جميع المهر أو تأجيله فهو على ما شرطا، وشرط التعجيل مرادف لشرط الحلول حكما لأن في كل منهما لها المطالبة متى شاءت، ألا يرى إلى قولهم في الإجارة: والأجرة لا تملك إلا بالتعجيل أو بشرطه، ألا يرى أن المهر في هذه الصورة من الدَّين وأن وصفه الأصلي الحلول أو التأجيل، ولو كان معناه ولو كان حالا بالشرط لناقض قوله وإن نصا على التعجيل فهو على ما شرطا. وليس في اشتراط تعجيل البعض مع النص على حلول الجميع دليل على تأخير الباقي إلى الطلاق أو الموت بوجه من وجوه الدلالات، والذي عليه العادة في مثل هذا التأخير إلى اختيار المطالبة، والله سبحانه أعلم.
قاله وكتبه قاسم الحنفي، حامدًا ومصفيًا ومسلمًا".
2 - النسخة المصرية (جـ)
(1)
:
هي نسخة مصورة عن مخطوطة محفوظة بدار الكتب القومية المصرية، تحت رقم 1270 فقه حنفي، بعنوان:"تصحيح مختصر القدوري"، وتقع في 108 أوراق، (كل ورقة صفحتان "أ" و "ب")، في كل صفحة 19 سطرًا تقريبا، وهي مكتوبة بخط نسخي متوسط الوضوح، على يد محمد بن عبد الله الحنفي (؟)، وتاريخ النسخ: سنة 978 هـ.
وفي هذه النسخة طمست بعض الكلمات والأسطر، - في عدد من الصفحات - بفعل رداءة التصوير. كما سقط منها ورقتان متتاليتان هما:"40 ب، 41 أ"، و " 41 ب، 42 أ"، وورقة ثالثة هي:"55 ب، 51 أ"، كما قد تكرّر تصوير بعض الأوراق.
ويتبين من بعض التعليقات في بعض حواشي الكتاب أن كاتبها من تلامذة العلامة ابن نجيم، حيث يقول في ص 14 أ:"قال في شرح الكنز لشيخنا. ."، وفي 14 ب:"قال في البحر الرائق لشيخنا. ." وفي 5 أ: "أعلم أن مدار أمور الدين. . . إلى أن قال: كذا في شرح الكنز لشيخنا ابن نجيم"، والراجح أن تلميذ ابن نجيم صاحب هذه التعليقات، هو الناسخ نفسه، إذ الخط متشابه. وهناك بعض العناوين
(1)
رمزت إليها بحرف (جـ) باعتبارها ثالث نسخة حصلت عليها بعد (أ وب)، أما ترتيب الكلام على النسخ هنا، فبحسب الأهميّة.
الجانبية في مواضع متفرقة بخط مغاير. ومهما يكن، فالمخطوطة جيدة نظر فيها طلاب وعلماء، وفيها بعض الزيادات التي لم أجدها في غيرها.
وفي الصفحة الأولى من المخطوط اسم الكتاب والمصنف على النحو التالي: "كتاب تصحيح مختصر الإمام القدوري، للشيخ الإمام والحبر الهمام العلامة فخر المتأخرين زين الدين قاسم بن قطلوبغا تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه بحبوح جنانه بمحمد وآله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ." وإلى جانب ما تقدم: "من كتب أحقر الخليقة بل لا شيء. . (وهنا بعض الكلمات المشطوبة كلّيًّا) ثم: نظر فيه عبد الله بن حما. . (؟) سنة 982". وفي أسفل الصفحة: "مسألة: اتفقوا على أن القهقهة لا تبطل الغسل، واختلفوا هل تنقض الوضوء الذي في ضمن الغسل، فعلى قول عامة المشايخ لا تنقض، وصحح المتأخرون كقاضي خان النقض عقوبة له مع اتفاقهم على بطلان صلاته كما نبه عليه في المضمرات، كذا في البحر الرائق لشيخنا رحمه الله تعالى، أقول: وقد اعتمدنا في. . على ما عليه عامة المشايخ لقوة مدركه؛ لأن النقض بالقهقهة ورد في طهارة مستقلة على غير القياس، وما ورد على غير القياس فغيره عليه لا يقاس. ." الخ.
وجاء في نهاية المخطوط: "نجز هذا الكتاب على يد كاتبه الراجي عفو ربه الغني محمد بن عبد الله الحنفي، تحريرًا في سابع عشر شهر رمضان سنة 978 أحسن الله ختامه بمحمد وآله آمين".
3 - النسخة التركية (د):
حصلت على "ميكروفيلم" لهذه النسخة من المكتبة السليمانية باستانبول - تركيا، وتحمل رقم 915، قسم الشهيد علي باشا، وهي في 57 ورقة، كل ورقة صفحتان كبيرتان نسبيًّا، ورمزت إلى هذه النسخة بحرف (د) باعتبارها النسخة الرابعة في ترتيب النسخ التي حصلت عليها، بعد (أ، ب، جـ).
وقد نسخ هذا المخطوط سنة 986 هـ، على يد جعفر بن عبد القادر الرومي الحنفي.
وهذه النسخة وإن كانت مقروءة الخط، وفيها بعض التصويبات في الحاشية، إلا أنه بقي فيها أخطاء كثيرة، بالإضافة إلى سقوط عدد من الأسطر في أماكن متفرقة منها.
ولكن ما يميز هذه النسخة، هو غناها بالحواشي والنقول، حتى لا تكاد تخلو صفحة من حاشية، وهي مقتبسة من كتب عديدة أبرزها: الهداية، وتبيين الحقائق للزيلعي، والبداية (أصل الهداية)، وقد كُتب في آخر بعض الحواشي الأخرى أحد هذه الأسماء:
"عيني، شمني، ابن الهمام، تحفة، ابن ملك، كنز، وقاية، شرح وقاية، جوهرة، نهاية، شيخ أكمل، ينابيع، درر غرر، مستصفى"، وغير ذلك
(1)
. . كما كتب الناسخ بعض الفوائد والكلمات الأخرى في بعض الحواشي مما لا علاقة له بالباب أحيانًا.
ولم تتضح لي بداية هذه النسخة لرداءة تصوير
(2)
الأوراق الخمس الأولى، وقرأت - بصعوبة - عنوان الكتاب في الورقة الأولى وهو على النحو التالي:"كتاب تصحيح القدوري" وبجانبه أثر لخاتمين وتعليقات كثيرة، وقد ظهر رقم المخطوط 915.
وجاء في نهاية المخطوط ما يلي: "وكان الفراغ من هذه النسخة الشريفة يوم الأحد بعد العصر في أواخر شهر جمادى الآخر في مكة المشرفة - شرفها الله تعالى إلى يوم الدين - سنة ست وثمانين وتسع مئة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. حرره أفقر الورى جعفر بن عبد القادر الرومي الحنفي، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، تم". ثم يلي ذلك مباشرة رسالة بعنوان: "الطراز المُذْهب في ترجيح الصحيح من المذهب"، في ثمان صفحات، ولكن الرسالة غير كاملة، ولم يتبين لي اسم مؤلفها، وإن كان ناسخها هو ناسخ التصحيح، ويحتمل أن تكون من تأليفه، والله أعلم، وقد ورد ذكر هذه الرسالة في "رسم المفتي" لابن عابدين.
(1)
ولم ألتزم كتابة هذه الحواشي في التعليقات، تماشيا مع غرض المصنف من التصنيف، إذ إنه يعالج موضوعا محدّدًا هو التصحيح، وعلى من يبغي الاستزادة والبحث عن موضوعات أخرى مراجعة المطولات.
(2)
صور الميكروفيلم كما وصلني من استانبول.
4 - النسخة الحلبية (ب)
(1)
:
وهي صورة مخطوطة حصلت عليها من المكتبة الوطنية بدمشق، وتحمل رقم 13878، وهي من الكتب الموقوفة على مدرسة الأحمدية بحلب، رقم 605، ضمن مجموع
(2)
.
وتقع هذه النسخة في 71 ورقة، الورقة صفحتان:"أ" و "ب"، وفي كل صفحة 23 سطرا، وعدد كلمات كل سطر 12 كلمة تقريبًا.
ناسخها: محمد بن عبد الله الحموي، نسخها سنة 1121 هـ، وهي نسخة جيدة جدًا منسوخة بخط نسخي واضح، وعليها بعض التصويبات القليلة في بدايتها، ولكن؛ - وللأسف - لم أستفد منها في تحقيق الكتاب إلا يسيرًا. وذلك أنها نسخت عن مخطوطة "الأصل" نفسها، ومع أن الناسخ لم يصف المخطوطة التي اعتمدها في النسخ واقتصر على عبارة:"نجز تعليقه من نسخة عليها خط المصنف"، إلا أني تأكدت من ذلك. . حيث تابعتْ هذه النسخة تلك، حتى في بعض الأخطاء الواقعة فيها
(3)
.
بداية المخطوط؛ كُتب في صفحة العنوان: "تشرّف بتملكه الفقير إليه تعالى السيد عمر المعروف بطه راحه (؟) غفر له"، وتحته ختم غير واضح. وجاء عنوان الكتاب واسم المؤلف على النحو التالي:"كتاب الترجيح والتصحيح، جمع الشيخ الإمام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة وحيد دهره وفريد عصره رحلة الطلاب والمحدثين محقق الفروع والأصول أبو العدل قاسم بن قطلوبغا الجمالي رحمه الله ورضي عنه". وذكر فهرس الكتاب في نفس هذه الصفحة: "الطهارة 3، الصلاة 5، الزكاة 12. . ." الخ. وفي الصفحة التالية بداية الكتاب، وأوله:"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله. ."
(4)
.
(1)
رمزت إليها بذلك لأنها النسخة الثانية - من حيث ترتيب الحصول - بعد نسخة (أ).
(2)
يحتوي هذا المجموع على الكتب التالية: "التصحيح والترجيح، فتاوى قارئ الهداية، أصول صاحب المنح، المعروضات في الفقه الحنفي، القول السديد في مسائل الاجتهاد والتقليد".
(3)
وكمثال على ذلك، ما جاء في الورقة 9 أ، من الأصل في باب الطهارة:". . وإن لم يبلغ داخل الضفائر، وقال في/. . . وهو الصحيح"، هكذا انقطاع في الكلام وهو لنهاية حد الورقة، ولكن في نسخة (ب) بياض بقدر كلمة في المكان نفسه، ولا سبب يوجب ذلك!
(4)
وفي الحاشية: "وقف مدرسة الأحمدية بمدينة حلب المحمية".
أما نهاية هذه النسخة فهي كما يلي: "وقد مرّ أن الفتوى على قول الإمام، والحمد لله على التمام، وصلى الله على سيدنا محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام، حسبنا الله ونعم الوكيل، نجز تعليقه على فقير عفو الله تعالى محمد بن عبد اللّه الحموي غفر الله له، في يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر شعبان المبارك من شهور سنة ألف ومئة وواحد وعشرين، من نسخة عليها خط المصنف رحمه الله تعالى، والحمد لله رب العالمين".
نسخ مخطوطة أخرى:
وبعد هذا الوصف أقول، إنه توجد نسخ مخطوطة أخرى كثيرة للكتاب، في عدد من مكتبات العالم
(1)
، علمًا بأني قد سعيت للحصول على بعضها بطريق
(1)
وأذكر في هذا التعليق ما وقفت عليه في فهارس المكتبات من نسخ "التصحيح والترجيح" حيث الكتاب موجود في المكتبات التالية:
- شستربيتي، (Chester Beatty)، دبلن - إيرلندا، تاريخ النسخ 16 شعبان سنة 868 هـ. كما في قائمة المخطوطات العربية في مكتبة شستر بيتي 7/ 14، رقم 5040، عدد الأوراق 105. وفي الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط/ الفقه وأصوله 2/ 580: أن هذه النسخة هي نسخة الشارح، بعدما ذكر أن تصحيح القدوري هو: شرح لقاسم بن قطلوبغا! والصحيح أن هذه النسخة بخط محمد بن قطلوبغا الحنفي، كما جاء في فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات العربية (الكويت 1407) ص 86، حيث إن هذه النسخة مصورة فيه، وتحمل رقم 1992.
- ولي الدين جار الله - إستانبول، تاريخ النسخ سنة 869 هـ. (فهرس مخطوطات ولي الدين جار الله 38، كما في الفهرس الشامل 2/ 580)
- كليات سيلي أوك - برمنجهام، تاريخ النسخ سنة 896 هـ، (1386 - 194) 123 ورقة. (فهرس مخطوطات كليات سيلي أوك - منجانا، 14/ 41، كما في الفهرس الشامل 2/ 580).
- الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، نسخت سنة 933 هـ، رقم 2942، عدد الأوراق 121. مصدر النسخة: دار الكتب المصرية رقم 124. (انظر الفهرس الشامل للتراث 2/ 581).
- جامعة بولونيا - فرنسا، تاريخ النسخ سنة 975 هـ، رقم 3118. (ملاحظات على المخطوطات الشرقية - مجموعة مارسيلي، 50، كما في الفهرس الشامل للتراث 2/ 580).
- البلدية - الإسكندرية 3859 جـ. (فهرس البلدية [الفقه الحنفي] الإسكندرية 10، كما في الفهرس الشامل 2/ 580).
- دار الكتب الوطنية - تونس، رقم 4225، عدد الأوراق 77، العنوان "كتاب في الأصول". (فهرس مخطوطات الفقه الحنفي والمالكي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، رقم 4535/ 1، وفيه أن تاريخ نسخه كان سنة 1046 هـ، وانظر ما مر ص 89).
- مكتبة الأوقاف العامة - بغداد، الناسخ: محمد الغزي الحنفي، تاريخ النسخ سنة 1002 هـ، رقم 4085، عدد الأوراق 82. (فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد، إعداد: عبد الله الجبوري، مطبعة الإرشاد، بغداد، سنة 1393 هـ، 1/ 397).=
المراسلة وغيره، ولكن لم ألقَ جوابًا.
على كل حال، أعتقد أن جودة النسخ التي حصلت عليها، واعتمدتها في التحقيق تغني عن المزيد، إن شاء الله.
= - جامعة القاهرة - مصر، الناسخ: علي بن مصطفي الرومي، سنة 1079 هـ، 128 ورقة، 7222. (فهرس بطاقات الكتب المخطوطة والمطبوعة 3/ 301، كما في الفهرس الشامل للتراث، 2/ 580).
- الدولة - برلين - ألمانيا، (2079. Ms. or. quart) الورقة 1 - 54، نسخة كتبها الحاج عبد ربه، سنة 1136 هـ. (فهرس المخطوطات العربية - فاجنر، 1/ 144، كما في الفهرس الشامل للتراث 2/ 580).
- الغازي خسرو بك - سراييفو، كتبها "خليل" في القرن الثاني عشر هجرية. (فهرس مخطوطات الغازي خسرو 2/ 159، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- المكتبة الخالدية - فلسطين، كتبها عمر بن عثمان بن علي بالي، سنة 1152 هـ، رقم 29. (المخطوطات العربية في فلسطين، أبحاث جمعها وقدم لها د. صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، سنة 1982 م، ص 29، والفهرس الشامل 2/ 580، عن فهرس مخطوطات المكتبة الخالدية، "البرنامج" 16)
- دار الكتب المصرية - القاهرة، رق 22591 ب، 61 ورقة. (فهرس مخطوطات دار الكتب 1/ 160 كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- دار الكتب المصرية، رقم 801. (فهرس دار الكتب 1/ 410، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- دار الكتب المصرية، رقم 1270. (فهرس دار الكتب 1/ 410، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- عبد الله بن العباس - الطائف، 4/ 155، 1 م. (فهرس مخطوطات مكتبة عبد الله بن العباس 183، كما في الفهرس الشامل 2/ 581).
- خزانة فيض الله أفندي - إستانبول، رقم 694، عدد الأوراق 111. (الفهرس الشامل 2/ 581) - سليم آغا - إستانبول، رقم 338، 848 ص. فهرس مخطوطات سليم آغا، 31، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- عاطف أفندي - إستانبول، 759. (فهرس مخطوطات عاطف أفندي 45، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- عاطف أفندي، رقم 760. (فهرس مخطوطات عاطف أفندي، 45، كما في الفهرس الشامل 2/ 581).
- لاله لي - إستانبول، رقم 837. (فهرس مخطوطات لاله لي 63، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- مراد ملآ - إستانبول، 796. (فهرس مخطوطات داماد زاده "مراد ملا" 66، كما في الفهرس الشامل 2/ 581)
- الشهيد علي باشا - إستانبول، 80 ورقة، رقم 916. (المكتبة السليمانية، قسم الشهيد علي باشا).
- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض، رقم 1160، 87 ورقة. (تاج التراجم لابن قطلوبغا، مقدمة المحقق: محمد خير رمضان ص 23)
- جامعة الملك سعود - الرياض، 126 ورقة. (تاج التراجم، مقدمة المحقق، ص 22).
منهج الباحث في تحقيق الكتاب
عندما ابتدأت نسخ مخطوطة الأصل، كنت متفائلًا في الحصول على مزيد من النسخ للبدء بالتحقيق، ولكن لما سعيت لذلك، لم ألقَ تجاوبًا من بعض المكتبات، فالمعاملات الإدارية فيها كانت معقدة في الغالب، بل إنها حالت دون حصولي على مزيد من النسخ المخطوطة
(1)
.
وقد حدّدت خطّتي في التحقيق - قبل البدء - بشكل ينسجم مع موضوع الكتاب، وقصْدِ الكاتب من التصنيف، فلم أحشد الأدلة على المسائل في الهامش، ولم أذكر أقوالًا أخرى مخالفة لمذهب أبي حنيفة، ولم أستطرد بذكر مسائل متعلقة بالموضوع إلا نادرًا، إذ كان استطراد المصنف أحيانًا استثنائيًّا، وخروجًا على عادته ومنهجه في الكتاب، كما مر عند الكلام على منهج المؤلف.
ثم وجدتُ نفسي مدعوًّا لإثبات مختصر القُدُوري مع كتاب التصحيح
(2)
؛ لأن المؤلف رحمه الله يذكر المسائل من القدوري مجتزأة ومن غير يُعرف سياقها ثم يعلق عليها، مقتصرًا على ذكر اسم كل باب من أبوابه، فالمحتمل أنه عندما صنف التصحيح جعل كتاب القدوري أمامه مكشوف الصفحات، فيقرأُ كل باب منه ثم يعلق على ما فيه من مسائل الخلاف، إلا إذا اعتبرت أنه كان يستظهر مختصر القدوري ويحفظه عن ظهر قلب، وهو الاحتمال الأولى.
ولكن مَن يحفظ "القدوري" اليوم قليل، وقراءة "التصحيح" بدونه يجعله قليل الفائدة متعذر الفهم أحيانًا، إلا أن يُقرأ الكتابان معًا، ولذلك جعلت مختصر القدوري
(2)
في أعلى الصفحات، ووضعت علامة في آخر كل مسألة اختارها
(1)
حصلت على النسخة الأخيرة بعد سنتين أو يزيد، من وقت حصولي على أول نسخة وبدء التحقيق!
(2)
ولقد ظفرت بحمد الله تعالى على نسخة قديمة لمختصر القدوري، اعتمدتها في هذا المطبوع، وهي صورة نسخة مخطوطة في المكتبة الوطنية بدمشق، تحمل رقم 15184، وتاريخ انتهاء النسخ هو سنة 828، وهي منسوخة بخط نسخي جيد، ولكن فيها بعض الصفحات التي نسخت فيما بعد، ويبدو أنها كتبت بعد تلفِ أصاب بعض أوراق المخطوط، كما يظهر من شكل أو فساد الصفحات القريبة من تلك المضافة، وأرقام هذه الصفحات الجديدة هي: 2 أ، 1 ب، 3 أ، 10 ب، 11 أ، 11 ب. . . إلى 23 أ.
المصنف للتعليق عليها، ثم أثبت في وسط الصفحة كتاب التصحيح - وهو المقصود بالتحقيق - وأبرزته بخط واضح كبير الحجم، وفي القسم الثالث من الصفحة تأتي التعليقات والإحالات.
ولقد قمت - في خدمتي الكتاب - بالخطوات التالية:
- نسخت كتاب التصحيح والترجيح معتمدًا على نسخة الأصل، المنسوخة في حياة المؤلف، والمقروءة عليه.
- قابلت الكتاب على سائر النسخ المخطوطة التي توفرت لدي، وذكرت في الهامش الفروق ومواضع الخلاف مع الأصل، إلا ما تيقنت تحريفه أو تصحيفه في تلك النسخ فلم أشر إليه في الغالب .. لِما أراه في ذلك من تشتيت فكر القارئ وذهنه، وإيقافه عندما لا نفع في ذكره.
- أمّا إن كان الخطأ في الأصل - وذلك في مواضع قليلة من الكتاب - فإني أثبت ما أراه صوابًا إذا كان موجودًا في أحد النسخ، وأشير إلى ما في نسخة الأصل في الهامش.
- إذا وجدت زيادة على الأصل من إحدى النسخ، فإني أثبتها بين حاصرتين، ثم أبين في الهامش مصدر تلك الزيادة.
- وإذا كانت الزيادة في إحدى النسخ قليلة، أو لا تغير المعنى، كزيادة حرف العطف، أو كلمة:"رحمه الله"، أو "والله أعلم" مثلًا، فإني أضعها بين علامتي الزيادة، دون الإشارة إلى مصدرها، وهي غالبًا من نسخة (جـ)، وبعضها من (د).
- ولم أضف من رأيي شيئًا أبدًا إلى كلام المصنف؛ ولم أغير في صلب الكتاب، إلا ما يعِين على كشفه وإيضاحه كالاعتناء بعلامات الترقيم، التي حرصت على إحكامها وإتقانها.
- كما التزمت: ضبط الآيات القرآنية، وعزوها إلى مواضعها من المصحف.
- ضبط الأحاديث النبوية وتوثيقها من صحيحَي البخاري ومسلم، وإن لم يوجد فيهما، فمن غيرهما من باقي الكتب الستّة.
- إعجام ما أهمل من الكلمات، دون الإشارة في الهامش إلى ما أهمله النساخ من نقط.
- رسم الكتابة وفق القواعد الإملائية المتعارف عليها اليوم، من غير إشارة إلى ذلك
(1)
.
- التعريف بالفقهاء المذكورين في متن الكتاب، باستثناء أئمة المذهب والمذاهب لشهرتهم، وأثبت في نهاية كل ترجمة المصادر التي رجعت إليها في تلك الترجمة، مع ذكر رقم الجزء والصفحة.
- التعريف بالكتب التي أوردها المصنف.
- مقابلة النص على المصادر التي اعتمد عليها المصنف قدر الإمكان. وإن وجدت بين النص والمصادر فروقًا قد تزيد النص المقتبس توضيحًا، فإني أنقله في الهامش.
- العزو إلى المصادر بذكر الجزء والصفحة، دون بيان تفاصيل معلومات النشر خلال التحقيق، وأورد ذلك في قائمة المصادر والمراجع، ضمن فهارس الكتاب
(2)
.
- تحديد كل قول مقتبس برسم علامة دالة على التنصيص أو الاقتباس، في بداية النقل وآخره، وقد اجتهدت في تعيين نهاية كثير من تلك النقول، إذا كان الكتاب المقتبس منه غير مطبوع، وأرجو أن أكون قد وفِّقت، والله المستعان.
وأخيرًا: فهارس الكتاب، وتشمل:
1 -
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في التحقيق.
2 -
فهرس موضوعات قسم الدراسة.
3 -
فهرس التصحيح والترجيح.
(1)
مثال ذلك ما رُسم في النسخ على النحو التالي: "ثلثون، مائتا، ملاء الفم .. "، فأثبتها هكذا:"ثلاثون، مِئتا، ملء الفم".
(2)
واعتمدت في ذلك أسلوب الدكتور رمضان عبد التواب، وما شرحه بإسهاب في كتابه:"مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين"، وممّا قاله في ص 165: "ومن البدع .. ما ينادي به بعض الباحثين ويحاول غرسه في عقول طلاب الدراسات العليا، وهو ضرورة أن توضح بيانات هذا المصدر أو ذاك كاملة عند ذكره لأول مرة في الكتاب المحقق أو الرسالة العلمية .. وقد يصنع هذا في المقالات العلمية أو البحوث القصيرة، التي تُقرأ عادة من أولها إلى آخرها ولا يوضع في نهايتها ثبت كامل بالمصادر مستوفية لبياناتها
…
ومن البدع كذلك ذكر اسم المؤلف أولًا وبعده اسم كتابه .. وهذا تقليد أعمى للغرب، ولا بأس من استخدامه مع المصادر غير العربية إذا ذكرت بلغاتها، أما في المصادر العربية فإننا نراها غريبة عنا لا تلائم ما توارثناه من طريق مغاير لذلك في مؤلفات أسلافنا".
الرموز المستعملة في التحقيق
(*)
أ: مخطوطة الأصل
ب: المخطوطة الثانية (الحلبيّة)
جـ: المخطوطة الثالثة (المصرية)
د: المخطوطة الرابعة (التركية)
ص: الصفحة رقم
…
ص
…
-
…
: من صفحة رقم
…
إلى صفحة رقم ....
…
/
…
: ما قبل القاطع رقم الجزء وما بعده رقم الصفحة.
[
…
]: ما بينهما زيادة على نسخة الأصل
(-
…
هـ): المتوفى سنة
…
هجرية
.. ، أو
…
: علامة الحذف من كلام مقتبس
ل: نسخة القدوري المطبوعة مع كتاب "اللباب شرح الكتاب"
ث: نسخة القدوري العثمانية
م: نسخة القدوري المطبوعة في دار الكتب العلمية
ت: تعليق
ط: الطبعة
د. ت.: دون تاريخ
(*) نقل المصنف عن الإمام الزاهدي بعض الأحرف للإشارة إلى أسماء بعض المصادر، ولم يتبين لي تفسير تلك الرموز أحيانًا.
مثيلات
أو نماذج مصوّرة من النُّسَخ المخطوطة
بداية الكتاب في نسخة الأصل (أ)
نسخة (أ) الورقة التي أضافها الناسخ (تلميذ المصنف) نقلًا عنه
الصفحة الأخيرة في نسخة الأصل [أ/ 67 ب] وتظهر إجازة المصنّف بخطّه
صفحة العنوان والفهرس من النسخة الحلبية (ب)
الصفحة الأخيرة من النسخة الحلبية (ب)
الصفحة الأولى من النسخة المصرية (جـ)
الصفحة الأخيرة من النسخة المصرية (جـ)
نهاية الكتاب في النسخة التركية (د)، ويليه "الطراز المذهب"
نموذج من النسخة التركية (د)، ويلاحظ شيء من نقول الناسخ في الحاشية
نموذج من مخطوطة القُدُوري، [4 أ]
الصفحة الأخيرة [126 ب]، من مخطوطة القُدُوري
التّصحِيحُ والتَّرجِيح
على مختصَر القُدُوري
تأليف
العلّامة الشّيْخ قَاسِم بن قُطْلُوبُغا المِصْري الحنفي
رحمه الله تعالى
تحقيق:
ضيَاء يونس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد؛ فإن الفقير إلى رحمة ربّه الغنيّ قاسم الحنفي يقول:
إنّي قد رأيتُ مَن عمل في مذهب أئمّتنا رضي الله عنهم بالتشهّي، حتّى سمعت من لفظ بعض القضاة: وهل ثَمَّ حَجْر؟ فقلتُ: نَعم، اتّباع الهوى حرام، والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العَدَم، والترجيح بغير مرجِّح في المتقابلات ممنوع.
وقد قال في كتاب "أصول الأقضية" لليعمري
(1)
[رحمه الله]: "من لم يقف على المشهور من الروايتين أو القولين فليس له التشهي في الحكم بما شاء منها
(2)
من غير نظر في الترجيح"
(3)
.
وقال الإمام أبو عمرو
(4)
في كتاب "أدب المفتي"
(5)
: "أعلم أن من يكتفي
(1)
كتاب أصول الأقضية هو: "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"، تأليف الإمام برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، مغربي الأصل، ولد ونشأ في المدينة المنورة، وبها تولى القضاء، توفي سنة 799 هـ عن نحو 70 عامًا، له:"الديباج المُذهب في تراجم أعيان المذهب"، وغيره. (الأعلام 1/ 52).
(2)
كذا في الأصل، وفي (ب):"منهما"، وفي "التبصرة":" فليس له التشهي والحكم بما شاء منهما"، وفي (جـ):"فليس له التشهي والحكم بما يشاء منهما".
(3)
انظر "تبصرة الحكام" 1/ 51، وفيه أيضًا:"قال ابن الصلاح: وقد قال مالك - رضي الله تعالى عنه - في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم: مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد، وقال: ليس كما قال ناس فيه توسعة لنا، قال ابن الصلاح: قلت لا توسعة فيه بمعنى أنه يتخير بين أقوالهم من غير توقف على ظهور الراجح، وفيه توسعة بمعنى أن اختلافهم يدل على أن للاجتهاد مجالًا فيما بين أقوالهم".
(4)
هو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، المعروف بـ "ابن الصلاح"، ولد سنة 577 هـ، كان أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، له عدة كتب، منها:"معرفة أنواع علم الحديث"، و"أدب المفتي والمستفتي"، توفي في دمشق سنة 643 هـ. (الأعلام 4/ 207، 208).
(5)
انظر: "أدب المفتي والمستفتي" لابن الصلاح، المسألة الخامسة عشرة، فصل أحكام المفتين، ص 125.
بأن يكون فتياه أو عمله موافقًا لقولٍ أو وجهٍ في المسألة ويعمل بما شاء من الأقوال والوجوه
(1)
من غير نظر في الترجيح
(2)
فقد جهل وخرق الإجماع .. ".
وحكى الباجي
(3)
أنه وقعت [له]
(4)
واقعة فأفتي فيها بما يضره، فلما سألهم قالوا: ما علمنا بأنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافق قصده
(5)
، قال الباجي:"وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممّن يُعتدّ به في الإجماع أنه لا يجوز".
قال في "أصول الأقضية": "ولا فرق بين المفتي والحاكم، إلا أن المفتي مخبر بالحكم، والحاكم ملزِم به"
(6)
.
وقال الأصوليون أجمع: لا يصح الرجوع عن التقليد بعد العمل بالاتفاق
(7)
، وهو المختار في المذهب.
(1)
في نسخة (جـ): "ويعمل بما يشاء من الأقوال أو الوجوه".
(2)
وفي "أدب المفتي" هنا زيادة: "ولا تقيّد به".
(3)
هو سليمان بن خلف بن سعد القرطبي، أبو الوليد الباجي، فقيه مالكي، من رجال الحديث. ولد في باجه بالأندلس سنة 403 هـ، رحل إلى عدة بلاد في المشرق ثم عاد إلى الأندلس فولي القضاء في بعض أنحائها، وله مؤلفات عديدة، توفي سنة 474 هـ رحمه الله تعالى. (الأعلام 3/ 125).
(4)
زيادة من (جـ).
(5)
نقل المصنف - رحمه الله تعالى - حكاية الباجي هذه من "أدب المفتي" باختصار، وهي عند ابن الصلاح مبهمة أيضًا، ووجدت الإمام الشاطبي قد ذكر هذه القصة مفصلة في "موافقاته" ينقلها من كتاب:"التبيين لسنن المهتدين" للباجي، أنه قال فيه: "
…
ولقد حدّثني من أوثقه أنه اكترى جزءًا من أرض على الإشاعة، ثم إن رجلًا آخر اكترى باقي الأرض، فأراد المكتري الأول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد، فأفتي المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أن لا شفعة في الإجارات، قال لي: فوردت من سفري، فسألت أولئك الفقهاء. وهم أهل حفظ في المسائل وصلاح في الدين. عن مسألتي فقالوا: ما علمنا أنها لك، إذ كانت لك المسألة أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها، فأفتاني جميعهم بالشفعة، فقضي لي بها
…
قال الباجي: وكثيرًا ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها: لعل فيها رواية، أو لعل فيها رخصة! وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به ولا طلبوه مني ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتدّ به في الإجماع أنه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه وسخطه من سخطه". ("الموافقات" للشاطبي، كتاب الاجتهاد، المسألة الثالثة، 4/ 506، 507).
(6)
انظر: "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام" 1/ 52، ونصه فيه:"واعلم أنه لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يُستفتى وكذلك الحاكم، ولا فرق بين المفتي والحاكم، إلّا أن المفتي مخبِر، والحاكم ملزِم"، وفي (جـ):"والقاضي ملزم به".
(7)
ذكر الاتفاق العلامة الآمدي ["الإحكام" 4/ 238]، وابن الحاجب. (انظر "التقرير والخبير" 3/ 350).=
وقال الإمام أبو الحسن الخطيب
(1)
في كتاب "الفتاوى"
(2)
: "المفتي على مذهب إذا أفتى بكون الشيء كذا
(3)
على مذهب إمام، ليس له أن يقلّد غيره ويفتي بخلافه لأنَّه محض تشهِّ"، وقال أيضًا
(4)
: "إنه بالتزامه مذهب إمام مكلف به ما لم يظهر له غيره، والمقلِّد
(5)
لا يظهر له، بخلاف المجتهد حيث ينتقل من أمارة إلى أمارة"، ووجّه بهذا مسألة الأصول التي حكي فيها الاتفاق
(6)
وقال
(7)
: "لا يصح التقليد في شيء مركب من اجتهادين مختلفين بالإجماع"، ومثّلوا له بما إذا توضّأ ومسح بعض شعره ثم صلَّى بنجاسة الكلب
(8)
، قال في كتاب "توقيف الحكّام على غوامض الأحكام"
(9)
:
= ولكن في دعوى اجتماع الأصوليين على ذلك نظر، فقد ذكر ابن نظام الدين وأمير بادشاه وبدر الدين الزركشي عدم صحة ما قاله ابن الحاجب والآمدي من الاتفاق على عدم جواز رجوع المقلد فيما قلد به، وبيَّنَوا أن في كلام غيرهما ما يقتضي جريان الخلاف بعد العمل أيضًا، كما في "فواتح الرحموت" 2/ 405، و"تيسير التحرير" 3/ 253 و"البحر المحيط في أصول الفقه" 6/ 324.
يقول ابن عبد العظيم المكي (- 1061 هـ) في كتابه "القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد" ص 122، 123:"إن مرادهم من قولهم: لا تقليد بعد العمل، أنه إذا عمل مرة في مسألة بمذهب في طلاق أو عتاق أو غيرهما واعتقده وأمضاه، ففارق الزوجة مثلًا واجتنبها وعاملها معاملة من حرّمت عليه، واعتقد البينونة بينه وبينها بما جرى منه من اللفظ مثلًا، فليس له أن يرجع عن ذلك ويبطل ما أمضاه ويعود إليها بتقليده ثانيًا إمامًا غير الإمام الأول الذي قلده فيها، حيث كان الثاني يرى خلاف ما رآه الإمام الأول".
(1)
هو علي بن عبد الكافي السُّبكي، الملقب بـ"تقي الدين" كان شيخ الإسلام في عصره وأحدَ الحفاظ المفسرين، ولد في مصر وارتحل إلى الشام فولي فيها القضاء، ثم عاد إلى القاهرة وتوفي فيها سنة 756 رحمه الله تعالى، وله تصانيف كثيرة. (الأعلام 4/ 302).
(2)
"فتاوى السبكي" 1/ 148.
(3)
أي: واجبًا أو مباحًا أو حرامًا، كما قاله السبكي في "الفتاوى" بدل كلمة (كذا).
(4)
المرجع السابق، الصفحة نفسها. وانظر "البحر المحيط" للزركشي 6/ 324.
(5)
في "الفتاوى": " .. يكلف به ما لم يظهر له غيره، والعامي لا يظهر له
…
".
(6)
أي وجّه الإمام السبكي بقوله: (إنه بالتزامه مذهب
…
الخ) المسألةَ الأصولية التي حكى فيها الآمدي وابن الحاجب الاتفاق، وهي جواز الرجوع عن التقليد قبل العمل لا بعده، فقال السبكي بعدما نقل ذلك عنهما:"هذا وجه ما قالاه ولا بأس به" إلا أنه كان قد توقف عند دعوى الاتفاق وقال: "فيها نظر". انظر "فتاوى السبكي" 1/ 148.
(7)
"فتاوى السبكي"، المسألة الخامسة، الحالة السادسة، 1/ 147، والنقل عند المصنف بالمعنى. وفي (ج): " وقالوا
…
"، تحريف.
(8)
"قال ابن حجر: ولا يجوز العمل بالضعيف في المذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكًا في طهارة الكلب، والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة"، كذا في:"حاشية البجيرمي على الخطيب" 1/ 51.
(9)
كتاب "توقيف الحكام على غوامض الأحكام" لشهاب الدين أحمد بن عماد الأقفهسي المصري=
"بطلت بالإجماع"، وقال فيه:"والحكم الملفق باطل بإجماع المسلمين (1)، فلو أثبت الخطَّ مالكي فحكم شافعي لم ينفذ"
(2)
، وذكر مثالًا آخر وقال:"وكثير من جهلة القضاة يفعلون ذلك"، يعني الحكم الملفّق
(3)
.
فقال بعض من لا يدري مراد العلماء: قد قالوا: إن الإمام متى كان في جانب وهما في جانب
(4)
فالمفتي والقاضي بالخيار، فقلت: ليس كما تزعّم
(5)
؛ قال الإمام العلامة الحسن بن منصور بن محمود الأُوْزْجَنْدي المعروف بـ" قاضي خان"
(6)
في كتاب "الفتاوى"
(7)
له: "رسم المفتي في
= الشافعي، المتوفى سنة 808 هـ رحمه الله. (كشف الظنون 1/ 508، وهدية العارفين 1/ 118). (1) انظر "التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج 3/ 351 وفيه: أن ابن عبد البر نص على عدم جواز تتبع العامي للرخص إجماعًا.
وممّن حكى الإجماع أيضًا: الشرنبلالي وصاحب الدر، لكن تبعًا للعلامة قاسم عن "توقيف الحكام"، ونقله الشيخ محمد سعيد الباني في "عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق" ص 206، 207، وفيه: "إن حكاية الإجماع على فرض استيفائها شروط النقل لم يثبت لدينا بلوغها حدّ الشهرة أو التواتر، مع أنّا وجدنا حكاية الثقات الخلافَ.
وفي كتاب "الوسم في الوشم" لشهاب الدين أحمد بن إسماعيل الحلواني المصري الشافعي (1308 هـ) ما نصه: اشتراط عدم التلفيق هو المعتمد عندنا وعند الحنفية والحنابلة، فلا يجوز في عبادة ولا غيرها، والقول بجوازه ضعيف جدًا، حتى قال العلامة ابن حجر وغيره: إنه خلاف الإجماع، كأنهم لم يعتدوا بالخلاف لشدة ضعفه، أو أرادوا بالإجماع اتفاق الأكثر من أهل المذهب، لما عرفت ممّا مرّ أن في كل مذهب قولًا بجوازه". (عمدة التحقيق ص 209).
فالإجماع المدعى غير قطعي، وهو باعتبار الأكثر والغالب، أو باعتبار اتفاق أهل المذهب
…
(2)
وفي نسخة (جـ): "فلو أثبت مالكي فحكم، لم ينفذ".
(3)
ما مرّ من كلام المصنف - رحمه الله تعالى - نقلًا عن كُتُب القضاء والفتاوى والأصول، أي من قوله: "وقد قال في كتاب أصول الأقضية
…
الخ " ص 121 إلى هنا، وهو زيادة على أصل الكتاب عندما أُلف، بمعنى أن المؤلف وضع هذه الزيادة وأضافها إلى نسخته بعد مدّة من إنهاء التصنيف. يدل على ذلك ما في نسخة الأصل، حيث كان ناسخها - وهو تلميذ ابن قطلوبغا - قد قرأ الكتاب على المؤلف، ثم ألْحَق بعد ذلك ورقة بالكتاب وفيها الإضافة المشار إليها، وكتب في آخرها: "زاده المصنف في كتابه"، انظر المثيلات ص 108، وهذه الزيادة مثبتة في سائر النسخ، كذلك.
وبهذه الملاحظة يظهر للمتأمل كيف توسّع المؤلف في إيراد أقوال المذاهب الأخرى لتأييد وجهة نظره، بعد أن كان قد اقتصر في جُلِّ كلامه على المذهب الحنفي.
(4)
الإمام؛ عند الإطلاق في كتب الحنفية هو الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه، وقد يطلقون عليه لفظ الإمام الأعظم تمييزًا له عن سواه من الأئمة المجتهدين في المذهب، وضمير المثنى بعد ذكر الإمام يقصد به الصاحبان أبو يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهما الله.
(5)
وفي "الطرز المذهب" - مخطوط ملحق بنسخة (د) وقد نقل فيه مؤلفه من مقدمة التصحيح: "فقلت ليس الأمر كما يزعم".
(6)
هو الحسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأُوْزْجَنْدي الفَرْغاني، الملقب بـ "فخر الدين"، المعروف بـ"قاضي خان" الإمام الكبير المجتهد. شَرَح "الجامع الصّغير والكبير" للشيباني، و"أدبَ القاضي" للخصاف، وله "الفتاوى" و"الواقعات" وغير ذلك. توفي سنة 592 هـ رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 93، 94، رقم 485، تاج التراجم ص 151، رقم 87، والفوائد البهية ص 111، رقم 123، الأعلام 2/ 224).
(7)
وصف صاحب "الكشف""فتاوى قاضي خان" بقوله: "هي فتاوى مقبولة معمول بها، متداولة بين أيدي العلماء والفقهاء، وكانت هي نصب عين من تصدر للحكم والإفتاء. ذكر في هذا الكتاب جملة من المسائل التي يغلب وقوعها وتمسّ الحاجة إليها وتدور عليها واقعات الأمة". ("كشف الظنون" 2/ 1227).
زماننا من أصحابنا إذا استفتي عن مسألة:
إن كانت مروية عن أصحابنا في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم فإنه يميل إليهم ويفتي بقولهم، ولا يخالفهم برأيه، وإن كان مجتهدًا متقنًا
(1)
؛ لأن الظاهر أن يكون الحق مع أصحابنا ولا يعدوهم، واجتهاده لا يبلغ اجتهادهم، ولا يَنظر إلى قول مَن خالفهم ولا يقبل حجته؛ لأنهم عرفوا الأدلّة وميّزوا بين ما صحّ وثبت وبين ضده.
وإنْ كانت المسألة مختلفًا
(2)
فيها بين أصحابنا، فإن كان مع أبي حنيفة أحدُ صاحبيه، يأخذ بقولهما، لوفور الشرائط واستجماع أدلة الصواب فيها، وإن خالف أبا حنيفة صاحباه في ذلك؛ فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان، كالقضاء بظاهر العدالة، يأخذ بقول صاحبيه لتغير أحوال الناس
(3)
،
(1)
قال الإمام علاء الدين الكاساني رحمه الله تعالى: "لو أفضى راْي المجتهد إلى شيء، وهناك مجتهد آخر أفقه منه له رأي آخر فأراد أن يعمل برأيه من غير النظر فيه، وترجح رأيه بكونه أفقه منه، هل يسعه ذلك؟ ذكر في كتاب "الحدود" أن عند أبي حنيفة يسعه ذلك، وعندهما لا يسعه إلا أن يعمل برأي نفسه. وذكر في بعض الروايات هذا الاختلاف على العكس
…
وهذا يرجع إلى كون أحد المجتهدين أفقه، من غير النظر في رأيه، هل يصلح مرجِّحًا؟ من قال يصلح مرجحًا قال يسعه، ومن قال لا يصلح قال [لا] يسعه". (بدائع الصنائع 7/ 4، 5، مع زيادة "لا" - بين الحاصرتين - ليستقيم المعنى).
وهذا خلافٌ في المسألة كما ترى، وجلّ ما ذكر ابن قطلوبغا في مقدمته هذه تبعًا لقاضي خان، يرتكز على أساس أحد القولين، وهو أخذ المجتهد بقول من هو أفقه منه، واعتبار ذلك من جنس الدليل وصلاحيته للترجيح ..
وأحسب أن أنصار هذا الرأي وجدوه أجدر للتطبيق عندما عزّ التسليم للمجتهد بالاجتهاد خوفًا من تسلسل الأدعياء، واعتماد ذلك في الفتوى والقضاء يسهّل أو يساعد على ضبط كثير من المسائل. ولكنْ قد يكون هذا التوجّه أيضًا هو من جملة ما ساعد على جمود الفقه الإسلامي في حقبٍ طويلة! والله تعالى أعلم.
(2)
في مخطوطة الأصل: "مختلف" خطأ.
(3)
قال العلامة المحقق ابن عابدين رحمه الله تعالى: "كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا=
وفي المزارعة والمعاملة ونحوها
(1)
يختار قولهما لاجتماع المتأخرين على ذلك، وفيما سوى ذلك يخيّر المفتي المجتهد
(2)
ويعمل بما أفضى إليه رأيه، وقال عبد الله بن المبارك
(3)
: يأخذ بقول أبي حنيفة
(4)
.
وإن كانت المسألة في غير ظاهر الرواية، إن كانت توافق أصول أصحابنا يعمل بها، وإن لم يجد لها رواية عن أصحابنا واتفق فيها المتأخرون على شيء يعمل به، وإن اختلفوا يجتهد ويفتي بما هو الصواب عنده.
وإن كان المفتي مقلدًا
(5)
غير مجتهد، يأخذ بقول من هو أفقه الناس عنده
(6)
ويضيف الجواب إليه، فإن كان أفقه الناس عنده في مصر آخر يرجع
= للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام، ولهذا ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نصّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه". (رسالة العرف، ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 123).
(1)
في (ب): "ونحوهما"، وهو الموافق لما في "الفتاوى".
(2)
قال صاحب المحيط بعد أن ذكر مثل هذا القول: "وإن كان أبو حنيفة رحمه الله، أعلى رتبة، لأنه قد يُرزق الرجل الصواب وإن كان غيره أعلى رتبة، فإنّ إدراك الصواب فضيلة يرزقه الله تعالى من عباده من يشاء. وإن لم يكن من أهل الاجتهاد يأخذ بقول أبي حنيفة، ولا يترك مذهبه لأنَّه أفقه عنده من غيره". (المحيط البرهاني 4/ 130 - مخطوط -).
(3)
هو عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن المَرْوَزي الحَنْظَلي، الإمام الرباني الزاهد الفقيه المحدث، المولود سنة 118 هـ. مات بِهِيت (على الفرات) منصرفًا من غزو الروم، سنة 181 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 324 - 326 رقم 720، الفوائد البهية ص 175 - 177، رقم 223، الأعلام 4/ 115).
(4)
فقد علم مما تقرر أنه لا يخيّر المفتي بإطلاق عندما يكون الإمام في جانب والصاحبان في جانب، بل إن ذلك بالنسبة إلى المجتهد خاصة، وعلى قول ابن المبارك لا تخيير بحال.
ويقول العلامة ابن عابدين في رسالته "رسم المفتي" 1/ 26، 27:"والحاصل أنه إذا اتفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب لم يجز العدول عنه إلا لضرورة، وكذا إذا وافقه أحدهما. وأما إذا انفرد عنهما بجواب وخالفاه فيه، فإن انفرد كل منهما بجواب أيضًا بأن لم يتفقا على شيء واحد، فالظاهر ترجيح قوله أيضًا. وأما إذا خالفاه واتفقا على جواب واحد، حتى صار هو في جانب وهما في جانب، فقيل: يرجح قوله أيضًا، وهذا قول الإمام عبد الله بن المبارك، وقيل: يخير المفتي مطلقًا، والأصح: التفصيل بين المجتهد وغيره". وانظر "موجبات الأحكام ووقعات الأيام" لابن قطلوبغا ص 194، 195.
(5)
قال العلامة ابن عابدين: "وقول قاضي خان (وإن كان المفتي مقلدًا غير مجتهد
…
الخ) يفيد أن المقلد المحض ليس له أن يفتي فيما لم يجد فيه نصًا عن أحد
…
وفي الظهيرية: وإن لم يكن من أهل الاجتهاد لا يحل له أن يفتي إلا بطريق الحكاية فيحكي ما يحفظ من أقوال الفقهاء". (رسالة رسم المفتي 1/ 33، 34).
(6)
"تيسير التحرير" 4/ 251، و"المستصفى" 2/ 391.
إليه بالكتاب ويتثبّت في الجواب، ولا يجازف خوفًا من الافتراء على الله تعالى لتحريم الحلال وضدّه
(1)
".
وذكر في "المحيط" نحوه في القاضي
(2)
.
وقال الإمام العلامة أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني
(3)
في كتاب "البدائع"
(4)
له: "إن القاضي إن كان من أهل الاجتهاد، وأفضى رأيه إلى شيء
(1)
انتهى ما نقله المصنف من "فتاوى قاضي خان" 1/ 2، 3. وجاءت الجملة الأخيرة في "الطراز المذهب" نقلًا عن "التصحيح" كما يلي:"ولا يجازف خوفًا من الاجتراء على الله بتحريم حلال وضده".
(2)
انظر "المحيط البرهاني"، كتاب القضاء، الفصل الثالث في ترتيب الدلائل للعمل بها 4/ 129 - مخطوط. تأليف الإمام برهان الدين محمود بن الصدر الكبير تاج الدين أحمد بن برهان الدين عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري (- 616 هـ)، وكثيرًا ما يغلط فيه الطلبة - كما يقول الإمام اللكنوي - فيظنون أن صاحب "المحيط البرهاني" هو رضي الدين محمد بن محمد السرخسي مصنف "المحيط" أيضًا، وقد صرح ابن أمير الحاج في "حلية المحلى شرح منية المصلي" أن المراد بالمحيط حيث أطلق في الكتب المتداولة:"المحيط البرهاني". انظر (كشف الظنون 2/ 1619، والفوائد البهية ص 314، في الترجمة رقم 408).
واقتصر ابن قطلوبغا في "تاج التراجم" ص 248 على ذكر "محيط السرخسي"، وذكر مصنِّفَه بقوله:"رضيّ الدين برهان الإسلام .. "، وقد تبع في ذلك الشيخَ عبد القادر القرشي في كتابه "الجواهر المضية"، ويرجّح محقق "الجواهر" د. عبد الفتاح الحلو، أن يكون صاحب "الجواهر" قد خلط بين صاحب "المحيط البرهاني" ومؤلف "المحيط السرخسي"(أو الرضوي نسبة لرضي الدين، لقبه)، الأمر الذي جعله يذكر لمحمد بن محمد السرخسي لقبين، وكان الصواب الفصل بينهما؛ فقوله في ترجمته (رضي الدين) صحيح، وقوله بعده (برهان الإسلام) إنما هو لقب صاحب "المحيط البرهاني". انظر (الجواهر المضية مع الهامش 1/ 130، 131 و 4/ 364).
وقد يكون أحد أسباب نشوء هذا الإشكال أن مؤلفَي المحيطين - البرهاني والرضوي - كانا تلميذين للصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز البخاري ويرِد ذكر اسمه في الكتابين.
ففي "المحيط البرهاني" 1/ 31 - مخطوط -: "
…
وقد وصل إلينا أن هذه المسألة صارت واقعة، فاختلف فيها فتوى الصدر الشهيد حسام الدين - عمّي - وفتوى القاضي الإمام جمال الدين الريغذموني - خالي - رحمهما الله
…
الخ".
وفي "الجواهر المضية" 3/ 358، 359:"ذكر الإمام رضي الدين في "المحيط" في باب الوصية بمثل النصيب، قال: حكى أستاذنا الإمام الأجل حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازه عن والده برهان الدين رحمه الله أن طريق حساب الخطأين عُرفت بالوحي". وانظر الجواهر 2/ 437.
(3)
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين ملك العلماء، مصنف "البدائع" الكتاب الجليل، تفقه على علاء الدين السمرقندي وقرأ عليه معظم تصانيفه، وكان له وجاهة وخدمة وشجاعة وكرم. توفي سنة 587، ودفن داخل مقام إبراهيم الخليل بحلَب، رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 4/ 2825، رقم 1900، تاج التراجم ص 327، 329، رقم 327، الفوائد البهيّة ص 91، 92، رقم 93، الأعلام 2/ 70).
(4)
هو كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" شرح به مصنفه - الكاساني - كتابَ شيخه الإمام علاء=
يجب عليه العمل به .. أما إذا لم يكن من أهل الاجتهاد، فإن عرف أقاويل أصحابنا وحفظها على الإحكام والإتقان
(1)
عمل بقول من يعتقد قوله حقًّا على التقليد، وإن لم يحفظ أقاويلهم عمل بقول أهل الفقه في بلده من أصحابنا، وإن لم يكن في البلد إلا فقيه واحد من أصحابنا
(2)
يسعه أن يأخذ بقوله".
وقال أيضًا في صفة القضاء: "وأن يكون القضاء لله تعالى خالصًا؛ لأن القضاء عبادة، والعبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى"
(3)
.
وقال برهان الأئمة
(4)
في "شرح أدب القضاء" للخصاف
(5)
: "وينظر القاضي في فصلين أحدهما المتفق عليه فيقضي به؛ لأن الحق لا يعدو قول أصحابنا، والثاني: المختلف فيه، فقال عبد الله بن المبارك: يأخذ بقول أبي حنيفة؛ لأنَّه رأى الصحابة
(6)
وزاحم التابعين في الفتوى، فقوله أسدّ وأقوى،
= الدين السمرقندي "تحفة الفقهاء" شرحًا عظيمًا - كما يقول صاحب "كشف الظنون" 1/ 371 - وقال: "وهذا الشرح تأليف يطابق اسمه معناه".
والكلام المنقول عنه هنا هو في الجزء السابع منه ص 4، 5.
(1)
في "البدائع": "وحَفِظها على الاختلاف والاتفاق"، والمثبت من النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ).
(2)
كذا في النسخ المخطوطة، وفي "البدائع":"وإن لم يكن في البلد إلا فقيه واحد، من أصحابنا مَن قال: يسعه أن يأخذ بقوله، ونرجو أن لا يكون عليه شيء .. "، وهذه العبارة أصح.
(3)
لم أجد هذا النقل في "البدائع" باللفظ المذكور، وفيه 7/ 4 ما نصه:"إن القضاء بالحق إذا أراد به وجه الله سبحانه وتعالى يكون عبادة خالصة، بل هو من أفضل العبادات".
(4)
هو عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه، برهان الأئمة، حسام الدين المعروف بـ" الصدر الشهيد" الإمام ابن الإمام، والبحر ابن البحر، كان مبرزًا في المعقول والمنقول، وأقر بفضله الموافق والمخالف، كانت ولادته سنة 483، وعاش مدة محترمًا إلى أن رزق الشهادة سنة 536 رحمه الله تعالى. صنف "الفتاوى الصغرى" و"الكبرى" و"الواقعات" وغيرها. (الجواهر المضية 2/ 649، 650، رقم 1053، تاج التراجم ص 217، 218، رقم 181، الفوائد البهية ص 242، رقم 291، الأعلام 5/ 51).
(5)
كتاب "أدب القاضي": للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف (- 261 هـ)، رُتب على مئة وعشرين بابًا، وهو كتاب جامع، غاية ما في الباب، ونهاية مآرب الطلاب، ولذلك تلقَّوه بالقبول، وشرحه فحول أئمة الفروع والأصول، منهم: الإمام برهان الأئمة المعروف بالحسام الشهيد، وهو المشهور المتداول اليوم من بين الشروح. (كشف الظنون 1/ 46، وانظر ترجمة الخصاف في الجواهر المضية 1/ 230، 232، رقم 160، وتاج التراجم ص 97، 98، رقم 18، والفوائد البهية ص 56، رقم 43).
(6)
قال الشيخ عبد الله القرشي (- 775 هـ) في "الجواهر المضية" 1/ 54، في ترجمة الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى: "ادعى بعضهم أنه - أي أبا حنيفة - سمع ثمانية من الصحابة، وقد جمعهم غير واحد في جزء، وروينا هذا الجزء عن بعض شيوخنا، وقد جمعت أنا جزءًا في بيان استحالة ذلك من بعضهم، وهذا طريق الإنصاف، وذكرت في هذا الجزء من سمعه من الصحابة ومن رآه،=
ما لم يكن اختلاف عصر وزمان، وقال المتأخرون يستفتي"
(1)
.
وقال في "شرح الهداية"
(2)
بعدما نقل الخلاف في قضاء المجتهد بخلاف رأيه، أن الفتوى على عدم النفاذ في الوجهين، يعني النسيان والعمد
(3)
، ثم قال: "والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما؛ لأن التارك لمذهبه عمدًا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل، وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلّا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره، هذا كله في القاضي المجتهد.
فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة مثلًا، فلا يملك المخالفة، فيكون معزولًا بالنسبة إلى ذلك الحكم"
(4)
.
وقال في القنية
(5)
عن "المحيط" وغيره: "اختلاف الروايات في قاضٍ
= وذكرت عن الخطيب أنه رأى أنس بن مالك، ورددت قول من قال إنه ما رآه، وبيّنت ذلك بيانًا شافيًا، والحمد لله".
وانظر مقدمة "جامع مسانيد الإمام" لأبي المؤيد الخوارزمي، النوع الثالث في أنه روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 4 - 38.
(1)
انظر: "شرح أدب القاضي" للخصاف، تأليف عمر بن عبد العزيز بن مازه، 1/ 190 - 192.
(2)
هو الشرح المسمى بـ"فتح القدير" للعلامة المحقق الكمال بن الهمام (- 861 هـ) وهو الشرح المقصود من بين شروح "الهداية"، عند الإطلاق في هذا الكتاب، حتى إن المؤلف قد يعنيه بقوله: (قال في الشرح
…
). وهو شرح جليل على "الهداية" - الكتاب المشهور في فروع الحنفية -، وصل فيه مؤلفه إلى كتاب الوكالة، ثم أكمله المولى شمس الدين أحمد المعروف بـ"قاضي زاده"(- 988 هـ) وسماه "نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار". (كشف الظنون 2/ 2034).
(3)
قال في "فتح القدير" لابن الهمام 7/ 304 - 306 (طبعة دار الفكر): "لو قضى في المجتهد فيه مخالفًا لرأيه ناسيًا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة رحمه الله، وإن كان عامدًا ففيه روايتان، ووجه النفاذ: أنه ليس بخطأ بيقين. وعندهما: لا ينفذ في الوجهين لأنَّه قضى بما هو خطأ عنده، وعليه الفتوى. قال الشارح: .. ذَكَر المصنف كصاحب المحيط، الفتوى على قولهما، وذكر في "الفتاوى الصغرى" أن الفتوى على قول أبي حنيفة، فقد اختلف الفتوى. والوجه في هذا الزمان .. " إلى آخر ما نقل المصنف هنا.
وقال الإمام السرخسي (- 490 هـ) رحمه الله تعالى: "على أصل أبي حنيفة: إذا كان عند مجتهد أن من يخالفه في الرأي أعلم بطريق الاجتهاد، وأنَّه مقدم عليه في العلم فإنه يدع رأيه لرأي من عرف زيادة قوة في اجتهاده، كما أن العامي يدع رأيه لرأي المفتي المجتهد لعلمه بأنه متقدم عليه
…
وعلى قول أبي يوسف ومحمد: لا يدع المجتهد في زماننا رأيه لرأي من هو مقدم عليه في الاجتهاد من أهل عصره لوجود المساواة بينهما في الحال وفي معرفة طريق الاجتهاد". (أصول السرخسي 2/ 108).
(4)
قارن بما ذكره ابن قطلوبغا في كتابه "موجبات الأحكام وواقعات الأيام" ص 194.
(5)
قال في "كشف الظنون" 2/ 1357: "قنية المنية" على مذهب أبي حنيفة، للشيخ الإمام أبي الرجاء نجم الدين مختار بن محمود الزاهدي الحنفي، انظر ترجمته ص 137، ت 2.=
مجتهد إذا قضى على خلاف رأيه
(1)
، والقاضي المقلد إذا قضى على خلاف مذهبه لا ينفذ".
وقال أبو العباس أحمد بن إدريس
(2)
: "هل يجب على الحاكم أن لا يحكم إلا بالراجح عنده، كما يجب على المفتي أن لا يفتي إلا بالراجح عنده، أو له أن يحكم بأحد القولين وإن لم يكن راجحًا عنده؟
جوابه: أن الحاكم إن كان مجتهدًا فلا يجوز له أن يحكم ويفتي إلا بالراجح عنده، وإن كان مقلدًا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحًا عنده، مقلدًا في رجحان القول المحكوم به إمامه الذي يقلده، كما يقلده في الفتوى، وأما اتباع الهوى في الحكم أو الفُتْيا فحرام إجماعًا، وأما الحكم أو الفتيا بما هو مرجوح فخلاف الإجماع"
(3)
. [انتهى]
= ذكر في أولها أنه استصفاها من "منية الفقهاء" لأستاذه بديع بن أبي منصور العراقي، وسماها:"قنية المنية لتتميم الغنية".
(1)
قال في "المحيط" في كتاب القضاء، الفصل التاسع عشر في القضاء في المجتهدات 4/ 156 - مخطوط:"قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله: .. ذكر الخلاف في بعض المواضع في نفاذ القضاء، وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حل الإقدام على القضاء .. ، فوجه من قال بعدم النفاذ أنه زعم فساد قضائه فيعامل في حقه بزعمه، وجه من قال بالنفاذ أنه قضى في محل الاجتهاد فينفذ قضاؤه كما لو قضى برأي نفسه .. ".
(2)
هو الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القَرَافي المصري المالكي، المولود سنة 626، والمتوفى سنة 684 هـ رحمه الله، له تواليف ممتعة، منها:"الفروق والإحكام والذخيرة في الفقه المالكي". (الأعلام 1/ 95).
(3)
انظر: "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" للإمام القرافي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، السؤال الثاني والعشرون، ص 92، 93. وذكر المحقق في الهامش أن العلامة الشيخ عليش - رحمه الله تعالى - نقل هذا السؤال وجوابه في فتاواه "فتح العلي المالك" 1/ 58، 59 ثم أتبعه بقوله: "فانظر وتأمل قول القرافي - رحمه الله تعالى - كيف منع المجتهد من الحكم والفتيا إلّا بالراجح عنده، وأجاز للمقلد أن يفتي أو يحكم بالمشهور وإن لم يكن راجحًا عنده ولا صحيحًا في نظره، مع كونه أهلًا للنظر وعارفًا بطرق الترجيح وأدلة التشهير والتصحيح، فإذا نظر ورجَحَ عنده غير المشهور جاز له أن يفتي بغير الراجح عنده إن كان مشهورًا عند إمامه، وإن كان شاذًّا مرجوحًا في نظره، لكونه يقلد في ترجيح المشهور إمامه الذي قلده في الفتوى
…
إلى أن يقول - الشيخ عليش -:
فإن قلتَ: قوله (أما الحكم والفتوى بما هو مرجوح فخلاف الإجماع)، يناقض قولَه (فإن كان مقلدًا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه وأن يحكم به وإن لم يكن راجحًا عنده) ومدافعٌ له؛ قلتُ: الذي حكي الإجماع على تحريمه ومنعه إنما هو أن لا يفتي بالراجح في نظره ولا في نظر مقلَّده وإمامه معًا، والذي جُوّز فيه الحكم والفتوى بالمرجوح إنما هو إذا كان راجحًا في نظر متبوعه، مرجوحًا في نظره هو، فلم يخرج في محل الجواز عن الراجح جملة، وفي محل الإجماع قد خرج عنه جملة، والله أعلم".
فقال من لا يدري مراد العلماء: قد فُقد المجتهد والأفقَه!
قلت: ففيما فيه الروايات نعمل بقول ابن المبارك
(1)
، على أن المجتهدين لم يُفقدوا حتى نظروا
(2)
في المختلف ورجّحوا وصحّحوا، فشهدت مصنفاتهم بترجيح دليل أبي حنيفة والأخذ بقوله، إلا في مسائل يسيرة اختاروا الفتوى فيها على قولهما أو قول أحدهما وإن كان الآخر مع الإمام، كما اختاروا قول أحدهما فيما لا نص فيه للإمام للمعاني التي أشار إليها القاضي
(3)
رحمه الله بل اختاروا قول زُفَر في مقابلة قول الكل لنحو ذلك
(4)
. وترجيحاتهم وتصحيحاتهم باقية، فعلينا اتباع الراجح والعمل به كما لو أفتونا به في حياتهم.
قيل: ففي غير الروايات عن الأئمة قد يحكون أقوالًا بلا ترجيح، وقد
(1)
انظر قول عبد الله بن المبارك ص 126 وص 128، وفي "ردّ المحتار" 1/ 60 (طبعة دار الفكر):"قال عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى.: ليس أحد أحق أن يقتدى به من أبي حنيفة؛ لأنَّه كان إمامًا تقيًا ورعًا عالمَا فقيهًا، كشف العلم كشفًا لم يكشفه أحد، ببصر وفهم وفطنة وتُقى".
(2)
لا يُعد ذلك إقرارًا من المؤلف بعدم وجود المجتهد، بل إنه على فرض صحة كلام الذين قصدهم بقوله (قال من لا يدري مراد العلماء: قد فُقد المجتهد .. )، وسيشير رحمه الله إلى أنه لا يخلو الوجود عن نوع اجتهاد حقيقة .. (انظر ص 132).
بل إن العلامة ابن عابدين جعل الشيخ قاسمًا نفسَه من أهل تلك الكتيبة! وذلك لما أورده في رسالته المسماة "رفع الاشتباه عن مسألة المياه" حيث يقول فيها المصنف: "لما منع علماؤنا - رضي الله تعالى عنهم - مَن كان له أهلية النظر مِن محض تقليدهم
…
تتبعت مآخذهم وحصلت منها - بحمد الله تعالى - على الكثير، ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المصنفين .. الخ"، وقال في رسالة أخرى: "وإني - ولله الحمد - لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه: لا يقلد إلا عصبي أو غبي". انظر "رسم المفتي" 1/ 32.
(3)
انظر ما مرّ عن قاضي خان ص 125، 126.
ونقل صاحب "رسم المفتي" عن رسالة "رفع الغشاء في وقت العصر والعشاء" أنه لا يرجَّح قول صاحبيه أو أحدهما على قوله [أي أبي حنيفة] إلّا لموجب وهو إما ضعف دليل الإمام، وإما للضرورة والتعامل، كترجيح قولهما في المزارعة والمعاملة، وإما لأن خلافهما له بسبب اختلاف العصر والزمان، وأنَّه لو شاهد ما وقع في عصرهما لوافقهما كعدم القضاء بظاهر العدالة. (رسائل ابن عابدين 1/ 27).
(4)
قال العلامة ابن عابدين في "حاشيته" 1/ 71 (دار الفكر): "وفي شرح البيري: إن الفتوى على قول زفر في سبع عشرة مسألة حررتها في رسالة".
قلت: هي رسالة "القول الأزهر فيما يفتى به بقول الإمام زفر" لإبراهيم بن حسين بن أحمد البيري المكي (1099 هـ) كما في "هدية العارفين" 1/ 34. ولابن عابدين منظومة فريدة من اثنين وعشرين بيتًا في المسائل التي يفتى بها بقول زفر، ذكَرها في "رد المحتار" في باب النفقة 3/ 608، 609 (طبعة دار الفكر)، فانظرها هناك إن شئت.
يختلفون في التصحيح، قلت: نعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف وأحوال الناس
(1)
وما هو الأرفق بالناس وما ظهر عليه التعامل وما قوي وجهه، ولا يخلو الوجود ممّن يميّز هذا حقيقة لا ظنًا بنفسه
(2)
، فيرجع من لم يميّز لمن يميز، لبراءة ذمته
(3)
.
ولمّا تمّ لي هذا النظر، أحببت أن أضع على المختصرات التي تحفظ في هذا الزمان تصحيحات معزوّة إلى قائلها أو ناقلها، كما فعله الأئمة من الشافعية لمختصراتهم، وإن كان ذلك موجودًا في الشروح والمطولات إلا أنهم أسعفوا بذلك من لم يصل إلى تلك
(4)
.
(1)
قال العلامة ابن عابدين: "إن جمود المفتي أو القاضي على ظاهر المنقول مع ترك العرف والقرائن الواضحة، والجهل بأحوال الناس، يلزم منه تضييع حقوق كثيرة، وظلمُ خلق كثيرين". (رسالة رسم المفتي 1/ 47).
(2)
كذا في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ)، وفي "الطراز المذهب" - نقلًا عن "التصحيح" - قال:"لا ظنًّا بتبعيّة"، وهو أولى ..
(3)
كلام المصنف في رسم المفتي هنا، قريب مما نقله عن قاضي خان من مقدمة "فتاواه" أنه إذا اختلف المتأخرون ولم توجد رواية عن أئمة المذهب، فلا يبقى إلا الاجتهاد، أو سؤال الأفْقَه .. وقد نقل ابن عابدين عن "الحاوي القدسي" أنه إذا تكلم المشايخ المتأخرون في مسألة قولًا واحدًا يؤخذ به، فإن اختلفوا: يؤخذ بقول الأكثرين مما اعتمد عليه الكبار المعروفون كأبي حفص وأبي جعفر وأبي الليث والطحاوي وغيرهم فيعتمد عليه، وإن لم يوجد منهم جواب البتة نصًا، ينظر المفتي فيها نظر تأمل وتدبر واجتهاد .. وعن "التاترخانية": وإن اختلف المتأخرون أخذ بقول واحد، فلو لم يجد من المتأخرين، يجتهد برأيه إذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور أهله. اهـ من "رسم المفتي" لابن عابدين 1/ 33.
(4)
وهذه بعض المختصرات في الفقه الشافعي، وما أُلّف عليها من كتب التصحيح: كتاب "التنبيه" للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (- 476 هـ) وهو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية، صنف عليه الإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي (- 676 هـ)"تصحيح التنبيه"، وللإمام جمال الدين محمد بن الحسين الأسنوي (- 777 هـ)"تصحيح التنبيه" أيضًا، وهو مختصر سماه:"تذكرة النبيه" وهذه الثلاثة مطبوعة. وصنف الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقن (- 804 هـ) كتاب "إرشاد النبيه إلى تصحيح التنبيه". انظر (كشف الظنون 1/ 489 - 492).
وكتاب "الحاوي" - الصغير - في فروع الفقه الشافعي، للشيخ نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني (- 665 هـ) وهو من الكتب المعتبرة بين الشافعية. عليه "تصحيحٌ" لشهاب الدين أحمد بن محمد بن الصاحب (- 788 هـ) وآخَر لسراج الدين عمر بن الملقن، ولشهاب الدين أحمد بن حسين بن أرسلان الرملي القدسي (- 844 هـ) تصحيح الحاوي أيضًا. انظر (كشف الظنون 1/ 625، 262).
وكتاب "التعجيز في مختصر الوجيز" لتاج الدين أبي القاسم عبد الرحيم بن محمد، المعروف بابن يونس الموصلي (- 671 هـ) وهو مختصر عجيب مشهور بين الشافعية
…
وعليه: "تصحيح التعجيز"=
وقد قال الإمام برهان الشريعة المحبوبي في أول كتابه
(1)
: "إنه حاوٍ لما هو أصح الأقاويل والاختيارات
(2)
.
= لقطب الدين محمد بن عبد الصمد السنباطي (- 722 هـ). ومثله لعثمان بن علي الحلبي، المعروف بابن خطيب جبرين (- 739 هـ)، وآخر لمحمد بن حسن الأطروش (- 784 هـ)، انظر (كشف الظنون 1/ 417، 418).
وكتاب "منهاج الطالبين" في فروع الشافعية للإمام محيي الدين النووي، شرحه سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني (- 805 هـ) و سماه "تصحيح المنهاج"، ولكل من سراج الدين عمر بن الملقن، ونجم الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن قاضي عجلون (- 876 هـ) كتاب "تصحيح المنهاج". انظر (كشف الظنون 2/ 1873 - 1875).
ولأحمد بن لؤلؤ، المعروف بابن النقيب (- 769 هـ) كتاب "ترشيح المذهب في تصحيح المهذب". انظر "هدية العارفين" 1/ 112. و"المهذب" للشيرازي كتاب في فروع الفقه الشافعي، جليل القدر. (كشف الظنون 2/ 1912، 1913).
(1)
أما الكتاب فهو "وقاية الرواية في مسائل الهداية"، مختصرٌ مفيد معتمد في المذهب الحنفي. و أما مؤلفه، فقد ذكر المصنف اسمه هنا:(برهان الشريعة المحبوبي)، وعلى هذا مشى في سائر الكتاب، وربما أطلق عليه لقب "الإمام البرهاني". وقال المصنف: في تاج التراجم: "محمود بن عبيد الله بن محمود، تاج الشريعة المحبوبي، عالم فاضل، حبْر كامل، له شرح الهداية المسمى بـ "الكفاية"، ومختصر الهداية المسمى بـ"الوقاية" اهـ من ص 291، رقم 279، فذكر اسمه محمودًا، وأن لقبه تاج الشريعة.
وإذا رجعنا إلى ما قاله بعض العلماء - ومع اتفاقهم على أن صاحب الوقاية هو جد صدر الشريعة الأصغر، صاحب النقاية - لتبين أنهم اختلفوا في اسم ولقب صاحب الوقاية، واختلفوا هل هو جد صدر الشريعة الأصغر من جهة أمه أو من جهة أبيه؟
ذكر حاجي خليفة أن "الوقاية" للإمام برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة الأول عبيد الله المحبوبي .. صنّفه لابن بنته صدر الشريعة الثاني. (كشف الظنون 2/ 2020. ولم يذكر سنة وفاته). وقال البغدادي في هدية العارفين 2/ 406: "برهان الشريعة: محمود بن صدر الشريعة الأول عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي .. المتوفى في حدود سنة 673، له "وقاية الرواية في مسائل الهداية"، - وكان قد قال قبل ذلك 1/ 787 - : تاج الشريعة عمر بن صدر الشريعة الأول أحمد بن جمال الدين عبيد الله المحبوبي، المتوفى سنة 673"!
وحقق الإمام اللكنوي - رحمه الله تعالى - نسب صدر الشريعة الأصغر أنه: عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة محمود بن صدر الشريعة أحمد
…
وقال إن تاج الشريعة هو الذي صنف الوقاية صنفها لأجل ابن ابنه صدر الشريعة - عبيد الله.، وذكر أن أب والدته هو برهان الدين ..
ثم قال في نهاية تحقيقه الطويل: "وبالجملة، فهذا المقام مما زلت فيه أقدام الأعلام، واختلفت فيه أقلام الكرام، ولعل القدر الذي فصلته في ترجمته مما لم يطلع عليه أكثر العظام". انظر (الفوائد البهية ص 185 - 188 رقم 232، ورقم 229 و 442).
(2)
ومما جاء في مقدمة كتاب "الوقاية" للمحبوبي: "
…
فألّفت في رواية كتاب "الهداية" - وهو كتاب فاخر، وبحر موّاج زاخر، كتاب جليل القدر عظيم الشأن .. - مختصرًا جامعًا لجميع مسائله، خاليًا عن دلائله، حاويًا لما هو أصح الأقاويل والاختيارات وزوائد الفتاوى والواقعات وما يُحتاج إليه من نظم الخلافيات .. موسومًا بـ"وقاية الرواية في مسائل الهداية"، واللهَ تعالى المسؤول أن ينفع به=
وقال الإمام أبو البركات النسفي
(1)
في صدر كتابه: "وأُورد في هذا الكتاب ما هو المعوّل عليه في الباب"
(2)
، فأذكر في المسائل المعروفة أنهما قد اعتمدا ذلك، وربما ذكرت من وافقهما على ذلك.
وهذا ما تيسّر على مختصر القُدوري [رحمه الله]، مع زيادات نصّ على تصحيحها القاضي الإمام فخر الدين قاضي خان في "فتاواه"، فإنه من أحق مَن يُعتمد على تصحيحه
(3)
.
والله وليّ الإعانة، وهو حسبي ونعم الوكيل.
= حافظيه والراغبين فيه عامة، والولدَ الأعز: عبيد الله خاصة، إنه خير مأمول وأكرمُ مسؤول".
(نقلته من نسخة مخطوطة للكتاب في مكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت، رقم 667).
(1)
هو عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو البركات، حافظ الدين النسفي، - نسبة إلى نَسَف من بلاد السغد فيما وراء النهر -. كان إمامًا كاملًا، زاهدًا، عديم النظير في زمانه، من تصانيفه:"كنز الدقائق" و"كشف الأسرار" و"مدارك التنزيل" المعروف بتفسير النسفي. توفي سنة 710 هـ، وقيل 701 رحمه الله. (الجواهر المضية 2/ 294، 295، رقم 692، وتاج التراجم ص 174، 175، رقم 122، والفوائد البهية ص 172 - 174 رقم 218، وانظر التعليقات السنية على الفوائد البهية ص 172، والأعلام 4/ 67، 68).
(2)
لم أجد هذه الكلمة في مقدمة مختصره المشهور "كنز الدقائق". وقد كثر اعتماد المصنف على الإمام النسفي في غالب المسائل وفي جميع الأبواب .. لكن دون أن يشير إلى أيِّ من كتبه، وربما كان قول النسفي:(وأورد في هذا الكتاب .. الخ) أي كتاب "الوافي" الذي صنفه أولًا ثم لخص منه "الكنز"، كما في مقدمة "كنز الدقائق"، وانظر (كشف الظنون 2/ 1515).
وللنسفي شرح على منظومة الإمام أبي حفص النسفي في الخلاف سماه "المستصفى" ثم اختصره وسماه "المصفى". (كشف الظنون 2/ 1867)، ومن كتبه في الفروع أيضًا:"المستوفى"، كما في "الكشف" 2/ 1675.
(3)
قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية" ص 111: "قال قاسم بن قطلوبغا في "تصحيح القدوري": ما يصححه قاضي خان مقدم على تصحيح غيره لأنَّه فقيه النفس" اهـ. ولم أجد في "التصحيح" غير ما ذكر هنا، فقد يكون النقل بالمعنى، وزيادة التعليل من أحد النساخ، والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطَّهارَة
قال اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل والمفروض في مسح الرأس مقدار النّاصية وهو ربع الرأس، لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي عليه السلام أتى سباطة قوم فبال وتوضّأ ومسح على ناصيته وخفيه. وسنن الطهارة غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء ثلاثًا إذا استيقظ المتوضئ من نومه*،
كتاب الطهارة
قوله: (إذا استيقظ المتوضئ من نومه)، الأصح أنه سنة مطلقًا، نصّ عليه في "شرح الهداية"
(1)
، وقال في "الجواهر"
(2)
: " قوله إذا استيقظ، هذا الشرط [وقع]
(3)
اتفاقًا؛ لأنَّه إذا لم يكن استيقظ وأراد الوضوء، السُّنّةُ غسل
(1)
هو شرح الكمال بن الهمام، وفيه أن القول بأنه سنة مطلقًا:"هو الأولى .. ". (فتح القدير 1/ 21).
(2)
كتاب "جواهر الفقه" لنظام الدين عمر بن علي بن أبي بكر الفَرغاني المرغيناني، وَلَدِ صاحب الهداية، تفقه على أبيه حتى برع في الفقه وصار مرجوعًا إليه في الفتوى. توفي بعد سنة 600 رحمه الله.
ذكر أنه جمع فيه من المسائل المذكورة في المختصرات كمختصر الطحاوي والتجريد للقدوري ومختصر الجصاص والإرشاد، ومختصر المسعودي وموجز الفرغاني وخزانة الفقه وجمل الفقه ورتبها على ترتيب الهداية. انظر:(كشف الظنون 1/ 615، وهدية العارفين 1/ 785، والجواهر المضية 2/ 657 رقم 1061، والفوائد البهية ص 243 رقم 293).
وقد اعتمد المصنف رحمه الله تعالى على "الجواهر" كثيرًا في هذا الكتاب، إلا أنه لم يذكر مرة اسم مؤلفه ولا شيئًا يعِين على الكشف عنه، وفي "كشف الظنون" 1/ 615 و 2/ 1868، و"إيضاح المكنون" 1/ 375 أسماء لثلاثة كتب في المذهب الحنفي تبدأ بلفظ الجواهر!
(3)
المثبت من نسخة (جـ)، وفي (أ وب):"هذا شرط اتفاقًا".
وفي "العناية شرح الهداية" 1/ 125: "خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركًا بلفظ الحديث ".
وتسمية الله تعالى* في ابتداء الوضوء،
اليدين"، وقال نجم الأئمة في الشرح
(1)
، قال في "المحيط" و"التحفة"
(2)
وجَمع نجم الأئمة البخاري
(3)
: "إنه سنّة على الإطلاق".
قوله: (وتسمية الله تعالى)، قال في "الهداية"
(4)
: " الأصح أنها
(1)
"نجم الأئمة البخاري من أقران الصدر الماضي برهان الدين، وعلاء الدين الحِمّاني والبدر طاهر. كان مدار الفتوى عليهم ببخارى وخُوَارَزم. كذا في "الجواهر المضية" 4/ 440، 441، رقم 2103، ولم أجد له ترجمة في غيره.
ولنجم الأئمة المذكور شرح على مختصر القدوري، حيث يقول المؤلف ص 342:"قال الإمام نجم الأئمة في شرحه لهذا الكتاب .. " وانظر ص 378. هذا وأغلب الظن يميل إلى أن المقصود بنجم الأئمة هو الإمام الزاهدي (انظر ترجمته ص 137 ت 2) وإن كان المعروف أن لقبه: نجم الدين، إلا أنه لم يُعرف للأول شرحًا على القدوري، بينما للزاهدي شرح نفيس عليه كما يأتي، وقد يستأنس لهذا الظن كذلك بأن المصنف قطع الاقتباس من (نجم الأئمة) في جزء كبير من (كتابه من ص 136 إلى ص 324) وهذا هو الجزء الذي لم يُذكر فيه اسم الإمام الزاهدي أيضًا (من ص 185 إلى ص 324).
(2)
هو كتاب "تحفة الفقهاء" للشيخ الإمام الزاهد علاء الدين أبي منصور، محمد بن أحمد السمرقندي، أستاذ صاحب البدائع، شيخ كبير فاضل جليل القدر، صنف كتاب "التحفة" ورتبه أحسن ترتيب، وزاد فيه على مختصر القدوري، توفي سنة 539 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 18 رقم 1151، تاج التراجم ص 252، 253، رقم 222، والفوائد البهيّة ص 260 رقم 327، كشف الظنون 1/ 371). وانظر "تحفة الفقهاء"، السُّنَن عند ابتداء الوضوء 1/ 11، 12.
(3)
هكذا في النسخ الثلاث (أ، ب، جـ) وقد يكون هو المذكور قبل قليل، وإذا كان من تحريفٍ؛ فالأقرب أن يكون لفظ "البخاري" قد حُرّف من "الخاصي"، قال عنه المصنف في "تاج التراجم" ص 319:"نجم الدين جمال الأئمة الخاصي .. جمع الفتاوى المشهورة" إذ تشابَه اللقب، وقد اعتمد المصنف رحمه الله، على هذه الفتاوى غير مرة في هذا الكتاب.
(4)
كتاب "الهداية شرح بداية المبتدي" في فروع الفقه الحنفي، لشيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر الفَرغاني المرغيناني العلامة المحقق الفقيه الحافظ، والأديب الشاعر، اْقز له أهل عصره بالفضل والتقدم، توفي سنة 593 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 627، 628، رقم 1030، الفوائد البهية ص 230 - 234، رقم 287، تاج التراجم ص 206، 207، رقم 164).
وكتابه "الهداية" هو شرح على متن له سماه "بداية المبتدي" ولكنه في الحقيقة كالشرح لمختصر القدوري وللجامع الصغير لمحمد بن الحسن. قال الشيخ أكمل الدين: "روي أن صاحب الهداية بقي في تصنيف الكتاب ثلاث عشرة سنة وكان صائمًا في تلك المدة لا يفطر أصلًا، وكان يجتهد أن لا يطلع على صومه أحد، فكان - ببركة زهده وورعه - كتابُه مقبولًا بين العلماء". وقد اعتنى به الفقهاء قديمًا وحديثًا وصنفوا عليه شروحًا كثيرة، يقول العلامة الشيخ طاشكبري زاده:"هذا الكتاب أعظم ما صنف في الفقه". (كشف الظنون 2/ 2031 - 2040)، وانظر هذه المسألة في "الهداية" 1/ 14.
والسواك* والمضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين وتخليل اللحية* والأصابع وتكرار الغسل إلى الثلاث ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة ويستوعب رأسه بالمسح ويرتب الوضوء* فيبتدئ بما بدأ الله تعالى بذكره وبالميامن. والمعاني الناقضة للوضوء كل ما خرج من السبيلين، ومن غير السبيلين: الدم والقيح والصديد إذا خرج من البدن فتجاوز
مستحبة
(1)
.. ويسمي قبل الاستنجاء وبعده، هو الصحيح"، وقال الزاهدي
(2)
: "والأكثر على أن التسمية وغسل اليدين
(3)
سنتان قبله وبعده".
قوله: (والسواك)، "الهداية"
(4)
: "والأصح أنه مستحب".
قوله: (وتخليل اللحية)، هو قول أبي يوسف، ورجّحه في "المبسوط"
(5)
.
قوله: (ويستحب للمتوضئ أن ينويَ الطهارة، ويستوعب رأسه بالمسح، ويرتّب الوضوء)، قال نجم الأئمة في شرحه: "وقد عد الثلاثة
(6)
في "المحيط" و"التحفة" من جملة السنن وهو الأصح".
(1)
قال العلامة المحقق ابن عابدين رحمه الله في حاشيته 1/ 70: "أعلم أن المشروعات أربعة أقسام: فرض وواجب وسنة ونفل، فما كان فعله أولى من تركه مع منع ترك؛ إن ثبت بدليل قطعي ففرض، أو بظني فواجب، وبلا منع ترك؛ إن كان مما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة وإلا فمندوب ونفل
…
وقال (1/ 439): "السنة قسمان: سنة هذي وهي المؤكدة، وسنة زوائد، والمستحب غيره، وهو المندوب أو هما قسمان ..
وذكر في الحاشية أيضًا 1/ 84 مطلبًا في أنه لا فرق بين المندوب والمستحب والنفل والتطوع.
(2)
هو مختار بن محمود بن محمد الزاهدي أبو الرجاء الغَزْميني، الملقب نجم الدين. كان من كبار الأئمة وأعيان الفقهاء، عالمًا كاملًا له الباع الطويل في الكلام والمناظرة، واليد الباسطة في الخلاف والمذهب. شرَحَ "القدوري" شرحًا نفيسًا نافعًا، وله "القنية" وغيرها، توفي سنة 658 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 460 - 462، رقم 1642، تاج التراجم ص 295، 296، رقم 286، الفوائد البهية ص 349 رقم 464).
(3)
في (جـ): "التسمية في غسل اليدين".
(4)
1/ 14.
وفي نسخة (جـ): "الهداية والمشكلات"، وقد يكون المقصود به "جامع المضمرات والمشكلات"، شرح مختصر القدوري، ليوسف بن عمر بن يوسف الصوفي الكادوري (- 832 هـ)، كما في كشف الظنون 2/ 1633.
(5)
إذا أطلق "المبسوط" في كتب الأحناف أريد به "مبسوط السرخسي"، وهو شرح "الكافي" للحاكم الشهيد (- 334 هـ) الكتاب المشهور المعتمد في نقل المذهب، جمع فيه مؤلفه كتب محمد بن الحسن. (تاج التراجم ص 234، 235 رقم 201، كشف الظنون 2/ 1378). وانظر ترجمة الإمام السرخسي ص 171. وانظر "المبسوط" 1/ 80.
(6)
أي النية واستيعاب الرأس بالمسح والترتيب.
إلى موضع يلحقه حكم التطهير، والقيء إذا كان ملء الفم*، والنوم مضطجعًا أو متكئًا أو مستندًا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط والغلبة على العقل بالإغماء والجنون والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود.
وفرض الغسل: المضمضة والاستنشاق وغسل سائر البدن. وسنة الغسل أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه ويزيل النجاسة إن كانت على بدنه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إلّا رجليه* ثم يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه، وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل إذا بلغ الماء أصول الشعر*. والمعاني الموجبة للغسل: إنزال المني على وجه الدفق والشهوة من الرجل والمرأة والتقاء
قوله: (والقيء إذا ملأ الفم)، "الينابيع"
(1)
: "وتكلموا في تقدير ملء الفم، والصحيح إذا كان لا يقدر على إمساكه"، وقال الزاهدي:"والأصح ما لا يمكنه الإمساك إلا بكلفة".
قوله: (إلا رجلَيْه)، قال الزاهدي:"الأصح أنه إن لم يكن في مستنقع الماء، يقدّم غسل رجليه".
قوله: (وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها وإن لم يبلغ داخل الضفائر)، قال في "الينابيع"
(2)
: "وهو الصحيح"، وفي "البدائع"
(3)
: "وهو الأصح"، وفي "الهداية"
(4)
: "وليس عليها بلّ ذوائبها، وهو الصحيح"، وفي "الجامع الحسامي"
(5)
:
(1)
كتاب "الينابيع في معرفة الأصول والتفاريع" للإمام أبي عبد الله محمد بن رمضان الرومي، شرح به مختصر القدوري، وهو شرح جامع لكثير من الفروع الفقهية، وقد فرغ منه مؤلفه رحمه الله سنة 616. (تاج التراجم 260 رقم 234، كشف الظنون 2/ 1634، هدية العارفين 2/ 405).
(2)
بياض في (أ وب) مكان كلمة "الينابيع"، وأثبتها من نسخة (جـ)، وفيها:"قال في الينابيع: وهو الأصح".
(3)
1/ 34.
(4)
1/ 20.
(5)
قال في "كشف الظنون" 1/ 563: "ذكر الصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز أن مسائل "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن من أمهات مسائل أصحابنا، فسأله بعض إخوانه أن يذكر كل مسألة من مسائله على الترتيب الذي رتبه القاضي أبو طاهر - محمد بن الدباس البغدادي - فأجاب فذكر بحذف الزوائد، وهو المعروف بجامع الصدر الشهيد، ثم سأله من لم يكفِه هذا أن يزيد فيه الروايات والأحاديث وشيئًا من المعاني فأجاب"، وفي "هدية العارفين" 1/ 783: أن للصدر الشهيد كتاب: "الجامع الصغير" في الفروع، وله "شرح الجامع الصغير" و"الكبير" للشيباني.
قلت: وقد يطلق على الصدر الشهيد لقب "الحسامي" كما هنا، اختصارًا لـ"حسام الدين"، كما يقال لكتابه "الواقعات": واقعات الحسامي. وانظر (كشف الظنون 2/ 1998).
الختانين من غير إنزال والحيض والنفاس. وسنّ رسول الله الغسل للجمعة* والعيدين والإحرام والعرفة. وليس في المذي والودي غسل وفيها الوضوء.
والطّهارة من الأحداث جائزة بماء السماء والأودية و"العيون" والآبار وماء البحار ولا تجوز الطهارة بماء اعتصر من الشجر والثمر ولا بماء غلب عليه غيره* فأخرجه عن طبع الماء كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلاء والمرق وماء الزردج*، وتجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه كماء المد وماء الذي يختلط به الأشنان والصابون
" وهو المختار"
(1)
، [وقال أبو نصر الأقطع
(2)
: "وهو الصحيح"]
(3)
.
قوله: (الغسل يوم الجمعة)، قال في "الهداية"
(4)
: "وهذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف، وهو الصحيح"
(5)
.
قوله: (غلب عليه غيره)، قال القاضي
(6)
: "ثم عند أبي يوسف تعتبر الغلبة من حيث الأجزاء لا من حيث اللون، هو الصحيح، وعلى قول محمد
(7)
تعتبر الغلبة بتغير اللون والطعم والريح"، ومثله في "الهداية".
قوله: (وماء الزردج)، الصحيح أنه بمنزلة ماء الزعفران، نص عليه في "الهداية"
(8)
، وهو اختيار الناطِفي
(9)
والسرخسي.
(1)
وفي المسألة ثلاثة أقوال - كما في "ردّ المحتار" 1/ 103، 104:"القول الأول: الاكتفاء بوصول الماء إلى أصول الشعر ولو كان منقوضًا، الثاني: الاكتفاء بالوصول إلى أصول شعرها المضفور، الثالث: وجوب بلّ الذوائب مع العصر".
(2)
هو الإمام أحمد بن محمد بن محمد أبو نصر، المعروف بالأقطع، تفقه على أبي الحسين أحمد القُدوري وشرح مختصره، برع في الفقه وأتقن الحساب، توفي سنة 474 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 311، 312، رقم 233، تاج التراجم ص 103، 104، رقم 24، الفوائد البهية ص 70، رقم 57).
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(4)
1/ 21.
(5)
قال الإمام البدر العيني (- 855 هـ) في "البناية شرح الهداية" 1/ 287: " واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه يقول غسل يوم الجمعة لليوم .. وفي "المبسوط" وهو رواية عن أبي يوسف، فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان".
(6)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 17.
(7)
قال الإمام ملّا علي القاري: "ونقل بالعكس عنهما فكان لهما روايتان". (فتح باب العناية 1/ 82).
(8)
1/ 22، وفيه أنه المروي عن أبي يوسف، رحمه الله تعالى.
(9)
هو أحمد بن محمد بن عمر أبو العباس النَّاطِفي، أحد الفقهاء الكبار، مات بالرَّي سنة 446 رحمه الله تعالى. من تصانيفه: الأجناس والفروق في مجلد، والواقعات في مجلدات، وله الهداية في الفروع. (الجواهر المضية 1/ 297، 298، رقم 221، تاج التراجم ص 102 رقم 22، كشف الظنون 2/ 2040).
والزعفران، وكل ماء وقعت فيه نجاسة لم يجز الوضوء به قليلًا كان أو كثيرًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ الماء من النجاسة فقال:"لا يبولَنَّ أحدُكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة" فقال عليه السلام: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده"، وأما الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها [أثر] لأنها لا تستقر مع جريان الماء، والغدير العظيم* الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك طرف الآخر إذا وقعت فيه نجاسة في أحد
قوله: (والغدير العظيم)، ظاهر الرواية يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى، قال الإمام الزاهدي:"وأصح حدّه ما لا يخلص بعضه إلى بعض لظن المبتلى واجتهاده، ولا يُناظَر المجتهِدُ فيه"، وهذا الأصح عند الكَرْخي
(1)
وصاحب "الغاية"
(2)
و"الينابيع" وجماعة. وأخذ أبو سليمان
(3)
بعشر في عشر، وقال العتّابي
(4)
وصاحب الهداية: "الفتوى على هذا"
(5)
.
(1)
هو عبيد الله بن الحسين بن دلآل، أبو الحسن الكَرْخي، انتهت إليه رآسة أصحاب أبي حنيفة بالعراق بعد أبي خازم والبَرْدَعي. كان واسع العلم والرواية، صنف المختصر والجامع الكبير والجامع الصغير أودعهم الفقه والحديث والآثار المخرجة بأسانيده. مولده سنة 260، وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة 340 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 493، 494، رقم 894، تاج التراجم ص 200، 201، رقم 155، الفوائد البهية ص 183، 184، رقم 230).
(2)
صاحب "الغاية" هو الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم السَّروجي الحنفي، قاضي القضاة بمصر، وضع شرحًا على "الهداية" في ستة مجلدات ضخمة سماه "الغاية" انتهى فيه إلى كتاب الأيمان، توفي بالقاهرة سنة 710 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 123 - 129، رقم 66، تاج التراجم ص 107، 108، رقم 31، الفوائد البهية ص 32، رقم 10، كشف الظنون 2/ 2033، هدية العارفين 1/ 104).
وللشيخ الإمام قوام الدين أمير كاتب العميد بن أمير عمر الفارابي الإتْقاني (- 758 هـ) كتاب اسمه "غاية البيان ونادرة الأقران" وهو من شروح "الهداية" أيضا. (كشف الظنون 2/ 2033، تاج التراجم ص 138 - 140، رقم 75، الفوائد البهية ص 87 - 90، رقم 90).
(3)
أبو سليمان هو موسى بن سليمان الجُوزْجاني، صاحب الإمام محمد بن الحسن، أخذ عنه الفقه وروى كتبه، كان من الورع في الدين وحفظ الفقه والحديث بالمنزلة الرفيعة. من تصانيفه: السير الصغير وكتاب الصلاة وكتاب الرهن. توفي بعد المئتين رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 518، 519، رقم 1714، وانظر 1/ 492، تاج التراجم ص 298، 299، رقم 290، الفوائد البهية ص 354، رقم 475).
(4)
هو أحمد بن عمر زين الدين العَتّابي البخاري، الإمام العلامة الزاهد، أحد مَن سار ذكره. من تصانيفه: الزيادات والفتاوى (أو: جوامع الفقه) وشرح الجامع الصغير والكبير. توفي سنة 586، رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 298 - 300، رقم 222، تاج التراجم ص 103، رقم 23، كشف الظنون 1/ 567).
(5)
قال في "الهداية" 1/ 24: "وبعضهم قدّروا بالمساحة
…
توسعة للأمر على الناس، وعليه الفتوى".
جانبيه جاز الوضوء من جانب الآخر* لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه، وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذّباب والبراغيث والزنابير والعقارب، وموت ما يعيش في الماء* لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان. والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث، والمستعمل كل ماء أزيل به حدث أو استعمل في البدن على
قلت: لا يقوى له دليل؛ وقد قال الحاكم في "المختصر"
(1)
: "قال أبو عصمة
(2)
: كان محمد بن الحسن يوقت في ذلك بعشر في عشر ثم رجع إلى قول أبي حنيفة وقال: لا أوقت فيه شيئًا"، فظاهر الرواية أولى، والله أعلم.
قال في "الهداية"
(3)
: "والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف، وهو الصحيح".
وقوله في الكتاب: (جاز الوضوء من الجانب الآخر)، إشارة إلى أنه يتنجس موضع الوقوع، وعن أبي يوسف: لا يتنجس إلا بظهور النجاسة فيه كالماء الجاري، وقال الزاهدي:"واختلف الروايات والمشايخ في الوضوء من جانب الوقوع، والفتوى على الجواز من جميع الجوانب"
(4)
.
قوله: (وموت ما يعيش في الماء)، قال في "الهداية"
(5)
: "وفي غير الماء، قيل غير السمك يفسده لانعدام المعدِن، وقيل لا يفسده لعدم الدم، وهو الأصح".
قوله: (والماء المستعمل، [كلّ ما أزيل به حدث أو استعمل في بدن على
(1)
الحاكم؛ هو محمد بن أحمد أبو الفضل المَرْوَزي، الشهير بالحاكم الشهيد، العالم الكبير شيخ الحنفية في زمانه. صنف الكثير وجمع فأحسن، من ذلك:"المختصر الكافي" جمع فيه كتب محمد بن الحسن المبسوطة وما في جوامعه المؤلفة، حاذفًا المكرر من المسائل، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب. قتل شهيدًا وهو في صلاة الصبح سنة 334 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 313 - 315، رقم 1477، تاج التراجم 272 - 274، رقم 254، الفوائد البهية ص 305، 306، رقم 395، كشف الظنون 2/ 1378).
(2)
اسمه نوح بن أبي مريم يزيد بن جَعْوَنة المروزي، أبو عصمة الجامع، قيل لقّب بذلك لأنَّه كان جامعًا بين العلوم، أخذ الفقه على أبي حنيفة وابن أبي ليلي. توفي سنة 173 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 7، 8، رقم 393، وانظر 4/ 67، 68، تاج التراجم ص 146، رقم 81، الفوائد البهية ص 363 - 365 رقم 490).
(3)
1/ 24.
(4)
قال ملّا علي القاري رحمه الله: "وبه أخذ مشايخ بخارى وبَلْخ، توسعة على الناس، إذا لم تكن النجاسة مرئية". (فتح باب العناية 1/ 84).
(5)
1/ 24.
وجه القربة*، وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه إلا جلد الخنزير والآدمي. وشعر الميتة وعظمها وعصبها وحافرها وقرنها طاهر.
وإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها، فإن ماتت فيها فأرة أو عصفور أو صعوة أو سودانية أو صام أبرص نزح منها ما بين عشرين دلوًا إلى ثلاثين دلوًا بحسب كبر الدلو وصغرها، وإن ماتت فيها حمامة أو دجاجة أو سنّور نزح منها
وجه القربة)، قال أبو نصر الأقطع:"وهذا الذي ذكره هو الصحيحِ من مذهب أبي حنيفة ومحمد"]
(1)
. قال في "الهداية": "ومتى يصير مستعملًا؟
الصحيح أنه كما زايل العضو
(2)
.. قال: وقال محمد - وهو رواية عن أبي حنيفة -: هو طاهر". قلت: وعليه الفتوى، قال القُدُوري في "التقريب"
(3)
: "روى محمد عن الإمام أن الماء المستعمل طاهر، وهو قوله وهو الصحيح"، وقال الصدر حسام الدين في "الكبرى"
(4)
: "وعليه الفتوى"، وقال فخر الإسلام في شرح "الجامع"
(5)
: " إنه ظاهر الرواية وهو المختار"
(6)
. فرع
(7)
: الجنب إذا أخذ الماء بفيه لا يريد المضمضة، قال القاضي
(8)
:
(1)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(2)
في "الهداية" 1/ 25: "الصحيح أنه كما زايل العضو صار مستعملًا".
(3)
كتاب "التقريب" في فروع الفقه الحنفي، للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري، وهو مجرد عن الدلائل. (كشف الظنون 1/ 466).
(4)
"الفتاوى الكبرى" لحسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازه، الصدر الشهيد. (كشف الظنون 2/ 1228، 1229، وانظر ما يأتي ص 236 ت 7).
(5)
فخر الإسلام؛ لقب علي بن محمد بن عبد الكريم البزدوي الإمام الكبير، الجامع بين أشتات العلوم، صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة بما وراء النهر، كان مولده في حدود الأربع مئة، وتوفي سنة 482 رحمه الله تعالى. له كتاب المبسوط، وشرح الجامع الكبير وشرح الجامع الصغير وكتاب في أصول الفقه مشهور. (تاج التراجم ص 205، 206، رقم 162، الفوائد البهية ص 209، 210، رقم 267، هدية العارفين 1/ 693).
(6)
قال في "فتح باب العناية" 1/ 89: "لم يثبت مشايخ العراق خلافًا بين الأئمة الثلاثة في أن الماء المستعمل طاهر غير طهور، وأثبته مشايخ ما وراء النهر واختلافَ الرواية، فعن أبي حنيفة - في رواية الحسن عنه وهو قوله.: أنه نجس نجاسة مغلظة، وعن أبي يوسف، وهو رواية عن أبي حنيفة: أنه نجس نجاسة مخففة، وعن محمد، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو الأقيس: أنه طاهر غير طهور، واختار هذه الرواية المحققون من مشايخ ما وراء النهر وغيرهم وهو ظاهر الرواية وعليها الفتوى".
(7)
المثبت من (جـ)، وفي الأصل و (ب):"قوله" وهو تحريف؛ فهذا الفرع ليس من مسائل القدوري.
(8)
قاضي خان في "الفتاوى" 1/ 15.
ما بين أربعين دلوًا إلى ستين دلوًا، وإن ماتت فيها كلب أو شاة أو آدمي أو دابة نزح جميع ما فيها من الماء، وإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها من الماء، صغر الحيوان أو كبر سواء، وعدد الدلاء يعتبر بالدلو الوسط المستعمل للآبار في البلدان وإن نزح منها بدلو عظيم وقدّر ما يسع من الدلو الوسط واحتسب به جاز وإن كانت البئر معينًا لا تنزح ووجب نزح جميع ما فيها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء. وقد روي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال ينزح منها مئتا دلو إلى ثلاث مئة*، وقال بعضهم يحفر بجنبها بئر في طولها وعمقها فإذا ملأت الحفيرة حكم بطهارة الأولى، وإذا وجد في البئر فأرة أو دجاجة أو غيرهما ولا يدرون متى وقعت ولم تنفسخ ولم تنتفخ أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضئوا منها وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها، وإن كانت قد انتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحقق متى وقعت*. وسؤر الآدمي وما
" لا يصير مستعملًا في قول محمد
(1)
.. وقال أبو يوسف: لا يبقى طهورًا وهو الصحيح، إمّا لأنَّه صار مستعملًا بسقوط الفرض، أو لأنَّه خالطه البزاق".
[قوله: (وعن محمد أنه قال: ينزح منها مئتا دلو إلى ثلاث مئة)، قال في "خلاصة الدلائل"
(2)
: والصحيح قول الإمام]
(3)
.
قوله: (وإذا وجدوا في البئر فأرة أو غيرها، ولا يدرون متى وقعت، ولم تنتفخ ولم تتفسخ، أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضئوا منها، وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها، وإن كانت قد انتفخت أو تفسّخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحقّقوا متى وقعت)، قال في فتاوى العَتّابي
(4)
: قولهما هو المختار، قلت: لم يوافق على ذلك، فقد اعتمد قول الإمام الإمامُ البرهاني والنسفي
(1)
في نسخة (جـ) زيادة: "وقال أبو نصر الأقطع: وهو الصحيح"، وليست هذه الزيادة في الأصل ولا في "الفتاوى الخانية".
(2)
"خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل" للإمام علي بن أحمد بن مكي، حسام الدين الرازي (- 598 هـ) وهو شرح نفيس على مختصر القدوري. (انظر كشف الظنون 1/ 718).
وانظر هذا القول في "خلاصة الدلائل" ص 9.
(3)
هذه المسألة مثبتة في (جـ)، دون سائر النسخ.
(4)
قال في "كشف الظنون" 1/ 567: "جامع - جوامع - الفقه، المعروف بالفتاوى العتَّابية لأبي نصر أحمد بن محمد العتابي البخاري الحنفي المتوفى سنة 586، وهو كبير في أربع مجلدات".
يؤكل لحمه طاهر*، وسؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم نجس، وسؤر الهرّة والدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن في البيوت مثل الحية والفأرة مكروه، وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيهما* فإن لم يوجد غيرهما توضأ بهما وتيمّم وصلى وأيهما بدأ جاز.
والمَوْصِلي
(1)
وصدرُ الشريعة
(2)
، ورُجِّح دليله في جميع المصنفات، وصرح في "البدائع" أن قولهما قياس، وقوله هو الاستحسان
(3)
، وهو الأحوط في العبادات.
قوله: (سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر)، "الهداية"
(4)
: "وسؤر الفرس طاهر عندهما لأن لحمه مأكول، وكذا عنده في الصحيح؛ لأن الكراهة لإظهار شرفه"، قال القاضي
(5)
: "عنه روايتان أظهرهما أنه طاهر وطهور، وهو قولهما".
ثم السؤر الطاهر بمنزلة الماء المطلق، وإن استعمل المكروه مع القدرة على الماء المطلق صحت طهارته ويكره.
قوله: (وسؤر البغل والحمار مشكوك فيهما)، قال القاضي:"والصحيح أن الشك في طهوريته"
(6)
، [والله أعلم].
(1)
المَوْصِلي، هو الإمام عبد الله بن محمود بن مودود، أبو الفضل، كان شيخًا فقيهًا عالمًا فاضلًا عارفًا بالمذهب. مات سنة 683 رحمه الله تعالى. من تصانيفه:"المختار للفتوى، والاختيار لتعليل المختار، والمشتمل على مسائل المختصر". (الجواهر المضية 2/ 349، 350، رقم 738، تاج التراجم ص 176، 177، رقم 124، الفوائد البهية ص 180، رقم 226).
(2)
هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن صدر الشريعة المحبوبي، المعروف بصدر الشريعة (الأصغر)، الإمام المتفق عليه والعلامة المختلف إليه. تصانيفه مقبولة عند العلماء معتبرة عند الفقهاء، من ذلك: شرح كتاب الوقاية، واختصر الوقاية وسماه: النُّقاية، وألّف في الأصول متنًا لطيفًا سماه: التنقيح ثم صنف شرحًا نفيسًا سماه: التوضيح .. توفي سنة 747 رحمه الله تعالى. (تاج التراجم ص 203، رقم 158، الفوائد البهية ص 185، رقم 232).
(3)
انظر "بدائع الصنائع" للكاساني 1/ 78.
(4)
1/ 31.
(5)
"الفتاوى الخانية" 1/ 18.
(6)
ثم قال قاضي خان: "وقال بعضهم: الشك في طهارته". (الفتاوى الخانية 1/ 18).
باب التيمّم
ومن لم يجد الماء وهو مسافر أو كان خارج المصر بينه وبين المصر نحو الميل* أو أكثر، أو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه، أو خاف الجنب إن اغتسل بالماء يقتله البرد أو يمرضه فإنه يتيمّم بالصعيد. والتيمم ضربتان يمسح بأحدهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين، والتيمم في الجنابة والحدث سواء، ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجصّ والنورة والكحل والزرنيخ، وقال أبو يوسف رحمه الله لا يجوز إلا بالتراب والرمل خاصة. والنيّة فرض في التيمّم ومستحبة في الوضوء، وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء، وينقضه أيضًا رؤية الماء إذا قدر على استعماله، ولا يجوز التيمم إلا بصعيد طاهر، ويستحب لمن لم يجد الماء في أول الوقت وهو يرجو أن يجده في آخر الوقت أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، فإن وجد الماء توضأ وإلا تيمم وصلى، ويصلي بِتيمّمِه ما شاء من الفرائض والنوافل، ويجوز التيمم للصحيح في المصر إذا حضرت جنازة والولي غيره فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة فإنه يتيمّم، وكذلك من حضر العيد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة العيد تيمّم وصلّى، وإن خاف من شهد الجمعة إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة لم يتيمّم ولكنه يتوضأ فإن أدرك الجمعة صلاها وإلا صلى الظهر أربعًا، وكذلك إذا ضاق الوقت فخشي إن توضأ فات الوقت لم يتيمّم ولكنّه يتوضأ ويصلي فائتة. والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد، ويعيد عند أبي يوسف. وليس على المتيمم إذا لم يغلب على ظنّه أن بقربه ماء أن يطلبه فإن غلب على ظنه أن هناك ماء
باب التيمم
قوله: (نحو الميل)، هذا هو المختار في المقدار
(1)
نص عليه في "الهداية" و"الاختيار"
(2)
.
(1)
والمِيل في اللغة: منتهى مد البصر .. وبعضهم ضبطه في سَير القدم بنصف ساعة. (حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 61).
وفي معجم لغة الفقهاء ص 470: "الميل هو ما يساوي اليوم: 1848 مترًا".
(2)
انظر "الهداية" 1/ 32، و"الاختيار" 1/ 20.
وكتاب "الاختيار لتعليل المختار" هو للإمام عبد الله بن محمود بن مودود المَوْصِلي، كما مر في ترجمته .. قال الإمام اللكنوي:"من تصانيفه المختار ألّفه في عنفوان شبابه، ثم صنف شرحًا له وسماه بـ الاختيار وهما كتابان معتبران [عند] الفقهاء". (الفوائد البهية ص 180، رقم 226).
لم يجز له أن يتيمّم حتى يطلبه وإن كان مع رفيقه ماء طلبه منه قبل أن يتيمّم فإن منعه منه تيمم وصلى.
باب المسح على الخُفَّيْن
المسح على الخفين جائز بالسنّة من كل حدث موجب للوضوء إذا لبس الخفين على طهارة كاملة ثم أحدث، فإن كان مقيمًا مسح يومًا وليلة، وإن كان مسافرًا مسحِ ثلاثة أيام ولياليها وابتداؤها عقب الحدث. والمسح على الخفين على ظاهرهما خطوطًا بالأصابع يبتدئ من رؤوس الأصابع إلى الساق، وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد. ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير يبين منه مقدار ثلاثة اْصابع من أصابع الرِّجل* فإن كان أقل من ذلك جاز، ولا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل. وينقض المسح على الخفين ما ينقض الوضوء، وينقضه أيضًا نزع الخف ومضي المدة، فإذا مضت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى وليس عليه إعادة بقية الوضوء، فإن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح تمام ثلاثة أيام ولياليها، ومن ابتدأ المسح وهو مسافر ثم أقام فإن كان مسح يومًا وليلة أو أكثر لزمه نزع خفيه وغسل رجليه، وإن مسح أقل من يوم وليلة تمّم مسح يوم وليلة. ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه، ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة إلا أن يكونا مجلدين أو منعّلين، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين* لا يشفان الماء. ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين، ويجوز المسح على الجبائر وإن شدّها على غير وضوء، فإن سقطت عن غير برء لم يبطل المسح، وإن سقطت عن برء بطل المسح.
باب المسح على الخُفَّيْن
قوله: (من أصابع الرِّجل)، أي الصغار هو الصحيح، نص عليه في "الهداية" و"شرح الزاهدي".
قوله: (وقال أبو يوسف ومحمد يجوز إذا كانا ثخينين)، "الهداية"
(1)
: "وعنه أنه رجع إلى قولهما
(2)
، وعليه الفتوى.
(1)
1/ 37.
(2)
"وذلك قبل موته بسبعة أيام، وفي النوازل: بثلاثة أيام". (فتح باب العناية 1/ 124).
باب الحيض
أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها فما نقص من ذلك فليس بحيض وهو استحاضة، وأكثر الحيض عشرة أيام ولياليها فما زاد على ذلك فهو استحاضة، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض فهو حيض حتى ترى البياض خالصًا، والحيض يسقط عن الحائض الصلاة ويحرم عليها الصوم، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولا تدخل المسجد ولا تطوف بالبيت ولا يأتيها زوجها، ولا يجوز لحائض ولا جنب قراءة القرآن*، ولا يجوز لمحدث أن يمسّ المصحف إلا أن يأخذه بغلافه*. وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يجز وطؤها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كاملة، وإن انقطع دمها لعشرة أيام جاز وطؤها قبل الغسل، والطهر إذا تخلل بين الدّمين في مدة
باب الحَيض
قوله: (ولا يجوز لحائض ولا جنب قراءة القرآن)، قال في "الجواهر"[وشرح الأقطع]
(1)
: والصحيح أن الآية وما دونها في المنع سواء إذا قُصد
(2)
بها قراءة القرآن، وهذا احتراز عن قول الطحاوي
(3)
بإباحة ما دون الآية.
قوله: (إلا أن يأخذه بغلافه)، "الهداية"
(4)
: "وهو ما يكون متجافيًا عنه .. هو الصحيح"، احتراز عن قول من قال: إنه المشرَّز
(5)
، وقال في "الكافي"
(6)
: "إنه الأصح"، لكن قال في "المبسوط":"الأصح أنه يمنع من مسّ الجلد إذا كان ملصقًا به". قلت: وهذا أولى
(7)
، والله أعلم.
قوله: (والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم
(1)
زيادة من نسخة (جـ).
(2)
في (جـ): "إذا قصدوا".
(3)
هو أحمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي المصري، الإمام العلامة الجليل الفقيه الحافظ النبيل المولود سنة 229، صحب خاله المُزني - صاحب الإمام الشافعي - وتفقه به ثم ترك مذهبه وصار حنفي المذهب. له تصانيف جليلة معتبرة منها: أحكام القرآن وشرح معاني الآثار واختلاف الفقهاء والعقيدة المشهورة. توفي سنة 321 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 271 - 277، رقم 204، تاج التراجم ص 100 - 102، رقم 21، الفوائد البهية ص 59 - 63، رقم 48).
(4)
1/ 39.
(5)
يقال مصحف مُشَرَّزٌ، وهو المشدود بعضه إلى بعض المضموم طرفاه، فإن لم يضم طرفاه فهو مسرَّس. (تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي 15/ 177).
(6)
كتاب "الكافي شرح الوافي"، كلاهما من تصنيف الإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي (- 710 هـ). (كشف الظنون 2/ 1997).
(7)
العبارة في نسخة (جـ): "والأول أولى، لقوله في المبسوط: .. الخ".
الحيض فهو كالدم الجاري*، وأقل الطهر خمسة عشر يومًا ولا غاية لأكثره.
ودم الاستحاضة وهو ما تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة أيام، وحكمه
الجاري)، قال في "الهداية"
(1)
: "هذا إحدى الروايات عن أبي حنيفة .. وروى أبو يوسف عنه - وقيل هو آخر أقواله -: أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يومًا لا يفصل، وهو كالدم الجاري لأنَّه طهر فاسد فيكون بمنزلة الدم فالأخذ بهذا القول أيسر". وقال الإسبيجابي
(2)
: "وهو اختيار أستاذنا للفتوى. قلت: ومقتضاه جواز افتتاح الحيض واختتامه بالطهر بشرط
(3)
احتواش الدم بالطرفين. فلو رأت المبتدأة يومًا دمًا وأربعة عشر طهرًا ويومًا دمًا كانت العشرة الأولى حيضًا يحكم ببلوغها به. ولو رأت المعتادة قبل عادتها يومًا دمًا وعشرة طهرًا ويومًا دمًا، فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت العشرة عادتها".
قلت: هذا صحيح في نفسه إلا أن عبارة المصنف تأباه؛ لأنَّه قال (في مدة الحيض) فلا يصح إلَّا أن يكون احترازًا عن رواية محمد أن الثلاثة الفاضلة فاصلة
(4)
.
(1)
1/ 40.
(2)
هو محمد بن أحمد بن يوسف أبو المعالي، بهاء الدين المرغيناني الإسْبيجابي، شيخ الإسلام. شرح القدوري شرحًا نافعًا وسماه:"زاد الفقهاء" وهو من أهم مصادر المؤلف في هذا الكتاب، وله الحاوي في مختصر الطحاوي ونصاب الفقهاء، قال في هدية العارفين:"لعله توفي أواخر القرن السادس، عليه رحمة الله تعالى". (الجواهر المضية 3/ 74، رقم 1214، تاج التراجم ص 256، 257، رقم 228، الفوائد البهية ص 260، رقم 326، "كشف الظنون" 2/ 1632، هدية العارفين 2/ 105).
(3)
في (جـ): "شرط".
(4)
يسمى الطهر المتخلل بين الحيضتين الذي أقله خمسة عثر يومًا بالطهر الصحيح أو التام. أما إذا نقصت مدة الطهر عن أقلها، ففيه خلاف: هل يكون فاصلًا بين الدمين في حيضتين، أم هو طهر فاسد لا يفصل ويكون له حكم الدم المتوالي؟
ذكر المحقق ابن الهمام في المسألة ستة أقوال، كلها رويت عن الإمام، وأشهرها ثلاثة، والمفتى به منها رواية أبي يوسف المذكورة. إلا أن عبارة القدوري في المختصر تتعلق بالطهر المتخلل بين الدمين في الحيضة الواحدة، لا الطهر الفاسد أو الذي يكون بين الحيضتين. وعليه، فالمسألة المذكورة في الشرح هي احتراز عن رواية محمد: أن الطهر في مدة الحيض إذا كان ثلاثة أيام أو أكثر، وكان زائدًا على الدمين فإنه يكون فاصلًا. والله تعالى أعلم. انظر: (المبسوط للسرخسي 3/ 154 - 159، وفتح القدير لابن الهمام 1/ 153 - 155، والكفاية 1/ 152 - 155، وفتح باب العناية
حكم الرعاف الدائم لا يمنع الصلاة ولا الصوم ولا الوطء، وإذا زاد الدم على العشرة وللمرأة عادة معروفة ردت إلى أيام عادتها وما زاد على ذلك فهو استحاضة، وإن ابتدأت مع البلوغ مستحاضة فحيضها عشرة أيام من كل شهر والباقي استحاضة. والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضأون لوقت كل صلاة فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل، فإذا خرج الوقت* بطل وضوؤهم وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة أخرى.
والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة، والدّم الذي تراه الحامل وما تراه المرأة في حال ولادتها قبل خروج أكثر الولد* استحاضة، وأقل النفاس لا حد له وأكثره أربعون يومًا وما زاد على ذلك فهو استحاضة، وإذا تجاوز الدم الأربعين وقد كانت هذه المرأة ولدت قبل ذلك ولها عادة معروفة في النفاس ردت إلى أيام عادتها، وإن لم يكن لها عادة فابتداء نفاسها أربعون يومًا، ومن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافًا لمحمد*.
قوله: (فإذا خرج الوقت)، المراد وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلى الظهر به عند أبي حنيفة ومحمد، وهو الصحيح، نصّ عليه في "الهداية"
(1)
.
قوله: (قبل خروجِ الولد)، قال في "الجواهر": "المراد قبل خروج أكثر
(2)
الولد، وهذه رواية خَلَف
(3)
عن أبي يوسف، وهو قول أبي حنيفة
(4)
.
قوله: (ومن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها ما خرج من الدم عقيب الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: من الثاني)، قال
(1)
1/ 41، وفيه "أن طهارة المعذور تنتقض بخروج الوقت - أي عنده - بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وبدخوله فقط عند زفر، وبأيهما كان عند أبي يوسف رحمه الله".
(2)
ظهر من هذا النقل عن "الجواهر" أن كلمة "أكثر" غير مثبتة في نسخة المصنف لمختصر القدوري، ولا هي في النسخ المطبوعة كذلك، وقد أثبتت في مخطوطة القدوري المعتمدة في التحقيق، الورقة [5 أ].
(3)
هو خلف بن أيوب العامري البلْخي، أحد الأعلام، من أهل الفقه والحديث. كان من أصحاب محمد وزفر وتفقه على أبي يوسف، توفي سنة 205 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 170 - 172، رقم 562، تاج التراجم ص 166، رقم 105، الفوائد البهية ص 122، 123، رقم 143).
(4)
"ومذهب محمد أن النفاس إنما يثبت بوضع الحمل كله، فما لم يوجد وضع الحمل كله لا يثبت النفاس". (العناية شرح الهداية 1/ 165).
باب الأنجاس
تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه، وتجوز إزالة النجاسة بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به كالخل وماء الورد والماء المستعمل، فإذا أصاب الخفّ نجاسة لها جرم فجفت فدلكه بالأرض جاز، والمني نجس يجب غسله رطبًا، ولو جف على الثوب أجزأ فيه الفرك، والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما، وإذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس* وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها ولا يجوز التيمم منها، ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والغائط والبول والخمر مقدار الدرهم* فما دونه جازت الصلاة معه وإن زاد لم يجز، وإن أصابته نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معه ما لم يبلغ ربع الثوب*،
الإسبيجابي: "الصحيح هو القول الأول"، واعتمده الأئمة المصحّحون، [والله أعلم].
باب الأنجاس
قوله: (فجفّت بالشمس)، قال في "الجواهر":"قَيْدُ الشمس وقع شرطًا اتفاقًا بحسب العادة، والشرط الجفاف وذهاب الأثر"، وقال الزاهدي:"الصحيح أنه لا فرق في الجواب بين أن تقع عليه الشمس أو لا تقع، وبين أن يكون فيه حشيش أو لا".
قوله: (مقدار الدرهم)، قال في "الهداية"
(1)
: "هو قدر عرض الكف في الصحيح"، وقال أبو جعفر الهِنْدُواني
(2)
: "قدر عرض الكفّ في الرقيق، ووزن الدرهم المثقال في الكثيف". قال في "الينابيع": "وهذا القول أصح"، وفي الزاهدي: "قيل هو الأصح، واختاره جماعة، وهو أولى لما فيه من إعمال الروايتين
(3)
مع مناسبة التوزيع، والله أعلم".
قوله: (ما لم يبلغ ربع الثوب)، قال في "المحيط" وشرح نجم الأئمة:
(1)
1/ 44.
(2)
هو محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر الهِندُواني، إمام كبير من أهل بلْخ. كان شيخًا جليل القدر على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع، ويقال له من كماله في الفقه: أبو حنيفة الصغير. توفي ببخارى سنة 362 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 192، 193، رقم 1345، وفيه أنه توفي سنة 392، تاج التراجم ص 264، 265، رقم 240، الفوائد البهية ص 295، رقم 378).
(3)
ذكر الروايتين محمد بن الحسن فقال في "النوادر": الدرهم الكبير هو ما يكون مثل عرض الكف، وفي كتاب الصلاة ذكره من حيث الوزن فقال: الذي قدره مثقال. (العناية على الهداية 1/ 187).
وتطهير النجاسة * التي تجب غسلها على وجهين: فما كان له منها عين مرئية فطهارتها زوال عينها إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته وما ليس له عين مرئية فطهارتها أن يغسل حتى يغلب على ظنّ الغاسل أنه قد طهر.
والاستنجاء سنة يجزئ فيه الحجر وما قام مقامه يمسحه حتى ينقيه وليس فيه عدد مسنون وغسله بالماء أفضل، فإن تجاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فيه إلا المائع*، ولا
" وهو الأصح"، وقال في "الفوائد"
(1)
: "وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو الصحيح"، أقال أبو نصر الأقطع: "أصحّ ما روي فيه: ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالميزر
(2)
"]
(3)
، قال في "المحيط":"قيل هو ربع جميع الثوب، وقيل ربع طرف إصابته كربع الذيل والكُمّ، وهو الأصح"، وقال في "الجامع البرهاني"
(4)
: "وعليه الفتوى"، وقال الزاهدي:"وهو الأصح".
قوله: (وتطهير النجاسة. . إلخ)، قال القاضي: في ظرف الخمر، وقال بعض المشايخ على قول أبي يوسف، إن لم يجفف في كل مرة لكن ملأه بالماء مرة بعد أخرى، فما دام الماء يخرج منه متغير اللون لا يطهر، وإذا خرج الماء صافيًا غير متغير اللون يحكم بطهارته، وعليه الفتوى، ولو بقي الخمر خلًا يطهر الظرف كله، وبه أخذ الفقيه أبو الليث
(5)
، واختاره الشهيد
(6)
، وعليه الفتوى؛ لأن بخار الخل يرتفع إلى أعلى الظرف فيطهر كله.
قوله: (فإن تجاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فيه إلا المائع)، قال
(1)
ذكر صاحب "الكشف" كتبًا فقهية كثيرة تسمى بـ "الفوائد" مثل فوائد شمس الأئمة السرخسي وشمس الأئمة الحلواني وبرهان الدين المرغيناني وقاضي خان وغيرها، انظر كشف الظنون 2/ 1294 - 1300، واللافت أن الإمام المصنف لم يتطرق إلى ذكر "الفوائد" غير هذه المرة في جميع الكتاب، مع أهمية موضوعه. . وأظن أن كلمة (الفوائد) هنا، قد حُرفت عن (الجواهر)، كما حرفت (الجواهر) إلى (الفوائد) في كتاب "اللباب شرح الكتاب" 3/ 150 للشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني وهو ينقل الكلمة - أي كلمة الجواهر - عن "التصحيح" انظر ص 386.
(2)
أو "كالإزار" كما في حاشية ابن عابدين، وهو يذكر قول الأقطع هذا. (الحاشية 1/ 214).
(3)
الزيادة من نسخة (جـ).
(4)
"الجامع البرهاني" هو جامع الصدر الشهيد برهان الدين عمر بن عبد العزيز بن مازه، كما مر ذكره.
(5)
هو نصر بن محمد بن أحمد السَّمرقندي، الفقيه أبو الليث، المعروف بإمام الهدى، الإمام الكبير، صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة. تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني. له من المصنفات تفسير القرآن، النوازل، عيون المسائل، خزانة الفقه، الفتاوى وغيرها. توفي سنة 373 وقيل 393 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 544، 545، رقم 1734، تاج التراجم ص 310، رقم 305، الفوائد البهية ص 362، رقم 485).
(6)
هو الصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازه.
يستنجي بعظم ولا بروث ولا بطعام ولا بيمينه.
الإسبيجابي: "هذا إذا كان وراء موضع الاستنجاء من النجاسة أكثر من قدر الدرهم، أما إذا كان أقل لكن مع موضع الاستنجاء يكون أكثر من قدر الدرهم، قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يكفيه الاستنجاء بالأحجار، وقال محمد: لا بدّ من غسله
(1)
، والصحيح قولهما".
(1)
"بناء على أن المخرج كالظاهر عنده، وكالباطن عندهما". (فتح باب العناية 1/ 170، وحاشية ابن عابدين 1/ 226).
كتاب الصَّلاة
أوّل وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني وهو البياض المعترض في الأفق وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس، وأوّل وقت الظهر إذا زالت الشمس وآخر وقتها عند أبي حنيفة إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال *، وقال أبو يوسف ومحمد إذا صار ظل كل شيء
كتاب الصَّلاة
قوله: (إذا صار ظل كل شيء مثلَيه سوى فَيْء الزوال)، قال في "الينابيع":"وهذه رواية محمد، وهو الصحيح عن أبي حنيفة"
(1)
، واختاره برهان الشريعة المحبوبي وعوّل عليه النسفي، ووافقه صدر الشريعة ورجح في ليله، وفي "الغياثية"
(2)
: "وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثلَيه، وهو المختار".
قلت: وفيه حديث صحيح؛ وهو ما رواه البخاري في "صحيحه"
(3)
من حديث أبي ذر قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد، حتى ساوى الظلُّ التُّلولَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شدّة الحرّ من فَيْح جهنم" الحديث، فقد بقي الظهرُ بعد صيرورة ظل كل شيء
(1)
تعددت الروايات عن الإمام في هذه المسألة، فإضافةً إلى رواية محمد المذكورة والمصحَّحة في المذهب؛ "روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر، به أخذ أبو يوسف ومحمد وزفر. وروى أسد بن عمرو وعلي بن جعد عنه: إذا صار ظل كل شيء مثله سواه، خرج وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه، وعلى هذا يكون بين الظهر والعصر وقت مهمل كما بين الظهر والفجر، قال الكرخي: وهذه أعجب الروايات إليّ لموافقتها لظاهر الأخبار". (العناية شرح الهداية 1/ 193). وذكر الطحاوي روايةً لأبي يوسف عن أبي حنيفة مثل رواية محمد عنه. انظر مختصر الطحاوي ص 23.
(2)
"الفتاوى الغياثية" للشيخ داود بن يوسف الخطيب، رتبه للسلطان غياث الدين تغلق. وانظر "الفتاوى التاتارخانية" 1/ 403، وقال محقق هذه الفتاوى، القاضي سجاد حسين، أن الفتاوى الغياثية طبعت ببولاق مصر سنة 1322 هـ. انظر مقدمة تحقيق التاتارخانية 1/ 40.
(3)
في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. .، 1/ 175، رقم 629، وانظر "فتح الباري": باب الإبراد بالظهر 2/ 25، وباب الأذان للمسافرين. .، 2/ 131.
مثله، وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخر وقتها ما لم يغب الشفق وهو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: الشفق هو الحمرة*،
مثله
(1)
، وروى الترمذي
(2)
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصلاة أولًا وآخرًا. . . وإن آخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر. ."، وفسَّره أبو هريرة في رواية مالك
(3)
عنه أنه قال: "وصلِّ الظهر إذا كان ظلُّك مثلَك، وصلّ العصر إذا كان ظلك مثليك. ."، وهذا كله بعد حديث إمامة جبريل، فوجب اعتباره
(4)
، والله أعلم.
قوله: (وقال أبو يوسف ومحمد: هو الحُمْرة)، قال الإمام أبو المفاخر
(1)
وفي إعلاء السنن: 2/ 4، 5:"الحديث نصٌّ في بقاء الوقت بعد المثل، كما هو المشهور من مذهب إمامنا الأعظم رحمه الله تعالى، إذ من المعلوم اللازم عادة أن الأجسام المنبطحة إذا كان ظلها مساويًا لها يكون ظل الأجسام المنتصبة زائدًا على المثل لا محالة. . . وأما تأويل الحديث بغير هذا فهو ضعيف جدًّا وخلاف الظاهر. . وقول الحافظ ابن حجر: إن ذلك كان في السفر فلعلّه أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر - كذا في فتح الباري [2/ 26]- يبطله تعليله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "إن شدة الحر من فيح جهنم" فإنه يدل على أن علة التأخير كانت شدة الحر، وهي لا تختص بسفر ولا حضر بل تعمهما جميعًا، والحكم يدور مع علته دائمًا كما لا يخفى، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وصلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة. . الخ" - أخرجه الجماعة - فإنه يبطل تخصيص الإبراد بالسفر صراحة.
وقد جاء في رواية النَّسَائِي - السنن رقم 499 - ما هو أصرح منه بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبْرد بالصلاة وإذا كان البرد عجّل".
(2)
"سنن الترمذي"، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة 1/ 283، رقم 151.
(3)
"الموطأ" للإمام مالك، كتاب وقوت الصلاة 1/ 8، رقم 9، وأول الحديث هو أن عبد الله بن رافع سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة، فقال أبو هريرة:"أنا أخبرك، صلِّ الظهر. . . الخ".
(4)
قال العلامة الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى: ". . . الظاهر اعتبار كل حديث روي مخالفًا لحديث جبريل ناسخًا لما خالفه فيه، لتحقق تقدم إمامة جبريل على كل حديث روي في الأوقات؛ لأنَّه أول ما علّمه إياها". (فتح القدير 1/ 194).
وحديث إمامة جبريل هو ما رواه الترمذي 1/ 278 - 280 وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أمَّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرُم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين".
وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر، وأول وقت الوتر بعد العشاء، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر.
ويستحب الإسفار بالفجر، والإبراد بالظهر في الصيف وتقديمها في الشتاء،
السَّدِيديّ في "شرح المنظومة"
(1)
: "وقد جاء عن أبي حنيفة في جمع التفاريق
(2)
وغيره أنه رجع إلى قولهما وقال: إنه الحمرة، لما ثبت عنده من حمل عامة الصحابة رضي الله عنهم الشفق على الحمرة، وعليه الفتوى"، وتبعه المحبوبي وصدر الشريعة.
قلت: ما ذكر من الرجوع فشاذ لم يثبت، لما نقله الكافّة عن الكافة من لَدُن الأئمة الثلاثة وإلى الآن من حكاية القولين، ودعوى حمل عامة الصحابة خلاف المنقول.
قال في "الاختيار"
(3)
: "الشفق: البياض. . وهو مذهب أبي بكر الصدّيق ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله عنهم"، قلت: ورواه عبد الرزاق عن أبي هريرة وعن عمر بن عبد العزيز
(4)
، ولم يروِ البيهقي (الشفق الحمرة) إلا عن
(1)
السَّديدي هو أبو المفاخر محمد بن محمود بن محمد تاج الدين بن أبي القاسم السديدي الزَّوزني، الفقيه، شرح منظومة النسفي في الخلاف بين أقوال الأئمة. قال ابن قطلوبغا:"شرح المنظومة وزاد عليها، وشرح الزيادة وسماه ملتقى البحار من منتقى الأخبار". وانظر ما يأتي ص 399.
قال محقق كتاب الجواهر د. الحلو: "ذكر الأستاذ كحالة أنه كان حيًّا سنة 699، (معجم المؤلفين 6/ 12) بينما ذكر التقي التميمي أنه توفي سنة 575".
قلت: قال البغدادي في هدية العارفين 2/ 140: "وقد تتبعت كتب التراجم وطبقات الحنفية ولم أقف على تاريخ وفاة المؤلف [أي السديدي] ورأيت نسختين من منتقى البحار الموجود في مكتبة نور العثمانية الآخر في مدينة بروسا، يذكر الفراغ من تأليفه سنة 695 ويحتمل عاش المؤلف إلى نهاية القرن السابع".
وفي كشف الظنون (2/ 1954): "نصاب الذرائع في الفروع، لأبي القاسم محمد بن محمود بن محمد الزوزني الحنفي فرغ منه سنة 801"! وربما كان غيره. . (انظر ترجمة السديدي في: الجواهر المضية 3/ 364، رقم 1537، تاج التراجم ص 278، 279، رقم 260، كشف الظنون 2/ 1868، هدية العارفين 2/ 140).
(2)
قال في كشف الظنون 1/ 595: "جمع التفاريق في الفروع، للإمام زين المشايخ أبي الفضل محمد بن أبي القاسم البقالي الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة 586 رحمه الله تعالى".
(3)
1/ 39.
(4)
روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنَّفه 1/ 556 رقم 2110، عن معمر عن جعفر بن برقان قال:"كتب عمر بن عبد العزيز أن صلوا العشاء إذا ذهب بياض الأفق. . .". وانظر مصنف عبد الرزاق 1/ 555 رقم 2106، 2107.
.......
ابن عمر
(1)
، وأما اختياره للفتوى فبناء على ظنٍّ ضعيف وذلك أنه قال
(2)
: "الشفق الحمرة، وعليه الفتوى؛ لأن في جعله اسمًا للبياض لكونه أشفق، إثبات اللغة بالقياس وأنَّه لا يجوز
(3)
"، فظن أن هذا هو حجّة الإمام، وليس كذلك، إنما حجته الحديث الصحيح مع تفسير الصحابة مع موافقة أصول النظر - على ما سنذكر إن شاء الله تعالى - فكان اختيارًا مخالفًا لما هو الأصح رواية ودراية.
أما الأول فلأن رواية: "الشفق البياض"، رواية "الأصل"
(4)
، وهي ظاهر المذهب عنه، ورواية:"إنه الحمرة"، رواية أسد بن عمرو
(5)
،
(1)
قال البيهقي في السنن الكبرى 1/ 548: "وروينا عن عمر وعلي وأبي هريرة أنهم قالوا: "الشفق الحمرة "، وقال (1/ 548 رقم 1743): "رواه عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر موقوفًا، وروي عن عتيق بن يعقوب عن مالك عن نافع مَرفوعًا، والصحيح موقوف".
قلت: فقول المصنِّف: (لم يرو البيهقي "الشفق الحمرة" إلا عن ابن عمر) الظاهر أنه قصد لم يروه صحيحًا إلا عن ابن عمر.
قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية 1/ 233: "وقال البيهقي في المعرفة: روي هذا الحديث عن عمر وعلي وابن عباس وعبادة بن الصامت وشدّاد بن أوس وأبي هريرة، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء".
(2)
أي أبو المفاخر السَّدِيدي.
(3)
قال جمهور الحنفية والشافعية: لا تثبت اللغة بالقياس ولا يكون حجّة فيها. (أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي 1/ 713).
قال الإمام الشيرازي الشافعي في "اللُّمَع": (باب بيان الوجوه التي تؤخذ منها الأسماء واللغات؛ أعلم أن الأسماء واللغات تؤخذ من أربع جهات: من اللغة والعرف والشرع والقياس. . إلى أن قال: فصْل؛ وأما القياس فهو مثل تسمية اللواط زنا قياسًا على وطء النساء، وتسمية النبيذ خمرًا، قياسًا على عصير العنب، وقد اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال يجوز إثبات اللغات والأسماء بالقياس. . ومنهم من قال: لا يجوز ذلك، والأول أصح". (اللمع في أصول الفقه ص 9 - 11، وانظر فيه ص 98).
(4)
قال المحقق ابن عابدين رحمه الله تعالى: "كثيرًا ما يقولون: ذكره محمد في الأصل، ويفسره الشراح بالمبسوط، فعلم أن الأصل مفردًا هو المبسوط اشتهر به من بين باقي كتب الأصول. قال: واعلم أن نسخ المبسوط المروي عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان الجوزجاني، وشرح المبسوط جماعة من المتأخرين مثل: شيخ الإسلام بكر المعروف بخواهرزاده، ويسمى المبسوط الكبير، وشمس الأئمة الحَلْواني وغيرهما. (رسم المفتي 1/ 17، 19).
(5)
هو أسد بن عمرو بن عامر بن عبد الله القاضي البَجلي الكوفي، صاحب الإمام، وأحد الأعلام، سمع أبا حنيفة وتفقه عليه، قال الضيمري بإسناده إلى أبي نعَيْم: أول من كتب كُتُب أبي حنيفة أسد بن عمرو. ولي القضاء بواسط، وولي قضاء بغداد بعد أبي يوسف للرشيد، قال ابن قطلوبغا: "مات سنة 188، وترجمته مستوفاة في كتابي المسمى بالإيثار برجال معاني الآثار للطحاوي رحمه=
وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس*، وتعجيل المغرب وتأخير العشاء إلى ما قبل
وهي خلاف ظاهر الرواية عنه
(1)
.
وأما الثاني - وهو ما وعدناه
(2)
-؛ فروى الترمذي
(3)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ". . . وإنّ أول وقت العشاء
(4)
حين يغيب الأُفُق. ." وغيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة، وإلّا كان باديًا. وأما أقوال الصحابة الموافقة لهذا الحديث فما قدّمناه
(5)
، وأما موافقة أصول النظر؛ فإنه وإن روي عن ابن عمر وغيره "الشفق: الحمرة"، فقد روي ما قدمناه عن غيرهم، وإذا تعارضت الآثار لا يخرج الوقت بالشّكّ كما قاله في "الهداية" وغيرها، فثبت أن قول الإمام هو الأصح، كما اختاره النسفي رحمه الله.
قوله: (ما لم تتغيّر الشمس)، الهداية
(6)
: "والمعتبر تغير القرص، وهو أن يصير بحال لا تَحارُ فيه الأعين
(7)
، هو الصحيح"
(8)
، وفي "الغياثية": وهو
= الله". (الجواهر المضية 1/ 37،376، رقم 307، تاج التراجم ص 129، رقم 63، الفوائد البهية ص 78، 79، رقم 73).
(1)
قال العلامة ابن عابدين: "أعلم أن مسائل أصحابنا الحنفية على ثلاث طبقات؛ الأولى: مسائل الأصول، وتسمى ظاهر الرواية أيضًا، وهي مسائل رويت عن أصحاب المذهب وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى، ويقال لهم العلماء الثلاثة، وقد يلحق بهم زفر والحسن وغيرهما ممن أخذ الفقه عن أبي حنيفة، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة أو قول بعضهم. ثم هذه المسائل التي تسمى بظاهر الرواية والأصول، هي ما وجد في كتب محمد التي هي: المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير والسير الكبير، وإنما سميت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه. الثانية: المسائل النوادر أو مسائل غير ظاهر الرواية، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين لكن لا في الكتب المذكورة، بل إمّا في كتب أخر لمحمد بن الحسن - وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية لأنها لم تروَ عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى -. وإمّا في كتب غير محمد ككتاب المجرد للحسن بن زياد وغيرها، ومنها كتب الأمالي لأبي يوسف. وإمّا بروايات مفردة مثل رواية ابن سماعة ومعلى بن منصور وغيرهما في مسائل معينة". (رسم المفتي 1/ 16، 17، ورد المحتار 1/ 47).
(2)
في نسخة (جـ): "وعدنا"، وفيها سقط سطر قبل هذه الجملة.
(3)
"سنن الترمذي" باب ما جاء في مواقيت الصلاة 1/ 284، رقم 151.
(4)
اللفظ عند الترمذي: "العشاء الآخرة".
(5)
انظر ص 155.
(6)
1/ 49.
(7)
أي يذهب الضوء فلا يحصل للبصر بالنظر إليه حَيرة. (العناية شرح الهداية 1/ 199).
(8)
قوله: (هو الصحيح) احتراز عن قول سفيان وإبراهيم النخعي، وما روي عن محمد أن المعتبر تغير =
ثلث الليل، ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل فإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم.
باب الأذان
الأذان ستة للصلوات الخمس والجمعة دون ما سواها، وصفة الأذان أن يقول: الله أكبر الله أكبر. . إلى آخره، ولا ترجيع فيه، ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، والإقامة مثل الأذان إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين، ويترسل في الأذان ويحدر في الإقامة، ويستقبل بهما القبلة فإذا بلغ إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمينًا وشمالًا. ويؤذن للفائتة ويقيم، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، وكان مخيرًا في الثانية إن شاء أذن وأقام وإن شاء اقتصر على الإقامة، وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر فإن أذن على غير وضوء جاز، ويكره أن يؤذن وهو جنب أو يقيم على غير وضوء، ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها.
باب شروط الصلاة التي تتقدمها
يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمناه ويستر عورته، والعورة من الرجل ما تحت السرة إلى الركبة، والركبة من العورة *، وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها *، وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة وبطنها وظهرها عورة وما سوى ذلك من بدنها ليس بعورة، ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى
الأصح وبه نأخذ، والتأخير إليه مكروه، [والله أعلم].
باب شروط الصلاة
[قوله: (والركبة عورة)، والأصح أنها من الفخذ]
(1)
.
قوله: (إلا وجهها وكفيها)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة، وهو الأصح"، قال في "الجواهر":"أي ليست بعورة في حقّ الصلاة، وعورة في حق النظر"، وقال في "الاختيار"
(3)
: "الصحيح
(4)
أنها ليست بعورة في الصلاة وعورة خارج
= ضوء الشمس على الجدران. (العناية شرح الهداية 1/ 199، وفتح باب العناية 1/ 186).
(1)
هذه المسألة زيادة على الأصل، من نسخة (جـ).
(2)
1/ 54.
(3)
1/ 46.
(4)
المثبت من (جـ) والاختيار، وفي الأصل:"والصحيح".
معها ولا يعيد الصلاة، ومن لم يجد ثوبًا صلى عريانًا قاعدًا يومئ بالركوع والسجود وإن صلى قائمًا أجزأه والأول أفضل، وينوي للصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل *، ويستقبل القبلة إلا أن يكون خائفًا فيصلي إلى أي جهة قدر، فإن
الصلاة". قلت: تنصيص "الكتاب" أولى بالصواب
(1)
، لقول محمد في كتاب "الاستحسان"
(2)
: "وما سوى ذلك عورة"، وقال قاضي خان
(3)
: "وفي قدميها روايتان، والصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة"، [وكذا قال في "نصاب الفقهاء"
(4)
،
(5)
، ولأن ظهر القدم محلّ الزِّينة المنهي عن إبدائها، قال تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}
(6)
، ولما روى أبو داود
(7)
عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال: نعم؛ إذا كان سابعًا
(8)
يغطي ظهور قدمَيْها"
(9)
.
قوله: (لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل)، قلت: ولا تتأخر عنها في
(1)
فالقول بأن المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها، سواء في الصلاة وخارجها هو المنصوص عليه في كتاب القدوري، وذلك كما جاء في نسخة المؤلف (ابن قطلوبغا)، والنسخة المخطوطة المعتمدة في التحقيق.
وفي النسخ المطبوعة - من المختصر - زيادة: "وقدميها" بعد قوله: (إلا وجهها وكفيها) وكذا في عدد من النسخ المخطوطة، وفي بعضها:"وفي قدميها روايتان"، وهذا مما وقفت عليه من النسخ في المكتبة الوطنية بدمشق.
والجدير بالذكر، أني كنت أجد هذه الزيادة (أي: وقدميها) في النسخ "المتأخّرة"، المنسوخة في القرن العاشر وما بعده، مما يدل أن الصحيح المنصوص عليه عند القدوري هو ما أثبت هنا، وأن الزيادة أضيفت من النساخ فيما بعد، بناء على ما اعتمد عليه البعض وصححه من أن القدم ليس بعورة.
وفد اختار المصنف تصحيح القول الموافق لظاهر الكتاب وقال "هو أولى بالصواب"، كما رأيت، وفي المسألة قول ثالث: أنه عورة خارج الصلاة لا فيها، وقد مر، والأقوال الثلاثة مصححة في المذهب كما أفاده المحقق ابن عابدين في حاشية 1/ 272.
(2)
"الاستحسان" من كتب الإمام محمد بن الحسن كما في "تاج التراجم" ص 238، 239، عن "الفهرست" للنديم.
(3)
"الفتاوى"، فصل فيما يفسد الصلاة 1/ 134.
(4)
"نصاب الفقهاء" لأبي المعالي محمد بن أحمد صاحب التتمة، كذا في كشف الظنون 2/ 1954.
(5)
الزيادة من نسخة (جـ).
(6)
سورة النور، الآية رقم 31.
(7)
"سنن أبي داود"، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة 1/ 248، 249، رقم 640.
(8)
في نسخة (د): "نعم إذا كان مانعًا".
(9)
واللفظ في "السنن": "أتصلي المرأة في دِرع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها".
اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى، فإن علم أنه أخطأ القبلة بعدما صلى فلا إعادة عليه، وإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليها.
باب صفة الصّلاة
فرائض الصلاة ستة: التحريمة والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعود في آخر الصلاة مقدار التشهد، ما زاد على ذلك فهو سنة. فإذا دخل الرجل في صلاته كبر ورفع يديه مع التكبير* حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، فإن قال بدلًا من التكبيرة: الله أجلّ أو أعظم، أو الرحمن أكبر، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد *. ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى ويضعهما تحت سرته ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى
الصحيح، قال الإسبيجابي:"لا يصح تأخير النية عن وقت الشروع في ظاهر الرواية"
(1)
.
باب صفة الصلاة
قوله: (ورفع يديه مع التكبير)، قال في "الهداية"
(2)
: "والأصح أنه يرفع أولًا ثم يكبر"، وقال الزاهدي: " [وهو الصحيح]
(3)
وعليه عامة المشايخ"
(4)
.
قوله: (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد)، قال الإسْبيجابي:"والصحيح قولهما"، وقال الزاهدي:"وهو الصحيح"، واعتمده الرهاني والنسفي
(5)
.
(1)
قال الإمام ملا علي القاري: "وقال الكرخي: يصح [أي تأخير النية عن التكبيرة] ما دام في الثناء، وقيل يصح إذا تقدمت على الركوع، والصواب ما في ظاهر الرواية". (فتح باب العناية 1/ 224).
(2)
1/ 57.
(3)
قوله: "وهو الصحيح"، زيادة من نسخة (د)، وكانت مثبتة في (أ) ثم ضُرب عليها.
(4)
قال العلامة ابن عابدين: "والثاني [أي القول بالرفع مع التكبير] اختاره في الخانيّة والخلاصة والتحفة والبدائع والمحيط، بأن يبدأ بالرفع عند بداءته التكبير ويختم به عند ختمه، وعزاه البقالي إلى أصحابنا جميعًا، ورجحه في الحلية، وثمة قول ثالث وهو: أنه بعد التكبير، والكل مروي عنه عليه الصلاة والسلام وما في الهداية أولى". (رد المحتار 1/ 324).
(5)
قال ملّا علي القاري: "إلا أنه يكره بغير التكبير - وصرح به في الذخيرة - وهو الأصح؛ لأن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الوجوب، مع الخلاف في صحة الشروع بغيره". (فتح باب العناية 1/ 240).
جدّك ولا إله غيرك، ويستعيذ * بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويسر بهما، ثم يقرأ فاتحة "الكتاب" وسورةً معها أو ثلاث آيات من أي سورة شاء، أو قرأ ما تيسر عليه من القرآن، وإذا قال الإمام ولا الضالّين قال آمين ويقولها المؤتم ويخفونها، ثم يكبر ويركع * ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرّج بين أصابعه ويبسط ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه ويقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثًا، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه * ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، فإذا استوى قائمًا كبر وسجد واعتمد بيديه على الأرض ووضع وجهه بين كفيه وسجد على أنفه وجبهته فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز الاقتصار على
قوله: (ويستعيذ)، قال في "الهداية"،
(1)
: "الأوَلى أن يقول: أستعيذ بالله"، وهكذا قال أبو جعفر
(2)
، وقال القاضي
(3)
: "والمختار في التعوذ هو اللفظ المنقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
قلت: المنقول ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
قوله: (ثم يكبر ويركع)، قال الطحاوي:"والصحيح أنه يكبر مع الخفض".
قوله
(5)
: (ثم يرفع رأسه. . إلى آخره)، أقال أبو نصر الأقطع:"وأما المنفرد فعن أبي حنيفة روايتان، الصحيح أنه لا يجمع بينهما"]
(6)
، قال الزاهدي:"وقالا يجمع بينهما الإمام دون المؤتم، وعليه الطحاوي وجماعة من المتأخرين".
قوله: (فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف
(1)
1/ 59.
(2)
هو - عند الإطلاق - "الهِندُواني"، ويقال كثيرًا:"الفقيه أبو جعفر".
(3)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 88.
(4)
"سنن أبي داود"، كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك، 1/ 294، 295، رقم 775، ونصّ الحديث: عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبّر ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك. ثم يقول: لا إله إلا الله، ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هَمْزِه ونفخِهِ ونفثه، ثم يقرأ".
(5)
كان هذا القول في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ، د) مذكورًا قبل سابقَيْه، وأثبتُّه على الترتيب الذي رأيتَ، ليوافق ترتيب مسائل المختصر.
(6)
قول أبي نصر الأقطع زيادة من نسختي (جـ و د).
الأنف *، وإن سجد على كور العمامة أو على فاضل ثوبه جاز ويبدي ضبعيه ويجافي بطنه عن فخذيه ويوجّه أصابع رجليه نحو القبلة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، وذلك أدناه، ثم يرفع رأسه ويكبر*، فإذا اطمان جالسًا كبر وسجد، فإذا اطمأن ساجدًا كبر واستوى قائمًا على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض، ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الثانية افترش رجله اليسرى
ومحمد: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر)، قال في "العَوْن"
(1)
: "روي عنه مثل قولهما، وعليه الفتوى"، وقال في "ملتقى البحار"
(2)
: "وقد روى أسد عن أبي حنيفة أن الاقتصار على الأنف لا يجوز، وهو المختار للفتوى"، واعتمده المحبوبي وصدر الشريعة.
قوله: (ثم يرفع رأسه ويكبر)، "الهداية"
(3)
: "تكلموا في مقدار الرفع والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز لأنَّه يُعَدّ ساجدًا، وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنَّه يعد جالسًا فتتحقّق الثانية".
(4)
(1)
هكذا ورد ذكر هذا الكتاب مبهمًا عدة مرات، وفي ص 335، قال المؤلف:"وقال في العون على الدراية. . "، وقال في ترجمة:"الحارثي" في كتابه "تاج التراجم" ص 290: "له كتاب العون. . على الدين، شرح مختلف الرواية"، أما في "كشف الظنون" فقد ورد ذكره هكذا:"العون في. ."(كذا)! وقد جاء تحت هذه الكلمة (أي العون) في مكان آخر من مخطوطة الأصل، (الورقة 14 ب) - بخط صغير جدّا -: شرح مختلف المنظومة.
يقول صاحب الكشف: "مختلف الرواية، مجلد، للشيخ الإمام علاء الدين محمد بن عبد الحميد المعروف بالعلاء العالم" وقال عند ذكره شروح المنظومة للإمام النسفي: "ولأبي الفتح علاء الدين محمد بن عبد الحميد الإسمندي السمرقندي المعروف بالعلاء العالم شرح سماه: حصر المسائل وقصر الدلائل، وتوفي سنة 552"، ولكنه ذكر بعد ذلك أن من شروح المنظومة أيضًا:"عون الدراية والمختلف"، ونسبَه إلى علاء الدين عالم السمرقندي كذلك.
فظهر لي أن كتاب "العون" هو للحارثي، وأنَّه شرح به مختلف الرواية لعلاء الدين عالم السمرقندي، الذي هو شرح على منظومة النسفي، أما كتاب حصر المسائل. . فقد قيل إنه شرح عيون المسائل لأبي الليث، والله تعالى أعلم. (انظر: كشف الظنون 2/ 1180، 1187، 1636، 1868). وانظر ترجمة الحارثي، صاحب العون، فيما يأتي ص 336.
(2)
هو كتاب "ملتقى البحار من منتقى الأخبار" لأبي المفاخر الزَّوْزَني، شَرَح به منظومة الإمام النسفي في الخلاف (كشف الظنون 2/ 1816، 1868).
(3)
1/ 63.
(4)
وفي "تنوير الأبصار" وشرحه "الدر المختار": "وصحح في المحيط أنه يكفي في الرفع - مع الكراهة - أدنى ما يطلق عليه اسم الرفع، لتعلق الركنية بالأدنى كسائر الأركان". (انظر: حاشية رد المحتار 1/ 339).
فجلس عليها ونصب اليمنى نصبًا ويوجّه أصابعه نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه ويبسط أصابعه ويتشهد *، والتشهد: التحيات لله والصّلوات والطّيبات، السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى، ويقرأ في الركعتين الأخريين فاتحة الكتاب خاصة *، فإذا جلس في آخر الصلاة جلس كما جلس في الأولى وتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم* ودعا بما شاء ممّا يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة، ولا يدعو بما يشبه كلام الناس، ثم يسلم* عن يمينه ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويسلم عن يساره مثل ذلك، ويجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأُوليين من المغرب والعشاء إن كان إمامًا، ويخفي القراءة فيما بعد الأوليين، وإن كان
[وقال أبو نصر الأقطع: "تشهّدُ ابنِ مسعود هو المختار عندنا"]
(1)
قوله: (ويقرأ في الركعتين الأخريين فاتحة الكتاب خاصة)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا بيان الأفضل، هو الصحيح"، يعني بخلاف رواية الحسن أنها واجبة فيهما، فإن كان متعمدًا تركها فقد أساء، وإن كان ساهيًا كان عليه السهو. . قال القاضي
(3)
: "وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا حرج عليه في العمد ولا سجود عليه في السهو، وعليه الاعتماد"، وقال الإسْبيجابي:"ظاهر الرواية أنه يتخير فيهما"
(4)
. . . .
(5)
.
قوله: (ثم يسلم)، قال القاضي
(6)
: "واختلفوا في تسليم المقتدي، عند أبي يوسف ومحمد يسلم بعد الإمام، وعن أبي حنيفة فيه روايتان. .
(7)
قال الفقيه أبو جعفر: المختار أن ينتظر إذا سلم الإمام عن يمينه يسلم المقتدي عن يمينه، وإذا فرغ عن يساره، يسلم المقتدي عن يساره".
(1)
هذه الزيادة من نسختي: (جـ و د).
(2)
1/ 65.
(3)
"فتاوى قاضي خان"، فصل فيما يوجب السهو وما لا يوجب السهو 1/ 123.
(4)
وسيذكر صاحب المختصر تفصيل ذلك عند قوله: "وهو مخير في الأخريين، إن شاء قرأ، وإن شاء سكت، وإن شاء سبّح". انظر مختصر القدوري ص 172.
(5)
في هامش مخطوطة الأصل ذكر هنا ما يلي: "نقل في كتاب المسبحة لمحمد أنه يحلق ويشير بأصبعه عند التشهد، تم. .".
ولم أجد أي علامة تفيد أن هذه الزيادة من صلب الكتاب، كما أنها ليست في نسخة (ب) أو غيرها، وكتاب "المسبحة" لم أعثر على ذكر له.
(6)
"فتاوى قاضي خان"، باب افتتاح الصلاة 1/ 88.
(7)
وذكرهما قاضي خان فقال: "في رواية: يسلم بعد الإمام، وفي رواية: يسلم مقارنًا لتسليم الإمام".
منفردًا فهو مخير أن شاء جهر وأسمع نفسه وإن شاء خافت*، ويخفي الإمام القراءة في الظهر والعصر.
قوله: (إن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء خافت)، فالمخافتة حينئذ تصحيح الحروف
(1)
، وهذا مختار الكَرْخي والشيخ أبي بكر البَلْخي المعروف بالأَعْمَش
(2)
.
وعن الشيخ أبي القاسم الصَّفَّار
(3)
والفقيه أبي جعفر الهِندُواني وأبي بكر محمد بن الفضل البخاري
(4)
: "إن أدنى المخافتة أن يُسمع نفسه إلا بمانع"، قال في "زاد الفقهاء"
(5)
: "هو الصحيح".
وقال الحَلْواني
(6)
: "لا يجزيه حتى يُسمِعَ نفسه ويسمع مَن بقربه".
قال في "البدائع"
(7)
: "ما قاله الكرخي أقيس وأصح، وفي كتاب الصلاة
(8)
(1)
أي تصحيح الحروف بلسانه، وأداؤها على وجهها من غير أن يسمع أذنيه، لكن يقع له العلم بتحريك اللسان وخروج الحروف من مخارجها. (انظر بدائع الصنائع 1/ 161).
(2)
الأعمش هو محمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله، الفقيه البلخي، كنيته أبو بكر، تفقه على أبي بكر محمد بن أحمد الإسكاف (- 333 هـ)، وتفقه عليه ولده أبو القاسم عبيد الله، وأبو جعفر الهندواني (- 362 هـ). (الجواهر المضية 3/ 160، رقم 1314، وفيه 4/ 19، رقم 1889: "أبو بكر بن سعيد. . . مات سنة 328).
(3)
هو أحمد بن عصمة أبو القاسم الصفار، فقيه محدث. أخذ عن نصير بن يحيى عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف. كانت إليه الرحلة ببلخ، تفقه عليه أحمد بن الحسين المروزي. مات سنة 326 - وقيل 336 - وهو ابن سبع وثمانين سنة رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 200، 201، رقم 141، الفوائد البهية ص 50، رقم 34).
(4)
هو محمد بن الفضل أبو بكر الكَمَاري البخاري، العلامة الكبير والإمام الجليل، كان معتمدًا في الرواية مقلِّدًا في الدراية، رحل إليه أئمة البلاد، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته. أخذ الفقه عن الأستاذ السَّبَذْمُوني عن أبي حفص الصغير عن أبيه عن محمد. توفي ببخارى سنة 381 وهو ابن ثمانين سنة رحمه الله. (الجواهر المضية 3/ 300 - 302، رقم 1461، الفوائد البهية ص 303، 304، رقم 393).
(5)
للإسبيجابي، وقد مرت ترجمته، وذِكْرُ كتابه ص 148، ت 2.
(6)
هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني، الملقب شمس الأئمة، إمام الحنفية في وقته ببخارى. تفقه على جماعة، وحدث عن أبي عبد الله غنجار البخاري. روى عنه أصحابه مثل أبي بكر السرخسي وغيره. توفي سنة 448 وقيل 456، من تصانيفه: المبسوط. (الجواهر المضية 2/ 229، رقم 821، تاج التراجم ص 189، 190، رقم 142، الفوائد البهية ص 162 - 165، رقم 202).
(7)
"بدائع الصنائع"، كتاب الصلاة، فصل في الواجبات الأصلية في الصلاة 1/ 162.
(8)
أي لمحمد بن الحسن الشيباني، والله أعلم.
والوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهنّ بسلام، ويقنت في الثالثة قبل الركوع في جميع السَّنَة، ويقرأ في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب وسورة معها، فإذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه ثم يقنت*، ولا يقنت في صلاةٍ غيرها، وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها لا يجوز غيرها، ويكره أن يتخذ سورة بعينها لصلاة لا يقرأ فيها غيرها، وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن عند أبي حنيفة*، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئ أقل من ثلاث آيات قصار أو آية طويلة.
ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام*، ومن أراد الدخول في صلاة غيره يحتاج إلى نيّتين،
إشارة إليه فإنه قال: "إن شاء قرأ في نفسه وإن شاء جهر وأسمع نفسه". ولو لم يحمل قوله (قرأ في نفسه) على إقامة الحروف، لأدّى ذلك إلى التكرار الخالي عن الفائدة، ولا عبرة بالعرف
(1)
في الباب؛ لأن هذا أمر بينه وبين الله تعالى فلا يعتبر فيه عرف الناس".
[قلت: وقد صرح محمد في "الآثار" بذلك فقال في الاستثناء: إذا حرك شفتيه بالاستثناء فقد استثنى، وهو قول أبي حنيفة، وقال قبله: يجزيه وإن لم يرفع به صوته.]
(2)
قوله: (ثم يقنت)، قال في "الهداية"
(3)
: "المختار في القنوت الإخفاء"
(4)
.
قوله: (وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة ما يتناوله اسم القرآن عند أبي حنيفة)، هذه رواية عنه، وقال في "البدائع"
(5)
: "في ظاهر الرواية: آيةٌ تامة طويلة كانت أو قصيرة"، ورَجَّح قولَ أبي حنيفة
(6)
، واختار الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة ما هو ظاهر الرواية.
قوله: (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام)، لا يختلفون في أن هذا ظاهر
(1)
في (د): "للعرف".
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي: (جـ و د).
(3)
1/ 81.
(4)
قال ملا علي القاري: "قال في المحيط:. . والإمام يجهر عند محمد. . ولا يجهر عند أبي يوسف، وهو الصحيح". (فتح باب العناية 1/ 323، 324).
(5)
1/ 112.
(6)
قال الكاساني في الموضع المذكور: "وما قاله أبو حنيفة أقيس"، يعني قوله في ظاهر الرواية، إذ ورد عنه في ذلك ثلاث روايات: الأولى والثانية مرّ ذكرهما؛ والثالثة - وهي قولهما -: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة". (رد المحتار 1/ 360).
نيّة الصلاة ونية المتابعة.
والجماعة سنّة مؤكّدة، وأَوْلى الناس بالإمامة أعلمهم بالسُّنة، فإن تساوَوا فأقرؤهم،
الرواية، وقال في "الهداية"
(1)
: "ويكره عندهما، ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد"، وقال في "الذخيرة"
(2)
: "وبعض مشايخنا ذكروا أن على قول محمد لا يكره وعلى قولهما يكره، ثم قال: الأصح أنه يكره".
قلت: لا يصح عن محمد شيء من هذا، فقد قال في كتاب "الآثار"
(3)
: "لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلوات، يجهر فيه أو لا يجهر فيه"
(4)
، وقال فيه أيضًا
(5)
: "لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات"، وقال في كتاب "الحجة"
(6)
: "لا يقرأ خلف الإمام فيما جهر
(7)
ولا فيما لا يجهر، بذلك جاءت
(8)
عامة الأخبار"، ثم رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة"
(9)
، وعن زيد بن ثابت:"من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له"
(10)
، وعن عمر [رضي الله عنه]:"ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرًا"
(11)
وعن سعد بن أبي
(1)
1/ 68.
(2)
في كشف الظنون 1/ 823، 824:"ذخيرة الفتاوى"، المشهورة بالذخيرة البرهانية، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري، اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط، كلاهما مقبولان عند العلماء، قال في مقدمتها:". . وقد انضم إلى ما وقع في قلبي التماس بعض الأحباب فشرعت في هذا الجمع وأوضحت أكثر المسائل بالدلائل وسميت المجموع بالذخيرة وشحنته بالفوائد الكثيرة".
(3)
قال الإمام الكوثري: "كتاب الآثار لمحمد بن الحسن، يروي فيه عن أبي حنيفة أحاديث مرفوعة وموقوفة ومرسلة، ويكثر جدًا عن إبراهيم النخعي شيخ الطريقة العراقية، ويروي فيه قليلًا عن نحو عشرين شيخًا سوى أبي حنيفة، وهو كتاب نافع للغاية، ولمشايخنا عناية خاصة بروايته في أثباتهم". (بلوغ الأماني ص 68).
(4)
"الآثار" 1/ 163، 164.
(5)
1/ 187.
(6)
قال الإمام الكوثري: "ومِن كتب محمد بن الحسن كتاب: "الحجة" المعروف بالحجج، في الاحتجاج على أهل المدينة، رواه عنه أبو موسى عيسى بن أبان البصري". (بلوغ الأماني ص 10 و 68).
(7)
في نسخة (د): "فيما يجهر ولا فيما لا يجهر".
(8)
في نسخة (جـ): " أجاب".
(9)
كتاب "الحجة على أهل المدينة"، باب القراءة خلف الإمام 1/ 116 - 119.
(10)
ولفظه في "الحجة" 1/ 122: "من قرأ مع الإمام. . .".
(11)
"الحجة" 1/ 121، وفي مخطوطة (أ و ب):"حجر"!
فإن تساووا فأَورعهم، فإن تساوَوا فأسنّهم، ويكره تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنى فإن تقدموا جاز، وينبغي للإمام أن لا يطول بهم الصلاة، ويكره للنساء أن يصلّينَ وحدهنّ جماعة، فإن فعلنَ ذلك وقفت الإمام وسطهنّ، ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه فإن كانا اثنين تقدم عليهما، ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة*، ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء، فإن قامت امرأة إلى جنب رجل وهما
وقاص: "ودِدت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة"
(1)
، وعن علقمة
(2)
قال: "لأن أعضّ على جمرة أحبّ إليّ من أن أقرأ خلف الإمام"
(3)
، وعن ابن عمر أنه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال:"تكفيك قراءة الإمام"
(4)
، وعنه:"من صلى خلف إمام كفته قراءته"
(5)
، وعنه أنه كان لا يقرأ مع الإمام
(6)
، وعنه:"إذا صلى أحدكم مع الإمام فحسبه قراءة الإمام"
(7)
، [وعنه: "إذا صلى أحدكم مع الإمام فحسبه الإمام]
(8)
، وعن جابر:"من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِّ إلا وراء الإمام"
(9)
وعن القاسم أنه كان ممّن لا يقرأ
(10)
، وعن عبد الله بن مسعود سئل عن القراءة خلف الإمام فقال:"أنصت فإن في الصلاة شغلًا وسيكفيك الإمام"
(11)
، وعنه: "أنه كان لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر ولا ما يخافت فيه في الأوليين
(12)
ولا في الأخريين". قوله: (ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة ولا صبي)، قال في
(1)
"الحجة" 1/ 121.
(2)
هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، فقيه الكوفة وعالمها ومقرؤها المتوفى سنة إحدى وستين، قال الإمام أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل: فعلقمة والأسود؟ فقال: هو وهما. وعنه: أفضلهم قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق. (الجواهر المضية 4/ 541، 542).
(3)
"الحجة" 1/ 120.
(4)
انظر: "موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن" 1/ 415.
(5)
"الحجة" 1/ 118.
(6)
"الحجة" 1/ 119.
(7)
واللفظ في كتاب "الحجة" 1/ 116: "خلف الإمام" بدل: (مع الإمام).
(8)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(9)
"الحجة" 1/ 117.
(10)
"موطأ الإمام مالك برواية الإمام محمد" 1/ 422، و "الحجة" 1/ 119، والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد فقهاء المدينة السبعة، روى عن أبي هريرة، وعنه الزهري، وروى له الجماعة. مات سنة 108 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 4/ 548، 549).
(11)
كتاب "الحجة" 1/ 119، وانظر 1/ 120.
(12)
كذا في "الحجة" 1/ 119، ونسختي (جـ و د)، وفي (أ و ب):"الأولين".
مشتركان في صلاة واحدة فسدت صلاته، ويكره للنساء حضور الجماعات*، ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء*، ولا يصلي الطاهر خلف مَن به سلس البول، ولا الطاهرات خلف المستحاضة ولا القارئ خلف الأمي ولا المكتسي خلف العريان، ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين، والماسح على الخفين الغاسلين، ويصلي القائم خلف القاعد، ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ، ولا يصلي المفترض خلف المتنفل، ولا يصلي فرضًا خلف من يصلي فرضًا آخر، ويصلي المتنفل خلف المفترض، ومن اقتدى بإمام ثم علم أنه على غير وضوء أعاد الصلاة.
ويكره* للمصلي أن يعبث بثوبه أو ببدنه، ولا يقلب الحصى إلا أن لا يمكنه السجود
" الهداية"
(1)
: "وفي التراويح والسنن المطلقة جوّزه مشايخ بلْخ - يعني الاقتداء بالصبي - ولم يجوزه مشايخنا، ومنهم من حقّق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف وبين محمد، والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها".
قوله: (ويكره للنساء حضور الجماعات)، قال في "الهداية"
(2)
: "يعني الشوابّ منهنّ".
قوله: (ولا بأس بأن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء)، وفي "شرح "الهداية""
(3)
: "عمّم المتأخرون المنع للعجائز والشواب، في الصلوات كلها، لغلبة الفساد في سائر الأوقات"، وقال في "الكافي": "واختلفت الروايات في المغرب فجاز أن يكون روايتان فيه
(4)
، والفتوى اليوم على الكراهة في كلّ الصلوات، لظهور الفساد".
قوله: (ويكره)، قال القاضي
(5)
: "ويكره أن يصلي وبين يديه أو فوق رأسه أو عن يمينه أو يساره أو في ثوبه تصاوير
(6)
، وفي البساط روايتان، والصحيح أنه لا يكره على البساط إذا لم يسجد على التصاوير"
(7)
.
(1)
1/ 70.
(2)
1/ 71.
(3)
"فتح القدير" لابن الهمام 1/ 317، وجاءت هذه المسألة في "الهداية" 1/ 71 هكذا:"ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: يخرجن في الصلوات كلها".
(4)
قالوا: المغرب كالعشاء. . وقيل كالظهر. (فتح القدير 1/ 317).
(5)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 119.
(6)
أي صورة حيوان؛ لأن صورة الجماد والشجر في الثوب والمسجد لا يكره. (فتح باب العناية 1/ 311).
(7)
وفي "الجامع الصغير" عن أبي حنيفة قال: "ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير، ولا يسجد =
فيسويه مرة، ولا يفرقع أصابعه ولا يتخصّر ولا يسدل ثوبه ولا يشبك يديه ولا يعقص شعره ولا يكف ثوبه ولا يلتفت ولا يقعى* ولا يرد السلام* بلسانه ولا بيده، ولا يتربع
قوله: (ولا يقعى)، "الهداية"
(1)
: "والإقعاء أن يضع ألْيتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبًا، هو الصحيح"، هذا تفسير الطحاوي، واحترز من قول الكرخي أنه يقعد على عقيبه ناصبًا رجليه واضعًا يديه على الأرض.
قوله: (ولا يرد السلام)، قال القاضي
(2)
: "إذا سلم رجل على المؤذن في أذانه، أو عطس رجل وحمد الله تعالى، أو سلم على المصلي أو على من يقرأ القرآن أو على الإمام وقت الخطبة، ففرغ المؤذن عن الأذان والمصلي عن الصلاة والقارئ عن القراءة والخطيب عن الخطبة
(3)
، هل يلزمهم ردّ السلام
(4)
وتشميت العاطس ويُؤدّى
(5)
روي عن أبي حنيفة أن السامع يرد السلام في نفسه ويشمته في قلبه، ولا يلزمه شيء من ذلك. .
(6)
في الأذان والصلاة وقراءة القرآن، فإذا فرغ عما كان فيه فإنه يرد السلام ويشمته إن كان حاضرًا، وعن أبي يوسف أنه لا يفعل شيئًا من ذلك لا قبل الفراغ ولا بعده، هو الصحيح". وفي "الخلاصة"
(7)
: "وعن محمد يرد بعد الفراغ. . وأجمعوا
= على "التصاوير". (النافع الكبير ص 86).
(1)
1/ 87.
(2)
"الفتاوى الخانية" 1/ 79، 80.
(3)
قوله: (والخطيب عن الخطبة) غير مذكور في "الفتاوى".
(4)
وهذه المسألة فرع مسألة أخرى مفادها أن كل محل لا يشرع فيه السلام لا يجب رده في الحال. (انظر: رد المحتار 1/ 414، 415).
(5)
كذا في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ، د)، وفي "فتاوى قاضي خان":"ونحو ذلك"، بدل كلمة (ويؤدى)، والصحيح ما في "الفتاوى"، والله أعلم.
(6)
قوله: (ولا يلزمه شيء من ذلك في الأذان) كذا في النسخ المخطوطة (أ ب جـ د) وهو خطأ سقط منه كلام، ففي فتاوى تاضي خان 1/ 80 - حيث النقل منه - قال:"ولا يلزمه شيء من ذلك إذا فرغ عما كان فيه. وعن محمد أنه لا يفعل من ذلك شيئًا في الأذان. . الخ" فهذا قول محمد، وسيذكره المصنف بعد قليل عن "الخلاصة". وقد يدل اتفاق النسخ على إسقاط هذه الجملة، أنّ الخطأ وقِع أصلًا في نسخة الفتاوى الخانية التي اعتمد عليها المصنف نفسه، والا لما أعاد رأي محمد أيضًا. كما سيأتي عن "الخلاصة".
(7)
هو كتاب "خلاصة الفتاوى" للشيخ الإمام طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري المتوفى سنة 542. وهو كتاب مشهور معتمد، ذكر في أوله أنه كتب في هذا الفن خزانة الواقعات وكتاب النصاب، فسأل بعض إخوانه تلخيص نسخة قصيرة يمكن ضبطها فكتب "الخلاصة" جامعة للرواية خالية عن الزوائد مع بيان مواضع المسائل. (كشف الظنون 1/ 718).
إلا من عذر، ولا يأكل ولا يشرب*، فإن سبقه الحدث انصرف فإن كان إمامًا استخلف* وتوضأ وبنى على صلاته والاستئناف أفضل، فإن نام فاحتلم أو جنّ أو أغمي عليه أو قهقهَ استأنف الصلاة والوضوء، وإن تكلم في صلاته عامدًا أو ساهيًا بطلت صلاته، وإن سبقه الحدث بعدما قعد قدر التشهد توضأ وسلم وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملًا ينافي الصلاة تمت صلاته، وإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته فإن رآه بعد ما قعد مقدار التشهد أو كان ماسحًا على خفيه فانقضت مدة مسحه أو خلع خفيه بعمل يسير أو كان أمّيًّا فتعلم سورة، أو عريانًا فوجد ثوبًا أو موميًا فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر أن عليه صلاة قبل هذه أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أميًّا، أو طلعت عليه الشمس في صلاة الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة أو كانت مستحاضة فطهرت أو كان ماسحًا على الجبيرة فسقطت عن برء بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة*، وقال أبو يوسف ومحمد: تمت الصلاة.
أن المتغوط لا يلزمه في الحال ولا بعد الفراغ"
(1)
.
قوله
(2)
: (ولا يأكل ولا يشرب)، فلو قاء ملء الفم ثم ابتلعه ولم يمجّه، وهو يقدر على مخه تفسد صلاته، وإن لم يكن ملء الفم لا تفسد في قول أبي يوسف، وتفسد في قول محمد، قال قاضي خان
(3)
: "والأحوط قوله".
قوله: (فإن كان إمامًا استخلف)، قال القاضي
(4)
: "الإمام إذا أحدث واستخلف رجلًا من
(5)
خارج المسجد والصفوف متّصلة بصفوف المسجد لم يصح استخلافه، وتفسد صلاة القوم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي فساد صلاة الإمام روايتان
(6)
والأصح هو الفساد".
قوله: (بطلت صلاتهم عند أبي حنيفة)، رُجِّحَ دليلُه في الشروح وعامة المصنفات، واعتمده النسفي وغيره.
(1)
انظر: "خلاصة الفتاوى" 1/ 50، 51.
(2)
هذه المسألة ذكرت في آخر الباب في نسخة (جـ).
(3)
"الفتاوى" 1/ 135.
(4)
"الفتاوى الخانية" 1/ 115، 116.
(5)
في (د): "في خارج المسجد".
(6)
قال العلامة ابن عابدين: "إذا خرج [المستخلِف من المسجد] بطلت الصلاة فلم يصح الاستخلاف ولو كانت الصفوف متصلة وهو في أثنائها؛ لأن المناط الخروج، وهذا عندهما، وعند محمد يصح الاستخلاف من خارج، وبه صرح الكمال وغيره. . . والمراد ببطلان الصلاة صلاة القوم والخليفة دون الإمام في الأصح، كما في البحر وغيره". (رد المحتار 1/ 404).
باب قضاء الفوائت
ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها، وقدمها على صلاة الوقت إلا أن يخاف فوت صلاة الوقت فيقدم صلاة الوقت ثم يقضيها، وإن فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في "الأصل" إلا أن نزيد الفوائت على ست صلوات فيسقط الترتيب فيها*.
باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة
لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيامها في الظهيرة ولا عند غروبها، ولا يصلي على جنازة ولا يسجد للتلاوة إلا عصر يومه عند غروب الشمس، ويكره أن يتنفل بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا بأس بأن
باب قضاء الفوات
قوله: (إلا أن تزيد الفوائت على ستِّ صلوات فيسقط الترتيب فيها)، قال القاضي
(1)
: "وعن محمد [رحمه الله] الترتيب إذا سقط بكثرة الفوائت هل يعود ما بقي عليه شيء من الفوائت؟ فيه روايتان، اختار ابن الفضل
(2)
رواية العود، واختار شمس الأئمة السَّرخَسي
(3)
رواية عدم العود بعد ذلك
(4)
. . وقال بعضهم: لا يعود، هو المختار"
(5)
، قال
(6)
: "ولو ترك ثلاث صلوات؛ الظهر والعصر والمغرب، من ثلاثة أيام، على قول أبي يوسف ومحمد يقضي ثلاث صلوات ولا تجب مراعاة الترتيب، كما قالا في الظهر والعصر أنه يقضيهما ولا يعيد الأولى منهما، واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة، قال بعضهم يقضي سبع صلوات، والفتوى على قولهما".
(1)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 111، 112.
(2)
هو أبو بكر محمد بن الفضل البخاري.
(3)
هو محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر شمس الأئمة السَّرَخْسي، صاحب المبسوط. كان علّامة حجة متكلمًا فقيهًا أصوليًا مناظرًا، لزم الإمام شمس الأئمة الحلواني حتى تخرج به وصار انظر أهل زمانه، وأخذ في التصنيف وناظر الأقران وظهر اسمه وشاع خبره. توفي في حدود الخمس مئة رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 78 - 82، رقم 1219، تاج التراجم ص 234، 235، رقم 201، الفوائد البهية ص 261، 262، رقم 328).
(4)
في نسخة (د): "ثم قال بعد ذلك: وقال بعضهم".
(5)
قال في فتح باب العناية 1/ 360: "ومتى سقط الترتيب لا يعود في أصح الروايات حتى لو ترك صلاة شهر وقضاها إلا صلاة، ثم صلى الوقتية ذاكرًا لها جاز".
(6)
أي قاضي خان، انظر "الفتاوى" له 1/ 113.
يصلي في هذين الوقتين الفوائت ويسجد للتلاوة، ولا يصلي ركعتي الطواف، ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر، ولا يتنفل قبل المغرب.
باب النوافل
السُّنّة في الصلاة أن يصلي ركعتين بعد طلوع الفجر، وأربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها، وأربعًا قبل العصر وإن شاء ركعتين، وركعتين بعد المغرب، وأربعًا قبل العشاء وأربعًا بعدها وإن شاء ركعتين، ونوافل النهار إن شاء صلى ركعتين بتسليمة واحدة وإن شاء أربعًا، وتكره الزيادة على ذلك، فأما نافلة الليل قال أبو حنيفة رحمه الله: إن صلى ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز وتكره الزيادة على ذلك، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة *.
والقراءة في الفرض واجبة في الركعتين الأوليين، وهو مخير في الأخريين إن شاء قرأ وإن شاء سكت وإن شاء سبح. والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل وفي جميع الوتر، ومن دخل في صلاة النفل ثم أفسدها قضاها، وإن صلى أربع ركعات تطوعًا وقعد في الأوليين ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين. ويصلي النافلة قاعدًا مع القدرة على القيام، وإن
باب النوافل
قوله: (فأما نافلة الليل، فقال أبو حنيفة: إن صلَّى ثماني ركعات بتسليمة واحدة جاز وتكره الزيادة على ذلك، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة)، يعني من حيث الأفضلية. والأفضل عنده أربع أربع في الليل والنهار، قال في "العون": "وبقولهما يفتى اتباعًا للحديث
(1)
".
قلت: إن كان الترجيح بهذا
(2)
، ففي الصحيحين
(3)
عن عائشة [رضي الله
(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى" متفق عليه. (صحيح البخاري، كتاب الونر، باب ما جاء في الوتر 2/ 15، رقم 993، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، 1/ 519، رقم 159).
(2)
مراد المصنف - والله أعلم - أنه لم ينهج في هذا الكتاب منهج الاستدلال والترجيح دراية، بالرجوع إلى مآخذ الأئمة من الكتاب والسنة، بل عمد إلى الترجيح بين المسائل التي تعدَّدت فيها الرواية عن الإمام وصاحبيه - كما مر في المقدمة - أمّا وقد قيل بأن الفتوى على ما قالا لموافقة الحديث، ففيه إيهام بأن الإمام هنا غير متبع لدليل، ولذا، فإن كان الترجيح بإيراد الأدلة، فسيسلك المصنف منهجهم في هذه المسألة ليبين لهم أن ما احتج به لقول أبي حنيفة مقدم على غيره.
(3)
"صحيح البخاري"، كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره 2/ 60، رقم 1147، و"صحيح مسلم "، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل 9/ 501، رقم 125 (738).
افتتحها قائمًا ثم قعد جاز عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز إلا بعذر *، ومن كان خارج المصر يتنفل على دابته إلى أي جهة توجّه يومئ إيماء.
عنها]: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد
(1)
في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعَا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن
(2)
، ثم يصلي ثلاثًا. ." الحديث، وهذا يفيد المواظبة، ولا ينافي: "صلاة الليل مثنى مثنى"
(3)
؛ لأن مثنى معدول عن اثنين اثنين، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما فعلُ ليلة
(4)
، وقد اعتمد الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم قول الإمام.
قوله: (وإذا افتتحها قائمًا ثم قعد جاز من غير عذر عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز إلا من عذر)، قال في "الهداية"
(5)
: "قوله استحسان، وقولهما
(1)
في نسخة (جـ): "عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد .. . ".
(2)
في (جـ): "طولهنّ وحسنهن"، وكذا في الموضع السابق.
(3)
متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب التهجد، باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟ (صحيح البخاري 2/ 57). ورواه مسلم - واللفظ له - في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى (صحيح مسلم 1/ 516).
(4)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة، قال:"فاضطجعت في عرض وسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام حتى انتصف الليل أو قريبًا منه، فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ عشر آيات من آل عمران، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شنِّ معلقة فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قام يصلي، فصنعت مثله، فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها، ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح" رواه البخاري في صحيحه، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر 2/ 15، رقم 992، وانظر فتح الباري 2/ 554.
قال الكمال بن الهمام: "تترجّح رواية عائشة على حديث ابن عباس لأنها أعلم بتهجّده صلى الله عليه وسلم منه ومن جميع الناس، وغاية ما حكاه هو ما شاهده في ليلة فاذة، وهي أعلم بما كان عليه في عموم لياليه إلى أن توفاه الله تعالى، مع أنه قد اختلف على ابن عباس، قال الشعبي: سألت عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: ثلاث عشرة ركعة، منها ثمان ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر. وهذا موافق لحديث عائشة رضي الله عنها، وكأنه حكى في تلك الرواية ما شاهده، ثم علم بواسطة أزواجه رضي الله عنهن ما استقر حاله عليه، فلما سأله الشعبي عن صلاته صلى الله عليه وسلم أجاب بما علمه متقررّا". (فتح القدير 1/ 390، 391).
(5)
باب النوافل، فصل في القراءة 1/ 84، وفيه:"وعندهما لا يجزيه، وهو قياس".
باب سجود السّهو
سجود السّهو واجب في الزيادة والنقصان بعد السلام*، يسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم، والسهو يلزم* إذا زاد في صلاته فعلًا من جنسها ليس منها أو ترك فعلًا مسنونًا أو ترك قراءة فاتحة الكتاب أو القنوت*
قياس"، واختار المحبوبي والنسفي وغيرهما قول الإمام.
باب سجود السَّهو
قوله: (بعد السلام)، قال في "الهداية"
(1)
: "ويأتي بالتسليمتين هو الصحيح، صرفًا للسلام المذكور - يعني في الحديث
(2)
- إلى ما هو المعهود، ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء في القعدة بعد السهو
(3)
، هو الصحيح؛ لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة"
(4)
.
قوله: (والسهو يلزم)، قال في "الهداية"
(5)
و"شرح الزاهدي": "هذا يدل على أن سجدة السهو واجبة، وهو الصحيح".
قوله: (أو القنوت)، قال القاضي
(6)
: "ولو نسي القنوت فتذكر في الركوع، فيه روايتان، والصحيح أنه لا يقنت في الركوع ولا يعود إلى القيام، فإن عاد إلى القيام وقنت ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته؛ لأن ركوعه قائم لم يرتفض".
(1)
1/ 90.
(2)
قوله: (يعني في الحديث) اعتراض من المصنف، أي الحديث الذي نقله صاحب الهداية من قبل، حيث قال في الهداية 1/ 89:"ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "لكل سهو سجدتان بعد السلام"، وروي أنه عليه الصلاة والسلام سجد سجدتي السهو بعد السلام".
قلت: والحديث الأول رواه أبو داود في سننه، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس 1/ 391، رقم 1038. ورواه ابن ماجه في السنن، باب ما جاء فيمن سجدهما بعد السلام 1/ 385، رقم 1219. والثاني رواه البخاري في صحيحه، كتاب السهو باب إذا صلى خمسًا 2/ 82، رقم 1226. ومسلم في صحيحه بلفظ:"عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام". كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/ 402، رقم 95.
(3)
في نسخة (د): "بعد السلام".
(4)
وفي حاشية نسخة (ب) في هذا الموضع: "قال في شرح الكنز لشيخنا: أطلق المصنف في السلام فانصرف إلى المعهود في السلام وهو تسليمتان كما هو في الحديث، وصححه في الظهيرية والهداية، وعلل عليّ البزدوي فقال:. . ." الخ النقل، انظر - إن شئت - "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" لابن نجيم: 2/ 100.
(5)
1/ 90.
(6)
"فتاوى قاضي خان"، فصل في مسائل الشك والاختلاف بين الإمام والقوم 1/ 106.
أو التشهد* أو تكبيرات العيدين، أو جهر الإمام فيما يخافت* أو خافت فيما يجهر، وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود، ومن سها عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلى حال القعود أقرب عاد فجلس وتشهد*، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد ويسجد للسهو،
قوله: (أو التشهد)، قال في "الهداية"
(1)
و"شرح الزاهدي": "يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما وكل ذلك واجب، وفيها السجدة، هو الصحيح"، وقال القاضي
(2)
: "إذا نسي التشهد في آخر الصلاة فسلم ثم تذكر واشتغل بقراءة التشهد فلما قرأ البعض سلم قبل إتمام التشهد، فسدت صلاته في قول أبي يوسف؛ لأن قعوده الأول ارتفض بالعود إلى قراءة التشهد فإذا سلم قبل إتمام التشهد فسدت صلاته. وقال محمد: لا تفسد صلاته لأن قعوده ما ارتفض عليه
(3)
بالعود إلى قراءة التشهد وإنما ارتفض بقدر ما قرأ، ولم
(4)
يرتفض أصلًا؛ لأن محل قراءة التشهد القعدة، فلا ضرورة إلى رفضها، وعليه الفتوى".
قوله: (ولو جهر الإمام فيما يخافت)، قال في "الهداية"
(5)
: "واختلفت الرواية في المقدار، والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين
(6)
".
قوله: (عاد فجلس وتشهد)، قال في "الهداية"
(7)
: "ثم قيل: يسجد للسهو، والأصح أنه لا يسجد"، ولم يفسر القرب إلى القعود والقيام، وقال القاضي
(8)
: "وفي رواية
(9)
إذا قام على ركبتيه لينهض فقعد، عليه السهو،
(1)
1/ 90.
(2)
"فتاوى قاضي خان"، فصل فيما يوجب السهو وما لا يوجب السهو 1/ 124.
(3)
"الفتاوى": "لأن قعود الأول ما ارتفض كله بالعود. .".
(4)
في "الفتاوى": ". . أو لم. .".
(5)
1/ 90.
(6)
قال المحقق ابن الهمام: "قوله الأصح، احتراز عن رواية النوادر أنه إذا جهر في المخافتة فعليه السجود قل أو كثر، وإن خافت في الجهرية فإن كان في أكثر الفاتحة أو ثلاث آيات من غيرها، أو آية قصيرة، على مذهب أبي حنيفة فعليه السجود والا فلا". (فتح القدير 1/ 441).
(7)
1/ 91.
(8)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 120.
(9)
قال قاضي خان قبل ذكره لهذه الرواية: "وسجود السهو يتعلق بأشياء منها: إذا قعد فيما يقام فيه، أو قام فيما يجلس فيه وهو إمام أو منفرد. أراد بالقيام إذا استتمّ قائمًا أو كان إلى القيام أقرب فإنه لا يعود إلى القعدة، وإن لم يكن كذلك قعد ولا سهو عليه". =
ومن سها عن القعدة الأخيرة فقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد وألغى الخامسة ويسجد للسهو، فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه وتحولت صلاته نفلًا وكان عليه أن يضم إليها ركعة سادسة، وإن قعد في الرابعة قدر التشهد ثم قام إلى الخامسة ولم يسلم يظنها القعدة الأولى عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة ويسلم، وإن قيد الخامسة بسجدة ضمّ إليها ركعة أخرى وقد تمت صلاته، والركعتان له نافلة. ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا وذلك أول ما عرض له* استأنف الصلاة، فإن كان الشك يعرض له كثيرًا بنى على غالب ظنه* إن كان له ظن وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين.
باب صلاة المريض
إذا تعذر على المريض القيام صلى قاعدًا يركع ويسجد، فإن لم يستطع الركوع والسجود أومأ إيماء وجعل السجود أخفض من الركوع ولا يرفع إلى وجهه شيئًا يسجد
ويستوي فيه القعدة الأولى والثانية وعليه الاعتماد، وإن رفع ألْيتيه عن الأرض، وركبتاه على الأرض، لم يرفعهما فلا سجود عليه، هكذا روي عن أبي يوسف".
قوله: (وذلك أول ما عرض له)، قال القاضي
(1)
: "اختلفوا في تفسير ذلك، قال بعضهم: أول ما سها في هذه الصلاة، وقال بعضهم: أول ما سها في غيرها
(2)
، وعليه أكثر المشايخ"
(3)
.
[قوله: (بنى على غالب ظنه)، وقال أبو نصر الأقطع: وهذا هو المشهور من قولهم، وروى الحسن عن أبي حنيفة: بنى على اليقين]
(4)
.
= وقال ملا علي القاري: "وفي شرح الكنز: والأصح أنه يقعد ما لم يستتم قائمًا، قلت: وهو ظاهر الرواية، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا استتم أحدكم قائمًا فليصلِّ وليسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائمًا فليجلس ولا سهو عليه"، رواه الطحاوي، وهو اختيار محمد بن الفضل". (فتح باب العناية 1/ 367، 368 بتصرف يسير).
(1)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 120.
(2)
واللفظ في "الفتاوى": "أول ما سها في عمره".
(3)
"قال صاحب الأجناس: معناه أول ما سها في عمره، وقال شمس الأئمة السرخسي: معناه أن السهو ليس بعادة له، لا أنه لم يسْهَ قط، وقال فخر الإسلام: يعني في هذه الصلاة". (العناية 1/ 452).
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (د).
عليه، فإن لم يستطع القعود واستلقى* على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة أومأ بالركوع والسجود، فإن استلقى على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة وأومأ جاز، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة*، ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبيه،
باب صلاة المريض
قوله: (فإن لم يستطع القعود استلقي)، قال في "البدائع"
(1)
: "ما ذكرنا من الصلاة مستلقيًا جواب المشهور من الروايات".
قوله: (أخّر الصلاة
(2)
)، [الهداية]
(3)
: "إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة، وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقًا، هو الصحيح؛ لأنَّه يفهم مضمون الخطاب، بخلاف المغمى عليه".
قلت: قد صرح المصنف رحمه الله بتصحيح خلاف هذا الصحيح في "مختارات النوازل"
(4)
فقال: "فإن لم يستطع الإيماء برأسه أُخرت الصلاة عنه، حتى لو مات لم تجب الكفارة عليه ولا يؤاخذ به ولا تسقط ما دام مفيقًا وإن طال العجز حتى لو صح يقضيها بخلاف المغمى عليه، وقيل: تسقط؛ لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب، فإن المقصود من الخطاب الامتثال بأوامره أداءَ وهو لا يقدر عليه، وقيل: إن كان أقل من يوم وليلة لا يسقط، وإن كان أكثر من يوم وليلة يسقط، وهو الصحيح، كما في
(5)
المغمى عليه". انتهى.
وهذا وفق ما في "البدائع"
(6)
حيث قال: "ثم إذا سقطت عنه الصلاة بحكم العجز، فإن مات من ذلك المرض لقي الله تعالى ولا شيء عليه؛ لأنَّه لم يدرك وقت القضاء، وأما إذا برأ وصحّ، فإن كان المتروك صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع، وإن كان أكثر من ذلك، فقال بعض مشايخنا
(1)
1/ 106.
(2)
في نسخة (د): "قوله آخر الصلاة بنى على صلاته قائمًا قال أبو نصر: هذا هو المشهور من رواية الأصل، وروى بئر عن أبي حنيفة أنه يستقبل".
(3)
1/ 93، وكلمة:"الهداية" مثبتة من (جـ و د)، ساقطة من الأصل.
(4)
كتاب "مختارات النوازل" للإمام علي بن أبي بكر المرغيناني صاحب الهداية، وتصانيفه كلها مقبولة معتمدة كما يقول الإمام اللكنوي في الفوائد البهية ص 232. وقد يذكر المصنف كتاب المختارات بلفظ: مجموع النوازل كما في ص 359، وفي تاج التراجم ص 207 قال:"وله كتاب مختار مجموع النوازل".
(5)
في (د): "كما هو المغمى عليه".
(6)
فصل في أركان الصلاة 1/ 107، 108.
..............
يلزمه القضاء أيضًا لأن ذلك لا يعجزه عن فهم الخطاب، فيمنعَ الوجوب
(1)
، والصحيح أنه لا يلزمه القضاء لأن الفوائت دخلت في حدّ التكرار، وقد فأتت لا بتضييعه للقدرة
(2)
بقصده، فلو وجب عليه قضاؤها لوقع في الحرج. . ولهذا سقطت عن الحائض وإن لم يكن الحيض معجزها
(3)
عن فهم الخطاب"، وما قال القاضي الإمام فخر الدين قاضي خان في "فتاواه"
(4)
: "إذا عجز المريض عن الإيماء بالرأس في ظاهر الرواية يسقط عنه فرض الصلاة، ولا يعتبر الإيماء بالعينين والحاجبين، ثم إذا خفّ مرضه هل تلزمه الإعادة؟ اختلفوا فيه، قال بعضهم إن زاد عجزه على يوم وليلة لا يلزمه القضاء، وإن كان دون ذلك يلزمه كما في الإغماء، وقال بعضهم: إن كان يعقل لا يسقط عنه الفرض، والأول أصح؛ لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب"، وما قال في "المحيط": "عَجْزُ المريض عن الإيماء يُسْقِط عنه الصلاةَ، وإن برأ وصح، قيل يلزمه القضاء وإن كثر كما في النوم
(5)
، والصحيح أنه إن ترك صلاة يوم وليلة يقضي، وإن كان أكثر لا يقضي"، وما قال في "الينابيع": "فإذا زال العذر يجب عليه أن يقضي ما فاته في مرضه، هكذا ذكر [هـ] الكرخي في "مختصره"
(6)
، وقال بعضهم: إن كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب القضاء، وإن كانت أقل من ذلك فعليه القضاء، وهو الصحيح"، وما قال في "الاختيار"
(7)
: "فإن عجز عن الإيماء برأسه أخّر الصلاة. . فإن مات على تلك الحالة فلا شيء عليه، وإن برَأ فالصحيح أنه يلزمه قضاء يوم وليلة لا غير، نفيًا للحرج"، وما قال في "البدائع" في
(1)
وفي البدائع: "لأن ذلك لا يعجزه عن فهم الخطاب فوجبت عليه الصلاة فيؤاخذ بقضائها بخلاف الإغماء لأنَّه يعجزه عن فهم الخطاب فيمنع الوجوب عليه لا، فقد سقط سطر من النُّسخ (أ، ب، جـ، د)، أو أسقطه المصنف اختصارًا. .
(2)
في البدائع: "لا بتضييعه القدرة بقصده".
(3)
في البدائع: "يعجزها".
(4)
1/ 172.
(5)
في (د): "وإن كان أكثر كما في اليوم".
(6)
"مختصر الكرخي" في فروع الحنفية، للإمام عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي المتوفى سنة 340. شرحه صاحباه: أبو الحسين أحمد بن محمد القدوري، صاحب الكتاب، والإمام أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص (- 370 هـ). (انظر كشف الظنون 2/ 1634، 1635).
(7)
1/ 77.
.............
موضع آخر
(1)
: "وإن كان وجه المريض إلى غير القبلة وهو لا يجد من يحوّل وجهه إلى القبلة ولا يقدر على ذلك بنفسه، يصلي كذلك لأنَّه ليس في وسعه إلا ذلك، وهل يعيدها إذا برأ؟ روي عن محمد بن مقاتل الرازي
(2)
أنه يعيدها، وأما في ظاهر الجواب فلا إعادة عليه؛ لأن العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون فوق العجز عن تحصيل الأركان، وثمة لا تجب الإعادة، فههنا أولى". وما قال في "الصغرى"
(3)
: "إذا أغمي عليه أو جن أو عجز عن الإيماء بالرأس، إن دام حتى كان أكثر من يوم وليلة تسقط الصلاة وإن كان أقل لا، والصحيح أن العبرة بعدد الصلوات". وما قال في "التتّمة"
(4)
: "قال في فتاوى الفقيه أبي الليث: المريض إذا صار بحال لا يستطيع أن يصلي لا بالإيماء ولا بغير الإيماء ومات لا يجب عليه من كفارة الصلوات شيء
(5)
ولا يكون مأخوذًا، وإن برأ وصح إن كان أقل من يوم وليلة قضى تلك الصلوات، وإن كان أكثر لا يقضي دفعًا للحرج، كما في المغمى عليه"
(6)
، وذكر هذا اللفظ في "الكبرى"، وفي "الخلاصة"
(7)
: "إذا عجز المريض عن الإيماء برأسه هل
(1)
1/ 107.
(2)
محمد بن مقاتل الرازي، قاضي الرَّي، من أصحاب محمد بن الحسن، قال الذهبي: وحدّث عن وكيع وطبقته. (الجواهر المضية 3/ 372، رقم 1546، الفوائد البهية ص 329، رقم 425).
(3)
"الفتاوى الصغرى" للشيخ الإمام عمر بن عبد العزيز المعروف بحسام الدين التمهيد، ذكر فيها أنه لم يبالغ في ترتيبها كما بالغ في ترتيب واقعاته. وقد بوّبها - أو رتبها - نجم الدين يوسف بن أحمد الخاصي". (كذا في كشف الظنون 2/ 1224، 1225، وانظر 2/ 1222).
(4)
"تتمة الفتاوى" للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز صاحب المحيط، قال فيه:"هذا كتاب جمع فيه الصدر الشهيد حسام الدين ما وقع إليه من الحوادث والواقعات. . . ثم إن العبد الراجي محمود بن أحمد بن عبد العزيز زاد على كل جنس ما يجانسه وذيل على كل نوع ما يضاهيه". (كشف الظنون 1/ 343، 344).
(5)
قال في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار": "ولو مات وعليه صلوات فائتة وأوصى بالكفارة، يعطى لكل صلاة نصف صاع من برّ كالفطرة، قال ابن عابدين: قوله (وعليه صلوات فائتة الخ) أي بان كان يقدر على أدائها ولو بالإيماء. . (رد المحتار 1/ 491، 492).
(6)
وجدت في "فتاوى النوازل" للفقيه أبي الليث السمرقندي (المطبوع)، خلاف المنقول عنه هنا - كما في التتمة - حيث قال في باب صلاة المريض ص 72 من النوازل المذكور:"فإن لم يستطع الإيماء إلا برأسه أخر الصلاة عنه ولا يسقط عنه ما دام مفيقًا، وإن العجز بخلاف المغمى عليه، وقيل يسقط [لأن] مجرد الفعل [لعله مجرد العقل] لا يكفي لتوجه الخطاب، فإن المقصد من الخطاب الامتثال بأوامره أداء وهو لا يقدر عليه"، انتهى بحروفه، وبزيادة ما جاء بين حاصرتين.
(7)
"خلاصة الفتاوى" 1/ 195.
فإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام وجاز أن يصلي قاعدًا* يومئ إيماء، فإن صلى الصحيح بعض صلاته قائمًا ثم حدث به مرض تمّمها
تسقط الصلاة عنه؟ اختلف المشايخ فيه، والمختار ما ذكره الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي أنه تسقط"
(1)
.
قوله: (جاز أن يصلي قاعدًا)، قال في "البدائع"
(2)
: "ثم إذا صلى المريض قاعدًا بركوع وسجود أو بإيماء
(3)
كيف يقعد؟ أما في حال التشهد فإنه يجلس كما يجلس للتشهد بالإجماع، وأما في حال القراءة وفي حال الركوع، روي عن أبي حنيفة أنه يقعد كيف شاء من غير كراهة، إن شاء محتبيًا، وإن شاء متربّعًا، وإن شاء على ركبتيه كما في التشهد، وروي عن أبي يوسف أنه إذا افتتح تربع وإذا أراد أن يركع فرش رجله اليسرى وجلس عليها، وروي عنه أنه يتربع على حاله وإنما ينقض ذلك إذا أراد السجود، وقال زفر: يفرش رجله اليسرى في جميع صلاته، والصحيح ما روي عن أبي حنيفة؛ لأن عذرًا أسقط عنه الركن فلأن يسقط عنه سنة أولى"
(4)
.
وقال صاحب الهداية في "مختارات النوازل": "إن الفتوى على قول زفر"، قلت
(5)
: هو تبعٌ لأبي الليث، فقد قال في "الذخيرة":"قال الفقيه أبو الليث: الفتوى على قول زفر".
قلت: وليس هو قول زفر وحده، بل أشار إليه أبو حنيفة ومحمد على ما
(1)
وخلاصة القول، أن هذه من المسائل التي رجح فيها المصنف خلاف ما في ظاهر المتون، وإن لم يصرح بذلك - كعادته في الترجيح -، فقد أكثر من النقول في تصحيح القول بأن المريض إذا عجز عن الإيماء بالرأس تسقط الصلاة عنه إن دام ذلك أكثر من يوم وليلة، وذلك بعد أن ذكر القول المقابل والمصحَّح أيضًا مرة واحدة في بداية المسألة. وقلتُ (خلاف ظاهر المتون)؛ لأن فيها ما يدل على أن الصلاة تؤخر فتقضى لا أنها تسقط عنه، ففي مختصر القدوري:"فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخّر الصلاة"، وقال صاحب النُّقاية 1/ 386:"والإيماء بالرأس فإن تعذر أخر"، وقال النسفي في الكنز (1/ 201 مع تبيين الحقائق):"وإن تعذر القعود أومأ مستلقيًا أو على جنبه وإلا أُخرت"، وفي المختار 1/ 77:"فإن عجز عن الإيماء برأسه أخر الصلاة. . ".
(2)
1/ 106.
(3)
في نسخة (د): "بركوع وسجود أو نائمًا" تصحيف.
(4)
انتهى كلام الكاساني، ولفظ البدائع في الجملة الأخيرة "لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيآت أولى".
(5)
في (جـ): "قوله".
قاعدًا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يستطع الركوع والسجود أو مستلقيًا إن لم يستطع القعود، ومن صلى قاعدًا يركع ويسجد لمرض به ثم صح بنى على صلائه قائمًا*، فإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف الصلاة، ومن أغمي عليه خمس صلوات فما دونها قضاها إذا صح، فإن فاتته بالإغماء أكثر من ذلك لم يقض.
باب سجود التلاوة
سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر: في آخر الأعراف وفي الرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والأولى في الحج، والفرقان والنمل والم تنزيل، وص وحم السجدة، والنجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك. والسجود واجب في هذه المواضع على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد، وإذا تلا الإمام آية سجدة سجدها وسجد المأموم معه، فإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم، وإن سمعوا وهم في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة وسجدوها بعد الصلاة، فإن سجدوا في الصلاة لم تجزهم* ولم تفسد الصلاة، ومن تلا آية سجدة فلم يسجدها حتى دخل في الصلاة فتلاها وسجد لها أجزأته عن التلاوتين، وإن تلاها في غير
قال محمد في كتاب "الآثار"
(1)
: "قال
(2)
أخبرنا أبو حنيفة عن حمّاد عن إبراهيم
(3)
قال: إذا كان بالرجل علة جلس في الصلاة كيف شاء، قال محمد: وبه نأخذ إذا كانت العلة تمنعه من جلوس الصلاة الذي أمر به، وهو قول أبي حنيفة".
[قوله: (بنى على صلاته قائمًا)، قال أبو نصر: هذا هو المشهور من رواية الأصول، وروى بشر عن أبي حنيفة أنه يستقبل]
(4)
.
باب سجود التلاوة
قوله: [(وإن سجدوها في الصلاة لم تجزهم. .)، هذه رواية الأصول، وروى ابن سماعة أن صلاته تفسد، قاله أبو نصر الأقطع]
(5)
.
(1)
1/ 276 - 279، رقم 107.
(2)
في (جـ): "محمد قال".
(3)
ستأتي ترجمتهما ص 386، ت 1، 2.
(4)
هذه المسألة غير واردة في نسختي: (أ و ب)، وهي في:(جـ و د) ولكن في غير هذا الموضع؛ بل عقب المسألة الأولى من هذا الباب، وأثبتها هنا موافقة لترتيب مسائل مختصر القدوري.
(5)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي: (جـ و د).
الصلاة فسجد ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها ولم تجزئ السجدة الأولى، ومن كرّر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة، ومن أراد السجود كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه، ولا تشهد عليه ولا سلام.
باب صلاة المسافر
السفر الذي تتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان موضعًا بينه وبين المقصد مسيرة ثلاثة أيام * بسير الإبل ومشي الأقدام، ولا يعتبر في ذلك السير في الماء. وفرض المسافر عندنا في كل صلاة رباعية ركعتان، ولا تجوز له الزيادة عليهما، فإن صلى أربعًا وقد قعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته ركعتان عن فرضه وكانت الأخريان له نافلة، وإن لم يقعد فسدت صلاته، ومن خرج مسافرًا صلى ركعتين إذا فارق بيوت المصر، ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلد خمسة عشر يومًا فصاعدًا فيلزمه الإتمام، وإن نوى الإقامة أقل من ذلك لم يتمّم، ومن دخل بلدًا ولم ينو أن يقيم فيه خمسة عشر يومًا وإنما يقول غدًا أخرج أو بعد غد أخرج حتى بقي على ذلك سنين صلى ركعتين، وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنوَوا الإقامة خمسة عثر يومًا لم يتمّموا الصلاة*، وإذا دخل
قال القاضي
(1)
: "وإن سمعها من نائم الصحيح الوجوب. ولو قرأ على غصن ثم انتقل فأعاد ذلك، الصحيح يتكرر
(2)
. وإن سَبَح في حوض، قال محمد
(3)
: إن كان عرضه وطوله مثل المسجد لا يتكرر، والصحيح أنه يتكرر. ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة، هو الصحيح".
باب صلاة المسافر
[قوله: (مسيرة ثلاثة أيام)، قال أبو نصر: "هذه رواية الأصول، وروى الحسن: يومان وأكثر الثالث]
(4)
.
[قوله]
(5)
: (وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنوَوا الإقامة خمسة عشر
(1)
ذكر قاضي خان رحمه الله هذه الأقوال - الآتية في هذا الباب - في مواضع متفرقة من فتاواه، في فصل قراءة القرآن خطأً، وفي الأحكام المتعلقة بالقراءة 1/ 156 - 160، ونقلها المصنف هنا باختصار وتصرف يسير.
(2)
عبارة القاضي في هذه المسألة: "وإن قرأ على غصن ثم انتقل منه إلى غصن آخر فأعادها اختلفوا فيه، والصحيح أنه يتكرر الوجوب".
(3)
في (جـ): "فإن سجد"، تحريف.
(4)
هذه المسألة مثبتة في نسختي: (جـ و د)، وليست في الأصل ونسخة (ب).
(5)
ذكرت هذه المسألة - في جميع النسخ المخطوطة - في آخر الباب، وقد أثبتها هنا، لتوافق ترتيب مسائل القدوري، وكلمة "قوله" زيادة من نسخة (د).
المسافر في صلاة المقيم مع بقاء الوقت* أتمّ الصلاة، وإن دخل معه في فائتة لم تجز صلاته خلفه، وإذا صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم ثم أتم المقيمون صلاتهم*، ويستحب له إذا سلم أن يقول أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، وإذا دخل المسافر مصره أتم الصلاة وإن لم ينو الإقامة فيه، ومن كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر فدخل وطنه الأول لم يتم الصلاة وإذا نوى المسافر أن يقيم بمكة ومنى خمسة عشر يومًا لم يتم الصلاة، ومن فاتته صلوات في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر أربعًا، والعاصي والمطيع في سفره في الرخصة سواء.
باب صلاة الجمعة
لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع* أو في مصلى المصر، ولا تجوز في القرى، ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو من أمَرَه السلطان، ومن شرائطها الوقت فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده، ومن شرائطها الخطبة قبل الصلاة، يخطب الإمام خطبتين يفصل
يومًا لم يتمّموا الصلاة)، وقال أبو يوسف:"إن كانوا نزلوا أبنية صحت نيتهم، وإن كانوا في الخيام لم تصح"، قال الإسبيجابي:"الأصح ما ذكر في "الكتاب""، [والله أعلم].
قوله: (مع بقاء الوقت)، الزاهدي:"أي قدر التحريمة، وهو الأصح"
(1)
.
قوله: (ثم أتمّ المقيمون صلاتهم)، قال الكرخي: "ولا يتابع المقتدي
(2)
الإمام في سجود السهو، فإذا سها لا سهو عليه، ولا يقرأ لأنَّه كاللاحق"، قال في "المحيط": وهو الأصح، يعني ومنهم من قال يقرأ. . الخ.
باب صلاة الجمعة
قوله: (لا تصح إلا في عصر جامع)، "الهداية"
(3)
: "والمصر الجامع: كل موضع له أمير وقاضٍ ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، وهذا عند أبي يوسف، وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم، والأول اختيار الكرخي
(1)
قال الإمام الكاساني: "إن بقي من الوقت مقدار ما يسع لركعة واحدة لا غير، أو للتحريمة فقط، يصلي [المسافر] ركعتين عندنا، وعند زفر: يصلي أربعًا. . . وهذا بناء على أصل مختلف بين أصحابنا وهو مقدار ما يتعلق به الوجوب في آخر الوقت، قال الكرخي وأكثر المحققين من أصحابنا: إن الوجوب يتعلق بآخر الوقت بمقدار التحريمة، وقال زفر: لا يجب إلا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدي فيه الفرض، وهو اختيار القدوري". (بدائع الصنائع 1/ 95، 96).
(2)
في (جـ): "ولا يتابع المقيمون".
(3)
1/ 98.
بينهما بقعدة، ويخطب قائمًا على الطهارة، فإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز عند أبي حنيفة رحمه الله*، وقالا: لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة، وإن خطب قاعدًا أو على غير طهارة جاز ويكره، وقال أبو يوسف: لا يجوز على غير وضوء، ومن شرائطها الجماعة، وأقلهم عند أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام*، وقال أبو يوسف ومحمد: اثنان سوى الإمام، ويجهر الإمام بالقراءة في الركعتين، وليس فيهما قراءة سورة بعينها، ولا تجب الجمعة على مسافر ولا امرأة ولا مريض ولا عبد، فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت، ويجوز للمسافر والعبد والمريض أن يؤم في الجمعة، ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت
وهو الظاهر، والثاني اختيار البلخي
(1)
"، قلت: واعتمد هذا برهان الشريعة، والأولَ النسفيُّ.
قال قاضي خان
(2)
: "ولا يكون الموضع مصرًا في ظاهر الرواية إلا أن يكون فيه مفتٍ وقاضٍ يقيم الحدود وينفذ الأحكام، وبلغت أبنيته أبنية منى".
قلت: وهذا معنى
(3)
الأول؛ لأنَّه يكتفى بالقاضي عن الأمير، والغالب أن تبلغ أبنية ما هذا شأنه أبنية منى، والله أعلم.
قوله: (وإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز عند أبي حنيفة)، رُجِّح في الشروح دليلُه، واعتمده برهان الشريعة والنسفي.
قوله: (وأقلهم عند أبي حنيفة ومحمد ثلاثة سوى الإمام)، رُجح في الشروح دليله
(4)
، واختاره المحبوبي والنسفي.
(1)
كذا في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ، د)، وهو تصحيف صوابه:"الثَّلْجي". كما في الهداية وفتح القدير 2/ 24.
والثلْجي هو محمد بن شجاع الثلجي، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث وقراءة القرآن، مع ورع وعبادة. كان من أصحاب الحسن بن زياد، من مصنفاته: تصحيح الآثار، وكتاب المناسك، والرد على المشبهة وغير ذلك. مات سنة 266 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 173 - 175، رقم 1326، تاج التراجم ص 242، 243، رقم 205).
(2)
1/ 174.
(3)
في (جـ): "بمعنى".
(4)
أي دليل أبي حنيفة (ونقله عنه ابن عابدين في حاشيته 1/ 545)، وهو موافق لما جاء في القدوري حيث جعل قول الإمام في جانب، والصاحبين في جانب، لكنه خلات المنصوص المثبت عند المصنف إذ قال:(وأقلهم عند أبي حنيفة ومحمد)، وقد جاء ذكر قول محمد موافقًا لقول الإمام أيضًا في هذه المسألة في "البدائع" 1/ 268، و"فتح باب العناية" 1/ 407، و"الهداية" 1/ 99.
الصلاة، فإن بدا له أن يحضر الجمعة فتوجه [إليها] بطلت صلاة الظهر عند أبي حنيفة بالسعي *، وقالا: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام، ويكره أن يصلي المعذور الظهر بجماعة يوم الجمعة، وكذلك أهل السجن. ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدرك وبنى عليها الجمعة، وإن أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى عليها الجمعة عند أبي حنيفة* وأبي يوسف، وقال محمد: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر، وإذا خرج الإمام يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته، وإذا أذن المؤذن يوم الجمعة الأذان الأول* ترك الناس البيع وتوجهوا إلى الجمعة فإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، فإذا فرغ من خطبته أقاموا.
باب صلاة العيدين
يستحب في يوم الفطر أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلّى، ويغتسل ويتطيّب ويتوجه إلى المصلّى، ولا يكبر في الطريق عند أبي حنيفة*، وعندهما يكبر، ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد، فإذا حلت الصلاة بارتفاع الشمس دخل وقتها إلى الزوال، فإذا
قوله: (بطلت صلاة الظهر بالسعي عند أبي حنيفة)، رَجّح دليلَه في "الهداية"
(1)
، واختاره البرهاني والنسفي.
قوله: (بنى عليها الجمعة عند أبي حنيفة. .)، هو المعتمد عند الكل، منهم المحبوبي والنسفي.
قوله: (الأذان الأول)، وقيل إن المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع الأذان الذي بين يدي المنبر، قال في "الهداية"
(2)
: "والأصح أن المعتبر هو الأول إذا كان بعد الزوال لحصول الإعلام به"، قال الزاهدي؛ "وهو الأشبه والأوفق والأحوط".
باب العيدين
قوله: (ولا يكبر عند أبي حنيفة في طريق المصلَّى)، قال الإسبيجابي في "زاد الفقهاء" والعلاء في "تحفة الفقهاء"
(3)
: "والصحيح قول أبي
(1)
وذلك بتأخيره دليل الإمام عن دليلهما. انظر "الهداية" 1/ 100.
(2)
1/ 101.
(3)
1/ 171.
زالت الشمس خرج وقتها، ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح وثلاثًا بعدها ثم يقرأ فاتحة "الكتاب" وسورة ويكبر تكبيرة رابعة يركع بها ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة فإذا فرغ من القراءة كبر ثلاث تكبيرات وكبّر تكبيرة رابعة يركع بها، ويرفع يديه في تكبيرات العيدين ثم يخطب بعد الصلاة خطبتين يعلّم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها، فإن غم عليه الهلال على الناس فشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد فإن حدث عذر منع الناس من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده.
ويستحب في يوم الأضحى أن يغتسل ويتطيب ويؤخر الأكل حتى يفرغ من الصلاة ويتوجه إلى المصلى وهو يكبر ويصلي الأضحى ركعتين كصلاة الفطر ويخطب بعدها خطبتين يعلم الناس فيها الأضحية وتكبيرات التشريق، فإن حدث عذر منع الناس من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد ولا يصلّها بعد ذلك. وتكبير التشريق أوله عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة وآخره عقيب صلاة العصر من يوم النحر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق*، والتكبير عقيب الصلوات المفروضات أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
حنيفة"
(1)
، قلت: وهو المعتمد عند النسفي وبرهان الشريعة وصدرها
(2)
.
قوله: (وآخره عقيب صلاة العصر [. . .] عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إلى آخر صلاة العصر من آخر أيام التشريق)، عوّل على قوله النسفي، وقال برهان الشريعة وصدر الشريعة
(3)
: "وبقولهما يُعمل"، وفي "الاختيار"
(4)
: "وقيل الفتوى على قولهما"، وقال في "الجامع الكبير" للإسبيجابي
(5)
: "الفتوى على قولهما"، وقال في "مختارات النوازل":
(1)
المراد: عدم الجهر بالتكبير. . وهذه رواية المُعلَّى عن أبي حنيفة، وفي رواية حكاها الطحاوي عن أستاذه ابن عمران البغدادي عنه، أنه يجهر. انظر "فتح باب العناية" 1/ 418.
(2)
أي صدر الشريعة المحبوبي عبيد الله بن مسعود.
(3)
انظر "النقاية" 1/ 427.
(4)
1/ 88.
(5)
قال حاجي خليفة: "ثم إن الجامع الكبير لأصحابنا متعدد، وقد عدده صاحب الحقائق، وقال فيها: الجامع الكبير لفخر الإسلام علي البزدوي، وللإمام قطب الدين أبي الحسن علي بن محمد الإسبيجابي"، (كشف الظنون 1/ 570).
والإسبيجابي ذكره المصنف في "تاجه" فنعته بشيخ الإسلام وقال: "تفقه عليه صاحب الهداية، ولم يكن مما وراء النهر في زمانه من يحفظ المذهب ويعرفـ[ـه]، مثله، وظهر له الأصحاب، وعمّر في نشر العلم وسماع الحديث". وقد ولد سنة 454، وتوفي بسمرقند سنة 535 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 591، 592، رقم 995، تاج التراجم ص 212، 213، رقم 174، الفوائد البهية ص 209، رقم 265).
باب صلاة الكسوف
إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة في كل ركعة ركوع واحد ويطول القراءة فيهما ويخفي عند أبي حنيفة*، وقال أبو يوسف ومحمد: يجهر، ثم يدعو بعدها حتى تنجلي الشمس، ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، فإن لم تجتمع صلاها الناس فرادى، وليس في خسوف القمر جماعة وإنما يصلي كل واحد بنفسه، وليس في الكسوف خطبة.
باب الاسْتِسقاء
قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة*، فإن صلى الناس وحدانًا جاز وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار، وقال أبو يوسف ومحمد: يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ثم يخطب ويستقبل القبلة بالدعاء، ويقلب الإمام رداءه* ولا يقلب القوم أرديتهم، ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء.
" وقولهما الاحتياط في العبادات، والفتوى على قولهما"
(1)
.
باب صلاة الكسوف
قوله: (ويخفي عند أبي حنيفة)، وقال الإسبيجابي في "زاد الفقهاء" والعلاء في "التحفة"
(2)
: "والصحيح قول أبي حنيفة".
قلت: وهو الذي عوّل عليه النسفي والبرهاني.
باب الاستسقاء
قوله: (قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة)، قال في "تحفة الفقهاء"
(3)
: "هذا ظاهر الرواية، وهو الصحيح".
قلت: وهو المعتمد عند النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة
(4)
.
قوله: (ويقلب رداءه)، هذا قول محمد، وقال أبو حنيفة [رحمه الله]: لا
(1)
وفي "الهداية" 1/ 104: "وقالا: يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق، والمسألة مختلفة بين الصحابة، فأخذا بقول علي رضي الله عنه أخذًا بالأكثر، إذ هو الاحتياط في العبادات".
(2)
"تحفة الفقهاء" 1/ 182.
(3)
1/ 185.
(4)
قال العلامة ابن عابدين في حاشيته بعد قول صاحب الذر المختار (بلا جماعة مسنونة بل هي جائزة): "قوله (بلا جماعة) كان على المصنف أن يقول: له الصلاة بلا جماعة، كما قال في الكنز وغيره، وهذا قول الإمام. . . قوله (بل هي) أي الجماعة جائزة لا مكروهة، وهذا موافق لما ذكره شيخ الإسلام من أن الخلاف في السّنّية لا في أصل المشروعية". (حاشية ابن عابدين 1/ 567).
باب قيام شهر رمضان
يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات في كل ترويحة تسليمتان، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ثم يوتر بهم، ولا يصلي الوتر جماعة في غير شهر رمضان.
باب صلاة الخوف
إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلموا وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا وحدانًا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهد وسلموا ومضوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهدوا وسلموا، فإن كان الإمام مقيمًا صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين، ويصلي بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب وبالثانية ركعة، ولا يقاتلون في حال الصلاة فإن فعلوا ذلك بطلت صلاتهم، وإن اشتد الخوف صلوا وحدانًا ركبانًا يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاءوا إذا لم يقدروا على التوجه.
باب الجنائِز
إذا احتضر الرجل وُجّه إلى القبلة على شقه الأيمن ولقن الشهادة، فإذا مات شدوا لحييه وغمضوا عينيه، فإذا أرادوا غسله وضعوه على سريره وجعلوا على عورته خرقة ونزعوا ثيابه ووضئوه ولا يمضمض ولا يستنشق ثم يفيض الماء عليه ويجمر سريره وترًا، ويغلى الماء بالسدر أو بالحرض فإن لم تكن فالماء القراح، ويغسل رأسه ولحيته بالخطمي ثم يضجع على شقه الأيسر فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التحت منه ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التحت منه، ثم يجلسه ويسنده إليه ويمسح بطنه مسحًا رفيقًا فإن خرج منه شيء غسله ولا يعيد غسله، ثم ينشفه في ثوب ويجعله في أكفانه، ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته، والكافور على مساجده، والسنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار وقميص ولفافة، فإن اقتصروا على ثوبين جاز، فإذا أرادوا لف اللفافة عليه ابتدأوا بالجانب الأيسر فألقوه عليه ثم بالأيمن، فإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه. وتكفن المرأة في خمسة أثواب: إزار وقميص وخمار، وخرقة تربط بها ثدياها، ولفافة، فإن اقتصروا على ثلاثة أثواب جاز، ويكون الخمار فوق القميص تحت اللفافة ويجعل شعرها على صدرها، ولا يسرح
يقلب رداءه، وهو المختار عند النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة.
شعر الميت ولا لحيته ولا يقص ظفره ولا يعقص شعره، وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها وترًا، فإذا فرغوا منه صلوا عليه، وأولى الناس بالصلاة عليه السلطان إن حضر، فإن لم يحضر يستحب تقديم إمام الحي ثم الولي فإن صلى عليه غير الولي والسلطان أعاد الولي، وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده، فإن دفن ولم يصلّ عليه صلى على قبره إلى ثلاثة أيام*. والصلاة أن يكبر* تكبيرة يحمد الله عقيبها، ثم يكبر تكبيرة ويصلي على النبي عليه السلام، ثم يكبر تكبيرة يدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين، ثم يكبر تكبيرة رابعة ويسلم، ولا يصلي على ميت في مسجد جماعة فإذا حملوه على سريره أخذوا بقوائمه الأربع، ويمشون به مسرعين دون الخبب، فإذا بلغوا إلى قبره كره للناس أن يجلسوا قبل أن يوضع من أعناق الرجال، ويحفر القبر ويلحد، ويدخل الميت مما يلي القبلة فإذا وضع في لحده قال الذي يضعه: باسم الله وعلى ملة رسول الله، ويوجهه إلى القبلة ويحل العقدة ويسوي اللبِن عليه، ويكره الآجر والخشب، ولا بأس بالقصب، ثم يهال التراب عليه ويسنّم القبر ولا يسطح. ومن استهل بعد الولادة سُمِّي وغسل وصلي عليه، وإن لم يستهل أدرج في خرقة [و] لم يصلَّ عليه*.
باب الجنائز
قوله: (وإن دفن ولم يصل عليه، صلى على قبره إلى ثلاثة أيام)، قال في "الينابيع":"هذا هو المشهور عن أصحابنا"، وقال غيره:"والصحيح أنه يصلي عليه ما لم يغلب على الظن تفسخه"، نصّ عليه في "الهداية"
(1)
، وقال في "الاختيار"
(2)
: "وقدّره بعضهم بثلاثة أيام، والأول أصح"، واعتمده النسفي والمحبوبي.
قوله: (والصلاة أن يكبر .. )، قال القاضي
(3)
: "وإذا كبر الإمام في صلاة الجنازة خمسًا، عن أبي حنيفة فيه روايتان، والمختار أن لا يتابعه"
(4)
.
قوله: (وإن لم يستهلّ، أدرج في خرقة ولم يصلَّ عليه)، وفيه
(5)
إشارة
(1)
1/ 110، وفيه:"ويصلى عليه قبل أن يتفسخ، والمعتبر في معرفة ذلك أكبر الرأي، هو الصحيح، لاختلاف الحال والزمان والمكان".
(2)
1/ 94.
(3)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 192.
(4)
قال ملا علي القاري رحمه الله: "ثم إذا كبر الإمام خمسًا، ينتظر المأموم تسليم الإمام، ولا يسلم قبله في المختار من الرواية عن أبي حنيفة. . . و عنه أنه يسلم حين اشتغل إمامه بالخطأ". (فتح باب العناية 1/ 442).
(5)
في نسخة (جـ) بدون حرف الواو.
باب الشّهيد
الشهيد من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر الجراحة، أو قتله المسلمون ظلمًا ولم تجب بقتله دية فيكفن ويصلى عليه ولا يغسل، وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة وكذلك الصبي*، وقالا: لا يغسلان. ولا يُغْسل عن الشهيد دمه ولا ينزع ثيابه، وينزع عنه الفرو والخف والحشو والسلاح، ومن ارتث غسل، والارتثاث أن يأكل أو شرب أو يداوى أو يبقى حيًّا حتى يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل أو ينقل من المعركة، ومن قتل في حدّ أو قصاص غسل وصلي عليه، ومن قتل من البغاة أو قطاع الطريق لم يصل عليه.
باب الصلاة في الكعبة
الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها، فإن صلى الإمام بجماعة فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته، وإن صلى الإمام في المسجد الحرام تحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاة الإمام فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام، ومن صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته.
إلى أنه لا يغسل، وهو ظاهر الرواية، وقال في "الهداية"
(1)
: "ويغسل في غير الظاهر من الرواية؛ لأنَّه نفْس من وجهٍ، وهو المختار".
قلت: وكذا السقط الذي لم تتم خلقة أعضائه، نص عليه قاضي خان
(2)
.
باب الشهيد
قوله: (وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة، وكذلك الصبي .. )، رُجِّح دليله في الشروح
(3)
، وهو المعوّل عليه عند النسفي، والمفتى به عند المحبوبي.
(1)
1/ 112.
(2)
"الفتاوى الخانية" 1/ 186، 187، حيث قال:"السقط الذي لم تتم أعضاؤه لا يصلّى عليه باتفاق الروايات. واختلفوا في غسله، والمختار أن يغسل ويدفن ملفوفًا في خرقة".
(3)
قال في "الهداية" 1/ 114: "وعلى هذا الخلاف، الحائض والنفساء إذا طهرتا، وكذا قبل الانقطاع في الصحيح من الرواية".
كتاب الزكاة
الزكاة واجبة* على الحرّ المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصابًا ملكًا تامًا وحال عليه الحول، وليس على صبي ولا مجنون ولا مكاتب زكاة، ومن كان عليه دين* يحيط بماله فلا زكاة عليه، وإن كان ماله أكثر من الدين زكى الفاضل إذا بلغ نصابًا، وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة، ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب، ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة سقط فرضها عنه.
كتاب الزكاة
قوله: (الزكاة واجبة)، قال في "الهداية"
(1)
: "المراد بالوجوب الفرض، لأنَّه لا شبهة فيه".
قوله: (ومن كان عليه دَين)، المراد: دين له مطالب من العباد
(2)
.
[وقال أبو نصر الأقطع: "وما كان من بدل مال لو بقي في يده لم تجب فيه الزكاة كبدل عبد الخدمة
(3)
وثياب البذلة ففيه روايتان، الصحيح أنه لا زكاة فيه لما مضى، والله أعلم"]
(4)
.
(1)
1/ 117.
(2)
قال ملا علي القاري رحمه الله: "فلا يمنع الزكاة دَيْن هو نذر أو كفارة أو وجوب حج؛ لأن العبد ليس له أن يطالب به، ويمنعها دَين هو عُشر أو خراج أو زكاة عند أبي حنيفة ومحمد، وفي المحيط: وصورته إذا حال الحول على النصاب فوجبت الزكاة فيه، لم يجب فيه في الحول الثاني، أي لاشتغال بعض النصاب بدين الزكاة". (فتح باب العناية 1/ 478).
(3)
في (د): "عبد للخدمة".
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي: (جـ و د).
باب زكاة الإبل
ليس في أقل من خمس ذود صدقة فإذا بلغت خمسًا سائمةً وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرًا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا كانت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستًا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا كانت ستًا وأربعين ففيها حقة إلى ستين، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستًا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مئة وعشرين، ثم تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة مع الحقتين وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مئة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة ففي الخمس شاة وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون فإذا بلغت مئة وستًا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مئتين، ثم تستأنف الفريضة أبدًا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المئة والخمسين. والبُخت والعراب سواء.
باب صدقة البقر
ليس في أقل من ثلاثين من البقر صدقة، فإذا كانت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة وفي أربعين مسنة، فإذا زادت على الأربعين وجب في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة*، ففي الواحد ربع عشر مسنة وفي الإثنين نصف عشر مسنة وفي الثلاث ثلاثة أرباع عشر مسنة، وقالا: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين فيكون فيها تبيعان أو تبيعتان، وفي سبعين مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاثة أتبعة وفي مئة تبيعان ومسنة، وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة. والجواميس والبقر سواء.
باب صدقة البقر
قوله: (فإذا زادت على الأربعين وجب في الزّيادة بقَدْر ذلك إلى سِتِّين عند أبي حنيفة)، هذه رواية "الأصل"
(1)
، ورجح صاحَبُ "الهداية" وجهها، واعتمدها النسفي والمحبوبي تبعًا لصاحب "الهداية".
(1)
كتاب "الأصل" لمحمد بن الحسن، وسمي الأصل أصلًا لأنَّه صُنّف أولًا ثم "الجامع الصغير" ثم "الكبير" ثم "الزيادات". (رسم المفتي 1/ 19).
.................... .
وروى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل قولهما، قال في "التحفة"
(1)
: "وهذه الرواية أعدل"، وقال الإسبيجابي:"وهذا هو أعدل الأقاويل، وعليه الفتوى". قال الزيلعي
(2)
في تخريج أحاديث "الهداية"
(3)
وتبعه بعض شراحها: "إن مما يدل لهذه الرواية ما رواه أحمد في "مسنده"
(4)
والطبراني في "معجمه"
(5)
من طريق سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم عن معاذ بن جبل [رضي الله عنه] قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدّق أهل اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من ثلاثين تبيعًا، ومن أربعين مسنة، ومن السبعين مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المئة مسنة وتبيعين، ومن العشرين والمئة ثلاث مسانِ أو أربع أتباع
(6)
، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك حتى تبلغ مسنة أو جذعة، وقال: إن الأوقاص لا فريضة فيها"، والأوقاص الصغار
(7)
،
(1)
1/ 284.
(2)
هو يوسف بن عبد الله بن يونس بن محمد بن جمال الدين الزيلعي الحافظ. كان من أعلام العلماء، وبرع في الفقه والحديث، له من الكتب: نصب الراية. من شيوخه في الفقه: الإمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي صاحب تبيين الحقائق، ذكره العلامة قاسم في منبة الألمعي فيما فات الزيلعي وهو يَعدّ مخرجي أحاديث الهداية فقال:"هو أوسعهم اطلاعًا وأكثرهم جمعًا". مات في المحرم سنة 762 رحمه الله تعالى. (الفوائد البهية ص 378، 379، رقم 517، منية الألمعي لابن قطلوبغا ص 9).
(3)
هو كتاب "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية"، مطبوع، لخصه الشيخ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (- 852 هـ) وسماه:"الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية"، وذكر فيه أن الزيلعي استوعب ما ذكره من الأحاديث والآثار، ثم اعتمد ذكر أدلة المخالفين في كل باب، وهو كثير الإنصاف يحكي ما وجده من غير اعتراض فكثر الإقبال عليه". (كشف الظنون 2/ 2036، الفوائد البهية ص 378).
وانظر "نصب الراية" 2/ 349.
(4)
8/ 252، رقم 22145.
(5)
"المعجم الكبير" للطبراني 20/ 170، 171، رقم 363.
(6)
انظر: "نصب الراية" 2/ 349، وفيه بعد قوله:(ومن أربعين مسنة): "ومن الستين تبيعتين"، وبعد:(ومن المئة مسنة وتبيعين) زيادة: "ومن العشرة ومئة مسنتين وتبيعًا"، وفيه:"ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة" بدل: (ثلاث مسان أو أربع أتباع)، وفي نسخة (د):"ثلاث مسنات" كذلك.
(7)
قوله: (والأوقاص: الصغار)، لم تُذكر هذه الزيادة في نصب الراية، وهي في المعجم الكبير للطبراني في هذا الموضع. . بل نقل الزيلعي عن المسعودي - المذكور في سند أحد روايات الحديث - قوله:"الأوقاص: ما بين الثلاثين إلى الأربعين، والأربعين إلى الستين". (نصب الراية 2/ 348) وعن الدارقطني: "والأوقاص ما بين السنين الّذَين يجب فيهما الزكاة"، وعن أبي عبيدة: =
باب صدقة الغنم
ليس في أقل من أربعين شاة صدقة فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى مئة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مئتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت أربع مئة ففيها أربع شياه ثم في كل مئة شاة. والضأن والمعز سواء.
باب زكاة الخيل
إذا كانت الخيل سائمة ذكورًا وإناثًا وحال عليها الحول فصاحبها بالخيار، إن شاء
ورواه أبو عبيد في كتاب "الأموال"
(1)
.
قلت: قد صحّفوا في السند فاستغربوه، وفي المتن فنشأ لهم هذا الوجه، والصواب في السند:"علي بن الحكم"
(2)
، وفي المتن:"مما دون ذلك"
(3)
، يعني في السن لا العدد، [والله أعلم]
(4)
.
باب زكاة الخيل
قوله: (الزكاة واجبة في الخيل إذا كانت الخيل سائمةً ذكورًا وإناثًا
(5)
= "والأوقاص ما بين الفريضتين". (نصب الراية 2/ 351). وبهذا التفسير للوَقَص تتأيد رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة.
ولكن قيل في تفسير الوقص غير ما مرّ، فقد قال صاحب الهداية 1/ 121:"وقد قيل إن المراد منها هنا: الصغار"، وقال العلامة ظفر أحمد العثماني في إعلاء السنن 9/ 28:"وتفسير الوقص بالصغار قد وجدنا في اللغة ما يؤيده، فقد فسره في القاموس بالزعانف أيضًا، والزعنفة القصيرة، وطائفة من كل شيء، أو القبيلة القليلة تنضم إلى غيرها. وقال الشافعي: الوقص هو ما لم يبلغ الفريضة كما في الزيلعي [نصب الراية 2/ 349]، وقال سفيان بن عيينة: الأوقاص ما دون ثلاثين، رواه أحمد عنه في مسنده [8/ 236، رقم 22080] اهـ". قلت: ويشهد له أيضًا ما في تاج العروس 18/ 206: ". . وقال أبو تراب: سمعت مُبْتكرًا يقول: الوَقَش والوَقَص: صغار الحطب الذي تشيع به النار". فبناء على ما سبق، لا يكون قوله:(إن الأوقاص لا فريضة فيها) دالًا على عدم وجوب الزكاة فيما بين السنِّين، قال المحقق الكمال بن الهمام:"فتعارض التفسيران فلا تسقط الزكاة بالشك بعد تحقق السبب". (فتح القدير 2/ 134).
(1)
في باب صدتة البقر وما فيها من السنن ص 157، 158، رقم 1020.
(2)
وهو ما جاء في سند الطبراني، انظر "المعجم الكبير" له 20/ 124، رقم 249.
(3)
واللفظ عند الطبراني: ". . وأمرني أن لا آخذهما دون ذلك حتى تبلغ مسنة وجذعة. .". وقال في نصب الراية 2/ 349: "قالوا: والصحيح ما رواه مالك رضي الله عنه في الموطأ عن حميد بن قيس عن طاوس. . . وفيه: فأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا وقال: لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا. ."، وانظر "الموطأ برواية محمد بن الحسن" 2/ 158 - 160 رقم 339.
(4)
في نسخة (د): "في السن لا في الهدد". وما بين الحاصرتين زيادة من (جـ).
(5)
في (ب): "ذكورًا وإناثًا أو إناثًا". وفي (د): "ذكورًا أو إناثًا".
أعطى عن كل فرس دينارًا وإن شاء قومها وأعطى من كل مئتي درهم خمسة دراهم، وليس في ذكورها منفردة زكاة* عند أبي حنيفة، وقالا: لا زكاة في الخيل*. ولا
فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى في كل فرس دينارًا، وإن شاء قوَّمها فأعطى من كل مئتي درهمٍ خمسةَ دراهم، وليس في ذكورها منفردةً زكاة)، أما المختلطة فيجب فيها قولًا واحدًا عنده، قاله في "التحفة"
(1)
، وأما الإناث المنفردة فعنه [فيها] روايتان، قال في "الاختيار"
(2)
: "الصحيح الوجوب".
وأما الذكور المنفردة، قال قاضي خان
(3)
: "في ظاهر الرواية لا تجب، وفي "النوادر"
(4)
تجب"، وفي "التحفة"
(5)
: "وفي المشهور من الروايات أن لا زكاة فيها"، وفي "الاختيار"
(6)
: "الأصح أنه لا يجب"
(7)
.
قوله: (وصاحبها بالخِيار)، قالوا هذا في أفراس العرب لأنها لا تتفاوت فاحشًا، فأما في أفراسنا، تقوّم ويؤدى عن كل مئتي درهم خمسة دراهم، قاله في "المبسوط"
(8)
وقاضي خان
(9)
.
قوله: (وقال أبو يوسف ومحمد: لا زكاة في الخيل)، قال الطحاوي:"وهذا أحب القولين إلينا"، ورجحه القاضي أبو زيد في "الأسرار"
(10)
، وقال في "الينابيع":"وعليه الفتوى"، وقال في "الجواهر":"والفتوى على قولهما"،
(1)
"تحفة الفقهاء" 1/ 290.
(2)
1/ 109.
(3)
" الفتاوى" 1/ 249.
(4)
المراد بالنوادر كتب غير ظاهر الرواية كالأمالي لأبي يوسف، والرَّقيات والكَيسانيات، والهارُونيات والجرجانيات لمحمد بن الحسن. وانظر ما مرّ ص 27. (رسم المفتي 1/ 17، رد المحتار 1/ 47).
(5)
1/ 290.
(6)
1/ 109.
(7)
فعن أبي حنيفة في كل من الذكور المنفردة والإناث المنفردة روايتان، والراجح في الذكور عدم الوجوب وفي الإناث الوجوب، كما في "شرح الهداية" لابن الهمام 2/ 139.
(8)
"مبسوط الإمام السرخسي" 2/ 188.
(9)
"الفتاوى الخانية" 1/ 249.
(10)
القاضي أبو زيد هو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدَّبوسي، أول من وضع علم الخلاف وأبرزه للوجود. كان من كبار الحنفية الفقهاء، ممن يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج. من مصنفاته: تقويم الأدلة، وكتاب الأسرار في الأصول والفروع، وهو أجل تصانيفه. توفي ببخارى سنة 430 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 499، 500، رقم 901، تاج التراجم ص 192، 193، رقم 145، الفوائد البهية ص 184، رقم 231، كشف الظنون 1/ 84).
شيء في البغال والحمير إلا أن تكون للتجارة، وليس في الفصلان* والحملان
وقال في "الكافي": "وهو المختار للفتوى"، وتبعه شارح الكنز
(1)
والبزازي في "فتاواه"
(2)
تبعًا لصاحب "الخلاصة"
(3)
، وقال قاضي خان
(4)
: "قالوا الفتوى على قولهما".
وقال الإمام أبو منصور في "التحفة"
(5)
: "الصحيح قول أبي حنيفة"، ورجّحه الإمام السَّرْخَسي في "المبسوط" والقُدُوري في "التجريد"
(6)
، وأجاب عما عساه يورَد على دليله، وصاحب "البدائع" وصاحب "الهداية"، وهذا القول أقوى حجة على ما يشهد به "التجريد" للقدوري و"المبسوط" للسرخسي وشرح شيخنا
(7)
للهداية، والله أعلم.
[قال القاضي: وأجمعوا على أن الإمام لا يأخذ منهم صدقة الخيل]
(8)
.
قوله: (وليس في الفُصْلان
(9)
. . . الخ)
(10)
.
(1)
هو عثمان بن علي بن مِحجَن، فخر الدين الزَّيْلعي، الإمام العلامة. قدم القاهرة سنة 705 فدرَّس وأفتى، وكان مشهورًا بمعرفة الفقه والنحو والفرائض. شرح كتاب "كنز الدقائق" في عدة مجلدات وسماه:"تبيين الحقائق"، فأجاد وأفاد، وصحح ما اعتُمد. توفي في رمضان سنة 743 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 519، 520، رقم 925، تاج التراجم ص 204، رقم 160).
(2)
قال في كشف الظنون 1/ 242: "البزازية في الفتاوى، للشيخ الإمام حافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكردري الحنفي المتوفى سنة 827، وهو كتاب جامع لخص فيه زبدة مسائل الفتاوى والواقعات من الكتب المختلفة ورجح ما ساعده الدليل، وذكر الأئمة أن عليه التعويل، وسماه الجامع الوجيز"، قلت: وقد طبعت "الفتاوى البزازية" على حاشية المجلد الرابع والخامس والسادس من "الفتاوى الهندية". (طبعة بولاق، مصر).
(3)
صاحب "الخلاصة" هو: الإمام طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري، مولده سنة 482 وتوفي بسَرْخس سنة 542. (الجواهر المضية 2/ 276، 277 رقم 666، تاج التراجم ص 172، 173، رقم 117).
(4)
"الفتاوى" 1/ 249.
(5)
"تحفة الفقهاء" 1/ 291.
(6)
"تجريد القدوري"، في مجلد كبير، أفرد فيه ما خالف فيه الشافعي من المسائل بإيجاز الألفاظ، وأورد بالترجيح ليشترك المبتدئ والمتوسط في فهمه وشرع في إملائه سنة 405. (كشف الظنون 1/ 346).
(7)
هو المحقق العلامة الكمال بن الهمام. (وانظر فتح القدير له 1/ 137 - 139).
(8)
قوله قال القاضي. . . الخ، زيادة من نسخة (جـ).
(9)
"الفصلان جمع فصيل وهو ولد الناقة، [من: فصل الرضيع عن أمه]، والحُملان جمع حَمَل بالتحريك: وهو ولد الشاة في السنة الأولى، والعجاجيل: جمع عِجْل: وهو من أولاد البقر حين تضعه أمه إلى شهر"(انظر: فتح باب العناية 1/ 495).
ولأبي حنيفة في هذه المسألة ثلاث روايات:
الأولى: لا يجب في المواشي الصغار زكاة إلا أن يكون معها كبار، وهذا آخر أقواله وهو قول محمد.
الرواية الثانية - وهي قوله الأول -: يجب فيها ما يجب في المسان وهو قول زفر.
الرواية الثالثة - وهي قوله الثاني -: فيها واحدة منها وهو قول أبي يوسف. (الهداية 1/ 123).
"ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي يوسف أنه قال: دخلت على أبي حنيفة فقلت: ما تقول فيمن ملك أربعين حملًا؟ فقال: فيها شاة مسنة، فقلت: ربما تأتي قيمة الشاة على أكثرها أو جميعها! فتأمل ساعة ثم قال: لا ولكن تؤخذ واحدة منها، فقلت: أيؤخذ الحمل في الزكاة؟ فتأمل ساعة ثم قال: لا، إذًا لا يجب فيها شيء. فأخذ بقوله الأول زفر، وبقوله الثاني أبو يوسف، وبقوله الثالث محمد". (العناية شرح الهداية 2/ 139).
(10)
انظر تعليق المصنف على المسألة التالية.
والعجاجيل صدقة عند أبي حنيفة ومحمد إلا أن يكون معها كبار، وقال أبو يوسف: يجوز فيها واحدة منها، ومن وجب عليه سن فلم يوجد أخذ المصدق أعلى منها ورد الفضل أو أخذ دونها وأخذ الفضل، ويجوز دفع القيم في الزكاة وليس في العوامل والعلوفة صدقة، ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته ويأخذ الوسط، ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه وزكاه به، والسائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر حولها، فإن علفها نصف الحول أو أكثر فلا زكاة فيها، والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف في النصاب دون العفو*، وقال محمد: فيهما، وإذا هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت، وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز.
باب زكاة الفضّة
ليس فيما دون مئتي درهم صدقة، فإذا كانت مئتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين
وقوله: (في النصاب دون العفو. . .)، المرجح قول أبي حنيفة ومن معه
(1)
، والله أعلم
(2)
.
باب زكاة الفضّة
قوله: (ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهمًا فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين درهمًا درهم. وقال أبو يوسف ومحمد: ما زاد على المئتين
(1)
في (جـ): "ومن تبعه".
(2)
لم يذكر المصنف رحمه الله، مَن رجّح قول أبي حنيفة وأبي يوسف في هذه المسألة وقول أبي حنيفة ومحمد في المسألة السابقة، وقد مشى فيهما على القاعدة المعروفة أنه يرجح قول الإمام إذا كان معه أحد صاحبيه. انظر مقدمة الكتاب ص 125.
درهما درهم، وقالا: ما زاد على المئتين فزكاته بحسابه*، وإذا كان الغالب* على الورق الفضة فهي في حكم الفضة، وإذا كان الغالب عليها الغش فهي في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمتها نصابًا.
فزكاته بحسابه)، قال في "التحفة"
(1)
و"زاد الفقهاء": "الصحيح قول أبي حنيفة"، ومشى عليه النسفي وبرهان الشريعة.
قوله: (وإن كان الغالب. . الخ)، قال في "الهداية"
(2)
: "الغلبة هو أن يزيد على النصف اعتبارًا للحقيقة"، وفي "الإيضاح"
(3)
عن "الجامع الكبير"
(4)
مثله، فإنه قال:"وإن كان الدراهم ثلثاها فضة وثلثها صفرًا فبيعت بالفضة الخالصة فلا بدّ من المماثلة؛ لأن الحكم للغالب"
(5)
، وقال في "الينابيع" في قوله:(وإذا كان الغالب عليها الغش)، قال:"يريد به أن تكون الفضة بحال لو احترقت بالنار لا تخلص وتحترق، أما إذا كانت تخلص بالاحتراق لا تكون في حكم العروض وتمامه في الصرف". . وقال في الصرف: " (وإن كان الغالب عليها الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير)
(6)
، يريد به أن يكون الغش غالبًا بحال لو أحرق بالنار يحترق الفضة والذهب ولا يخلص منهما
(7)
شيء ويبقى الغش بحاله، فإذا كان بهذه الصفة يلتحق بالفلوس والعروض، ويكون الفضة والذهب في الغش ساقطا العبرة كما ذكرنا في المموّه، وإن كان يخلص منه شيء وإن قل فليسا في حكم العروض"، وهذا
(1)
"تحفة الفقهاء" 1/ 266.
(2)
1/ 126.
(3)
"الإيضاح" في الفروع، للإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني الحنفي المتوفى سنة 543. (كشف الظنون 1/ 211، 345).
وفي "تاج التراجم" ص 184: "له كتاب شرح الجامع الكبير وكتاب التجريد، وشرَحَه بكتاب سماه الإيضاح.
(4)
هو للإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني، "قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه، لِجَلائل مسائل الفقه جامعٌ كبير، قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزًا، ولتمام لطائف الفقه منجزًا. . . ولذلك امتدت أعناق ذوي التحقيق نحو تحقيقه واشتدت رغباتهم في الاعتناء بحلي لفظه وتطبيقه وكتبوا له شروحًا وجعلوه مبينًا مشروحًا". (كشف الظنون 1/ 567، 568).
(5)
وانظر "الجامع الكبير"، باب الدراهم التي خلطها صفر ص 341.
(6)
انظر: "مختصر القدوري" ص 235.
(7)
في (جـ): "منها".
باب زكاة الذهب
ليس فيما دون عشرين مثقالًا من الذهب صدقة، فإذا كانت عشرين مثقالًا وحال عليها الحول ففيها نصف مثقال، ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان، وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة*، وفي تبر الذهب والفضة وحليهما والآنية منهما الزكاة.
باب زكاة العروض
الزكاة واجبة في عروض التجارة كائنة ما كانت إذا بلغت قيمتها نصابًا من الورق أو الذهب يقومها بما هو أنفع* للفقراء والمساكين منهما، وإذا كان النصاب كاملا في طرفي
يوافق تعليل الإسبيجابي فإنه قال: "وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة لأن الغش مستهلك"
(1)
، أو تعليل "التحفة"
(2)
: "لأن الغش مغمور فيها مستهلك، وإن كان الغالب هو الغش وهي الستوقة إن لم تكن أثمانًا رائجة أو معدّة للتجارة فلا زكاة فيها، إلا أن تكون كثيرة يبلغ ما فيها من الفضة نصابًا"، ويوافق قولهم لأنها لا تنطبع إلا به فكان فيه ضرورة، وما كان للضرورة لا يكون بما يقرب من النصف أو الثلث
(3)
، والله أعلم [بالصواب].
باب زكاة الذهب
قوله: (وليس فيما دون أربعة مثاقيلَ صدقةٌ عن أبي حنيفة)، قال في "التحفة"
(4)
و"زاد الفقهاء": "الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة.
باب زكاة العروض
قوله: (يُقَوِّمها بما هو أنفع)، قال في "الهداية": "أن
(5)
يقومها بما
(6)
يبلغ نصابًا"، ولذلك
(7)
يُضَم الذهب إلى الفضة بالقيمة حتى يتم النصاب عند أبي
(1)
في (جـ): "مستهلك فيها".
(2)
1/ 265.
(3)
في الأصل: "أو بالثلث"، والمثبت من (د).
(4)
"تحفة الفقهاء" 1/ 266.
(5)
في نسخة الأصل: "أي"، والمثبت من (جـ) و"الهداية" 1/ 127.
(6)
في الأصل: "ما" والمثبت من نسخة (د) و"الهداية".
(7)
في (د): "وكذلك".
الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة، ويضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة وكذلك يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة حتى يتم النصاب عند أبي حنيفة، وقالا: لا يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة ويضم بالأجزاء.
باب زكاة الزُّروع والثمار
قال أبو حنيفة: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر* سواء سقي سيحًا أو سقته السماء إلا الحطب والقصب والحشيش، وقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغت خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا بصاع النبي عليه السلام. وليس في الخضروات عندهما عشر، وما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر في القولين، وقال أبو يوسف فيما لا يوسق كالزعفران والقطن يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق، وقال محمد: يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أمثال أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة أحمال وفي الزعفران خمسة أمناء وفي العسل العشر* إذا أخذ من أرض العشر قلّ أو كثر، وقال أبو يوسف: لا شيء فيه حتى تبلغ عشرة أزقاق، وقال محمد: خمسة أفراق، والفرق ستة وثلاثون رطلًا، وليس في الخارج من أرض الخراج شيء.
حنيفة، رجحه الإسبيجابي، وقال الزَّوْزَني:"والرجحان لقوله"، وعليه مشى النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة، وقال في "التحفة"
(1)
: "وقوله أنفع للفقراء، وأحوط في باب العبادة".
باب زكاة الزروع والثمار
قوله: (قال أبو حنيفة: في قليل ما أخرجت الأرض وكثيرِه العُشْر. . الخ)، قال في "التحفة"
(2)
: "الصحيح ما قال أبو حنيفة"، ورجح الكلُّ دليله، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة
(3)
.
قوله: (وفي العسل العشر)، رجح قولَه ودليلَه المصنّفون، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة.
(1)
"تحفة الفقهاء" 1/ 269، وفيها 1/ 273:"عند أبي حنيفة: يقوّم [مال التجارة] بما هو أوفى القيمتين وأنظرهما للفقراء من الدراهم والدنانير".
(2)
"تحفة الفقهاء" 1/ 322.
(3)
الخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة وصاحبيه في موضعين: في اشتراط النصاب، وفي اشتراط البقاء (انظر الهداية 1/ 132).
باب من يجوز دفع الصّدقة إليه ومن لا يجوز
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] فهذه ثمانية أصناف وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى أعزّ الإسلام وأغنى عنهم، والفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له، والعامل يدفع إليه الإمام بقدر عمله إن عمل، والرقاب يعان المكاتبون في فكّ رقابهم، والغارم من لزمه دين، وفي سبيل الله منقطع الغزاة *، وابن السبيل من كان له مال في وطنه وهو في مكان لا شيء له فيه، فهذه جهات الزكاة. وللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم، وله أن يقتصر على صنف واحد، ولا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ذميّ ولا يبنى منها مسجد ولا يكفن منها ميت ولا تشترى بها رقبة تعتق ولا تدفع إلى غني، ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا، ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل ولا إلى امرأته، ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة *، وقال أبو يوسف ومحمد: تدفع إليه، ولا يدفع إلى مكاتبه ولا مملوكه ولا مملوك غني ولا ولد غني إذا كان صغيرًا، ولا يدفع إلى بني هاشم وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل حارث بن عبد المطلب ومواليهم، وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرًا ثم بان أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع في ظلمة إلى فقير ثم بان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه *، وقال أبو يوسف: عليه الإعادة،
باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز
قوله: (وفي سبيل الله: منقطع الغزاة)، قال الإسبيجابي:"هذا قول أبي يوسف وهو الصحيح"
(1)
.
قوله: (ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة)، رجح صاحب "الهداية" وغيرُه قولَه، واعتمده النسفي وبرهان الشريعة.
قوله: (فلا إعادة عليه)، قال في "التحفة"
(2)
: "هذا جواب ظاهر الرواية"، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما.
(1)
عند أبي يوسف: (في سبيل الله) منقطع الغزاة لا غير، وعند محمد: منقطع الحاج كذلك. (انظر الاختيار 1/ 119).
قال الكمال بن الهمام رحمه الله: "لا يشكل أن الخلاف فيه لا يوجب خلافًا في الحكم، للاتفاق على أنه إنما يُعطى الأصناف كلهم - سوى العامل - بشرط الفقر، فمنقطع الحاج يعطى اتفاقًا". (فتح القدير 2/ 205).
(2)
"تحفة الفقهاء" 1/ 305.
ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لم يجز في قولهم جميعًا، ولا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابًا من أي مال كان، ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك وإن كان صحيحًا مكتسبًا، ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد وإنما تفرق صدقة كل قوم فيهم إلا أن ينقلها الإنسان إلى قرابته أو إلى قوم هم أحوج من أهل بلده.
باب صدقة الفطر
صدقة الفطر واجبة على الحرّ المسلم إذا كان مالكًا لمقدار النصاب فاضلًا عن مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده يخرج ذلك عن نفسه وعن أولاده الصغار * وعن مماليكه للخدمة، ولا يؤدي عن زوجته ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله، ولا يخرج عن مكاتبه ولا عن مماليكه للتجارة، والعبد بين شريكين * لا فطرة على واحد منهما، ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر.
والفطرة نصف صاع من برّ أو صاع من تمر أو زبيب أو شعير *، والصاع عند أبي
باب صدقة الفطر
قوله: (وعن أولاده الصغار)، "الهداية"
(1)
: "هذا إذا كانوا لا مال لهم، فإن كان لهم مال يؤدي من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافًا لمحمد"، ورجح في "شرح"الهداية"" قولهما وأجاب عما يتمسك به لمحمد
(2)
، ومشى على قولهما المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (والعبد بين شريكين
(3)
.. الخ)، وكذا العبيد بين شريكين عند أبي حنيفة، وأبو يوسف معه في الصحيح
(4)
، وقيل لا فطرة عليهما بالاتفاق.
قوله: (نصف صاع من بُرّ أو صاع من تمر أو زبيب أو شعير)، هذه رواية عن أبي حنيفة وهي قولهما، وروي عنه في "الجامع الصغير" نصف صاع من الزبيب
(5)
، ورجّحها في "الهداية"، وقال الإسبيجابي: "هي ظاهر
(1)
1/ 139.
(2)
انظر "فتح القدير" لابن الهمام 2/ 221.
وفي نسخة (د): "عما يتمسك به محمد".
(3)
في (جـ): "بين اثنين".
(4)
وعند محمد يجب على كل واحد من الشريكين الصدقة في حصّته إذا كانت كاملة في نفسها، فلو كان بينهما خمسة أعبد يجب على كل واحد منهما صدقة الفطر عن العبدين ولا يجب عن الخامس. (انظر العناية شرح الهداية 2/ 222).
(5)
قال في "الجامع الصغير" ص 136: "محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة رضي الله عنهم في صدقة الفطر قال: فيه نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب، اْو صاع من تمر أو صاع من شعير. =
حنيفة ومحمد: ثمانية أرطال بالعراقي، وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث رطل *، ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر، فمن مات قبل ذلك لم تجب فطرته، ومن أسلم أو ولد بعد طلوع الفجر تجب فطرته، ويستحب للناس أن يخرجوا الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى فإن قدموها قبل يوم الفطر جاز وإن أخروها عن يوم الفطر لم تسقط وكان عليهم إخراجها.
الرواية، وتلك رواية أسد بن عمرو".
قوله: (والصاع عند أبي حنيفة ومحمد ثمانية أرطال بالعراقي، وقال أبو يوسف خمسة أرطال وثلث رطل)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة ومحمد"
(1)
، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، [والله أعلم].
=وقال أبو يوسف ومحمد: الزبيب بمنزلة الشعير، وروى الحسن بن زياد في المجرّد عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: صاع من زبيب، مثل قولهما".
(1)
قال المحقق ابن الهمام رحمه الله تعالى: " .. وقيل لا خلاف، فإن أبا يوسف لما حرره - أي الصاع - وجده خمسة وثلثًا برطل أهل المدينة وهو أكبر من رطل أهل بغداد؛ لأنَّه ثلاثون إستارًا والبغدادي عشرون، وإذا قابلت ثمانية بالبغدادي بخمسة وثلث بالمدني وجدتهما سواء، وهو أشبه لأن محمدًا رحمه الله لم يذكر في المسألة خلاف أبي يوسف، ولو كان لذكره على المعتاد، وهو أعرف بمذهبه"، (فتح القدير 2/ 231). قال ملا علي القاري رحمه الله تعالى بعدما نقل كلام ابن الهمام هذا:"وحاصله أن النزاع لفظي، والحق أنه تحقيقي، يحتاج إلى أمر توفيقي". (فتح باب العناية 1/ 549).
كتاب الصّوم
الصوم ضربان *: واجب ونفل، فالواجب ضربان منه ما يتعلق بزمان بعينه كصوم رمضان والنذر المعين فيجوز صومه بنية من الليل فإن لم ينو حتى اْصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال *، والضرب الثاني ما يثبت في الذمّة كقضاء رمضان والنذر المطلق، ولا يجوز إلا بنية من الليل، والنفل كله يجوز بنية من النهار قبل الزوال، وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان فإن رأوه صاموا وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا ثم صاموا، ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل الإمام شهادته، وإن كان بالسماء علة قَبِل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلًا كان أو امرأة حرًا كان أو عبدًا، وإن لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير * يقع العلم بخبرهم، ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب
كتاب الصَّوم
قوله: (الصوم ضربان .. الخ)، "الهداية"
(1)
: "صوم رمضان فريضة .. والمنذور واجب".
قوله: (أجزأته النية ما بينه وبين الزوال)، "الهداية"
(2)
: "وفي "الجامع الصغير" قبل نصف النهار وهو الأصح؛ لأنَّه لابدّ من وجود النية في أكثر النهار، ونصفُه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى
(3)
.. فتشترط النية قبلها للتحقق في الأكثر، ولا فرق بين المسافر والمقيم، خلافًا لزفر
(4)
، لأنَّه لا تفصيل لما ذكرنا من الدليل
(5)
".
قوله: (جمعٌ كثيرٌ)، لم يقدّر في ظاهر الرواية، واختلف فيه، قال
(1)
1/ 143.
(2)
1/ 144.
(3)
لأن النهار الشرعي هو من طلوع الفجر إلى الغروب، بخلاف المراد من النهار اللغوي الذي هو طلوع الشمس إلى غروبها. (فتح باب العناية 1/ 558).
(4)
قال المحقق الكمال بن الهمام: (قوله (خلافًا لزفر) فإنه يقول لا يجوز [صيام] رمضان من المسافر والمريض إلا بنية من الليل؛ لأنَّه في حقهما كالقضاء لعدم تعبنه عليهما"، (فتح القدير 2/ 239).
(5)
في الهداية: "لا تفصيل فيما ذكرنا .. "، ويعني بذلك حديث:"ألا من أكل فلا يأكلنّ بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم". (الهداية 1/ 143)، قال ابن الهمام:"وهو مستغرب، والله أعلم به"، (فتح القدير 2/ 237).
الشمس، والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهارًا مع النية، فإن أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسيًا لم يفطر، وإن نام فاحتلم أو نظر إلى امرأة فأنزل أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبّل لم يفطر، فإن أنزل بقبلة أو لمس فعليه القضاء، ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه، ويكره إن لم يأمن. وإن ذرعه القيء لم يفطر * وإن استقاء عامدًا ملء فيه فعليه القضاء *، ومن ابتلع الحصاة أو الحديد أفطر، ومن جامع عامدًا في أحد السبيلين أو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى به فعليه القضاء والكفارة مثل كفارة الظهار، ومن جامع فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء ولا كفارة عليه، وليس في إفساد الصوم في غير رمضان كفارة، ومن احتقن أو استعط أو أقطر في أذنيه أو داوى جائفة أو آمة بدواء فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر *، وإن أقطر في إحليله لم يفطر عند أبي حنيفة،
بعضهم: ذلك مفوَّض إلى رأي القاضي والإمام، وفي "زاد الفقهاء" للإسبيجابي:"الصحيح أن يكونوا من نواح شتّى".
قوله: (وإن ذَرَعَه القيءُ لم يُفطِر)، اْطَلق فيه فيستوي ملء الفم ودونه.
قوله: (وإن استقاء عمدًا مِلْء فيه فعليه القضاء)، قيّد بملء الفم لأنَّه إن كان أقل لا يفطر عند أبي يوسف، واعتمده المحبوبي، وقال في "الاختيار"
(1)
: "وهو الصحيح، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - وإن كان لم يفصل في ظاهر الرواية
(2)
- لأن ما دون ملء الفم تبع للريق كما لو تجشّأ"
(3)
، والله أعلم.
قوله: (فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر)، لا خلاف في هذه المسألة على هذه العبارة، أما لو داوى
(4)
بدواء رطب ولم يتيقن بالوصول، فقال أبو حنيفة: يفطر، وقالا: لا يفطر
(5)
، ورجح قوله في "التحفة" وغيرها.
قوله: (وإن أقطر في إحليله لم يفطر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف
(1)
1/ 132.
(2)
أي جعل في ظاهر الرواية مطلق تعمد القيء مفسدًا، والله أعلم. وعبارة الاختيار:"والصحيح الفصل .. " بدل: (وهو الصحيح).
(3)
قال المحقق الكمال بن الهمام: "وإن استقاء عمدًا وخرج، إن كان ملء الفم فسد صومه بالإجماع، وإن كان أقل من ملء فيه أفطر عند محمد، ولا يفطر عند أبي يوسف، وهو المختار عند بعضهم، لكن ظاهر الرواية كقول محمد، ذكره في الكافي". (فتح القدير 2/ 260 باختصار).
(4)
في نسخة (د): "تداوى".
(5)
قال ابن الهمام رحمه الله تعالى: "لا خلاف في الإفطار على تقدير الوصول، إنما الخلاف فيما إذا كان الدواء رطبًا، فقال [أبو حنيفة]: يفطر للوصول عادة، وقالا: لا لعدم العلم به فلا يفطر بالشك". (فتح القدير 2/ 267).
وقال أبو يوسف: يفطر*، ومن ذاق شيئًا بفمه لم يفطر ويكره له ذلك، ويكره للمرأة أن تمضغ لصبيها الطعام إذا كان لها منه بد، ومضغ العلك لا يفطر الصائم ويكره، ومن كان مريضًا في رمضان فخاف إن صام ازداد مرضه أفطر وقضى، وإن كان مسافرًا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل وإن أفطر وقضى جاز، وإن مات المريض أو المسافر وهما على حالهما لم يلزمهما القضاء، وإن صح المريض أو أقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة، وقضاء رمضان إن شاء فرقه وإن شاء تابعه، وإن أخره حتى دخل رمضان آخر صام رمضان الثاني وقضى الأول بعده ولا فدية عليه، والحامل والمرضع إذا خافتا
ومحمد: يفطر)، قال في "الاختيار"
(1)
: "بناء على أنّ بينه وبين الجَوْف منفذًا
(2)
.. والأصح أن ليس بينهما منفذ"، قال في "التحفة"
(3)
: "وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قولهما وهو الصحيح"، لكن اعتمد [القولَ]
(4)
الأولَ المحبوبي والنسفي وصدرُ الشريعة وأبو الفضل المَوْصِلي وهو الأَولى، لأن القُدُوري قال في "التقريب": "قال الحبران لم يفطر، وروى الحسن
(5)
وابن المبارك عن الإمام يفطر، وهو قول يعقوب. وروى ابن سماعة
(6)
عن محمد أنه وقف، فيجوز أنه شك هل بينهما منفذ أم لا، أو شك هل المثانة كالدماغ أو لا، أو شك هل يصل إليها الدواء أم لا"، فلم يصح أن يكون محمد
(7)
مع أبي
(1)
1/ 133.
(2)
في (أ، ب، جـ): "منفذ".
(3)
1/ 356.
(4)
زيادة من نسخة (جـ).
(5)
الحسن؛ هو ابن زياد اللُّؤلؤي صاحب الإمام أبي حنيفة، كان يقظًا فطنًا فقيهًا نبيلاً، ولي القضاء ثم استعفى عنه، قال يحيى بن آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد. وكان يختلف إلى أبي يوسف وإلى زفر، وقال محمد بن سماعة: سمعت الحسن بن زياد يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث كلها يحتاج إليها الفقهاء. ولقد كان حسن الخلق محبًّا للسنَّة واتباعها. له كتاب: المجرّد - رواه عن أبي حنيفة - وكتاب أدب القاضي والخراج والخصال وغيرها. توفي سنة 204، وقد عُد ممن جدّد لهذه الأمة دينها على رأس المئتين، رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 56، 57، رقم 448، تاج التراجم ص 150، 151، رقم 86، الفوائد البهية ص 104 - 106، رقم 116).
(6)
هو محمد بن سماعة بن عبيد الله التميمي، أبو عبد الله الفقيه الحافظ الإمام. حدث عن الليث بن سعد وأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن، وروى الكتب والأمالي، وكتب "النوادر" عن أبي يوسف ومحمد، ومن كتبه: المحاضر والسجلات. ولي القضاء للمأمون ببغداد، ولم يزل على القضاء إلى أن ضعف بصره فاستعفى. قال الخطيب: توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين وله مئة سنة وثلاث سنين. (الجواهر المضية 3/ 168 - 170، رقم 1322، تاج التراجم ص 240، 241، رقم 204، الفوائد البهية ص 280، رقم 356).
(7)
قال في "الهداية" 1/ 151: "وقول محمد رحمه الله مضطرب فيه".
على ولديهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما، والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم لكل يوم مسكينًا كما يطعم في الكفارات، ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به أطعم عنه وليه لكل يوم مسكينًا نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير، ومن دخل في صوم التطوع ثم أفسده قضاه، وإذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في رمضان أمسكا بقية يومهما وصاما ما بعده ولم يقضيا ما مضى، ومن أغمي عليه في رمضان لم يقض اليوم الذي حدث فيه الإغماء وقضى ما بعده، وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان قضى ما مضى منه، وإذا حاضت المرأة أفطرت وقضت، وإذا قدم المسافر أو طهرت الحائض في بعض النهار أمسكا بقية يومهما، ومن تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت ثم تبين أن الفجر قد طلع أو أن الشمس لم تغرب قضى ذلك اليوم ولا كفارة عليه، ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر، وإذا كان بالسماء علة لم يقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وإن لم تكن بالسماء علة لم تقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم.
باب الاعتكاف
الاعتكاف مستحب *، وهو اللبث في المسجد مع الصوم * ونية الاعتكاف، ويحرم على المعتكف الوطء واللمس والقبلة، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان أو الجمعة، ولا بأس أن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلع، ولا يتكلم إلا بخير، ويكره له الصمت، فإن جامع المعتكف ليلاً أو نهارًا بطل اعتكافه، ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام لزمه اعتكافها بلياليها وكانت متتابعة وإن لم يشترط التتابع.
يوسف كما اعتمده في "التحفة" ولم يبقَ إلا ظاهر الرواية في مقابلة قول أبي يوسف وحده، والله أعلم.
باب الاعتكاف
قوله: (الاعتكاف مستحب)، قال في "الهداية"
(1)
: "الصحيح أنه سنة مؤكدة".
[قوله]
(2)
: (مع الصوم)، قال في "التحفة"
(3)
: "وأما شرائطه؛ فمنها الصوم في الاعتكاف الواجب في ظاهر الرواية لا في التطوع، وفي رواية الحسن في التطوع أيضًا".
قلت: فإطلاق "الكتاب" على رواية الحسن، والله أعلم.
(1)
1/ 157.
(2)
سقط من الأصل و (د)، وأثبته من نسخة (جـ).
(3)
"تحفة الفقهاء" 1/ 371.
كتاب الحج
الحج واجب* على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة* فاضلاً عن المسكن وما لا بد منه وعن نفقة عياله إلى حين عوده وكان الطريق آمنًا، ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرم يحج بها أو زوج ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام. والمواقيت التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان إلا محرما: لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل النجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز، ومن كان بعد المواقيت فوقته الحل، ومن كان بمكة فميقاته في الحج الحرم وفي العمرة الحل، وإذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ والغسل أفضل ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين إزارًا ورداء ومسّ طيبًا إن كان له * وصلى ركعتين وقال: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقيب صلاته فإن كان مفردًا بالحج نوى بتلبيته الحج، والتلبية أن يقول: لبيك اللهم [لبيك، لبيك] لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ولا
كتاب الحَج
قوله: (الحج واجبٌ)، قال في "الهداية"
(1)
: "وصَفَه بالوجوب وهو فريضة محكمة".
قوله: (إذا قدروا على الزاد والراحلة)، فيه إشارة إلى أنه على الفور، قال في "الهداية": "هذا عند أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه
(2)
، وعند محمد على التراخي"
(3)
، ورَجَّح دليلَ الفور، وقال القُدُوري:"وكان مشايخنا يقولون: هو قولهم"، واعتمده المحبوبي والنسفي.
قوله: (ومسَّ طِيبًا إن كان له)، وعن محمد أنه يكره بما تبقى عينه
(4)
، وما في "الكتاب" هو المشهور، نص عليه في "الهداية".
(1)
1/ 161.
(2)
أي على الفور، وهو ما ذكره ابن شجاع عن أبي حنيفة رحمه الله أنه سئل عمن له مال، يحج به أم يتزوج؟ فقال: بل يحج به. (الكفاية على الهداية 2/ 323).
(3)
انظر "الهداية" 1/ 161، وفيها:"وعند محمد والشافعي .. ".
(4)
أي بعد الإحرام، كما في "الهداية" 1/ 164.
ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات فإن زاد فيها جاز، فإذا لبى فقد أحرم * فليتق ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والجدال، ولا يقتل صيدًا ولا يشير إليه ولا يدل عليه ولا يلبس قميصًا ولا سراويلاً ولا عمامة ولا قلنسوة ولا قباء ولا خفين إلا أن لا يجد النعلين فيقطعهما أسفل الكعبين، ولا يغطي رأسه ولا وجهه ولا يمس طيبًا، ولا يحلق رأسه ولا شعر بدنه ولا يقصّ من لحيته ولا من ظفره، ولا يلبس ثوبًا مصبوغاً بورس ولا زعفران ولا عصفر إلا أن يكون غسيلاً لا ينفض، ولا بأس أن يغتسل ويدخل الحمام ويستظل بالبيت والمحمل ويشد في وسطه الهميان، ولا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمي، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات وكلما علا شرفًا أو هبط واديًا أو لقي راكبًا وبالأسحار، فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام، فإذا عاين البيت كبّر وهلّل ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ورفع يديه واستلمه وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلمًا، ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب وقد اضطبع رداءه قبل ذلك، فيطوف بالبيت سبعة أشواط ويجعل طوافه من وراء الحطيم ويرمل في الأشواط الثلاث الأول ويمشي فيما بقي على هينته ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، ويختم بالاستلام الطواف، ثم يأتي المقام فيصلي عنده ركعتين أو حيث تيسّر من المسجد، وهذا الطواف طواف القدوم وهو سنة وليس بواجب، وليس على أهل مكة طواف القدوم، ثم يخرج إلى الصفا* فيصعد عليه ويستقبل البيت ويكبر ويهلل ويصلي على النبي عليه السلام ويدعو الله تعالى لحاجته وينحط نحو المروة ويمشي على هينته، فإذا بلغ إلى بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سعيًا حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا وهذا شوط، فيطوف سبعة أشواط يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة، ثم يقيم بمكة حرامًا يطوف بالبيت كلما بدا له، فإذا كان قبل يوم التروية بيوم خطب الإمام خطبة يعلم الناس فيها الخروج إلى منى والصلاة بعرفات والوقوف والإفاضة، فإذا صلى الفجر يوم التروية بمكة خرج إلى منى فأقام بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة، ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها فإذا زالت الشمس من يوم عرفة صلى الإمام بالناس الظهر والعصر يبتدئ فيخطب الإمام قبل الصلاة خطبته يعلم
قوله: (فإذا لبي فقد أحرم)، قال في "الهداية"
(1)
: "يعني إذا نوى .. إلا أنه لم يذكرها لتقدم الإشارة إليها في قوله: اللهم إني أريد الحج، ولا يصير شارعًا في الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية"، قال الإسبيجابي:"خلافًا للشافعي وهو رواية عن أبي يوسف، والصحيح ظاهر الرواية".
قوله: (ثم يخرج إلى الصفا، .. الخ.)، السعي بين الصفا والمروة واجب باتفاقهم.
(1)
1/ 166.
الناس فيها الصلاة والوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار والنحر وطواف الزيارة، ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين*، ومن صلى في رحله وحده صلى كل واحدة منهما في وقتها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع بينهما المنفرد*، ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته ويدعو ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف بعرفة، ويجتهد في الدعاء، فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم حتى يأتوا المزدلفة فينزلوا بها، ومستحب أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة يقال له قزح، ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذان وإقامة، ومن صلى المغرب في الطريق لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد*، فإذا طلع الفجر صلى الإمام بالناس الفجر بغلس، ثم وقف ووقف الناس معه فدعا، والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ثم أفاض الإمام والناس قبل طلوع الشمس * حتى يأتوا منى، فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخذف يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع أول حصاة، ثم يذبح إن أحب، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل، وقد حل له كل شيء إلا النساء، ثم يأتي مكة من يومه ذلك أو من الغد أو من بعد الغد فيطوف بالبيت
قوله: (بأذان وإقامتين)، "الهداية"
(1)
: "وفي ظاهر المذهب: إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذن كما في الجمعة، وعن أبي يوسف أنه يؤذن قبل خروج الإمام، وعنه أنه يؤذن بعد الخطبة، والصحيح ما ذكرناه".
قوله: (ومن صلى الظهر في رَحْله وحدَه صلّى كلَّ واحدةٍ منهما في وقتها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع بينهما المنفرد)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده برهان الشريعة والنسفي.
قوله: (لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد) وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر، وقال أبو يوسف: يجزيه وقد أساء، ورجح في "الهداية" وغيرها
(2)
دليلهما، واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي.
قوله: (وإذا طلعت الشمس أفاض الأمام والناس حتى يأتوا منى)، قال في "الهداية"
(3)
: "هكذا وقع في نسخ "المختصر" وهذا غلط، والصحيح أنه إذا أسفر أفاض الإمام والناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
دفع قبل طلوع
(1)
1/ 173.
(2)
كذا في (جـ وب ود)، وفي الأصل:"وغيرهما" تحريف.
(3)
1/ 177.
(4)
روى البخاري في "صحيحه"، كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية 4/ 284، رقم 3838 عن =
طواف الزيارة سبعة أشواط، فإن كان سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف ولا سعي عليه، فإن لم يكن قدم السعي رمل في هذا الطواف وسعى بعده على ما قدمناه، وقد حل له النساء، وهذا الطواف هو المفروض في الحج، ويكره تأخيره عن هذه الأيام فإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة*، ثم يعود إلى منى فيقيم بها فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من النحر رمى الجمار الثلاث يبتدئ بالتي تلي المسجد فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ويدعو، ثم يرمي التي تليها مثل ذلك ويقف عندها ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها، فإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس كذلك، فإذا أراد أن يتعجل النفر نفر إلى مكة، وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث يوم الرابع بعد الزوال فإن قدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة*، ويكره أن يقدم الإنسان ثقله إلى مكة ويقيم [بها] حتى يرمي، فإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصّب* ثم طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها
الشمس"
(1)
.
قوله: (فإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة)، وهو المعوّل عليه عند النسفي والمحبوبي.
قوله: (جاز عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا استحسان"، واختاره برهان الشريعة والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (نزل بالمحصَّب) هذا سنة، قال في "الهداية":"هو الأصح"
(3)
.
= عمرو بن ميمون قال: "قال عمر رضي الله عنه: إن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تشرق الشمس على ثبير، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض قبل أن تطلع الشمس".
(1)
يلاحظ من هذه المسألة كيف يَعْرض العلماء مسائل الفقه التي يتدارسونها على الأدلة دائمًا، فما كان موافقًا لها أخذوا به وسلموا لقائله، وإلا توقّفوا .. ففي بعض نسخ المختصر لم يُقتصر فيها على التنبيه على الخطأ (المذكور) بل صُوب مباشرة بعد أن كشط الأصل من كلام المصنف، ولا يشك بهذا الفعل في أمانة المصوِّبين - الأمانة المطلوبة في النقل - لأن أمانتهم مع الحكم الشرعي - والمتفق عليه - كانت أسبق وأعظم.
وبهذا غدت نسخ القدوري اليوم كلها مصحّحة ومعدلة في هذه المسألة، ففي المطبوعة العثمانية:"ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى" وكذا في نسخة اللباب 1/ 190 وهو الموافق للمخطوطة (أي مخطوطة القدوري) المعتمدة هنا، خلافًا للمخطوطة التي اعتمد عليها المؤلف (الشيخ قاسم) رحمه الله.
هذا وقد ذكر بعضهم أن معنى قول القُدوري: "وإذا طلعت الشمس أفاض الإمام
…
" أي إذا قربت إلى الطلوع، معتبرًا أن المصنف فعل ذلك اعتمادًا على ظهور المسألة .. (انظر العناية شرح الهداية 2/ 381).
(2)
1/ 181، وفيه:"وقالا: لا يجوز"، وأخّر دليل الإمام.
(3)
انظر "الهداية" 1/ 182، وقال في "الكفاية" 2/ 396، 397: "وهذا احتراز عن قول ابن عباس =
وهذا طواف الصدر وهو واجب إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله، فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها* على ما قدمناه سقط عنه طواف القدوم ولا شيء عليه لتركه، ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج، ومن اجتاز بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة أجزأه ذلك عن الوقوف، والمرأة في جميع ذلك كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها وتكشف وجهها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل في الطواف ولا تسعى بين الميلين ولا تحلق ولكن تقصر.
باب القِران
القِران أفضل عندنا من التمتع والإفراد، وصفة القران أن يهلّ بالعمرة والحج معًا من الميقات ويقول عقيب الصلاة: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها وسعى بعدها بين الصفا والمروة وهذه أفعال العمرة، ثم يطوف بعد السعي طواف القدوم ويسعى بين الصفا والمروة كما بينا في المفرد وإذا رمى الجمرة يوم النحر ذبح شاة أو بقرة أو بدنة أو سبع بدنة فهذا دم القران فإن لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة، فإن فاته الصوم حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدّم، ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز، وإن لم يدخل القارن مكة وتوجّه إلى عرفات فقد صار رافضًا لعمرته بالوقوف *، وبطل عنه دم القران وعليه دم لرفض العمرة وعليه قضاؤها.
قوله: (ووقف بها)
(1)
أي في وقته وهو بعد الزوال، وقبله
(2)
لا عبرة به.
باب القران
قوله: (بالوقوف)، هذا هو الصحيح بخلاف رواية الحسن حيث قال: يصير رافضًا بالتوجّه، نص عليه في "الهداية"
(3)
.
= رضي الله عنه، فإنه يقول: ليس النزول فيه بسنة ولكنه موضع نزل فيه رسول الله عليه [الصلاة و] السلام اتفاقًا، والأصح عندنا أنه سنة، وإنما نزل رسول الله عليه [الصلاة و] السلام قصدًا".
(1)
هذه المسألة - الأخيرة - ذكرت في باب القِران في النسخ الخطية (أ، ب، جـ، د)، والصواب إثباتها هنا، موافَقة لكتاب القدوري، كما أنها ليست في باب القران أصلاً.
(2)
في نسخة (جـ): "وقيل"، تحريف.
(3)
نص في "الهداية" على هذا التصحيح من غير ذكر قول الحسن، (انظر الهداية 1/ 188).
وفي الكفاية: "قوله (ولا يصير رافضًا بمجرد التوجه، هو الصحيح) احتراز عن رواية الحسن فإنه يروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يصير رافضًا للعمرة بالتوجه إلى عرفات، وهذا هو القياس على مذهبه"، (الكفاية شرح الهداية 2/ 420، 421).
باب التمتُّع
التمتع أفضل من الإفراد عندنا، والمتمتع على وجهين: متمتع يسوق الهدي، ومتمتع لا يسوق الهدي، وصفة التمتع أن يبتدئ من الميقات فيحرم بعمرة ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر وقد حل من عمرته، ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف ويقيم بمكة حلالاً، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد وفعل كما يفعله الحاج المفرد، وعليه دم التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم وساق هديه، فإن كانت بدنة قلدها بمزادة أو نعل، وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمد. وهو أن يشق سنامها من الجانب الأيمن. ولا يشعر عند أبي حنيفة *، فإذا دخل مكة طاف وسعى ولم يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية فإن قدم الإحرام قبله جاز وعليه دم، فإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين، وليس لأهل مكة تمتع ولا قران وإنما لهم الإفراد خاصة، وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه، ومن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتمّمها وأحرم بالحج كان متمتعًا، وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدًا ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعًا، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجًا، وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر.
باب التمتع
قوله: (وأشعر البدنة عند أبي يوسف ومحمد .. ولا يشعر عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(1)
: "وقيل إن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية"، وقال في الشرح
(2)
: "وعلى هذا حمله الطحاوي، وهو الأولى"
(3)
.
(1)
1/ 191.
(2)
أي "شرح الهداية" للكمال بن الهمام 2/ 426.
(3)
أي هذا التخريج أولى من قولهم: إن أبا حنيفة كره الإشعار لأنَّه مُثلة وهو منهي عنه، وإذا وقع التعارض فالترجيح للمحرم. وقيل أيضًا: إنما كره إيثاره على التقليد - جعل قلادةٍ في العنق -. (انظر الكفاية 2/ 426).
باب الجنايات
إذا تطيّب المحرم فعليه الكفارة، فإن طيّب عضوًا كاملاً فما زاد فعليه دم، وإن طيب أقل من عضو فعليه صدقة *، وإن لبس ثوبًا مخيطًا أو غطى رأسه يومًا كاملاً فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وإن حلق ربع رأسه فصاعدًا فعليه دم، وإن حلق أقل من الربع فعليه صدقة، وإن حلق مواضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة *، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دم وإن قص يدًا أو رجلًا فعليه دم، وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف *، وقال محمد: عليه دم، وإن تطيب أو حلق أو لبس من عذرٍ فهو مخير إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من طعام وإن شاء صام ثلاثة أيام، وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم، ومن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وعليه شاة، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد الحج وعليه القضاء، وليس عليه أن يفارق امرأته إذا حج بها في القضاء، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه وعليه بدنة، وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة، ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط فسدها ومضى فيها وقضاها وعليه شاة، وإن وطئ بعد ما طاف أربعة أشواط فعليه شاة ولا تفسد، ومن جامع ناسيًا كمن جامع عامدًا، ومن طاف طواف القدوم محدثًا فعليه صدقة، وإن طاف جنبًا فعليه شاة، ومن طاف طواف الزيارة محدثًا فعليه شاة وإن كان جنبًا فعليه بدنة، والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه، ومن طاف طواف الصدر محدثًا فعليه صدقة وإن طاف جنبًا فعليه شاة *، ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها فعليه شاة، وإن ترك
باب الجنايات
قوله: (وإن كان أقل من عضو فعليه صدقة)، وقال محمد: عليه بحصته
(1)
من الدم، قال الإسبيجابي:"الصحيح جواب ظاهر الرواية".
(وإن حَلَق مواضع المَحاجِمِ فعليه دم عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة)، واعتبر قوله المحبوبي والنسفي.
قوله: (وإن قصّ خمسةَ أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف .. )، واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي.
قوله: (ومن طاف طواف الصدر محدثًا فعليه صدقة، وإن كان جُنُبًا فعليه شاة)، قال الإسبيجابي: "هذا في رواية أبي سفيان
(2)
، وفي رواية أبي
(1)
في نسخة (جـ): "بحسبه".
(2)
قال صاحب الجواهر: "قُطبة بن العلاء بن المنهال أبو سفيان الغنوي الكوفي .. كان جليس سفيان =
أربعة أشواط بقي محرمًا أبداً حتى يطوفها، ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه صدقة وإن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة، ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه شاة وحجُّه تام، ومن أفاض من عرفة قبل الإمام فعليه دم، ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم، ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم، وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم، ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه صدقة، وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم، ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذلك إن أخر طواف الزيارة عند أبي حنيفة * وإذا قتل المحرم صيدًا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء يستوي في ذلك العامد والناسي والمبتدئ والعائد، والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف * أن يقوم الصيد في المكان الذي قتله فيه أو في أقرب المواضع منه، إن كان في برية يقومه ذوا عدل، ثم هو مخيّر في القيمة إن شاء ابتاع بها هديًا فذبح
حفص
(1)
أوجب الدم فيهما، والأصح هو الأول"
(2)
.
قوله: (ومن أخّر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة، وكذلك إن أخر طواف الزيارة عند أبي حنيفة)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"
(3)
، ومشى عليه برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي.
قوله: (والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف .. الخ)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف"، وهو المعول عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل عند المحبوبي، [والله أعلم].
= الثوري، ويقولون إنه جالس أبا حنيفة، وهو الذي كان يخبر سفيان بكلام أبي حنيفة"، (الجواهر المضية 2/ 712، رقم 1122، وفيه أيضًا 4/ 51، رقم 1929: "أبو سفيان الرازي، له كتاب الاستحسان").
هذا وفي نسخة (جـ) قال: " .. رواية أبي سليمان" .. أي بدل: (أبي سفيان). وقد يكون هو أبو سليمان الجوزجاني، والله أعلم.
(1)
هو أحمد بن حفص البخاري، المعروف بأبي حفص الكبير، الإمام المشهور. أخذ العلم عن محمد بن الحسن، وانتهت إليه رآسة الأصحاب ببخارى. (الجواهر المضية 1/ 166، 167، و 4/ 37، رقم 104، تاج التراجم ص 94، رقم 15، الفوائد البهية ص 39، 40، رقم 19).
(2)
قال في "الهداية" 1/ 199: "ومن طاف طواف الصدر محدثًا فعليه صدقة .. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه تجب شاة، إلا أن الأول أصح، ولو طاف جنبًا فعليه شاة"، قال الكمال بن الهمام:"قوله (ومن طاف طواف الصدر .. الخ) ذكر في حكمه روايتين، وفيه رواية ثالثة هي رواية أبي حفص، أنه تجب عليه الصدقة"، (فتح القدير 2/ 463).
(3)
قال المرغيناني: "وقالا: لا شيء عليه في الوجهين، وكذا الخلاف في تأخير الرمي، وفي تقديم نسك على نسك كالحلق قبل الرمي ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح". (الهداية 1/ 201).
إن بلغت هديًا، وإن شاء اشترى بها طعامًا فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعًا من تمر أو شعير، وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر يومًا وعن كل صاع من شعير يومًا، فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به وإن شاء صام عنه يومًا كاملًا، وقال محمد: يجب في الصيد النظير فيما له نظير ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق وفي النعامة بدنة وفي اليربوع جفرة، ومن جرح صيدًا أو نتف شعره أو قطع عضوًا منه ضمن ما نقص، وإن نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع فعليه قيمته كاملة، ومن كسر بيض صيد فعليه قيمته، فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته، وليس في قتل الغراب والحدأة والذئب والحية والعقرب والفأرة جزاء، وليس في قتل البعوض والبراغيث والقراد شيء، ومن قتل قملة تصدف بما شاء، ومن قتل جرادة تصدق بما شاء، وتمرة خير من جرادة، ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع ونحوها فعليه الجزاء ولا يتجاوز بقيمتها شاة، وإذا صال السبع على محرم فقتله فلا شيء عليه، وإن اضطر المحرم إلى أكل لحم الصيد فقتله فعليه الجزاء، ولا بأس أن يذبح المحرم الشاة والبقر والبعير والدجاج والبط الكسكري، وإن قتل حمامًا مسرولاً أو ظبيًا مستأنسًا فعليه الجزاء، وإن ذبح المحرم صيدًا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها، ولا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال وذبحه إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده، وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال فعليه الجزاء، وإن قطع حشيش الحرم أو شجره الذي ليس بمملوك ولا هو مما ينبته الناس فعليه قيمته، وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دمًا فعليه وإن، دم لحجته ودم لعمرته إلا أن يتجوز الميقات من غير إحرام ثم يحرم بالعمرة والحج فيلزمه دم واحد، وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملًا، وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد، وإذا باع المحرم صيدًا أو ابتاعه فالبيع باطل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
باب الإحصار
إذا أحصر المحرم بعدوِّ أو أصابه مرض منعه من المضيّ حلّ له التحلّل، وقيل له ابعث شاة تذبح في الحرم، وواعدَ من يحملها يومًا بعينه يذبحها فيه ثم تحلل، وإن كان قارنًا بعث بدمين، ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة *، وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة أن يذبح متى شاء، والمحصر بالحج إذا تحلّل فعليه حجة وعمرة، وعلى المحصر بالعمرة القضاء، وعلى القارن حجة وعمرتان، وإذا بعث المحصر هديًا وواعد أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار فإن قدر على إدراك الهدي والحج لم يجز له التحلل ولزمه المضي، وإن قدر على إدراك الهدي دون الحج تحلل، وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانًا، ومن أحصر بمكة وهو ممنوع من الوقوف والطواف كان محصرًا وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر.
باب الفوات
ومن أحرم بالحج ففاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وعليه أن يطوف * ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه. والعمرة لا تفوت، وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.
والعمرة سنة، وهي الإحرام والطواف والسعي.
باب الإحصار
قوله: (قبل يوم النحر عند أبي حنيفة .. ) رُجح دليله في الشروح، وهو المختار عند أبي الفضل المَوْصِلي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي، [والله أعلم].
باب الفوات
قوله: (وعليه أن يطوف .. الخ)، قال الإسبيجابي:"ثم عند أبي حنيفة ومحمد أصل إحرامه بالحج باقٍ وتحلل بعمل العمرة، وعند أبي يوسف يصير إحرامه إحرام العمرة، والصحيح قولهما".
باب الهدي
الهدي أدناه شاة، وهو من ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم، يجزئ في ذلك الثني فصاعدًا إلا من الضأن فإن الجذع منه يجزئ، ولا يجوز في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها ولا مقطوع الذنب ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين ولا العجفاء ولا العرجاء التي لا تمشي إلى المنسك، والشاة جائزة في كل شيء إلا في موضعين: من طاف طواف الزيارة جنبًا، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة فإنه لا يجوز إلا بدنة، والبدنة والبقرة يجزئ كل واحدة منهما عن سبعة إذا كان كل واحد من الشركاء يريد القربة فإن أراد أحدهم بنصيبه اللحم لم يجز للباقين، ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا، ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء، ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم، ولا يجب التعريف بالهدايا، والأفضل في البدن النحر وفي البقر والغنم الذبح، والأَولى أن يتولى الإنسان ذبحها بنفسه إذا كان يحسن ذلك، ويتصدق بجلالها وخطامها، ولا يعطي أجرة الجزار منها، ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها ركبها وإن استغنى عن ذلك لم يركبها، وإن كان لها لبن لم يحلبها وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن، ومن ساق هديًا فعطب فإن كان تطوعًا فليس عليه غيره، وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه، وإن أصابه عيب كبير أقام غيره مقامه وصنع بالمعيب ما شاء، وإذا عطبت البدنة في الطريق فإن كان تطوعًا نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحتها ولم يأكل منها هو ولا غيره من الأغنياء، وإن كانت واجبة أقام غيرها مقامها وصنع بها ما شاء، ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران، ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كتاب البيوع
البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي، وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده، وأيهما قام من المجلس قبل القبول بطل الإيجاب، وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحد منهما إلا من عيب أو عدم رؤية، والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع، والأثمان المطلقة لا تصح * إلا أن تكون معروفة القدر والصفة، ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلومًا، ومن أطلق الثمن في البيع كان على غالب نقد البلد فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسد إلا أن يبين أحدها، ويجوز بيع الطعام والحبوب مكايلة ومجازفة وبإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره، ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة * إلا أن يسمي جملة قفزانها، ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فالبيع فاسد في جميعها، وكذلك من باع ثوبًا مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسمِّ جملة الذرعان، ومن ابتاع صبرة على أنها مئة قفيز بمئة درهم فوجدها أقل كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن وإن شاء فسخ البيع، وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع، ومن اشترى ثوبًا على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم أو أرضًا على أنها مئة ذراع بمئة درهم فوجدها أقل فالمشتري بالخيار، إن
كتاب البيوع
قوله: (والأثمان المطلقة لا تصح .. الخ)، قال في "مختارات النوازل":"أراد بها ما لم تكن مشاراً إليها".
قوله: (جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة)، قال في "شرح"الهداية""
(1)
: "يترجح قول أبي حنيفة"، وكذا رجحه في "الكافي"، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، وكذا في بيع القطيع والمذروع
(2)
. والله أعلم.
[ووقع في فتاوى القاضي: "وبقولهما في هذه المسألة أخذ أبو الليث، وبه يفتى"
(3)
، وفي "الخلاصة":"وعليه الفتوى"]
(4)
.
(1)
"فتح القدير" للكمال بن الهمام 5/ 475.
(2)
قال صاحب الهداية: "وقالا: يجوز في الوجهين"، ثم أخر دليلهما. (الهداية 3/ 25).
(3)
لم أجده في مظانه من "فتاوى قاضي خان".
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها، وإن وجدها أكثر من الذرع الذي سماه فهي للمشتري ولا خيار للبائع، وإن قال بعتكها على أنها مئة ذراع بمئة درهم كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة فهو بالخيار إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء تركها، وإن وجدها زائدة كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم وإن شاء فسخ البيع، ومن باع دارًا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه، ومن باع أرضًا دخل ما فيها من النخيل والشجر * في البيع وإن لم يسمه، ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية، ومن باع نخلاً أو شجرًا فيه ثمر فثمرته للبائع * إلا أن يشترطها المبتاع ويقال للبائع اقطعها وسلم المبيع، ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز * البيع ووجب على المشتري قطعها
قوله: (ومن باع أرضًا دخل ما فيها من النّخِيل والشجر)، قال قاضي خان
(1)
: "هذا في المثمرة، واختلفوا في غير المثمرة، والصحيح أنها تدخل صغيرًا كان أو كبيرًا".
قوله: (ومن باع نخلاً أو شجرًا مثمرًا
(2)
فثمرته للبائع .. )، قال في "الهداية"
(3)
: "ولا فرق بينهما إذا كان الثمر له قيمة أو لم يكن في الصحيح، ويكون في الحالين للبائع".
وهل يدخل ما تحت الشجرة
(4)
من الأرض؟
قال قاضي خان
(5)
: "فيه روايتان، والصحيح أنه يدخل"
(6)
.
قوله: (ومن باع ثمرة لم يبدُ صلاحُها أو قد بدا جاز)، قال في "الهداية"
(7)
: "وقد قيل لا يجوز قبل أن تبدُوَ صلاحها، والأول أصح"
(8)
.
(1)
"الفتاوى"، باب البيع الفاسد 2/ 147، وانظر 2/ 244.
(2)
المثبت من نسخة (د)، وفي الأصل:"مثمرة".
(3)
3/ 27.
(4)
في نسخة (جـ): "الشجر".
(5)
"الفتاوى" 2/ 147.
(6)
وهو قول محمد، خلافًا لأبي يوسف. (انظر الفتاوى الخانية باب ما يدخل في البيع من غير ذكره، وما لا يدخل فيه، 2/ 245، 246).
قال قاضي خان: "وإذا دخل ما تحتها من الأرض في البيع يدخل مقدار غلظ الشجرة وقت البيع ووقت الإقرار ووقت القسمة، حتى لو زاد غلظها بعد ذلك، كان لصاحب الأرض أن يأمره بنحت الزيادة، ولا يدخل من الأرض ما يتناهى إليه العروق والأغصان". انتهى من "الفتاوى"، باب البيع الفاسد 2/ 147، وهذا مما يُرجع فيه إلى العرف.
(7)
3/ 27.
(8)
قال في "الفتاوى الخانية" 2/ 250: "وعامة المشايخ لم يجوزوا بيع الثمار قبل أن تصير منتفعًا".
في الحال، فإن شرط تركها على النخل فسد البيع، ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً معلومة *، ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره، ومن باع دارًا دخل في
قوله: (ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً معلومة)، وهكذا ذكره في "الاختيار"، ومشى عليه برهان الشريعة وصدر الشريعة، قال في "الاختيار"
(1)
: "وهو الصحيح، وقيل يجوز"، وخالفه النسفي فقال:"ولو استثنى منها أرطالاً معلومة صحَّ، وفي رواية لا يجوز"، بناء على ما ذكر في "الهداية"
(2)
، أن "المذكور في "الكتاب": قالوا هو رواية الحسن وهو قول الطحاوي، أما على ظاهر الرواية ينبغي أن يجوز"، لكنه غيرُ جازمٍ في الموضعين. وفي "شرح "الهداية""
(3)
: "عدم الجواز أقيس بمذهب أبي حنيفة في مسألة بيع صُبْرة طعام كل قَفيز بدرهم، فإنه أفسد البيع بجهالة قدر المبيع وقت العقد وهو لازم هنا".
قلت: ليست رواية الحسن وحده، بل هي رواية أبي يوسف أيضًا عن أبي حنيفة، وبها قال أبو حنيفة، قال المُعلَّى
(4)
: "قال أبو يوسف قال أبو حنيفة إذا باع طعامًا مجازفة إلا قفيزًا، أو استثنى منه كيلاً معلومًا، فهذا فاسد لا يجوز، وهو قول أبي يوسف، قال: ولم يوقِّت أبو حنيفة إذا كان العلم يحيط به أنه أكثر من قفيز أو لا يحيط العلم به، لم يوقفه
(5)
على ذلك"، هذا لفظه في "النوادر". ومحمد رحمه الله إنما جوز الثنيا
(6)
في البيع على وجه آخر، فقال في كتاب "الحُجة" بعدما روى عن القاسم بن محمد أنه كان يبيع ثماره ويستثني منها فقال: "به نأخذ، لا بأس أن يبيع الرجل ثمره ويستثني بعضه،
(1)
2/ 7، وفيه بعد قوله:(أرطالًا معلومة) قال: "لِجهالة الباقي، وقيل يجوز لجواز بيعه ابتداء"، ولم أجد فيه لفظ (التصحيح) كما نقله عنه المصنف، والله أعلم.
(2)
انظر "الهداية" 3/ 28.
(3)
"فتح القدير" 5/ 493. (6/ 293 - دار الفكر).
(4)
مُعلَّى بن منصور أبو يحيى الرازي، كان صاحب رأي وحديث وفقه. روَى عن أبي يوسف ومحمد الكتب والأمالي، وشارك في ذلك أبو سليمان الجُوزجاني، وهما من الورع في الدين وحفظ الفقه والحديث بالمنزلة الرفيعة. وفي الكاشف للذهبي: "قال العجلي: هو ثقة نبيل صاحب سنة، طلبوه غير مرة للقضاء فأبى .. توفي سنة 211، رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 492، 493، رقم 1680، الفوائد البهية ص 353، 354، رقم 473).
(5)
في (د): "لم يوقته".
(6)
في (جـ): "الاستثناء".
البيع مفاتيح أغلاقها، وأجرة الكيال * وناقد الثمن على البائع، وأجرة وزان الثمن على المشتري، ومن باع سلعة بثمن قيل للمشتري ادفع الثمن أولاً فإذا دفع الثمن قيل للبائع سلم المبيع، ومن باع سلعة بسلعة أو ثمناً بثمن قيل لهما سلما معًا.
باب خيار الشرط
خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها، ولا يجوز أكثر من ذلك عند أبي حنيفة *، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز إذا سمى مدة معلومة، وخيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه، فإن قبضه المشتري فهلك في يده ضمنه بالقيمة، وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع من ملك البائع إلا أن المشتري لا
إذا استثنى شيئًا في جملته رُبُعًا أو خمسًا أو سدسًا"
(1)
، فهذا يشير إلى صحّة ما في "الكتاب"، ويبين صفة الاستثناء الصحيح، والله أعلم.
قوله: (وأجرة الكيال .. الخ)
(2)
، قال في "المحيط":"وأجرة الناقد ووازن الثمن على المشتري، وهو الصحيح"، وقال قاضي خان:"والصحيح أنها تكون على المشتري على كل حال"
(3)
، واعتمده النسفي.
[ولو اشترى ثوبًا على أنه عشرة أذرع، كل ذراع بدرهم، فوجده تسعة ونصفًا، أخذه بتسعة عند أبي حنيفة، وهو المختار، قاله في "الكبرى"]
(4)
.
باب خيار الشرط
قوله: (ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة)، قال في "التحفة"
(5)
: "والصحيح ما قاله أبو حنيفة"، ومشى عليه المحبوبي وصدر الشريعة والنسفي وأبو الفضل الموصلي، ورجَّحوا دليلَه، وأجابوا عما يُتمسَّك به لهما، والله أعلم.
(1)
قال محمد في كتاب "الحجة"، باب الرجل يبيع ثمر حائط قد بلغ ويستثني بعضه، 2/ 561:"قال أبو حنيفة: من باع ثمر حائط قد بلغ وانتهى واستثنى بعضه، فإن كان استثنى ثلثاً أو ربعًا أو نصفًا أو شيئًا معروفًا فهو جائز، وإن كان استثنى من الثمر شيئًا مجهولًا لم يجز ذلك".
(2)
قال في "الهداية" 3/ 28، 29:"وأما النقد فالمذكور رواية ابن رستم عن محمد رحمه الله .. وفي رواية ابن سماعة عنه: على المشتري".
(3)
لم أجده في "الفتاوى الخانية".
(4)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(5)
"تحفة الفقهاء" 2/ 66.
يملكه عند أبي حنيفة *، فإن هلك في يده هلك بالثمن، وكذلك إن دخله عيب، ومن شرط الخيار فله أن يفسخ في مدة الخيار وله أن يجيزه فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرًا *، وإذا مات من له الخيار بطل خياره ولم ينتقل إلى ورثته، ومن باع عبدًا على أنه خباز أو كاتب فكان بخلاف ذلك فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك.
باب خيار الرؤية
ومن اشترى شيئًا لم يره فالبيع جائز وله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه، ومن باع ما لم يره فلا خيار له، وإن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى ظاهر الثوب مطويًا أو إلى وجه الجارية أو إلى وجه الدابة وكفلها فلا خيار له، وإن رأى صحن الدار فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها *، وبيع الأعمى وشراؤه جائز وله الخيار إذا اشترى، ويسقط خياره
قوله: (ولا يدخل في ملكه عند أبي حنيفة)
(1)
، قال في "التحفة"
(2)
: "والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده برهان الشريعة وصدر الشريعة والنسفي والموصلي.
قوله: (لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرًا)
(3)
، وعليه مشى النسفي وبرهان الشريعة وصدر الشريعة، [والله أعلم].
باب خيار الرؤية
قوله: (وإن رأى صحنَ الدار فلا خيار له، وإن لم يشاهد بيوتها)، قال في "الهداية"
(4)
: "وكذلك إذا رأى خارج الدار أو رأى أشجار البستان من خارج، وعند زفر
(5)
: لا بدّ من دخول داخل البيوت، والأصح أن جواب "الكتاب" على وفاق عادتهم في الأبنية
(6)
لأن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما اليوم فلا بد من الدخول في داخل الدار للتفاوت، والنظر إلى الظاهر لا
(1)
في النسخ المطبوعة لمختصر القدوري هنا زيادة: "وعندهما يملكه".
(2)
2/ 77.
(3)
هذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يجوز. (الهداية 3/ 31).
(4)
3/ 35.
(5)
هو الإمام المجتهد زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، صاحب الإمام أبي حنيفة، توفي سنة 158 وله 48 سنة رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 207 - 209، رقم 596، تاج التراجم ص 169، 170، رقم 111، الفوائد البهية ص 132، 133، رقم 159، وقد ألف الإمام الكوثري كتاباً سماه:"لمحات النظر في سيرة الإمام زفر".
(6)
في (د): "والأصح أن جواب الكتاب على وفق الأصل وفاق في الأبنية".
بأن يجس المبيع إذا كان يُعرف بالجس أو يشمه إذا كان يعرف بالشم أو يذوقه إذا كان يعرف بالذوق، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له*. ومن باع ملك غيره * بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقيًا والمتعاقدان بحالهما، ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن
يوقع العلم بالداخل"، [قال أبو نصر الأقطع: "فالصحيح ما قاله زفر"]
(1)
.
قوله: (ولا يسقط خياره
(2)
في العقار حتى يُوصَف له)، قال في "التحفة"
(3)
: "هذا هو الأصح من الروايات"، [وقال أبو نصر الأقطع:"هذا هو الصحيح من المذهب"]
(4)
.
فرع: باع لُؤلؤةَ في صَدَف، قال أبو يوسف: يجوز البيع وله الخيار إذا رأى، وقال محمد: لا يحوز، وعليه الفتوى، قاله القاضي
(5)
، وقال في "الخلاصة"
(6)
: "البيع باطل".
آخر: اشترى مغيبًا كالبصل والجزر، إذا قلع شيء يدخل تحت الكيل أو الوزن ورضي به لزم البيع في الكل إذا وجد الباقي كذلك، وإن كان يسيرًا لا يبطل خياره عند أبي يوسف، وعليه الفتوى، وقال محمد: ما لم يرَ الكل لا يبطل خياره
(7)
.
قوله: (ومن باع مِلك غيره .. الخ)، [قال أبو نصر الأقطع: "بيع
(1)
زيادة من نسختي: (جـ و د).
(2)
وفي هامش نسخة (جـ) في هذا الموضع قال: "أي خيار الأعمى، وقال أبو يوسف: يوقف في موضع لو كان بصيرًا لرآه ثم يوصف؛ لأن هذا أقصى ما يقدر عليه، وقال الشافعي: بيع الأعمى وشراؤه باطل، بناء على مذهبه أن شراء ما لم يره باطل. كذا في بعض شروح القدوري".
(3)
2/ 91.
(4)
زيادة من (جـ ود).
(5)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 192.
(6)
"خلاصة الفتوى" 3/ 44.
(7)
ذكر هذه المسألة قاض خان في "الفتاوى" 2/ 190، 191، فقال: "وفي الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال: إن كان المغيب في الأرض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والبصل والجزر، فقَلَع المشتري شيئًا بإذن البائع، أو قلع البائع، إن كان المقلوع مما يدخل تحت الكيل أو الوزن، إذا رأى المقلوع ورضي به لزم البيع في الكل، ويكون رؤية البعض كرؤية الكل إذا وجد الباقي كذلك وإن كان المقلوع شيئًا يسيرًا لا يدخل تحت الوزن، لا يبطل خياره. وعن محمد رحمه الله تعالى أنه قال: ما لم ير الكل بعد القلع لا يبطل خياره
…
والفتوى على قول أبي يوسف".
يردّهما، ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره، ومن رأى شيئًا ثم اشتراه بعد مدة فإن كان على الصفة التي رآه فلا خيار له، وإن وجده متغيرًا فله الخيار.
باب خيار العَيْب
إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع فهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده، وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان، وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب، والإباق والبول في الفراش والسرقة عيب في الصغير ما لم يبلغ فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ، والبخر والدفر عيب في الجارية وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون من داء، والزنا وولد الزنا عيب في الجارية دون الغلام، وإذا حدث عند المشتري عيب ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب، ولا يرد المبيع إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه، وإن قطع المشتري الثوب وخاطه أو صبغه أو لت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه وليس للبائع أن يأخذه بعيب، ومن اشترى عبدًا فأعتقه أو مات ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه فإن قتل المشتري العبد، أو
المرهون والمستأجر، الصحيح أنه موقوف"]
(1)
.
قال القاضي
(2)
: "إذا باع الراهن الرهن، أو المؤخر ما أجَّر، يتوقف على إجازة المرتهِن والمستأجِر في أصح الرواية"، وإذا لم يجز
(3)
كان للمشتري حقّ الفسخ، فإن علم عند الشراء بالرهن أو الإجارة، روي عن أبي يوسف أنه لا يكون له حق الفسخ، والمشايخ أخذوا بهذه الرواية، ولو أراد المستأجر أن يفسخ البيع اختلفت الروايات فيه، والصحيح أنه لا يملك الفسخ
(4)
.
وإذا باع عبده المأذون المديون بغير إذن الغرماء، الصحيح أنه موقوف
(5)
، ومعنى قول محمد: باطل، أي: سيبطل
(6)
، [قال أبو نصر: "هذا هو الصحيح من المذهب]
(7)
.
باب خيار العيب
قوله: (فإن قتل المشتري العبدَ، أو كان طعامًا فأكله، لم يرجع بشيء
(1)
ما بين الحاصرتين زيادة من (جـ).
(2)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 177.
(3)
في نسخة (جـ): "يجزه".
(4)
انظر المصدر السابق 2/ 299.
(5)
أي يتوقف البيع على إجازة الغرماء.
(6)
ذكر هذه المسألة قاضي خان في "فتاواه" 2/ 177.
(7)
زيادة من نسخة (د).
كان طعامًا فأكله ثم اطلع عليه لم يرجع عليه بشيء في قول أبي حنيفة*، ومن باع عبدًا فباعه المشتري ثم رُدَّ عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي فله أن يرده على بائعه وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده، ومن اشترى عبدًا وشرط البراءة من كل عيب فليس
في قول أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(1)
: "أما القتل فالمذكور ظاهر الرواية"، [وقال أبو نصر الأقطع: "وأما القتل فالمشهور عن أصحابنا أنه يمنع الرجوع بالأرش]
(2)
، وعن أبي يوسف أنه يرجع، وقال الإسبيجابي:"وله - يعني ولأبي حنيفة، وهو الجواب الظاهر - أنه يملك الإعتاق ولا يملك القتل .. الخ"، واعتمده البرهاني والنسفي.
وأما الأكل فقال في "الهداية"
(3)
: "على الخلاف، عندهما يرجع، وعنده لا يرجع استحسانًا"، وعكس هذا في "الاختيار"
(4)
فقال: "وقالا: يرجع استحسانًا"
(5)
.
وأكل بعض الطعام؛ فكذلك الجواب عنده، وعندهما أنه يرجع بنقصان العيب في الجميع، وعنهما يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل؛ لأنَّه لا يضره التبعيض، هكذا في "الهداية" و"الاختيار"، زاد في "الاختيار"
(6)
: "وعليه الفتوى"، وخالفهما قاضي خان وصاحب "الذخيرة" في نسبة بعض الأقوال، ووافق القاضي "الاختيار" في اختيار الفتوى فقال
(7)
: "وإن اشترى طعامًا فأكل بعضه ثم عَلِم بعَيْب كان عند البائع فإنه لا يرد الباقي ولا يرجع بشيء في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف يرجع بنقصان العيب في الكل
(8)
ولا يرد الباقي، وقال محمد: يرد الباقي ويرجع بنقصان العيب فيما أكل"، وكذا ذكر في "الذخيرة"، قال القاضي: "ويعطى لكلِّ بعضٍ حكمُ نفسِهِ، وعليه الفتوى"، وكذا في "الخلاصة".
(1)
3/ 38.
(2)
زيادة من نسختي (جـ ود)، وفي (د):"وأما العبد" بدل قوله: (وأما القتل).
(3)
3/ 38.
(4)
2/ 20.
(5)
كذا في نسخة الأصل و "الاختيار"، وفي (جـ ود):"وقالا: لا يرجع".
(6)
2/ 20.
(7)
انظر "الفتاوى الخانية"، فصل فيما يرجع بنقصان العيب ولا يرد، 2/ 209.
(8)
في "الفتاوى": "وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يرجع بنقصان العيب فيما أكل .. "، وهو الصواب، والله تعالى أعلم.
له أن يرده بعيب وإن لم يسم العيوب ويعدها.
قلت: لم يتفق المشايخ على اختيار قولهما بل مَن نظر إلى ثبات
(1)
الرواية وقوّة الدليل صحّح قول الإمام، ومن نظر إلى الرفق بالناس اختار قول محمد. قال في "الذخيرة": "قال القُدُوري: إذا أكل الطعام ثم اطلع على عيب به قال أبو حنيفة: لا يرجع بنقصان العيب، وقالا: يرجع، والصحيح قول أبي حنيفة لأن الأكل واللُّبس في مِلك الغير يُسبِّب الضمان، وإنما سقط الضمان عنه بسبب الملك، والتقرير ما ذكرنا
(2)
، وقال: وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقًا بالناس، وعليه اختيار [الشيخ] الصدر الشهيد حسام الدين"، انتهى. وقد اعتمد قولَ الإمام البرهانيُّ والنسفي، والله أعلم.
قال القاضي
(3)
: "هذا إذا كان الطعام في وعاء واحد أو لم يكن في وعاء، فإن كان في وعائَين في جَوْلَقين
(4)
أو في قَوْصَرَتَيْ تمر
(5)
أو ما أشبه ذلك، فأكل ما في أحدهما أو باع، ثم علم بعيب كان عند البائع، كان له أن يرد الباقي بحصته من الثمن في قولهم؛ لأن المكيل والموزون إذا كان في وعائَين كان
(6)
في حكم العيب بمنزلة شيئين مختلفين"، انتهى.
قلت: بل هذا مختلف فيه أيضًا، فحكي هذا في "الذخيرة" عن أبي جعفر الهِنْدُوَاني، وأنَّه كان يفتي به، ويزعُم أنَّه رواية عن أصحابنا وبه أخذ الشيخ الإمام خُواهَرْ زاده
(7)
.. ثم قال: "ومن المشايخ من قال: لا فرق بينهما إذا
(1)
في (جـ ود): "إثبات".
(2)
في (جـ): "وإنما سقط الضمان فيه بسبب الملك، والتقريب ما ذكرنا".
(3)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 209.
(4)
في "الفتاوى": "جوالقين"، قال في القاموس:"الجُوالِق: وعاء معروف، الجمع: جَوالِق كصحائف وجَواليق وجَوالِقات". (القاموس المحيط ص 1126، وانظر تاج العروس 25/ 129).
(5)
في "الفتاوى": "أو في قَوصرتين أو .. "، والقَوْصَرَة أو القَوصَرَّة: وعاء للتَّمر، كما جاء في "القاموس" ص 595.
(6)
في نسخة (د): "إذا كانا في وعائين كانا في حكم العيب بمنزلة الشيئين المختلفين".
(7)
هو محمد بن الحسين بن محمد البخاري، المعروف ببَكر خُواهَر زاده، كان إمامًا فاضلاً، بحرًا في مذهب أبي حنيفة. وهو عالم ما وراء النهر، له طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فمن، وأملى ببخارى مجالس وخرج له أصحابٌ أئمة. له المختصر والتجنيس والمبسوط. توفي سنة 483 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 141، 142، رقم 1289، تاج التراجم ص 259، 260، رقم 233، الفوائد البهية ص 270، 271، رقم 344).
باب البيع الفاسد
إذا كان * أحد العوضين أو كلاهما محرَّمًا فالبيع فاسد كالبيع بالميتة أو بالدم أو بالخمر أو بالخنزير، وكذلك إذا كان غير مملوك كالحر وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد *، ولا يجوز بيع السمك في الماء قبل أن يصطاد ولا بيع الطير في الهواء، ولا بيع
كانا في وعاء واحد أو أوعية مختلفة، ليس له أن يرد البعض بالعيب، وإطلاق محمد في "الأصل" يدل عليه، وبه كان يفتي شمس الأئمة السَّرْخَسي رحمه الله.
قلت: الأول أقيس وأرفق، والله أعلم.
وقال القاضي
(1)
: "وإن باع بعضه ثم وجد به عيبًا، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وبعض الروايات عن محمد: لا يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان العيب، لا فيما باع ولا فيما بقي، وعن محمد في رواية: لا يرجع بنقصان ما باع، ويرد الباقي بحصته من الثمن، وبه أخذ الفقيه أبو جعفر والفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى".
باب البيع الفاسد
قوله: (إذا كان .. الخ)، قال في "الهداية"
(2)
: "البيع بالميتة والدم باطل وكذا بالحُرّ
…
وكذا بيع الميتة والدم والحر.
والبيع بالخمر والخنزير فاسد، وبيع الخمر والخنزير بالدراهم والدنانير باطل"
(3)
.
قوله: (وبيع أم الولد والمدبَّر والمكاتب فاسد)، قال في "الهداية":
(1)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 208، ورأس المسألة في "الفتاوى":"وإن اشترى طعامًا فباعه، ثم علم بعيب كان عند البائع، لا يرجع بنقصان العيب، وإن باع بعضه .. الخ".
(2)
3/ 42.
(3)
نقل المصنف ذلك من كتاب "الهداية" بتصرف واختصار شديد، وكأنه قصد من هذه التعليقة أن يميز بين نوعي البيع الفاسد والباطل، إذ لم يُشر صاحب المختصر إلى ذلك.
والمعروف في كتب المذهب التفريق بينهما، والضابط في تمييز الفاسد من الباطل - كما ذكر العلامة ابن عابدين - أن أحد العوضين إذا لم يكن مالًا في دِين سماوي فالبيع باطل، سواء كان مبيعًا أو ثمنًا، فبيع الميتة والدم والحر باطل، وكذا البيع به، وإن كان في بعض الأديان مالاً دون البعض إن أمكن اعتباره ثمنًا فالبيع فاسد، فبيع العبد بالخمر أو الخمر بالعبد فاسد، وإن تعين كونه مبيعًا فالبيع باطل، فبيع الخمر بالدراهم أو الدراهم بالخمر باطل. (حاشية ابن عابدين 4/ 100).
الحمل ولا النتاج *، ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، وذراع من ثوب وجذع في سقف وضربة القانص وبيع المزابنة وهو بيع التمر على النخل بخرصه تمرًا، ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والملامسة، ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين، ومن باع عبدًا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه، أو باع أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد، وكذلك لو باع عبدًا على أن يستخدمه البائع شهرًا أو دارًا على أن يسكنها أو على أن يقرضه المشتري درهما أو على أن يهدي له هدية، ومن باع عينًا على أن يسلمه إلى رأس الشهر فالبيع فاسد، ومن باع جارية إلا حملها فسد البيع، ومن اشترى ثوبًا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصًا أو قباء، أو نعلاً على أن يحذوها * أو يشركها فالبيع فاسد، والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسد، ولا يجوز البيع إلى الحصاد والدياس والقطاف وقدوم الحاج، فإن تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع، وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال ملك المبيع ولزمته قيمته ولكل واحد من المتعاقدين فسخه، فإن باعه المشتري نفذ بيعه، ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما *، وإن جمع بين عبد ومدبر وبين عبده وعبد غيره صح العقد في العبد بحصته من الثمن. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش وعن السوم على سوم غيره وعن تلقي الجلب وبيع الحاضر للباد والبيع عند
" معناه: باطل"
(1)
.
قوله: (ولا يجوز بيع الحَمْل ولا النِّتاج)، قال في "الينابيع":"الأول فاسد والثاني باطل".
قوله: ( .. نعلاً على أن يحذوها [البائع]
(2)
.. الخ)، قال في "الهداية"
(3)
: "ما ذكر جوابُ القياس، وفي الاستحسان: يجوز للتعامل فيه، فصار كصبغ الثوب".
قوله: (ومن جمع بين حرِّ وعبد أو شاة ذكية وميتة، بطل البيع فيهما)، قال في "الينابيع":"هذا على وجهين: إن كان قد سمى لهما ثمنًا واحدًا فالبيع باطل بالإجماع، وإن سمّى لكلّ واحد منهما ثمنًا على حِدَة، فكذلك عند أبي حنيفة، وقالا: جاز البيع في العبد والذكية، وبطل في الحر والميتة".
قلت: وعلى قوله اعتمد المحبوبي والمَوْصلي والنسفي.
(1)
وقال: "ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه روايتان، والأظهر الجواز". (انظر الهداية 3/ 42، 43).
(2)
زيادة من نسخة (د).
(3)
3/ 50.
أذان الجمعة، وكل ذلك يكره ولا يفسد به العقد. ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما كبيرًا فإن فرق بينهما كره له ذلك وجاز البيع، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما.
باب الإقالة
الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول، فإن شرط أقل منه أو أكثر فالشرط باطل ويرد مثل الثمن الأول، وهي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما عند أبي حنيفة *، وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة، وهلاك المبيع يمنع منها. فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في باقيه.
باب المرابحة والتولية
المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح. والتولية نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة. ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض مما له مثل، ويجوز أن يضم إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز والفتل وأجرة حمل الطعام، ويقول قام علي بكذا ولا يقول اشتريته بكذا، فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار* عند أبي حنيفة إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء فسخ، وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن، وقال أبو يوسف: يحط فيهما، وقال
باب الإقالة
قوله: (وهي فَسخٌ في حق المتعاقدين، بيعٌ جديدٌ في حق غيرهما عند أبي حنيفة)
(1)
، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة".
قلت: واختاره البرهاني والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة.
باب المرابحة والتولية
قوله: (فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار .. الخ)، فأبو يوسف معه في التَّوْليَة، ومحمد معه في المُرابَحة، فاعتمده
(2)
النسفي والبرهاني وصدر الشريعة.
(1)
قال في "الهداية" 3/ 55: "وعند أبي يوسف رحمه الله: هو بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعًا فيجعل فسخًا إلا أن لا يمكن فتبطل. وعند محمد رحمه الله: هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخًا فيجعل بيعًا إلا أن لا يمكن فتبطل".
(2)
هكذا بفاء التعقيب؛ والأصل أنه إذا كان مع أبي حنيفة أحد صاحبيه، كان قولهما أحق بالتصحيح، كما قد تقرر في موضعه، انظر مقدمة المؤلف ص 125.
محمد: لا يحط فيهما، ومن اشترى شيئًا مما ينقل ويحول لم يجز بيعه حتى يقبضه، ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف *، وقال محمد: لا يجوز، ومن اشترى مكيلا مكايلة أو موزونًا موازنة فاكتاله أو اتزنه ثم باعه مكايلة أو موازنة لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ولا يأكله حتى يعيد الكيل والوزن، والتصرف في الثمن قبل القبض جائز، ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن ويجوز للبائع أن يزيد في المبيع، ويجوز أن يحط من الثمن ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك، ومن باع بثمن حال ثم أجله أجلاً معلومًا صار مؤجلاً، وكل دين حال إذا أجله صاحبه صار مؤجلًا إلا القرض فإن تأجيله لا يصح.
باب الربا
الربا حرم في كل مكيل أو موزون بيع بجنسه متفاضلاً، والعلة فيه الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس، فإذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه مِثلًا بمثل جاز البيع، فإن تفاضلا لم يجز البيع، ولا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلا بمثل وإن تفاضلا لم يجز، وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه حل التفاضل والنساء، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء، وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، وكل شيء نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدًا وإن ترك الناس الكيل فيه مثل الحنطة والشعير والتمر والملح، وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزنًا فهو موزون أبدًا وإن ترك الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس، وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر قبض عوضيه في المجلس فيه الربا يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض، ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق، ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف *،
قوله: (ويجوز بيع العَقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف)، واختاره من ذُكر قبله.
باب الرِّبا
قوله: (ويجوز بيع اللّحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف .. )، قال الإسبيجابي:"والصحيح قولهما"، ومشى عليه النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة.
فرع: قال القاضي
(1)
: "ولا بأس ببيع شاةٍ على ظهرها صوف بصوف، إذا كان الصوف المجزوز أكثر مما على ظهر الشاة، وكذا الشاة التي في
(1)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 276.
وقال محمد: لا يجوز إلا على الاعتبار، ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلاً بمثل * والعنب بالزبيب، ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت، والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير، ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلًا وكذلك ألبان البقر بألبان الغنم وخل الدقل بخل العنب، ويجوز بيع الخبز بالحنطة * والدقيق متفاضلًا، ولا ربا بين المولى وعبده ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب.
باب السَّلَم
السلم جائز في المكيلات والموزونات والمعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض وفي المذروعات، ولا يجوز السلم في الحيوان ولا في أطرافه ولا في الجلود عددًا ولا في الحطب حزَمًا ولا في الزامية جرزًا، ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودًا من حين العقد إلى حين المحل، ولا يصح السلم إلا مؤجلاً، ولا يجوز إلا بأجل معلوم، ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه ولا في طعام قرية بعينها أو ثمرة نخلة بعينها، ولا يصح السلم عند أبي حنيفة * إلا بسبع شرائط تذكر في العقد: جنس معلوم
ضَرْعها لَبَنٌ بلبن، وعن أبي يوسف في اللبن يجوز لا بطريق الاعتبار، والصحيح هو الأول".
قوله: (ويجوز بيع الرُّطَب بالتمر مِثلاً بمثل)، قال الإسبيجابي:"وقالا والشافعي: لا يجوز، والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة.
قوله: (ويجوز بيع الحِنْطَة بالخبز)، قال القاضي
(1)
: "وبيع الحنطة بالخبز والخبز بالحنطة، وبيع الدقيق بالخبز والخبز بالدقيق، قال بعض مشايخنا: لا يجوز متساويًا ولا متفاضلًا .. ، وقال بعضهم: يجوز متفاضلًا ومتساويًا وعليه الفتوى .. إذا كانا نقدين. وإن كان أحدهما نسيئة، إذا كان الخبز نقدًا جاز عند أصحابنا، وإن كان الحنطة أو الدقيق نقدًا والخبز
(2)
نسيئة لا يجوز في قول أبي حنيفة .. ، وعند أبي يوسف: يجوز، والفتوى على قوله".
باب السَّلَم
قوله: (ولا يجوز السَّلم عند أبي حنيفة .. الخ)، واعتمده النسفي وبرهان
(1)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 275.
(2)
المثبت من نسخة (د) و "فتاوى قاضي خان"، وفي الأصل و (ب):"أو الدقيق بقدر الخبز نسيئة"، وفي (جـ):"أو الدقيق نقدًا والحنطة نسيئة".
ونوع معلوم وصفة معلومة ومقدار معلوم وأجل معلوم ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان مما يتعلق العقد على مقداره كالمكيل والموزون والمعدود وتسمية المكان الذي يوفيه فيه إذا كان له حمل ومؤونة، وقالا: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينًا ولا إلى مكان التسليم ويسلمه في موضع العقد، ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه، ولا يجوز التصرف في رأس المال ولا في المسلم فيه قبل قبضه، ولا تجوز الشركة ولا التولية في المسلم فيه قبل قبضه، ويجوز السلم في الثياب إذا سمى طولاً وعرضًا ورفعة، ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز، ولا بأس بالسلم في اللبن والآجر إذا سمى ملبنًا معلومًا، وكل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، وما لا تضبط صفته ولا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه، ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع المعلمة، ولا يجوز بيع الخمر والخنزير، ولا يجوز بيع دود القز إلا أن يكون مع القز *، ولا النحل إلا مع الكوّارات *. وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين إلا في الخمر
الشريعة المحبوبي وصدر الشريعة وأبو الفضل المَوْصلي.
قوله: (ولا يجوز بيعُ دودِ القَزِّ إلا مع القز)، قال في "الينابيع":"المذكور إنما هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف". وقوله (إلا أن يكون مع القَزّ)، يريد به أن يظهر فيه القز، وقال محمد: يجوز كيف ما كان، قاله في "الهداية"
(1)
، قال في "الخلاصة"
(2)
: "وفي بيع دود القز الفتوى على قول محمد أنه يجوز، وأما بيع بزر القز
(3)
فجائز عندهما، وعليه الفتوى"، وكذا قال الصدر الشهيد في "واقعاته"
(4)
، وتبعه النسفي، وكذلك قال في "المحيط"، وفي "الأجناس"
(5)
: "قال أبو يوسف: لا بأس ببيع القزّ إن كان قد خرج منه أو بعضه، كالنَّحل مع العَسَل".
قوله: (ولا النَّحل إلا مع الكَوارات)، قال الإسبيجابي: "وعن محمد أنه
(1)
باب البيع الفاسد 3/ 45.
(2)
"خلاصة الفتاوى" 3/ 38.
(3)
بزر القز: بيض دوده، كما في "الاختيار" 2/ 25.
(4)
"الواقعات" للصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبد العزيز البخاري، جمع فيه بين النوازل لأبي الليث والواقعات للناطفي، وأخذ من فتاوى أبي بكر محمد بن الفضل وفتاوى أهل سمرقند، ورتب الكتب كالمختصر المنسوب إلى الحاكم الشهيد، والأبواب كالنوازل. (انظر كشف الظنون 2/ 1998).
(5)
"الأجناس" - في الفروع - للشيخ الإمام أبي العباس أحمد بن محمد الناطفي الحنفي المتوفى سنة 446، جمعها لا على الترتيب .. ثم إن الشيخ أبا الحسن علي بن محمد الجرجاني الحنفي رتبها على ترتيب الكافي. (انظر كشف الظنون 1/ 11).
والخنزير فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة.
يجوز إذا كان مجموعًا، والصحيح جواب ظاهر الرواية لأنَّه من الهَوَام"
(1)
، وقال في "الينابيع": "ولا يجوز بيع النحل، وعن محمد أنه يجوز بشرط أن يكون محوزًا
(2)
- أي مجموعًا -، وإن كان مع الكوارات أو مع العسل جاز بالإجماع"، وبقولهما أخذ قاضي خان والمحبوبي والنسفي
(3)
.
فرع: قال القاضي
(4)
: "اقتراض الخبز وزنًا
(5)
يجوز في قول أبي يوسف، وعليه الفتوى".
(1)
وفي حاشية (جـ) قال: "وفي شرح المجمع أن الفتوى على قول محمد، وعزاه إلى الذخيرة".
(2)
في (أ وب): "محرزًا" والتصويب من (جـ).
(3)
قال في "الدر المختار" 4/ 111: "ويباع دود القز .. وبيضه .. والنحل المحرز - وهو دود العسل - وهذا عند محمد، وبه قالت الثلاثة وبه يفتى (عيني وابن ملك وخلاصة وغيرها) بخلاف غيرهما من الهوام".
(4)
"الفتاوى الخانية" 2/ 118، وانظر فيها أيضًا 2/ 254.
(5)
كذا في نسخة (جـ) و "الفتاوى"، وفي (أ وب ود):"اقتراض الخبز لا يجوز"! خطأ.
كتاب الصَّرْف
الصرف هو البيع إذا كان كل واحد من العوضين من جنس الأثمان، فإن باع فضة بفضة أو ذهبًا بذهب لم يجزه إلا مثلاً بمثل، وإن اختلفت في الجودة والصياغة، ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق، وإن باع الذهب بالفضة جاز التفاضل فيه ووجب التقابض، وإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد، ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه، ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة، ومن باع سيفًا محلَّى بمئة درهم وحليته خمسون درهما فدفع من ثمنه خمسين جاز البيع وكان المقبوض بحصة الفضة وإن لم يبين ذلك، وكذلك إن قال خذ هذه الخمسين من ثمنهما، فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية والسيف إن كان لا يتخلص إلا بضرر، وإن كان يتخلص بغير ضرر جاز البيع في السيف وبطل في الحلية، ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض وصح فيما قبض وكان الإناء مشتركا بينهما فإن استحق بعض الإناء كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده، وإن باع قطعة نقرة فاستُحق بعضها أخذ ما بقي بحصته من الثمن ولا خيار له، ومن باع درهمين ودينارًا بدينارين ودرهم جاز البيع وجعل كل واحد من الجنسين مقابلًا بالجنس الآخر، ومن باع أحد عشر درهمًا بعشرة دراهم ودينار جاز البيع وكانت العشرة بمثلها والدينار بدرهم، ويجوز بيع درهم صحيح ودرهمين غلة بدرهمين صحيحين ودرهم غلة، وإن كان الغالب على الدراهم الفضة فهي دراهم فضة، وإن كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهب، ويعتبر فيهما من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد، وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير، فإذا بيعت بجنسها متفاضلًا جاز، وإذا اشترى بهما سلعة ثم كسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: عليه قيمتها يوم البيع، وقال محمد: قيمتها آخر ما يتعامل الناس بها *. ويجوز البيع بالفلوس، فإن كانت نافقة جاز البيع وإن لم يعين، وإن كانت كاسدة لم يجز البيع بها حتى يعينها،
كتاب الصرف
قوله: (وإذا اشترى بها سلعةَ ثم كَسَدَت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: عليه قيمتُها يوم البيع، وقال محمد: عليه قِيمتُها آخِر ما تعامل الناسُ بها)، قال في "الذخيرة": "الدراهم أو الفلوس إذا انقطع من أيدي الناس قبل القبض فللبائع قيمة الدراهم والفلوس يوم وقع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البيع في قول أبي يوسف الآخِر، وعليه الفتوى"، وعزاه في "الخلاصة"
(1)
للمحيط ولم أره فيه
(2)
، وفيه خلافُه كما سأذكر إن شاء الله تعالى. وقال في "الحقائق"
(3)
: "قال في "المحيط" و "التتمة": وبقول محمد يفتى رفقًا بالناس".
قلت: قال في "المحيط"
(4)
في باب بيع الفلوس: "ثم عند أبي يوسف تعتبر القيمة يوم القبض
(5)
وعند محمد يوم الكَسَاد، ثم اختلف عن أبي حنيفة، عند بعضهم يرد مثلها عددًا، وعند بعضهم: يرد مثل الفلوس وزنًا، والأصح أن عليه قيمتها يوم الانقطاع من الذهب والفضة"، ولفظ "التتمّة" هو لفظ "الفتاوى الصغرى" للحسام الشهيد، وهو: "إذا استقرض الفلوس ثم كسدت، فعند أبي حنيفة عليه الذي كسدت ولا يضمن قيمتها ولا مثلها من الذي أحدثوه، وعند أبي يوسف: عليه قيمته من الذهب أو الفضة يوم القبض، وقال محمد: في آخر يوم كانت رائجة فكسدت، وكذا هذا الخلاف في الغصب إذا كسدت قبل الهلاك، والعَدْلى هكذا من غير تفاوت، لكن والدي
(6)
كان يفتي بقول محمد رفقًا بالناس، فنفتي كذلك"، وفي "الكبرى" - وهي مُرَتب "الواقعات" الحُسامية
(7)
-:
(1)
"خلاصة الفتاوى" 3/ 94.
(2)
في (جـ): "ولم أره في المحيط الرضوي".
(3)
كتاب "الحقائق" أو حقائق المنظومة، هو شرح منظومة الإمام النسفي في الخلاف، لأبي المحامد محمود بن محمد بن داود اللُّؤلؤي البخاري - تأتي ترجمته ص 318، ت 2. وقد مكث في جمعه أكثر من سبع سنين، وأتمه سنة 666، وهو شرح مرغوب بديع الأسلوب تداولته العلماء. (كشف الظنون 2/ 1868، والفوائد البهية ص 345).
(4)
في (جـ): "قال في المحيط الرضوي". وقد بحثت في "المحيط البرهاني" فلم أجد القول فيه.
(5)
كذا في نسخة (د)، وفي الأصل و (جـ):"القرض".
(6)
والد الصدر الشهيد هو عبد العزيز بن عمر بن مازه. (ترجمته في الجواهر المضية 2/ 437، رقم 830، الفوائد البهية رقم 207).
(7)
ذكر صاحب كشف الظنون كتابَ "الفتاوى الكبرى" 2/ 1228، 1229، ثم ذكر "الواقعات" 2/ 1998 وأن كليهما للصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز البخاري. ويتبين من تعريفه لكل منهما أنهما كتاب واحد، إلا أنه ذكر في الأول (أي الفتاوى) أنه بوبه يوسف بن أحمد الخاصي، الذي بوب الفتاوى الصغرى، وذكر في الثاني (الواقعات) أنه رتبه محمود بن أحمد بن عبد العزيز البخاري، وزاد على كل جنس ما يجانسه ويوافقه.
واستنادًا إلى قول المصنف: "الكبرى، وهي مرتب الواقعات الحسامية" يقال إن حسام الدين بن عبد العزيز صنف أولاً الواقعات ثم رتبها بعد ذلك وسمى المرتب بالفتاوى الكبرى، أو أن الكبرى هو ترتيب محمود بن أحمد بن عبد العزيز للواقعات كما مر عن "الكشف"، والله أعلم.
وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة *، ومن اشترى شيئًا بنصف درهم فلوس جاز البيع وعليه ما يباع بنصف درهم من الفلوس، ومن أعطى الصيرفيّ درهمًا فقال أعطني بنصفه فلوسًا وبنصفه نصفًا إلا حبة * فسد البيع، وإن قال
" اشترى بدراهم نقدِ البلد فلم يقبضها حتى تغيرت، فلو انقطعت فعليه ذهب أو فضة قيمتها آخر يوم انقطع، هو المختار"، [و] في
(1)
فتاوى قاضي خان في باب الصرف
(2)
: "لو استقرض من الفلوس الرائجة أو العدلي فكسدت، قال أبو حنيفة عليه مثلُها كاسدةً ولا يُغرم قيمتَها، وقال أبو يوسف: عليه قيمتُها يوم القبض، وقال محمد: عليه قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه الفتوى"، وفي فصلِ قبضِ الثمن
(3)
: "اشترى شيئًا بالفلوس الرائجة فكسدت قبل القبض - إلى أن قال -: وإن انقطعت تلك الدراهم اليوم
(4)
، كان عليه قيمة تلك الدرهم قبل الانقطاع عند محمد، وعليه الفتوى"، وفي "الخلاصة"
(5)
: "وفي باب النون
(6)
في المنقطع، عليه قيمته في آخر يوم انقطع من الذهب والفضة، قال رحمه الله
(7)
: هو المختار"، وقال في "الذخيرة" في موضع آخر: "وحكي عن جماعة كثير أنهم كانوا يفتون بقول محمد رفقًا بالناس، وهكذا كان يفتي الصدر الشهيد برهان الأئمة".
قوله: (وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسَدتْ قبل القبض بطل البيع عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(8)
: "خلافًا لهما، وهو نظير الخلاف الذي بيّناه"، وقد بيّناه.
[قوله: (ومن أعطى الصيرفي فقال: أعطني نصف درهم فلوسًا ونصفًا إلا حبّة)، قال أبو نصر الأقطع: "هذا هو الصحيح، وقد يوجد في بعض النسخ:
(1)
في الأصل: "في" بدون واو، والمثبت من (ب وجـ).
(2)
2/ 253.
(3)
من "فتاوى قاضي خان" 2/ 266.
(4)
في نسخة (جـ): "واليوم".
(5)
"خلاصة الفتوى" 3/ 95.
(6)
كذا في "الخلاصة" والنسخ (أ، ب، جـ)، وفي (د):"باب الثوب"!
(7)
في نسخة (د): "وقال محمد: هو المختار".
(8)
3/ 87.
أعطني به درهمًا وزنه نصف درهم إلا حبة وبالباقي فلوسًا جاز البيع وكانت الفلوس والنصف إلا حبة بدرهم، والله أعلم.
أعطني بنصف درهم فلوسًا، وبنصف نصفًا إلا حبّة، وهو غلط"]
(1)
.
(1)
هذه الزيادة من نسختي (جـ ود)، وفي (جـ):"فلوس" بدل المثبت في الموضعين، وفيها أيضًا:"وبنصف نصف".
انظر ما جاء في كتاب "اللباب" وتعليق محققه 2/ 53، حول هذه المسألة.
كتاب الرهن
الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض *، فإذا قبض المرتهن الرهن محوزًا مجموعًا مفرغًا مميزًا تم العقد فيه، وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء رجع عن الرهن فإذا سلمه إليه فقبضه دخل في ضمانه، ولا يصح الرهن إلا بدَين مضمون وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين، فإذا هلك في يد المرتهن وقيمة الرهن والدين سواء صار المرتهن مستوفيًا لدينه حكمًا، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة، وإن كانت أقل سقط من الدين بقدرها ورجع المرتهن بالفضل، ولا يجوز رهن المشاع ولا رهن ثمرة على رؤوس النخل دون النخل ولا زرع في الأرض دون الأرض، ولا يجوز رهن الأرض والنخل دونهما، ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والمضاربات ومال الشركة، ويصح الرهن برأس مال السلم وثمن الصرف والمسلم فيه، فإن هلك في مجلس العقد تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفيًا لحقه، وإذا اتفقا على وضع الرهن على يدَي عدل جاز وليس للمرتهن ولا للراهن أخذه من يده، فإن هلك في يده هلك في ضمان المرتهن، ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، فإن رهنت بجنسها هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، ومن كان له دين على غيره فأخذ منه مثل دينه فأنفقه ثم علم أنه كان زيوفًا فلا شيء له عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يرد مثل الزيوف ويرجع بالجياد *، ومن رهن عبدين بألف فقضى حصة أحدهما لم يكن له
كتاب الرهن
قوله: (ويتمّ بالقبض)، قال في "الهداية"
(1)
: "ثم يكتفى فيه بالتخلية في ظاهر الرواية .. وعن أبي يوسف أنه لا يثبت
(2)
في المنقول إلا بالنقل .. والأول أصح".
قوله: (ومن كان له دَيْن على غيره فأخذ منه مثل دَينه فأنفقه ثم علم أنه كان زيوفًا لم يرجع عليه بشيء عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يرد مثل الزُّيوف ويرجع بالجياد)، قال الإسبيجابي:"وذكر في "الجامع الصغير"
(1)
4/ 415.
(2)
كذا في نسخة (ب وجـ ود) و "الهداية"، وفي نسخة (أ):"يثب" وكتب تحتها بخط صغير: "أي القبض".
أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين، وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عّند حلول الدين فالوكالة جائزة، فإن شرطت في عقد الرهن فليس للراهن عزله عنها وإن عزله لم ينعزل، وإن مات الراهن لم ينعزل، وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به، وإن كان الرهن في يده، وليس عليه أن يمكنه من بيعه حتى يقضيه الدين من ثمنه فإذا قضاه الدين قيل له سلم الرهن إليه، وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف، فإن أجازه المرتهن جاز، وإن قضاه الراهن دينه جاز البيع، وإن أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه فإن كان الدين حالا طولب بأداء الدين وإن كان الدين مؤجلا أُخذ منه قيمة العبد فجعلت رهنًا مكانه حتى يحل الدين، وإن كان معسرًا استسعى العبد في قيمته فقضى منه الدين ويرجع العبد على مولاه بما أداه، وكذلك إن استهلك الراهن الرهن، وإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه، ويأخذ القيمة فيكون رهنًا في يده، وجناية الراهن على الرهن مضمونة، وجناية المرتهن عليه يسقط من الدين بقدرها وجناية الرهن على الراهن والمرتهن وعلى مالهما هدَر، وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وأجرة الراعي على الراهن، ونفقة الرهن على الراهن ونماؤه للراهن يكون رهنًا مع "الأصل" فإن هلك هلك بغير شيء، وإن هلك "الأصل" وبقي النماء افتكه الراهن بحصته، ويقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك فما أصاب "الأصل" سقط من الدين وما أصاب النماء افتكه الراهن به. وتجوز الزيادة في الرهن ولا تجوز في الدين عند أبي حنيفة ومحمد *، ولا يصير الرهن رهنًا بهما. وإذا رهن عينًا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز وجميعها رهن عند كل واحد منهما والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه منها، فإن قضى لأحدهما دينه كانت كلها رهنًا في يد الآخر حتى يستوفي دينه، ومن باع عبدًا على أن يرهنه المشتري بالثمن شيئًا بعينه فامتنع المشتري من تسليم الرهن لم يجبر عليه، وكان البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن وإن شاء فسخ البيع إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا أو يدفع قيمة الرهن
قول محمد [رحمه الله] مع أبي حنيفة وهو الصحيح"
(1)
، واعتمده النسفي، لكن قال فخر الإسلام
(2)
: "قولهما قياس وقول أبي يوسف استحسان"، وقال في "العون": "ما قاله أبو يوسف حسن وأدفعُ للضرر
(3)
فاخترناه للفتوى"، وقال في "المبسوط": "وهو قول محمد الآخر".
قوله: ( .. و لا تجوز في الدَّين عند أبي حنيفة ومحمد)، واعتمده النسفي وبرهان الأئمة المحبوبي، كما هو الرسم.
(1)
وهو المثبت في نسختي (ث وم) من نسخ المختصر المطبوعة.
(2)
هو الإمام البزدوي، وقد مرت ترجمته ص 142، ت 5.
(3)
في (د): "للضرورة".
رهنًا مكانه، وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله، وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن، وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن فقبضه خرج من ضمان المرتهن، فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده فإذا أخذه عاد الضمان، وإذا مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى به الدين، فإن لم يكن له وصيّ نصب القاضي وصيًا وأمره ببيعه وقضى دينه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كتاب الحجر
الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرِّق والجنون، ولا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه، ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده، ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال، ومن باع من هؤلاء شيئًا أو اشتراه وهو يعقل البيع ويقصده فالولي بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة وإن شاء فسخه، وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، والصبي والمجنون لا يصح عقودهما ولا إقرارهما ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما، وإن أتلفا شيئًا لزمهما ضمانه، وأما العبد فأقواله نافذة في حق نفسه غير نافذة في حق مولاه، فإن أقر بمال لزمه بعد الحرية ولم يلزمه في الحال، وإن أقر بحد أو قصاص لزمه في الحال وينفذ طلاقه، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه * إذا كان عاقلًا بالغًا حرًّا، وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرًا مفسدًا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة، إلا أنه قال إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلَّم إليه ماله حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة سلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد، وقال أبو يوسف ومحمد: يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله، فإن باع لم ينفذ بيعه، وإن كان فيه مصلحة أجازه الحاكم، وإن أعتق عبدًا نفذ عتقه وكان على العبد أن يسعى في قيمته، وإن تزوج امرأة جاز نكاحه، وإن سمى لها مهرًا جاز منه مقدار مهر مثلها وبطل الفضل، وقالا فيمن بلغ خمسًا وعشرين سنة وهو غير رشيد: لا يدفع إليه ماله أبدًا حتى يؤنس رشده، ولا يجوز تصرفه فيه، وتخرج الزكاة من مال السفيه وينفق على أولاده وزوجته ومن تجب عليه نفقته من ذوي أرحامه، فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها، ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى ثقة من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج، فإن مرض فأوصى بوصايا في القرَب وأنواع الخير جاز ذلك في ثلثه. وبلوغ الغلام بالاحتلام والإنزال والإحبال إذا وطئ، فإذا لم يوجد
كتاب الحجر
قوله: (قال أبو حنيفة: لا يُحجر على السَّفيه .. الخ)، واعتمد قوله المحبوبي وصدر الشريعة والنسفي وغيرهم، وقال القاضي في كتاب الحيطان
(1)
: "وعندهما يجوز الحجر على الحُرّ، والفتوى على قولهما".
قلت: وهذا تصريح وهو أقوى من الالتزام، والله أعلم. [قلت: وفي
(1)
"فتاوى قاضي خان"، كتاب الصلح، باب في الحيطان والطرق ومجاري الماء 3/ 112.
ذلك فحتى يتم له ثمانية عشر سنة عند أبي حنيفة، وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبَل، فإذا لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا *،
كتاب الحيطان أن هذا اختيار أبي بكر الخُوارزمي في تلك المسألة للمصلحة، والله أعلم]
(1)
.
واعلم أن نظري يميل إلى الأخذ بقول أبي يوسف في حق النّساء، ومن أمعن النظر عرف حسنه
(2)
.
قوله: (وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا)، قال الإمام برهان الأئمة البرهاني:"وبه يفتى"، وقال النسفي
(3)
:
(1)
ما بين الحاصرتين زيادة من (جـ)، وقد تكون زيادة من الناسخ ..
(2)
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" 7/ 169: "اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في السفيه أنه هل يصير محجورًا عليه بنفس السفه، أم يقف الانحجار على حجر القاضي؟ قال أبو يوسف: لا يصير محجورًا إلا بحجر القاضي، وقال محمد: ينحجر بنفس السَّفَه من غير الحاجة إلى حجر القاضي".
والمصنف رحمه الله إذ يصرح هنا بأن (التصريح أقوى من الالتزام) ومقتضاه: الأخذ بقول الصاحبين في مسألة الحجر على الحر، فإن رأيه يميل إلى قول أبي يوسف في حق المرأة خاصة، فيرى الحجر عليها إذا حكم القاضي بذلك فقط، أي لا يُحجر عليها بمجرد السفه من غير حاجة إلى حجر القاضي. وعليه فيكون وجه تحسين المؤلف لذلك هو منع أهل الأهواء من إطلاق الحجر على النساء لأيّ سبب، فالقاضي وحده هو صاحب الحق في تقدير سفه المرأة والحجر عليها، والله تعالى أعلم.
- وجه آخر في فهم كلام المصنف:
ومن الممكن أن يكون مؤدّى اجتهاد المصنف هو تصحيح ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة الذي هو معتمد أصحاب المتون، فهو وإن لم يقل بقول الصاحبين في جواز الحجر على الحر، إلا أنه يأخذ بقول أبي يوسف في جواز حجر الفاضي على المرأة السفيهة.
وجاء في تفسير الرازي 9/ 186 حول معنى السفه: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "البالغ إذا كان مبذرًا للمال مفسدًا له يحجر عليه لأنَّه سفيه، والسفيه في اللغة هو من خف وزنه، ولا شك أن من كان مبذرًا للمال مفسدًا له من غير فائدة فإنه لا يكون له في القلب وقع عند العقلاء فكان خفيف الوزن عندهم، فوجب أن يسمى بالسفيه، وإذا ثبت هذا لزم اندراجه تحت قوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} .
وفي مذهب المالكية وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يحجر عن المرأة المتزوجة الحرة الرشيدة في التصرف بغير عوض كالهبة والكفالة فيما زاد على ثلث مالها، ويكون تبرعها بزائد على الثلث نافذًا حتى يردّ الزوج جميعه أو ما شاء منه، على المشهور عند المالكية. (انظر الفقه الإسلامي وأدلته 6/ 4505، 4506، وتفسير الإمام الرازي 9/ 185 عند تفسير قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} .. ).
(3)
انظر "كنز الدقائق"(مع تبيين الحقائق) 5/ 203.
وإذا راهق الغلام * أو الجارية وأشكل أمرهما في البلوغ فقالا قد بلغنا فالقول قولهما وأحكامهما أحكام البالغين. وقال أبو حنيفة: لا أحجر في الدَّين، إذا وجبت الديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه والحجر عليه لم أحجر عليه وإن كان له مال لم يتصرف نيه الحاكم ولكن يحبسه أبدًا حتى يبيعه في دينه *، فإن كان له دراهم ودينه دراهم قضاها القاضي بغير أمره وإن كان دينه دراهم وله دنانير باعها القاضي في دينه. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه ومنعه من البيع والتصرف والإقرار حتى لا يضر بالغرماء، وباع ماله إن امتنع المفلس من بيعه وقسمه بين غرمائه
" ويفتى بالبلوغ فيهما بخمس عشرة سنة"، وقال صدر الشريعة
(1)
: "فإن لم يوجد الاحتلام والحيض والحبَل فحتّى
(2)
يتمَّ لهما خمس عشرة سنة، به يفتى"، وقال أبو العباس أحمد بن علي البَعْلَبَكّي في شرحه
(3)
: "وقولهما رواية عن أبي حنيفة، وعليه الفتوى"، وقال أبو الفضل الموصلي في شرحه
(4)
: "وأدنى مدة يصدق الغلام فيها على البلوغ اثنا عشر سنة، والجارية تسع سنين، وقيل غير ذلك وهذا هو المختار".
[(وإذا راهق الغلام .. ) قال أبو نصر: "الصحيح هذا".]
(5)
.
قوله: (وقال أبو حنيفة: لا أحجر في الدَّين، إذا وجبت الديون على رجل وطلب غرماؤه حبسَه والحَجْر عليه لم أحجُر عليه، وإن كان له مال لم يتصرف فيه الحاكم ولكن يحبسه أبدًا حتى يبيعَه في دَيْنه)، ورجحوا أدلة الإمام في جميع مصنفات الاستدلال، وقد علمتَ ما صرح به قاضي خان
(6)
، وقال الطحاوي في "مشكل الآثار"
(7)
: "غير أن مذهبنا في الحَجْر استعماله والحكم به، وحفظ المال على مَن يملكه إذا كان مخوفًا عليه منه"، ووقع في "الاختيار"
(8)
: "ولا يبيع - يعني القاضي - العُروض ولا العَقار لأنَّه حَجر عليه، وهذا تجارة لا عن تراض، وقالا: يبيع، وعليه الفتوى".
(1)
انظر "النقاية" 3/ 414، 415.
(2)
في "النقاية": "فحين".
(3)
لم أجد ترجمته ولا شرحه هذا، (الذي ربما هو على القدوري)، فيما وقفت عليه من المصادر.
(4)
"الاختيار لتعليل المختار" 2/ 95، 96.
(5)
هذه المسألة زيادة من نسخة (جـ).
(6)
انظر ص 242.
(7)
"شرح مشكل الآثار" 12/ 345، 346.
(8)
"الاختيار لتعليل المختار" 2/ 98.
بالحصص، فإن أقر في حال الحجر لزمه ذلك بعد قضاء الديون بإقراره، وينفق على المفلس من ماله وعلى زوجته وعلى وُلده الصغار وذوي أرحامه، وإن لم يعرف للمفلس مال وطلب غرماؤه حبسه وهو يقول لا مال لي حبسه الحاكم في كل دين لزمه * بدلًا عن
وقال أبو يوسف ومحمد: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه، ويبيع ماله إن امتنع المديون من بيعه.
وقال القاضي
(1)
: "ولا يبيع مال المديون في قول أبي حنيفة، وفي قول صاحبيه يبيع منقوله ولا يبيع عقاره عندهما .. وفي رواية يبيع كما يبيع المنقول وهو الصحيح".
ولا يخفى عدم وقوع هذا الكلام موقعه، وعدم صحته؛ لأن بيع القاضي عروض المفلس وعقاره جبرًا فرع الحجر عليه، ولا يصح أن يكون الفتوى على الفرع دون أصله، وأيضًا لا يصح أن يكون الفتوى على ما اعترف هو بكونه مرجوحًا
(2)
، والله أعلم.
قوله: (حَبسه الحاكم في كل دَين لزمه .. الخ)، وهذا هو المختار عند المتأخرين، خلاف ما يقوله الخصّاف
(3)
من أن القول قول المدّعى عليه في
(1)
"فتاوى قاضي خان"، كتاب الدعوى والبينات، فصل فيمن يجوز قضاء القاضي له ومن لا يجوز وما للقاضي أن يفعله 2/ 449، 450.
(2)
كذا في النسخ المخطوطة، إلا أنه تأخر قول القاضي عن موضعه المثبت في نسخة (جـ) إلى هنا، أي بعد كلمة (مرجوحًا والله أعلم)، وتقدمت جملة (ولا يخفي عدم وقوع هذا الكلام موقعه) على قول القاضي، في نسخة (د).
ولم يتبين لي المراد من قوله: (ولا يصح أن يكون الفتوى على الفرع دون أصله .. ) وأي شيء اعترف هو - القاضي - بكونه مرجوحًا؟
والذي ذكره قاضي خان في باب الحيطان ونقله المصنف ص 242 هو أن الفتوى على قولهما في الحجر على الحر، وهذا أصل، يتفرع منه مسائل بيعه وشرائه .. الخ.
وقد رجعت أيضًا إلى كتاب الحجر من "الفتاوى الخانية" 3/ 633 - 644 فلم أجده ينص على أن قول الصاحبين مرجوح، وأن ما ذهب إليه أبو حنيفة هو الراجح، بل ذكر في آخر الكتاب أن أبا بكر البلخي وأبا القاسم رحمهما الله، أفتيا بصحة الحجر على الحر البالغ كما هو مذهب أبي يوسف ومحمد، ولكن من غير تصريح بالتصحيح إلا ما مر عنه في كتاب الصلح، باب الحيطان
…
فالله تعالى أعلم بحقيقة القصد والمراد، ولربما سقط كلام من النسخ المخطوطة.
وأشير أخيرًا إلى أن هذه المسألة أثبتت في نسخة الأصل على نحو ما هو مثبت في نسخة (د)، ولكن وُضعت بعض الرموز التي أفادتني ترتيب الكلام على النحو المذكور.
(3)
أحمد بن عمرو بن مُهَير الشيباني، أبو بكر الخصّاف، كان إمامًا زاهدًا عارفًا بالفقه والحديث، مقدمًا عند الخليفة المهتدي بالله. صنف كتبًا عديدة منها: أدب القاضي، وأحكام الوقف، =
مال حصل في يده كثمن المبيع وبدل القرض، وفي كل دين التزَمه بعقد كالمهر والكفالة، ولم يحبسه فيما سوى ذلك كعوض المغصوب وأرش الجناية إلا أن تقوم البينة أن له مالًا، وإذا حبسه القاضي شهرين أو ثلاثة سأل عن حاله * فإن لم ينكشف له مال خلى سبيله، وكذلك إذا أقام البينة أنه لا مال له، ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس أن يلازمونه ولا يمنعونه من التصرف والسفر ويأخذون فضل كسبه ويقسم بينهم بالحصص، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا فلسه الحاكم حال بين غرمائه وبينه إلى أن يقيموا البينة أنه قد حصل له مال. ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله والفسق "الأصل" ي والطارئ سواء، ومن أفلس وعنده متاع لرجل بعينه ابتاعه منه فصاحب المتاع أسوة الغرماء فيه.
جميع ذلك، وخلاف ما يروى أن القول للمديون إلا فيما بدله مال
(1)
، وبخلاف ما يقال أنه يحكمُ الزِيُّ إلا في الفقهاء والعَلَويّة والعبّاسيّة، نص عليه الشراح لكتاب "أدب القضاء".
[وقال أبو نصر الأقطع: "وهذا الذي ذكره هو الصحيح"]
(2)
، والله أعلم.
قوله: (وإذا حبسه القاضي شهرين أو ثلاثة، سأل عن حاله)، هذه رواية محمد عن أبي حنيفة في كتاب الحوالة والكفالة
(3)
، وروى الحسن: ما بين أربعة أشهر إلى ستة أشهر، واختار الطحاوي التقدير بشهر، قال في "الهداية" و "المحيط" و "الجواهر" و "الاختيار" وغيرها:" والصحيح أن التقدير مفوض إلى رأي القاضي، لاختلاف أحوال الأشخاص فيه"
(4)
.
=والخراج، والحيل والوصايا والشروط. توفي ببغداد سنة 261 وقد قارب الثمانين رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 230 - 232، رقم 160، تاج التراجم ص 97، 98، رقم 18، الفوائد البهية ص 56، رقم 43).
(1)
في (د): "بداله مال، وبخلاف ما يقال أنه يحكم الرأي".
(2)
زيادة من نسختي: (جـ و د).
(3)
وهما من كتب محمد بن الحسن رحمه الله. (انظر تاج التراجم ص 239).
(4)
وهذا لفظ المرغيناني في "الهداية" 3/ 105، وانظر "الاختيار" 2/ 90.
كتاب الإقرار
إذا أقر الحرّ البالغ العاقل بحق لزمه إقراره مجهولًا كان ما أقر به أو معلومًا، يقال له بين المجهول، فإن قال لفلان عليّ شيء لزمه أن يبين ما له قيمة فالقول قوله مع يمينه، وإن ادعى المقَر له أكثر منه، وإن قال له علي مال فالمرجع إلى بيانه، ويقبل قوله في القليل والكثير، فإن قال: مال عظيم، لم يصدق في أقل من مئتي درهم *، وإن قال دراهم
كتاب الإقرار
قوله: (وإن قال: "له عليَّ مالٌ عظيم"، لم يصدق في أقلَّ من مئتي درهم)، قال في "البدائع"
(1)
: "هذا هو المشهور"، وقال في "التحفة"
(2)
: "لا خلاف فيه عند بعضهم"، وقال في "الاختيار"
(3)
: " [و] هو الأصح"، واعتمده النّسفي والمحبوبي تبعًا للقُدُوري، وقال الإسبيجابي:"هذا المذكور قياس مذهبهما، ولم يذكر قول أبي حنيفة هنا، وقيل: مذهبه هنا كمذهبهما"، وهكذا قال في "المحيط"، ولفظُه: "ولو قال: له عليّ مالٌ كثير أو عظيم، فعليه مِئتا
(4)
درهم عندهما، وهو رواية عن أبي حنيفة، وقيل يلزمه عشرة عنده"، وقال القُدوري في "التقريب": "في "الأصل" لو أقر بمالٍ عظيم لزمه مئتان عند يعقوب ومحمد، ويجوز أن يكون قول الإمام أنه يلزمه عشرة لأنها مستعظمة
(5)
حيث يُقطع بها السارق وتصلُح مهرًا، ومن أصحابنا من ألزمه ما يستعظِم المقرُّ مثله".
قلت: وهذا صححه
(6)
الإسبيجابي فقال: "والأصح على قوله [عليّ]
(7)
يبنى على حال المقرِّ في الفقر والغنى، فإنّ القليل عند الفقير عظيم، وأضعاف
(1)
7/ 220.
(2)
3/ 198.
(3)
2/ 129.
(4)
في الأصل و (جـ): "ماتى"، والمثبت موافق لنسخة (ب).
(5)
في نسخة (جـ): "مستعملة" تحريف.
(6)
في (جـ): "وهذا حجة".
(7)
زيادة من نسخة (د).
كثيرة لم يصدق في أقل من عشرة *، وإن قال دراهم فهي ثلاثة إلا أن يبين أكثر منها، وإن قال كذا كذا درهم لم يصدق في أقل من أحد عشر درهمًا، وإن قال له علي كذا وكذا درهما لم يصدق في أقل من إحدى وعشرين درهمًا، وإذا قال له علي أو قِبَلي فقد أقر بدَين، وإن قال عندي فهو إقرار بأمانة في يده، وإذا قال له رجل: لي عليك ألف درهم فقال اتزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قد قضيتكها فهو إقرار، ومن أقر بدين مؤجل فصدقه المقَرّ له في الدين وكذبه في التأجيل لزمه الدين حالًا واستحلف المقر له على الأجل، ومن أقر واستثنى متصلًا بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي سواء استثنى الأقل أو الأكثر *، فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء، وإن قال له علي مئة درهم إلا دينارًا أو إلا قفيز حنطة لزمه مئة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز *، وإن قال له علي مئة ودرهم فالمئة
ذلك عند الغنيّ قليل، وكما أن المئتين مال عظيم في حكم الزكاة، فالعشرة مال عظيم في حقّ قطع السرقة وتقدير المهر بها، فيقع التعارض فوجب الرجوع إلى حال الرجل فيما يبيّنهُ" انتهى. وهذا مطلقٌ كما ترى، ووقع في "التحفة" و "البدائع" في اعتبار الغنى والفقر خلافُ هذا فقال: "وقيل يعتبر حال المقر، إن كان غنيًا يقع على ما يستعظم عند الأغنياء، وإن كان فقيرًا يقع على النصاب"
(1)
.
قلت: ما صحّحه الإسبيجابي أنظرُ عندي، وكثيرٌ من الناس لا يعرف مقدار النصاب ليستعظمه! والله أعلم.
قوله: (فإن قال: "دراهم كثيرة"، لم يُصدَّق في أقلّ من عشرة)، قال في "الهداية"
(2)
: "هذا عند أبي حنيفة، وعندهما لم يصدق في أقل من مئتين" واعتمد قولَ الإمامِ النسفيُّ والمحبوبي وصدر الشريعة.
قوله: (سواءٌ استثنى الأقلّ أو الأكثر)، قال في "الينابيع":"المذكور إنما هو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إن استثنى الأكثر بطل استثناؤه ولزمه جميع ما أقرّ به"، وقال في "المحيط":"هو رواية عن أبي يوسف" فلذلك كان المعتمد على ما في "الكتاب" عند الكل، والله أعلم.
قوله: (وإن قال: "له علي مِئةُ درهم إلا دينارًا" أو: "إلّا قفيزَ حنطة" لزمه مئة درهم إلا قيمةَ الدينار والقفيز)، قال الإسبيجابي: "وهذا استحسان، أخذ
(1)
هذا لفظ "تحفة الفقهاء" 3/ 198، وفي "البدائع" - حول هذا المعنى -:"وقيل إن كان الرجل غنيًا يقع على ما يستعظم عند الأغنياء، وإن كان فقيرًا يقع على ما يستعظم عند الفقراء". (بدائع الصنائع 7/ 220).
(2)
3/ 177.
كلها دراهم، وإن قال مئة وثوب لزمه ثوب واحد والمرجع في تفسير المئة إليه، ومن أقر بحق وقال إن شاء الله متصلًا بإقراره لم يلزمه الإقرار، ومن أقر بحق وشرط الخيار لزمه الإقرار وبطل الخيار، ومن أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه فللمقر له الدار والبناء، وإن قال بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال، ومن أقر بتمر في قوصرة لزمه التمر والقوصرة، ومن أقر بدابة في اصطبل لزمته الدابة خاصة، وإن قال غصبته ثوبًا في منديل لزماه جميعًا، وإن قال له علي ثوب في ثوب لزماه جميعًا، وإن قال له علي ثوب في عشرة أثواب لم يلزمه عند أبي يوسف إلا ثوب واحد، وقال محمد: يلزمه أحد عشر ثوبًا *، ومن أقر بغصب ثوب وجاء بثوب معيب فالقول قوله فيه مع يمينه، وكذلك لو أقر بدراهم وقال هي زيوف *، وإن قال له علي خمسة في خمسة يريد الضرب والحساب لزمته خمسة واحدة، وإن قال أردت خمسة مع خمسة لزمته عشرة، وإذا قال له علي من درهم إلى عشرة لزمته تسعة عند أبي حنيفة، فيلزمه الابتداء وما بعده وتسقط الغاية *، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه العشرة كلها، فإذا قال له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه، فإن ذكر عبدًا بعينه * قيل للمقر له إن شئت فسلم العبد وخذ الألف وإلا فلا شيء لك،
به أبو حنيفة وأبو يوسف، والقياس أن لا يصحّ هذا الاستثناء وهو قول محمد وزفر، والصحيح جواب الاستحسان"، واعتمده المحبوبيّ والنسفي.
قوله: (وإن قال: "له عليّ ثوبٌ في عشرة أثواب" لم يلزمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا ثوب واحد، وقال محمد: يلزمه أحدَ عشَرَ ثوبًا)، والمعوّل عليه قولُهما عند النسفيِّ والمحبوبي وغيرهما.
[قوله:
(1)
(ومن أقرّ بغصب ثوب وجاء بثوب مَعِيب فالقول قوله، وكذلك لو أقرَ بدراهم وقال هي زيوف)، قال أبو نصر الأقطع:"يعني أقرّ ببعضها، وسواء وصل كلامَه أو قطع، وروي عن أبي يوسف إذا قطع لا يصدّق، والصحيح هو الأول"].
قوله: (وإذا قال: "له عليَّ مِن درهم إلى عَشَرة" لزمه تسعةٌ عند أبي حنيفة، فيلزمه الابتداء وما بعده وتسقط الغاية)، وهذا أصح الأقاويل عند المحبوبي والنسفي.
قوله: (فإن ذكر عبدًا بِعَينه .. الخ)، قال القاضي
(2)
: "ولو قال العبد
(1)
هذه المسألة زيادة من (جـ و د)، وجاء ترتيبها فيهما، قبل المسألة الأخيرة من هذا الباب، وأثبتها هنا لتتوافق وكتابَ القدوري.
(2)
"فتاوى قاضي خان" 3/ 141، وأنقل منها هنا رأس المسألة للتوضيح:"ولو قال: لك عليّ ألف درهم من ثمن العبد الذي في يدك، فإن صدقه الطالب في ذلك سلم العبد إليه وأخذ منه الألف".
وإن قال من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف في قول أبي حنيفة *، ولو قال له علي ألف من ثمن خمر أو خنزير لزمته الألف ولم يقبل تفسيره *، ولو قال له علي ألف درهم من ثمن متاع وهي زيوف وقال المقر له بل جياد لزمه الجياد في قول أبي حنيفة، ومن أقر لغيره بخاتم فله الحلقة والفَص، ولو أقر له بسيف فله النصل والجفن والحمائل، وإن أقر بحجلة فله العيدان والكسوة، فإذا قال لحمل فلانة علي ألف، فإن قال أوصى به فلان أو مات أبوه فورثه فالإقرار صحيح، فإن أبهم الإقرار لا يصح عند أبي يوسف *، ولو أقر بحمل جارية
الذي في يدي عبدي
(1)
لم أبِعْكَهُ وإنما بعتك غيرَه، لا تجب الألف على المقرّ، وذكر هذه المسألة في موضع آخر أن على قول أبي حنيفة يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه، وهو قول صاحبيه، وهو الصحيح، وإذا حلفا لزم المال على المقر".
قوله: (وإن قال: "من ثمن عبدٍ" ولم يُعَيِّنه، لزمه الألف في قول أبي حنيفة)، وقال أبو يوسف ومحمد إن وصل صُدِّق ولم يلزمه شيء، وإن فَصَل لم يصدَّق إذا أنكر المقرّ له أن يكون ذلك من ثمن بيع
(2)
، واعتمد قوله البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي.
قوله: (ولو قال: "له علي ألف درهم من ثمن خمرٍ أو خنزير" لزمه الألف ولم يُقبل تفسيره)، [هذا] عند أبي حنيفة وَصَل أم فَصَل، وقالا: إذا وصل لا يلزمه شيء.
(ولو قال: "له عليَّ ألف من ثمن متاع وهي زيوف" فقال المُقَرّ له: جياد، لزمه الجياد في قول أبي حنيفة)، وقالا: إن قال موصولًا يصدَّق، وإن قال مفصولًا لا يصدق، واعتمد قوله المذكورون قبله.
قوله: (وإذا قال: "لِحَمْل فلانةِ عليّ ألف"، فإن قال أوصى له بها فلان أو مات أبوه فورِثه فالإقرار صحيح، وإن أبهم الإقرار لم يصحَّ عند أبي حنيفة) وفي نسخة: (عند أبي يوسف) مكان أبي حنيفة، وفي "الهداية" و "الأسرار"
(3)
وشرح الإسبيجابي
(4)
و "الاختيار" و "تقريب الخلاف" و "نظم الخلافيات"
(5)
(1)
في مطبوعة "الفتاوى": "ولو قال الطالب: العبد الذي في يدك عبدي .. ".
(2)
انظر: "الهداية" 3/ 181. واللفظ في نسخة (جـ): "من ثمن مبيع".
(3)
كتاب "الأسرار" هو لأبي زيد الدّبوسي، انظر ص 195، ت 10.
(4)
شرَحَ أبو المعالي محمد بن أحمد الإسبيجابي مختصر القدوري شرحًا نافعًا سماه: "زاد الفقهاء". (تاج التراجم ص 256).
(5)
قال العلامة حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" 2/ 1867: "منظومة =
أو بحمل شاة لرجل صح الإقرار ولزمه، وإذا أقر الرجل في مرض موته بدين وعليه ديون في صحته وديون لزمته في مرضه بأسباب معلومة فدين الصحة والديون المعروف بالأسباب مقدمة، فإذا قضيت وفضل شيء صرف فيما أقر به في حال المرض، وإن لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره وكان المقر له أولى من/ الورثة، وإقرار المريض لورثته باطل إلا أن يصدقه بقية الورثة، ومن أقر لرجل أجنبي في مرضه ثم قال هو ابني، ثبت نسبه وبطل إقراره له، ولو أقر لأجنبية ثم تزوّجها لم يبطل إقراره لها، ومن طلق زوجته في مرضه ثلاثًا ثم أقرّ لها بدين ومات في العدة فلها الأقل من الدين ومن ميراثها منه، ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه، وإن كان مريضًا، ويشارك الورثة في الميراث، ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى، ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى ولا يقبل بالولد إلا أن يصدقها الزوج أو شهدت بولادتها قابلة. ومن أقر بنسب من غير الوالدين والولد مثل الأخ والعم لم يقبل إقراره في النسب، فإن كان له وارث معروف قريب أو بعيد فهو أولى بالميراث من
ذُكر الخلاف - فيم إذا أَبْهم - بين أبي يوسف ومحمد، وذكر في "النافع"
(1)
الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف فيما إذا أَبهم، وذكر في "الينابيع" قول أبي حنيفة مع أبي يوسف، فقال: "قال أبو حنيفة وأبو يوسف في هذه المسألة إن بيّن المقِرّ جهة صالحة كالإرث والوصية رجح
(2)
إقراره ولزمه وإلا فلا، وقال محمد صحَّ إقراره سواء بَيّن جهة صالحة أو أبْهم، ويُحمل على أنه أوصى به رجل أو مات موَرّثه وتركه ميراثًا، والإبهام أن يقول: لحمل فلانة عليّ ألف درهم ولم يزد عليه"، انتهى.
واعتمد قول أبي يوسف الإمامُ البرهاني والنسفي وأبو الفضل الموصلي
= النسفي في الخلاف، وهو أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي المتوفى سنة 537، أولها: باسم الإله رب كل عبد والحمد للهِ ولي الحمد، رتبها على عشرة أبواب: الأول في قول الإمام، الثاني في قول أبي يوسف، الثالث في قول محمد، الرابع في قول الإمام مع أبي يوسف، الخامس في قوله مع محمد، السادس في قول أبي يوسف مع محمد، السابع في قول كل واحد منهم، الثامن في قول زفر، التاسع في قول الشافعي، العاشر في قول مالك، أتمها في يوم السبت في صفر سنة 504 وعدد أبياتها 2669، ولها شروح كثيرة .. ".
(1)
انظر "الفقه النافع" 3/ 1227، للشيخ الإمام ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسيني السمرقندي الحنفي، المتوفى سنة 556، وهو مختصر يتبركون به، قال في مقدمته 1/ 70:" .. استخرت الله تعالى في صنعة كتاب نظري الدراية، صحيح الرواية، يقتصر على قدر الافتقار إليه، وسميته الفقه النافع لقصور الحاجة إليه". (وانظر: كشف الظنون 2/ 1921، 1922).
(2)
في نسخة (جـ): "صح إقراره"، والمثبت من (أ، ب، د).
المقر له، وإن لم يكن له وارث استحق المقر له ميراثه، ومن مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت نسب أخيه ويشاركه في الميراث.
وغيرهم، وعلّل الكلُّ لمحمد بالحمل على سببٍ صحيح وإن لم يذكره، فيحفظ هذا فإنه يقع الآن إقراراتٌ مطلقة عن السبب لا يُتصور أن يكون لها سببٌ صحيح شرعًا، والله أعلم.
كتاب الإجارة
الإجارة عقد على المنافع بعوض، ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة والأجرة معلومة، وما جاز أن يكون ثمنًا في البيع جاز أن يكون أجرة، والمنافع تصير تارة معلومة بالمدة كاستئجار الدور للسكنى والأرضين للزراعة، فيصح العقد على مدة معلومة أيّ مدة كانت، وتارة تصير معلومة بالعمل والتسمية كمن استأجر رجلاً على صبغ ثوب أو خياطة ثوب، أو استأجر دابة ليحمل عليها مقدارًا معلومًا أو يركبها مسافة سماها، وتارة تصير معلومة بالتعيين والإشارة كمن استأجر رجلاً لينقل له هذا الطعام إلى موضع معلوم، ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى فإن لم يبين ما يعمل فيها وله أن يعمل كل شيء إلا الحدادة والقصارة والطحانة، ويجوز استئجار الأراضي للزراعة، ولا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها أو يقول على أن يزرع فيها ما شاء، ويجوز أن يستأجر الساحة ليبني فيها أو ليغرس فيها نخلاً أو شجرة فإذا انقضت مدة الإجارة لزمه أن يقلع البناء أو الغرس ويسلمها فارغة إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعًا فيملكه أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا، ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل، فإن أطلق الركوب جاز أن يُركبها من شاء، وكذلك إن استأجر ثوبًا للبس وأطلق فإن قال على أن يركبها فلان أو يلبسه فلان فأركبها غيره أو ألبسه غيره كان ضامنًا إن عطبت، وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعملين، وأما العقار وما لا يختلف باختلاف المستعملين فإذا شرط سكنى واحد بعينه فله أن يسكن غيره، وإن سمى نوعًا وقدرًا يحمله على الدابة مثل أن يقول خمسة أقفزة حنطة فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر أو أقل كالشعير والسمسم، وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد، ومن استأجرها ليحمل عليها قطنًا سماه فليس له أن يحمل مثل وزنه حديدًا، ولو استأجرها ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتها * ولا معتبر بالثقل، وإن استأجرها ليحمل عليها مقدارًا من الحنطة فحمل أكثر منه فعطبت ضمن ما زاد الثقل، فإن كبح
كتاب الإجارة
قوله: (وإن استأجرها ليركبَها فأردف معه رجلاً فعَطِبَت، ضَمِنَ نصفَ قيمتِها)، هذا إذا كانت تطيق حمل اثنين، فإن عَلِم أنها لا تطيق يضمن جميعَ قيمتها.
قوله: (وإن كَبَح الدابّة بلجامها أو ضربها فعطِبتْ ضَمِن عند أبي
الدابة بلجامها أو ضربها فعطبت ضمن عند أبي حنيفة *.
والأجراء على ضربين: أجير مشترك وأجير خاص؛ فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصّار، والمتاع أمانة في يده، إن هلك لم يضمن شيئًا عند أبي حنيفة، ويضمنه عند أبي يوسف ومحمد *، وما تلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمّال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل وغرق السفينة من مدها مضمون إلا أنه لا يضمن به بني آدم، فمن غرق في السفينة أو سقط من الدابة لم يضمنه، وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطبت من ذلك. والأجير الخاص: الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل، كمن استأجر شهراً للخدمة أو لرعي الغنم، ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده ولا فيما تلف من عمله، والإجارة يفسدها الشروط الفاسدة كما يفسد البيع، ومن استأجر عبدًا للخدمة فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك، ومن استأجر جملاً ليحمل عليه محملاً وراكبين إلى مكة جاز وله المحمل المعتاد، وإن شاهد الجمّال المحمل فهو أجود، وإن
حنيفة) إلا أن يأذن له صاحبُها في ذلك، وقالا: إن لم يتعدّ في ضربها وكبحها لا يضمن، واعتمد قولَ الإمام الإمامُ المحبوبي والنسفي، لكن صرح الإسبيجابي والزَّوْزَني أن قوله قياسٌ وقولهما استحسان.
قوله: (لم يضمن شيئًا عند أبي حنيفة، ويضمَنُه عند أبي يوسف ومحمد)، قال قاضي خان
(1)
: "و الفتوى على قول أبي حنيفة"، وقال في موضع آخر
(2)
: "و المختار في الأجير المشترك قولُ أبي حنيفة، وقيل هو قول محمد أيضًا"، وقال في "الصغرى":"أخذ أبو الليث بقول أبي حنيفة في الأجير المشترك إذا هلك عنده شيء لا بصنعه، وبه أفتي"، وقال
(3)
في "التتمة"، وقال في "الحقائق": "و الفتوى في الأجير المشترك على قول أبي حنيفة سواء شرط الضمان عليه أو لم يشرط
(4)
، من فتاوى قاضي خان و"المحيط" و"التتمة""، قلت: ومن "الذخيرة" أيضًا ولفظه: "و كان الفقيه أبو جعفر يسوّي بين شرط الضمان وعدم الشرط، وكان يقول بعدم الضمان لأن شرط الضمان في الأمانة مخالف لقضية الشرع فيكون باطلاً، قال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، ونحن نفتي
(1)
"الفتاوى الخانية"، فصل في القَصّار 2/ 338، وانظر 2/ 360.
(2)
المصدر السابق، باب الإجارة الفاسدة 2/ 334.
(3)
كذا في النسخ (أ ب جـ د)، وربما كان الأصوب:"وقاله في التتمة"، فيتّسق المعنى.
(4)
في (ب وجـ): "يشترط".
استأجر بعيرًا ليحمل عليه مقدارًا من الزاد فأكل منه في الطريق جاز أن يرد عوض ما أكل، والأجرة لا تجب بنفس العقد وتستحق بأحد معان ثلاث: إما بشرط التعجيل، أو بالتعجيل من غير شرط، أو باستيفاء المعقود عليه، ومن استأجر دارًا فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يوم إلا أن يبين وقت الاستحقاق في العقد، ومن استأجر بعيرًا إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة، وليس للقصار والخياط أن يطالب بالأجرة حتى يفرغ من العمل إلا أن
به أيضًا"، وقال في "الظهيرية"
(1)
: "اختار المتأخرون الصلح على نصف القيمة". قال في "العون"
(2)
: وربما لا يقبلان الصلح فاخترت قول أبي حنيفة. وكان الإمام الحَلْواني
(3)
يكتب في الفتوى: لا يضمن عند أكثر أصحابنا، يعني به أبا حنيفة، في "الجامع المحبوبي"، وفي "الفتاوى الكبرى": "والفتوى على أنه لا يضمن الأجير المشترك إلا ما تلف بصنعه، وفيها: .. وإنما قال
(4)
إن له أن يضمِّن القصّار؛ لأنَّه أخذ بقول أبي يوسف ومحمد في الأجير المشترك، أما في قول أبي حنيفة فلا ضمان على القصّار، وبه نأخذ، وعليه الفتوى"، وقد اعتمده المحبوبي والنسفي رحمهما الله تعالى.
تتميم
(5)
: قال القاضي: "و هذه جملة مسائل أفتَوْا
(6)
فيها على قول أبي يوسف ومحمد
(7)
:
- منها: إذا دفع إلى نسّاج ثوبًا بعضه منسوج وبعضه غير منسوج فسُرق
(8)
(1)
"الفتاوى الظهيرية" لظهير الدين أبي بكر محمد بن أحمد بن عمر القاضي المحتسب ببخارى، وله فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد. توفي سنة 619 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 55، رقم 1188، تاج التراجم ص 232، 233، رقم 199، كشف الظنون 2/ 1226، الفوائد البهية ص 257، 258، رقم 319).
(2)
كذا في (أ و جـ)، وفي نسختي (ب و د):"العيون"، ولم أجد هذا القول في "عيون المسائل" للسمرقندي.
(3)
هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر الحَلْواني، الملقب شمس الأئمة، إمام الحنفية في وقته ببخارى، من تصانيفه المبسوط، توفي سنة 448 وقيل 456 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 429، 430، رقم 821، تاج التراجم ص 189، 190، رقم 142، الفوائد البهية ص 162 - 165، رقم 202).
(4)
أي الفقيه أبو جعفر، كما يظهر من كلام قاضي خان في "الفتاوى" 2/ 338، وقد سبق عنه خلافه ..
(5)
في (جـ): "تتمة".
(6)
في (جـ): "مسائل، ومشوا .. ".
(7)
انظر "فتاوى قاضي خان"، فصل في الخياط والنساج 2/ 341.
(8)
هذه الكلمة مشطوبة في نسخة الأصل، وهي في (ب):"فرق"، والمثبت من (د) و"فتاوى قاضي خان".
يشترط التعجيل، ومن استأجر خبازًا ليخبز له في بيته قفيز دقيق بدرهم لم يستحق الأجرة حتى يخرج الخبز من التنّور، ومن استأجر طباخًا ليطبخ له الطعام للوليمة فالغرف عليه، ومن استأجر رجلاً ليضرب له لبنًا استحق الأجرة إذا أقامه عند أبي حنيفة *، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يستحقها حتى يشرجه. وإذا قال إن خطت هذا الثوب فارسيًّا * فبدرهم، وإن خطته روميًّا فبدرهمين جاز، وأيّ العملين عمل استحق أجرته، وإن قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدًا فبنصف درهم فإن خاطه غدًا فله أجر مثله عند أبي حنيفة ولا يتجاوز به نصف درهم، وإن خاطه اليوم فله درهم، وعندهما: كلا الشرطين صحيح، وإن قال إن سكنت هذه الدكان عطارًا فبدرهم في الشهر، وإن سكنته حدادًا فبدرهمين جاز، وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه، وقال أبو يوسف ومحمد: الإجارة
عنده يضمن كلّ الثوب.
- ومنها: دفع إلى خياط كِرْباسًا فخاطه قميصًا يعني
(1)
قطعه، فَسُرقَ قالوا: يضمن.
- ومنها: دفع صَرْمًا إلى خفاف لِيَخْرِز له خفًّا، فَفَضَل شيء من الصَّرْم فسُرق، قالوا: يضمن".
قوله: (ومن استأجر رجلاً ليضرب له لَبِنًا سماه، استحق الأجرة إذا أقامه عند أبي حنيفة)، [قال في "الينابيع": "يريد بالإقامة النّصْب عند الجفاف، والتَّشْريج أن يركب بعضه على بعض
(2)
بعد الجفاف"]
(3)
، قال الإسبيجابي:"يريد به إذا كان المِلْبَن معلومًا؛ لأن العمل يتفاوت بتفاوت المِلبن"، وقال في "الينابيع":"وهذا الذي ذكره إذا كان في أرض المؤاجر، وإن كان في أرض الأجير لا يستحق الأجر حتى يُسلمه منصوبًا عند أبي حنيفة، ومشرّجًا عندهما، وقد اعتمد قول الإمام الإمامُ المحبوبي والنسفي. وقال في "العون"
(4)
: "الفتوى على قولهما".
قلت: كأنه لاتحاد العرف فيراعى إن اتحد، والله أعلم.
قوله: (وإن قال: "إن خطتَّ هذا الثوب فارسيًا .. " الخ)، اعتمد قول الإمام في الخلافيات المذكورة الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل الموصلي.
(1)
كذا في الأصل ونسخة (د)، وفي (جـ) والفتاوى الخانية:"وبقي".
(2)
وفي هامش مخطوطة مختصر القدوري: " (يشرّجه): أي يجمع بعضهم على بعض".
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(4)
في (ب ود): "العيون"، وكذلك في "اللباب شرح الكتاب" 2/ 97، نقلاً عن "التصحيح".
فاسدة، ومن استأجر دارًا كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد، فاسد في بقية الأشهر إلا أن يسمي جملة شهور معلومة، فإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه ولم يكن له أن يخرجه إلى أن ينقضي *، وكذلك كل شهر يسكن في أوله ساعة. وإذا استأجر دارًا سنة بعشرة دراهم جاز وإن لم يسم قسط كل شهر من الأجر، ويجوز أخذ أجرة الحمام والحجام، ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس، ولا يجوز الاستئجار على الحج والأذان *
قوله: (فإن سكن ساعةً من الشهر الثاني صحّ العقد فيه، ولم يكن للمؤاجر أن يخرجه إلى أن ينقضي الشهر)، قال في "الجواهر" و"التبيين"
(1)
: "هذا قول البعض، أما ظاهر الرواية: لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى من الشهر ويومها وبه يفتى"، وقال القاضي
(2)
: "إليه أشار في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى".
قوله: (ولا يجوز الاستئجار على الأذان .. الخ) هذا جواب المتقدمين وأجازه المتأخرون، فقال في "الهداية"
(3)
: "وبعض مشايخنا استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن، وعليه الفتوى"، واعتمده النسفي، وقال في "المحيط":"ولا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والإمامة والحجّ عنه، وبعض أصحابنا المتأخرين جوزوا ذلك لكسَل الناس ولحاجتهم"، وقال في "الذخيرة":"ومشايخ بَلْخ جوّزوا الاستئجار لتعليم القرآن إذا ضرب لذلك مدةً، وأفتوا بوجوب المسمى عند عدم الاستئجار أصلاً، وعند الاستئجار بدون ذكر المدة أفتَوا بوجوب أجر المثل، وكذا يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه في زماننا". وفي "الروضة"
(4)
: "كان الشيخ أبو محمد الجَنْراجَري
(5)
يقول: في زماننا يجوز للإمام والمؤذن والمعلّم أخذ الأجر". وفي "الفتاوى الكبرى": "تعليم القرآن والفرائض
(1)
"تبيين الحقائق" 5/ 122.
وكتاب "التبيين"، للزيلعي شرح به "كنز الدقائق" للنسفي، (وانظر كشف الظنون 2/ 1515).
(2)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 303.
(3)
3/ 235.
(4)
قال في "كشف الظنون" 1/ 931: "الروضة"، في الفروع الحنفية للناطفي (- ت 446 هـ) وهي صغيرة الحجم كثيرة الفائدة، وفيها فروع غريبة".
(5)
في (ب): "الجراجري"، ولم أعثر له على ترجمة.
والغناء والنوح، ولا تجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة إلا من الشريك، وقال أبو يوسف ومحمد: إجارة المشاع جائزة *، ويجوز إجارة الظئر بأجرة معلومة ويجوز بطعامها وكسوتها، وليس للمستأجر أن يمنع زوجها من وطئها، فإن حبلت كان لهم أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها وعليها أن تصلح طعام الصبي، وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجرة لها، وكل صانع لعمله أثر في العين فله أن يحبسه كالقصار والصباغ حتى يستوفي الأجرة، ومن ليس لعمله أثر فليس له أن يحبس العين كالحمال والملاح، وإذا اشترط على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له أن يستعمل غيره، فإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعمله، وإذا اختلف الخياط وصاحب الثوب فقال صاحب الثوب أمرتك أن تعمل قباء وقال الخياط قميصًا، أو قال صاحب الثوب للصباغ أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه فإن حلف فالخياط
وحساب الوصايا وغيرها بأجر جائز، كذا عن نُصَيْر بن يحيى
(1)
"، قال أبو الليث: "وبه نأخذ"، وقال صدر الشريعة
(2)
: "ولم يصح للعبادات كالأذان والإمامة وتعليم القرآن
(3)
، ويُفتى اليوم بصحتها"، والله أعلم
(4)
.
قوله: (ولا تجوز إجارَة المُشاع عند أبي حنيفة إلا من الشريك، وقال أبو يوسف ومحمد: إجارة المُشاع جائزة)، قال الكرخي في "جامعه"
(5)
: "نص أبو حنيفة أنه إذا أخر بعض ملكه، أو أجر أحدُ الشريكين نصيبه من أجنبي فهو فاسد سواء فيما يقسم وما لا يقسم". قلت: [و] صحّح في "الحقائق" أنه فاسد، وحكى عن بعض أنه باطل، وهو في نظم الخلاف
(6)
. وقال القاضي
(7)
: "إجارة المُشاع فيما يقسم وما لا يقسم فاسد في قول أبي حنيفة،
(1)
نُصير بن يحيى، وقيل: نصر، تفقه على أبي سليمان الجُوزجاني عن محمد، روى عنه أبو غياث البَلْخي. توفي سنة 267 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 546 رقم 1745، الفوائد البهية ص 363 رقم 488).
(2)
انظر "النُّقاية" 2/ 434، 436، (حكم الإجارة على العبادات).
(3)
في نسخة (د): "كالأذان والإقامة وتعليم القرآن أجرة".
(4)
وانظر - إن شئت - تعليلَ الكراهة عند المتقدمين والجواز عند المتأخرين في مسألة الاستئجار على العبادة في: "فتاوى قاضي خان" 2/ 325 وفيه كلام حسن عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل.
(5)
قال الإمام أبو الحسن الكرخي في مختصره: "من أراد مجاوزة ما في هذا الكتاب فلينظر في الجامع الصغير الذي ألّفناه، وإن أراد أكثر من ذلك فالكبير يستغرق ذلك كله"، ذكر قوله حاجي خليفة في "كشف الظنون" 1/ 570.
(6)
في (جـ): "نظم الخلافيات"، وانظر ما مر ص 250، ت 5.
(7)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 331.
ضامن، فإذا قال صاحب الثوب عملته لي بغير أجر وقال الصانع بل بأجر، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان حريفًا له فله الأجرة، وإن لم يكن حريفًا فلا أجرة له، وقال محمد: إن كان الصانع منتدبًا لهذه الصنعة بالأجرة
وعليه الفتوى، وإن آجر من شريكه جاز في أظهر الروايتين، ولو من ثالث لا يجوز
(1)
في الأظهر"، قال في "الفتاوى الصغرى": "وفي المزارعة
(2)
والمعاملة والوقف الفتوى على قول أبي يوسف ومحمد لمكان الضرورة والبلوى، وفي إجارة المُشاع على قول أبي حنيفة رحمه الله"، وقال في "تتمة الفتاوى"
(3)
: "وفي المزارعة والمعاملة والوقف الفتوى على قول أبي يوسف ومحمد، لمكان الضرورة والبلوى، وفي إجارة المشاع على قول أبي حنيفة"، وقال في "الحقائق":"والفتوى على قول أبي حنيفة"، واعتمده النسفي وبرهان الأئمة المحبوبي وصدر الشريعة.
قال في شرح الكنز للزيلعي
(4)
: "قال في "المغني": الفتوى [في إجارة المشاع]
(5)
على قولهما".
قلت: شاذ مجهول القائل، فلا يعارض ما ذكرنا
(6)
.
قوله: (وإذا قال صاحب الثوب للصانع: عملته لي بغير أجر، وقال الصانع: بأجر، فالقول قول صاحب الثوب عند أبي حنيفة مع يمينه، وقال أبو يوسف: إن كان له حَرِيفًا فله الأجرة فإن لم يكن له حريفًا فلا أجرة له، وقال محمد: إن كان الصانع منتدبًا
(7)
لهذه الصنعة بالأجرة فالقول قوله أنه عمله
(1)
وعبارة قاضي خان في هذه المسألة: "ولو كانت الدار بين رجلين آجر أحدهما نصيبه من ثالث، اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، قال بعضهم يجوز ويقوم الثالث مقام الآجر .. والأظهر أنه لا يجوز".
(2)
وفي حاشية الأصل قال: "أي مزارعة أرض مشاع والمعاملة على أشجار مشاع ووقف مشاع".
(3)
"تتمة الفتاوى"، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز صاحب المحيط، (كشف الظنون 1/ 343، 344)، ولم يُذكر هذا القول في نسخة (د).
(4)
شرح "كنز الدقائق" المسمى بـ"تبيين الحقائق" 5/ 127.
(5)
الزيادة من نسختي (جـ ود)، و"تبيين الحقائق".
(6)
وفي حاشية (جـ): "قلت: وفي "المضمرات" جعل الفتوى على قولهما كما ذكر في "المغني"، والله أعلم". وسيأتي ذكر كتاب المغني ص 446.
(7)
في نسخة (د): "مُبتذلاً"، وفي نسخة (ل):"معروفًا بهذه".
فالقول قوله أنه عملها بأجرة *، والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل * لا يتجاوز به المسمى، وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكنها، فإن غصبها غاصب * من يده سقطت الأجرة، وإن وجد بها عيبًا يضر بالسكنى فله الفسخ، وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو انقطع الماء عن الرحاء انفسخت الإجارة، وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد الإجارة لنفسه انفسخت، وإن كان عقدها لغيره لم تنفسخ، ويصح
بأجرة)، ورجّح دليل الإمام في "الهداية"، وأجاب عن دليلهما، واعتمد قول الإمام الإمامُ المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة
(1)
.
قوله: (والواجب في الإجارة الفاسدة أجرُ المثل)، قال القاضي
(2)
: "مُتولّي الوقف والوصيُّ إذا أجر بأقل من أجر المثل بما لا يُتغابن الناس فيه، يجب أجر المثل بالغًا ما بلغ، وعليه الفتوى".
قوله: (فإن غصبها غاصب .. الخ)، فلو أجرها الغاصب ثم أجاز المالك، فإن كان قبل الاستيفاء صحت، والأجرُ للمالك، وإن بعده لا يصح والأجر للغاصب، وإن [كان]
(3)
بعد مضي بعض المدة، قال أبو يوسف: الأجر للمالك، وقال محمد: ما مضى للغاصب وما بقي للمالك، وعليه الفتوى.
فروع: قال القاضي
(4)
: "قال شمس الأئمة: إضافة فسخ الإجارة إلى الغدِ وغيره من الأوقات يصحّ، وتعليق الفسخ بمجيء الشهر وغير ذلك لا يصح، والفتوى على قوله"، [والله أعلم].
- "رجل قال لغيره أجرتك داري هذه غدًا بدرهم ثم آجرها اليوم من غيره إلى ثلاثة أيام فجاء الغد فأراد المستأجر الأول أن يفسخ الإجارة الثانية، فيه روايتان؛ في رواية: له أن يفسخ وبه أخذ نُصَير، وفي رواية ليس له أن يفسخ وبه أخذ أبو جعفر وأبو الليث وشمس الأئمة الحَلْواني، وهو قول عيسى بن
(1)
وفي حاشية المخطوطة (جـ): "قلت: وفي السراج الوهاج جعل الفتوى على قول محمد وعبارته هذه، والقياس ما قاله أبو حنيفة، وقولهما استحسان، والفتوى على قول محمد"، وفيها أيضًا:"قلت: وهذه عبارة المضمرات وقال محمد رحمه الله تعالى له الأجرة ولا يجعل مجانًا، حريفًا كان القصار أو غير حريف، بعد أن يعرف أنه يقصر للناس بالأجر؛ لأن دفع الثوب إلى مثله للغسل من أقوى دلالة العقد وبه يفتى، وكذا هذا في الصباغ والخياط".
(2)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 311.
(3)
زيادة من (جـ).
(4)
"فتاوى قاضي خان"، فصل في الألفاظ التي تنعقد بها الإجارة 2/ 298.
شرط الخيار في الإجارة، وتفسخ الإجارة بالأعذار كمن استأجر دكانًا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله، وكمن أجر دكانًا أو دارًا ثم أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلا من ثمن ما آجر فسخ القاضي العقد وباعها في الدين، وكمن استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له عن أن لا يسافر فهو عذر، وإن بدا للمكاري أن يقعد عن السفر فليس ذلك بعذر.
أبَان
(1)
، وعليه الفتوى"
(2)
.
- "رجل استأجر دارًا شهرًا فسَكنها شهرين، إنْ كان معَدًّا للاستغلال
(3)
يلزمه الثاني، وعليه الفتوى"
(4)
.
- "إجارة البيت المشغول بالأمتعة تجوز، ويؤمر بالتفريغ والتسليم وعليه الفتوى، وإن لحقه بالتفريغ ضرر فاحش فله أن ينقض الإجارة"،
(5)
[والله أعلم].
(1)
عيسى بن أبَان بن صدقة أبو موسى، أحد الأئمة الأعلام. تفقه على محمد بن الحسن وصحبه، وصف بالذكاء والسخاء وسعة العلم، وكان حسن الحفظ للحديث مكثرًا منه. وله مصنفات منها: كتاب خبر الواحد، وكتاب اجتهاد الرأي، توفي سنة 221 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 678 - 680، رقم 1086، تاج التراجم ص 226، 227 رقم 190، الفوائد البهية ص 246، 247 رقم 300).
(2)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 298، والنقل منه باختصار.
(3)
في (جـ): "للاستعمال".
(4)
"فتاوى قاضي خان" 2/ 302.
(5)
المصدر السابق 2/ 328.
كتاب الشفعة
الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع كالشرب والطريق ثم للجار، وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط، وإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق والشرب، فإن سلم أخذها الجار، والشفعة تجب بعقد البيع وتستقر بالإشهاد وتملك بالأخذ إذا سلمها المشتري أو حكم بها حاكم، وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه * ذلك على المطالبة ثم ينهض منه فيشهد على البائع إذا كان المبيع في يده، أو على المبتاع * أو عند العقار، فإذا فعل ذلك استقرت شفعته فلم تسقط بالتأخير عند أبي حنيفة، وقال محمد إن تركها شهرًا بعد الإشهاد بغير عذر بطلت شفعته *، وعن أبي يوسف إن تركها مجلسًا أو مجلسين بطلت الشفعة. والشفعة واجبة في العقار وإن كان
كتاب الشّفعة
قوله: (أشهَدَ في مجلسه)، قال في "الحقائق":"والطلب على الفَور، هكذا روي عن أبي حنيفة، وهو ظاهر المذهب وهو الصحيح"، وقال في "مختارات النوازل":"وعن محمد أنه يوقف إلى آخر المجلس، فإن قام منه أو اشتغل بشيء آخر بطلت شفعته [و] هو الصحيح".
قوله: (أو على المُبْتاع)، قال في "مختارات النوازل":"ويصح الطلب من المشتري وإن لم تكن الدار في يده، هو الصحيح، لوجود الملك".
قوله: (فلم تسقط بالتأخير عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن تركها شهرًا بعد الإشهاد من غير عذر بطلت شفعته)، قال في "الهداية"
(1)
: "قول أبي حنيفة هو ظاهر المذهب، وعليه الفتوى"
(2)
.
قلت: واعتمده النسفي كذلك، لكن صاحب "الهداية" خالف هذا في "مختارات النوازل"، فقال:"ولا تسقط الشفعة بعد طلب التقرير بتأخير الخصومة عند أبي حنيفة، وعن أبي يوسف: إذا ترك الخصومة في مجلس الحكم بطلت، وعن محمد إذا تركها شهرًا بعد الإشهاد بطلت شفعته وهو قول زفر، والفتوى على قوله"، قلت: ووقع نظير ذلك للحسام الشهيد فقال في
(1)
4/ 309.
(2)
في حاشية (جـ): "وفي المجتبى أن قول أبي حنيفة هو ظاهر المذهب، وعليه الفتوى".
ممّا لا يقسم، ولا شفعة في العروض والسفن، ولا شفعة في النخل والبناء إذا بيع دون الأرض *. والمسلم والذمي في الشفعة سواء، وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت
" الواقعات": "لا تبطل أبدًا، وبه نأخذ". وقال في "الصغرى": والفتوى اليوم على قولهما" فيُحمل على الرجوع إلى هذا، والله أعلم.
وقال قاضي خان
(1)
: "والفتوى على أنه مقدّر بشهر"، وقال في "الذخيرة": "قال شيخ الإسلام
(2)
: الفتوى اليوم على هذا"، قال في "الخلاصة"
(3)
: "وعن محمد - وهو رواية عن أبي يوسف - يقدّر بشهر، وعليه الفتوى"
(4)
، وقال في "المحيط":"وعند محمد وزفر وهو رواية عن أبي يوسف: إن ترك شهرًا من غير عذر يبطل، والفتوى على قول أبي يوسف ومحمد"، ونقله في "الاختيار" وأقرّه
(5)
، وفي "الفتاوى الصغرى":"إذا ترك التملك بعد طلب الإشهاد من غير عذر فالفتوى اليوم على قول أبي يوسف ومحمد أنه مقدر بشهر"، وقال في "التتمة":"الفتوى اليوم على قول أبي يوسف ومحمد أنه مقدر بشهر"، وقال في "التحفة"
(6)
: "وبه نأخذ"، وقال المحبوبي:"إذا أخر شهرًا بطلت، به يفتى"، وقال صدر الشريعة
(7)
: "وتأخيره شهرًا يُبطل عند محمد، وبه يفتى".
قوله: (ولا شفعة في البناء والنخل إذا بِيع دون العَرْصَة)
(8)
، قال في "الهداية"
(9)
: "هذا في بعض نسخ "المختصر"
(10)
، وهو صحيح مذكور في
(1)
"الفتاوى الخانية" 3/ 542.
(2)
قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية" ص 412: "قد اشتهر بلقب شيخ الإسلام من أخيار المئة الخامسة والسادسة أعلام منهم: شيخ الإسلام أبو الحسن علي السغدي، وشيخ الإسلام عطاء بن حمزة السغدي، وشيخ الإسلام علي بن محمد الإسبيجابي، وشيخ الإسلام عبد الرشيد البخاري جدّ صاحب "الخلاصة"، وشيخ الإسلام برهان الدين علي المرغيناني صاحب الهداية، وشيخ الإسلام نظام الدين عمر ابن صاحب الهداية، وشيخ الإسلام محمود الأُوزجَندي وغيرهم، كذا ذكره الكفوي .. " اهـ. بتصرف يسير.
(3)
"خلاصة الفتاوى" 4/ 456.
(4)
في نسخة (جـ) هنا زيادة: "وكذا في خير مطلوب".
(5)
في نسخة (جـ): "قال في الهداية: والفتوى على قول أبي حنيفة، وقال في المحيط: والفتوى على قولهما دفعًا للضرر عن المشتري".
(6)
"تحفة الفقهاء" 3/ 55.
(7)
انظر "النقاية" 2/ 392، 393.
(8)
العَرْصَة: كل بقعة بين الدُّور واسعةٍ ليس فيها بناء. (القاموس المحيط، ص 803).
(9)
4/ 315.
(10)
ولم يذكر هذا القول في النسخ المطبوعة (ل وث وم).
فيه الشفعة، ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها أو يخالع المرأة بها أو يستأجر بها دارًا أو يصالح بها من دم عمد أو يعتق عليها عبدًا أو يصالح عنها بإنكار * أو سكوت، فإن صالح عليها بإقرار وجبت الشفعة. وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي فادعى الشراء وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه فإن اعترف بملكه الذي يشفع به وإلا كلفه بإقامة البينة، فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك للذي ذكره مما يشفع به، فإن نكل أو قامت للشفيع بينة سأله القاضي هل ابتاع أم لا، فإن أنكر الابتياع قيل للشفيع أقم البينة، فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما ابتاع أو بالله ما يستحق في هذه الدار عليه شفعة من الوجه الذي ذكره، وتجوز المنازعة في الشفعة وإن لم يحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي فإن قضى القاضي بالشفعة لزمه إحضار الثمن *، وللشفيع أن يرد الدار بخيار العيب والرؤية، وإن أحضر الشفيع البائع والمبيع في يده فله أن يخاصمه في الشفعة، ولا يسمع القاضي البينة حتى يحضر المشتري فيفسخ البيع بمشهد منه ويقضي بالشفعة على البائع ويجعل العهدة عليه، فإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع وهو يقدر على ذلك بطلت شفعته، وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار، فإن صالح من شفعته على عوض أخذه بطلت الشفعة ويرد العوض، وإذا مات الشفيع بطلت شفعته، وإن مات المشتري لم تسقط، وإذا باع الشفيع
" الأصل"".
قوله: (أو يصالح عنها بإنكار)، هذا هو الصحيح، قال في "الهداية"
(1)
: "وذكر في أكثر نسخ "المختصر": (أو يصالح عليها بإنكار)، والصحيح: ([أ] و يصالح عنها) ".
[فروع: عن أبي يوسف في حائط بين دارَي رجلين والحائط بينهما، فبيعت إحدى الدارين فصاحب الحائط أولى بالحائط من الجار، وبقية الدار يأخذها بالجوار مع الجار بالسوية، وعنه أن الشريك في الحائط أولى بجميع الدار، قال أبو نصر الأقطع قال أبو الحسن: هذه الرواية عن أبي يوسف أصح عندنا، وقد روى هشام عن محمد مثل ذلك أيضًا]
(2)
.
قوله: (وتجوز المنازعة في الشفعة وإن لم يُحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي، فإذا قضى القاضي بالشفعة لزمه إحضار الثمن) هذا ظاهر الرواية، وعن محمد: أنه لا يقضي حتى يحضر الشفيع الثمن وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، واعتمد ظاهرَ الرواية المصنّفون للفتوى.
(1)
4/ 316.
(2)
من قوله: فروع .. الخ، زيادة من نسخة (جـ).
ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت، ووكيل البائع إذا باع وهو الشفيع فلا شفعة له، وكذلك إذا ضمن الدرك عن البائع الشفيع، ووكيل المشتري إذا ابتاع فله الشفعة، ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع، فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة *، وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة ومن باع دارًا بيعًا فاسدًا فلا شفعة فيها ولكل واحد من المتعاقدين الفسخ، فإن أسقط الفسخ وجبت الشفعة، وإن اشترى ذمي دارًا بخمر أو خنزير وشفيعها ذمي أخذها بمثل الخمر وقيمة الخنزير، وإن كان شفيعها مسلمًا أخذها بقيمة الخمر والخنزير، ولا شفعة في الهبة إلا أن تكون بعوض مشروط، وإذا اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول المشتري، فإن أقاما البينة فالبينة بينة الشفيع عند أبي حنيفة * ومحمد، وقال أبو يوسف: البينة بينة المشتري، وإذا ادعى المشتري ثمنًا أكثر وادعى البائع أقل منه ولم يقبض الثمن أخذها الشفيع بما قال البائع وكان ذلك حطًا عن المشتري، وإن كان قد قبض الثمن أخذهما بما قال المشتري ولم يلتفت إلى قول البائع، وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن سقط ذلك عن الشفيع، وإن حط جميع الثمن لم يسقط عن الشفيع، وإن زاد المشتري للبائع في الثمن لم يلزم الشفيع الزيادة، وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم، ولا يعتبر اختلاف الأملاك، ومن اشترى دارًا بعَرْض أخذها الشفيع بقيمته، وإذا اشتراها بمكيل أو موزون أخذها بمثله، وإن باع عقارًا بعقار أخذ الشفيع كل واحد منهما بقيمة الآخر، وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو شعير قيمتها ألف أو أكثر فتسليمه باطل وله الشفعة، وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له، وإذا قيل له إن المشتري فلان فسلم ثم علم أنه غيره فله الشفعة، ومن اشترى دارًا لغيره فهو الخصم في الشفعة إلا أن يسلمها إلى الموكل، وإذا باع دارًا إلا مقدار ذراع في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له، فإن ابتاع منها سهما بثمن ثم ابتاع بقيتها فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني، وإذا ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبًا عوضًا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب فلا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف،
قوله: (فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة) ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح، نصّ عليه في "الهداية"
(1)
وغيرها.
قوله: (فإن أقاما البينةَ، فالبينةُ بينةُ الشفيع عند أبي حنيفة)، ورُجِّح دليلُه في الشروح، واعتمد قولَه المحبوبي والنسفي وأبو الفضل المَوْصلي وصدر الشريعة.
قوله: (ولا تكره الحيلةُ في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف، وتكره عند
(1)
4/ 316.
وقال محمد: تكره *، وإذا بنى المشتري أو غرس ثم قضى للشفيع بالشفعة فهو بالخيار إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس مقلوعًا، وإن شاء كلف المشتري قلعه، وإذا أخذها الشفيع فبنى وغرس ثم استحقت رجع بالثمن، ولا يرجع بقيمة البناء والغرس، وإذا انهدمت الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان بغير فعل أحد فالشفيع بالخيار، إن شاء أخذ بجميع الثمن وإن شاء ترك، وإن نقض المشتري البناء قيل للشفيع إن شئت فخذ العرصة بحصتها وإن شئت فدع، وليس له أن يأخذ النّقض، ومن ابتاع أرضًا وفي نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها وإن أخذه المشتري سقط عن الشفيع حصته، وإذا قضى القاضي للشفيع بالدار ولم يكن رآها فله خيار الرؤية، فإن وجد بها عيبًا فله أن يردها به وإن كان المشتري شرط البراءة منه، وإذا ابتاع بثمن مؤجل فالشفيع بالخيار إن شاء أخذها بثمن حال وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل ثم يأخذها، وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة، وإذا اشترى دارًا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار الرؤية أو بشرط أو عيب أو بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع، وإن ردها بغير قضاء أو تقايلا فللشفيع الشفعة.
محمد)، قيل الاختلاف قبل البيع، أما بعده فهو مكروه بالإجماع
(1)
. وظاهر "الهداية" اختيارُ قول أبي يوسف
(2)
، وقد صرح به [الإمام] قاضي خان فقال:"والمشايخ في حيلة الاستبراء والزكاة أخذوا بقول محمد، والشفعة أخذوا بقول أبي يوسف"
(3)
، وعلى هذا يرجع قول الإسبيجابي:(وهو الأصح) إلى قوله: (وكذا في إسقاط الزكاة)
(4)
، والله أعلم، ويؤيّده قوله في "مختارات النوازل": "وفي الحيلة في إسقاط الزكاة عنه أيضًا اختلاف، والصحيح فيه قول
محمد".
(1)
وفي حاشية (جـ): "وفي السراج الوهاج: والفتوى على قول أبي يوسف قبل الوجوب، وعلى قول محمد بعد الوجوب، يعني إذا كانت الحيلة بعد البيع تكون الفتوى على قول محمد، وإن كانت قبله فالفتوى على قول أبي يوسف".
(2)
لتأخيره دليل أبي يوسف عن دليل محمد، انظر "الهداية" 4/ 319.
(3)
لم أجد هذا التفصيل في "الفتاوى الخانية" في فصل تسليم الشفعة والحيلة في إبطالها وإسقاطها، (وانظر الفتاوى 3/ 558).
(4)
الظاهر أن كلام الإسبيجابي هذا هو في شرحه على مختصر القدوري - "زاد الفقهاء" -، وكأنّ العبارة فيه:"وتكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند محمد .. وكذا في إسقاط الزكاة وهو الأصح" ..
كتاب الشَّركة
الشركة على ضربين: شركة أملاك وشركة عقود، فشركة الأملاك العين يرثها رجلان أو يشتريانها، فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بأمره، وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي. والضرب الثاني شركة العقود، وهي على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصنائع وشركة الوجوه، فأما شركة المفاوضة فهي أن يشترك الرجلان فيتساويا في مالهما وتصرفهما ودينهما، فيجوز بين الحرّين المسلمين العاقلين البالغين، ولا يجوز بين الحرّ والمملوك، ولا بين الصبي والبالغ ولا بين المسلم والكافر *. وتنعقد على الوكالة والكفالة، فما يشتريه كل واحد منهما يكون على الشركة إلا طعام أهله وكسوتهم وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلاً عما يصح فيه الاشتراك فالآخر ضامن له، فإن ورث أحدهما مالاً تصح الشركة فيه وأو وُهب له ووصل إلى يده بطلت المفاوضة وصارت الشركة عنانًا، ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة *، ولا يجوز بما سوى ذلك إلا أن يتعامل الناس بها كالتبر والنقرة فتصح الشركة
كتاب الشركة
قوله: (ولا بين المسلم والكافر)، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز، والمعتمد قولهما عند الكل، كما نطقت به المصنفات للفتوى وغيرُها، والله أعلم.
قوله: (والفلوس النّافقة)، لم يذكر المصنف في هذا اختلافًا، وكذلك الحاكم في "الكافي"، فقال:"ولا تجوز الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس"، وذكر الكرخي أن الجواز على قولهما، وقال في "الينابيع":"وأما بالفلوس إن كانت نافقة فكذلك عند محمد، وقال أبو حنيفة: لا تصح الشركة بالفلوس وهو المشهور، وروى الحسن عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الشركة بالفلوس جائزة"، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في بعض النسخ، وفي بعض النسخ مع محمد، وقال الإسبيجابي في "مبسوطه"
(1)
: "الصحيح أن عقد الشركة
(2)
يجوز على قول الكل؛ لأنها صارت ثمنًا باصطلاح الناس"،
(1)
كتاب "المبسوط"، لعلاء الدين علي بن محمد بن إسماعيل السمرقندي الإسبيجابي المعروف بشيخ الإسلام. ولد سنة 452 وتوفي سنة 535 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 591، 592 رقم 995، كشف الظنون 2/ 1581، هدية العارفين 1/ 697، الفوائد البهية ص 209 رقم 265).
(2)
يعني: بالفلوس النافقة.
بهما، وإذا أراد الشركة بالعروض باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقد الشركة، وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة، ويصح التفاضل في المال، ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما ببعض ماله دون بعض، ولا تصح إلا بما بينا أن المفاوضة تصح به، ويجوز أن يشتركا ومن جهة أحدهما دنانير والآخر دراهم، وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر، ثم يرجع على شريكه بحصته منه، وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئاً بطلت الشركة، وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا * ويرجع على شريكه بحصته من ثمنه، وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال، ولا تصح الشركة إذا شرطا لأحدهما دراهم مسماة من الربح، ولكل واحد من المفاوضين * وشريكي العنان أن يبضع المال ويدفعه مضاربة ويوكل من يتصرف فيه، ويده في المال يد أمانة. وأما شركة الصنائع كالخياطان والصباغان يشتركان على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما فيجوز ذلك، وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه، فإن عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما نصفان. وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوُجههما ويبيعا، فتصح الشركة على هذا وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه، فإن شرطا أن يكون المشترى بينهما نصفان فالربح كذلك ولا يجوز أن يتفاضلا فيه، وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثًا فالربح كذلك، ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد، وما صاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي عليها الماء، والكسب بينهما لم تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى عليه الماء وعليه أجر مثل الراوية إن كان صاحب البغل، وإن كان صاحب الراوية فعليه أجر مثل
واعتمده المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (فالمشترى بينهما على ما شرطا)، والشركة شركةُ عقدٍ عند محمد، حتى إنّ أيهما باع جاز بيعه، وقال الحسن
(1)
بن زياد: شركةُ أملاك، والمعتمد قول محمد على ما مشى عليه في "المبسوط"، والله أعلم.
[قوله: (ولكل واحد من المتفاوضين .. )، قال أبو نصر: أما دفع المال مضاربة فذكر في "الأصل" أنه يجوز، وقال الحسن عن أبي حنيفة ليس له ذلك، ورواية "الأصل" هو الصحيح]
(2)
.
(1)
في نسخة (جـ): "وقال أبو الحسن بن زياد".
(2)
هذه المسألة زيادة من نسختي (جـ ود)، وقد أُثبتت المسألة فيهما قبل سابقتها.
البغل، وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل، وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة، وليس لواحد من الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته فأدى كل واحد منهما فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم *.
قوله: (فالثاني ضامن علم بأدائه أو لم يعلم)، عُلم من قوله:(فالثاني .. ) أن هذا فيما إذا أدّيا على التعاقب
(1)
، وهذا قول أبي حنيفة، وذكر في كتاب الزكاة من "المبسوط"
(2)
: "وعندهما لا يضمن ما ليعلم بأدائه"، وهكذا في "العون"
(3)
، قال فيه:"ولو علم الوكيل بأداء الموكِّل ثم أدّى الوكيل ضَمِن بالإجماع"، وقال الوَلْوالجي
(4)
: "إن في بعض المواضع لا يضمن عندهما، وإن علم بأداء المالك"، ونص في زيادات العتّابي
(5)
أن عندهما لا يضمن علم بأدائه أو لم يعلم، وقال:"وهو الصحيح عندهما"، وكذا ذكر في "الأسرار"، ورجَّح دليل الإمام واعتمده المحبوبي والنسفي.
(1)
أما إذا أدّيا معًا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه". (الهداية 3/ 13).
(2)
انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 209.
(3)
في نسخة (د): "العيون".
(4)
هو عبد الرشيد بن أبي حنيفة بن عبد الرزاق الوَلْوالجِي، أبو الفتح. إمام فاضل، له الفتاوى المعروفة بالولوالجية، وكتب الأمالي .. توفي بعد الأربعين وخمس مئة، رحمه الله تعالى. (تاج التراجم ص 188 رقم 140، الفوائد البهية ص 160، 161 رقم 199).
(5)
الزيادات للإمام أحمد بن عمر العتابي، رواها جماعة عنه، منهم أبو البركات النسفي وشمس الأئمة الكَرْدري وغيرهما. (كذا في الجواهر المضية 1/ 299).
وجاء في نسخة (د): "ونص في الزيادات العَتالي"!
كتاب المضاربة
المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الشريكين وعمل من الآخر، ولا تصح المضاربة إلا بالمال الذي بينا أن الشركة تصح به، ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعًا ولا يستحق أحدهما منه دراهم مسماة، ولا بد أن يكون المال مسلمًا إلى المضارب، ولا بد لرب المال فيه، وإذا صحت المضاربة مطلقة جاز للمضارب أن يشتري ويبيع ويسافر وبيضع ويوكّل، وليس له أن يدفع المال مضاربة إلا أن يأذن له رب المال في ذلك، وإن خصّ له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوز ذلك، وكذلك إن وقت للمضاربة مدة بعينها جاز وبطل العقد بمضيها، وليس للمضارب أن يشتري أبا رب المال ولا ابنه ولا من يعتق عليه فإن اشتراهم كان مشتريًا لنفسه دون المضاربة، وإن كان في المال ربح فليس له أن يشتري من يعتق عليه، وإن اشتراهم ضمن مال المضاربة، وإن لم يكن في المال ربح جاز له أن يشتريهم، فإن زادت قيمتهم عتق نصيبه منهم ولم يضمن لرب المال شيئًا، وسعى المعتق في قيمة نصيبه منه، وإذا دفع المضارب المال مضاربة ولم يأذن له رب المال في ذلك لم يضمن بالدفع ولا بتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن المضارب الأول المال لرب المال *، وإن دفع إليه مضاربة بالنصف فأذن له أن يدفعها مضاربة فدفعها بالثلث جاز، فإن كان رب المال قال له على أن ما رزق الله بيننا نصفان فلرب المال نصف الربح وللمضارب الثاني ثلث الربح وللأول السدس، وإن كان قال على أن ما رزقك الله بيننا نصفين فللمضارب الثاني الثلث وما بقي بين رب المال والمضارب الأول نصفين، فإذا قال له على أن ما رزق الله فلي نصفه، فدفع المال إلى آخر مضاربة بالنصف فللثاني نصف الربح ولرب المال النصف ولا شيء للمضارب الأول، فإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال نصف الربح وللمضارب الثاني نصف الربح ويضمن المضارب الأول للمضارب
كتاب المضاربة
قوله: (وإذا دفع المضارِب المال مضاربة ولم يأذن له ربُّ المال في ذلك لم يضمن بالدفع، ولا بتصرف المضارِب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن المضارب الأول المال لرب المال). قال في "الهداية"
(1)
: "هذا رواية الحسن
(1)
3/ 200.
الثاني مقدار سدس الربح في ماله. وإذا مات رب المال أو المضارب بطلت المضاربة، وإن ارتد رب المال عن الإسلام ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة، وإذا عزل رب المال المضارب فلم يعلم بعزله حتى اشترى وباع فتصرفه جائز، وإن علم بعزله والمال عروض فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك، ثم لا يجوز أن يشتري بثمنها شيئًا آخر، فإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير قد نضّت فليس له أن يتصرف فيه، وإذا افترقا وفي المال ديون وقد ربح فيه أجبره الحاكم على اقتضاء الديون وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء ويقال له وكِّل ربّ المال في الاقتضاء، وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح/ دون رأس المال، فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب فيه، وإن كانا اقتسما الربح والمضاربة بحالها ثم هلك المال أو بعضُه ترادّا الربح حتى يستوفي ربّ المال رأس المال، فإن فضل شيء كان بينهما، وإن نقص عن رأس المال لم يضمن المضارب، وإن كان اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها فهلك المال أو بعضه لم يترادّا الربح الأول، ويجوز للمضارب أن يبيع بالنقد والنسيئة، ولا يزوج عبدًا ولا أمة من مال المضاربة.
عن أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا عمل به ضَمِنَ، رَبِح أو لم يربح، وهو ظاهر الرواية"، وقال الإسبيجابي: "ثم قال صاحب "الكتاب": (وإذا ربح - الثاني - ضمن المضارب الأول)، والمشهور من المذهب أن رب المال بالخيار، إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني، في قولهم جميعًا".
قوله: (ولا يزوج عبدًا ولا أمة من مال المضاربة)، وعن أبي يوسف أنه يزوج الأمة، والمعتمد قولُهما عند الكل، كما اعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم.
كتاب الوكالة
الوكالة؛ كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره، ويجوز التوكيل بالخصومة * في سائر الحقوق وبإثباتها، ويجوز التوكيل بالاستيفاء إلا في الحدود والقصاص فإن الوكالة لا تصح باستيفائها مع غيبة الموكل عن المجلس، وقال أبو حنيفة: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضاء الخصم * إلا أن يكون الموكل مريضًا أو غائبًا مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فصاعدًا، وقالا: يجوز التوكيل بغير رضى الخصم. ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف وتلزمه الأحكام، والوكيل ممن يعقل العقد
كتاب الوكالة
قوله: (ويجوز التوكيل بالخصومة)، قال في "مختارات النوازل":"أي بالدعوى الصحيحة أو بالجواب الصحيح في سائر الحقوق وبإثباتها"، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لا يجوز في إثبات الحد والخصومة فيه، وقول محمد مضطربٌ، والأظهر أنه مع أبي حنيفة والصحيح قولهما".
قوله: (وقال أبو حنيفة: لا يجوز التّوكيلُ بالخُصُومة إلّا برضا الخَصْم .. الخ)، قال في "مختارات النوازل":"أي غير لازم"
(1)
، وقال الإمام قاضي خان
(2)
: "التوكيل بالخصومة لا يجوز عند أبي حنيفة، سواءً كان التوكيل من قِبَل الطالب أو من قبل المطلوب، وقال محمد والشافعي وأبو يوسف - الآخر - يجوز، ويستوي فيه الوضيع والشريف والرجل والمرأة، وبه أخذ أبو القاسم الصّفّار"، قال في "الحقائق":"وأبو الليث"، وقال في فتاوى العَتّابي:"هو المختار"، واختار قولَ الإمام أبي حنيفة الإمامُ المحبوبي والنسفي وصدرُ الشريعة وأبو الفضل الموصلي، ورُجِّح دليلُه في كل مصنَّف، وقال قاضي خان
(3)
: "وقال شمس الأئمة السَّرخسي
(4)
: الصحيح عندي أن القاضي إذا
(1)
وفي "الهداية" 3/ 136: "ولا خلاف في الجواز وإنما الخلاف في اللزوم".
(2)
"الفتاوى الخانية" 3/ 7.
(3)
المصدر السابق.
(4)
انظر "مبسوط السرخسي" 19/ 8.
ويقصده، فإذا وكل الحر البالغ أو المأذون له مثلهما جاز، وإن وكّل صبيًا محجورًا يعقل البيع والشراء أو عبدًا محجورًا جاز، ولا تتعلق بهما الحقوق وتتعلق بموكلهما. والعقود التي يعقدها الوكلاء على ضربين: كل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه مثل البيع والإجارة فحقوق ذلك العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل، فيسلم المبيع ويقبض الثمن ويطالب بالثمن إذا اشترى ويقبض المبيع ويخاصم في العيب، وكل عقد يضيفه إلى موكله كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد فإن حقوقه تتعلق بالموكل دون الوكيل، فلا يطالب وكيل الزوج بالمهر ولا يلزم وكيل المرأة تسليمها، وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن فله أن يمنعه إياه، فإن دفعه إليه جاز ولم يكن للوكيل أن يطالبه ثانيًا، ومن وكل رجلا بشراء شيء فلا بد من تسمية جنسه وصفته أو جنسه ومبلغ ثمنه، إلا أن يوكله وكالة عامة * فيقول ابتع لي ما رأيت، وإذا اشترى الوكيل وقبض المبيع ثم اطلع على عيب فله أن يردّ بالعيب ما دام المبيع في يده، فإن سلمه إلى الموكل لم يرده إلا بإذنه، ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم، فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد، ولا تعتبر مفارقة الموكل، وإذا
علم بالمدعي التّعَنُّت في إباء الوكيل يقبل التوكيل ولا يلتفت إليه، وإن علم من الموكل القصدَ إلى الإضرار بالمدعي لشغل
(1)
الوكيل بالحيَل والأباطيل والتلبيس لا يقبل منه التوكيل، وذكر شمس الأئمة الحَلْواني أن ذلك يفوَّض إلي رأي القاضي، وهذا قريب من الأول". وقال في "الحقائق":"وإليه مال الأُوْزْجَنْدي".
قلت: واختاره صاحب "الهداية" فقال في "مختارات النوازل": "والمختار في هذه المسألة أن القاضي إذا علم التعنّت من الآبِي يقبل توكيله من غير رضاه، وإذا علم أن الموكِّل قصد إضرار خصمه لا يقبل".
قوله: (إلا أن يوكّله وكالةً عامّة)، قال القاضي
(2)
:
(3)
"وكّلْتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي، لا تكون الوكالة عامة، ولو قال في جميع أموري الذي يجوز بها التوكيل، كانت الوكالة عامّة تتناول البياعات والأنكحة".
- "أنت وكيلي في كل شيء جائزٌ صنعُك
(4)
، عن محمد أنه وكيل في المعاوضات والإجارات والهبات والإعتاق، وعن أبي حنيفة أنه وكيل في
(1)
في (د): "الإضرار بالمدعى عليه ليشغل الوكيل".
(2)
"فتاوى قاضي خان" 3/ 2، وعزاه فيه إلى فتاوى الفقيه أبي جعفر رحمه الله.
(3)
سقطت هنا ورقتان من النسخة (جـ)، وهما:(40 ب، 41 أ، و 41 ب، 42 أ).
(4)
هذه الكلمة غير واضحة في (أ وب)، والمثبت من (د) و "الفتاوى الخانية" 3/ 2.
دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل، فإن هلك المبيع في يده قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن، وله أن يحبسه حتى يستوفي الثمن، فإن حبسه فهلك كان مضمونًا ضمان الرهن عند أبي يوسف، وضمان المبيع عند محمد *، فإذا وكل رجلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا فيه دون الآخر إلا أن يوكلهما بالخصومة أو بطلاق زوجته بغير عوض أو بعتق عبده بغير عوض أو برد وديعة عنده أو بقضاء دين عليه، وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به إلا أن يأذن له الموكل أو يقول له اعمل برأيك، فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز، وإن عقد بغير حضرته لم يجز، فإن أجازه الوكيل الأول جاز. وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة فإن لم يبلغه العزل فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم. وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونًا مطبقًا، ولحاقه بدار الحرب مرتدًا، فإذا وكل المكاتب ثم عجز، أو المأذون فحجر عليه أو الشريكان فافترقا، فهذه الوجوه تبطل الوكالة علم الوكيل أو لم يعلم، وإذا مات الوكيل أو جُنّ جنونًا مطبقًا * بطلت وكالته، وإن لحق بدار الحرب * مرتدًا لم يجز له التصرف إلا أن يعود مسلمًا. ومن وكل بشيء ثم تصرف بنفسه فيما وكل به
المعاوضات لا في الهبات والإعتاق، وعليه الفتوى"
(1)
.
- "ما صنعتَ في عبيدي فهو جائز، فأعتق الكلَّ جاز، وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وعليه الفتوى"
(2)
.
قوله: (كان مضمونًا ضمانَ الرّهن عند أبي يوسف، وضمانَ المبيع عند محمد)، وذكر في "الجامع" قول أبي حنيفة مع محمد، ورُجِّح دليلُهما في "الهداية"
(3)
، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (جنونًا مُطْبِقًا)، حَدَّه محمد بسَنةٍ، قال في "الاختيار"
(4)
: "وهو الصحيح"
(5)
.
قوله: (وإن لحق بدار الحرب)، قالوا هذا قول أبى حنيفة
(6)
، واعتمده النسفي والمحبوبي.
(1)
ذكره الناطفي رحمه الله تعالى، كما في "فتاوى قاضي خان" 3/ 2.
(2)
ذكره قاضي خان في "فتاواه" 3/ 3، عن أسد بن عمرو وأبي الليث الكبير رحمهما الله.
(3)
3/ 139.
(4)
2/ 163.
(5)
قال قاضي خان: "وأبو يوسف رحمه الله تعالى، أولاً قدره بأكثر من يوم وليلة، ثم رجع وقدّره بأكثر السنة". ("الفتاوى الخانية" 3/ 16)، وفي "البدائع" 6/ 38:"أن أبا يوسف حده بما يستوعب الشهر".
(6)
قال المرغيناني رحمه الله تعالى: "وهذا عند محمد رحمه الله، فأما عند أبي يوسف رحمه الله لا تعود الوكالة". (الهداية 3/ 150).
بطلت الوكالة. والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز أن يعقد عند أبي حنيفة مع أبيه وجده * وولده وولد ولده وزوجته وعبده ومكاتبه، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز بيعه لهم بمثل القيمة إلا في عبده ومكاتبه. والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير عند أبي حنيفة *، وقالا: لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس في مثله، والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها ولا يجوز بما لا يتغابن في مثله، والذي لا يتغابن فيه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، وإذا ضمن الوكيل بالبيع الثمن عن المبتاع فضمانه باطل، وإذا وكله ببيع عبده فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة *، وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف، فإن اشترى باقيه لزم الموكل، وإذا وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلا بدرهم من لحم يباع مثله عشرة بدرهم لزم الموكل منه عشرة بنصف درهم عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه العشرون *، وإذا وكله بشراء
قوله: (والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز أن يَعْقِد عند أبي حنيفة مع أبيه وجَدِّه .. الخ)، وقد رجّحوا دليلَه، واعتمده المحبوبي والنسفي والمَوْصلي وصدر الشريعة.
قوله: (والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير عند أبي حنيفة)، وروى الحسن عنه مثل قولهما، ورُجِّح دليلُ الإمام، وهو المعوَّل عليه عند النسفي، وهو أصح الأقاويل والاختيار عند المحبوبي ووافقه الموصلي وصدر الشريعة.
قال القاضي
(1)
: "واختلفت الروايات في الأجَل
(2)
، والصحيح: يجوز على كل حال .. وعن أبي يوسف: إن كان التوكيل بالبيع للحاجة إلى النفقة وقضاء الدين ليس له أن يبيع بالنسيئة، وعليه الفتوى".
قوله: (وإذا وكَّلَه ببيع عبده فباع نصفَه جاز عند أبي حنيفة)، وقالا: لا يجوز، واختار قولَه الإمامُ البرهانيّ والنسفي وصدرُ الشريعة.
قوله: (وإذا وكَّله بشراء عشرة أرطالِ لحم بدرهم، فاشترى عشرين بدرهم، من لحم يُباع مثلُه عشرة بدرهم، لزم الموكِّل منه عَشَرَةٌ بنصفِ درهم عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه العِشرون)، قال في "الهداية"
(3)
: "وذكر في بعض النسخ قول محمد مع قول أبي حنيفة، ومحمدٌ لم يذكر الخلاف في "الأصل""، وقد مشى على قول الإمامِ النسفيُّ والبرهاني وغيرُهما.
(1)
انظر "فتاوى قاضي خان" 3/ 23، ونقله المصنف مختصرًا.
(2)
أي في بيع الوكيل بثمن مؤجل.
(3)
3/ 139.
شيء بعينه فليس له أن يشتريه لنفسه فإن وكله بشراء عبد بغير عينه فاشترى عبدًا فهو للوكيل إلا أن يقول نويت الشراء للموكل أو يشتريه بمال الموكل، والوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عند أبي حنيفة *،
قوله: (والوكيل بالخصومة وكيل بالقَبْضِ عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد)، وقال زفر: لا يكون وكيلاً بالقبض، قال في "الهداية"
(1)
: "والفتوى اليوم على قول زفر لظهور الخيانة في الوكلاء، وقد يؤتمن على الخُصُومة من لا يؤتمن على المال، ونظيره الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية؛ لأنَّه في معناه وضعًا، إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع، والفتوى على أن لا يملك"، وقال الإسبيجابي:"وقال زفر: لا يكون وكيلاً بالقبض، وعليه الفتوى اليوم؛ لأنَّه قد يؤتمن على الخصومة ولا يؤمن على القبض"، وقال في "الينابيع":"واختيار المتأخرين في هذا واختيار مشايخ بَلْخ: أنه لا يملك القبض إلا بالنص عليه، وهو قول زفر، قال الفقيه: وبهذا نأخذ، ولأن الموكل لو كان موثوقًا به في حق القبض لَنَصَّ على القبض"، وقال الإمام الزَّوْزَني:"والفتوى اليوم على قول زفر لفساد وكلاء القضاة"، وقال في "الذخيرة":"وكثير من المشايخ أفْتَوا بقول زفر لفساد أحوال الناس وظهور الخيانات فيما بينهم، خصوصًا الوكلاء على أبواب القضاة"، وقال في "البدائع"
(2)
: "إن المتأخرين من أصحابنا قالوا إنه لا يملك في عرف ديارنا، لأن الناس في زماننا لا يرضون بقبض المتقاضي
(3)
كالوكلاء على أبواب القضاة، لتهمة الخيانة في أموال الناس". وقال في "الصُّغرى":"التوكيل بالتقاضي يعتمد العرف، إنْ كان في بلدة كان العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدَّين كان التوكيل بالتقاضي توكيلاً بالقبض وإلا فلا"، وهذا لفظه في التّتمّة، وقال في "الواقعات": "للوكيلِ بالخصومة أن يقبض الدّين في قول علمائنا، وكذا لِوكيل تقاضٍ
(4)
، وقال زُفَر: ليس لهما ذلك، وبه أخذ متأخروا مشايخنا".
وقال قاضي خان
(5)
: "قالوا بأن الوكيل بالتقاضي يملك القبض، وقال
(1)
3/ 146، 147.
(2)
6/ 25.
(3)
في نسخة (د): "وقبض التقاضي".
(4)
في نسخة (د): "الوكيل بالتقاضي".
(5)
"الفتاوى الخانية" 3/ 19.
والوكيل بقبض الدين وكبل بالخصومة فيه عند أبي حنيفة، وإذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره عليه.
الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل: الاعتماد في ذلك على العُرف، إن كان التوكيل في بلدة كان عُرف التجار فيها أن المتقاضي يقبض الدّين، كان التوكيل بالتقاضي توكيلاً بالقبض وإلا فلا .. قال قاضي خان: ينبغي أن يُنظر إلى المتقاضي؛ إن كان المتقاضي أمينًا يؤتمن عليه في ذلك المكان
(1)
كان التوكيل بالتقاضي توكيلاً بالقبض. وكذا لو بعث متقاضيًا من بلد إلى بلد كان له أن يقبض، وإن كان التوكيل
(2)
بالتقاضي من أعوان القاضي أو من أعوان السلطان أو من تلميذه الذي لا يؤتمن عليه لا يكون وكيلاً بالقبض، وينظر إلى المال أيضًا، إن كان المال خطيرًا لا يؤتمن في مثله على الوكيل بالتقاضي لا يكون للوكيل أن يقبض".
قوله: (والوكيل بقبض الدَّين وكيل بالخُصُومة فيه عند أبي حنيفة)، وقالا
- وهو رواية عن أبي حنيفة -: ليس بوكيل بالخصومة، وعلى قول الإمام مشى الإمامُ المحبوبي في أصحِّ الأقاويل والاختيارات، والنسفيُّ والمَوْصِلي وصدرُ الشريعة. وقيد بقبض الدَّين لأنّ الوكيل بقبض العَيْن لا يكون وكيلاً بالخصومة فيها بالإجماع، قاله في "الاختيار"
(3)
وغيره.
فرع؛ قاضي خان
(4)
: "رجل قدّم رجلاً إلى القاضي فقال: "إن لفلان بن فلان على هذا ألفَ درهم، وقد وكَّلَني بالخصومة فيها وفي كل حقٍّ له وبقبضه، وأقام البيّنة على ذلك جملةً، قال أبو حنيفة: لا أقبل البيّنة على المال حتى يقيم البينة على الوكالة، وإن أقام البينة على الوكالة والدَّين جملة يقضى بالوكالة ويعيد البينة على الدَّين، وقال محمد: إذا أقام البينة على الكل يقضى بالكل، ولا يحتاج إلى إعادة البينة على الدين ..
(5)
والفتوى على قوله لحاجة الناس".
قوله: (وإذا أقرّ الوكيلُ بالخُصُومة على موكِّله عند القاضي جاز إقراره،
(1)
كذا في النسخ المخطوطة (أ ب د)، وفي "فتاوى قاضي خان":"في ذلك المال".
(2)
كذا في النسخ المخطوطة، وفي "الفتاوى الخانية":"وإن كان الوكيل".
(3)
2/ 164.
(4)
انظر "الفتاوى الخانية" 3/ 9، 10.
(5)
ثم ذكر قاضي خان هنا ظاهر قول أبي يوسف ووجه قول الإمام، ثم قال:"ومحمد رحمه الله تعالى أخذ بالاستحسان لحاجة الناس، والفتوى على قوله".
ولا يجوز إقراره عليه عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد * إلا أنه يخرج من الخصومة، وقال أبو يوسف: يجوز إقراره عليه عند غير القاضي، ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه، فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانيًا ورجع به على الوكيل إن كان المال باقيًا في يده، وإن قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه.
ولا يجوز إقراره عليه عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد .. الخ)، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد"، [والله أعلم].
[فرع: قال أبو نصر الأقطع: "الموكِّل إذا ارتدّ ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلمًا، فإنّ الوكالة لا تعود في قولهم المشهور"]
(1)
.
(1)
هذا الفرع زيادة من نسختي: (جـ ود)، وهو فيهما قبل المسألة الأخيرة من هذا الكتاب (كتاب الوكالة).
كتاب الكفالة
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس وكفالة بالمال، فالكفالة بالنفس جائزة والمضمون بها إحضار المكفول به، وينعقد إذا قال تكفلت بنفس فلان أو برقبته أو بروحه أو بجسده أو برأسه أو بنصفه أو بثلثه، وكذلك إن قال ضمنته أو هو عليّ أو إليّ أو أنا به زعيم أو قبيل. فإن شرط في الكفالة تسليم المكفول به في وقت بعينه لزمه إحضاره إذا طالبه به في ذلك الوقت فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم، وإذا أحضره وسلمه في مكان يقدر المكفول له على محاكمته برئ الكفيل من الكفالة، وإذا تكفل على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق، برئ فإن سلمه في برّيّة لم يبرأ، وإذا مات المكفول عنه برئ الكفيل بالنفس من الكفالة، فإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فهو ضامن لما عليه وهو ألف، فإن لم يحضره في الوقت لزمه ضمان المال ولم يبرأ من الكفالة بالنفس، ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص * عند أبي حنيفة، قال أبو يوسف ومحمد: تجوز، وأما الكفالة بالمال فجائزة معلوما كان المال المكفول به أو مجهولاً إذا كان دينا صحيحًا مثل أن يقول تكفلت عنه بألف درهم أو بما لك عليه أو بما يدركك في هذا البيع، فالمكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه "الأصل" وإن شاء طالب كفيله،
كتاب الكفالة
قوله
(1)
: (كالحدود
(2)
والقصاص)، قال في "الهداية"
(3)
: "عند أبي حنيفة، معناه لا يجبر عليها
(4)
عنده، وقالا: يجبر في حدّ القذف".
(1)
كان ترتيب هذا القول وقعاً بعد الذي يليه، في النسخ الخطية (أ ب جـ د) فقدّمته ليوافق ترتيب "المختصر".
(2)
كذا في النسخ المخطوطة (أ ب جـ د) وصوابه: "في الحدود"، كما هي المسألة في "المختصر" و "الهداية"، وقد يكون سبب هذا الخطأ .. أن في كتاب الكفالة من "مختصر القدوري" عبارتان متشابهتان، الأولى بلفظ:(ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة)[الورقة: 46 ب] والثانية: (وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص)[الورقة: 47 أ] وهذه العبارة الثانية، أتت بعد المسألة التالية، أي بعد قوله:(وتجوز الكفالة بأمر المكفول .. الخ) وكما هو ترتيب المسائل في المختصر. مع أن فحوى التعليق الذي يذكره المصنف هنا، يتناسب أن يكون للمسألة المذكورة أولاً، وهي:(ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص .. ) والله تعالى أعلم.
(3)
3/ 90.
(4)
في الأصل ونسخة (ب ود): "عليهما" والمثبت من (جـ) والهداية.
ويجوز تعليق الكفالة بالشروط مثل أن يقول ما بايعت فلانًا فعلي وما لك عليه فعليّ أو ما ذأب لك عليه فعلي أو ما غصبك فعلي، وإذا قال تكفلت بما لك عليه فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل فإن لم تقم بينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به، وإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله، وتجوز الكفالة بأمر المكفول * عنه وبغير أمره، فإن كفل بأمره رجع بما يؤدي عليه، وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه، وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه، فإن لوزم بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه، فإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل، وإذا أبرأ الكفيل لم يبرأ المكفول عنه، ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرط. وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص، وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز وإن تكفل عن البائع بالمبيع لم يجز، ومن استأجر دابة فكفل رجل بالحمل ليحمل فإن كانت بعينها لم تصح الكفالة بالحمل، وإن كانت بغير عينها جازت الكفالة، ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في مجلس العقد * إلا في مسألة واحدة وهو أن يقول المريض لوارثه تكفل عني بما عليّ من الدين فتكفل عنه مع غيبة الغرماء جاز، وإذا كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل ضامن عن الآخر فما أدى أحدهما لم يرجع به على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة، وإذا تكفل اثنان عن رجل بألف وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فما
قلت: فسَّرَه بهذا لأن الإمامَ الإسبيجابي قال: "المشهور في قول علمائنا أن الكفالة بالنّفْس في الحدود والقصاص جائزة اختيارًا في المطلوب، أما القاضي لا يجبر على إعطاء الكفيل، وقال أبو يوسف ومحمد: يؤخذ منه الكفيل ابتداءً، واختار قولَ الإمامِ النسفيُّ والمحبوبي وغيرهما.
قوله: (وتجوز الكفالة بأمر المكفول
(1)
.. الخ)، قال القاضي
(2)
: "كل ما هو مطالب به حسًّا جازت الكفالة به، فإن أمر غيره بذلك إن قال على أن ترجع عليّ بذلك كان له أن يرجع عليه، وإن لم يقل على أن ترجع بذلك علي اختلفوا فيه، والصحيح أنه يرجع".
قوله: (ولا تصحّ الكفالة إلّا بِقَبُول المكفول له في مجلس العقد)، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يجوز إذا بَلَغه فأجاز، والمختار قولُهما عند المحبوبي والنسفي وغيرهما.
(1)
في الأصل ونسخة (ب): "الكفيل" والمثبت من نسخة (جـ).
(2)
"فتاوى قاضي خان" 3/ 62.
أداه أحدهما يرجع بنصفه على شريكه قليلا كان أو كثيرًا، ولا تجوز الكفالة بمال "الكتابة" حر تكفل به أو عبد، وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئًا فتكفل رجل عنه للغرماء لم تصح الكفالة عند أبي حنيفة *.
قوله: (وإذا مات الرجل وعليه دين ولم يترك شيئًا فكفل رجل عنه للغرماء لم تصحّ الكفالةُ عند أبي حنيفة، وقالا: تصح)، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل المَوْصلي وغيرهم.
كتاب الحوالة
الحوالة جائزة بالديون، وتصح برضى المحيل والمحتال والمحال عليه. وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يَتْوى حقه، والتّوى عند أبي حنيفة أحد الأمرين *: إما أن يجحد الحوالة ويحلف عليه ولا بينة عليه أو يموت مفلسًا، وقال أبو يوسف ومحمد فيه وجهًا ثالثًا وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياته، وإذا طالب المحتال عليه بمثل مال الحوالة عليه فقال المحيل أحلت بدين لي عليك لم يقبل قوله وكان عليه مثل الدين، وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به فقال إنما أحلتك لتقبضه لي وقال المحتال بل أحلتني بدين كان لي عليك فالقول قول المحيل. وتكره السفاتج وهي قرض استفاد به المقرض أمن خطر الطريق.
كتاب الحوالة
قوله: (والتَّوَى
(1)
عند أبي حنيفة بأحد أمرين .. الخ)، ومشى على قوله النسفيّ ورَجَّح دليله.
(1)
في "المُغرب" 1/ 61: "توِيَ المال: هلك وذهب، يتوى، فهو توٍ وتاوٍ".
كتاب الصلح
الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز، فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع عن مال بمال، وإن وقع عن مال بمنافع فيعتبر بالإجارات والصلح على السكوت والإنكار في حق المدعى عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة وفي حق المدعي بمعنى المعاوضة، وإذا صالح عن دار لم تجب فيها شفعة *، وإذا صالح على دار وجبت فيها الشفعة، وإذا كان الصلح عن إقرار فاستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعي بالخصومة ورد العوض، فإذا استُحِقّ بعض ذلك رد حصته ورجع بالخصومة فيه، وإن ادعى حقًا في دار لم يبينه فصولح من ذلك ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئًا من العوض لأن دعواه يجوز أن يكون فيما بقي، والصلح جائز من دعوى الأموال والمنافع وجناية العمد والخطأ ولا تجوز من دعوى حد، وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحًا وهي تجحد فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى جاز وكان في معنى الخلع، وإن ادعت امرأة نكاحًا على رجل فصالحها على مال بذله لها لم يجز *، وإن ادعى على رجل أنه عبده فصالحه على مال أعطاه جاز وكان في حق المدعي في معنى العتق على مال، وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحق بعقد المداينة لم يحمل على المعاوضة وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه كمن له على رجل ألف درهم جياد فصالحه على خمس مئة زيوف جاز وصار كأنه أبرأه من بعض حقه، ولو صالحه على ألف مؤجلة جاز فكأنه أجل نفس الحق ابتداءً، ولو صالحه على دنانير إلى شهر لم يجز، ولو كان له ألف مؤجلة فصالحه على خمس مئة حالة لم يجز، ولو
كتاب الصلح
قوله: (وإذا صالَحَ عن دارٍ لم تجب فيها الشُّفعة)، قال الإسبيجابي:"يريد به إذا صالح مع الإنكار أو السُّكوت"، ومثله في "الهداية"
(1)
.
قوله: (وإن ادّعَتْ امرأةٌ نكاحًا على رجل فصالحها على مال بذَلَه [لها] لم يَجُزْ)، هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها:(جاز)، ووجهه أن يجعل زيادة في مهرها.
(1)
3/ 188.
كان له ألف سود فصالحه على خمس مئة بيض لم يجز، ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عليه إلا أن يضمنه والمال لازم للموكل، فإن صالح عنه رجل بغير أمره فهو على أربعة أوجه: إن صالح بمال وضمنه تم الصلح ولزمه تسليمها وكذلك لو قال صالحتك على ألفي هذه تم الصلح ولزمه تسليمها، وكذلك لو قال صالحتك على ألف وسلمها، وإن قال صالحتك على ألف ولم يسلمها فالعقد موقوف فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف وإن لم يجزه بطل. وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب فشريكه بالخيار إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه وإن شاء أخذ نصف الثوب إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين، ولو استوفي نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض ثم يرجعان على الغريم بالباقي، ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعة كان لشريكه أن يضمن ربع الدين، وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز الصلح*، وإذا كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض جاز قليلاً كان أو كثيرًا ما أعطوه، فإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهبًا أو كان ذهبًا فأعطوه فضة فهو كذلك، فإن كانت التركة ذهبًا وفضة وغير ذلك
قوله: (وإذا كان السَّلَم بين شريكين فصالح أحدُهما من نصيبه على رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يجوز الصُّلح)، وهكذا ذكر الحاكم قول محمد مع أبي حنيفة، وهكذا في "الهداية"، وفي الإسبيجابي:"وقالا: لا يجوز الصلح"، وقول أبي حنيفة هو أصحّ الأقاويل عند المحبوبي وهو المختار للفتوى، على ما هو رسم المفتي عند القاضي وصاحب "المحيط"
(1)
، وهو المعوَّل عليه عند النَّسفي.
فرع: قال القاضي
(2)
: "ادّعى صاحبُ المال على المودَع الاستهلاكَ، والمودَع يدعي الرّدّ أو الهلاك، ثم صالحه على شيء، جاز الصُّلْح في قول محمد وأبي يوسف الآخر
(3)
واختلفوا في قول أبي حنيفة، والصحيح أنه لا يجوز في قوله، وهو قول أبي يوسف الأول، وعليه الفتوى".
(1)
مرّ في مقدمة المؤلف ص 125 عن "فتاوى قاضي خان" و"المحيط" أن المسألة إن كانت مختلفًا فيها بين أئمة المذهب الثلاثة، فإذا كان مع أبي حنيفة أحد صاحبيه أُخذ بقولهما لوفور الشرائط واستجماع أدلة الصواب فيها".
(2)
"فتاوى قاضي خان" 3/ 96.
(3)
في نسخة (جـ): "الأخير".
فصالحوه على فضة أو ذهب فلا بد أن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية الميراث، ولا بد من قبض حصته في المجلس، وإذا كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم فالصلح باطل، فإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه ولا يرجعوا عليهم بنصيب المصالح فالصلح جائز.
كتاب الهبة
الهبة تصح بالإيجاب والقبول وتتم بالقبض، فإن قبض الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز، وإن قبض بعد الافتراق لم يصح إلا أن يأذن له الواهب في القبض، وتنعقد الهبة بقوله وهبت ونحلت وأعطيتك وأطعمتك هذا الطعام وجعلت هذا الثوب لك وأعمرتك هذا الشيء وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحملان الهبة، ولا تجوز الهبة فيما ينقسم إلا محوزة مقبوضة مقسومة، وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة، ومن وهب شقصًا مشاعًا فالهبة فاسدة فإن قسمه وسلمه جاز، ولو وهب دقيقًا في حنطة أو دهنًا في سمسم فالهبة فاسدة فإن طحن وسلم لم يجز، وإذا كانت العين في يد الموهوب له ملكها بالهبة وإن لم يجدد فيها قبضًا *، وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد وإن وهب له أجنبي هبة تمت بقبض الأب، وإذا وُهب لليتيم هبة قبضها وليه جاز، فإن كان في حجر أمه فقبْضها له جائز، وكذلك إن كان في حجر أجنبي يربيه فقبضه له جائز، وإن قبض الصبي الهبة بنفسه جاز، وإذا وهب اثنان من واحد دارًا جاز، وإذا وهب واحد من اثنين لم تصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد تصح *. وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها إلا أن يعوضه عنها أو يزيد زيادة متصلة أو يموت أحد المتعاقدين أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له، وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا رجوع فيها، وكذلك ما وهبه أحد الزوجين للآخر، وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلاً عنها أو في مقابلتها فقبَضه الواهب سقط الرجوع، وإن عوضه أجنبي عن
كتاب الهبة
قوله: (وإذا كانت العين الموهوبة في يدِ الموهوب له مَلَكَها بالهبة، وإن لم يجدِّد فيها قبضًا)، قال في "الينابيع":"يريد به إذا كانت العين في يده وديعة أو عارية أو مغصوبة أو مقبوضة بالعقد الفاسد، أما لو كانت في يده رهنًا يحتاج إلى تجديد القبض"، قال الإسبيجابي:"بأن يرجع إلى موضع فيه العين ويمضي وقت يتمكن من قبضها".
قوله: (وإن وهب من اثنين واحد لم يصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يصح)، وقد اتفقوا على ترجيح دليل الإمام، واختار قولَه أبو الفضل المَوْصلي وبرهانُ الأئمة المحبوبي وأبو البركات النسفي.
الموهوب له متبرعًا فقبض العوض سقط الرجوع، وإذا استُحق نصف الهبة رجع بنصف العوض، وإذا استحق نصف العوض لم يرجع بنصف الهبة إلا أن يرد ما بقي من العوض ثم يرجع، ولا يصح الرجوع في الهبة إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم، وإذا تلفت العين الموهوبة واستحقها مستحق فضمن الموهوب له لم يرجع على الواهب بشيء، وإذا وهب بشرط العوض اعتبر التقابض في العوضين وإذا تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع وترد بالعيب وخيار الرؤية وتجب فيه الشفعة. والعمرى جائز للمعمر في حال حياته ولورثته من بعده، والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف جائزة *. ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء، والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض ولا تجوز في مشاع يحتمل القسمة، وإذا تصدق على فقيرين بشيء جاز، ولا يصح الرجوع في الصدقة بعد القبض، ومن نذر أن يتصدق بماله لزمه أن يتصدق بجنس ما تجب فيه الزكاة، ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع ويقال له أمسك ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب، فإذا اكتسبتَ مالاً تصدقت بمثل ما أمسكت.
قوله: (والرُّقْبى
(1)
باطلة عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: جائزة)، قال الإسبيجابي: "وهو قول الشافعي، وصفته أن يقول: هذه الدار لك رقبى، والصحيح قولنا
(2)
".
(1)
وفي "طلبة الطلبة"، كتاب الهبة ص 235:"هو أن يقول صاحب الدار أو نحوها: هذه الدار لأيِّنا بقي بعد صاحبه، يعني إن متُّ أنا فهي لك، وإن متَّ أنت فهي لي .. وهذا الفعل يسمى إرقابًا، وهو مأخوذ من قولك: رقبت الشيء رقوبًا".
(2)
كذا في الأصل و (جـ)، وفي "اللباب" 2/ 178 - نَقلاً عن "تصحيح" القدوري -:"والصحيح قولهما".
كتاب الوقف
لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة إلا أن يحكم به حاكم أو يعلقه بموته * فيقول إذا مت فقد وقفت داري على كذا، وقال أبو يوسف: يزول الملك بمجرد القول *، وقال محمد: لا يزول الملك حتى يجعل للوقف وليًا ويسلمه إليه، * وإذا صح
كتاب الوقف
قوله: (لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة إلا أن يحكم به الحاكم أو علقه بموته)، قال في "الجواهر":"مراده أي لا يلزم، فيصح الرجوع ويجوز بيعه بعد الوقف، لا أن مراده لا حكم له أصلاً".
قوله: (إلا أن يحكم به حاكم)، قال في "التحفة"
(1)
: "بناء على دعوى صحيحة وشهادة قائمة على ذلك وإنكار الواقف .. وهذا إذا كان من رأي القاضي أن الوقف صحيح لازم لا يجوز نقضه بحال، وهو من أهل الاجتهاد".
قوله: (وقال أبو يوسف: يزول بمجرّد القول)، قال في "الجواهر":"أي يصح في المشاع وغير المشاع، سلّم إلى المتولي أولم يسلم، ذكر جهة لا تنقطع أو تنقطع".
قوله: (وقال محمد: لا يزول حتى يجعل للوقف وليًّا فيسلمه إليه)، قال في "التحفة"
(2)
و"الاختيار"
(3)
: "ثم عند محمد؛ لصحة الوقف أربعة شرائط: التسليم إلى المتولي، وأن يكون مفرزاً، وأن لا يشترط لنفسه شيئاً من منافع الوقف، وأن يكون مؤبداً بأن يجعل آخرَه للفقراء".
قلت: الثالث ليس فيه رواية ظاهرة عنه، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وقال في "الفتاوى الصغرى" في كتاب الإجارات، وفي آخر كتاب الوقف:"إن الفتوى في جواز الوقف على قول أبي يوسف ومحمد"، وقال في
(1)
"تحفة الفقهاء" 3/ 377،376.
(2)
"تحفة الفقهاء" 3/ 377.
(3)
"الاختيار لتعليل المختار" 3/ 41.
الوقف على اختلافهم يخرج من ملك الواقف ولم يدخل في ملك الموقوف عليه. ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف، وقال محمد لا يجوز *. ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة
" الحقائق": "قال في "التتمة" و"العون": [إن]
(1)
الفتوى على قولهما"، وقال في "مختارات النوازل": "والفتوى اليوم على إمضائه"، وقال في "الخلاصة"
(2)
: "وأكثر أصحابنا أخذوا بقولهما"، وقال في "منية المفتي"
(3)
: "الفتوى في الوقف على قول أبي يوسف ومحمد، ثم إن مشايخ بَلْخ اختاروا قول أبي يوسف، ومشايخ بخارى اختاروا قول محمد"، قال في "المحيط":"ومشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف ترغيبًا للناس، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد"، وقال صاحب "الهداية" في "التجنيس"
(4)
: "ومشايخ بلخ أخذوا بقول أبي يوسف، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد، وبه يفتى، ثم قال: وقول محمد هو المختار للفتوى"، وقال في "الخلاصة"
(5)
: "ثم إن أبا يوسف في قوله الأول ضيّق غاية التضييق كما هو قول أبي حنيفة، وفي قوله الآخر وسّع غاية التوسعة، ومحمد توسط بينهما، ولهذا أخذ عامة المشايخ بقوله" انتهى. وسيأتي مفصلاً
(6)
، والله أعلم.
قوله: (ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف، وقال محمد: لا يجوز)، قال في "الهداية"
(7)
: "هذا فيما يحتمل القسمة، فأما فيما لا يحتمل القسمة فيجوز مع الشيوع عند محمد"، انتهى. وأكثر المشايخ أخذوا بقول محمد، قال في "الحقائق":"وكذا لا يصح وقف المشاع عنده، وعليه الفتوى". وقال في "التجنيس" - بعلامة النون -: "به نفتي"، وقال في "التجنيس"
(1)
زيادة من نسخة (جـ)، وفي (د):"قال في التتمة والعيون"، بدل (العون).
(2)
"خلاصة الفتاوى" 4/ 409.
(3)
كتاب "منية المفتي"، تأليف الشيخ الإمام يوسف بن أبي سعد أحمد السجستاني، المتوفى بعد سنة 638، لخص فيه نوادر الواقعات. (تاج التراجم ص 319 رقم 317، كشف الظنون 2/ 1887، هدية العارفين 2/ 554).
(4)
قال في "كشف الظنون" 1/ 352، 353:"التجنيس والمزيد وهو لأهل الفتوى غير عتيد، في الفتاوى، للإمام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني .. ذكر فيه أنه كتاب لبيان ما استنبطه المتأخرون ولم ينصّ عليه المتقدمون إلا ما شذ عنهم في الرواية".
(5)
"خلاصة الفتاوى" 4/ 409.
(6)
في (د): "وسيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى".
(7)
3/ 16.
ومحمد حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا، وقال أبو يوسف: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم *. ويصح وفق العقار، ولا يجوز وقف ما ينقل
و"الواقعات": "رجل وقف مشاعًا لم يجز في قول محمد، وبه يفتى، فإن رُفع إلى قاضٍ فقضى بجوازه جاز في حقّ الكل، لاْنه مختلف فيه فيصير متفقًا عليه باتصال القضاء به". وقال في "التجنيس" و"الفتاوى الكبرى": "وقَفَتْ دارًا في مرضها على ثلاث بنات لها وآخره للفقراء، ولا مال لها غيرها ولا وارث لها غيرهنّ، فثلث الدار وقف عند أبي يوسف وأما عند محمد فلا يجوز، وبه يفتى، وكذا في التسليم إلى المتولي"، قال في "التجنيس":"إلّا أن التسليم إلى المتولي عند أبي يوسف ليس بشرط وعند محمد شرط، وبه يفتى". وقال في أرض جعلها وقفًا وزرعها: "يتأتى على قول من لا يشترط التسليم، أما على قول من يشترط التسليم، وهو المختار للفتوى: لا يتأتى". [و] قال قاضي خان في وقف الحُجرة: "تصير وقفًا إذا سلمها إلى المتولي، وعليه الفتوى"
(1)
.
قوله: (ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا، وقال أبو يوسف: إذا سمّى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم)، قوله:(وصار بعدها للفقراء)، هذا أحد الروايتين عنه، وعنه أنه يعود إلى الورثة، ذكره في "المبسوط" وفي "أجناس" الناطفي، وقال فيه:"فحصل عنه روايتان"، صحَّحَ في "الهداية" رواية القدوري
(2)
، وذكرها في "مختارات النوازل"، ثم قال:"وقيل ذكرُ التأبيد شرط عند محمد، والصحيح أنه قول الكل".
قلت: لكن قد يستغنى عن ذكره بالعرف في الألفاظ.
قال في "التجنيس": "قال: أراضي هذه موقوفة، أو قال: جعلت أرضي هذه وقفًا، فإن هذه تكون وقفًا، على الفقراء في قول أبي يوسف خاصة، وكان مشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف، ونحن أيضًا نفتي بقوله لمكان العرف، إلا أن التسليم إلى المتولي شرط عند محمد، وبه يفتى"، وهكذا ذكر في "الفتاوى الكبرى".
(1)
قال الإمام قاضي خان في "فتاويه" 3/ 291: "رجل قال: جعلت حجرتي هذه لدهن سراج المسجد ولم يزد على ذلك، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى: تصير الحجرة وقفًا على المسجد إذا سلمها إلى المتولي، وعليه الفتوى".
(2)
انظر "الهداية" 3/ 17.
ويحول *. وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده جاز،* وقال محمد: يجوز حبس الكراع والسلاح *. وإذا صح الوقف لم يجوز بيعه ولا تمليكه إلا أن
قوله: (ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول)، قال في "الهداية"
(1)
: "هذا على الإرسال - أي الإطلاق - قول أبي حنيفة".
قلت: الفتوى في الوقف على قولهما، وفيه ما سيأتي.
واختلفوا فيما فيه تعامل ظاهر
(2)
، قال أبو يوسف: لا يجوز، وقال محمد: يجوز، قال في "الهداية":"وأكثر فقهاء الأمصار على قول محمد"
(3)
، وفي "الخلاصة"،
(4)
: "وإليه ذهب عامة المشايخ، منهم السرخسي".
قوله: (وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعة ببقرها وشربها وأكرتها، وهم عبيده جاز)، قال في "الهداية"
(5)
: "ومحمد رحمه الله معه فيه".
قوله: (وقال محمد: يجوز حبس الكُراع والسلاح)، قال في "الهداية"
(6)
: "معناه وقْفُه في سبيل الله، وأبو يوسف معه فيه على ما قالوا، وهذا استحسان .. ووجهه
(7)
الآثار المشهورة فيه
(8)
.. والكُراع: الخيل".
وقال في "الجواهر": "تخصيص أبي يوسف في الضيعة، وتخصيص محمد في الكراع باعتبار أن الرواية نصًّا جاءت عن أبي يوسف في الضيعة ببقرها، وفي الكراع جاءت عن محمد نصًا، لا أن
(9)
ذكر أبي يوسف لأجل
(1)
3/ 17.
(2)
كالفأس والمَرّ والقدّوم والمنشار والجِنازة وثيابها والقدور والمراجل والمصاحف. (الهداية 3/ 18).
(3)
ثم قال صاحب الهداية رحمه الله: "وما لا تعامل فيه لا يجوز عندنا وقفه". (الهداية 3/ 18).
(4)
خلاصة الفتاوى 4/ 417.
(5)
3/ 17.
(6)
3/ 17، 18.
(7)
في الأصل: "ووجه".
(8)
روى البخاري في "صحيحه"، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:(وفي الرقاب .. )، 2/ 156 رقم 1468 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه وأعتُدَه في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب فعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها".
(9)
في (جـ): "لأن".
يكون مشاعًا عند أبي يوسف فيطلب الشريك القسمة فتصح مقاسمته، والواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشرطه، فإن وقف دارًا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى، فإن امتنع من ذلك أو كان فقيرًا أجره الحاكم وعمرها بأجرتها، فإذا عمرت ردها إلى من له السكنى. وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه الحاكم حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيها، ولا يجوز أن يقسمه بين مستحقي الوقف. وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف،*
خلاف محمد، وذكر محمد لأجل خلاف أبي يوسف" انتهى.
قلت: وقد علمت أن الفتوى في الوقف على قولهما، والله أعلم.
قوله: (وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف)، أما الفصل الأول
(1)
؛ فقال في "الهداية"
(2)
: "ولا يجوز على قياس قول محمد .. وقيل: الخلاف بينهما بناء على الاختلاف في اشتراط القبض - أي قبض المتولي - وقيل: هي مسألة مبتدأة"، قال في الشرح
(3)
: "وهو أوجه"، وقال قاضي خان
(4)
: "قال الفقيه أبو جعفر: وليس في هذا عن محمد رواية ظاهرة"، وقال في "الذخيرة": "وليس عن محمد رواية ظاهرة في هذه الصورة [و] اختلف المشايخ على قوله، بعضهم قال لا يجوز عنده لأن الإخراج من يده والتسليم إلى المتولي شرط، وبعضهم قالوا: على قول محمد يجوز، وكان الفقيه أبو بكر الإسْكاف
(5)
يجيز أن يشترط الواقف لنفسه الأكل فيقول على أني آكل منه، ولا يجيز الوقف على نفسه، وكان يقول الوقف على نفسه خرج مخرج الفساد فيبطل، وشرط الأكل لنفسه خرج بعد خروج الوقف على وجه الصحة فصح"، وقال الطَّحَاوي في كتاب "اختلاف الفقهاء"
(6)
: "إنما
(1)
وهو إذا جعل الواقف غلّة الوقف لنفسه.
(2)
3/ 19، 20.
(3)
"شرح الهداية" لابن الهمام 5/ 437.
(4)
"الفتاوى الخانية" 3/ 318.
(5)
أبو بكر الإسكاف: محمد بن أحمد البلْخي، إمام كبير جليل القدر، أستاذ أبي جعفر الهِنْدُواني، مات سنة 336، رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 76 و 4/ 15، 16 رقم 1879، والفوائد البهية ص 263، 264 رقم 331).
(6)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" تصنيف أبي جعفر الطحاوي، اختصار أبي بكر الجصاص الرازي، تحقيق عبد الله نذير أحمد 4/ 164.
. . . . . . . . . . . .
يصح الوقف في منافع الأشياء التي يملكُها الواقف، فيجعلها لغيره، فلا يجوز شرطها لنفسه لأنَّه لا يجوز أن يملّك نفسه ما هو مالكُه، وأما عُمَر [رضي الله عنه] فإنما شرط ذلك لمن يليه من غيره
(1)
". وقال قاضي خان
(2)
: "ومشايخ بلخ أخذوا بقول أبي يوسف، وقالوا يجوز الوقف والشرط جميعًا، وذكر الصدر الشهيد
(3)
أن الفتوى على قول أبي يوسف ترغيبًا للناس في الوقف"، وقال في "الفتاوى الصغرى": "نصّ شيخ الإسلام في وقفه الفتوى على أنه يجوز"، وقال في "التتمة": "ومشايخ بلخ أخذوا بقول أبي يوسف، وعليه الفتوى ترغيبًا للناس في الوقف"، واعتمده النسفي وأبو الفضل الموصلي.
وأما الفصل الثاني
(4)
؛ فاعتمده النسفي، وقال الطحاوي
(5)
: "ولمّا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لعمر إخراجها عن يده
(6)
دلّ على جوازه غير مقبوض، قلت: وقال الخصّاف: [حدّ] ثنا الواقدي
(7)
قال: قال لي أبو يوسف: ما عندك في وقف عمر بن الخطاب [رضي الله عنه]؟ فقلت: حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن عاصم بن عبد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: شهدت كتاب عمر حين وقف وقفه أنه في يده، فإذا توفي فهو إلى حفصة بنت عمر، فلم يزل عمر يلي وقفه إلى أن توفي، ولقد رأيته هو بنفسه
(1)
يشير رحمه الله إلى قول عمر رضي الله عنه في وقفه: "لا جناح على من وَليَها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متموّل فيه" رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب 3/ 259 رقم 2772، ومسلم في "صحيحه"، كتاب الوصية، باب الوقف 3/ 1255 رقم 1632.
(2)
"الفتاوى الخانية" 3/ 318.
(3)
في نسخة (د): "وذكر صدر الشريعة".
(4)
وهو جعلُ الواقف ولاية الوقف لنفسه.
(5)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 159.
(6)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أصبت أرضًا لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به"؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها عمر .. الخ الحديث، وقد مرّ تخريجه.
(7)
هو محمد بن عمر السهمي، أبو عبد الله الواقدي، من حفّاظ الحديث، ولد في المدينة المنورة سنة 130 وتوفي ببغداد سنة 207، من كتبه: المغازي والطبقات وتاريخ الفقهاء، وغيرها. (الأعلام 6/ 311).
. . . . . . . . . . . . . . .
يقسم تمرة
(1)
تمغ في السنة التي توفي فيها ثم صار إلى حفصة، فقال أبو يوسف: هذا الذي أخذنا به"، وقال في "الهداية": "إنه ظاهر المذهب" واستدل له دون مقابلِه
(2)
، وخالف ذلك في "التجنيس" فقال:
- "رجل وقف وقفًا ولم يذكر الولاية لأحد فالولاية للواقف وهو أولى بالقيام عليه، هكذا ذكر هنا، وهذا يتأتى على قول أبي يوسف؛ لأن التسليم عنده للمتولي ليس بشرط، أمّا لا يتأتى على قول محمد، وبقول محمد يفتى.
- رجل وقف ضيعة له وأخرجها من يده إلى القيّم ثم أراد أن يأخذ [ها] منه قهرًا، [فهذا]
(3)
على وجهين: إما أنْ شَرَطَ لنفسه في الوقف أنّ إليه العزل والإخراج من يد القيم، أو لم يشرِط، ففي الوجه الأول له ذلك لأن شرط الواقف يراعى. وفي الوجه الثاني على قول محمد ليس له ذلك، وفي قول أبي يوسف له ذلك بناء على أن الوقف لا يصح إلا بالتسليم إلى المتولي عند محمد ولا يكون المتولي وكيل الواقف، وعند أبي يوسف يصح فيكون المتولي وكيل الواقف فله أن يعزله عن الوكالة، ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف، وهذا أخذ به الفقيه أبو الليث
(4)
، ومشايخ بخارى يفتون بقول محمد، وبه نُفتي. ن
(5)
.
الواقف إذا شرط في الوقف الولاية لنفسه ولأولاده في عزل القُوّام والاستبدال بهم جاز، نص عليه في "السِّيَر الكبير"، فلو لم يشترط قال محمد لا ولاية له، والولاية للقيم، ولو مات لا ولاية لوصيه، وعند أبي يوسف يصح بدون التسليم فإذا سلم كان وكيلاً ينعزل بموته إلا إذا جعله قيمًا في حياته وبعد وفاته، فحينئذ يصير قيّمًا، والفتوى على قول محمد.
- رجل قال: جعلت حجرتي لدهن سراج المسجد ولم يزد على هذا صارت الحجرة وقفًا على المسجد كما قال، حتى لو أراد أن يرجع لا يملك،
(1)
في (جـ): "ثمرة ثمغ".
(2)
وذلك دليل الترجيح عند المرغيناني، انظر "الهداية" 3/ 20.
(3)
زيادة من نسختي (د وجـ).
(4)
في نسخة (أ): "أبي الليث".
(5)
كذا في النسخ المخطوطة (أ ب جـ د).
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
يريد به بعد التسليم إلى المتولي على ما اخترناه للفتوى، وليس للمتولي أن يصرف إلى غير الدهن.
- رجل قال: أرضي هذه صدقة موقوفة فإن هذه
(1)
تكون وقفًا إلا أن التسليم إلى المتولي عند أبي يوسف ليس بشرط وعند محمد شرط، وبه يفتي"، انتهى
(2)
.
وقال قاضي خان
(3)
: "رجل وقف أرضًا على جهة ولم يشترط الولاية لنفسه ولا لغيره ذكر هلال
(4)
والناطفي أن الولاية تكون للواقف، وذكر محمد في "السير الكبير" أنه إذا وقف ضيعة وأخرجها إلى القيم لا تكون له الولاية بعد ذلك إلا أن يشترط الولاية لنفسه، وكذا لو مات الواقف وله وصي فالولاية تكون للقيم دون الوصي، ومن المشايخ من قال: الواقف أحق بالولاية وله أن يأخذها من المتولي ما لم يقضِ القاضي، يعني ما لم يقض القاضي بلزوم الوقف، وهذه المسألة بناء على أن عند محمد التسليم إلى المتولي شرط لصحة الوقف، فلا يبقى له ولاية بعد التسليم إلا أن يشترط الولاية لنفسه، أما على قول أبي يوسف التسليم إلى المتولي ليس بشرط فكانت الولاية للواقف وإن لم يشترط الولاية لنفسه، ومشايخ بَلْخ أخذوا بقول أبي يوسف، ومشايخنا بقول محمد" انتهى. فأفاد أن عند محمد يجوز أن يشترط الولاية لنفسه.
وأورد على هذا في "شرح"الهداية""
(5)
: "أن مقتضى اشتراط محمد التسليم إلى القيم أن لا يثبت للواقف ولاية وإن شرطها لنفسه لأنَّه ينافي هذا الشرط، [و] أجيب بوجهين:
(1)
في نسخة (جـ): "فإنه بعده يكون وقفًا".
(2)
أي ما نقله من كتاب "التجنيس" للمرغيناني.
(3)
"الفتاوى الخانية" 3/ 295.
(4)
هو هلال بن يحيى بن مسلم الرأيُ البصري، أخذ الفقه عن أبي يوسف وزفر، قيل له هلال الرأي لسعة علمه وكثرة فقهه، كما قيل: ربيعة الرأي. له مصنف في الشروط وكان مقدّمًا فيه، وله "أحكام الوقف". كانت وفاته سنة 245 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 572، 573 رقم 1779، تاج التراجم ص 312، 313 رقم 309، الفوائد البهية ص 368 رقم 494).
(5)
انظر "فتح القدير" لابن الهمام 5/ 442.
وإذا بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن للناس في الصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال عند أبي حنيفة ملكه، وقال أبو يوسف: يزول
أحدهما: أن تأويل ذلك أن يكون شَرَطَ الولاية لنفسه ثم سلمها إلى المتولي فإن الولاية تكون له ..
والآخر: أن معنى قول محمد "إن شرط الولاية لنفسه فهي له" أنه إذا شرط الولاية لنفسه يسقط شرْط التسليم عند محمد أيضًا لأن شروط الواقف تراعى، ومن ضرورته سقوط التسليم، قال السِّغْناقي في "النهاية"
(1)
: "كذا وجدت في موضع بخط ثقة" انتهى.
قلت: فعلى هذا مسألة "الكتاب" لا خلاف فيها وإنما الخلاف فيما إذا لم يشترط، وعلى الجواب الأول إنه لا يستغني عن التسليم مع الشرط.
[وقد بيّن شمس الأئمة في "شرح السير الكبير" معنى شرط الولاية بما يسقط معه الإشكال فيستغنى عن الجواب بوجهه فقال: ولو دفعه إلى قيّم وشرط أنه إن مات القيم قبله فله أن يقيم فيه من أحبّه، جاز الشرط والحبس لأنَّه أخرجه من يديه بهذا الشرط فيراعى كشرط آخر، ولم يمنع هذا الشرط إخراجه من يديه فتم الحبس، ولا يبطل بعوده إلى يده كيد غيره، وكذا لو شرط قيّمًا بعد قيم فذلك إليه، وليس للقيم الأول أن يجعله لغير من شرطه له الحابس، كما اعتبر شرطه في القيم الأول فيتعيّن في غيره، وهكذا وقوف السلف رحمهم الله، ولأن مثل هذا الشرط في ولاية السلطنة والإمارة]
(2)
.
وقد تقدم اختيار المتأخرين لقول محمد، والله أعلم.
قوله: (وإذا بنى مسجدًا لم يزُل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه، ويأذن للناس في الصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة،
(1)
السِّغْناقي هو حسين بن علي بن حجاج، الملقب بحسام الدين، الإمام الفقيه. تفقه على الإمام محمد بن محمد بن نصر البخاري وفوض إليه الفتوى وهو شاب. شرح الهداية وسمى الشرح:"النهاية"، توفي رحمه الله بحلب سنة 710. (الجواهر المضية 2/ 114 - 116، رقم 507، تاج التراجم ص 160 رقم 96، كشف الظنون 2/ 2032، وجاءت نسبته في هذه المصادر هكذا: الصغناقي، وانظر الفوائد البهية ص 106 رقم 118).
(2)
هذه الفقرة زيادة من النسخة المصرية (جـ).
ملكه عنه بقوله جعلته مسجدًا، * ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانًا ليسكنه بنو
وقال أبو يوسف يزول ملكه عنه بقوله جعلته مسجدًا)، قال في "الهداية"
(1)
: "أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلّا به، وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد"، وقال قاضي خان
(2)
: "قال محمد - وهو قياس قول أبي حنيفة -: لا يزول ملكه قبل التسليم وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي".
قلت: فاستفدنا موافقة شمس الأئمة لمن تقدم في اشتراط التسليم. قال في "الهداية"
(3)
: "ثم تكفي صلاة الواحد فيه، في رواية عن أبي حنيفة، وكذا عن محمد .. وعن محمد أنه يشترط الصلاة بالجماعة"، وقال قاضي خان
(4)
: "وعن أبي حنيفة فيه روايتان، في رواية الحسن عنه يشترط أداء الصلاة بالجماعة بإذنه، اثنان فصاعدًا، كما قال محمد، وفي رواية
(5)
أخرى عن أبي حنيفة: إذا صلى [فيه] واحد بإذنه يصير مسجدًا، إلا أن بعضهم قالوا: إذا صلى فيه واحد بأذان وإقامة، وفي ظاهر الرواية لم يذكر هذه الزيادة .. والصحيح رواية الحسن؛ لأن قبض كل شيء وتسليمه يكون بحسب ما يليق به، وذلك في المسجد بأداء الصلاة بالجماعة، أما الواحد يصلي في كل مكان.
وعلى قول أبي يوسف: التسليم ليس بشرط لا في المسجد ولا في غيره من الأوقاف، فإذا قال: جعلت هذا مسجدًا وأذن للناس بالصلاة فيه يتم ذلك. ثم على الرواية التي لا يشترط أداء الصلاة بالجماعة عند أبي حنيفة إذا بنى مسجدًا وصلى هو فيه وحده هل يصير مسجدًا؟ اختلفوا فيه قال بعضهم: يصير مسجدًا لأن محمدًا ذكر في "الكتاب" أن على قول أبي حنيفة لا يصير مسجدًا حتى يُصلَّى فيه، وقوله ([حتى] يُصلّى فيه) فعل ما لم يسمَّ فاعله، فيدخل فيه الباني وغيره، وقال بعضهم صلاته لا تكفي، وهو الصحيح؛ لأن
(1)
3/ 21.
(2)
"الفتاوى" 3/ 289، 290.
(3)
3/ 21.
(4)
"الفتاوى الخانية" 3/ 290.
(5)
في "الفتاوى": "وقال محمد رحمه الله تعالى في رواية أخرى عن أبي حنيفة .. ".
السبيل أو رباطًا، أو جعل أرضه مقبرة لم يزل ملكه عن ذلك عند أبي حنيفة حتى يحكم به الحاكم *، وقال أبو يوسف: يزول ملكه بالقول *، وقال محمد: إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك *.
الصلاة إنما تشترط لأجل القبض للعامّة وقبضه لا يكفي، فكذلك صلاته. ولو بنى مسجدًا وسلم إلى المتولي، هل يصير مسجدًا قبل أداء الصلاة؟ لا رواية فيه عن أصحابنا، واختلف المشايخ فيه، قال بعضهم يصير مسجدًا ويتم كما تتم سائر الأوقاف بالتسليم إلى المتولي، وقال بعضهم: لا يصير مسجدًا بالتسليم إلى المتولي، وهو اختيار شمس الأئمة؛ لأن قبض كل شيء يكون بما يليق به، كقبض الخان بنزول واحد من المارة فيه بإذنه"، انتهى.
واستفدنا منه أن ما عن محمد روايةٌ عن أبي حنيفة وهو الصحيح، وأن عند أبي يوسف الإذن بالصلاة مع قوله جعلته مسجدًا، وهو زيادة على ما في "الكتاب"
(1)
.
قوله: (ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانًا يسكنه بنو السبيل أو رباطًا، أو جعل أرضَه مقبرة لم يزُل مِلكه عن ذلك عند أبي حنيفة حتى يحْكم به حاكم)، كما في الوقف على الفقراء، بخلاف المسجد فإنه لا يحتاج إلى الحكم.
قوله: (وقال أبو يوسف: يزول مِلكه بالقول) كما هو أصله.
قوله: (وقال محمد إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقْبُرة زال الملك)؛ لأن التسليم عنده شرط وتسليم هذه بما ذكر، ويكتفى بالواحد في التسليم الموجب لزوال الملك، وقد علمتَ أن المتأخرين اختاروا قول محمد في اشتراط التسليم
(2)
، والله أعلم.
(1)
أي كتاب القدوري، والله تعالى أعلم.
(2)
انظر ما نص عليه المرغيناني وقاضي خان ص 290.
كتاب الغصب
ومن غصب شيئًا مما له مثل فهلك في يده فعليه ضمان مثله وإن كان مما لا مثل له فعليه قيمته يوم الغصب، وعلى الغاصب رد العين المغصوبة على مالكها، فإن ادعى أنها هلكت حبسه الحاكم حتى يعلم أنها لو كانت باقية لأظهرها ثم قضى عليه ببدلها، والغصب فيما ينقل ويحول، فإذا غصب عقارًا فهلك في يده لم يضمنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف، * وقال محمد يضمنه، وما نقصه منه بفعله وسكناه ضمنه في قولهم، وإذا هلك المغصوب في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله فعليه ضمانه، وإن نقص في يده فعليه ضمان النقصان، ومن ذبح شاة غيره فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه فيمتها وسلمها إليه وإن شاء أخذها وضمنه نقصانها، ومن خرق ثوب غيره خرقًا يسيرًا ضمن نقصانه، وإن خرقه خرقًا كثيرًا يبطل عامة منفعته فللمالك أن يضمنه جميع قيمته، * وإذا تغيرت العين
كتاب الغصب
قوله: (وإذا غصب عقارًا فهلك في يده لم يضمنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف .. الخ)، قال الإسبيجابي: "وقال محمد: يضمن، وبه قال
(1)
الشافعي، والصحيح قولنا"، واعتمده النسفي والمحبوبي وصدر الشريعة والموصلي.
قوله: (وإن خرقه خرقًا كبيرًا بحيث يبطل عامة منافعه فلمالكه أن يضمِّنه جميع قيمته)، قال في "الهداية"
(2)
: "والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة، واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة وإنما يدخل فيه النقصان؛ لأن محمدًا جعل في "الأصل" قطع الثوب نقصانًا فاحشًا، والفائت
(3)
به بعض المنافع"، وكذا قال في "الاختيار" ولفظه: "واختلفوا في العيب الفاحش، قيل هو أن يوجب نقصان ربع القيمة فما زاد، وقيل ينقص به نصف القيمة، والصحيح ما يفوت به بعض المنافع، واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة بل يدخله نقصان عيب"
(4)
.
(1)
في (د): "وبه أخذ الشافعي".
(2)
4/ 298.
(3)
كذا في نسخة (جـ) و "الهداية"، وفي الأصل و (ب ود):"والثابت".
(4)
انظر "الاختيار لتعليل المختار" 3/ 63.
المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وعُظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها ولم يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها، وهذا كمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها، أو حنطة فطحنها أو حديدًا فاتخذه سيفًا أو صفرًا فجعله آنية، وإن غصب فضة أو ذهبًا فضربها دنانير أو دراهم أو آنية لم يزل ملك مالكها عنها عند أبي حنيفة، * ومن غصب ساجة * فبنى عليها زال ملك مالكها ولزم الغاصب قيمتها، ومن غصب أرضًا فغرس فيها أو بنى قيل له اقلع الغرس والبناء وردها، وإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعين، ومن غصب ثوبًا فصبغه أحمر أو سويقًا فلتّه بسمن فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق وسلمهما للغاصب، وإن شاء أخذهما وغرم ما زاد الصبغ والسمن فيهما، ومن غصب عينًا فغيبها فضمنه المالك قيمتها ملكها والقول في القيمة قول الغصب مع يمينه إلا أن يقيم المالك بينة بأكثر من ذلك فإن ظهرت العين وقيمتها أكثر مما ضمن وقد ضمنها بقول المالك أو ببينة أقامها أو بنكول الغاصب عن اليمين فلا خيار للمالك، وإن كان ضمنه بقول الغاصب مع يمينه فالمالك بالخيار إن شاء أمضى الضمان وإن شاء أخذ العين ورد العوض. وولد المغصوبة ونماؤها وثمرة البستان المغصوب أمانة في يد الغاصب إن هلك فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى فيها أو يطلبها مالكها فمنعه إياها، وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب فإن كان في قيمة الولد وفاء به جبر النقصان بالولد ويسقط ضمانه عن الغاصب، ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان. وإذا استهلك المسلم خمر الذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما، وإذا استهلكهما المسلم لم يضمن.
قوله: (ومن غصب فضة أو ذهبًا فضربها
(1)
دراهم أو دنانير لم يزُل ملكُ مالكها عنها عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(2)
: "فيأخذها ولا شيء للغاصب، وقالا: يملكها الغاصب وعليه مثلها"، وأخَّر دليل الإمام وضمّنه جواب دليلهما، واختاره المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة.
[قوله: (ومن غصب ساجة .. الخ)، قال أبو نصر الأقطع: "قال الشيخ أبو الحسن الكرخي: المسألة موضوعة على أنه بنى حول الساجة، أنه غير ظالم فلا يجوز نقضه، أما إذا بنى على نفس الساجة متعد فيه فيجوز نقضه، وظاهر المذهب أن حق المالك سقط في الوجهين، وهو الصحيح"]
(3)
.
(1)
في (جـ): "فصيرها".
(2)
4/ 297.
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من النسخة التركية (د).
كتاب الوديعة
الوديعة أمانة في يد المودَع إذا هلكت لم يضمنها، وللمودع أن يحفظها بنفسه وبمن في عياله، فإن حفظها بغيرهم أو أودعها ضمن إلا أن يقع في داره حريق فسلمها إلى جاره أو يكون في سفينة فخاف الغرق فيلقيها إلى سفينة أخرى فإن خلطها المودع بماله حتى لا تتميز ضمنها* وإن طلبها صاحبها فحبسها عنه وهو يقدر على تسليمها ضمن. وإن اختلطت بماله من غير فعله فهو شريك لصاحبها وإن أنفق المودع بعضها ثم رد مثله فخلطه بالباقي ضمن الجميع. وإذا تعدى المودع في الوديعة مثل أن كانت دابة وركبها أو ثوبًا فلبسه أو عبدًا فاستخدمه أو أودعها عند غيره ثم أزال التعدي وردها إلى يده زال الضمان، وإن طلبها صاحبها فجحده إياها ضمنها فإن عاد إلى الاعتراف لم يبرأ من الضمان. وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤونة، وإذا أودع رجلان وديعة ثم حضر أحدهما فطلب نصيبه منها لم يدفع شيئًا حتى يحضر الآخر عند أبي حنيفة،* وقال أبو يوسف ومحمد يدفع إليه نصيبه. وإذا أودع رجل عند رجلين شيئًا مما يقسم لم يجز أن يدفع أحدهما إلى الآخر ولكنهما يقتسمانه فيحفظ كل واحد منهما نصفه، وإن كان
كتاب الوديعة
قوله: (وإن خلطها المودَع بماله حتى لا تتميّز ضمنها) ولا سبيل للمودع عليها عند الإمام، واختار الأربعةُ المذكورون قبله قولَ الإمام.
مسألة: قال له حلِّلني من كل حق لك عليّ، ففعل وأبرأه، فإن كان صاحب الحق عالمًا بما عليه برئ المديون حكمًا وديانة، وإن لم يكن عالمًا يبرأ في الحكم ولا يبرأ ديانة في قول محمد، وقال أبو يوسف يبرأ، وعليه الفتوى.
قوله: (وإذا أودع رجلان عند رجل وديعةَ، ثم حضر أحدُهما يطلب نصيبه منها، لم يَدفع إليه شيئًا حتى يحضر الآخَر عند أبي حنيفة .. )"الهداية"
(1)
: "الخلاف في المكيل والموزون"، واعتمد قول الإمام المذكورون في الباب قبله
(2)
.
(1)
3/ 210.
(2)
المحبوبي والنسفي وأبو الفضل الموصلي وصدر الشريعة.
مما لا يقسم جاز أن يحفظه أحدهما بإذن الآخر، وإذا قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها لم يضمن، وإن قال احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن، وإن حفظها في دار أخرى ضمن.
كتاب العارية
العارية جائزة، وهي تمليك المنافع* بغير عوض، وتصح بقوله أعرتك وأطعمتك هذه الأرض ومنحتك هذا الثوب وحملتك على هذه الدابة إذا لم يرد به الهبة، وأخدمتك هذا العبد وداري لك سكنى وداري لك عمرى سكنى، فللمعير أن يرجع في العارية متى شاء، والعارية أمانة إن هلكت من غير تعذ لم يضمن، وليس للمستعير أن يؤاجر ما استعاره وله أن يعيره اذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل *. وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون قرض، فإذا استعار أرضًا ليبني فيها أو ليغرس فيها جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس، فإن لم يكن وقت العارية فلا ضمان عليه وإن كان وقت العارية فرجع قبل الوقت ضمن المعير للمستعير ما نقص البناء والغرس بالقلع. وأجرة ردّ العارية على المستعير، وأجرة رد العين المستأجرة على المؤجر، وأجرة رد العين المغصوبة على الغاصب، وإذا استعار دابة وردها إلى اصطبل مالكها فهلكت لم يضمن *، وإن استعار عينًا فردها إلى دار المالك ولم يسلمها إليه لم يضمن، وإن رد الوديعة إلى دار المالك ولم يسلمها إليه ضمن.
كتاب العارية
[قوله: (تمليك المنافع)، قال أبو نصر: "صحيح، وكان أبو الحسن يقول: إباحة"]
(1)
.
قوله: (وله أن يعِيرَه إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل)، "الهداية":"هذا إذا كانت الإعارة مطلقة"
(2)
.
قوله: (فردها إلى اصْطَبل مالِكها لم يضمن)، "الهداية"
(3)
: "وهذا استحسان".
(1)
زيادة من نسخة (د)، والمراد: إباحة المنافع.
(2)
انظر "الهداية" 3/ 215، وفيه أن الإعارة على أربعة أوجه
…
(3)
3/ 216.
كتاب اللقيط
اللقيط حرّ، ونفقته من بيت المال، فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه من يده، فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله، فإن ادعى اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى منه، وإذا وجد في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم وادعى ذمي أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلمًا، وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميًا، ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل قوله منه، فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان حرًا، وإن وجد مع اللقيط مال مشدود عليه فهو له، ولا يجوز تزويج الملتقط ولا تصرفه في مال اللقيط، ويجوز أن يقبض له الهبة ويسلمه في صناعة ويؤاجره *.
كتاب اللقيط
قوله: (ويؤاجره)، قال في "الهداية"
(1)
: "وفي "الجامع الصغير" لا يجوز أن يؤاجره، ذكره في (الكراهية)
(2)
وهو الأصح"، وقال المحبوبي: "ولا إجارته في الأصح"، وعلى هذا مشى النسفي وصدر الشريعة.
(1)
2/ 467.
(2)
انظر "الجامع الصغير" للإمام الشيباني، كتاب الكراهية، ص 483.
كتاب اللقطة
اللقطة أمانة إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها، * فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أيامًا* وإن كان عشرة فصاعدًا عرفها سواء كانت مئة أو أكثر عرفها حولا*، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها فهو بالخيار إن شاء
كتاب اللقطة
قوله: (اللقطة أمانةٌ، إذا أشهد المُلتقِطُ أنه يأخذها ليحفظَها ويردَّها على صاحبها)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة، فإن ترك الإشهاد على ذلك وأخذها ضمن، وقالا: الإشهاد غير واجب والقول قوله مع يمينه أنه أخذها ليردها، والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده البرهاني والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (وإن كانت أقلّ من عشرة دراهم عرّفها أيامًا)، قال في "الهداية"
(1)
: "معناه على حسب ما يرى"، (وإن كانت عشرة فصاعدًا عرّفها حولًا)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذه رواية عن أبي حنيفة- يعني هذا التفصيل المذكور في "الكتاب"-
(3)
وقدّره محمد في "الأصل" بالحول من غير تفصيل بين الكثير والقليل
…
وقيل الصحيح أن شيئًا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوَّض إلى رأي الملتقِط، يعرّفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، ثم يتصدق به .. الخ"، قال الشارح
(4)
: "وهذا اختاره شمس الأئمة".
قلت: وقال في "الينابيع": "وعليه الفتوى"، وقال في "الجواهر":"والأصح أن التقدير غير لازم، والصحيح إذا علم بالظنّ أنّ صاحبه قعد عن الطلب"، وقال في "مختارات النوازل":"والصحيح أن التقدير في مدة التعريف غير لازم بل مفوَّض إلى رأي الملتقط"، وقال الإمام المحبوبي:
(1)
2/ 478.
(2)
2/ 478.
(3)
"وروى الحسن عن أبي حنيفة أن يعرّف مئتين فما فوقها حولًا اعتبارًا بالزكاة، ويعرف العشرة فما فوقها شهرًا .. والدرهم يومًا والفلس بالنظر يَمنة وَيسرة". (فتح باب العناية 3/ 95).
(4)
كذا في نسخة (د)، وفي (أ ب جـ):"قال الشراح". وانظر: "فتح القدير" 6/ 121 (دار الفكر).
أمضى الصدقة وإن شاء ضمن الملتقط، ويجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرع وإن أنفق بأمره كان ذلك دينا على صاحبها،* وإذا رفع ذلك إلى الحاكم نظر فيه فإن كان للبهيمة منفعة آجرها وأنفق عليها من أجرتها، وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمر بحفظ ثمنها، وإن كان "الأصل" ح الإنفاق عليها أذن* في ذلك وجعل النفقة دينا على مالكها، فإذا حضر فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة. ولقطة الحل والحرم سواء، وإذا حضر الرجل وادعى أن اللقطة له لم تدفع إليه حتى يقيم البينة، فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه، ولا يجبر على ذلك في القضاء، ولا يتصدق باللقطة على غني، وإن كان الملتقط غنيًا لم يجز له أن ينتفع بها، وإن كان فقيرًا فلا بأس أن ينتفع بها، ويجوز أن يتصدف بها إذا كان غنيًا على أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء.
" وعُرِّفت مدةً لا تطلب بعدها في الصحيح"، [وفي "المضمرات": وعليه الفتوى]
(1)
.
قوله: (وإن أنفقَ بأمره كان ذلك دَيْنًا على صاحبها)، هذا يقتضي أن للملتقط الرجوع بالنفقة بمجرّد أمر القاضي بها، وهو قول بعض المشايخ، لكن المصنف قال بعد ذلك: (وجعل النفقة دينَا
(2)
.. ) وهذا يشير إلى أنه إنما يرجع -إذا شرط القاضي الرجوع- على المالك، قال في "الهداية"
(3)
: "وهذا رواية، وهو الأصح".
وقوله: (أَذِنَ)، قال في "الهداية"
(4)
: "وفي الأصل شرطَ إقامة البينة"، يعني إذا رفع الأمر إلى القاضي يقيم البينة أنه التقطها فيأمره القاضي بالإنفاق، قال في "الهداية"
(5)
: "وهو الصحيح، لأنه يحتمل أن يكون غصبًا في يده".
(1)
زيادة من نسخة (جـ).
(2)
في نسخة (د): "دينا عليه".
(3)
انظر "الهداية" 2/ 470.
(4)
2/ 469.
(5)
2/ 469.
كتاب الخنثى
إذا كان للمولود فرج وذكر فهو خنثى، وإذا كان يبول من الذكر فهو غلام وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى وإن كان يبول منهما والبول يسبق من أحدهما نسب إلى الأسبق فإن كانا في السبق سواء فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة، * وقال أبو يوسف ومحمد ينسب إلى أكثرهما، وإن بلغ الخنثى وخرجت له لحية أو وصل إلى النساء فهو رجل وإن ظهر له ثدي كثدي المرأة أو نزل له لبن في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأة، فإن لم يظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكل. [و] إذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء، وتبتاع له أمة تختنه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال ابتاع له الإمام من بيت المال فإذا اختتنته باعها، وإن مات أبوه وخلف ابنًا فالمال بينهما ثلاثًا عند أبي حنيفة، للابن سهمان وللخنثى سهم، وهي بنت عنده في الميراث * إلا أن يثبت غير ذلك، وقال أبو يوسف ومحمد للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهو قول الشعبي، واختلفا في قياس قوله فقال محمد: المال بينهما من اثني عشر سهمًا للابن سبعة وللخنثى خمسة، وقال أبو يوسف: المال بينهما على سبعة أسهم للابن أربعة وللخنثى ثلاثة.
كتاب الخنثى
قوله: (فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة)، ورجح دليله في "الهداية" والشروح، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (وهو ابنةٌ عنده في الميراث .. الخ)، وقال الإسبيجابي:"وقول محمد مضطرِبٌ، والأظهر أنه مع أبي حنيفة، والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد".
قلت: ومشى على قولهما الإمام برهان الشريعة البرهاني وأبو البركات النسفي وصدر الشريعة.
كتاب المفقود
إذا غاب الرجل ولم يعرف له موضع ولا يعلم أحيّ هو أو ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه ويستوفي حقوقه وينفق على زوجته وأولاده من ماله، ولا يفرق بينه وبين امرأته، فإذا تم له مئة وعشرون سنة من يوم ولد حكمنا بموته* واعتدت امرأته وقسم
كتاب المفقود
قوله: (فإن تمّ له مئةٌ وعشرون سنة من يوم وُلِدَ حكمنا بموته)، قال الإسبيجابي:"هذا رواية الحسن عن أبي حنيفة، وذكر محمد في "الأصل": موت الأقران، وهذا ظاهر المذهب"، وهكذا قال في "الهداية"، قال في "الذخيرة": "ويشترط جميع الأقران فما قي واحد من أقرانه لا يحكم بموته، ثم إن بعض مشايخنا قالوا يعتبر موت أقرانه في السِّنّ من جميع البلدان
(1)
، وقال بعضهم يعتبر موت أقرانه في السن من أهل بلَدِه، قال شيخ الإسلام خُواهَر زاده: هذا القول أصح، قال: والشيخ محمد بن حامد
(2)
قدره بتسعين
(3)
سنة، وعليه الفتوى".
قلت: وعلى هذا مشى الإمام برهان الأئمة المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
وقال في "الهداية"
(4)
: "والأقْيَس أن لا يقدّر بشيء، والأرفق أن يقدّر بتسعين [سنة] "، قال شيخنا
(5)
: "وأرفق منه أن يقدّر بستِّين -يعني كما حكاه في "الذخيرة" عن بعضهم-، قال: والأحسن عندي سبعين لقوله
(1)
في (د): "من أهل البلدان".
(2)
ذكر في "الجواهر المضية" أربعة باسم محمد بن حامد، أحدهم: البيِّع الفقيه، والثاني من أهل بلْخ، والثالث بخاري، والرابع نَيْسابوري، وتاريخ وفاة آخرهم هو سنة 623. (انظر الجواهر 3/ 113 - 115)
(3)
كذا في الأصل و (جـ)، وفي (د):"بسبعين".
(4)
2/ 476.
(5)
هو العلامة الكمال بن الهمام، وانظر قوله هذا في "فتح القدير" 6/ 149. (دار الفكر).
ماله بين ورثته الموجودين في ذلك الوقت، ومن مات قبل ذلك لم يرث منه، ولا يرث المفقود من أحد مات في حال فقده.
عليه [الصلاة و] السلام: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"
(1)
فكانت المنتهى غالبًا، وقال بعضهم يفوض إلى رأي القاضي، فأي وقت رأى المصلحة حكم بموته"
(2)
.
(1)
رواه الترمذي وابن ماجه، (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، رقم 3550، وسنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الأمل والأجل 2/ 1415 رقم 4236).
(2)
في حاشية نسخة (جـ): "وهو المختار (زيلعي) ".
كتاب الإباق
وإذا أبق المملوك فرده رجل على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا فله عليه جعل أربعون درهمًا، وإن ردّه في أقل من ذلك فبحسابه، وإن كانت قيمته أقل من أربعين قضي له بقيمته إلا درهما،* وإن أبق من الذي رده فلا شيء له عليه، * وينبغي أن يشهد إذا أخذه أنه يأخذه ليرده فإن كان العبد الآبق رهنًا فالجعل على المرتهن وإن كان غصبًا فالجعل على الغاصب.
كتاب الإباق
قوله: (وإن كانت قيمته أقلَّ من أربعين درهمًا قُضيَ له بقيمته إلّا درهمًا)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة ومحمد"، [وقال أبو يوسف: له أربعون]
(1)
، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (وإن أبَقَ من الذي ردَّه فلا شيء له)، قال في "الهداية":"هذا في بعض النسخ، وهو صحيح أيضًا، وفي بعضها فلا شيء عليه"
(2)
.
(1)
زيادة من نسخة (جـ).
(2)
"وعلى رواية: (لا شيء عليه) أي لأنه أمانة في يده" كذا في "الهداية" 2/ 473.
كتاب إحياء الموات
الموات ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنها أو لغلبة الماء عليه أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة، فما كان منها عاديا لا مالك له أو كان مملوكًا في الإسلام لا يعرف له مالك بعينه وهو بعيد من القرية إذا وقف إنسان في أقصى العامر فصاح لم يسمع الصوت فيه فهو موات، من أحياه بإذن الإمام ملكه وان أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة، * وقال أبو يوسف ومحمد يملكه. ويملك الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم، ومن حجر أرضًا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره، ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر بل يترك مرعى لأهل القرية ومطرحًا لحصائدهم، ومن حفر بئرًا في برية فله حريمها فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعًا، وإن كانت للناضح فستون ذراعًا* وإن كانت عينَا فحريمها ثلاث مئة ذراع، * فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه، وما ترك الفرات والدجلة وعدل عنه ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه، وإن كان لا يجوز أن
كتاب إحياء الموات
قوله: (وإن أحياه بغير إذنه لم يمْلِكْه عند أبي حنيفة)، واختاره البرهانيُّ والنسفيّ وغيرهما.
قوله: (فإن كانت للعَطن، فحريمها أربعون ذراعًا، وإن كانت للناضِح فسِتّون ذراعًا)، قال في "الهداية"
(1)
: "ثم قيل الأربعون من كل الجوانب، والصحيح أنه من كل جانب"، وقال البرهاني:"أربعون ذراعًا من كل جانب في الأصح".
وقوله: (ستون ذراعًا)، هذا عندهما، وعند أبي حنيفة أربعون ذراعًا، ورُجح دليله، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما.
وقال في "مختارات النوازل": "من حفر بئرًا في برِّيَّةٍ، أي في برّيّة موات فله حريمها على قدر الحاجة من كل جانب، هو الصحيح".
قوله: (وإن كانت عينًا فحريمها ثلاث مئة ذراع)، قال في "الينابيع":"وذكر الطحاوي خمس مئة ذراع"، وهذا التقدير ليس بلازم بل هو موكول
(1)
4/ 386.
يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريمًا لعامر يملكه من أحياه بإذن الإمام، ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك، وقال أبو يوسف ومحمد: له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه، * والله أعلم.
إلى رأي الفتويين
(1)
واجتهادهم.
قوله: (ومن كان له نهر في أرض غيرِهِ فليس له حريم عند أبي حنيفة إلا أن يقيم البينة، وقال أبو يوسف ومحمد: له مُسَنَّاةُ النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه)، هذا إذا لم تكن مشغولة بغرس لأحدهما أو طين ونحو ذلك، فإن كان فهي لصاحب الشغل بالاتفاق، قال الهِنْدُوَاني:"آخذُ بقوله في الغرس، وبقولهما في الطين"، واختار قوله المحبوبي والنسفي.
- مسألة: إذا اجتمعوا على كَرْيِ النهر
(2)
، قال أبو حنيفة: البداية من أعلاه فإذا جاوزوا أرض رجل رفع عنه مؤنة الكري وكان على من بقي، وقال أبو يوسف ومحمد: يكون الكري عليهم جميعًا من أول النهر إلى آخره بحصص الشرب والأراضي، قال القاضي
(3)
: "وبقول أبي حنيفة أخذوا في الفتوى".
(1)
في نسختي (أ و ب): "القنويين"، وفي (د):"المفتين"، وفي حاشيتها ذكر أن في نسخةٍ:"الفتويّة"، وفي (جـ):"الفيوين" كذا بدون تنقيط!.
(2)
كَرِيَ النهرَ: استحدث حَفْرَه. (انظر طلبة الطلبة ص 310، والقاموس المحيط ص 1712).
(3)
"فتاوى قاضي خان" 3/ 217.
كتاب المأذون
إذا أذن المولى لعبده في التجارة إذنًا عامًا جاز تصرفه في سائر التجارات يشتري ويبيع ويرهن ويسترهن، وإن أذن له في نوع منها دون غيره فهو مأذون في جميعها، وإن أذن له في شيء بعينه فليس بمأذون، وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائز، وليس له أن يتزوج ولا يزوج مماليكه * ولا يكاتب ولا يعتق على مال ولا يهب بعوض ولا بغير عوض إلا أن يهدي اليسير من الطعام أو يضيف من يطعمه، وديونه متعلقة برقبته ويباع للغرماء إلا أن يفديه المولى ويقسم ثمنه بينهم بالحصص فإن فضل من ديونه شيء طولب به بعد الحرية وإن حجر عليه لم يصر محجورًا عليه حتى يظهر الحجر عليه بين أهل سوقه، فإن مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتدًا صار المأذون محجورًا عليه، وإن أبق العبد صار محجورًا، وإذا حجر عليه فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حيفة،* وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده، فإن أعتق عبيده لم يعتقوا عند أبي حنيفة، *وقال أبو يوسف ومحمد يملك ما في يده، وإذا باع من المولى شيئًا بمثل قيمته جاز، فإن باعه بنقصان لم يجز، وإن باعه المولى شيئًا بمثل القيمة أو أقل جاز البيع، فإن سلمه إليه قبل قبض الثمن بطل الثمن، وإن أمسكه في يده حتى يستوفي الثمن
كتاب المأذون
قوله: (ولا يزوّج مماليكه)، هذا على إطلاقه قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: له أن يزوج أمته، واختار قولهما المحبوبي والنسفي والمَوصلي وصدر الشريعة، ورجح دليلهما، والله أعلم.
قوله: (وإذا حُجر عليه فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حنيفة، وعندهما: لَا يصح)، واختار قوله من تقدم ذكرهم
(1)
.
قوله: (وإن أعْتَقَ عبيدَهُ لم يعتقوا عند أبي حنيفة)، قال في "الينابيع":"يريد به لم يعتقوا في حَق الغرماء فلهم أن يبيعوهم ويستوفوا ديونهم من ثمنهم، أما في حق المولى فهم أحرارٌ بالإجماع"، واختار قولَه الأئمة المذكورون أولًا.
(1)
أي في المسألة السابقة، وانظر "الهداية" 4/ 289.
جاز، وإن أعتق المولى المأذون وعليه ديون فعتقه جائز والمولى ضامن لقيمته للغرماء، وما بقي من الديون يطالب بها المعتق، وإذا ولدت المأذونة من مولاها فذلك حجر عليها، وإذا أذن ولي الصبي للصبي في التجارة فهو في الشراء والبيع كالعبد المأذون إذا كان يعقل البيع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كتاب المزارعة
قال أبو حنيفة رحمه الله: المزارعة بالثلث والربع باطلة، وقال أبو يوسف ومحمد: جائزة،* وهي عندهما على أربعة أوجه: إذا كانت الأرض والبذر لواحد والعمل والبقر من آخر جازت المزارعة، وإن كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت، وإن كانت الأرض والبقر والبذر لواحد والعمل لآخر جاز، وإن كانت الأرض والبقر لواحد والعمل والبذر لآخر فهي باطلة. ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة وإن يكون
كتاب المزارعة
قوله: (قال أبو حنيفة: المزارعة بالثلُث والرُّبُع باطلةٌ، وقال أبو يوسف ومحمد: جائزة)، والفتوى على قولهما، قاله قاضي خان في أول الكتاب
(1)
، وقال أيضًا في كتاب المزارعة
(2)
: "والفتوى على قولهما لتعامل الناس بها في جميع البلدان"، وقال في "الخلاصة":"والمزارعة جائزة على قولهما، والفتوى على قولهما"، وقال في "مختارات النوازل":"وقالا: هي جائزة، وهو اختيار مشايخ بَلْخ وهو الأصح، وعليه الفتوى"، وقال في "الحقائق":"والفتوى على قولهما للتعامل"، وقال في "الصغرى":"وفي المزارعة والمعاملة والوقف، الفتوى على قول أبي يوسف ومحمد، لمكان الضرورة والبلوى"، وقال في "التتمة" في شركة الفتاوى: "أخذ الفقيه أبو الليث بقول أبي حنيفة في الأجير المشترك إذا هلك عنده الشيء لا بصنعه، وبه أفتي، وفي المزارعة والمعاملة والوقف الفتوى على قول أبي يوسف ومحمد لمكان
(3)
الضرورة والبلوى"، وقال في "الفتاوى الكبرى": "المزارعة والمعاملة عند أبي حنيفة فاسدتان، وعند أبي يوسف ومحمد جائزتان، والفتوى على قولهما"، وقال في "الهداية"
(4)
: "إلا أن الفتوى على قولهما لحاجة الناس إليها، ولظهور تعامل الأمة بها، والقياس يترك بالتعامل، كما
(1)
"الفتاوى الخانية" 1/ 3.
(2)
من "الفتاوى" 3/ 170.
(3)
في الأصل: "لمضان" والمثبت من (جـ و د).
(4)
4/ 332.
الخارج شائعًا بينهما، فإن شرطا لأحدهما قفزانًا مسماة فهي باطلة، وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي، فإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط وإن لم تخرج الأرض شيئًا فلا شيء للعامل، وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر، وإن كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج، * وقال محمد: له أجر مثله بالغًا ما بلغ، وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثلها، وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه، وإذا امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل، وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة،* فإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد، والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما، وأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية عليهما بالحصص، فإن شرطا في المزارعة على العامل فسدت* والله أعلم.
في الاستصناع"، وقال الإمام المحبوبي: "وصحت عندهما، وبه يفتى"، ومشى عليه النسفي.
قوله: (وإذا فسدت [المزارعة]
(1)
فالخارج لصاحب البَذْر، فإن كان البَذْرُ من قِبَلِ ربّ الأرض فللعامل أجر مثله، لا يزاد على قدْر ما شُرِط له من الخارج)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف" ومشى عليه المحبوبي والنسفي.
قوله: (وإذا مات أحد المتعاقدين بطَلَت المزارعة)، هذا جواب القياس، وفي الاستحسان: إذا مات أحدهما وقد نبت الزرع يبقى عقد الإجارة حتى يستحصد ذلك الزرع من الأرض ثم يبطل في الباقي.
وإذا مات ربّ الأرض وامتنع العامل من العمل لم يجبر، وللورثة خيارات ثلاث: إن شاءوا قلعوا الزرع فيكون بينهم، وإن شاءوا أعطوا الزارع قيمة نصيبه من الزرع، وإن شاءوا أنفقوا على الزرع من مالهم ثم يرجعون على المزارع بحصته، وكذلك لو مات المزارع وامتنع ورثته من العمل، نص عليه في "الكافي" و"التبيين"
(3)
وغيرهما، والله أعلم.
قوله: (فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت)، هذا ظاهر الرواية، وأفتى به الحسام الشهيد في "الكبرى"، وقال: "عن الحسن عن أبي حنيفة أنه
(1)
زيادة من نسخة (جـ).
(2)
4/ 334.
(3)
في نسخة (د): "التبيان".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جائز، وهكذا عن أبي يوسف"، وقال في "الهداية"
(1)
: "وعن أبي يوسف أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل، للتعامل اعتبارًا بالاستصناع، وهو اختيار مشايخ بَلْخ، قال شمس الأئمة السَّرْخَسي: هذا هو الأصح في ديارنا"، قال في الخاصي
(2)
: "وعن الفَضْلي
(3)
مثله"، وقال في "الينابيع": "وهو اختيار مشايخ خراسان، قال الفقيه: وبه نأخذ"، وقال الإسبيجابي: "عن أبي يوسف: إن شرطا ذلك على الوسط جاز، وإن شرطا على العامل فكذلك، وهو اختيار مشايخ العراق اتباعًا للتعامل"، وقال في"مختارات النوازل": "[و] هو اختيار مشايخ بَلْخ وبُخارَى للعرف بينهم"، والله أعلم.
(1)
4/ 336.
(2)
"فتاوى الخاصي" المسماة بالكبرى، كانت للصدر الشهيد فبوّبها كالفتاوى الصغرى، والخاصي هو القاضي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الخُوَارزمي، جمال الأئمة المعروف بالخاصي، أخذ عن كبار علماء عصره كالصدر الشهيد وقاضي خان. ذكر القاري أنه كان في أوائل المئة السادسة. (الجواهر المضية 3/ 617 رقم 1831، تاج التراجم ص 319، 320 رقم 319، كشف الظنون 2/ 1222، الفوائد البهية ص 374 رقم 508). ونقل في "الفوائد" عن "الكشف" عند ذكرِه كتاب الفصول في الأصول أن وفاته سنة 634، وهو سهو، فإن صاحب الفصول غير المترجم واسمه موفق الخاصي، وقد ذكره في "الجواهر" 3/ 524 برقم 1719.
(3)
عبد العزيز بن عثمان بن إبراهيم .. الفَضْلي، إمام الدنيا في وقته، من أهل الكوفة. من تصانيفه: تعليق الخلاف، في أربع مجلدات، المنقذ من الزلل في مسائل الجدل والفحول في علم الأصول. توفي سنة 533 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 431 - 433 رقم 824، تاج التراجم ص 190، 191 رقم 143).
كتاب المساقاة
قال أبو حنيفة: المساقاة بجزء من الثمر باطلة، وقال أبو يوسف ومحمد جائزة* إذا ذكر مدة معلومة* وسمى جزءًا من الثمر مشاعًا، وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان، فإذا دفع نخلا فيه ثمرة مساقاة والثمرة تزيد بالعمل
كتاب المساقاة
قوله: (قال أبو حنيفة: المساقاة بجزء من الثمرة مشاعًا باطلة، وقال أبو يوسف ومحمد: جائزة)، والفتوى على قولهما كما تقدم في المزارعة، قال القاضي الإمام أبو المحامد
(1)
عن الإمام حسام الدين: "المزارعة والمعاملة عند أبي يوسف ومحمد جائزتان، والفتوى على قولهما"، وقال الإمام أبو الثناء محمود البخاري اللؤلؤي
(2)
: "وقالا: المعاملة والمزارعة جائزتان عند استجماع شرائطهما، والفتوى على قولهما للتعامل".
قوله: (إذا ذكر مدة معلومة)، قال في "الهداية"
(3)
: "وشرط المدة قياس فيه، لأنه إجارة معنى كما في المزارعة، وفي الاستحسان لو لم يبين يجوز، ويقع على أول ثمرة تخرج، لأن الثمر لإدراكها وقت معلوم قلما يتفاوت، ويدخل فيه ما هو المتيقن، وإدراك بزرِ الرطبة في هذا بمنزلة إدراك الثمار، لأن له نهاية معلومة فلا يشترط بيان المدة
…
بخلاف ما إذا دفع إليه غرسًا قد علق ولم يبلغ الثمر معاملة حيث لا يجوز إلا ببيان المدة لأنه يتفاوت بقوة الأرض وضعفها تفاوتًا فاحشًا، وبخلاف ما إذا دفع نخيلًا أو أصول رطبة على أن يقوم عليها، أو أطلق في الرطبة، تفسد المعاملة لأنه ليس لذلك نهاية
(1)
لم يتبين لي اسم صاحب هذه الكنية. وفي المخطوطة (ب) قال: "أبو المحامد حسام الدين"، وفي (د):"أبو الحامد".
(2)
هو محمود بن محمد بن داود الأفْشَنَجِي البخاري اللُّؤْلُؤي أبو المحامد، كان شيخًا فقيهًا أصوليًا حافظًا فاضلًا. صنف شرحًا على منظومة الإمام النَّسفي وسماه الحقائق. مولده ببخارى سنة 627، ومات شهيدًا 671 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 449، 450 رقم 1630، تاج التراجم ص 293 رقم 282، الفوائد البهية ص 345 رقم 456، كشف الظنون 2/ 1868، هدية العارفين 2/ 405).
(3)
انظر "الهداية" 4/ 337، وقد نقل المصنف هذا عنه بشيء من التصرف والاختصار.
جاز، وإن كانت قد انتهت لم تجز، وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله، وتبطل المساقاة بالموت وتفسخ بالأعذار كما تفسخ الإجارة.
معلومة لأنها تثمر ما تركت في الأرض فجهلت المدة"، والله أعلم.
كتاب النكاح
النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن الماضي أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل مثل أن يقول زوجني فيقول قد زوجتك، ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين بالغين عاقلين مسلمين أو رجل وامرأتين عدولًا كانوا أو غير عدول أو محدودين في قذف، وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف *. ولا يحل للرجل أن يتزوج بأمه ولا بجداته من قبل الرجال والنساء ولا ابنته ولا بنت ولده وإن سفلت ولا بأخته ولا ببنات أخته ولا بعمته ولا بخالته ولا ببنات أخيه ولا بأم امرأته التي دخل بها أو لم يدخل، ولا ببنت امرأته التي دخل بها سواء كانت في حجره أو في حجر غيره، ولا بامرأة أبيه وأجداده ولا بامرأة ابنه وبني أولاده ولا بأمه من الرضاعة ولا بأخته من الرضاعة، ولا يجمع بين الأختين بنكاح ولا بملك اليمين وطئًا، ولا يجمع بين المرأة وبين عمتها وخالتها ولا على بنت أختها ولا على بنت أخيها، ولا يجمع بين امرأتين لو كانت كل واحدة منهما رجلًا لم يجز أن يتزوج بالأخرى، ولا بأس بأن يجمع بين امرأة وابنة زوج كان لها من قبل. ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وابنتها، وإذا طلق الرجل امرأته طلاقًا بائنًا لم يجز أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها، ولا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها، ويجوز تزويج الكتابيات ولا يجوز تزويج المجوسيات ولا الوثنيات، ويجوز تزويج الصابئيات إن كانوا يؤمنون بدين ويقرون بكتاب، وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم، ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام، وينعقد نكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة برضاها وإن لم يعقد عليها وليّ عند أبي حنيفة، بكرًا كانت أو ثييًا، * وقال أبو يوسف ومحمد: لا ينعقد إلا بولي، ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح، وإذا استأذنها فسكتت أو ضحكت فذلك إذن منها، وإن أبت لم يزوجها، وإذا استأذن الثيب فلا بدّ من رضاها
كتاب النكاح
قوله: (فإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذمّيّين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يجوز)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قولهما"، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والمَوصِلي وصدر الشريعة.
قوله: (وينعقد نكاح المرأة الحرّة البالغة العاقلة برضاها وإن لم يعقد عليها وليّ عند أبي حنيفة، بكرًا كانت أو ثيبًا .. ) قال الإسبيجابي: "وعن أبي
بالقول، وإذا زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة فهي في حكم الأبكار، وإن زالت بزنا فهي كذلك عند أبي حنيفة، *وإذا قال الزوج: بلغك النكاح وسكتِّ وقالت بل رددت، فالقول قولها ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد يستحلف فيه*. وينعقد النكاح بلفظة النكاح والتزويج والتمليك والهبة والصدقة،
يوسف أنه رجع إلى قول أبي حنيفة، وهو الصحيح"، وقال في "الهداية"
(1)
: "في ظاهر الرواية .. ويروى رجوع محمد إلى قولهما"، واختاره المحبوبي والنسفي، وروى الحسن عن أبي حنيفة: إن عقدت مع كفؤ جاز، ومع غيره لا يصح، واختار هذا السرخسي وغيره، قال القاضي
(2)
: "والمختار في زماننا للفتوى رواية الحسن، قال شمس الأئمة: هو
(3)
أقرب إلى الاحتياط".
قوله: (وإن زالت بزنا فكذلك عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(4)
: "وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: لا يكتفى بسكوتها"، وقال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي، وقال في "الحقائق":"والخلاف فيما إذا لم يصِر الفجور عادة لها ولم يُقَم عليها الحد، حتى إذا اعتادت ذلك أو أخرجت فأقيم عليها الحد يشترط نُطقُها بالاتفاق، هو الصحيح"، والله أعلم.
قوله: (وإذا قال الزوج بلغك النكاح فسكتِّ، وقالت: بل رددتُّ، فالقول قولها ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حينفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يستحلف فيه)، قال في "الحقائق":"والفتوى في النكاح على قولهما لعموم البلوى"-من "التتمة" وفتاوى قاضي خان-، وذكر في جامع البَزْدَوي
(5)
: أن هذا كله إذا لم يكن قصد به المال، فإن قصد به المال وجب الاستحلاف عندهم، كامرأة ادعت على رجل أنه تزوجها بكذا وأنه طلقها قبل
(1)
1/ 231.
(2)
"الفتاوى الخانية" 1/ 335.
(3)
في (جـ و د): "هذا أقرب إلى الاحتياط".
(4)
1/ 232.
(5)
البَزدَوِي؛ هو علي بن محمد بن الحسين، فخر الإسلام أبو الحسن، له كتاب "المبسوط"، وشرح الجامع الكبير والجامع الصغير وله كتاب في الأصول مشهور. توفي- رحمه الله سنة 482 بسمرقند.
قال في "كشف الظنون": "والجامع الكبير لفخر الإسلام علي البزدوي". (الكشف 1/ 570، تاج التراجم ص 205، 206 رقم 162، الفوائد البهية ص 209 - 211 رقم 267).
ولا ينعقد بلفظ الإجارة* والإعارة والإباحة، ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي بكرًا كانت أو ثيبًا، والولي هو العصبة، فإن زوجهما الأب والجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما، وإن زوجهما غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ إن شاء أقام على النكاح وإن شاء فسخ*. ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون ولا لكافر على مسلمة، وقال أبو حنيفة يجوز لغير العصبات من الأقارب التزويج، * ومن لا ولي لها إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز. وإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن
أن يدخل بها ولزمه لها نصفه، يستحلف لها عند أبي حنيفة أيضًا، لأن المقصود به المال، ثم يثبت المال بنكوله ولا يثبت النكاح.
قوله: (ولا ينعقد بلفظ الإجارة)، قال في "عبارات
(1)
النوازل": "هو الصحيح، وينعقد بلفظ البيع، هو الصحيح"، ومثله في "الهداية"، قال الشراح: الأول احتراز عن قول الكَرْخي أنه ينعقد به، والثاني عن قول الأعْمَش أنه لا ينعقد به.
قوله: (وإن زوّجها غيرُ الأب والجد، فلكلّ واحد منهما الخيار إذا بلغ، إن شاء أقام على النكاح وإن شاء فسخ)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا خيار لهما"، قال الإسبيجابي:"والصحيح قولهما"، ومشى عليه المحبوبي والنسفي، وقال في "الهداية"
(3)
: "وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم والقاضي، وهو الصحيح من الرواية".
قوله: (وقال أبو حنيفة: يجوز لغير العصبات من الأقارب التزويج)، قال في "الهداية"
(4)
: "معناه عند عدم العصبات، وهذا استحسان، وقال محمد: لا يثبت وهو القياس، وهو رواية عن أبي حنيفة، وقول أبي يوسف في ذلك مُضْطرِب، والأشهر أنه مع محمد".
قلت: قال في "الكافي": "الجمهور أن أبا يوسف مع أبي حنيفة"، وقال في "التبيين"
(5)
: "وأبو يوسف مع أبي حنيفة في أكثر الروايات"، وعلى
(1)
في (جـ) و (د): "مختارات النوازل".
(2)
1/ 233.
(3)
1/ 233.
(4)
1/ 234.
(5)
"تبيين الحقائق" للزيلعي 2/ 126.
يزوج، والغيبة المنقطعة أن يكون في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة *.
والكفاءة في النكاح معتبرة، فإذا تزوجت المرأة غير كفؤ فللأولياء أن يفرقوا بينهما*،
الاستحسان مشى الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (والغَيْبة المنقطعة أن يكون في بلدٍ لا تصل إليه القوافل في السَّنَة إلا مرّة)، ذكره في "الينابيع" عن أبي شجاع
(1)
وصحّحه، وقال الإسبيجابي:"ومنهم من قدّره بمدّة السفر، وهو الذي عليه الفتوى، وفي "الصغرى": ذكر الفضلي أنه يفتى بالشهر، والصحيح أنه يفتى بثلاثة أيام"، وقال في "الهداية"
(2)
: "وهو اختيار بعض المتأخرين"، وفي "التبيين"
(3)
: "أكثر المتأخرين"، منهم: القاضي أبو علي النسفي
(4)
وسعد بن معاذ المَرْوزي
(5)
، ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبو علي السُّغْدي
(6)
وأبو اليسر البزدوي
(7)
، والصدر الشهيد وتبعهم النسفي.
وقيل: إذا كان بحال يفوت الكفؤ الخاطب باستطلاع رأيه، وهذا أقرب إلى الفقه، ونَسَب هذا في "الينابيع" لمحمد بن الفضل وقال:"قيل: وهذا أقرب إلى الصواب"، وقال السرخسي في "المبسوط":"هو الأصح"، وقال الإمام المحبوبي:"عليه الأكثر"، وصدّر به صدر الشريعة، [قلت]
(8)
: وهو أصح من تصحيح "الينابيع"، والله اعلم.
قوله: (وإذا تزوجت المرأة بغير كفؤ فللأولياء أن يفرِّقوا بينهما)، والمراد
(1)
هو السيّد الإمام أبو شجاع الذي كان في زمن الإمام علي السُّغْدي، قاله القرشي في الجواهر 4/ 53 رقم 1931، قلت: ومات السغدي سنة 461 هـ.
(2)
1/ 235.
(3)
2/ 127.
(4)
له ذكر في"الجواهر المضية" 4/ 65.
(5)
كنيته: أبو عِصمة، قال الدكتور عبد الفتاح الحلو: هو من رجال القرن الثالث. (انظر الجواهر المضية 4/ 66 رقم 1951.
(6)
تكرر ذكره عند المصنف ولم أعثر له على ترجمة، وقد يكون المراد به الإمام علي بن الحسين السغدي، أبو الحسن شيخ الإسلام، المتوفى سنة 461، (انظر تاج التراجم ص 209 رقم 167).
(7)
هو محمد بن محمد بن الحسين البزدوي، -أخ الإمام علي البزدوي-، كان من فحول المناظرين. تفقه عليه جماعة منهم أبو بكر السَّمرقندي صاحب تحفة الفقهاء. توفي سنة 493 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 4/ 98، 99 رقم 1992، تاج التراجم ص 275 رقم 256، الفوائد البهية ص 310،309 رقم 406).
(8)
زيادة لفظ "قلت"، من نسخة (جـ).
والكفاءة تعتبر في النسب والدِّين* والمال وهو أن يكون مالكًا للمهر والنفقة، * وتعتبر في
بالأولياء هنا العصبات فقط، ذكره في "الخلاصة"، وهذا ما لم تلد، وهذا على ظاهر الرواية، وعلى ما اختاره السرخسي: لا يصح العقد أصلًا، قال الإسبيجابي:"وإذا زوجها أحد الأولياء من غير كفؤ لم يكن للباقين حق الاعتراض عند أبي حنيفة، والصحيح قول أبي حنيفة، وقالا: لهم ذلك".
قوله: (في النسب والدِّين)، قال الإسبيجابي: "وأما اعتبار الدِّين فهو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: الفسق المستتر لا يؤثر، وقال محمد: الدِّين غير معتبر إلاّ أن يكون امرأً مستَخَفًّا، كمن يسكر ويمشي في الأسواق فيُسخر به
(1)
، والصحيح قول أبي حنيفة"، وقال الإمام المحبوبي: "هو اختيار الإمام محمد بن الفضل البخاري"، وخالف في "المحيط" وقال: "الفتوى على قول محمد"، وقال السَّرْخسي: "الصحيح من مذهب أبي حنيفة أن الكفاءة من حيث الصلاح غير معتبرة".
قلت: الأول أولى، لقول الإمام نجم الأئمة في شرح هذا الكتاب: "شرط الكفاءة يعتبر
(2)
في سبعة أوجه
…
خامسها: الدِّيانة، هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، لأنها من أعلى المفاخر، والمرأة تعيّر بفسق الزوج فوق ما تعيّر بِضَعَة نسبه"، وعلى هذا فقوله في "الهداية"
(3)
: "وهو الصحيح" أي: وهو الصحيح مذهبًا، لا كما زعم بعض شراحها أنه قِرانُ أبي يوسف مع أبي حنيفة، وقال الزاهدي في شرح هذا الكتاب: " (ط س م) الأصح
(4)
عند أبي حنيفة يعتبر في التقوى والحسب".
قوله: (والمال وهو أن يكون مالكًا للمهر والنفقة)، قال في "الهداية"
(5)
: "وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية .. والمراد بالمهر قدر ما يتعارفوا تعجيله .. وعن أبي يوسف أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر .. وأما الكفاءة في
(1)
كذا في الأصل، وفي (د):"فيسخر منه".
(2)
في (د): "معتبر".
(3)
1/ 236.
(4)
في (د): "الصحيح"، وذكر المصنف مثل هذه الرموز- نقلًا عن شرح الزاهدي- غير مرة، دون بيان المراد منها.
(5)
1/ 236.
الصنائع، * وإذا تزوجت المرأة ونقصت من مهرها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة* حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها، وإذا زوج ابنته الصغيرة ونقص من مهرها، أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد،*
الغنى فمعتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد".
قلت: هذا
(1)
خلاف ظاهر الرواية، وهو ظاهر من السَّوق، قال الإمام المحبوبي:"والقادر عليهما كفؤ لذات أموال عظيمة، هو الصحيح"، والله أعلم.
قوله: (وتعتبر في الصنائع)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا عند أبي يوسف ومحمد، [و] عن أبي حنيفة روايتان، وعن أبي يوسف: لا تعتبر إلاّ أن تفحش كالحجّام والحائك"، وقال الزاهدي:"وعن أبي يوسف، وأظهر الروايتين: لا تعتبر إلا أن تفحش"، ذكر في "شرح الطحاوي"
(3)
أن أرباب الصناعات المتقاربة أكفاءٌ، بخلاف المتباعدة، وهذا مختار المحبوبي، قال:"وحرفة، فحائك أو حجّام أو كنّاس أو دبّاغ ليس بكفؤ لعطّار أو بزار أو صراف، به يفتى".
قوله: (وإذا تزوجت المرأة ونقصت من مهرها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة)، وقالا: ليس لهم ذلك، ورجح دليل أبي حنيفة، واعتمده الأئمة: المحبوبي والنسفي والمَوْصلي وصدر الشريعة.
قوله: (وإذا زوّج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها، أو ابنه وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد)، قال الإسبيجابي: "وهذا قول أبي حنيفة وزفر، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز، واختلف في قولهما، أنه هل يجوز العقد أم لا؟ والصحيح قول أبي
(1)
أي الكفاءة في الغنى، "حتى إن الفائقة في اليسار لا يكافئها القادر على المهر والنفقة". ("الهداية" 1/ 236).
(2)
1/ 236.
(3)
كذا جاء ذكره مرات عديدة من غير بيان اسم الشارح .. وفي "كشف الظنون"(2/ 1627، 1628) أسماء عشرة من العلماء شرحوا مختصر الطحاوي. ثم رأيت الأستاذ أبا الوفاء الأفغاني يكثر النقل في تحقيقه لمختصر الطحاوي عن نسخة مخطوطة لشرح الإسبيجابي (علي بن محمد بن إسماعيل) عليه. وقد تطابق ما ذكره ابن قطلوبغا في هذا الكتاب -ص 361 - نقلًا عن شرح الطحاوي، مع نقل ذكره الأفغاني عن شرح الطحاوي للإسبيجابي. (انظر مختصر الطحاوي ص 277 ت رقم 1)، فيكون المراد: شرح الطحاوي للإسبيجابي.
ويصح النكاح إذا سمى فيه مهرًا ويصح وإن لم يسم فيه مهرًا، وأقل المهر عشرة دراهم، ومن سمى مهرًا عشرة فما زاد فلها المسمى إن دخل بها أو مات عنها، فإن سمى أقل من عشرة فلها عشرة، وإن طلقها قبل الدخول بها أو الخلوة فلها نصف المسمى، وإن تزوجها ولم يسم لها مهرًا أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها زوجها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة بثلاثة أثواب من كسوة مثلها،* وإن تزوج
حنيفة"، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (وهي ثلاثة أبواب من كسوة مثلها)، قال في "الينابيع":"على اعتبار حال المرأة في اليسار والإعسار، هذا هو الأصح"، وقال في "الهداية"
(1)
: "قوله: من كسوة مثلها، إشارة إلى أنه يعتبر حالها
(2)
، وهو قول الكرخي في المتعة الواجبة، لقيامها مقام مهر المثل، والصحيح أنه يعتبر حاله عملًا بالنص وهو قوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}
(3)
وقال في "التحفة"
(4)
: "يعتبر فيها حال الرجل كما في النفقة، هو الصحيح"، وقال الزاهدي: "وعند الخصّاف يعتبر بحالهما، وعند الرازي
(5)
يعتبر بحاله، وهو الأصح لصريح النص".
قلت: تصحيح "الينابيع" أولى لإشارة هذا "الكتاب"
(6)
، ولاتفاقهم على أن المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل لأنها خلَفُه، ولا تنقص عن خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة، ولو اعتبر قَدَرُه لناقض هذا. والنص الذي ذكر في المتعة، قيل إنه في المتعة المستحبة لظواهر النصوص.
قال الإمام أبو الحسن الكرخي في "مختصره": "والمتعة عندنا إذا كانت واجبة فهي على قدر حال المرأة، ويُنظر إلى متعة مثلها كما ينظر إلى مهر
(1)
1/ 239، 240.
(2)
في (جـ): "حالهما" تحريف.
(3)
سورة البقرة، الآية رقم 236.
(4)
تحفة الفقهاء 2/ 159، 160.
(5)
هو الإمام الكبير الثان أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجَصّاص، مولده سنة 305، سكن بغداد، وعنه أخذ فقهاؤها، تفقه على أبي الحسن الكرخي، وبه انتفع وعليه تخرج. وروى الحديث، وكان مشهورًا بالزهد والورع. له: أحكام القرآن وشرح مختصر الكرخي وشرح مختصر الطحاوي وله كتاب في الأصول، وشَرَح الجامعين لمحمد بن الحسن وغير ذلك من المصنفات. توفي سنة 370 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 220 - 224 رقم 155، تاج التراجم ص 96، 97 رقم 17، الفوائد البهية ص 53، 54 رقم 39).
(6)
أي مختصر القدوري، وذلك عند قوله:"من كسوة مثلها"، انظر الورقة 61 ب.
المسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز ولها مهر مثلها، وإن تزوجها ولم يسم لها مهرًا ثم تراضيا على تسمية فهي مهر لها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة، وإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة وتسقط بالطلاق قبل الدخول، فإن حطت عنه من مهرها صح الحط، وإذا خلا الزوج بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم طلقها فلها كمال المهر، فإن كان أحدهما مريضًا* أو صائمًا في رمضان * أو محرمًا بحج
مثلها، وإن كانت غير واجبة فهي على قدر الرجل كما قال جل وعزّ:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}
(1)
. والمتعة الواجبة عندنا إذا لم تستحق المرأة بالطلاق مهرًا ولا بعضه، لقول الله جل وعزَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
(2)
فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}
(3)
(4)
، وكل مطلقة مدخول
(5)
بها أو غير مدخول [بها] وجب لها بالطلاق مهر فلا متعة لها واجبة، وتستحب المتعة لكل مطلقة ولا تجب في الحكم، وهذا قول أصحابنا جميعًا". انتهى. والظاهر أن مرجع هذه الإشارة جميعُ ما ذكر -ويؤيده ما قدمنا [هـ]، من إشارة "الكتاب"، وما بعدها- وصرفها إلى البعض يتوقف على نقل عنهم يوجب ذلك.
قوله: (أو كان أحدهما مريضًا)، قال في "الهداية"،
(6)
: "أما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر، وقيل: مرضه لا يعرى عن تكسرِ وفتور، وهذا التفصيل في مرضها"، قال الصدر الشهيد:"هذا هو الصحيح"، نصّ عليه في "شرح "الهداية"".
قوله: (أو صائمًا في شهر رمضان)، أخرج صوم غيره وهذا هو الصحيح،
(1)
سورة البقرة، الآية رقم 236.
(2)
في نسختي: (أ و ب): "تُماسوهن" -بالألف وضم التاء- وهي قراءة حمزة والكسائي، وقرأ الباتون:"تَمَسُّوهن" بفتح التاء من غير ألف، وهو المثبت في (جـ و د)، (انظر الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم 2/ 1036).
(3)
سورة الأحزاب، الآية رقم 49.
(4)
سورة البقرة، الآية رقم 237.
(5)
في (أ)2. "مدخولًا".
(6)
1/ 240.
أو عمرة أو كانت حائضًا فليست بخلوة صحيحة، وإذا خلا المجبوب بامرأته فلها كمال المهر عند أبي حنيفة *.
وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرًا،* وإذا زوج الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل ابنته أو أخته فيكون أحد
نص عليه في "زاد الفقهاء" و"الينابيع" و"الهداية".
قوله: (وإذ خلا المجبوب بامرأته فلها كمال المهر عند أبي حنيفة)، قال أبو المعالي
(1)
في شرحه: "وقالا: لها نصف الصَّداق، والصحيح قوله"، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وتستحب المتعة لكل مطلَّقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرًا)، هكذا وُجد في كثير من النسخ، وتُكلِّف في الجواب عنه، وقال نجم الأئمة:"المكتوب في النسخ المُتْقَنَة: (ولم يسمِّ لها مهرًا)، وقال في "الدراية"
(2)
: "ضبطه كذلك غير واحد، وقد صححه ركن الأئمة الصَّبَّاغي
(3)
في شرحه لهذا "الكتاب"
(4)
، وكتب فوقه وتحته وقدامه: صح، صح، صح، وأشار إلى أن هذا من النساخ لا من المصنف، أو ظفر المصنف برواية لم يظفر بها غيره، وهو بعيد، وقال في "الينابيع":"المذكور في "الكتاب" غلط الناسخ".
وقد ظنّ صحة هذه النسخة شيخ الإسلام ركن الأئمة (و) الواغاني
(5)
ونجم الأئمة الحفصي
(6)
، فكتب إليهما أبو الرجاء أن هذا خلاف المذكور في
(1)
هو الإسبيجابي؛ محمد بن أحمد بن يوسف، أما الشرح المذكور فهو كتابه "زاد الفقهاء" الذي شرح به "مختصر القدوري"، والله أعلم.
(2)
قد يكون هذا الكتاب للشيخ الإمام قوام الدين محمد بن محمد البخاري الكاكي المتوفى سنة 749، إذ له شرح على "الهداية" سماه:"معراج الدراية". (انظر كشف الظنون 2/ 2033).
(3)
هو عبد الكريم بن محمد بن أحمد الصبّاغي ركن الأئمة ومفتي الأمة، تفقه على الإمام أبي اليسر محمد البزدوي. (الجواهر المضية 2/ 456 رقم 852، تاج التراجم ص 360 رقم 351، الفوائد البهية ص 171 رقم 214).
(4)
وفي هامش "كشف الظنون" 2/ 1634: "للصباغي شرح على القدوري، قال الزاهدي في المجتبى: قد أورد في شرحه فوائد عظيمة لا توجد في غيره".
(5)
كذا في (أ و ب)، وفي (د):"والزاغاني"، وفي (جـ):"والوغاني"، وبإثبات واو العطف في جميع النسخ، والسياق "الجواهر المضية" 4/ 338، رقم 2055، و"الفوائد البهية" ص 129 رقم 157:"الإمام ركن الدين الوانجاني الخوارزمي، كان إمامًا جليلًا .. الخ".
(6)
طاهر بن محمد بن عمر الحفصي، نجم الدين أبو المعالي، صاحب الفصول في علم الأصول، =
العقدين عوضًا عن الآخر فالعقدان جائزان ولكل واحدة منهما مهر مثلها، وإذا تزوج حر امرأة على خدمته سنة أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها، * وإذا تزوج عبد حرة بإذن مولاه على خدمتها سنة جاز، وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنُها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: أبوها *. ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن
التفاسير والأصول والشروح، فإنه ذكر في "الكشاف"
(1)
و"تفسير الحاكم"
(2)
وغيرهما أن المتعة مستحبة للتي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرًا
(3)
. وذكر في "الأصل" والإسبيجابي في موضعين و"زاد الفقهاء" وغيرها: أنها تستحب لها المتعة، فلا يصح استثناؤها من الاستحباب بخلاف المُفَوَّضة لأنها مستثناة من الاستحباب بالوجوب
(4)
، فاستصوبا ذلك واتفقا على أن المستثناة هي التي طلقها قبل الدخول ولم يسمّ لها مهرًا، والله أعلم.
قوله: (وإن تزوج حرٌ امرأةً على خدمته سَنَة، أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها)، وقال محمد: لها قيمة خدمته، [و] المختار قولهما على الرسم، وعليه مشى المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: أبوها)، واعتمد قولهما الأئمة المذكورون قبله.
= أستاذ أبي المؤيد الخوارزمي الخطيب، ومختار الزاهدي وغيرهما. (الجواهر المضية 2/ 279 رقم 670، تاج التراجم ص 173 رقم 119، الفوائد البهية ص 147 رقم 183).
(1)
كتاب "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، تأليف الإمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، المتوفى سنة 538، قال ابن قطلوبغا في "تاجه": "صنف التصانيف البديعة، منها: الكشاف في تفسير القرآن العزيز، لم يصنف قبله مثله. (تاج التراجم ص 292، وكشف الظنون 2/ 1475).
(2)
هو -والله أعلم- تفسير الحاكم الجشمي المسمي المسمى بـ "التهذيب"، تأليف أبي سعيد محسِّن بن كرّامة البيهقي، ويقال له الحاكم الجشمي، توفي مقتولًا بمكة سنة 494 رحمه الله تعالى. (كشف الظنون 1/ 517، الأعلام 5/ 289).
(3)
انظر "كشاف" الزمخشري 1/ 374.
(4)
قال الإمام الكاساني: "كل فُرقة جاءت قبل الزواج قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه توجب المتعة .. وقال: والمخيرة إذا اختارت نفسها قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه فلها المتعة لأن الفرقة جاءت من قبل الزوج، لأن البينونة مضافة إلى الإبانة السابقة وهي فعل الزوج". (بدائع الصنائع 2/ 303).
مولاهما، وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته بياع فيه، وإذا زوج أمته * فليس عليه أن يبوأها بيتًا للزوج ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج متى ظفرت بها وطئتها، وإذا تزوج على ألف على أن لا يخرجها من البلد أو على أن لا يتزوج عليها فإن وفّى بالشرط فلها المسمى، وإن تزوج عليها أو أخرجها فلها مهر مثلها، وإن تزوجها على حيوان غير موصوف * صحت التسمية ولها الوسط منه، والزوج مخير إن شاء أعطاها ذلك وإن شاء أعطاها قيمته، ولو تزوجها على ثوب غير موصوف* فلها مهر مثلها.
قوله: (وإذا زوج المولى أمته)، قال القاضي
(1)
: "لو كانت صغيرة فعَتَقت ثم بلغت كان لها خيار العتق .. والصحيح أنه لا يكون لها خيار البلوغ".
قوله: (وإن تزوجها على حيوان غير مَوْصوف .. )، قال أبو الرجاء:"أراد أنه ذكر جِنسَه دون وَصْفه"، وكذا في "الهداية"
(2)
.
قوله: (وإن تزوجها على ثوب غير موصوف .. )، قال أبو الرجاء:"معناه ذكر الثوب ولم يرد عليه".
قال القاضي
(3)
: "ولو تزوج امرأة على هذه العشرة الأثواب فإذا هي تسعة، قال محمد: لها التسعة وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قيمة التسعة، وفي قياس قول أبي حنيفة لها التسعة لا غير إذا كانت قيمة التسعة عشرة دراهم. ولو كانت الثياب أحد عشر، قال محمد: يعطيها عشرة منها، أيّ عشرة شاء. [و] في قياس قول أبي حنيفة: إن كان مهر مثلها مثل العشرة إذا عزل أخسّها، يعزل الأخس ولها الباقي لا غير، وإن كان مثل العشرة إذا عزل الأجود فلها العشرة، وإن كان أكثر إذا عزل الأجود وأقل إذا عزل الأخس
(4)
كان لها مهر المثل، كما لو تزوج على هذا العبد أو على هذا العبد، وأحدهما أوكس والآخر أرفع. والفتوى على قول أبي حنيفة".
- ولو تزوجها على هذا الحر فإذا هو عبد .. وأخواتها
(5)
، قال القاضي:
(1)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 415.
(2)
1/ 243، وقال صاحب "الهداية" رحمه الله:"معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف، بأن يتزوجها على فرس أو حمار، أما إذا لم يسمّ الجنس بأن يتزوجها على دابة، لا تجوز التسمية، ويجب مهر المثل".
(3)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 376.
(4)
في (أ و ب و جـ): "الأحسن" وكذا في الموضعين السابقين، وهو تصحيف، والمثبت من (د) و"الخانية". وعبارة قاضي خان في هذه المسألة الأخيرة هي:"وإن كان مهر مثلها أكثر من قيمة الأثواب إذا عزل الأجود، وأقل من قيمة الأثواب إذا عزل الأخس كان لها مهر المثل".
(5)
أخوات المسألة المذكورة؛ كان يقول: تزوجتك على هذا الخنزير، فإذا هو شاة، أو على هذه الشاة =
ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطل. وتزويج الأمة والعبد بغير إذن مولاهما موقوف فإن أجازه المولى جاز وإن رده بطل، وكذلك لو زوج رجل امرأة بغير رضاها أو رجلا بغير رضاه، ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه وإذا أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز، وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها، وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها وكذلك بعد الخلوة، فإن دخل بها فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى وعليها العدة ويثبت نسب ولدها،* ومهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عمها ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها، ويعتبر في مهر المثل أن يتساوى المرأتان في السن والجمال والمال والعقل والدين والبلد والعصر، ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية. ولا يتزوج أمة على حرة، ويجوز تزويج الحرة على الأمة. وللحر أن يتزوج أربعًا من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك، ولا يتزوج العبد أكثر من اثنين، فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقًا بائنًا لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها. وإذا زوج الأمة مولاها ثم أعتقت فلها الخيار حرًا كان زوجها أو عبدًا وكذلك المكاتبة. وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح ولا خيار لها، ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل
" روى محمد عن أبي حنيفة أن لها مهر المثل، وروى أبو يوسف عنه أن لها المشار إليه، وهو الصحيح".
- ولو تزوجها على بيت وخادم، قال أبو حنيفة لها ثمانون دينارًا، قيمة الخادم أربعون، وقيمة البيت أربعون، وقالا: يعتبر فيه الغلاء والرخص، والفتوى على قولهما
(1)
.
- ولو زوج أمته فقتلت نفسها، هل يسقط المهر؟ عن أبي حنيفة روايتان، والصحيح أنه لا يسقط
(2)
.
قوله: (وثبت
(3)
نسَبُ ولدها)، قال في "الجواهر":"عند محمد يعتبر من وقت الدخول لا من وقت العقد، وعليه الفتوى"، وكذا قال قاضي خان
(4)
.
= الميتة فإذا هي ذكية، أو على هذا الخمر فإذا هو خَلّ .. وللمسألة حالات أخرى، وقد فضل أحكام كل منها الإمام قاضي خان في "فتاواه" 1/ 377، 381، 382، فراجعه هناك إن شئت.
(1)
"الفتاوى الخانية" 1/ 381.
(2)
"الفتاوى الخانية" 1/ 385.
(3)
في (جـ و د): "وبثبت".
(4)
في "الفتاوى" 1/ 371.
نكاحها وبطل نكاح الأخرى، وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار لزوجها، وإذا كان بالزوج جنون أو جذام أو برص فلا خيار للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف،* فإن كان عنينًا أجله الحاكم حولًا* فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما إن طلبت المرأة ذلك، والفرقة تطليقة بائنة ولها كمال المهر إذا كان قد خلا بها، وإن كان مجبوبًا فرّق بينهما في الحال ولم يؤجله، والخصي يؤجل كما يؤجل العنين، وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض عليه القاضي الإسلام فإن أسلم فهي امرأته وإن أبى الإسلام فرق بينهما، وكان ذلك طلاقًا بائنًا عند أبي حنيفة ومحمد*، وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام فإن أسلمت فهي امرأته وإن أبت فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة طلاقًا، فإن كان دخل بها فلها المهر وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها، وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيض، فإذا حاضت بانت من زوجها، وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما، وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلما وقعت البينونة بينهما، وإن سُبي أحدهما وقعت البينونة بينهما، وإن سُبيا معًا لم تقع البينونة، وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة جاز أن تتزوج ولا عدة عليها عند أبي حنيفة *،
قوله: (وإن كان بالزوج جنونٌ أو جُذام أو بَرَصٌ فلا خيار للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف)، قال الإمام بهاء الدين
(1)
في شرحه لهذا الكتاب: "وقال محمد: يفسخ بالجنون والجذام والبرص في الزوج، والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف"، وعليه مشى الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (أخلَهُ الحاكمُ حَوْلًا)، فلو مرض أحدهما مرضًا لا يستطاع معه الجماع؛ عن محمد لا يحسب الشهر، وما دونه يحسب وهو أصح الأقاويل [والله أعلم].
ولو تزوج امرأةً تَعْلم حاله مع التي قبلها، الصحيح أن لها حق الخصومة.
قوله: (وكان ذلك طلاقًا عند أبي حنيفة ومحمد)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف: هي فُرْقةٌ بغير طلاق، والصحيح قولهما"، وعليه مشى المشايخ المذكورون قبله.
قوله: (وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرةً جاز أن تتزوّج، ولا عِدّة عليها عند أبي حنيفة)، قال الشيخ جمال الإسلام
(2)
في شرحه: "وقالا: عليها
(1)
المنسوب إلى إسبيجاب، كما قال المصنف ص 383، وفي نسخة (د):"قال الإمام برهان الدين".
(2)
أسعد بن محمد بن الحسين أبو المظفر، جمال الإسلام الكَرابِيسي، له كتاب الفروق والموجز في =
فإن كانت حاملًا لم تتزوج حتى تضع حملها،* وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت البينونة بينهما وكان ذلك فرقة بغير طلاق،* فإن كان الزوج هو المرتد وقد دخل بها فلها المهر وإن كان لم يدخل بها فلها نصفه، وإن كانت المرأة هي المرتدة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كانت الردة بعد الوطء فلها المهر، وإن ارتدا معًا وأسلما معًا فهما على نكاحهما، ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة وكذلك المرتدة فلا يتزوجها مسلم ولا كافر، فإذا كان أحد الزوجين مسلمًا قالولد على دينه، وكذلك إن أسلم أحدهما ولهما ولد صغير صار ولده مسلما بإسلامه، وإذا كان أحد الأبوين كتابيًا والآخر مجوسيًا فالولد كتابي، وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه،* وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته ثم أسلما أو أحدهما فرق بينهما.
العدّة، والصحيح قوله"، واعتمده المذكورون قبل.
قوله: (وإن كانت حامِلًا لم تتزوّج حتى تَضَع حَمْلها)، قال في "الهداية"
(1)
: "وعن أبي حنيفة أنه يصحّ النكاح ولا يقربها زوجها حتى تضع، كما في الحبلى من الزنا"، قال الإسبيجابي:"والصحيح هو الأول".
قوله: (وإذا ارتدَّ أحدُ الزوجين عن الإسلام، وقعت البَينُونة بينهما فُرْقة بغير طلاق)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الرِّدة من الزوج فهي فرقة بطلاق"، واعتمد قولهما
(3)
الأئمة المذكورون أوّلًا
(4)
.
قوله: (وإذا تزوّج الكافر بغير شُهُود أو في عدَّة كافرٍ وذلك في دينهم جائز ثم أَسْلَما أُقِرّا عليه)، قال في "زاد الفقهاء":"وأما قوله في عدة كافر، فهو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد وزفر: لا يُقَرّان عليه، والصحيح قوله"، واعتمده من ذكرنا"
(5)
.
= الفقه شرح مختصر أبي جعفر، واختُلف في سنة وفاته، كما اختلف في تعيين الكتاب المشروح. انظر تعليق محقق الجواهر المضية 1/ 386 رقم 314، وانظر: تاج التراجم ص 132 رقم 67، وكشف الظنون 2/ 1898، والفوائد البهية ص 80 رقم 74).
(1)
1/ 255.
(2)
1/ 255.
(3)
في نسخة (د): "فهي فرقة طلاق، واعتمد قوله الأئمةُ".
(4)
أي: المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
(5)
أي في ص 332.
وإذا كان لرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما في القسم بكرين كانتا أو ثيبين أو إحداهما بكرًا والأخرى ثيبًا، وإن كانت إحداهما حرة والأخرى أمة فللحرة ثلثان من القسم وللأمة الثلث، ولا حق لهن في القسم حال السفر، ويسافر الزوج بمن شاء منهن والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها، وإذا رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز ولها أن ترجع عن ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كتاب الرّضاع
قليل الرضاع وكثيره سواء، إذا حصل في مدة الرضاع تعلق به التحريم، ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهرًا، وقال أبو يوسف ومحمد سنتان *، فإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريم. ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أم أخته من الرضاعة فإنه يجوز له أن يتزوجها ولا يتزوج أم أخته من النسب، ويتزوج أخت ابنه من الرضاع ولا يتزوج أخت ابنه من النسب، وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها كما لا يجوز أن يتزوج امرأة ابنه من النسب، ولبن الفحل يتعلق به التحريم وهو أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها وعلى آبائه وأبنائه ويصير الزوج الذي نزل منه اللبن أبًا
كتاب الرضاع
قوله: (ومدة الرَّضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهرًا، وقال أبو يوسف ومحمد: سنتان)، مشى على قوله المحبوبي والنسفي، وقال في "العَون على الدراية":"وبقولهما نأخذ في الفتوى"، وهذا أولى لأنه أجيب في "شرح الهداية" عما يُستدل له به على الزيادة على سنتين وبعد الجواب قال
(1)
: "فكان الأصح قولهما، وهو مختار الطحاوي"، وقد روى فيه عن ابن عباس:"لا رضاع بعد حولين"، وعن ابن مسعود:"لا رضاع بعد حولين"، وروي رجوع أبي موسى الأشعري إلى قول ابن مسعود
(2)
. وعن سعيد بن المسّيب: "لا رضاع بعد حولين"
(3)
وغير ذلك، والله اعلم.
[و] الرضاع يحرّم في المدتين على القولين، فَطَم في المدة ثم سقي بعده أو لم يفلهم، وهو الظاهر من المذهب، نصّ عليه في "الحقائق" وفتاوى
(1)
"فتح القدير" لابن الهمام 3/ 444. (دار الفكر).
(2)
انظر "فتح القدير" 3/ 442، 3/ 445. (دار الفكر).
(3)
انظر "موطأ الإمام مالك برواية الإمام محمد مع التعليق المسيَّب" للكنوي 2/ 594، 595 رقم 619، 620، 621، وفيه ذكر هذا الأثر عن سعيد بن المسيِّب وعروة بن الزبير وعبد الله بن عباس.
وفيه أيضًا أن حديث: "لا رضاع بعد حولين" رواه الدارقطني عن ابن عباس يرفعه هكذا: "لا رضاع إلا ما كان من حولين" ثم قال: "وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا على ابن مسعود وعلي، والدارقطني على عمر.
للمرضعة، ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب وذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها، وكل صبيين اجتمعا على ثدي واحد لم يجز لأحدهما أن يتزوج الآخر، ولا يجوز أن يتزوج المرضعة أحد * من ولد التي أرضعت ولا ولد ولدها*، ولا يجوز أن يتزوج الصبي المرضع أخت الزوج لأنها عمته من الرضاع، وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب يتعلق به التحريم، وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم، وإذا اختلط اللبن بالطعام لم يتعلق به التحريم وان كان اللبن غالبًا عند أبي حنيفة*،
قاضي خان، وقال في "مختارات النوازل":"وعليه الفتوى"، وقال في "الينابيع":"هي رواية محمد، وعليه الفتوى"، وقال النّاطِفي في "واقعاته":"الفتوى على ظاهر الرواية".
قوله: (ولا يتزوج المرضَعةَ أحدٌ)، قال في "الجواهر": "صح
(1)
بفتح ضاد مرضعة ورفعِ أحد".
قوله: (ولا ولد ولدها)، قال الإمام أبو الرجاء الغَزْمِيني في الشرح: "اختلف النسخ والأساتذة في إعراب قوله: (ولا ولد)، فبعضهم رفعوه وبعضهم نصبوه، وكان أشيخنا، شيخ الإسلام علاء الأئمة الحارثي
(2)
يقول: يجوز بالحركات الثلاث، أما الرفع فعطفًا على (أحدٌ)، وأما النصب فعطفًا على (المرضَعَةَ)، أي لا يتزوج المرضعة ولد ولدها
(3)
، وأما الجر فعطفًا على (مِن ولدِ التي أرضعته)، والرفع أظهر".
قوله: (وإن اختلط اللّبَن بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبًا عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(4)
: "وقالا: إذا كان اللَّبن غالبًا يتعلق به التحريم، وقولهما فيما إذا لم تمسه النار، حتى لو طبخ بها لا يتعلق به التحريم في قولهم جميعًا .. ولا يعتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده، هو الصحيح"، وقال قاضي خان
(5)
: "إنه الأصح"، وهذا احتراز عن قول من قال
(1)
في (د): "قال في الجواهر: صح صح".
(2)
هو محمود بن عبيد الله بن صاعد الحارثي الطّايكاني، علاء الدين، شيخ الإسلام بمرو، له تصانيف منها: العون في الفقه. توفي سنة 606 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 444 رقم 1621، تاج التراجم ص 290 رقم 277، الفوائد البهية ص 342 رقم 453).
(3)
كذا في النسخ المخطوطة، وكان الصواب زيادة:"ولا"، ليصير المعنى: "لا يتزوج المرضعةَ ولا ولدَ ولدها
…
".
(4)
1/ 259.
(5)
"الفتاوى الخانية" 1/ 418.
وإذا اختلط بالدواء* وهو الغالب تعلق به التحريم، وإذا حلب اللبن من المرأة بعد موتها فأوجر الصبي به تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم، وإذا اختلط لبن المرأتين تعلق التحريم بأكثرهما عند أبي يوسف، وقال محمد: بهما*، وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت به صبيًا تعلق به التحريم، وإن نزل لرجل لبن فأرضع صبيًا لم يتعلق به التحريم، وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع بينهما، وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج، فإن كان لم يدخل على الكبيرة فلا مهر لها وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد فلا شيء عليها، ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفردات وإنما يثبت بالشهادة من رجلين أو رجل وامرأتين.
من المشايخ إن عدم إثبات أبي حنيفة الحرمة واللبنُ غالب، هو إذا لم يكن متقاطرًا عند رفع اللُّقْمة، أما معه فيحرم اتفاقًا. وقد رجحوا دليل الإمام ومشى على قوله المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (وإذا اختلط بالدَّواء)، قال القاضي
(1)
: "ولا يحصل بالحقنة في ظاهر الرواية، وعن محمد يحصل بالاحتقان".
قوله: (إذا اختلط لَبَنُ امرأتين تعلق التحريم بأغلبهما عند أبي يوسف، وقال محمد: يتعلق بهما)، قال في "الهداية"
(2)
: "وعن أبي حنيفة في هذا روايتان"، ومشى على قول أبي يوسف الإمام المحبوبي والنسفي، وَرَجَّحَ قولَ محمد الطحاويُّ
(3)
، وفي "شرح الهداية"
(4)
: "وكأن مَيْل المصنف إلى ما قال محمد حيث أخر دليله، فإن
(5)
الظاهر أن من تأخر كلامه في المناظرة كان القاطع للآخِر، وأصله أن السَّكوت ظاهر في الانقطاع
(6)
، ورجّح بعض المشايخ قول محمد أيضًا، وهو ظاهر".
قلت: وقوله هو الأحْوَط في باب الحرمات، والله أعلم.
(1)
في نسخة (جـ و د): "قال قاضي خان"، وانظر "الفتاوى الخانية" 1/ 417، 418.
(2)
1/ 259.
(3)
انظر "مختصر الطحاوي" ص 222.
(4)
"فتح القدير" لابن الهمام 3/ 454. (دار الفكر).
(5)
المثبت من (جـ) و"فتح القدير"، وفي (1):"لأن".
(6)
ومِن أبيات العلامة ابن عابدين في رسم المفتي 1/ 37 في ذلك:
وسابق الأقوال في الخانية
…
وملتقى الأبحر ذو مزية
وفي سواهما اعتمد ما أخروا
…
دليله لأنه المحرر
كما هو العادة في "الهداية"
…
ونحوها لراجح الدراية
كتاب الطّلاق
الطلاق على ثلاثة أضرب: أحسن الطلاق وطلاق السنة وطلاق البدعة، وأحسن الطلاق أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة * في طهر لم ي "جامعه"ا فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها، وطلاق السنة أن يطلق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهار، وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثًا بكلمة واحدة أو ثلاثًا في طهر واحد فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وبانت منه وكان عاصيًا، والسنة في الطلاق من وجهين، سنة في الوقت وسنة في العدد، فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة وهو أن يطلقها في طهر لم ي"جامعه"ا فيه، وغير المدخول بها يطلقها في حال الطهر والحيض، وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر فأراد أن يطلقها للسنة طلقها واحدة فإذا مضى شهر طلقها أخرى* فإذا مضى شهر طلقها أخرى.
ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بينها وبين وطئها وطلاقها بزمان، وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، ويطلقها للسنة ثلاثًا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد لا يطلقها للسنة إلا واحدة*، وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع
كتاب الطلاق
قوله: (تَطْليقةً واحدةً)، وظاهر الرواية أن لا تكون بائنة، وفي "زيادات الزيادت"
(1)
: "البائن والرَّجْعي سواء"، والله أعلم.
قوله: (طلَّقها واحدةً، فإذا مضى شهرٌ طلَّقها أخرى .. الخ)، قال في "الهداية"
(2)
: "ثم إن كان الطلاق في أوّل الشهر تُعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه فبالأيام في حقّ التفريق، وفي حق العدّة كذلك عند أبي حنيفة، وعندهما: يُكمَّل الأول بالأخير والمتوسّطان بالأهلة، وهي مسألة الإجارات".
قوله: ([و] يطلقها للسُّنَّة ثلَاثًا، يَفْصل بين كلّ تَطْلِيقتين بشهرٍ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يطلّقها للسُّنّة إلّا واحدةً)، واعتمد
(1)
من كُتب الإمام الربّاني محمد بن الحسن الشيباني، وهكذا ورد اسم الكتاب في كشف الظنون 2/ 964. وقال الإمام الكوثري رحمه الله:"ومن كتب محمد بن الحسن: الزيادات وزيادة الزيادات ألفهما بعد الجامع الكبير استدراكًا لما فاته فيه من المسائل، وتُعدّان من أبدع كتبه .. وهما من الكتب المروية عنه بطريق الشهرة، وغلط من ذكرهما في عداد النوادر .. "، (بلوغ الأماني ص 65).
(2)
1/ 262.
الطلاق، ويستحب له أن يراجعها * فإذا طهرت وحاضت وطهرت فإن شاء * طلقها وإن شاء أمسكها. ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغًا عاقلًا ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم، وإذا تزوج العبد وطلق وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته. والطلاق على ضربين: صريح وكناية، فالصريح قوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك فهذا يقع به الطلاق الرجعي ولا يقع به إلا واحدة وإن نوى أكثر من ذلك، ولا يفتقر إلى النية، وقوله أنت الطلاق وأنت طالق الطلاق وأنت طالق طلاقًا، وإن لم تكن له نية فهي واحدة رجعية فإن نوى ثلاثًا كان ثلاثًا. والضرب الثاني: الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بدلالة حال، وهي على ضربين منها ثلاثة ألفاظ يقع بها طلاق رجعي ولا يقع بها إلا واحدة وهي قوله اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة*، وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة وإن نوى ثلاثًا كانت ثلاثًا، وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة، وهذا مثل قوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام وحبلك على غاربك والحقي بأهلك وخلية وبرية ووهبتك لأهلك وسرحتك وفارقتك وأنت حرة وتقنعي واستتري واعزبي وابتغي الأزواج، فإن لم تكن له نية لم يقع بهذه الألفاظ طلاق إلا أن يكونا في حال مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق في القضاء ولا يقع فيما بينه وبين اللّه تعالى إلا أن ينويه، وإن لم يكونا في مذاكرة
قولهما المحبوبي والنسفي والمَوْصِلي وغيرهم كما هو الرسم.
قوله: (يُستحبُّ له أن يراجِعَها)، قال نجم الأئمة في الشرح:"استحباب المراجعة قول بعض المشايخ، والأصح أنه واجب"، [وقال في "الهداية"
(1)
: "ثم الاستحباب قول بعض المشايخ، والأصح أنه واجب"]
(2)
، وقال الإمام برهان الأئمة المحبوبي:"وتجب رَجْعتُها في الأصح".
قوله: (فإذا طَهُرَتْ وحاضَت وطَهُرت، فهو مُخَيَّر)، قال الكَرْخي:"هذا قولهما، وقول أبي حنيفة: له أن يطلِّقها في الطُّهْر الذي يلي الحيضة التي طلَّقَها وراجعها فيها"، قال في "الكافي":"إن المذكور في "الكتاب" ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، والذي ذكره الكرخي رواية عن أبي حنيفة"، والله أعلم.
قوله
(3)
: (وأنت واحدة)، قال في "الهداية"
(4)
: "ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ، هو الصحيح"، وكذا قال في "الجواهر"، والله أعلم.
(1)
1/ 263.
(2)
زيادة من نسخة (جـ).
(3)
ذُكر هذا القول في النسخ (أ، ب، جـ، د) في غير هذا الموضع من هذا الباب، وأثبته هنا ليوافق متن القدوري.
(4)
1/ 275.
الطلاق وكانا في غضب أو خصومة وقع الطلاق بكل لفظ لا يقصد به السب والشتيمة ولم يقع بما يقصد به السب والشتيمة إلا أن ينويه. وإذا وصف الطلاق* بضرب من الزيادة والشدة كان ذلك بائنًا مثل أن يقول أنت طالق بائن وطالق أشد الطلاق وأفحش الطلاق وطلاق الشيطان والبدعة وكالجبل وملء البيت. وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة* وقع الطلاق مثل أن يقول: أنت طالق أو رقبتك طالق أو عنقك طالق أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك، وكذلك إن طلق جزءًا شائعًا منها مثل أن
قوله: (وإذا وَصَفَ الطَّلاقَ .. الخ)، هذا قول أبي حنيفة وهو الصحيح، وعليه مشى المحبوبي والنسفي والمَوْصلي وغيرهم، وعن أبي يوسف في قوله:(أنتِ طالِقٌ للبدعة) لا يكون بائنًا إلا بالنّية، وعن محمد في قوله:(أنت طالق للبدعة أو طلَاق الشيطان) يكون رجعيًّا، وعن أبي يوسف في قوله (مثل الجبل) يكون رجعيًا.
فرع: قال القاضي
(1)
: "لو قال أنت طالق لا قليل ولا كثير، اختلف فيه الأقاويل لاختلاف الروايات، قال أبو جعفر: يقع طلاقان
(2)
، وقال ابن الفضل تقع واحدة، وقال ابن سلام
(3)
يقع ثلاث، والأظهر ما قال أبو جعفر.
- ولو قال: يا مُطَلَّقة، وكان لها زوج قبلَه طلَّقَها، إن لم ينوِ الإخبار طَلُقَت، وإن نواه دُيِّن فيما بينه وبين الله [تعالى]، وهل يديّن في القضاء؟ اختلفت الروايات، والصحيح أنه يدين.
- واختلف المشايخ في: وهبتك
(4)
طلاقَكِ أو برِئتُ
(5)
من طلاقك، والصحيح أنه لا يقع".
قوله: (أو إلى ما يُعَبَّر به عن الجُمْلة .. الخ)، وفي "الهداية"
(6)
: "واختلفوا في الظَّهْر والبَطْن، والأظهر أنه لا يصح"
(7)
.
(1)
"فتاوى قاضي خان"1/ 454، 455.
(2)
في نسخة (د): "الطلقا".
(3)
في "الفتاوى": "وقال الفقيه أبو النصر بن سلام" اهـ، وهو محمد بن محمد بن سلام، أبو نصر البلخي، صاحب الطبقة العالية. كانت وفاته سنة: 305 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 326 رقم 1491، الفوائد البهية ص 276 رقم 351).
(4)
في"الخانية": "رهنتك".
(5)
في (ب ود): "أبرأت".
(6)
1/ 267.
(7)
في الأصل و (ب و د): " .. والأصح أنه يصح"، والمثبت من نسخة (جـ) و"الهداية".
يقول: نصفك طالق أو ثلثك طالق، وإن قال يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق، وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلث تطليقة كانت واحدة. وطلاق المكره والسكران واقع *،
فرع: لو قال هذا الرأسُ طالق، وأشار إلى رأس امرأته، الصحيح أنه يقع، كما لو قال رأسُك هذا طالق
(1)
.
قوله: (وطلاق المُكْرَهِ والسَّكران واقع)، قال في "الينابيع ":"يريد بالسكران الذي سكر بالخمر أو من النبيذ، أما إذا سكر من البنج أو من الدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، [وفي "الجواهر": "وفي هذا الزمان إذا سكر من البنج يقع طلاقه زجرًا له، وعليه الفتوى"]
(2)
ثم الطلاق من السُّكْر بالخمر
(3)
واقع، سواء شَرِبَها طَوْعًا أو كَرْهًا أو مضطرًا"
(4)
، وقال الزاهدي:" (شص) - يعني في شرح ركن الأئمة الصباغي لهذا الكتاب-: سَكِرَ بلا فعل محظورٍ، بأن أُكره على شرب الخمر، فحكمه في التصرفات حكم المجنون بلا خلاف".
قلت: فهذان في طَرَفَيْ نقيض، وقول الصَبّاغي بلا خلاف يخالفه ما في "الذخيرة": "ولو أكره على الشُّرب، أو شَرِبَ الخمر عند الضرورة فذهب عقله وطلق امرأته فطلاقه واقع، رواه هشام
(5)
عن محمد، -وعلل فقال-: لأن عقله إنما ذهب بلَذَّة، قال: ولو ذهب عقله من داء ليس بلذة فطلق امرأته لا تطلق".
والتحقيق ما قال قاضى خان
(6)
: "ولو أكره على شُرب الخمر، أو شرِبَ الخمر للضرورة وسَكِرَ وطلَّق، اختلفوا فيه، والصحيح أنه كما لا يلزمه الحد لا يقع طلاقه ولا يَنفُذُ تصرفه"، وأعاده في الأشربة
(7)
وقال: "والصحيح أنه لا يقع .. وعن محمد أنه يقع، والصحيح هو الأول. ولو شرب شرابًا حُلْوًا فلم
(1)
ينظر "فتاوى قاضي خان" 1/ 457.
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي (جـ و د).
(3)
وفي (جـ ود): "بالسكر من الخمر".
(4)
في (جـ): "أو كرهًا أو منفردًا أو مضطرًا) بزيادة: (أو منفردًا).
(5)
هو هشام بن عبيد الله الرازي، صاحب محمد بن الحسن، قال أبو حاتم: صدوق ما رأيت اْعظم قدرًا منه. (الجواهر المضية 3/ 371، 569، 570 رقم 1775، الفوائد البهية ص 367 رقم 493).
(6)
في "الفتاوى" 1/ 470.
(7)
انظر "الفتاوى الخانية" 3/ 234.
ويقع الطلاق بقوله أنت حرة إذا قال نويت به الطلاق *، ويقع طلاق الأخرس بالإشارة وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح مثل أن يقول إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وإذا أضافه إلى شرط وقع عقيب الشرط مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق، ولا يصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكًا أو يضيفه إلى ملكه، فإن قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق.
يوافقه فذهب عقله وطلّق، قال محمد: لا يقع طلاقه، وعليه الفتوى".
قال في "مختارات النوازل": "وإذا أُكره الرجل على شرب الخمر وسَكِر منه وطلق، فالصحيح أنه لا يلزمه الحد ولا يقع الطلاق، وذكر في العُيُون
(1)
عن محمد أنه يقع، لأنه ما زال عقله بالإكراه، وإنما زال بأثر ما شرب، وأثر الشيء يكون بعدَه.
ولو سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والفواكه والعسل إذا طلق أو أعتق اختلفوا فيه
(2)
، قال أبو جعفر: الصحيح أنه كما لا يلزمه الحد لا ينفذ تصرفه".
قوله: (ويقع الطلاق بالكتابة إذا قال نويت به الطلاق)، قال نجم الأئمة في شرحه لهذا الكتاب:"اختلف نسخ "المختصر" والشروح له، ففي أعمّها لم تذكر هذه الزيادة، وفي بعضها ذكرت لكن بألفاظ مختلفة، ففي شرح السرخسي لهذا الكتاب: وطلاق المكره والسكران واقع إذا قال نويت به الطلاق، وفي (شق)
(3)
: ويقع الطلاق إذا قال نويت به الطلاق، قال أبو نصر الأقطع: وليس هذا مذهب أصحابنا، ولعل صاحب "الكتاب" كان قوي عنده مذهب أبي الحسن [الكرخي]
(4)
في أنهُ لا يقع طلاقه، فإذا قال: نويت الطلاق، صدق بالإجماع".
(1)
قال حاجي خلفية رحمه الله: "عيون المسائل في فروع الحنفية، لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي المتوفى سنة 376، ولاأبي القاسم عبد اللّه بن أحمد البلخي المتوفى سنة 319، ولصاحب المحيط". (كشف الظنون 2/ 1187)، وانظر "عيون المسائل" للسمرقندي باب الأشربة ص 180.
(2)
قال قاضي خان: "وهو كاختلافهم في وجوب الحد؛ مَن قال يجب الحدّ بالسكر عن هذه الأشربة يقول تنفذ تصرفاته، ليكون زجرًا له، ومن قال لا يجب الحد في هذه الأشربة، وهو الفقيه أبو جعفر وشمس الاْئمة السرخسي رحمهما الله تعالى، يقول لا تنفذ تصرفاته". (الفتاوى 3/ 233).
(3)
في هامش الأصل: "يعني شرح الأقطع".
(4)
زيادة من (جـ).
وألفاظ الشرط: إن وإذا وإذاما وكل وكلما ومتى ومتى ما، ففي كل هذه الشروط إذا وجد الشرط انحلت اليمين إلا في كلمة: كلما فإن الطلاق يتكرر بتكرر الشرط حتى يقع ثلاث تطليقات، فإن تزوجها بعد ذلك وتكرر الشرط لم يقع شيء، وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها فإن وجد الشرط في ملك انحلت اليمين ووقع الطلاق، وإن وجد في غير ملك انحلت اليمين ولم يقع شيء، وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج فيه إلا أن تقيم المرأة بينة، فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها مثل أن يقول إن حضت فأنت طالق فقالت قد حضت طلقت، وإن قال إذا حضت فانت طالق وفلانة معك فقالت قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، وإذا قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت، وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها، وطلاق الأمة تطليقتان، حرًا كان زوجها أو عبدًا، وطلاق الحرة ثلاث، حرًا كان زوجها أو عبدًا، وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول ثلاثًا وقعن عليها، فإن فرق الطلاق عليها بانت بالأولى ولم تقع الثانية، وإن قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت عليها واحدة، ولو قال أنت طالق واحدة قبل واحدة وقعت واحدة، وإن قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة وقعت ثنتان، وإن قال واحدة بعدها واحدة وقعت واحدة، وإن قال
وفي بعض النسخ: "ويقع الطلاق بقوله: أنت حرة إذا قال نويت به الطلاق"، قال نجم الأئمة:"وإنه حسن، وتقرير مذهب أصحابنا أن صريح طلاق السكران وكنايَتَه إذا قرنت به النية معتبر وواقع، ومحصول ما قاله السرخسي وأبو نصر الأقطع واحد، وعذره حسن، لكن ترك الزيادة أو ذكرها على الوجه الأخير أقيس وأليق بمذهب أصحابنا". انتهى، ولم يتعرض لهذه النسخة
(1)
؛ وتعرض لها في "الينابيع"، فقال: "إن كانت صحيحة، فالمراد به (إذا كتب طلاق امرأته على رسم الرسائل ونوى الطلاق يقع
(2)
)، وإن كان الصحيحَ النسخةُ الثانية -وهي قوله: ويقع الطلاق إذا قال نويت به الطلاق- فهو خلاف مذهبنا
(3)
"، وذكر نحو الأول.
(1)
أي في نسخة المصنف الشيخ قاسم لكتاب القدوري، حيث جاء فيها:"ويقع الطلاق بالكتابة" كما هو مثبت من (أ ب جـ) وفي (د): "بالكناية" تصحيف.
(2)
في نسخة (جـ): " .. فالمراد به: إذا كتب طلاق امرأته لا على رسم الرسائل، وإن كتب على رسم الرسائل يقع الطلاق ولا يصدق أنه لم ينوِ".
(3)
في (جـ): لا
…
فهو مذهبنا".
أنت طالق واحدة بعد واحدة أو مع واحدة أو معها واحدة وقعت ثنتان، وإذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت الدار وقع عليها واحدة عند أبي حنيفة، وقالا يقع ثنتان *، وإذا قال لها أنت طالق بمكة فهي طالق في كل البلاد، وكذلك إذا قال لها أنت طالق في الدار، وإذا قال لها أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة، وإذا قال لها أنت طالق غدًا وقع الطلاق عليها بطلوع الفجر، وإذا قال لامرأته اختاري نفسك، ينوي بذلك الطلاق أو قال لها طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها وإن اختارت نفسها في قوله اختاري نفسك كانت واحدة بائنة ولا يكون ثلاثًا وإن نوى الزوج ذلك فلا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها، وإن طلقت نفسها في قوله طلقي نفسك فهي واحدة رجعية، فإن طلقت نفسها ثلاثًا وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها، فإن قال لها طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده، وإذا قال لرجل طلق امرأتي فله أن يطلقها في المجلس وبعده، وإن قال طلقها إن شئت فله أن يطلقها في المجلس خاصة، وإن قال لها إن كنت تحبيني أو تبغضيني فأنت طالق فقالت أنا أحبك، أو أبغضك وقع الطلاق، وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت، وإذا طلق الرجل في مرض موته طلاقًا بائنًا فمات وهي في العدة ورثت منه وإن مات بعد انقضاء عدتها فلا ميراث لها، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله متصلًا لم يقع الطلاق، وإن قال أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال إلا اثنتين طلقت واحدة*، وإذا ملك الزوج امرأته أو
قوله
(1)
: (وإذا قال لها إنْ دخلتِ الدار فأنتِ طالقٌ واحدةً وواحدة، فدخلت الدارَ وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة، وقالا: يقع ثنتان)، قدّمَ الشرطَ أو أخرّه
(2)
، واعتمد قوله البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن قال لها: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، طلقت ثنتين، وإن قال: إلا ثنتين طلقت واحدة)، قال في "الهداية"
(3)
: "والأصل أن الاستثناء تكلم بالحاصل بعد الثنيا، هو الصحيح، ومعناه أنه تكلم بالمستثنى منه".
قلت: هذا التصحيح احتراز عن قول المخالف في المذهب، لا عن قول أحد
(4)
من الأصحاب، والله أعلم.
(1)
ذُكرت هذه المسألة في غير هذا الموضع (بعد المسألتين التاليتين) في نسخة (أ و ب و د) وأثبتها هنا لتوافق ترتيب المختصر.
(2)
أي: عندهما، وكذا عنده لو أخر الشرط. هكذا في "الهداية" 1/ 274.
(3)
1/ 287.
(4)
في نسخة (د): "لا عن قول محمد من الأصحاب".
شقصًا منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصًا منه وقعت الفرقة*.
قوله: (وإذا مَلَكَ الزوْجُ امرأتَه .. الخ)، قال القاضي
(1)
: "ولو أعتقها بعدما اشتراها ثم طلقها قبل أن تمضي مدة تنقضي فيها العدة، يقع في قول محمد وأبي يوسف، ثم رجع وقال لا يقع، وهو قول زفر، وعليه الفتوى".
فرع: ادعى على رجل ألفًا، فقال المدعى عليه: امرأته طالق إن كان لك عليَّ ألف، وقال المدعي: امرأته طالق إِن لم يكن لي عليك ألف، فأقام المدعي بينة وقضي له، فرق بين المدعى عليه وبين امرأته في قول أبي يوسف وإحدى الروايتين عن محمد، وعليه الفتوى، فإن أقام المدعى عليه بينة بعد ذلك أنه كان أَوْفاه، بطل
(2)
تفريق القاضي وتطلق امرأة المدعي إن كان يزعم أنه ليس له عليه إلا هذه الألف، وإن أقام المدعي البينة على إقرار المدعى عليه، قالوا لم يفرق بين المدعى عليه وبين امرأته، واستشكله قاضي خان
(3)
، [والله أعلم بالصواب].
(1)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 546.
(2)
في (جـ): "فإن أقام المدعى عليه بينة بعد، أنه كان أوفاه بزعم بطل .. الخ".
(3)
انظر "الفتاوى الخانية" 1/ 493.
باب الرجعة
إذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها رضيت بذلك أو لم ترض، والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي، أو يطأها أو يقبّلها أو يلمسها بشهوة أو ينظر إلى فرجها بشهوة، ويستحب أو يشهد على الرجعة شاهدين فإن لم يشهد صحت الرجعة، وإذا انقضت العدة فقال قد كنت راجعتك في العدة فصدقته فهي رجعة وإن كذبته فالقول قولها ولا يمين عليها عند أبي حنيفة*، وإذا قال الزوج قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة*، وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها وصدقه المولى وكذبته الأمة فالقول قولها*،
كتاب الرجعة
قوله: (ولا يَمِينَ عليها عند أبي حنيفة)، تقدم أن الفتوى على قولهما
(1)
، قال الإمام قاضي خان في "شرح الجامع الصغير"
(2)
في كتاب القضاء في باب القضاء في الأيمان: "المنكِر يُستحلف في الأشياء السِّتَّة عندهما، فإذا نكل حُبس حتى يقرّ أو يحلف، والفتوى على هذا"، قال الإمام السَّدِيدي الزَّوْزّني:"وهو المختار عندي، وبه كنت أعمل بالرَّيْ وبأصْبَهان"، والله أعلم.
قوله: (وإذا قال الزوج: قد راجعتكِ، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة)، قال الإسبيجابي:"وقالا: تصح، ويكون القول قول الزوج، والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها: قد كنتُ راجعتها، وصدّقه المولى وكذّبتْه الأمة، فالقولُ قولُها)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة وزفر، وقالا: القول قول المولى، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما. [ولو كان على القلب، فعندهما القول قول
(1)
ففي ص 242: "ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يستحلف فيه، قال في "الحقائق": والفتوى في النكاح على قولهما لعموم البلوى .. ".
(2)
انظر "كشف الظنون" 1/ 562، و"هدية العارفين" 1/ 280.
وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل، وإن انقطعت لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة أو تتيمم ونصلي عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إذا تيممت انقطعت الرجعة* وإن لم تصل، وإن اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم يصبه الماء فإن كان عضوًا فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضو انقطعت، والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين، ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذِنها أو يسمعها خفق نعليه، والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، وإن كان الطلاق بائنا دون الثلاث فعه أن يتزوجها في عدتها وبعد انقضائها، وإذا كان الطلاق ثلاثًا في الحرة أو ثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا صحيحًا ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها، والصبي المراهق في التحليل كالبالغ، ووطء المولى لا يحلها وإذا تزوج بها بشرط التحليل فالنكاح مكروه فإن وطئها حلت للأول*، وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم
المولى وكذا عنده في الصحيح، نص عليه في "الهداية"
(1)
، احتراز عما حكى في "الينابيع" أنه على الخلاف]
(2)
.
قوله: (أو تتيمّم وتصلي عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إذا تيمّمَت انقطعت الرَّجْعة)، قال الإمام بهاء الدين في شرحه لهذا الكتاب:"والصحيح قولهما"، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (وإذا تزوجها بشَرْط التحليل فالنكاحُ مَكْرُوه، فإن وَطِئَها حلَّت للأول)، قال الإسبيجابيَ:"إذا تزوجها بشرط التحليل بالقلب ولم يقل باللسان، تحل للأول في قولهم جميعًا، لكونه نكاحًا صحيحًا، أما إذا شرط الإحلال بالقول، فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة وزفر، ويكره للثاني وتحل للأول، وقال أبو يوسف: النكاح الثاني فاسد، فإن وطئها لم تحل للأول، وقال محمد: النكاح الثاني صحيح ولا تحل للأول، والصحيح قول أبي حنيفة وزفر"، [وقاله في "المضمرات"
(3)
أيضًا]
(4)
واعتمده المذكورون قبله.
قوله: [وإذا طلَّقَ الحُرَّةَ تطليقةً أو تطليقتين وانقضت عدّتُها وتزوجت بزوج
(1)
2/ 295.
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (جـ).
(3)
كتاب "المضمرات"، ويقال له جامع المضمرات أيضًا هو من شروح مختصر القدوري، (انظر الكشف 1/ 574).
(4)
زيادة من نسختي: (جـ و د).
عادت إلى الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث من الطلاق كما يهدم الثلاث، وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث *، وإذا طلقها فقالت انقضت عدتي وتزوجتُ ودخل بي الزوج وطلقني وانقضت عدتي والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة.
آخر ثم عادت إلى الاْوَّلِ عادتْ بثلاث تطليقات، ويَهْدِمُ الزَّوْجُ الثاني ما دون الثلاث من الطّلاقِ، وقال محمد: لا يَهْدِم ما دون الثلاث)، قال أبو المعالي: وهو قول الشافعي، والصحيح قولنا"، وعليه مشى الأئمة المذكورون أولًا.
باب الإيلاء
إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك، أو لا أقربك أربعة أشهر فهو مول، فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة ويسقط الإيلاء، وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة، فإن كان حلف على أربعة أشهر فقد سقطت اليمين وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية، فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء فإن وطئها وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر تطليقة أخرى، فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء فإن وطئها وإلا وقع بمضيء أربعة أشهر تطليقة أخرى، فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق واليمين باقية، وإن وطئها كفر عن يمينه وإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليًا، وإن حلف بحج أو صوم أو صدقة أو عتق* أو طلاق فهو مول، وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليًا وإن آلى من البائنة لم يكن موليًا، ومدة الإيلاء من الأمة شهران، فإن كان المولي مريضًا لا يقدر على الجماع أو كانت المرأة مريضة أو كان بينهما مسافة لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه إني فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء، وإن صح في المدة بطل ذلك الفيء وصار فيئه الجماع، وإذا قال لامرأته أنت عليّ حرام سئل عن نيته، فإن قال أردت الكذب فهو كما قال *، وإن قال أردت الطلاق فهي
كتاب الإيلاء
قوله: (أو عِتْقِ)، قال في "الهداية"
(1)
: "وصورة الحَلِف بالعتق أن يعلّق بقربانها عتقَ عبده، وفيه خلاف أبي يوسف"، يعني أنه قال: لا يثبت الإيلاء إذا حلف بعتق عبده المعيّن، ومشى على قولهما الأئمة، حتى إن غالبهم لا يحكي الخلاف، والله أعلم.
قوله: (وإذا قال لامرأته: أنت عليّ حرام، سُئل عن نيته، فإن قال: أردتُ الكذبَ، فهو كما قال)، هذا ظاهر الرواية، ومشى عليه الحَلْوَاني، وقال السَّرْخَسي:"لا يُصدَّق في القضاء"، حتى قال في "الينابيع"، في قول القدوري (فهو كما قال): "يريد به [فيما]
(2)
بينه بين الله تعالى، أما في القضاء لا يصدق على ذلك ويكون يمينًا"، وقال الإسبيجابي: "أراد به -يعني القدوري-
(1)
2/ 300.
(2)
زياده من: (جـ و د).
تطليقة بائنة إلا أن ينوي الثلاث، فإن قال أردت الظهار فهو ظهار*، وإن قال أردت التحريم أو لم أرد شيئًا فهو يمين يصير بها مولنا*، والله أعلم.
فيما بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فلا يصدق في نفي اليمين"، وفي "شرح "الهداية""
(1)
: "وهذا هو الصواب على ما عليه العمل والفتوى".
قوله: (وإن قال: أردتُ الظهار فهو ظهار)، الإسبيجابي:"عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: ليس بظهار، والصحيح قولهما"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن قال أردتُ التحريم أو لم أرِدْ [بها] شيئًا فهو يمين يصير بها موليًا)، وقال في "الهداية"
(2)
: "ومن المشايخ من يصرف لفظ التحريم إلى الطلاق من غير نيّة بحكم العرف"، قال الإمام برهان الأئمة المحبوبي:"وبه يفتى"، وقال نجم الأئمة في شرحه لهذا الكتاب:"قال أصحابنا المتأخرون: الحلال عليَّ حرام، أو أنت حرام، [أ]، و حلالُ اللهِ عليّ حرام، [أ] و كل حِلٍّ عليَّ حرام: طلاق بائن، ولا يفتقر إلى النية بالعرف، حتى قالوا في قول محمد: كل حل علي حرام؛ إن نوى يمينًا فهو يمين، ولا تدخل امرأته إلا بالنية، فإن لم ينوها فهو على المأكول والمشروب، قال مشايخ بلْخ: إن محمدًا أجاب على عرف ديارهم، أما في عرف بلادنا يريدون تحريم المنكوحة فيحمل عليه"، انتهى. وقال في "مختارات النوازل":"وقد قال المتأخرون يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال بالعرف وعليه الفتوى، ولهذا لا يحلف به إلا الرجال".
قلت: ومن الألفاظ المستعملة في هذا في مصرنا وريفنا: الطلاق يلزمني، والحرام يلزمني، وعليّ الطلاق، وعليّ الحرام، قال في "المختارات":"وإن لم تكن له امرأة يكون يمينًا، فتجب الكفارة بالحنث"، وفي "الذخيرة":"وهكذا ذكر الصدر الشهيد في "واقعاته"، وبه كان يفتي القاضي الإمام الأُوزْجَندي
(3)
، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: إذا لم يكن له امرأة وقت اليمين وتزوج امرأة تطلق، ويصير تقدير كلامه: كل امرأة أتزوجها
(1)
"فتح القدير" لابن الهمام 4/ 208 (دار الفكر).
(2)
2/ 301.
(3)
ينظر "الفتاوى الخانية" 1/ 519.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فهي طالق وكان نجم الدين النسفي
(1)
يقول: إذا لم يكن له امرأة وقت اليمين يبطل الكلام، ولا يجعل هذا يمينًا".
فرع: قال لامرأتيه: أنتما عليّ حرام، ونوى الثلاث في إحداهما
(2)
، والواحدة في الأخرى، فهما طالقان ثلاثًا في قول أبي يوسف، وقال أبو حنيفة: هو على ما نوى، وعليه الفتوى، قال القاضي: وينبغي أن يكون قول محمد كقول أبي حنيفة
(3)
.
(1)
هو عمر بن محمد بن أحمد، الإمام الزاهد، نجم الدين أبو حفص، أحد الأئمة المشهورين بالحفظ الوافى والقبول التام عند الخواص والعوام أخذ الفقه عن صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي وأخذ عنه صاحب "الهداية" له المنظومة، والفتاوى، والتيسير في التفسير وغيرها توفي بسمرقند سنة 537 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 657 - 660 رقم 1062، تاج التراجم ص 219، 220 رقم 182، الفوائد البهية ص 243، 244 رقم 294).
(2)
في (أ): "إحديهما" وفي (ج): "أحدهما".
(3)
انظر "فتاوى قاضي خان" 1/ 519، 520.
كتاب الخُلع
وإذا تشاقّا الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به *، فإذا فعلت ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال، وإن كان النشوز من قبله كرهنا له أن يأخذ منها عوضًا، وإن كان من قبلها كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل ذلك جاز في القضاء، وإن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال وكان الطلاق بائنًا، وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلمة على خمر أو خنزير فلا شيء للزوج والفرقة بائنة، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيًا، وما جاز أن يكون مهرًا جاز أن يكون بدلًا في الخلع، وإن قالت خالعني على ما في يدي فخالعها فلم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها، وإن قالت على ما في يدي من مال ولم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها، وإن قالت على ما في يدي من دراهم فلم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم، وإن قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف، وإن قالت طلقني ثلاثًا على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة *، ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثًا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع عليها شيء، والمباراة كالخلع*، والخلع والمبارأة يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة *، والله أعلم.
كتاب الخلع
قوله: (بمالٍ يخلَعُها به)، قال في "مختارات النوازل":"لا يصح الخلع والطلاق على مال إلا بالقبول في المجلس، والمعتبر فيه مجلسها لا مجلس الزوج، حتى لو قام الزوج من مجلسه ثم قبلت المرأة بمجلسها صح قولها ولزم المال".
قوله: (فإن قالت طلِّقني ثلاثًا على ألفٍ فطلقها واحدةً فلا شيء عليها عند أبي حنيفة)، قال الإسبيجابي:"وتقع واحدة، وقالا: عليها ثلث الألف، وهو قول الشافعي، والصحيح قوله"، واعتمده الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (والمبارَأَةُ كالخلع)، قال في "المختارات":"أي يقع بها الطلاق البائن بدون النية كما في الخلع"، والمبارأة أن يبرئ كل واحد منهما صاحبه.
قوله: (والخلع والمبارأة يُسْقِطان كلَّ حقٍّ لكلّ واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة)، [وأما الخلع فظاهر، وأما المبارأة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فمثل أن يقول بارأتكِ على ألفٍ، فتقبل، وفي "الحقائق": خالع امرأته وبارأها على مال معلوم عينٍ أو دين، سقط المهر عن الزوج، فإن كان مقبوضًا ولم يدخل بها سلم لها وأما الحقوق؛]
(1)
قال في "المختارات" [النوازل
(2)
]: "نحو حق طلب المهر للمرأة، وحق طلب الرجوع بنصف المهر للزوج وحلّ الاستمتاع، أما الدَّين الذي وجب بسبب آخر لا يسقط بالاتفاق على ظاهر الرواية"، قال القاضي
(3)
: "وهو الصحيح"، ونفقة العدة لا تسقط أيضًا، وقال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف في المبارأة مثل ذلك، وفي الخلع لا يسقط به إلا ما سمّيا، وقال محمد: لا يسقط فيهما إلا ما سميا وهو قول الشافعي، والصحيح قول أبي حنيفة"، ومشى عليه الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
فرع: قال القاضي
(4)
: "وإن طلقها بمال أو بمهرها عند أبي يوسف ومحمد هو كالخلع، وعن أبي حنيفة روايتان، الصحيح كقولهما
والخلع بلفظ البيع والشراء عند أبي حنيفة لا يوجب البراءة عن المهر إلا بذكر المهْر كما هو مذهبهما، وهو الصحيح"، [والله أعلم].
(1)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة (ج).
(2)
كلمة: "النوازل" زيادة من نسخة (ج).
(3)
"فتاوى قاضي خان" 1/ 530، واستعمل فيه لفظ "البراءة"، بدل: المبارأة.
(4)
أي قاضي خان في "الفتاوى" 1/ 529، 530.
باب الظِّهَار
إذا قال الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها ولا لمسها ولا تقبيلها حتى يكفِّر عن ظهاره، فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله عز وجل ولا شيء عليه سوى الكفارة الأولى، ولا يعاودها حتى يكفر، والعود الذي تجب به الكفارة أن يعزم على وطئها، فإذا قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر، وكذلك إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته أو عمته أو أمه من الرضاعة، وكذلك إن قال رأسك علي كظهر أمي أو فرجك أو وجهك أو رقبتك أو نصفك أو ثلثك، وإن قال أنت علي مثل أمي يرجع إلى نيته، فإن قال أردت به الكرامة فهو كما قال وإن قال أردت الظهار فهو ظهار، وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن، وإن لم تكن له نية فليس بشيء *، ولا يكون الظهار إلا من زوجته، فإن ظاهر من أمته لم يكن مظاهرًا، ومن قال لنسائه أنتنَّ عليَّ كظهر أمي كان مظاهرًا من جماعتهن وعليه لكل واحدة كفارة وكفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا كل ذلك قبل المسيس، وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغير والكبير، ولا تجزئ العمياء ولا مقطوعة اليدين والرجلين، ويجوز الأصم والمقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف، ولا يجوز المقطوع إبهامي اليدين ولا المجنون الذي لا يعقل، ولا يجوز عتق المدبر وأم
كتاب الظِّهَار
قوله: (وإن لم تكن له نية فليس بشيء)، قال في "الهداية"
(1)
: "عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: يكون ظهارًا"، قال جمال الإسلام في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما.
فرع: شبّه زوجته بمن زنا بها أبوه أو ابنه، قال القاضي والإمام ظهير الدين:"قال محمد: لا يكون مظاهرًا، وقال أبو يوسف: هو مظاهر، وهو الصحيح"
(2)
.
(1)
2/ 306.
(2)
ينظر "الفتاوى الخانية" 1/ 543.
الولد والمكاتب الذي أدى بعض المال فإن أعتق مكاتبًا لم يؤد شيئًا جاز، فإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، فإن أعتق نصف عبد مشترك عن الكفارة وضمن قيمة باقيه فأعتقه لم يجز عند أبي حنيفة *، وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز *، وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز *، وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان ولا يوم فطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق، فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلًا عامدًا أو نهارًا ناسيًا استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد *، وإن أفطر يومًا منها بعذر أو بغير عذر استأنف *، وإذا ظاهر العبد لم يجْزه في الكفارة إلا الصوم، فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجز، وإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينًا كل مسكين نصف صاع من برٍّ أو صاعًا من تمر أو شعير أو قيمة ذلك فإن غداهم وعشاهم جاز قليلًا ما أكلوا أو كثيرًا، وإن أعطى ستين يومًا مسكينًا واحدًا أجزأه وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزه إلا عن يومه ذلك، وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف، ومن وجب عليه كفرتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوى عن أحدهما بعينه جاز عنهما، وكذلك إن صام أربعة أشهر أو أطعم مئة وعشرين مسكينًا جاز، وإن أعتق رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيتهما شاء.
قوله: (وإن أعتق نصف عبد مشترك وضمن قيمة باقيه وأعتقه لم يجز عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز)، وهذه من فروع تجزُّئِ العتق، وقد قال الإسبيجابي فيه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعلى هذا مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن أعتق نصفَ عبدٍ عن كفارته ثم أعتق باقيه عنها جاز عند أبي حنيفة)، [وقد] قال الإسبيجابي:"وهذا استحسان"، واعتمده البرهاني والنسفي.
قوله: (وإن أَعتَقَ نصفَ عبدِه عن كفارته ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقِيَه لم يجُز)، قال في "الهداية"
(1)
: "عند أبي حنيفة، لأن الإعتاق يتجزأ عنده"، وقد قدّمنا تصحيح الإسبيجابي لقول الإمام في تجزُّئ الإعتاق
(2)
، وعلى هذا مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد)، قال في "زاد الفقهاء":"وقال أبو يوسف والشافعي: لا يستأنف، والصحيح قولنا"، وعليه مشى البرهانيّ والنسفي والمَوْصِلي وصدرُ الشريعة.
(1)
2/ 308.
(2)
انظر المسألة ما قبل السابقة.
باب اللّعان
إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة والمرأة ممّن يحد قاذفها، أو نفى نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان، فإن امتنع منه حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد، وإن لاعن وجب عليها اللعان فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه، وإذا كان الزوج عبدًا أو كافرًا أو محدودًا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد، وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها فلا حد عليه في قذف ولا لعان، وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول في الخامسة لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا، فإذا التعنا فرق الحاكم بينهما وكانت الفرقة بينهما تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف تحريم مؤبد*، وإن كان القذف بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه، وإن عاد الزوج وأكذب نفسه حده القاضي وحل له أن يتزوجها، وكذلك إن قذف غيرها فحد أو زنت فحدت، وإن قذف امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما، وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، وإذا قال الزوج ليس حملك مني فلا لعان *، فإن قال زنيتِ وهذا الحمل من الزنا تلاعنا ولم ينف القاضي الحمل، وإذا نفى الرجل ولد امرأته
كتاب اللِّعان
قوله: (وكانت الفُرْقة تطليقةً بائنةً عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: تحريمًا مؤبدًا)، قال الإسبيجابي:" [و] الصحيح قولهما".
قوله: (وإذا قال الزوج: ليس حَمْلُكِ منّي، فلا لِعان)، قال في "الهداية"
(1)
: "وهذا قول أبي حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد: [و] الفعان يجب إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر"، ومشى على قول الإمام الإمامُ البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (وإذا نفى الرجلُ ولدَ امرأتِهِ عَقِيبَ الولادة أو في الحال التي تُقْبَل
(1)
2/ 312.
عقيب الولادة أو في الحال التي تقبل التهنئة أو تبتاع له آلة الولادة صح نفيه ولاعن به فإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، وقال أبو يوسف ومحمد صح نفيه في مدة النفاس *، وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني ثبت نسبهما وحد الزوج، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني ثبت نسبهما ولاعن، والله أعلم.
التهنئةُ وتبتاع آلة الولادة، صح نَفْيُهُ ولاعَنَ به، وإن نفاه بعد ذلك لاعَنَ ويثبت النَّسَبُ، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز نَفْيُه في مُدَّةِ النِّفاس)، قال أبو المعالي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة [والله أعلم].
باب العِدَّة
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنًا أو رجعيًا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق وهي حرة ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراء، والأقراء الحيض، وإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر *، وإن كانت حاملًا فعدتها أن تضع حملها، وإن كانت أمة فعدتها حيضتان، فإن كانت لا تحيض فعدتها شهر ونصف، فإذا مات الرجل عن امرأته الحرة فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت أمة فعدتها شهران وخمسة أيام، وإن كانت حاملًا فعدتها أن تضع حملها، وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين*، فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم تنتقل عدتها، وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت
كتاب العدّة
قوله: (فعدَّتُها ثلاثَةُ أشْهُرِ)، قال القُدُوري في "التقريب": "يعقوب عن الإمام: لو طلَّقها في بعض الشهر وعدتها الشهور، اعتدت بالأيام تسعين يومًا، وروى محمد عن يعقوب عنه -وهو قولهما- أنه يكمل الأول من الشهر الرابع بالأيام، والمتوسطان بالأهلة، حكاه الطحاوي، وروى علي بن كاسٍ
(1)
عن الإمام في الإجارة أنها كالعدة بالأيام، وظاهر الرواية الفرق بينهما".
قوله: (وإذا ورثت المطلَّقة في المرض فَعِدَّتُها أبعدُ الأجَلَين)، قال جمال الإسلام في شرحه:"وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدتها ثلاث حِيَض، والصحيح قولهما"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، قال في "الهداية"
(2)
: "ومعناه إذا كان الطلاق بائنًا أو ثلاثًا، أما إذا كان رجعيًّا فعلَيها عدةُ الوفاة بالإجماع".
قوله: (وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم، بطل ما مضى من
(1)
في المخطوطة المصرية (ج): "وروى عن بن كاس" والمثبت من الأصل و (ب ود).
وعلي بن كاس هو علي بن محمد بن الحسن بن كاس النَّخعي الكاسي الكوفي، أبو القاسم، المعروف بابن كاس كان إمامًا في الفقه كبير القدر، له: الأركان الخمس. توفي سنة 324 رحمه الله تعالى (الجواهر المضية 2/ 593 رقم 996، تاج التراجم ص 213 رقم 175).
(2)
2/ 316.
الدم انتقض ما مضى من عدتها وكان عليها أن تستانف العدة بالحيض *، والمنكوحة نكاحًا فاسدًا والموطوءة بشبهة عدتها الحيض في الفرقة والموت، وإذا مات مولى أم الولد أو أعتقها فعدتها ثلاث حبض، وإذا مات الصفير عن امرأته وبها الحبل فعدتها أن تضع
عدَّتها وكان عليها أن تستأنفَ العِدَّة بالحيض)، قال في "الهداية"
(1)
: "معناه إذا رأت الدم على العادة؛ لأن عَوْدَها يبطل الإياس، هو الصحيح".
قلت: يحترز بهذا التصحيح عما قال أبو نصر في شرحه: "إن هذا المذكور في "الكتاب" على الرواية التي لم يقدّر الإياس بالمدة، وأما على الرواية التي قدر الإياس بالمدة فإذا عاودها الدم بعد تلك المدة لم يكن حيضًا"، وعما فصّله في "زاد الفقهاء" فقال:"المختار عندنا أنها إذا رأتْ الدم قبل الاعتداد بالأشهر يبطل الاعتداد بالأشهر، وإذا رأت بعد تمام الاعتداد بالأشهر لا يبطل"، قال نجم الأئمة:"هذا هو الأصح والمختار للفتوى"، وقال في "الذخيرة":"وكان الصدر الشهيد حسام الدين يفتي بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أيّ صفة رأت يكون حيضًا، ويفتى ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل تمام الاعتداد بالأشهر، ولا يفتى ببطلان الاعتداد بالأشهر بعد تمام الاعتداد بالأشهر، قُضيَ بجواز الأنكحة أم لا"، وقال في "مجموع النوازل":"هو الأصح"، قلت: وهذا التصحيح أولى من تصحيح "الهداية"، وقد حقق وجْهَه في "فتح القدير"
(2)
.
واختلف في سِن الإياس، قال القاضي (فخر الدين)
(3)
: "قال بعضهم: إن كانت ابنة خمس وخمسين سنة ولا تحيض فهي آيسة، رُوميّة كانت أو غير رومية، وعليه الفتوى"، والله أعلم.
قوله: (وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حَبَل فعدّتها أن تضع حملها)، قال في "الهداية"
(4)
: "وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عدَّتُها أربعةُ أشهرٍ وعشرًا"
(5)
، قال جمال الإسلام:"الصحيح قولهما"، واعتمده
(1)
2/ 316، 317.
(2)
4/ 318، 319 (دار الفكر).
(3)
انظر "فتاوى قاضي خان" 1/ 549 وما بين القوسين زيادة من: (د)، وهى بين السطور فى (أ).
(4)
2/ 317.
(5)
في الأصل و (ب): "أربع أشهر وعشر" والمثبت من نسختي (جـ ود) وكتاب "الهداية"، إلا أن في (جـ):"وعشر" أيضًا.
حملها *، فإن حدث الحمل بعد الموت فعدتها أربعة أشهر وعشر، وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى وتداخلت العدتان فيكون ما تراه من الحيض محتسبًا به منهما جميعًا، وإن انقضت العدة من الأول ولم تكتمل الثانية فإن عليها إتمام عدة الثانية، وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق * وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم بالطلاق والوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق بينهما أو عزم الواطء على ترك وطئها، وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الإحداد بترك الطيب والزينة والدهن والكحل إلا من عذر، ولا تختضب بالحناء ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بعصفر ولا زعفران، ولا إحداد على كافرة ولا صغيرة، وعلى الأمة الإحداد وليس في عدة النكاح الفاسد ولا في عدة أم الولد إحداد، ولا ينبغي أن تخطب المعتدة ولا بأس بالتعريض بالخطبة، ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلًا ولا نهارًا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارًا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها، وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة، فإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت، ولا يجوز أن يسافر
الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما
ومعرِّف أن بها حبلًا عند الموت أن تضع لأقل من ستة أشهر من موته في الأصح، فإن وضعته لأكثر فالعدة عدة الوفاة اتفاقًا، ومقابل الأصح أن تضع
(1)
لأكثر من سنتين، والله أعلم. قوله:(وابتداء العدة في الطلاق عَقِيب الطلاق)، قال في "الهداية"
(2)
: "ومشايخنا يفتُون في الطلاق أن ابتداءها من وقت الإقرار نفيًا لتهمة المواضعة"، يعني أن مشايخ بخارى وسَمرقند يفتون أن من أقرّ بطلاق سابقٍ وصدقته الزوجة وهما من مظان التهمة لا يصدق في الإسناد ويكون ابتداء العدة من وقت الإقرار، ولا نفقة ولا سكنى للزوجة لتصديقها قال الإمام أبو علي السغدي:"ما ذكر محمد من أن ابتداء العدة من وقت الطلاق محمول على ما إذا كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه، أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد"
(3)
.
(1)
المثبت من (ب وجـ)، وفي (أ):"تضمع" تحريف.
(2)
2/ 318.
(3)
ونقله الكمال بن الهمام في "فتح القدير" 4/ 329 (دار الفكر).
الزوج بالمطلقة الرجعية، فإذا طلق الرجل امرأته طلاقًا بائنًا ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل أن يدخل بها فعليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة، وقال محمد لها نصف المهر وعليها تمام العدة الأولى *، ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها، فإذا جاءت به لأقل من سنتين بانت وإن جاءت به لأكثر من سنتين يثبت نسبه وكانت رجعية، والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين فإن جاءت به لتمام سنتين من يوم الفرقة لم يثبت النسب إلا أن يدعيه *، ويثبت نسب ولد المتوفى عنها ما بين الوفاة وبين سنتين، وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه، وإن جاءت به لستة أشهر لم يثبت، وإذا ولدت المعتدة ولدًا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان * إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج فيثبت النسب من غير شهادة، وقال أبو يوسف ومحمد يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة، وإذا تزوج امرأة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها لم يثبت نسبه، وإذا جاءت [به] لستة أشهر فصاعدًا ثبت نسبه إن اعترف به الزوج أو سكت، وإن جحد الولادة ثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد
قوله: (وإذا طلق الرجلُ امرأتَه طلاقًا بائنًا ثم تزوْجها في عِدَّتها وطلقها قبل أن يدخل بها، فعليه مهر كامل وعليها [تمام] عدة مستقبلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لها نصف المهر وعليها تمام العِدَّة الأولى)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قولهما"، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (فإن جاءت به لتمام سنتين من يوم الفُرْقة لم يثبت إلَّا أن يدَّعِيَه)، قيل: هذه الرواية مخالفة لرواية "الإيضاح" و"شرح الطحاوي" وغيرهما، حيث ألحقت السنتان بأقل من سنتين، ويوافقه في الحكم على قول أبي حنيفة ومحمد ما قال الزاهدي:"قال السَّرخسي في شرحه لهذا "المختصر": هذا عند أبي يوسف، وعندهما يثبت النسب، وإن لم يدع، لاحتمال الوطء بشبهة في العدة، لكن تقدير القاضي أن العلوق في حال الطلاق فكان قبل زوال الفراش أولى من هذا الاحتمال، لما في الوطء بشبهة في عدة المبتوتة من الكلام".
قوله: (وإذا ولدت المعتدة ولدًا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادته
(1)
رجلان أو رجل وامرأتان
…
الخ)، واعتمد قولَه المحبوبيُّ والنسفي
(1)
في (جـ): "بولادتها"، وكذلك في نسخة "اللباب".
بالولادة، وأكثر مدة الحمل سنتان وأقله ستة أشهر، وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها *، وإذا تزوج الحامل من الزنا جاز النكاح ولا يطؤها حتى تضع حملها*.
والمَوْصِلي وصدرُ الشريعة.
قوله: (وإذا طلَّق الذميُّ الذمية فلا عِدَّة عليها)، قال جمال الإسلام في شرحه:"وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: عليها العدة، والصحيح قوله"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن تزوجت الحامل من الزنا جاز النكاح ولا يطؤها حتى تضع حملها)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يجوز، والصحيح قولهما"، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، [والله أعلم].
كتاب النفقات
النفقة واجبة للزوجة على زوجها مسلمة كانت أو كافرة، إذا سلمت نفسها في منزله* فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها يعتبر ذلك بحالهما جميغا موسرًا كلان الزوج أو معسرًا *، فإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها المهر فلها النفقة، وإن نشزت فلا نفقة لها حتى
كتاب النفقات
قوله: (إذا سَلَمت نفسَها في منزله)، هذه رواية عن أبي يوسف، وظاهر الرواية ما في "المبسوط" و"المحيط":"وتجب النفقة للزوجة قبل الدخول بها وقبل التحول إلى منزل الزوج إذا لم تمتنع من المقام معه".
قوله: (يعتبر ذلك بحالهما جميعًا، مُوسِرًا كان الزوج أو مُعْسِرًا)، وعليه مشى المحبوبي والنسفي، هذا خلاف ظاهر الرواية وهو اختيار الخَصَّاف.
وظاهر الرواية، وهو اختيار الكرخي: يعتبر حال الزوج.
واختلف تصحيح المشايخ؛ فقال الشيخ الإمام الإسبيجابي في شرحه: "الصحيح ما ذكره الخصَّاف"، وقال في "الجواهر":"والفتوى على قول الخصاف"، وقال الزاهدي:"هذا اختيار الخصاف، وعليه الفتوى"، وقال في "الهداية"
(1)
: "وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى، وتفسيره أنهما إن كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين نفقة الإعسار، وإن كانت معسرة والزوج موسرًا، فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات"، قال شارح "الهداية"
(2)
: "لم يذكر تمام الأقسام، وهو ما إذا كانت موسرة والزوج معسر، لاتحاد جوابه بجواب ما ذكره، وهو ما إذا كانت معسرة والزوج موسر"
(3)
.
قلت: هو الظاهر من اختياره وتأويله النصَّ وتفسيرِ غيره، لكنه مصرَّح
(1)
2/ 328.
(2)
الكمال بن الهمام في "فتح القدير" 4/ 380 (دار الفكر)، وفي الأصل:"قال شراح الهداية"، والمثبت من نسخة (جـ)، وفي (د):"قال في شرح الهداية".
(3)
في (أ و ب): "موسرًا، والمثبت من: (جـ) و"فتح القدير".
تعود إلى منزله، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها وإن سلمت إليه، وإن كان الزوج صغيرًا لا يقدر على الوطء والمرأة كبيرة فلها النفقة من ماله وإذا طلق الرجل امرأته
بخلافه في كتابه: "مختارات النوازل"، قال في النفقة:"مقدار ما يكفيها بالمعروف، فوق التقتير ودون التبذير نظرًا للجانبين، وقال الكرخي: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي، وقيل: حال المرأة، والصحيح يعتبر حالهما، وعلى هذا الفتوى، وتفسيره: إن كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين تجب نفقة الإعسار، وإن كانت معسرة والزوج موسرًا تجب نفقة متوسطة، وإن كان الزوج معسرًا فنفقة الإعسار سواء كانت موسرة أو معسرة لأن النظر إلى حال الزوج أولى، ثم إذا تحول حاله يتحول الحكم أيضًا" انتهى وكذلك قال في "الإيضاح" ولفظه: "وذكر الخصاف أنه يعتبر حالهما، فإن كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كان الزوج معسرًا تجب نفقة الإعسار، وإن كان هو موسرًا والمرأة معسرة تجب النفقة "دون من نفقة الموسرات، ويعتبر في ذلك ما يكفيها بالمعروف، وهو الوسط من الكفاية وهي غير مقدرة"، انتهى.
قلت: فما ذكروه دلالةً وهذا عبارة، وعلى مقتضاها لا خلاف في الحقيقة أنه يعتبر حالهما عند قدرة الزوج، حتى إنه لا يجب للمعسرة مع الموسر نفقة الموسرات نظرًا إلى حال الزوج فقط، ولا للموسرة مع المعسر نفقة الموسرات نظرًا إلى حالِهَا فقط، هذا ما أفاده التفسير، وهذا مما لا خلاف فيه في الحقيقة، فإن لفظ الكرخي:"ويفرض الحاكم الكسوة والنفقة على قدر يسار الزوج وعسرته ما يكفيها من ذلك بالمعروف، وكذلك الطعام والشراب"، فقوله: ما يكفيها الخ، مخرج أن يكون للمعسرة مع الموسر نفقة الموسرات، فيصدق اعتبار حالهما في الصور التي ذكرها صاحب الهداية، وبقيت الصور التي سكت عنها في "الهداية"، وذكرها في "المختارات" كما في "الإيضاح"، فأخذ بعضهم فيها بالظاهر، وعن هذا قال في "التاتارخانية":"وإشارات الخصّاف في أدب القضاء متعارضة، في بعضها يشير [إلى] أنه يعتبر حال الزوج -قلت: وهو ما وقع في تفسير القسم الرابع كما نقلناه عن "الإيضاح" و"مختارات النوازل"- قال: وفي بعضها يشير إلى أنه يعتبر حالهما"، قلت: وهو ما صدّر به وقال الزاهدي في شرح "الكتاب": " (شب) -يعني شرح بكر خواهَر زاده- عن الخصاف: إن كان الزوج موسرًا وهي فقيرة
فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعية كان أو بائنًا، ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، وكل
يقضى عليه بنفقة مثلها لا مثله".
وقال في "المحيط": "في ظاهر رواية "الأصل"، المعتبر في فرض النفقة حال الزوج في اليسار والإعسار"، قال في "الكافي":"وعليه الفتوى"، وقال في "الينابيع":"وهو الصحيح"، وقال في "التحفة"
(1)
: "وأما مقدار النفقة فيعتبر فيه حال الرجل من اليسار والإعسار دون حال المرأة، وذكر الخصاف أنها تعتبر بحالهما جميعًا، والصحيح ما ذكر هنا"، وقال في "البحر المحيط":"وذكر الخصاف أنه يعتبر حالهما، وقيل المهر يعتبر بحالها، والنفقة بحال الزوج والمتعة بحالها، وهو الصحيح".
قلت: فهذا هو الأظهر رواية -كما تقدم- ودراية، لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ
(2)
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}
(3)
وقول صاحب "الهداية"
(4)
: "ونحن نقول بموجب النص أنه يخاطب بقدر وسعه، والباقي دين في ذمته" عدولٌ عن الظاهر بلا موجب مع منافاة قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} وقد قال في "شرح التأويلات"
(5)
في قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}
(6)
: "لا يكلِّف الزوج بالإنفاق عليها والكسوة لها إلَّا ما يحتمله ملكه، وإن كانت حاجتها تفضل على ما يحتمله ملكه، وإن النفقة إنما تفرض بقدر طاقة الزوج وهو كقوله [تعالى]:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}
(7)
،
(1)
"تحفة الفقهاء" 2/ 159، 160، وانظر "البدائع" 4/ 24.
(2)
في الأصل وسائر النسخ: "ولينفق" بإثبات الواو، ولم أجد لها وجهًا في القراءات المتواترة والشاذة، فهو خطأ النساخ.
(3)
سورة الطلاق، الآية رقم 7.
(4)
"الهداية" 2/ 328.
(5)
لم يتبين لي المقصود من "شرح التأويلات"، وقد جاء ذكره أيضًا في كتاب "الكافي" للسغناقي 1/ 303، وقال محققه -فخر الدين قانت-: لم أقف عليه.
(6)
سورة البقرة، الآية رقم 233.
(7)
سورة الطلاق، الآية رقم 7، ورسمت الآية في النسخ المخطوطة (أ ب جـ) هكذا:"لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، سيجعل الله بعد عسر يسرًا" وليست كذلك فالآية إلى قوله: "إلا وسعها" من سورة البقرة، الآية 286، وما بعده من سورة الطلاق، والمقصود الاستدلال بالجزء الأول، فأثبتّ ما في سورة الطلاق، ولم أعتبر أن الاستدلال من موضعين، ثم وجدت الآية في نسخة (د) صحيحة كما أثبتها.
فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية فلا نفقة لها، وإن طلقها ثم ارتدت سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلا نفقة لها وإن كان بعد الطلاق فلها النفقة، وإذا حبست المرأة بدين أو كصبها رجل كرهًا فذهب بها * أو حجت مع محرم فلا نفقة لها *، فإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة، ويفرض على الزوج إذا كان موسرًا نفقة خادمها *
وقولُه في "الهداية"
(1)
: "وجه الأول قوله عليه [الصلاة و] السلام لِهِند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجِكِ ما يكفيك وولدَك بالمعروف"،
(2)
".
قلت: هذا دليل ظاهر الرواية، لأنه عليه [الصلاة و] السلام عالم بيسار أبي سفيان، وقد ذكرتْ هند أن له مالًا وأنها تأخذ منه بغير علمه مع ما يدفع لها، فاعتبر حالها
(3)
وأمرها أن تأخذ كفايتها بالمعروف
(4)
، والله أعلم.
قوله: (أو غصبها رجل كَرْهًا فذهب بها)، "الهداية"
(5)
: "وعن أبي يوسف أنّ لها النفقة، والفتوى على الأول".
قوله: (أو حَجَّت مع مَحْرم، فلا نفقة لها)، وعن أبي يوسف أن لها النفقة، والمعتمد الأول، عليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ويفرض على الزوج نفقةُ خادِمِها إذا كان مُوسِرًا)، قال في "الهداية"
(6)
: "قوله إذا كان موسرًا، إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو الأصح، خلافًا لما قاله محمد"، فإن لم يكن لها خادم لا تستحق نفقة الخادم في ظاهر الرواية موسرًا كان الزوج أو معسرًا، نص عليه قاضي خان، وقال:"والصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة من بيته"
(7)
.
(1)
2/ 328.
(2)
متفق عليه (رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه .. 6/ 237 رقم 5364 ومسلم في "صحيحه"، كتاب الأقضية، باب قضية هند 3/ 1338 رقم 1714).
(3)
كذا في النسخ (أ ب جـ د)، وأرى الصواب:"فاعتبر حاله" لأن المصنف ذكر حديث هند دليلًا لظاهر الرواية في أن النفقة تعتبر بحال الزوج هذا، ويقول صاحب "الهداية" عقب استدلاله بالحديث المذكور على مذهبه أن النفقة تعتبر بهما:"اعتبر حالها وهو الفقه"(انظر "الهداية" 2/ 328).
(4)
وانظر -إن شئت- "إعلاء السنن" 11/ 274.
(5)
2/ 328.
(6)
2/ 329.
(7)
انظر "الفتاوى الخانية" 1/ 429.
ولا يفرض لأكثر من خادم واحد *، وعليه أن يسكنها في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله إلا أن تختار ذلك، وإن كان له ولد من غيرها فليس له أن يسكنه معها، وللزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها الدخول عليها، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها أي وقت اختاروا، ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما ويقال لها استديني عليه، وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل معترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال النفقة لزوجة الغائب وأولاده الصغار ووالديه وأولاده الكبار الزمناء والإناث ويأخذ منها كفيلًا بها* ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء، وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر، وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك فلا شيء لها إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت الزوج على مقدارها فيقضي لها بنفقة ما مضى، وإن مات الزوج بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضت شهور سقطت النفقة، وان أسلفها نفقة سنة ثم مات لم يسترجع منها شيء، وقال محمد يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج *،
قوله: (ولا يُفرَض لاكثر من خادمِ واحد)، "الهداية"
(1)
: "وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: يفرض لخادمين"، [قال] الإسبيجابي:"والصحيح قولهما"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي.
قوله: (ويأخذ كفيلًا بها
(2)
)، أي بالنفقة، قال في "المحيط":"وهو الصحيح".
قوله: (فإن أسلفها نفقةَ سنةٍ ثم ماتت
(3)
لم يَسْترجع منها شيئًا، وقال محمد: يُحتَسب لها بنفقة ما مضى، وما بقي للزوج)، قال في "زاد الفقهاء" و"التحفة"
(4)
: " [و] الصحيح قولهما"، وفي "شرح "الهداية"
(5)
: "الفتوى على قولهما"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
فرع: قال القاضي: "إذا حُبس الزوج في سجن السُّلطان ظلمًا، اختلفوا فيه، والصحيح أنها لا تستحق النفقة"
(6)
.
(1)
2/ 329.
(2)
في (جـ): "منها".
(3)
في نسخة (جـ): "مات".
(4)
"تحفة الفقهاء" 2/ 163.
(5)
"فتح القدير" 4/ 395 (دار الفكر).
(6)
كذا في النسخ المخطوطة (أ ب جـ) وفي "فتاوى قاضي خان" 1/ 427: "وإن حبس في سجن السلطان ظلمًا اختلفوا فيه، والصحيح أنها تستحق النفقة"، أي بعكس التصحيح المنقول عند =
وإذا تزوج العبد حرة فنفقتها دين عليه يباع فيها*، وإذا تزوج الرجل أمةً فبوأها مولاها فعليه النفقة وإن لم يبوئها فلا نفقة * لها، ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجة، فإن كان الصغير رضيعًا * فليس على أمه أن ترضعه ويستأجر له الأب من ترضعه عندها، فإن استأجرها وهي زوجته أو معتدّته لترضع ولدها لم يجز، وإن انتقضت عدتها فاستأجرها على إرضاعه جاز، وإذا قال الأب لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجرة الأجنبية كانت أحق به، وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها، ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه.
قوله: (يُباع فيها)، "الهداية"
(1)
: "معناه إذا تزوج بإذن مولاه".
قوله: (وإن لم يبوِّئها فلا نفقة)، فلو طلَّقها قال الخصّاف:"له أن يطلبَ نفقةَ العِدَّة"، قال القاضي:"وقال بعض العلماء: ليس له ذلك، وهو الصحيح؛ لأنها ما كانت تستحق النفقةَ قبل التبوئة، فلا تستحق بعد الطلاق البائن"
(2)
.
قوله: (فإن كان الصغير رضيعًا .. )، فإن لم يأخذ الصغير لَبَنَ غيرها، قال الحَلْواني: ظاهر الرواية لا تجبر، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إنها تجبر، وعليه الفتوى، قاله قاضي خان
(3)
.
= المصنف، وانظر "الفتاوى الهندية" 1/ 545، 546، وفيها مثل ما في مطبوعة "الفتاوى الخانية".
(1)
2/ 330.
(2)
انظر "الفتاوى الخانية" 1/ 451.
(3)
انظر "الفتاوى" 1/ 445، 446.
كتاب الحضانة
(*)
وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بالولد، فإن لم تكن الأم فأم الأم أولى من أم الأب فإن لم تكن فأم الأب أولى من الأخوات فإن لم تكن جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات، وتقدم الأخت * من الأب والأم على الأخت من الأم ثم الأخت من الأم ثم الأخت من الأب، ثم الخالات أولى من العمات ينزلن كما نزلنا الأخوات ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء سقط حقها إلا الجدة إذا كان تزوجها الجد، فإن لم يكن للصبي امرأة من أهله واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيبًا، والأم والجدة أولى بالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده، وبالجارية حتى تحيض، ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدًا تشتهى، والأمة إذا أعتقها مولاها وأم الولد إذا أعتقت في الولد كالحرة، وليس للأمة وأم الولد والمدبر قبل العتق حق في الولد، والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان ويخاف أن يألف الكفر، وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك إلا أن
قوله: (وتُقدَّمُ الأخت)، قال القاضي
(1)
: "اختلفت الرواية في بنت الأخت لأبٍ مع الخالة، والصحيح أن الخالة أولى.
ولو كان الأب معسرًا والعمّة موسرة فأرادت أن تربي الولد مجانًا، والأم تطلب الأجرة ونفقة الولد، الصحيح أنه يقال لها إما أن تربيه بغير أجرة أو يُدفع
(2)
للعمة"
(3)
.
(*) هذا العنوان مثبت من نسخة (ل).
(1)
انظر "الفتاوى الخانية" 1/ 422، 423.
(2)
في (ج): "تدفعه".
(3)
قال في حاشية الأصل:
"ولفظ الظهيرية: صغيرة لها أب معسر وعمّة موسرة، أرادت العمة أن تربي الولد بمالها مجانًا وأن تمنع الولد من الأم، والأم تأبى ذلك وتطالب الأب بالأجر ونفقة الولد اختلفوا فيه، والصحيح أن يقال للأم: إما أن تمسكي الولد بغير أجر، وإما أن تدفعي إلى العمة فإذا بلغت الجارية مبلغ النساء، إن كانت بكرًا كان للأب أن يضمها إلى نفسه، وإن كانت ثيبًا ليس له ذلك إلَّا إذا لم تكن مأمونة على نفسها".
وفي الحاشية أيضًا:
"قال شيخنا المؤلف -أمتع الله بحياته-:
وليس عسر الزوج ولا ذكر العمة بقيد معتبر المفهوم في المسألة، والله أعلم".
تخرجه إلى وطنها وقد كان الزوج تزوجها فيها، وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه، ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات والولد وولد الولد، ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد*، والنفقة لكل ذي رحم محرم منه إذا كان صغيرًا فقيرًا أو كانت امرأة بالغة أو كان ذكرًا زمنًا أو أعمى فقيرًا يجب ذلك على مقدار الميراث، وتجب نفقة البنت البالفة والابن الزمن على أبويه على الأب الثلثان وعلى الأم الثلث *، ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين، ولا تجب على الفقير*، وإذا كان للابن الغائب مال قضي فيه بنفقة أبويه، وإن باع أبواه متاعه
" الخالة إذا أبتْ أن تمسك الصغير وتَتَعاهَدُه، قال أبو جعفر وأبو الليث: تجبر، والصحيح أنها لا تجبر"
(1)
.
قوله: (ولا يشارك الولدَ في نفقةِ أبَوَيْه أحدٌ)، "الهداية"
(2)
: "وهي على الذكور والإناث بالسّوِية في ظاهر الرواية، وهو الصحيح"، وفي "الخلاصة"
(3)
: "في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، وبه يُفتى"، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه بين الذكور والإناث أثلاثًا.
قوله: (وتجب نفقة البنت البالغة والابن الزمن على أبويه، على الأب الثلثان وعلى الأم الثلث)، قال في "الهداية"
(4)
: "هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن، وفي ظاهر الرواية: كل النفقة على الأب"، قال المحبوبي:"وبه يفتى"، ومشى عليه النسفي وصدر الشريعة.
قوله: (ولا تجب على الفقير)، قال في "مختارات النوازل": "وحَدّ اليسار هنا مقدر بالنصاب الذي تجب به صدقة الفطر، وعن
(5)
محمد: بما يفضل عن نفسه ونفقةِ عياله شهرًا، والفتوى على الأول"، وهكذا في "الهداية"
(6)
، وفي "الفتاوى الصغرى":"إنه الصحيح، وبه يفتى"، وعليه مشى المحبوبي وعن أبي يوسف أنه اعتبر نصاب الزكاة، وفي "الصغرى"
(1)
"الفتاوى الخانية" 1/ 424.
(2)
2/ 335.
(3)
"خلاصة الفتاوى" 2/ 66.
(4)
2/ 335.
(5)
في نسختي: (جـ ود): "وعند".
(6)
2/ 336.
في نفقتهما جاز عند أبي حنيفة *، وإن باع العقار لم يجز، وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه فأنفقا منه لم يضمنا، وإذا كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن، وإذا قضى القاضي للولد والوالدين ولذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت إلا أن يأذن القاضي في الاستدانة عليه، وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته فإن امتنع وكان لهما كسب اكتسبا وأنفقا، وإن لم يكن لهما كسب أجبر المولى* على بيعهما، والله أعلم.
و"التتمّة": "وبه أفتى بعض مشايخ زماننا"، وفي "التحفة"
(1)
: "وروي عن محمد أن من لا شيء في يده من المال وهو يكتسب كل يوم درهمًا ويكفي له أربعة دوانيق فإنه يرفع لنفسه ولعياله ما يتسع فيه وينفق فضله على من يجبر على نفقته، وقول محمد أرفق"
(2)
، وفي "الصغرى":"ولا يفتى بهذا"، وقال شيخنا في "شرح "الهداية"
(3)
: "وإذا كان كسُوبًا يعتبر قول محمد، وهذا يجب أن يعَّول عليه في الفتوى"، والله أعلم.
قوله: (وإن باع أبواه متاعه في نفقتهما جاز عند أبي حنيفة) هكذا عبارة هذا الكتاب، وهكذا ذكر في "التحفة"
(4)
، وقال:"هذا استحسان، وقالا: لا يجوز وهو القياس"، وفي "الهداية"
(5)
: "وإن باع أبوه"، قال في "شرح "الهداية"
(6)
: "يحتمل أن يكون في المسألة روايتان، وعلى تقدير الإنفاق فتأويله: أن الأب هو الذي يتولى البيع وينفق عليه وعليها، أمّا بيعها
(7)
بنفسها فبعيد؛ لأن البيع منوط بولاية الحفظ لا بالولاد"، وعلى ما في "الهداية" يتعين ألَّ يبيعه من نفسه.
قوله: (أُجْبِرَ المولى .. )
(8)
، بخلاف سائر الحيوانات، وعن أبي يوسف أنه يجبر، والأصح الأول
(9)
.
(1)
"تحفة الفقهاء" 2/ 168.
(2)
في "التحفة": "وقول محمد أوفق"، ونقل في "فتح القدير" قول صاحب التحفة وفيه ما أثبت في نسخ "التصحيح".
(3)
"فتح القدير" 4/ 423 (دار الفكر).
(4)
1/ 165.
(5)
2/ 336.
(6)
"فتح القدير" 4/ 425 (دار الفكر).
(7)
أي الأم، وفي الأصل و (د):"عليه وعليهما أما بيعهما" تحريف، والمثبت من (جـ) و"فتح القدير".
(8)
وفي "الهداية" 2/ 337: "فلا يجبر على نفقتها، إلا أنه يؤمر به فيما بينه وببن اللّه تعالى".
(9)
في (د): "والصحيح هو الأول". وفي (جـ): "والأول أصح".
كتاب العتاق
العتق يقع من الحر البالغ العاقل في ملكه، فإذا قال لعبده أو أمته أنت حر أو معتق أو عتيق أو محزر أو قد حرّرتك أو أعتقتك فقد عتق نوى المولى العتق أو لم ينو، وكذلك إذا قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك أو قال لأمته فرجك حر، وإن قال لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق، وكذلك كنايات العتق، وإن قال لا سلطان لي عليك ونوى به العتق لم يعتق، وإن قال هذا ابني وثبت على ذلك أو هذا مولاي أو يا مولاي عتق، وإن قال يا ابني أو يا أخي لم يعتق *، فإن قال لغلام له لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عليه عند أبي حنيفة *، وإذا قال لأمته أنت طالق ينوي الحرية لم تعتق، وإن قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق، وإن قال ما أنت إلا حر عتق، وإذا ملك الرجل ذا رحم محرم منه عتق عليه، وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض وسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق كله *، وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه * عتق، فإن كان موسرًا فشريكه بالخيار عند أبي
كتاب العتاق
قوله: (وإن قال "يا ابني" أو "يا أخي" لم يعتق)، هذا هو ظاهر الرواية، وفي رواية شاذة عن أبي حنيفة أنه يعتق، والاعتماد على ظاهر الرواية، قاله في شرح نجم الأئمة، ومثله في "الهداية"، وقال القاضي:"الصحيح لا يعتق"
(1)
.
قوله: (وإن قال لغلام لا يولد مثلُه لمثله: "هذا ابني" عَتَقَ عند أبي حنيفة، وتال أبو يوسف ومحمد: لا يَعتِق)، قال الإسبيجابي في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة" واختاره المحبوبي وغيره.
قوله: (وإذا أعْتَقَ المولى بعضَ عبدِه عَتَق ذلك البعض وسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يَعتِق كُلُّه)، قال في "زاد الفقهاء":"الصحيح قوله" واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقَ أحدُهما نصيبَه
…
الخ)، قال
(1)
انظر "الهداية" 2/ 340 و"الفتاوى الخانية"، فصل في العتق بدعوى النسب وملك ذي الرحم المحرم 1/ 572.
حنيفة إن شاء أعتق وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه وإن شاء استسعى العبد، وإن كان معسرًا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار، وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب ولا ضمان عليه، وكذلك إذا ورثاه فالشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى، وإذا شهد كل واحد من الشريكين على الآخر بالحرية * عتق كله، ويسعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كانا موسرين فلا سعاية وإن كانا معسرين سعى لهما وإن كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا سعى للموسر ولم يسع للمعسر، ومن أعتق عبذا لوجه الله تعالى أو للصنم أو للشيطان عَتَق، وعِتق المكره والسكران واقع، وإذا أضاف العتق إلى ملك أو شرط صح كما يصح في الطلاق، وإذا خرج عبد من دار الحرب إلينا مسلمًا عتق، وإذا أعتق جارية حاملا عتق حملها وإن أعتق الحمل خاصة عتق ولم تعتق الأم، وإذا أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق ولزمه المال، ولو قال إن أديت إلي ألفًا فأنت حر صح وصار مأذونًا، فإن أحضر المال أجبر الحاكم المولى على قبضه وعتق العبد وولد الأمة من مولاها حر وولدها من زوجها مملوك لسيدها، وولد الحرة من العبد حر.
جمال الإسلام في شرحه: "الصحيح قول أبي حنيفة"، ومشى عليه البرهاني والنسفي وغيرهما، وفي "المحيط": "وأما تفسير اليسار هنا، فعن محمد أنه إذا كان مالكًا مقدار قيمة نصيب الساكت
(1)
من جميع ماله سوى ملبوسه وقوت يومه فهو موسر، وعليه عامة المشايخ وإشارة النصوص، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة: الموسر الذي له نصف القيمة سوى المنزل والخادم ومتاع البيت، وقيل اليسار المحرم للصدقة، وقول محمد أصح"، وفي "شرح "الهداية": "وقول محمد هو ظاهر الرواية".
قوله: (وإذا شهد كلُّ واحد من الشريكين على الآخر بالحُرِّية .. الخ)، قال الإمام أبو المعالي في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة" واختاره المحبوبي والنسفي والمَوْصِلي وصدر الشريعة.
فرع: قال: كل عبد في الدنيا حُرّ، وله عبد؛ أو قال: كل عبيد أهل بغداد أحرار وهو من بغداد، ولم ينو عبده، قال محمد: يَعْتِق عبدُه، وقال أبو يوسف: لا يَعتق، وعليه الفتوى
(2)
.
(1)
في (ج): "المساكت"، تحريف.
(2)
انظر "الفتاوى الخانية" 1/ 560.
باب التدبير
إذا قال المولى لمملوكه إذا متّ فأنت حرّ، أو أنت حرّ عن دبرٍ مني أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبرًا لا يجوز بيعه ولا هبته، وللمولى أن يستخدمه أو يؤاجره وإن كانت أمة فله وطؤها، وله أن يزوجها، فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث وإن لم يكن له مال غيره سعى في ثلثي قيمته، وإن كان على المولى دَين سعى في جميع قيمته لغرمائه وولد المدبرة مدبر، فإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول إن مت من مرضي هذا أو من سفري هذا أو من مرض كذا فليس بمدبر، ويجوز بيعه فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
باب الاستيلاد
إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له لا يجوز بيعها ولا تمليكها وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها، ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به، فإن جاءت بعد ذلك بولد يثبت نسبه بغير إقرار، فإن نفاه انتفى بقوله، وإن زوجها فجاءت بولد فهو في حكم أمه، وإذا مات المولى عتقت من جميع المال، ولا يلزمها السعاية للغرماء إن كان على المولى دين فإذا وطى رجل أمة غيره بنكاح فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولد له، وإذا وطئ الأب جارية ابنه* فجاءت بولد فادعاه يثبت نسبه وصارت أم ولد له وعليه قيمتها وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها، وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب وإن كان الأب ميتًا يثبت النسب من الجد كما يثبت من الأب، وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وصارت أم ولد له وعليه نصف عقرها ونصف قيمتها وليس عليه شيء من قيمة ولدها، فإن ادعياه جميعًا معًا يثبت نسبه منهما وكانت الأم أم ولد لهما، وعلى كل واحد منهما نصف العقر قصاصًا بماله على الآخر، ويرث الابن من كل واحد منها ميراث ابن كامل ويرثان منه ميراث أب واحد، وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدقه المكاتب يثبت نسب الولد منه* وكان عليه عقرها وقيمة ولدها ولا تصير أم ولد له، وإن كذبه في النسب لم يثبت، والله أعلم.
كتاب الاستيلاد
قوله: (وإذا وطئ الأبُ جاريةَ ابنِه الخ)، قال الإسبيجابي: "وروي أن آخر ما استقر عليه قول أبي يوسف، أن
(1)
الاستيلاد لا يثبت، وهو قول الشافعي، والصحيح ما قلنا"، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا وطئ المولى جاريةَ مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدّقه المكاتب ثبت نسب الولد منه)، هذا ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه لا يعتبر تصديقه، نصّ عليه في "الهداية"
(2)
، واعتمده الأئمة، المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم.
(1)
كذا في (جـ)، وفي الأصل و (د):"لأن".
(2)
2/ 357.
كتاب المكاتب
إذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبًا، ويجوز أن يشترط المال حالًا ويجوز مؤجلًا ومنجمًا، ويجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل الشراء والبيع، وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى ولم يخرج من ملكه، ويجوز له البيع والشراء والسفر، ولا يجوز له التزوج إلا بإذن المولى، ولا يهب ولا يتصدّق إلا الشيء اليسير ولا يتكفل، فإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته وكان حكمه كحكمه وكسبه له، فإن زوج المولى أمته من عبده ثم كاتبهما فولدت منه ولذا دخل في كتابتهما وكان كسبه لها*، وإن وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر وإن جنى عليها أو على ولدها لزمه الجناية، وإذا أتلف مالًا لها غرمه وإذا اشترى المكاتب أباه أو ابنه دخل في كتابته، وإن اشترى أم ولده مع ولدها دخل ولدها في الكتابة ولم يجز له بيعها *، فإن اشترى ذا رحم محرم منه لا ولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة *.
كتاب المكاتب
قوله: (فإن زوج المولى عبدَه من أمته، ثم كاتبهما وولدت منه ولدًا دخل في كتابتها
(1)
وكان كسبه ليها)، قال نجم الأئمة في شرحه:"قد وقع في كثير من النسخ: (دخل في كتابتهما)، وتأويله أن كتابتهما واحدة فكان: كتابتهما، وكتابتُها بالإفراد أولى، وما وقع في بعض النسخ: (فكان كسبه لهما)، سَهْوٌ".
قوله: (وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز له بيعها)، قال الزاهدي:"معناه اشتراها مع ولدها، وإن لم يكن معها ولد فكذلك الجواب عندهما خلافًا لأبي حنيفة"، وقالى الإسبيجابي:"الصحيح قولى أبي حنيفة" وعليه مشى الإمام المحبوبي.
قوله
(2)
: (وإذا اشترى ذا رَحِم محرم منه لا وِلادَ له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة)، وقالا: يدخل، وجعل الإسبيجابي قوله استحسانًا، واختاره
(1)
في (جـ ود): "كتابتهما".
(2)
ذكرت هذه المسألة قبل سابقتها في النسخ المخطوطة (أب جـ د)، وأثبتها هنا موافقة لترتيب مسائل "مختصر القدوري".
وإذا عجز المكاتب عن نجم* نظر الحاكم في حاله فإن كان له دين يقبضه أو مال يقدم عليه لم يعجل بتعجيزه وانتظر عليه اليومين أو الثلاثة، وإن لم يكن له وجه فطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة، وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان، فإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الزق وكان ما في يده من الأكساب لمولاه، وإن مات المكاتب وله مال لم تنفسخ الكتابة وقضيت كتابته من أكسابه وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته، وإن لم يترك وفاء وترك ولدًا مولودًا في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه فإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد*، وإن ترك ولدًا مشترى قيل له إما أن تؤدي الكتابة حالة وإلا رُدِدت في الرق، وإن كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدة، فإن أدى الخمر عتق، ولزمه أن يسعى في قيمته ولا ينقص من المسمى ويزاد عليه *،
المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا عجز المكاتب عن نَجْمٍ .. الخ)، قال الإمام جمال الإسلام في شرحه: "الصحيح قول أبي حنيفة ومحمد، واعتمده الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وغيرهم.
قوله: (وإذا أدَّى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعِتقِ الولدِ)، قال نجم الأئمة في شرحه:"وقوله في المتن: وعتق الولد -بكسر القاف- لأنه يستند عتق الولد بالتبعية لأبيه إلى آخر أجزاء الحياة".
قوله: (وإن كاتب المُسلِمُ عبدَه على خمر أو خنزير أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدة، فإن أدى الخمر عتق -هذا هو ظاهر الرواية- ولزمه أن يسعى في قيمته، ولا ينقص من المسمى ويزاد عليه)، قال الزاهدي في شرحه:"فإن قلت: قوله في مسألة "الكتاب": ولا ينقص من المسمى ويزاد عليه، لا يتصور في الكتابة بالقيمة وكذا بالخمر والخنزير؛ لأنه لا يجب المسمى فلا يتصور النقصان والزيادة عليه، قلت: قد تأملت في الجواب عنه زمانًا وفتشت الشروح وباحثت الأصحاب فلم يغنِ ذلك منه شيئًا، حتى ظفرت بما ظفر به الإمام الملهَم ركن الأئمة الصباغي في شرحه فقال: وهذا إذا سمى مالًا وفسدت الكتابة بوجه من الوجوه لا ينقص من المسمى ويزاد عليه، والحاصل أن هذه صورة مستأنفة غير متصلة بالأول، وهذا كمن كاتب عبده على ألف ورطل من خمر، فإذا أدى ذلك عَتق سواء قال إذا أدّيت إليَّ فأنت حر أو لم يقل، وتجب عليه الزيادة إن كانت قيمته أكثر، وإن كانت
وإن كاتبه على حيوان غير موصوف* فالكتابة جائزة، وإن كاتب عبديه كتابة واحدة بألف درهم إن أديا عتقا وإن عجزا ردا في الرق *، فإن كاتبهما على أن كل واحد منهما ضامن
قيمته أقل من الألف لا يسترد الفضل
(1)
عندنا، قلت
(2)
: فدعوت له وحمدت اللّه على ذلك، وكان يتخالج في قلبي ذلك لكني ما اجترأت
(3)
كتبه ما لم أجده منصوصًا عليه" انتهى.
وقال في "الينابيع" في قوله (فإن أدى الخمر عتق): "فإذا عتق بأداء الخمر والخنزير سعى فى الأكثر من قيمة نفسه ومن قيمة ما كوتب عليه، وقد يوجد في بعض النسخ:(لا ينقص من المسمى ولا يزاد عليه)، وكذا ذكره في شرح عبد الرب
(4)
معللًا بالتراضي منهما، وهو غلط، والصحيح ما ذكرنا، لأنه موافق لغيره من الكتب" انتهى.
قلت: فعلى هذا لا تكون صورة مستأنفة بل متصلة بالأول إلا أنها خاصة بالخمر والخنزير، وهي على حذف مضاف تقديره: ولا ينقص من قيمة المسمى ويزاد عليه، أي على قيمة المسمى، إلَّا أنه ذكّر الضمير رعاية لِلَفظِ المسمى، والله أعلم.
قوله: (وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف)، [قال]
(5)
نجم الأئمة: "معناه على حيوان معلوم الجنس، غير موصوف النوع والكيفيّة، كالعبد والفرس والبعير، حتى لو لم يبيِّن جنسَه بأن كاتبه على دابّة أو عَشْر من الأنعام لا يجوز".
قوله: (وإذا كاتب عبدَيْه كتابة واحدةً بألفِ درهم، إن أدّيا عَتَقا وإن عجزا رُدَّا في الرِّق)، قال الزاهدي: "وفي بعض النسخ: بألف درهم جاز، فإن أدّيا عتقا وإن عجزا ردا، وفي (شق)
(6)
: كاتب عبديه كتابة واحدة بألف درهم
(1)
في نسخة (د): "لا يسترد الفضل من الألف عندنا".
(2)
القائل الإمام الزاهدي رحمه الله.
(3)
في (د): "ما اخترت".
(4)
عبد الرب بن منصور بن إسماعيل بن إبراهيم أبو المعالي الغَزنَوي شرح مختصر القدوري في مجلدين سماه "مُلْتمس الإخوان"، كانت وفاته في حدود الخمس مئة (الجواهر المضية 2/ 373 رقم 764، تاج التراجم ص 194 رقم 147).
(5)
الزيادة من نسخة (جـ).
(6)
أي شرح الأقطع، كما مر ص 342.
عن الآخر جازت الكتابة وأيهما أدى عتقا، ويرجع على شريكه بنصف ما أدى، وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بعتقه وسقط عنه مال الكتابة، وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة وقيل له أدّ المال إلى ورثة المولى على نجومه، وإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ العتق وإن أعتقوه جميعًا عتق ويسقط عنه مال الكتابة، وإذا كاتب المولى أم ولده جاز وإن مات المولى سقط عنها مال الكتابة، وإذا ولدت مكاتبته منه فهي بالخيار إن شاءت أمضت على الكتابة وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له، وإذا كاتب مدبرته جاز، وإن مات المولى ولا مال له غيره كانت بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة *، وإن دبر مكاتبته صح التدبير ولها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة، وإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة *، فإن أعتق المكاتب عبده على مال لم يجز، وإن وهب على عوض لم يصح، وإذا كاتب عبده جاز،
جاز، معناه إن أديا عتقا وإن عجزا ردا، قلت: وفيه إشارة إلى أن هذا البيان زيادةٌ على لفظ "المختصر"، انتهى.
قلت: يؤيده ما في "زاد الفقهاء": "معنى قوله: (كتابة واحدة)، أن يقول إن أديا عتقا وإن عجزا ردا في الرق".
قوله: (فهي بالخيار، إن شاءت سعت في ثلثَي قيمتها أو جميع مال الكتابة)، "الهداية"
(1)
: "وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: تسعى في الأقل منهما، وقال محمد: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار، ومع محمد في نفي الخيار، أما الخيار ففرع تجزُّئِ الإعتاق"، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (فهي بالخيار، إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة)، "الهداية"
(2)
: "وقالا: تسعى في الأقل منهما، فالخلاف فى هذا الفصل في الخيار، بناء على ما ذكرنا".
قلت: الذي ذكره هو تجزُّؤُ الإعتاق
(3)
، وقد تقدَّم أنّ الفتوى فيه على
(1)
3/ 254.
(2)
3/ 255.
(3)
فعند الإمام يتجزأ الإعتاق، وعندهما لا يتجزأ، انظر "الهداية" 2/ 343.
فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى، وإن أدى بعد عتق المكاتب الأول فولاؤه له، والله أعلم.
قول الإمام كما نقلته عن الأئمة الأعلام، وعلى هذا مشى الإمام المحبوبي والنسفي والمَوْصِلي وصدر الشريعة.
كتاب الولاء
وإذا أعتق الرجل مملوكه فولاؤه له وكذلك المرأة تعتق، إن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق، وإذا أدى المكاتب عتق وولاؤه للمولى، وإن عتق بعد موت المولى فولاؤه لورثة المولى وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده وولاؤهم له، ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وولاؤه له، وإذا تزوج عبد رجل أمة الآخر فأعتق مولى الأمةِ الأمة وهي حامل من العبد عتقت وعتق حملها وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدًا، فإن ولدت بعد عتقها باكثر من ستة أشهر فولاؤه لمولى الأم، فإن أعتق العبد جر ولاء ابنه وانتقل عن مولى الأم إلى مولى الأب، ومن تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادًا فولاء ولدها لمواليها عند أبي حنيفة*، وولاء العتاقة تعصيب، فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى منه، فإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق *، فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته، وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن، وإذا ترك المولى
كتاب الوَلاء
قوله: (ومن تزوَّج من العجم بمُعْتَقَةِ من العرب فولَدَت له أولادًا، فوَلاءُ ولدها لمواليها عند أبي حنيفة)، "الهداية"
(1)
: "وهو قول محمد أيضًا، وقال أبو يوسف: حكمه حكم أبيه"، [و] قال نجم الأئمة: "الخلاف في مطلق المعتقة، والوضع في معتقة العرب وقعَ
(2)
اتفاقًا"، وقال جمال الإسلام في شرحه: "[و] الصحيح قولهما"، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، قال في "الينابيع": "وذكر في شرح عبد الربّ أن الولاء لمواليها عندهما إذا لم يكن للزوج نسب ولا عليه ولاء عتاقة، مثل رجل من أهل الحرب هاجر إلى دار الإسلام مسلمًا فتزوج بعربية أو بمعتَقَة من جهة العرب، هكذا لفظ كتابه"، انتهى.
قوله: (فإن لم يكن له عَصَبة فميراثه للمعتق)، قال نجم الأئمة:"قلت: معناه إذا لم يكن له صاحب فرض، وإن كان فالفاضل من فرضه"، وفي
(1)
3/ 266.
(2)
كذا في نسخة (ج) و"الهداية"، وفي الأصل:"وجُمعَ اتفاقًا".
ابنًا وأولاد ابن آخر فميراث المعتق للابن دون بني الابن والولاء للكبر، وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه* على أن يرثه ويعقل عنه أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه، فإن مات ولا وارث له فميراثه للمولى، وإن كان له وارث معروف فهو أولى منه، وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه، وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدًا.
" الهداية"
(1)
: "تأويله إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال، أما إن كان فله الباقي بعد فرضه لأنه عصبة"، وفي "زاد الفقهاء": "ثم عندنا المولى الأسفل لا يرث من الأعلى وهو المنعم، وقال بن زياد
(2)
: يرث، والصحيح قولنا، لأن المعتق أنعم عليه بالعتق، وهذا لا يوجد في المعتَق، والله أعلم".
قوله: (وإذا أسلم رجل على يد رجل ووَالَاه إلخ)، قال في شرح الشيخ أبي نصر: "قالوا وإنما تصح الموالاة بشرائط، أحدها: أن يكون الموالي من غير العرب؛ لأن تناصرَ
(3)
العرب بالقبائل أقوى، والثاني: أن لا يكون عتيقًا لأن ولاء العتق أقوى، والثالث: أن لا يكون عقل عنه غيره لتأكد ذلك، والرابع: أن يشترط العقل والإرث".
(1)
3/ 267.
(2)
هو الإمام الحسن بن زياد اللُّؤلؤي، والله أعلم.
(3)
في (د): "تفاخر"، وهي محتملة في (أ) كذلك.
كتاب الجنايات
القتل على خمسة أوجه: عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب، فالعمد ما تعمد ضربه بالسلاح أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء كالمحدّد من الخشب والحجر والنار، وموجب ذلك المأثم والقود إلا أن يعفو الأولياء ولا كفارة فيه، وشبه العمد * عند أبي حنيفة أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا ضربه بحجر عظيم أو خشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل غالبًا وموجب ذلك على القولين المأثم والكفارة ولا قود فيه، وفيه دية مغلظة على العاقلة والخطأ على وجهين خطأ في القصد وهو أن يرمي شخصًا يظنه صيدًا فإذا هو آدمي، وخطأ في الفعل وهو أن يرمي غرضًا فيصيب آدميًا وموجب ذلك الكفارة، والدية على العاقلة ولا مأثم فيه، وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله فحكمه حكم الخطأ، وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي الدية على العاقلة ولا كفارة فيه، والقصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد إذا قتل عمدًا ويقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والحر بالعبد والمسلم بالذمي، ولا يقتل المسلم بالمستأمن، ويقتل الرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالأعمى والزمن، ولا يقتل الرجل بابنه ولا بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده، ومن ورث على أبيه قصاصًا سقط *، ولا يستوفي
كتاب الجنايات
قوله: (وشبه العمد الخ)، قال الإمام بهاء الدين- المنسوب إلى إسبيجاب - في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وفي "الكبرى":"الفتوى في شبه العمد على ما قاله أبو حنيفة"، واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ومن ورث قصاصًا على أبيه سقط)، قال في "الينابيع": "صورته: رجل قتل أم ولده، أعني به امرأته، وولده وارثها أو قتل أخ
(1)
ولده من الأم وهو وارثه، وعلى هذا كل من قتله الأب وولده وارثه"، انتهى.
قال في "الجواهر": "القصاص في هذه الصور ثابت للوارث ابتداء بدليل أنه يصح عفوه، والمورث يملك القصاص بعد الموت وهو ليس بأهل للتمليك
(1)
في الأصل وسائر النسخ: "أخا".
القصاص إلا بالسيف، وإذا قتل المكاتب عمدًا وليس له وارث إلا المولى فله القصاص *، وإن ترك وفاء ووارثه غير المولى فلا قصاص لهم وإن اجتمعوا مع المولى، وإذا قتل عبد الرهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن، ومن جرح رجلًا عمدًا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص، ومن قطع يد غيره عمدًا من المفصل قطعت يده، وكذلك الرَّجل ومارن الأنف والأذن، ومن ضرب عين رجل فقلعها
في ذلك الوقت، فيثبت للوارث ابتداء".
قلت: عزى الزاهدي هذا للأصم
(1)
، فقال: وأنكره الأصم، قال في "الجواهر":"قلنا عند البعض يثبت بطريق الإرث"، قال الزاهدي:"لأن المستحق للقصاص أولًا هو المقتول بدليل أنه لو قال عفوت عن الجناية، أو قال عن الجرح، أو القطع وما يحدث منه سقط القصاص، ولو لم يثبت له أولًا لما سقط بعفوه".
قال في "الجواهر": "أو نقول نعين صورة يتحقق فيها الإرث، بأن قتل رجل ابن امرأته، يكون ولاية الاستيفاء للمرأة، ثم ماتت المرأة ولها ولد من الرجل القاتل يرث الابن القصاص الواجب على أبيه"، انتهى.
قلت: ليس في هذه العبارة
(2)
ما يقتضي اختصاص الابن بالميراث فإن ورثها هو وأبوه، فقد ورث الأب جزءًا من دمه فيسقط القصاص لذلك، فلو قال: وورثها الابن دون الأب كان أصح.
قال الإمام نجم الأئمة: "ومن صورة هذه المسألة ما إذا قتل أخ أمِّ ابنه، أو اختها أو أباها أو خالها أو عمها أو واحدًا من أقاربها، وهي وليّة ذلك المقتول، فيثبت لها القصاص عليه، ثم ماتت ورثها ابنه، فقد ورث قصاصًا على أبيه، فيسقط".
قلت: هذا نحو الأول في عدم التصريح بانفراد الابن، والله أعلم.
قوله: (وإذا قتل المكاتب عمدًا
(3)
وليس [له] وارث إلا المولى فله القصاص)، قال الإسبيجابي: "يعني إذا لم يترك وفاء، أما إذا ترك وفاء ووارثه
(1)
الأصم: محمد المزكي، الفقيه الأصم الإستراباذي أبو جعفر، قال أبو سعد الإدريسي: كان ثقة في الحديث، كتبنا عنه بإستراباذ بعد الستين وثلاث مئة (الجواهر المضية 3/ 415 رقم 1595).
(2)
في (د): "العبارات".
(3)
كذا في نسخة (د)، وانظر "الجامع الصغير" ص 506، و"الهداية" 4/ 447 وفي الأصل و (ب، و جـ): "عبدًا"، وهو خطأ النساخ، والله أعلم.
فلا قصاص، فإن كانت قائمة وذهب ضَوْؤُها فعليه القصاص، وتحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب ويقابل عينه بالمرآة حتى يذهب ضوؤها، وفي السِّن القصاص، وفي كل شجة يمكن فيها المماثلة القصاص، ولا قصاص في عظم إلا في السن. وليس فيما دون النفس شبه العمد إنما هو عمد أو خطأ، ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد وبين العبدين، ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر، ومن قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرئ منها فلا قصاص عليه، وإذا كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع المعيبة ولا شيء له غيرها وإن شاء أخذ الأرش كاملًا، ومن شج رجلًا فاستوعبت الشخة ما بين قرني الشاج فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء وإن شاء أخذ الأرش، ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر إذا قطع إلا أن يقطع الحشفة"، وإذا اصطلح القاتل وأولياء المقتول على مال سقط القصاص ووجب المال قليلًا كان أو كثيرًا، فإن عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين من القصاص وكان لهم نصيبهم من الدية *.
المولى لا غير فقد ذكر في "الجامع الصغير"
(1)
أن للمولى القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: لا قصاص له، وهو قول زفر ورواية عن أبي يوسف، والصحيح قول أبي حنيفة".
قوله: (ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر إذا قطع، إلا أن تقطع الحشفة)، قال الإمام جمال الإسلام في شرحه:"وعن أبي يوسف أن قطع اللسان والذكر من أصله يوجب القصاص، والصحيح ظاهر الرواية".
قوله: (فإن عفا أحد الشركاء في الدم أو صالح من نصيبه على عوض)، وجب حالًا إلا أن يؤجله و (سقط حق الباقين من القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية)، في مال القاتل في ثلاث سنين لا على العاقلة، ووقع في "المختار"
(2)
و"مجمع البحرين"
(3)
: "فتجب بقيتها على العاقلة"، وهذا ليس من مذهب علمائنا ولا أعلمه قولًا لأحد، قال الإمام محمد بن الحسن في كتاب "الآثار"، باب من قتل فعفا بعض الأولياء: "محمد قال أخبرنا أبو حنيفة
(1)
ص 506، 507.
(2)
انظر الاختيار لتعليل المختار 5/ 24.
(3)
كتاب "مجمع البحرين وملتقى النهرين"، للإمام مظفر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي الحنفي، المتوفي سنة 694، جمع فيه مسائل القدوري والمنظومة مع زيادات.
(كشف الظنون 2/ 1599، 1600).
وإذا قتل جماعة واحدًا عمذا اقتص من جميعهم *، وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل بجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد قتل به وسقط حق الباقين، ومن وجب عليه القصاص فمات سقط القصاص، وإذا قطع رجلان يد رجل واحد فلا قصاص على واحد منهما وعليهما نصف الدية فإن قطع واحد يميني رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده ويأخذا منه نصف الدية، يقتسمانه نصفين، وإذا حضر واحد منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية، وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود، ومن رمى رجلا عمدًا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا فعليه القصاص للأول والدية للثاني على عاقلته.
عن حماد
(1)
عن إبراهيم
(2)
أن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] أتي برجل قد قتل عمدًا فأمر بقتله، فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله، فقال عبد الله بن مسعود: كانت النفس لهم جميعًا فلما عفا هذا أحيى النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه -يعني الذي لم يعف- حتى يأخذ حق غيره، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع عنه حصة الذي عفا، قال عمر: وأنا أرى ذلك قال محمد: وأنا أرى ذلك، وهو قول أبي حنيفة"
(3)
.
قوله: (وإذا قتل جماعة واحدًا عمدًا اقتصّ من جميعهم) قال في "الجواهر": "صورة المسألة: بان جرح كل واحد جرحًا مهلكًا
(4)
لأن زهوق الروح يتحقق بالمباشرة".
وإنما ذكرتُ بعض الصُّور في هذا الباب وما ليس من التصحيح لما شاهدت من وقوع الغلط في ذلك، [والله أعلم].
(1)
هو حماد بن مسلم أبو إسماعيل بن أبي سليمان الكوفي، أحد أئمة الفقهاء، توفي سنة 120، رحمه الله تعالى (الجواهر المضية 2/ 150 - 152 رقم 540).
(2)
هو إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران، من أكابر التابعين، كان إمامًا مجتهدًا، توفي سنة: 96 رحمه الله تعالى (الأعلام 1/ 80).
(3)
انظر كتاب (الأصل، للإمام محمد بن الحسن 4/ 460 و 475، و"السنن الكبرى" للإمام البيهقي 8/ 105، 106 ولم أجده في كتاب "الآثار" لمحمد بن الحسن.
(4)
ونقل الميداني رحمه الله في كتابه "اللباب شرح الكتاب" 3/ 150 هذه المسألة عن "التصحيح والترجيح" فقال: "وفي التصحيح: قال في الفوائد: وتثترط المباشرة من الكل بأن جرح كل واحد جرحًا ساريا" اهـ. فحُرفت "الجواهر" إلى "الفوائد"، وذكر النقل بالمعنى، والله أعلم.
كتاب الديات
وإذا قتل رجل رجلًا شبه عمد فعلى عاقلته دية مغلظة وعليه كفارة، ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف مئة من الإبل* أرباعًا، خمسة وعشرون بنت مخاض وخمسة وعشرون بنت لبون وخمسة وعشرون حقة وخمسة وعشرون جذعة، ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة، فإن قضي بالدية من غير الإبل لم يتغلظ، وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة على القاتل، والدية في الخطأ مئة من الإبل أخماسًا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة، ومن العين ألف دينار ومن الورِق عشرة آلاف درهم، ولا تثبت الدية الا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد من البقر مئتا بقرة ومن الغنم ألفا شاة ومن الحلل مئتا حلة كل حلة ثوبان *، ودية المسلم والذمي سواء، وفي النفس الدية وفي المارن الدية وفي اللسان الدية وفي الذكر الدية وفي العقل إذا ضرب رأسه فذهب عقله الدية، وفي اللحية الدية اذا حلقت فلم تنبت *، وفي شعر الرأس الدية وفي العينين الدية وفي اليدين
كتاب الديات
قوله: (ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف مئة من الإبل أرباعًا)، قال الإسبيجابي: "وهذا قول عبد اللّه بن مسعود، وعن عمر وزيد: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل
(1)
عام كلها خلفة في بطونها أولادها، وهو قول محمد والشافعي، والصحيح قول عبد الله"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ولا تثبت الدِّية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة، وقالا: من البقر مِئتا بقرة، ومن الفنم ألفا شاة، ومن الحُلل مئتا حُلّة، كل حلة ثوبان)، قال الإمام جمال الإسلام في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واختاره الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (وفي اللِّحية إذا حُلِقت فلم تَنْبُت الدية)، قال الإسبيجابي: "قال الفقيه أبو جعفر الهندُوَاني: هذا إذا كانت اللحية كاملة يتجمل بها، فإن
(1)
في "طلبة الطلبة" ص 330: "ثنية: هي التي أتت عليها خمس سنين ودخلت في السادسة، وبازل: إذا دخلت في التاسعة"، وانظر "القاموس المحيط" ص 1248.
الدية وفي الرجلين الدية وفي الأذنين الدية وفي الشفتين الدية وفي الأنثيين الدية وفي ثديى المرأة الدية، وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية، وفي أشفار العينين الدية وفي إحداهما ربع الدية، وفي كل أصبع من الأصابع- الرجلين أو اليدين- عشر الدية، والأصابع كلها سواء وكل أصبع فيها ثلاثة مفاصل ففي إحداها ثلث دية الأصبع وما فيه مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع، وفي كل سن خمس من الإبل* والأسنان والأضراس كلها سواء، ومن ضرب عضوًا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كما لو قطعه كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوؤها والشجاج عشرة: الحارصة والدامعة والدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والآمة، ففي الموضحة القصاص إذا
كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شيء فيها، وإن كانت غير متفرقة إلا أنه لا يقع بها جمال كامل، ففيها حكومة عدل"، وقال في، الهداية"
(1)
: "وفي الشارب حكومة عدل، هو الأصح".
قوله: (وفي كل سنٍّ خمسٌ من الإبل)، قال صدر الشريعة في "شرح الوقاية":"لما كان عدد الأسنان اثنين وثلاثين، ينبغي أن يجب في كل أربع ثمن الدية، فما الحكمة في وجوب نصف العشر؟ قال: يخطر ببالي أن عدد الأسنان وإن كان اثنين وثلاثين فالأربعة الأخيرة -وهي أسنان الحلم- قد لا تنبت لبعض الناس، وقد ينبت لبعضٍ بعضها ولبعض كلها، فالعدد المتوسط ثلاثون، ثم للأسنان منفعتان: الزينة والمضغ، وإذا سقط سن تزول منفعتها بالكلية ونصف منفعة السن التي تقابلها وهو منفعة المضغ، وإن كان الأخرى باقية وهي الزينة، وإذا كان العدد المتوسط ثلاثين فمنفعة السن الواحدة ثلث العشر، ونصف المنفعة سدس العشر، ومجموعها نصف العشر، والله أعلم بالحقيقة"، انتهى.
فأخذ بعض أهل العصر من هذا، أنَّ في الأسنان كلها دية واحدة كسائر الأعضاء المتعددة وهو غلط، قال في "شرح الطحاوي": "وفي كل سن نصف عشر الدية: خمس مئة، ومن ضرب رجلا حتى سقط الأسنان كلها وهي اثنان وثلاثون سنًّا منها عشرون ضرسًا وأربعة أنياب وأربعة ثنايا وأربعة ضواحك، كانت عليه دية وثلاثة أخماس الدية، وهي من الدراهم ستة عشر ألف درهم، في السنة الأولى ثلثا الدية: ثلث من الدية الكاملة وثلث من ثلاثة أخماس الدية، وفي السنة الثانية: ثلث الدية وما بقي من ثلاثة أخماس الدية،
(1)
4/ 465.
كان عمدًا، ولا قصاص في بقية الشجاج*، وما دون الموضحة ففيه حكومة عدل *، وفي الموضحة إذا كانت خطأ نصف عشر الدية وفي الهاشمة عشر الدية وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهي جائفتان ففيهما ثلثا الدية، وفي أصابع اليد نصف الدية فإن قطعها مع الكف ففيه نصف الدية
وفي السنة الثالثة: ثلث الدية وهو ما بقي من الدية الكاملة"، انتهى وذكره في "الأصل" و"المحيط" و"المبسوط" وقال: "في السنة الأولى: ستة آلاف وست مئة وستة وستون وثلثان، وفي السنة الثانية: ستة آلاف، وفي السنة الثالثة: ثلاثة آلاف أو ثلاث مئة وثلاثة وثلاثون وثلث]
(1)
".
وقال في "الاختيار"
(2)
: "وأسنان الكَوْسَج
(3)
قالوا ثمانية وعشرون، فتجب دية وخُمُسا دية، وهذا غير جارِ على قياس الأعضاء إلا أن المرجع النص"، والله أعلم.
قوله: (ولا قصاص في بقية الشجاج)، قال الإسبيجابي وصاحب "الهداية"
(4)
: "هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقال محمد في "الأصل" -وهو ظاهر الرواية-: يجب القصاص فيما قبل الموضحة فيسبر، ويقطع بقدره".
قولى: (ففيه حكومة عدْل)، قال قاضي خان
(5)
: "ينظر إلى المجنى عليه أنه لو كان مملوكًا كم ينقص من قيمته بهذه الجناية، إن كانت تنقص عشر قيمته ففي الحر تجب عشر ديته، وهكذا في النصف والثلث، والفتوى على هذا"، وقال الصدر الشهيد في "الكبرى": "وهكذا ذكره ابن سماعة عن محمد وبه يفتى، وقال الكرخي: ينظر إلى أدنى جناية لها أرش مقدر، وهي الموضحة، فإن كان هذا نصف وإلَّا يجب
(6)
نصف أجر الموضحة"، وعلى
(1)
هذه الزيادة من نسخة (ج)، وليست في (أ) بل فيها بعد قوله (وفي السنة الثانية):"ستة آلاف وست مئة وثلاثة وثلاثون وثلث"، وهو خطأ، تأمل.
(2)
5/ 39.
(3)
قال في "تاج العروس" 6/ 174 - في الكوسج-: "وقال الأصمعي هو الناقص الأسنان، قال سيبويه: أصله بالفارسية كوزه، ونقل شيخنا عن رجل أن أمرأته قالت له: أنت كوسج! فقال لها: إن كنت كوسجا فأنت طالق! فسأل عن ذلك إمام العراق أبا حنيفة رضي الله عنه فقال: تعدّ أسنانه، فإن كانت ثمانيا وعشرين فهو كوسج، وتطلق عليه، وإن كانت اثنتين وثلاثين فلا، ولا تطلق"، (وانظر المبسوط للسرخسي 26/ 71).
(4)
انظر "الهداية" 4/ 468.
(5)
"الفتاوى" 3/ 434.
(6)
المثبت من (أ، ب، د)، وفي (جـ):"فإن كان هذا نصف ذلك يجب نصف أجر الموضحة".
قطعها مع نصف الساعد ففي الكف نصف الدية وفي الزيادة حكومة عدل* وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل، وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم يعلم صحته حكومة عدل، ومن شج رجلًا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية، وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية، ومن قطع إصبع رجل فشلت الأخرى إلى جانبيها ففيهما الأرش ولا قصاص فيه عند أبي حنيفة *، ومن قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش، ومن شج رجلًا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف عليه أرش الألم*،
هذا الاعتبار قال في "الخلاصة": "هذا إنما يستقيم إذا كانت الجناية في الرأس والوجه، فإن كانت في ذلك يفتى بهذا، وفي غيره يفتى بالأول، وإن تعسر عليه يفتى بالأول مطلقًا فإنه أيسر".
قوله: (وإن قطعها مع نصْف الساعد، ففي الكفّ والأصابع نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل)، قال جمال الإسلام:"وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف لا يجب فيها إلا أرش اليد، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه إذا قطعها من المنكب لا يجب إلا أرش اليد، والصحيح قولهما"، واعتمده المحبوبي والنسفي
(1)
.
قوله: (ومن قطع أصبع رجل فشَلّتْ أخرى إلى جنْبها، ففيها الأرش، ولا قصاص فيه عند أبي حنيفة)، قالى الإسبيجابي:"وعندهما يجب القصاص وهو قولى زفر والشافعي، والصحيح قولى أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما، قالى في "زاد الفقهاء":"هذا في الأصبع الأولى، أما الأصبع الثانية فلا قصاص فيها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وروى ابن سماعة عن محمد أن فيها القصاص، والصحيح قولهما".
قوله: (ومن شجَّ رجلًا فالتَحَمَت الشجّة ولم يبق لها أثر، ونبت الشعر سقط الأرْش
(2)
عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: عليه أرْشُ الألم)، "الهداية"
(3)
: "وهو حكومة عدل"، وفي "شرح الطحاوي ":"حكومة عدل الألم، أي أجرة العلاج"، وقالى الزاهدي في غير موضع:"إنه أراد بأرش الألم أجرة الطبيب وثمن الأدوية"، وفي بعضها: "هي أن يقوّم عبدًا
(1)
في نسخة (د): "واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما".
(2)
في (جـ): "سقط القصاص".
(3)
4/ 472.
وقال محمد أجرة الطبيب، ومن جرح رجلًا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ، ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء فعليه الدية وسقط أرش اليد، وكل عمد سقط فيه القصاص بشبهة فالدية في مال القاتل وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل أيضًا، وإذا قتل الأب ابنه عمدًا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله ولا يصدق على عاقلته وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، ومن حفر بئرًا في طريق المسلمين أو وضع حجرًا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته وإن تلف فيه بهيمة فضمانه في ماله، وإن أشرع في الطريق روشنًا أو ميزابًا فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته، ولا كفارة على حافر البئر وواضع الحجر، ومن حفر بئرًا في ملكه فعطب بها إنسان لم يضمن، والراكب ضامن لما أوطأت الدابة وما أصابت بيدها أو كدمت ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها، فإذا راثت أو بالت في الطريق فعطب به إنسان لم يضمن، والسائق ضامن لما أصابت بيدها ورجلها*، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها، وإذا قاد قطارًا فهو ضامن لما أوطأت فإن كان معه سائق فالضمان علهما، وإذا جنى العبد جناية خطأ قيل لمولاه إما أن تدفعه بها أو تفديه فإن دفعه ملكه ولي الجناية وإن فداه فداه بارشها فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية حكم الجناية الأولى، فإن جنى جنايتين قيل للمولى إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما وإما أن
صحيحًا، ويقوم به الألم، ويرجع فيما بينه وبين النقصان من الدية".
(وقال محمد: أجرة الطبيب عليه)، قال في "الهداية"
(1)
: "وثمن الدواء"، وعلى قول الإمام اعتمد الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، لكن قال في "العيون":"لا يجب عليه شيء قياسًا، وبه أخذ أبو حنيفة، وقالا: يستحسن أن يجب عليه حكومة عدل مثل أجرة الطبيب، وهكذا كل جراحة برَأت زجرًا للسفيه وجبرًا للضرر".
قوله: (والسائق ضامنٌ لما أصابت بيدها أو رجلها)، قال الزاهدي وصاحب "الهداية" فيها
(2)
وفي "مجموع النوازل": "هكذا ذكره القدوري في "مختصره"، وبه أخذ بعض المشايخ، وأكثر المشايخ على أن السائق لا يضمن النفحة
(3)
لأنه لا يمكنه منعها
(4)
عنها، وإن كان بمرأى منه، وهو الأصح".
(1)
4/ 472.
(2)
4/ 483.
(3)
قال في "تاج العروس" 7/ 193: "ونفح الشيء إذا دفعه عنه، وفي حديث شريح أنه أبطل النفح، أراد نفح الدابة برجلها وهو رفسها، كان لا يلزم صاحبها شيئا".
(4)
في الأصل: "منعهما"، المثبت من (جـ ود).
تفديه بأرش كل واحدة منهما، وإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها فإن باعه أو أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش، وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمتهما ومن أرشهما، فإن جنى أخرى وقد دفع المولى قيمة الأولى بقضاء فلا شيء عليه، ويتبع ولي الجناية الثانية ولي الجناية الأولى فيشاركه فيما أخذه الأول، وإن كان المولى دفع القيمة بغير قضاء قاض فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى وإن شاء اتبع عليه ولي الجناية الأولى، وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقض في مدة يقدر على نقضه فيها حتى سقط ضمن ما يتلف به من نفس أو مال، ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي، وإن مال إلى دار رجل فالمطالبة إلى مالك الدار خاصة، وإذا اصطدم الفارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وإذا قتل رجل عبدًا خطأ فعلبه قيمته لا يزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمنه عشرة آلاف أو أكثر قضي عليه بعشرة آلاف إلا عشرة* دراهم، وفي الأمة إذا زادت قبمتها على الدية خمسة آلات إلا عشرة*، وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة *،
قوله: (وإذا قتل رجل عبدًا خطأ فعليه قيمته لا يزاد على عشرة آلاف عند أبي حنيفة ومحمد، فإن كانت عشرة آلاف أو أكثر قضي عليه بعشرة آلاف إلا عشرة) عند أبي حنيفة ومحمد وزفر، وقال أبو يوسف: تجب قيمته بالغة ما بلغت، وعلى قول أبي حنيفة اعتمد الأئمة منهم: البرهاني والنسفي الموصلي وغيرهم.
قوله: (وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية خمسة آلاف إلا خمسة
(1)
)، قال الزاهدي:"ما وقع في بعض النسخ من "المختصر": (وفي الأمة خمسة آلاف إلا خمسة)، الظاهر والمنصوص في عامة الأصول والشروح التي ظفرت بها: (إلا عشرة)، وفي (سط): وفي رواية إلا خمسة، (ط) وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب خمسة آلاف إلا خمسة، والصحيح ما ذكرنا، يعني إلا عشرة"، وقال في "الينابيع":"والرواية المشهورة هي الأولى، يعني إلا العشرة، وهي الصحيحة في النسخ".
[قوله
(2)
: (وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة دراهم)، قال في "الجواهر": ينبغي أن لا ينتقص، لأن الأطراف يسلك بها
(1)
كذا في (أ وب)، وفي (جـ):"إلا عشرة".
(2)
هذه المسألة ذكرت في نسختي (جـ ود)، وليست في الأصل و (ب).
وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد *، وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا ميتًا فعليه غرة نصف عشر الدية، فإن ألقته حيًا ثم مات فعليه دية كاملة، وإن ألقته ميتًا ثم ماتت الأم فعليه دية وغرة وإن ماتت ثم ألقته ميتًا فعليه دية الأم ولا شيء في الجنين، وما يجب في الجنين موروث عنه، وفي جنين الأمة إذا كان ذكرًا نصف عشر قيمته لو كان حيًا وعشر قيمته لو كان أنثى، ولا كفارة في الجنين.
والكفارة في شبه العمد والخطا عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يجزئ فيها الإطعام.
مسلك الأموال، قلنا: في "المبسوط": أنه يجب القيمة بالغا ما بلغت في المححيح من الجواب، إلا في رواية عن محمد أنه يجب بقطع يده خمسة آلاف إلا خمسة، فيكون المذكور في "الكتاب " رواية محمد، والصحيح يجب بالغة ما بلغت، حتى إذا كانت قيمة اليد تساوي عشرة آلاف تجب، وإن كان عشرة آلاف دية الحر، انتهى].
قوله: (وكل ما يقدّر من دية الحُرّ فهو مقدّرٌ من قيمة العبد)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول، وقال أبو يوسف في الآخر وهو قول محمد وزفر: عليه النقصان، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعلى قوله اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما
مسائل القسامة
وإذا وجد القتيل في محلة لا يعلم من قتله، استحلف خمسون رجلًا منهم يتخيرهم الولي، بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا *، فإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية، ولا يستحلف الولي ولا يقضى له بالجناية، وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى يتم خمسين، ولا يدخل في القسامة صبي ولا مجنون ولا امرأة ولا عبد، وإن وجد ميت ولا أثر به فلا قسامة ولا دية، وكذلك إن كان الدم يسيل من أنفه أو من دبّره أو من فمه، فإن كان يخرج من عينه أو من أذنه فهو قتيل، وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة، فإن وجد في دار إنسان فالقسامة عليه والدية على عاقلته، ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة *، وهي على أهل الخطة دون المشترين ولو بقي منهم واحد، وإن وجد القتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين، وإن وجد في مسجد محلة فالقسامة على أهلها، وإن وجد في "الجامع" أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال، وإن وجد في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر، وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما، وإن وجد في وسط
كتاب القسامة
قوله: (ما قتلناه ولا نعلم له قاتلًا)، وقال في "المبسوط":"لا يحلف بالله ما قتلناه، لجواز أنه باشر القتل بنفسه، بل يقول: ما قتلت".
قوله: (ولا يدخل السُّكان في القسامة مع الملَّاك عند أبي حنيفة)، قال الإسبيجابي:"وعند أبي يوسف عليهم جميعًا"، (وهي على أهل الخطة دون المشترين، ولو بقي منهم واحد)، وهذا قول أبي حنيفة، وعلى قوله مشى الأئمة منهم البرهابي والنسفي، وفي "الهداية"
(1)
وغيرها: "وقيل أبو حنيفة بنى ذلك على ما شاهد بالكوفة".
ولو وُجد قتيل في سجن لا يُعرف مَن قتله، فالدية على بيت المال عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: على أهل السجن القسامة والدية، قال الإسبيجابي:"والصحيح قولهما".
(1)
4/ 502.
الفرات يمر به الماء فهو هدَر، فإن كان محتسبًا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك الموضع، وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم وإن ادعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم * القسامة، وإذا قال المستحلف: قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلًا غير فلان، وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتله لم تقبل شهادتهما*.
قوله: (وإذا ادعى الوليُّ على واحد من أهل المحِلّة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وإن ادعى على واحد من غيرهم سقط عنهم)، قال الإمام جمال الإسلام:"وعن أبي حنيفة ومحمد أن القسامة تسقط في الوجه الأول أيضًا، والصحيح هو الأول".
قوله: (وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتله لم تقبل شهادتهما)، قال الإمام بهاء الدين في شرحه:"وهذا قول أبي حنيفة، وقال صاحباه: تقبل، والصحيح قوله"، وعليه اعتمد المحبوبي النسفي وغيرهما.
كتاب المعاقِل
الدية في شبه العمد والخطأ وكل دية وجبت بنفس القتل وجبت على العاقلة، والعاقلة أهل الديوان إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين، فإن خرج العطايا في أكثر من ثلاث صنين أو أقل أخذ منها *، ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته يقسط عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم، في كل سنة درهم وثلث درهم وينقص منها *، فإن لم يتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل من غيرهم، ويدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم، وعاقلة المعتق قبيلة مولاه ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته ولا يتحمل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، ويتحمل نصف عشر الدية فصاعدًا، وما نقص من ذلك فهو في مال الجاني، ولا تعقل العاقلة جناية العمد، ولا تعقل الجناية التي اعترف بها الجاني إلا أن يصدقوه، ولا تعقل ما لزم بالصلح، وإذا جنى الحر على العبد جناية خطأ كانت على عاقلته.
كتاب المعاقل
قوله: (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقلَّ أخذ منها)، قال الزاهدي وصاحب "الهداية"
(1)
: "تأويله إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بع القضاء، حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء ثم خرجت بعد القضاء لا يؤخذ منها".
قوله: (لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها
(2)
)، قال الزاهدي وصاحب "الهداية"
(3)
: "كذا ذكره القدوري، وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية وقد نصق محمد رحمه الله على أنه لا يزاد كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم، وهو الأصح".
(1)
"الهداية" 4/ 508.
(2)
في نسخة (جـ): "في كل سنة درهم ودانقان وينقص منها".
(3)
"الهداية" 4/ 508.
كتاب الحدود
الزنا يثبت بالبينة والإقرار؛ فالبينة أن يشهد أربعة من الشهود على رجل أو امرأة بالزنا فيسالهم الإمام عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى ومتى زنى وبمن زنى، فإذا بينوا ذلك وقالوا رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة، وسأل القاضي عنهم فعدلوا في السر والعلانية حكم بشهادتهم، والإقرار أن يقر العاقل البالغ على نفسه بالزنا أربع مرات في أربع مجالس من مجالس المقرّ كلما أقرّ رد القاضي * إقراره، فإذا تم إقراره أربع مرات ساله عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى وبمن زنى، فإذا بين ذلك لزمه الحد، فإن كان الزاني محصنًا رجمه بالحجارة حتى يموت، يخرجه إلى أرض فضاء يبتدئ الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس، فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد *، وإن كان مقرًا ابتدأ الإمام ثم الناس، ويغسل ويكفن ويصلى عليه، فإن لم يكن محصنًا وكان حرًا فحده مئة جلدة، يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له ضربًا متوسطًا تنزع عنه ثيابه ويفرق الضرب على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه، وإن كان عبذا جلده خمسين جلدة كذلك، فإن رجع المقرّ عن إقراره قبل إقامة الحد عليه أو في وسطه قبل رجوعه ويخلى سبيله، وششحب للإمام أن يلقن المقرّ الرجوع ويقول له لعلك لمست أو قبلت، والرجل والمرأة في ذلك سواء، غير أن المرأة لا ينزع عنها من ثيابها إلا الفرو والحشو، وإن حفر لها في الرجم جاز، ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام، واذا رجع أحد الشهود بعد الحكم قبل الرجم ضربوا الحد وسقط الرجم وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد:
كتاب الحُدُود
قوله: (في أربع مجالس من مجالس المُقِرّ، كلما أقرّ ردَّه القاضي)، قال في "الينابيع،: "وقال بعضهم: يعتبر مجالس
(1)
القاضي، والأول أصح".
قوله: (فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف: لا يسقط ولكن يرمي الإمام ثم الناس، والصحيح قولهما"، وعليه اعتمد المصنف والأئمة بعده
(2)
.
قوله: (وإذا رجع أحد الشهود بعد الحكم قبل الرجم ضربوا الحد وسقط الرجم عن المشهود عليه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد:
(1)
في (جـ ود): "مجلس".
(2)
انظر "الهداية" 2/ 384.
يحد الراجع خاصة*، وإن رجع بعد الرجم حد الراجع وحده وضمن ربع الدية، وإن نقص عدد الشهود عن أربعة حدوا، وشرط الإحصان أن يكون حرًا بالغًا عاقلًا مسلمًا * قد تزوج امرأة نكاحًا صحيحًا ودخل بها وهما على صفة الإحصان *، ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم، ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي إلا أن يرى الإمام ذلك مصلحة فيغربه على قدر ما يرى، وإذا زنى المريض وحدَّه الرجم رجم، وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ، وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها، وإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها، وإذا كان حدها الرجم رجمت، واذا شهد الشهود بحد متقادم * لم يقطعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة، ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج عزر، ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده، وإن قال علمت أنها علي حرام، وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته أو وطئ العبد جارية مولاه
يحد الراجع خاصة)، وعلى قولهما اعتمد الأئمة كما هو الرسم.
قوله: (وإحصان الرَّجم أن يكون حرًّا بالفًا عاقلًا مسلمًا)، وفي "الهداية"
(1)
: "والشافعي يخالفنا في اشتراط الإسلام، وكذا قال أبو يوسف في رواية"، وقال في "شرح الطحاوي":"وذكر الطحاوي والكرخي عن أبي يوسف أن النصارى يحصن بعضهم بعضًا -وفي "الزاهدي": واليهود-، وروى الكرخي عنه التفرقة بين أهل الذمة وبين المجوس"، والمعتمد ما قال المصنف، وعليه الأئمة بعده.
قوله: (وهما بصفة الإحصان)، وعن أبي يوسف أنه يصير محصنًا بالكتابيّة، قال في "شرح الطحاوي":"وهذا ظاهر الرواية عنه، وعنه أنها لا تحصنه"، والمعتمد قولهما، وعليه مشى الأئمة.
قوله: (وإذا شهد الشهود بحد متقادم)، لم يقذر أبو حنيفة في المشهور عنه مدة/ وفؤضه إلى رأي القاضي في كل زمان وأشار في "الجامع"
(2)
، وكتاب الطحاوي، ورواية الحسن، إلى أنه مقذر بستة أشهر، وعن محمد أنه قدره بشهرٍ، وهو رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف. قال الزاهدي في شرحه وصاحب "الجواهر" فيه، والنسفي في "الكافي لما، والزَّوزني في "ملتقى البحار"
(1)
2/ 386.
(2)
في نسخة (د) كتب فوق كلمة الجامع: "الصغير".
وقال علمت أنها عليّ حرام حد، وإذا قال ظننت أنها تحل لي لم يحد، ومن وطئ جارية أخيه أو عمه وقال ظننت أنها حلال حدّ، ومن زفت إليه غير امرأته وقلنَ النساء إنها زوجتك فوطئها فلا حد عليه وعليه المهر، ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد، ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها لم يجب عليه الحد *، ومن أتى امرأة في
وصاحب "الهداية" فيها
(1)
وفي "مجموع
(2)
النوازل": "هو الأصح"، وقال قاضي خان
(3)
: "والشهر وما فوقه متقادم مانع قبول الشهادة، وعليه الاعتماد".
قوله: (ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها لم يجب عليه الحد)، قال الإسبيجابي: "وهذا قول أبي حنيفة وزفر، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تزوج نكاحًا مجمعًا
(4)
على تحريمه، محرَمُه كانت المرأة أو غير محرمِه، والواطئ يعلم أنها حرام فليس ذلك بشبهة، وعليه الحد إذا وطئ وإن كان لا يعلم فلا حد عليه، والصحيح قول أبي حنيفة وزفر"، وعليه مشى النسفي المحبوبي وغيرهما.
وقال في "الواقعات": "تزوج محارمه ودخل بها حد عند أبي يوسف ومحمد، قال أبو الليث: وبه نأخذ، فنحن أيضًا نأخذ به"، وقال في "الفتاوى السراجية"
(5)
: "وعليه الفتوى"، وفي "الخلاصة":"والفتوى على قولهما".
قلت: المرجح في جميع شروح هذا الكتاب وجميع شروح "المنظومة"
(6)
و"الهداية" وأصولها وجميع شروحها و"الإيضاح" و"البدائع" و"الاختيار" وطرائق الخلاف
(7)
دليلُ أبي حنيفة، فكان تصحيح قوله واختيار الفتوى عليه أولى، والله أعلم.
قوله: (ومن أتى امرأته في الموضع المكروه)، قال في "الجواهر": "وهو
(1)
2/ 394.
(2)
في (ج): "مختارات النوازل".
(3)
ينظر "الفتاوى" له 3/ 472.
(4)
في (د): "إذا تزوج امرأة نكاحًا مجمعًا على تحريمه، محرمة المرأة كانت أو غير محرمة".
(5)
"الفتاوى السراجية"، لسراج الدين الأوشي، وفيه نوادر وقائع لا توجد في أكثر الكتب، وقع الفراغ من تاليفه سنة 569، كما في "كشف الظنون" 2/ 1224.
(6)
هي منظومة الإمام النسفي في الخلاف، أتمها في صفر سنة 504، عدد أبياتها 2669، ولها شروح كثيرة، والإمام النسفي هو أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد المتوفى سنة 537 (كشف الظنون 2/ 1867).
(7)
ربما كان المراد منها الكتب التي صنفت في ذكر مسائل الخلاف بين الأئمة.
الموضع المكروه * أو عمل عمَل قوم لوط فلا حد عليه عند أبي حنيفة ويعزّر، وقال أبو يوسف ومحمد: هو كالزنا، ومن وطئ بهيمة فلا حد عليه، ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي ثم خرج إلينا لم يُقم عليه الحد.
باب حدّ الشّرب
ومن شرب الخمر فأُخذ وريحها موجود فشهد الشهود بذلك عليه أو أقرّ فعليه الحد، وان أقرّ بعد ذهاب رائحتها لم يحد *، ومن سكر من النبيذ حد *، ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها، ولا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعًا، ولا يحد حتى يزول عنه السكر، وحد الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطًا يفرق على
" الإتيان في دبر المرأة"، (أوْ عمِل عمَل قوم لوط)، قال في "الجواهر":"وهو إتيان الرجل الصبيّ أو الرجل"، (فلا حد عليه عند أبي حنيفة ويعزّر)، وزاد في "الجامع"
(1)
: "ويودع في السجن"، (وقال أبو يوسف ومحمد: هو كالزنا)، قال جمال الإسلام في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
باب حدّ الشرب
قوله: (وإن أقرّ بعد ذهاب ريحها لم يحد)، قال الإسبيجابي:"وقال محمد: يحد، والصحيح قولهما"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ومن سَكِرَ من النبيذ حُدّ)، قال الزاهدي وصاحب "الهداية" فيها
(2)
وفي "مجموع النوازل": "هو الذي لا يعقل منطقًا قليلًا ولا كثيرًا، ولا يعقل الرجل من المرأة عند أبي حنيفة، وقالا: هو الذي يهذي ويخلط كلامه؛ لأنه هو السكران في العرف، وإليه مال أكثر المشايخ"، وقال قاضي خان:"والفتوى على قولهما"
(3)
، وقال في "الظهيرية":"وأكثر مشايخنا على قولهما".
فإن قلتَ: لم مال أكثر المشايخ إلى قولهما، والخلاف خلاف حجة وبرهان لا خلاف عصر وزمان؟
(1)
أي "الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن ص 282.
(2)
2/ 400.
(3)
في "الفتاوى الخانية" 3/ 232: "وتكلموا في السكران، وأصح ما قيل فيه ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في الكتاب أنه إذا كان كلامه مختلطًا لا يستقيم مطلقًا، لا جوابا ولا ابتداء فهو سكران، وبه أفتى المشايخ".
بدنه كما ذكرنا في الزنا، فإن كان عبدًا فحده أربعون، ومن أقر بشرب الخمر والسكر ثم رجع لم يحد، ويثبت الشرب بشهادة شاهدين وبإقراره مرّة * واحدة، ولا يقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والله أعلم بالصواب.
باب حدّ القذْف
إذا قذف رجل رجلًا محصنًا أو امرأة محصنة بصريح الزنا وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطًا إن كان حرًا، يفرق على أعضائه ولا يجرد من ثيابه غير أنه ينزع منه الفرو والحشو، وإن كان عبدًا جلد أربعون، والإحصان أن يكون المقذوف حرًا عاقلًا بالغًا مسلمًا عفيفًا عن فعل الزنا، ومن نفى نسب غيره فقال لستَ لأبيك أو يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة وطالب الابن بحدها حد القاذف، ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه *، وإذا كان المقذوف محصنًا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد، وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة، وإن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه، ومن قال للعربي يا نبطي لم يحد، ومن قال لرجل يا ابن ماء السماء في غير بقذف، وإذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فليس بقاذف ومن وطئ وطئًا حرامًا في غير
قلت: لتضعيفهم
(1)
ما استدل به لأبي حنيفة، على ما صرح به شيخنا في "شرح "الهداية"".
قوله: (أو بإقراره مرة)، قال الإسبيجابي: "هو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف وزفر: بإقراره مرتين في مجلسين، والصحيح قولنا
(2)
، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، [والله أعلم].
باب حدّ القذف
قوله: (إلّا مَنْ يَقَعُ القدْح في نَسَبه بقذْفِه)، قال في "الينابيع":"والذي يقع القدح في نسبه الأبُ والجدّ وإن علا، والولد وولد الولد وإن سفل، ولا حق للأخ والعم والمولى، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يدخل فيه أولاد البنات وإنما يدخل فيه كل من يرث بالعصوبة، يعني به الذكور من جهة الأب"، قال قاضي خان
(3)
: "قول أبي حنيفة وأبي يوسف هو ظاهر الرواية".
(1)
في (د): "لتصعب فهم".
(2)
كذا في نسخة (جـ)، وفي الأصل:"والصحيح قولهما" وهو تحريف، يوهم أن الصحيح ما قاله أبو يوسف وزفر، والصواب العكس، وانظر ما يأتى ص 405 المسألة الأخيرة فيها.
(3)
"الفتاوى" 3/ 479.
ملكه لم يحد قاذفه والملاعنة بولد لا يحد قاذفها"، ومن قذف عبدًا أو أمة أو كافرًا بالزنا أو قذف مسلمًا بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث عُزّر، وإن قال يا حمار ويا خنزير لم يعزر*. والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطًا وأقله ثلاث جلدات، وقال أبو يوسف يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطًا*، وإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل، وأشد الضرب التعزير ثم حد الزنا ثم حد الشرب ثم حد القذف،
قوله: (والملاعنة بولد لا يُحَدّ قاذفها)، قال الإسبيجابي: "وعن أبي يوسف أنه يحدّ
(1)
، والصحيح قولهما"، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزّر)، هذا ظاهر الرواية وقال أبو جعفر: يُعَزّر، وقيل: إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلَويّة يعزّر، قال في "الهداية":"وهذا حسن"
(2)
.
قوله: (والتعزير أكثرهُ تسعة وثلاثون سوطًا، وأقله ثلاث جَلْدات، وقال أبو يوسف: يبلغ بالتعزير خمسةَ وسبعين سوطًا). وفي "مختصر الكرخي": "قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر: لا يبلغ بالتعزير أربعين سوطًا، قال أبو يوسف عن أبي حنيفة: في حُرّ ولا عبد ولا أمة، وروى بشر
(3)
عن أبي يوسف في مسألة تاريخُها: ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ومئة، قال أبو حنيفة: لا أبلغ بالتعزير في الحُرّ ولا العبد ولا المرأة أربعين سوطًا"، قال في "التقريب": "وعن يعقوب: إن أكثره خمسة وتسعون سوطًا، كذا روي عن علي، فاعتبر أعلا الحدود ونقص عنه خمسة، وروي عنه أنه على ما يراه الإمام، وقال الطحاوي عنه: إنه على ما يراه الإمام إلا أنه لا يبلغ به الحد، وروى بشر عنه أنه أقل من ثمانين، وروى ابن سماعة عنه: أنه على قدر ما يراه الإمام في ذلك النوع".
قلت: وكله مقيد بما دون الحد كما صرح به الكرخي فقال: وقال أبو يوسف في التعزير على قَدْر عِظَم الجُرم وصغره، وعلى قدر ما يرى الحاكم
(1)
في (ب): "لا يحد" خطأ من الناسخ.
(2)
"الهداية" 2/ 405 وفيه: "وهذا أحسن".
(3)
هو بشر بن غياث بن عبد الرحمن المريسي المتكلِّم، له تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف، مات سنة 228 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 1/ 447 - 450 رقم 370، تاج التراجم ص 142، 143 رقم 78، الفوائد البهية ص 93، 94 رقم 96).
ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر، وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته
من احتمال المضروب فيما بينه وبين أقل من ثمانين، وقال علي بن الجعد
(1)
، قال أبو يوسف ذلك على قدْر ما يرى الإمام، يُعزر بقدر الجرم ولا يبلغ به ثمانين سوطًا، قال القدوري قال الحسن ما بين ثلاثة إلى خمسة وسبعين، قال في "الظهيرية":"لا خلاف بين العلماء أنه لا يبلغ التعزيرُ الحد"، انتهى.
واعتمد قولهما الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، وهو الرسم، كما نص عليه في "فتاوى قاضي خان" و"المحيط".
قال الإمام محمد بن الحسن في كتاب "الآثار"
(2)
: أخبرنا أبو حنيفة قال حدثنا الهيثم بن أبي الهيثم عن عامر الشعبي قال: لا يبلغ بالتعزير أربعين جلدة، قال محمد: وهذا قول أبي حنيفة وقولنا.
محمد
(3)
أخبرنا مسعر بن كدام قال أخبرني الوليد بن عثمان عن الضحَّاك بن مزاحم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغ حدًا في غير حد فهو من المعتدين"، قال محمد:"فأدنى الحدود أربعون فلا يبلغ بالتعزير أربعين جلدة".
وروى ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه "أُتيَ بالنجاشي سكران من الخمر في رمضان فتركه حتى صحا ثم ضربه ثمانين، ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرجه من الغد فضربه
(4)
عشرين، فقال ثمانين للخمر، وعشرين لجرأتك على الله في رمضان"
(5)
، فهذا علي رضي الله عنه لم يوالِ بين الضربين ولم
(1)
هو علي بن الجَعد بن عُبيد الجوهري، من أصحاب أبي يوسف، توفي سنة 230 في بغداد، وله ست وتسعون سنة رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 549. 550 رقم 955 الفوائد البهية ص 202 - 200 رقم 254).
(2)
لم أجده في كتاب "الآثار" لمحمد بن الحسن (المطبوع في دار الكتب العلمية - بيروت).
(3)
كذا في الأصل، وكتب تحته:"أي قال"، وفي نسخة (د):"وهذا قول أبي حنيفة وقول محمد، أخبرنا"
…
!
(4)
في نسخة (د): "وضربه".
(5)
لم أجد هذا الأثر في "مصنف ابن أبي شيبه"، ولا في "الجزء المفقود" منه، المطبوع في دار عالم الكتب - الرياض، سنة 1408 هـ. وهو في "مصنف عبد الرزاق الصنعاني" 7/ 382 رقم 13556 و 9/ 231 رقم 17042، وفيه:"أن عليا رضي الله عنه ضرب (النجاشي الحارثي الشاعر) "، وانظر:"السنن الكبرى" للبيهقي 8/ 557 رقم 17546. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري 12/ 76 وقال: "أخرجه ابن أبي شيبة".
وإن تاب، وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته.
يزد في هذا الجرم على عشرين، فما شاهدناه من بعض قضاة العصر من الضرب مئتين ثم الأمر بالجلد في التطواف في الأسواق خطأ من كل الوجوه، أعاذنا الله [تعالى] من اتباع الهوى.
كتاب السّرقة وقطاع الطريق
إذا سرق البالغ العاقل عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم مضروبة أو غير مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع *، والعبد والحر في ذلك سواء، ويجب القطع بإقراره مرة واحدة * أو بشهادة شاهدين، وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد
كتاب السّرقة وقطّاع الطريق
قوله: (إذا سرق البالغ العاقل عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم مضروبة أو غير مضروبة من حِرْزِ لا شبهةَ فيه، وجب عليه القطع)، هكذا في النسخ، قال في "زاد الفقهاء":"ثم قول صاحب "الكتاب": (مضروبة أو غير مضروبة)، فهو قول أبي حنيفة"، وفي "الينابيع":"وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يقطع في عشرة دراهم تِبْرًا وهو المراد في "الكتاب""، وفي "الهداية"
(1)
قال: إذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته عشرة [دراهم]
(2)
مضروبة من حرْز لا شبهة فيه وجب القطع. ثم قال: واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفًا، فهذا يبيّن لك اشتراط المضروب كما قال في "الكتاب"، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح"، وقال في الشرح كما ذكر القدوري.
قلت: عبارة القدوري ما ذكرناه، فإما أنه وقعت له نسخة كما ذَكر، أو أراد كتاب محمد فإنه فيه كذلك، وفي "الجواهر":"فعلى ظاهر الرواية: المضروبة شرط والجياد شرط".
[قوله: (من حرز)، قال في "الجواهر": "فلو سرق من بيت مقفل فيه قبر، قيل يقطع، والصحيح أنه لا يقطع]
(3)
.
قوله: (ويجب القطع بإقرارِهِ مرةً واحدة)، "الهداية"
(4)
: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يقطع إلا بالإقرار مرتين، وروي عنه
(1)
2/ 407، 408.
(2)
زيادة من (جـ) و (د) و "الهداية".
(3)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي (جـ) و (د).
(4)
2/ 408.
منهم عشرة دراهم قطع وإن أصابه أقل من ذلك لم يقطع، ولا يقطع فيما يوجد تافهًا مباحًا في دار الإسلام * كالحطب والحشيش والقصب والسمك والصيد، ولا فيما يسرع إليه الفساد* كالفواكه الرطبة واللبن واللحم والبطيخ والفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد، ولا قطع في الأشربة المطربة ولا في الطنبور ولا في سرقة المصحف * وإن كان عله حليّهُ، ولا في الصليب الذهب ولا الشطرنج ولا النرد، ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي*، ولا قطع في سرقة العبد الكبير، ويقطع في سرقة العبد الصغير، ولا قطع في الدفاتر كلها إلا في دفاتر الحساب*، ولا في سرقة كلب ولا فهد ولا دف ولا طبل ولا مزمار، ويقطع في الساج والقناء والأبنوس والصندل، وإذا اتخذ من الخشب أواني أو أبواب قطع فيها، ولا قطع على خائن ولا خائنة ولا منتهب ولا نباش ولا مختلس *، ولا يقطع السارق من بيت المال ومن مال للسارق فيه شركة، ومن سرق
أنها
(1)
في مجلسين مختلفين"، انتهى. وتقدم تصحيح الإسبيجابي لقولهما
(2)
، وعليه اعتمد الأئمة كما هو الرسم.
قوله: (ولا يقطع فيما يوجد تافهًا مباحًا في دار الإسلام
…
الخ)، قال الإسبيجابي:"وعن أبي يوسف أنه يقطع في جميع ذلك إلا في الطين والتراب والسرقين والحافِر، والصحيح قولنا".
قوله: (ولا فيما يتسارع إليه الفساد
…
الخ)، قال الإسبيجابي:"وعن أبي يوسف أن عليه القطع، والصحيح قولنا".
قوله: (ولا في سرقة المصحف)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف والشافعي يقطع، والصحيح قولنا".
قوله: (ولا قطع على سارق الصبي الحرّ وإن كان عليه حُلي)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف يقطع، والصحيح قولنا".
قوله: (إلا [في] دفاتر الحساب)، المراد: الحساب الذي لم يبق فيه لأحد عُلْقَة، وهو الممضي
(3)
فلم يبقَ إلا كاغدًا، فإذا بلغت قيمته نصابًا قطع بأخذه.
قوله: (ولا قطع على خائن ولا خائنة ولا نَبَّاشٍ ولا مُنْتَهِب ولا مُخْتَلِس)، قال الإسبيجابي: "وهذا قولَ أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عليه
(1)
كذا في (جـ) و (د)، والكلمة غير واضحة في الأصل، وفي (ب) و"الهداية":"أنهما".
(2)
انظر ما مر ص 401.
(3)
في "القاموس" ص 1720: "مضى يَمْضي مُضِيًّا ومُضُوًّا: خلا".
من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع، وكذلك إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده أو من امرأة سيده أو زوج سيدته، والمولى من مكاتبه والسارق من المغنم. والحرز على ضربين: حرز لمعنَى فيه كالبيوت والدور، وحرز بالحافظ، فمن سرق شيئًا من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه وجب عليه القطع، ولا قطع على من سرق من حمام * أو من بيت أذن للناس في دخوله، ومن سرق من المسجد متاعًا وصاحبه عنده قطع، ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، وإذا نقب اللص البيت ودخل فأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما* وإن ألقاه في الطريق ثم خرج
القطع، والصحيح قولهما".
قلت: خص في "الهداية" الخلاف بالنباش
(1)
، وعلى ما في "الكتاب" اعتمد الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ولا قطع على من سرق من حمّام)، يعني في الوقت الذي أذن للناس بالدخول فيه، وسواء كان للثياب حافظ أو لم يكن، ولهذا قال في "الينابيع":"يريد به إذا سرق منها نهارًا، أما إذا سرق منها ليلًا قطع"، قال شيخ الإسلام في مسألة السرقة من الحمام:"لا قطع على السارق وإن كان ثمة حافظ، وهذا قول علمائنا"، قال في "الكافي":"وعليه الفتوى، وهو ظاهر المذهب"، وقال في "عيون المسائل"
(2)
: "رجل سرق من حمام، فإن كان صاحبه جالسًا عليه فسرق من تحته قطع عند أبي حنيفة، وقال محمد: لا يقطع" واختار أبو الليث قول محمد، قال الصدر الشهيد:"ونحن أيضًا نختاره اتباعًا له"، وقال بعده:"وعليه الفتوى"، وقال في "الهداية"
(3)
: "وفي المحرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ، هو الصحيح". قال في الشرح
(4)
: "احترز به عما في "العيون" عن أبي حنيفة".
قوله: (وإذا نَقَبَ اللصُّ البيتَ ودخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما)، قال جمال الإسلام:"وهذا قول أبي حنيفة خاصة، وقال من عداه: يقطع، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم.
(1)
انظر "الهداية"2/ 411.
(2)
"عيون المسائل"، للفقيه أبي الليث السمرقندي ص 145.
(3)
2/ 413.
(4)
"فتح القدير" لابن الهمام 5/ 385 (دار الفكر).
فأخذه قطع وكذلك إن حمله على حمار فساقه وأخرجه، وإذا دخل الحرز جماعة فتولى بعضهم الأخذ قطعوا جميعًا، ومن نقب البيت وأدخل فيه يده فأخذ شيئًا لم يقطع وإن أدخل بده في صندوق الصيرفي أو في كمّ غيره فأخذ المال قطع *. وتقطع يمين السارق من الزند وتحسم، فإن سرف ثانيًا قطعت رجله اليسرى فإن سرف ثالثًا لم يقطع وخلد في الحبس حتى يتوب، وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع أو مقطوع الرجل اليمنى لا يقطع، ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة* فإن وهبها من السارق أو باعها إياه أو نقصت قيمتها من النصاب لم يقطع*، ومن سرق عينًا فقطع فيها فردها ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع * فإن تغيرت عن حالها مثل أن لو كانت غزلًا فسرقه فقطع فيه ثم رده ثم نسج فعاد فسرقه قطع، وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردها إلى المالك وإن كانت هالكة لم يضمن، فإن ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع وإن لم تقم بينة.
قوله: (ومن نَقَب البيتَ وأدخلَ يدَه فيه فأخذ شيئًا لم يُقْطع، وإن أدخل يده في صندوق الصَّيرَفي أو في كمِّ غيرهِ فأخذ المال قُطِع)، قال بهاء الدين في شرحه: "وقال أبو يوسف: يُقطع فيهما، والصحيح قولنا، واعتمده البرهاني وغيره.
قوله: (ولا يُقطع السارق إلّا أن يَحضُرَ المسروق منه فيطالبَ بالسرقة)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف: أقطعه، والصحيح ظاهر الرواية" وعليه مشى الأئمة المحبوبي وغيره.
قوله: (فإن وهبها من السارق أو باعه إياها أو نَقَصَت قيمتُها من النصاب لم يُقطع)، قال جمال الإسلام: "أما الهبة والبيع فهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إن كان ذلك بعد الترافع لا يسقط القطع والصحيح قولهما. وأما إذا نقصت قيمة العين عن النصاب لم يقطع حتى تكون كاملة نصابًا من يوم الأخذ إلى يوم القطع، وقال محمد وهو رواية عن أبي يوسف: إنه يقطع، والأصح
(1)
الأول، وعليه مشى الأئمة النسفي وغيره.
قوله: (ومن سرق عينًا فقُطع فيها وردها ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع)، قال في "الهداية"
(2)
: "والقياس أن يقطع، وهي رواية عن أبي يوسف وهو قول الشافعي"، وقال بهاء الدين في شرحه:"الصحيح قولنا"، وعليه
(1)
في نسخة (د): "والصحيح الأول".
(2)
2/ 412.
وإن خرج جماعة ممتنعين * أو واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالًا ولا قتلوا نفسًا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة، فإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهمٍ فصاعدًا أو ما قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالًا قتلهم الإمام حدًا، وإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى عفوهم، فإن قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم *،
مشى النسفي وغيره.
قوله: (وإذا خرج جماعة ممتنِعين)، قال في "الينابيع": "فمن شرائطه أن يكون لهم من القوة والغلبة ما يقطع المار من التطرق في ذلك المكان، ولا يكون بين القريتين ولا بين المصرين ولا بين المدينتين، ويكون بينهم وبين المصر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، فإذا وجدت هذه الشرائط ترتب عليهم حكم قطاع الطريق، هكذا ذكر في ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف: إذا كان بينهم وبين المصر أقل من مسيرة سفر، أو قطعوا الطريق ليلًا في المصر أجري عليهم حكم قطاع الطريق، وعليه الفتوى"، وفي "شرح الطحاوي": "الفتوى على قول أبي يوسف".
وفي "الذخيرة": "وبعض المتأخرين قالوا إن أبا حنيفة أجاب بذلك بناءً على عادة أهل زمانه، فإن الناس في زمنه في المصر وفي القرى كانوا يحملون السلاح مع أنفسهم فيندفع
(1)
ذلك عن القاصد قطع الطريق وأخذ المال والحكم لا يبتنى على النادر، أما في زمننا ترك الناس هذه العادة وهي حمل السلاح في الأمصار فيتحقق قطع الطريق في الأمصار والقرى".
قلت: ومن أغاث
(2)
عوقب.
قوله: (وإن قتلوا وأخذوا المال، فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خِلافِ وقتلهم وصلبهم .. وإن شاء صلبهم)، قال الإمام الإسبيجابي: "هذا الذي ذكر قول أبي حنيفة وزفر، وقال أبو يوسف: لا أعفيه من الصلب، وقال محمد: لا يقطع ولكن يقتل ويصلب، وهو قول الشافعي،
(1)
في (د): "فيدفع".
(2)
في (جـ): "ومن أعان".
يصلب حيًا * ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام *، فإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين * وصار القتل للأولياء إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفَوا، وإذا باشر الفعل واحد منهم أجري الحد على جماعتهم.
والصحيح قول أبي حنيفة"، وفي "الهداية": "التخيير ظاهر الرواية"
(1)
، واختاره المحبوبي والنسفي والمَوْصلي وغيرهم.
قوله: (يصلب حيًا
…
الخ)، قاله الكرخي، وعن الطحاوي:"يقتل ثم يصلب"
(2)
، قال في "الهداية"
(3)
و"الكافي": "الأول هو الأصح".
قوله: (ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام)، قال في "الهداية"
(4)
: "وعن أبي يوسف: يترك على خشبة حتى ينقطع فيَسقط"، والأول ظاهر المذهب.
قال في "الذخيرة" وفي "الكافي" وهو الصحيح، وعليه مشى الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (فإن كان فيهم صبيٌّ أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحدُّ عن الباقين)، قال في "الهداية"
(5)
: "المذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر، وعن أبي يوسف: إن باشر العقلاء يحد الباقون"، وقال الإسبيجابي:"الصحيح ظاهر الرواية"، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، وقال الزاهدي وصاحب "الهداية"
(6)
: "وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل: تأويله إذا كان المال مشتركًا بين المقطوع عليهم، والأصح أنه مطلق"، [والله أعلم].
(1)
انظر "الهداية " 2/ 422.
(2)
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في "المختصر" ص 276: "والصلب المذكور في آية المحاربة هو الصلب بعد القتل في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وبه نأخذ".
(3)
2/ 422.
(4)
"الهداية" 2/ 422، 423.
(5)
"الهداية " 2/ 422، 423.
(6)
"الهداية " 2/ 422، 423.
كتاب الأشربة
الأشربة المحرمة أربعة: الخمر وهو عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد*، والعصير إذا طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه*، ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد*، ونبيذ التمر
كتاب الأشربة
قوله: (الخمر، وهي عصير العِنَب إذا غلى واشتدَّ وقذف بالزبَّد)، قال الإسبيجابي:"الذي ذكره في "الكتاب" قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: هي خمر
(1)
إذا اشتد وإن لم يقذف بالزبد، والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. وفي "الهداية"
(2)
: "وقيل يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد احتياطًا"، وقال قاضي خان
(3)
: "وعن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير البخاري
(4)
أنه أخذ بقولهما".
قوله: (والعصير إذا طُبِخ حتى ذهب أقل من ثُلُثَيه)، قال في "الهداية"
(5)
: "حرام عندنا إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، أو إذا اشتدّ على الاختلاف".
قلت: وقد تقدم التصحيح، وقال قاضي خان
(6)
: "ماء العنب إذا طبخ أدنى طبخة - وهو الباذق
(7)
- يحل شربه ما دام حلوًا عند الكل، وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله وكثيره، ولا يفسق شاربه، ولا يكفر مستحله، ولا يحدّ شاربه ما لم يسكر منه".
قوله: (ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد)، قال في "الهداية"
(8)
: "أما نقيع
(1)
في نسختي (جـ و د): "هي الخمر".
(2)
4/ 369.
(3)
"الفتاوى الخانية" 3/ 223
(4)
هو الإمام المشهور أحمد بن حفص البخاري، المعروف بأبي حفص الكبير، أخذ العلم عن محمد بن الحسن. (الجواهر المضية 1/ 166، 167 رقم 104، تاج التراجم ص 94 رقم 15، الفوائد البهية ص 39، 40 رقم 19).
(5)
4/ 397.
(6)
"الفتاوى" 3/ 226.
(7)
الباذَق: معرَّبٌ، أصله باذه، المطبوخ أدنى طبخة من ماء العنب. (طلبة الطلبة ص 317).
(8)
4/ 398. وانظر "فتح التقدير" 10/ 94 (دار الفكر).
والزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخة صار حلالًا وإن اشتد إذا شرب منه ما يغلب في ظنه أنه لا يسكره من غير لهو ولا طرب *، ولا بأس بالخليطين، ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلالٌ وإن لم يطبخ *،
التمر وهو السَّكَر
(1)
وهو النيئ من ماء التمر أي الرُّطَب، فهو حرام مكروه .. وأما نقيع الزبيب وهو
(2)
النيئ من ماء الزبيب، وهو حرام إذا اشتد وغلى".
قوله: (ونبيذ
(3)
التمر والزبيب إذا طُبخ كل واحد منهما أدنى الطبخ
(4)
حلالٌ وإن اشتد، إذا شرب منه ما يغلب على ظنه أنه لا يُسْكِرُه من غير لَهْوٍ ولا طَرَب)، قال في "الينابيع":"وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعن محمد فيه روايتان، في رواية: شُرْبه حرام لكن لا يحد إلا إذا سكر منه، وفي رواية قال: لا أحرّمه ولا أشرب منه، والصحيح قولهما"، وقال في "مختارات النوازل":"والصحيح قولهما"، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (ونبيذ العسل والتِّين والحِنْطة والشعير والذُّرة حلالٌ وإن لم يطبخ)، قال قاضي خان: "فإن لم يطبخ فغلى واشتد وقذف بالزَّبَد، عن أبي حنيفة وأبي يوسف فيه روايتان، والصحيح أنه يحل شربه إلا القَدَح المُسْكِر
(5)
، وإن طبخ أدنى طبخة حل شربه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، واختلف المشايخ
(6)
في قول محمد، عند البعض يحل شربه إلا القدح المسكر، والصحيح من قول محمد أنه يكره شربه"
(7)
.
واعتمد قولهما الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة.
(1)
في "المغرب" 1/ 257: "والسكر - بفتحتين -: عصير الرطب إذا اشتد.
(2)
كذا في (جـ) و"الهداية"، وفي (أ) و (د):"وهي".
(3)
في الأصل: "والنبيذ".
(4)
في (جـ): "أدنى طبخ"، وفي (د):"أدنى طبخة".
(5)
لم أجد هذا اللفظ في "فتاوى قاضي خان " وفيه - بعد أن ذكر الروايتين عن الشيخين، أنه يشترط للإباحة أدنى طبخة، وفي رواية لا يشترط ذلك - قال:"فإن سكر من هذه الأشربة فالسكر والقدح المسكر حرام بالإجماع". (الفتاوى 3/ 231).
(6)
في "الخانية": "المشايخ المتأخرون".
(7)
قال قاضي خان: "وحكي عن القاضي الإمام أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه قال: وجدت رواية عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال أكرهه". انظر "الفتاوى" 3/ 230، 231، ولم أجد فيها ما ذكر من التصحيح لقول محمد.
وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلالٌ وإن اشتد*، ولا بأس بالانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت، هاذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلًا بنفسها أو بشيء طرح فيها، ولا يكره تخليلها.
وقوله في "مختارات النوازل": "ولا يحد شاربه عندهما وإن سكر منه، ولا يقع طلاقه إذا سكر منه، والأصح أنه يُحَدّ، وعن محمد أنه حرام يحد شاربه إذا سكر منه ويقع طلاقه، والأصح فيه قول محمد"
(1)
، يُحمل على إرادة الحد والطلاق، لأنه صحّح قولهما في حل النبيذ من التمر والزبيب
(2)
وهما الأصل، فتصحيح قولهما في هذا أولى، وقد سمعت تصحيح قاضي خان للكراهة، والله أعلم.
قوله: (وعصير العنب إذا طُبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلالٌ وإن اشتدّ)، "الهداية"
(3)
: "وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: حرام، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوّي، أما إذا قصد به التلهّي لا يحل بالاتفاق، وعن محمد مثل قولهما، وعنه أنه كره ذلك، وعنه أنه توقف فيه"، قال الإسبيجابي: "الصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما.
ولو طبخ حتى ذهب ثلثه ثم برد ثم أعيد إلى النار، إن عاد قبل أن يغلي لا بأس به لأنه تم الطبخ قبل ثبوت الحرمة، وإن أعيد بعدما غلى وحرم، الصحيح لا يحل شربه
(4)
.
(1)
وفي حاشية الأصل بعد هذه العبارة قال: "لدفع التناقض بين التصحيحين"، أي إن تصحيح
المرغيناني قولَ محمد حُمل على إرادة الحد والطلاق، لدفع التناقض بين التصحيحين. وليس في
المخطوطة ما يبين إلحاق العبارة بصلب الكتاب.
وفي نسخة (د) قال: "والأصح فيه لدفع التناقض بين التصحيحين قول محمد يحل على"
…
كذا.
(2)
انظر تصحيح المرغيناني قولهما في المسألة السابقة.
(3)
4/ 400، وفي الهداية: " .. وقال محمد ومالك والشافعي رحمهم الله
…
".
(4)
انظر "الفتاوى الخانية" 3/ 227، 228.
كتَاب الصَّيدِ والذْبائِح
يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة، وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي بأن يرجع إذا دُعي، فإذا أرسل كلبه المعلم أو بازيّه أو صقره وذكر اسم الله تعالى عند إرساله فأخذ الصيد وجرحه * فمات حل أكله وإن أكل منه الكلب لم يؤكل وإن أكل منه البازي أكل، وإن أدرك المرسل الصيد حيًا وجب عليه أن يذكيه فإن نرك تذكيته حتى مات لم يؤكل"، وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل، وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله
كتاب الصيد والذبائح
قوله: (وجَرَحَه)، هذا ظاهر الرواية كما صرح به في "شرح الزاهدي" و"الهداية":[وقال في "الجواهر": في ظاهر الرواية: الجرح المُدْمي، وفي قول بعض المتأخرين: وإن لم يكن مُدْميًا]
(1)
.
قال الإسبيجابي: "وإن خَنَقَه الكلب ولم يجرحه، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وهو رواية عن أبي يوسف، والصحيح ظاهر المذهب"
(2)
.
قال: وإذا أكل الكلب حَرُم ما تقدّم من صيوده، وقالا: يَحْرُم ما أكل منه خاصّة، والصحيح قول أبي حنيفة".
قوله: (وإن أدرك المُرْسِل الصيدَ حيًا وجب عليه أن يذكِّيَه، فإن ترك تذكيته حتى مات لم يُؤكل)، قال الإسبيجابي:"المذكور قول أبي حنيفة على الإطلاق، سواء كانت الحياة مستقرة أو غير مستقرة، وقال أبو يوسف: إذا جرحه الكلب جراحة لا يعيش من مثلها أكل من غير ذكاة، وروي عنه أنه اعتبر بقاءه في أكثر من يوم، وقال محمد: إن كان بحال يبقى أكثر من بقاء المذبوح فلا بد من ذبحه وإن كان لا يبقى إلا كبقاء المذبوح لا تجب ذكاته، والصحيح قول أبي حنيفة"، وفي "الينابيع": "وبه أخذ أبو الليث، قال: وهذا بناء على اختلافهم في المتردّية والذي شقّ السبُع بطنَها فأدركها حيّةً فذبحها
(1)
زيادة من (جـ و د).
(2)
قال القدوري في "المختصر"، الورقة 96 أ:"وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل".
عليه لم يؤكل. وإذا رمى الرجل بسهم إلى صيد فسمى عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرحه السهم فمات، وإن أدركه حيًا ذكاه وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل، ولو وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه أكل، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتًا لم يؤكل، وإن رمى صيدًا فوقع في الماء لم يؤكل، وكذلك إن وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل، وإن وقع على الأرض ابتداء أكل، وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل وإن جرح أكل، ولا يؤكل ما أصابته البندقة إذا مات منها، وإذا رمى صيد فقطع عضوًا منه أكل الصيد ولم يؤكل العضو وإن قطعه أثلاثًا والأكثر مما يلي العجز أكل كله، ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني، ومن رمى صيدًا فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه من حيز الامتناع فرماه آخر فقتله فهو للثاني ويؤكل، وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني فقبله لم يوكل والثاني ضامن بقيمته للأول إلا ما نقصه من جراحته، ويجوز اصطياد ما يؤكل من الحيوان وما لا يؤكل. وذبيحة المسلم و"الكتابي" حلال، ولا تؤكل ذبيحة المجوسي والمرتد والوثني والمحرِم، وإن ترك الذابح التسمية عمدًا فالذبيحة ميتة ولا تؤكل، وإن تركها ناسيًا أكل، والذبح في الحلق واللبة، والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم والمريء والودجان، فإذا قطعها حل الأكل فإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين *، ويجوز الذبح بالليطة والمروة وبكل شيء أنهر الدم إلا السن القائم والظفر القائم، ويستحب أن يحد الذابح شفرته، ومن بلغ بالسكين النخاع أو قطع الرأس
حلّ أكلها عند أبي حنيفة سواء كانت الحياة خفية أو بينة، وعندهما الجواب ما ذكرنا على الاختلاف، وقال الزاهدي في المتردية والذي شقّ بطنَه السَّبُعُ:"فلو ذكاهُ حل أكْلُه عند أبي حنيفة، وعليه الفتوى"، [قال] الإسبيجابي:"فإن أدرك الصيدَ صاحبُه حيًّا فلم يتمكن من ذبحه لضيق الوقت أو لفقد الآلة حتى مات لا يؤكل"، قال في "الينابيع":"في ظاهر الرواية، وروي عن أصحابنا الثلاثة أنه يؤكل استحسانًا، وقيل إن هذا أصح".
قوله: (وإن قَطَعَ أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة
(1)
، وقال أبو يوسف ومحمد: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين).
قال في "الجواهر": "هذا قول القدوري، فأما المشهور في كتب أصحابنا أن هذا قول أبي يوسف وحده"، وكذا قال الزاهدي وصاحب "الهداية"، قال
(1)
في "الهداية" 4/ 343: "والحاصل أن عند أبي حنيفة رحمه الله إذا قطع الثلاث أيّ ثلاث كان
يحل".
كره له ذلك وتؤكل ذبيحته، وإن ذبح الشاة من قفاها فإن بقيت حية حتى قطع العروق جاز ويكره، وإن ماتت قبل قطع العروق لم تؤكل، وما استأنس من الصيد فذكاته الذبح، وما توحش من النعم فذكاته العقر والجرح، والمستحب في الإبل النحر فإن ذبحها جاز وتكره، والمستحب في البقر والغنم الذبح فإن نحرها جاز ويكره، ومن نحر ناقة أو ذبح بقرة أو شاة فوجد في بطنها جنينًا ميتًا لم يؤكل أشعر أو لم يشعر*، ولا يجوز أكل كل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطير، ولا بأس بغراب الزرع، ولا يؤكل الأبقع الذي يأكل الجيف، ويكره أكل الضبع والضب والحشرات كلها، ولا يجوز أكل لحم الحمر الأهلية والبغال، ويكره أكل لحم الفرس عند أبي حنيفة*، ولا بأس بأكل الأرنب.
في "زاد الفقهاء": "الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما، [والله أعلم].
قوله: (ومن نَحَرَ ناقةً أو ذَبَح بقرة أو شاة، فوجد في بطنها جنينًا ميتًا لم يؤكل، أشْعَر أو لم يُشْعِر)، قال الإمام جمال الإسلام
(1)
: "وهذا قول أبي حنيفة، وقالا: إذا تمَّ خلقُه أُكل، والصحيح قول أبي حنيفة"، واختاره الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة)، قال القاضي الإمام الإسبيجابي: "الصحيح أنه كراهة التنزيه
(2)
، وقال في "الهداية"
(3)
وفي "شرح الزاهدي": "قيل الكراهة عنده كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، والأول أصح
(4)
، وقالا: لا بأس بأكله"، ورجَّحوا دليل الإمام
(5)
، واختار قوله المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
(1)
في (جـ): "جمال الدين".
(2)
في نسختي (جـ ود): "كراهة تنزيه".
(3)
4/ 348.
(4)
قال العلامة ابن عابدين: "
…
وإذا كان التصحيحان في كتابين، فإن كان أحدهما بلفظ الأصح والآخر بلفظ الصحيح، عند الجمهور أن الأصح أكد من الصحيح، وقال بعضهم: الأخذ بالصحيح أولى لأنهما اتفقا على صحته" (رسم المفتى 1/ 38)، وانظر مقدمة التحقيق ص 79.
(5)
قال المصنف في رسالته في "لحوم الخيل": "قال سيف الحق: والرواية الظاهرة عن أبي حنيفة أنه يكره أكلها - أي الخيل - ولا يطلق التحريم، لاختلاف الأحاديث المروية، واختلاف السلف والاحتياط، قلت: وبهذا أقول، والله سبحانه وتعالى أعلم". (انظر: "حكم الإسلام في لحوم الخيل" لابن قطلوبغا، ص 76، 77).
وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر جلده ولحمه، إلا الآدمي والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما، ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك ويكره أكل الطافي منه، ولا بأس بأكل الجريث والمارماهي، ويجوز أكل الجراد ولا ذكاة له.
قوله: (وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طَهُر لحمُه وجِلْدُه)، وهذا مختار صاحب الهداية
(1)
أيضًا، وقال كثير من المشايخ: يطهر جلده لا لحمه، وهو الأصح في "الكافي"و "الغاية" و "النهاية"
(2)
وغيرها.
(1)
انظر "الهداية " 4/ 348.
(2)
"النهاية شرح الهداية" للسِّغْنافي، مرّ ذكره ص 296.
كتَاب الأضحِية
الأضحية واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر* في يوم الأضحى عن نفسه وولده الصغار*، يذبح عن كل واحد منهم شاة أو يذبح بدنة أو بقرة عن سبعة، وليس على
كتاب الأضحية
قوله: (الأُضحِيَة واجبةٌ على كل حرٍّ مسلم مقيم مُوسر)، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد والحسن وزفر وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه أنها سنة، وذكر الطحاوي أن على قول أبي حنيفة واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد سنة مؤكدة
(1)
، وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف، وعلى قول أبي حنيفة اعتمد المصحّحون المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (عن نفسه ووُلْدِه الصّفار)، هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، قال في "شرح الزاهدي":"وروى أبو يوسف أنه لا يجب عن أولاده، وهو ظاهر الرواية" وفي "الهداية" كذلك
(2)
، وقال الإسبيجابي:"وهو الأظهر، وإن كان للصغير مال اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة، والأصح أنه لا يجب"، وهكذا قال شمس الأئمة السرخسي، وجعله الصدر الشهيد في شرح أضاحي الزعفراني
(3)
ظاهر الرواية.
وقال القدوري في شرحه وتبعه صاحب "الهداية" فقال: "والأصح أن يضحّى من ماله"
(4)
وهذا أولى، لأن المانع عَلَّل بأن التصدق بعد الإراقة تطوع، ومال الصبي لا يحتمله ولا يمكنه أن يأكله كله، وهذا علل بما
(1)
قال الإمام الطحاوي في "مختصره " ص 300: "وقالا: ليست بواجبة، ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليه في تركه".
(2)
"الهداية " 4/ 352.
(3)
قال الإمام اللكنوي في "الفوائد البهية" ص 104: "الحسن بن أحمد بن مالك أبو عبد الله الفقيه الزعفراني، كان إمامًا ثقة، رتب الجامع الصغير لمحمد بن الحسن ترتيبًا حسنًا، وله كتاب الأضاحي". قلت: وأفاد المصنف أن للصدر الشهيد شرحًا عليه، ولكن ذكر صاحب الكشف 1/ 562 أن سنة وفاة الزعفراني هي 610 على التقريب، وقد توفي الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز سنة 536، فالله أعلم بحقيقة المراد.
(4)
انظر "الهداية" 4/ 352.
الفقير والمسافر أضحية، ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر يوم النحر إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر، وهي جائزة في ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده، ولا يضحي بالعمياء والعوراء والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك ولا العجفاء، ولا تجوز مقطوعة الأذن والذنب ولا التي ذهب أكثر أذنها فإن كان بقي أكثر من الذنب والأذن * جاز، ويجوز أن يضحي بالجماء والخصي والثولاء والإبل والبقر والغنم، يجزئ من ذلك كله الثني فصاعدًا إلا الضأن فإن الجذع منه يجزئ، ويأكل من لحم الأضحية ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر، ويستحب أن لا تنقص الصدقة من الثلث ويتصدق بجلدها أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت، وأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، ويكره أن يذبحها "الكتابي" ولا يحل أن يذبحها المجوسي، وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأه عنهما ولا ضمان عليهما، والله أعلم.
يدفعه وهو أنه يأكل منه ما أمكنه ويبتاع منه بما بقي ما ينتفع بعينه.
قوله: (فإن بقي الأكثر من الأذُن والذَّنَب)، قال الزاهدي:"واختيار أبي الليث أنه إذا بقي الأكثر من الأذن والذنب والعين ونحوها جاز وعليه الفتوى"، وهذا ظاهر الرواية على ما في "الذخيرة"، قال:"ذكر في ظاهر الرواية أن الثلث وما دونه قليل"، والله أعلم.
كتاب الأَيمان
الأيمان على ثلاثة أضرب: يمين الغموس ويمين منعقدة ويمين لغوٍ، فيمين الغموس هي الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه، وهذه اليمين يأثم بها ولا كفارة فيها إلا الاستغفار، واليمين المنعقدة وهي الحلف على الأمر المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة، ويمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه كما قال والأمر بخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها، والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواء، ومن فعل المحلوف عليه مكرهًا أو ناسيًا سواء، واليمين بالله عز وجل أو باسم من أسمائه كالرحمن والرحيم، أو بصفة من صفات ذاته كعزة الله وجلاله وكبريائه، إلا قوله وعلم الله فإنه لا يكون يمينًا *، وإن حلف بصفة من صفات الفعل كغضب الله وسخطه لم يكن حالفًا، ومن حلف بغير الله عز وجل لم يكن حالفًا كالنبي عليه السلام والقرآن * والكعبة، والحلف بحروف القسم، وحروف القسم: الواو كقولنا والله، والباء كقولنا بالله والتاء كقولنا تالله، وقد تضمر الحروف فيكون حالفًا كقوله: الله لا أفعل كذا، وقال أبو حنيفة إذا قال وحق الله فليس بحالف *، وإذا قال أقسم أو أقسم بالله أو أحلف أو أحلف بالله أو أشهد أو أشهد بالله فهو حالف، وكذلك قوله وعهد الله وميثاقه، وعليّ نذر أو نذر الله، أو إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو كافر* كان
كتاب الأَيْمان
قوله: (إلّا قوله: "وعِلْم اللهِ" فإنه لا يكون يمينًا)، الإسبيجابي:"والقياس أن يكون، والصحيح هو الأول".
قوله: (كالنبي والقرآن)، "الهداية":"معناه أن يقول: والنبي والقرآن"
(1)
.
قوله: (وقال أبو حنيفة: إذا قال: "وحقِّ الله" فليس بحالف)، "الهداية"
(2)
: "وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينًا"، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة" وعليه مشى الأئمة كما هو الرسم.
قوله: (وكذلك إذا قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو كافر)،
(1)
وقال في "الهداية" بعد ذلك 2/ 360: " أما لو قال: أنا بريء منهما يكون يمينًا، لأن التبرّي منهما كفر".
(2)
2/ 361.
يمينًا، وإذا قال فعلي غضب الله وسخطه أو أنا زان أو شارب خمر أو آكل ربًا فليس بحالف. وكفارة اليمين عتق رقبة يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار، وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد منهم ثوبًا فما زاد أدناه ما يجزئ فيه الصلاة *، فإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار، فإن لم يقدر على أحد هذه الثلاثة الأشياء صام ثلاثة أيام متتابعات، فإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزه، ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانًا، فينبغي أن يحنث ويكفر عن يمينه، وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال الكفر أو بعد إسلامه فلا حنث عليه، ومن حزم على نفسه شيئًا
" الهداية"
(1)
: والزاهدي: "ولو قال ذلك لشيء قد فعله فهو الغموس، ولا يكفر اعتبارًا بالمستقبل، وقيل يكفر لأنه تنجيز، كأنه قال هو يهودي، والصحيح أنه لا يكفر فيهما، إن كان يعلم أنه يمين، فإن اعتقد أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما، لأنه رضي بالكفر"، وفي شرح السرخسي:"والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر، وإلا فلا"، وصححه القاضي
(2)
.
قوله: (وأدناه ما تجزئ فيه الصلاة)، قال الإسبيجابي:"هذا قول محمد، أما عندنا العبرة بما يسمى به مكتسيًا بصفة الإطلاق، وأما السراويل فالصحيح أنه لا يجزئ خلافا لمحمد، وفي "الهداية"
(3)
والزاهدي: "المذكور في "الكتاب "مروي عن محمد، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أدناه ما يستر عامة بدنه حتى لا يجوز السراويل، وهو الصحيح"، وفي "الينابيع":"وإنما يجوز إذا كساه ما يستر عورته وسائر بدنه، هكذا ذكره في ظاهر الرواية".
قال صاحب "الهداية"
(4)
والزاهدي: "لكن ما لا يجزيه عن الكسوة يجزيه عن الطعام باعتبار القيمة"، قال في "الينابيع":"هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لم يجزه ما لم ينوه عن الطعام"، وفي "زاد الفقهاء" نحوه
(5)
، وقال:"والصحيح ما قلنا، لأن القيمة عندنا نازلة منزلة المنصوص عليه، فلا تمسّ الحاجة إلا إلى نية الكفارة وقد تحققت".
(1)
2/ 361.
(2)
انظر "فتاوى قاضي خان" 2/ 4.
(3)
2/ 362.
(4)
انظر "الهداية" 2/ 362.
(5)
في نسخة (د): "وفي زاد الفقهاء يجزه".
مما يملكه لم يصر محرمًا عليه، وعليه إن استباحه كفارة يمين، فإن قال كل حلال علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك *، ومن نذر نذرًا مطلقًا فعليه الوفاء به، وإن علق نذره بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر، وروي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك وقال: إذا قال إن فعلت كذا فلله علي حجة أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد * وزفر، ومن حلف لا يدخل بيتًا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث، ومن حلف لا يتكلم فقرأ في الصلاة لم يحنث، ومن حلف لا يلبس ثوبًا وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث، وكذلك إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل وإن لبث ساعة حنث، وإن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل، ومن حلف لا يدخل دارًا
قوله: (ولو قال: "كل حلال عليّ حرام"، فهو على الطعام والشراب، إلا أن ينوي غير ذلك)، قال في "الهداية"
(1)
و"شرح الزاهدي": "ومشايخنا
(2)
قالوا: يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى"، قال في "الينابيع": "وعن أبي القاسم: إن قال: حلال الله عليّ حرام، وله أربع نسوة يقع على كل واحدة منهنّ طلقة، وإن لم يكن له امرأة كانت يمينًا، وتجب عليه كفارة يمين، وكان أبو بكر بن أبي سعيد وأبو جعفر يقولان: يقع به الطلاق نوى أو لم ينوِ، وقال الفقيه [أبو الليث]
(3)
: وبه نأخذ، لأن العادة في زماننا أنهم يريدون به الطلاق"، [وقد تقدم شيء من هذا في الإيلاء
(4)
]
(5)
.
قوله: (أجزأه من ذلك كفارةُ يمين، وهو قول محمد)، قال في "الهداية"
(6)
: "ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضًا، وهذا إذا كان شرطًا لا يريد كونه، لأن فيه معنى اليمين وهو المنع، وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا كان شرطًا يريد كونه، كقوله: إن شفى الله مريضي، لانعدام معنى اليمين فيه، وهذا التفصيل هو الصحيح"، وقال الزاهدي:"وهذا التفصيل أصح".
(1)
2/ 363.
(2)
في نسخة (د) تعليق على هذه الكلمة (مشايخنا) وهو: "كأبي بكر بن أبي سعيد والفقيه أبي جعفر وأبي الليث".
(3)
زيادة من نسخة (د).
(4)
انظر ما مر ص 349 وما بعدها.
(5)
زيادة من نسخة (ب).
(6)
2/ 363.
فدخل دارًا خرابًا لم يحنث، ومن حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعدما انهدمت وصارت صحراء حنث في يمينه، ولو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعدما انهدمت لم يحنث، ومن حلف لا يكلم زوجة فلان فطلقها فلان ثم كلمها حنث، وإن حلف لا يكلم عبد فلان أو لا يدخل دار فلان فباع عبده أو داره فكلم العبد ودخل الدار لم يحنث، وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث، وكذلك إن حلف أن لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعدما صار شيخا أو لا يأكل لحم هذا الحمل فصار كبشًا فأكله حنث، وإن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها، وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبًا فأكله لم يحنث، صان حلف أن لا يأكل رطبًا فأكل بسرًا مذنبًا يحنث عند أبي حنيفة*، ومن حلف لا يأكل لحمًا فأكل سمكًا لم يحنث *، ولو حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث حنى يكرع منها كرعًا في قول أبي حنيفة*، ولو حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث، ومن حلف أن لا يأكل هذه الحنطة فأكل من خبزها لم يحنث * حتى لو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه حنث ولو استفه
قوله: (ومن حلف لا يأكل رُطَبًا، فأكل بُسْرًا مذنّبًا، حنث عند أبي حنيفة)، قال جمال الإسلام:"وهو قول محمد، وقال أبو يوسف لا يحنث، والصحيح قولهما"، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ومن حلف لا يأكل لحمًا، فأكل السمك لم يحنَث)، قال الإسبيجابي:"والقياس أن يحنث، وهو رواية عن أبي يوسف، والصحيح ظاهر الرواية"، وهو المعتمد عند من تقدم.
قوله: (ولو حلف لا يشرب من دِجْلة، فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعًا، في قول أبي حنيفة)، قال العلامة بهاء الدين في شرحه:"وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الأئمة الذين سمَّيْنا.
قوله: (ومن حلف لا يأكل من هذه الحِنْطة، فأكل من خبزها لم يحنث) عند أبي حنيفة، وعندهما يحنث، وتقدم التصحيح في التي قبلها، ولو قضمها حنث عندهما في الصحيح، قاله القاضي
(1)
.
قوله: (ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق، فأكل من خبزه حنث، ولو
(1)
في (جـ ود): "قاله قاضي خان". وانظر المسألة في "الجامع الصغير" ص 257.
كما هو لم يحنث *، وإن حلف لا يكلم فلانًا فكلمه بحيث يسمع إلا أنه نائم حنث *، ولو حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالإذن حتى كلمه حنث، ولو استحلف الوالي رجلًا ليعلمه بكل داعر دخل البلد فهذا على حال ولايته خاصة، ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده لم يحنث *، ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها أو دخل دهليزها حنث، فإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب لكان خارجًا لم يحنث، ومن حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر، ومن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم، ومن حلف لا يأكل الرؤوس فيمينه على ما يكبس في التنانير ويباع في المصر*، ومن حلف لا يأكل خبزًا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزًا، فإن أكل خبز القطائف أو خبز الأرز بالعراق لم يحنث، ومن حلف لا
اسْتَفه كما هو لم يحنَث)، قال قاضي خان وصاحب "الهداية"
(1)
والزاهدي: "هو الصحيح لتعين المجاز مرادًا".
قوله: (وإن حلف لا يكلم فلانًا، فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه نائم حنِث)، قال في "الهداية"
(2)
والزاهدي: "وفي بعض روايات "المبسوط" شرط أن يوقظه، وعليه مشايخنا".
قوله: (من حلف لا يركب دابة فلان، فركلب دابة عبده لم يحنث)، قال الإسبيجابي:"والمراد به إذا لم ينوِ، فأما إذا نوى، إن كان مديونًا مستغرقًا لم يحنث، وإن لم يكن مديونًا حنث عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف في الوجهين جميعًا إن نوى حنث وإن لم ينوِ لم يحنث، وعند محمد في الوجهين جميعًا حنث نوى أو لم ينوِ"، وعلى قول أبي حنيفة مشى الأئمة المصحّحون، والله أعلم.
قوله: (وَمن حلف لا يأكل الرّؤوس، فيمينُه على ما يُكْبَس في التَّنانير ويباع في المصر)، قال الإسبيجابي:" [و] هو الصحيح عندهم من غير خلاف، والمذكور في الكتب أن عند أبي حنيفة يحمل على رؤوس الإبل والبقر والغنم هو قوله الأول ثم رجع عنه، والمعول عليه في ذلك هو العادة"
(3)
.
(1)
انظر "الفتاوى الخانية" 2/ 58، و"الهداية" 2/ 268.
(2)
2/ 371.
(3)
قال الإمام برهان الدين المرغيناني في "الهداية"2/ 369: "وفي الجامع الصغير: [ص 256، 257] لو حلف لا يأكل رأسًا فهو على رؤوس البقر والغنم عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: على الغنم خاصة، وهذا اختلاف عصر وزمان، كان العرف في زمنه فيهما، وفي زمنهما في الغنم خاصة، وفي زماننا يفتى على حسب العادة كما هو المذكور في المختصر".
يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث، ومن حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل بذلك حنث، ومن حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث، ومن حلف لا يجلس على سرير فجلس على سرير فوقه بساط حنث وإن جعل فوقه سريرًا آخر فجلس عليه لم يحنث، وإن حلف لا ينام على فراش * فنام عليه وفوقه قرام حنث وإن جعل فوقه فراشا آخر لم يحنث، ومن حلف بيمين وقال إن شاء الله متصلًا بيمينه فلا حنث عليه، وإن حلف ليأتينه إن استطاع فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة وإن حلف لا يكلمه حينًا أو زمانًا أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر وكذلك الدهر عند أبي يوسف ومحمد*، ومن حلف لا يكلمه أيامًا فهو على ثلاثة أيام، وإن حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد على الأسبوع، ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد اثني عشر شهرًا*، وإذا حلف لا يفعل كذا يتركه أبدًا، وإن حلف ليفعلنّ
قوله: (ومن حلف لا ينام على فراشٍ)، قال الإسبيجابي:"بِعَيْنِه".
قوله: (وكذلك الدهر عند أبي يوسف ومحمد)، قال في "الهداية"
(1)
: "وقال أبو حنيفة: الدهر لا أدري ما هو. وهذا الاختلاف في المنكّر، هو الصحيح
(2)
، أما المعرف بالألف والام يراد به الأبد عرفًا"، وكذا قال الزاهدي، وقال الإسبيجابي: "والصحيح قول أبي حنيفة"، واختاره الأئمة: المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة.
قوله: (وإن حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: الأيام: الأسبوع، ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد اثنا عشر شهرًا)، قال جمال الإسلام:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده من ذكرنا.
فروع: [قال القاضي]
(3)
: حلف أن لا يتزوج امرأة فتزوج امرأة نكاحًا فاسدًا، ذكر في "الكتاب" أنه لا يحنث، قالوا هذا قول أبي يوسف ومحمد، أما على قول أبي حنيفة يحنث، والصحيح جواب "الكتاب".
- قال لعبده: إن لم تأتِ الليلة حتى أضربك، فأتى فلم يضربه، حنث في قول أبي يوسف، وقال محمد: لا يحنث، وعليه الفتوى.
(1)
2/ 373.
(2)
وفي "الجامع الصغير" ص 266، عن أبي حنيفة رضي الله عنه قال:"ودهرًا؛ لا أدري ما هو".
(3)
زيادة من نسختي: (جـ ود).
كذا ففعله مرة واحدة برّ في يمينه، ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها مرة فخرجت ثم خرجت بعد ذلك بغير إذن حنث ولا بدّ من الإذن في كل خروج، وإن قال إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث، وإذا حلف أن لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر، والعَشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل، والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر، وإذا حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد فهو أكثر من الشهر، ومن حلف لا يسكن هذه الدار فخرج منها بنفسه وترك فيها أهله ومتاعه حنث، ومن حلف ليصعدنّ السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه وحنث عقيبها، ومن حلف ليقضين فلانًا دينه اليوم فقضاه ثم وجد فلان بعضه زيوفًا أو نبهرجة أو مستحقة لم يحنث الحالف وإن وجدها رصاصًا أو ستوقة حنث، ومن حلف لا يقبض دينه درهمًا دون درهم فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض جميعه متفرقًا، وإن قبض دينه في وزنين لم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث وليس ذلك بتفريق، ومن حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته.
- ولو دعا امرأته أو أمته إلى فراشه فأبت، فقال: إن لم تجيء الليلة فأنتِ كذا
(1)
، فجاءت من ساعتها ولم يجامعها لا تطلق ولا تعتق
(2)
.
- رجل قال: إن كان كذا فكذا، وسكت ساعة ثم قال بعد ذلك: ولا كذا، ثم ظهر أنه كان كذا، قال نُصَير: حنث، وقال ابن سَلَمة
(3)
: لم يحنث
(4)
. وإنما اختلفا لاختلاف أبي يوسف ومحمد في لحاق الشرط باليمين المعقودة بعد السكوت، قال أبو يوسف: يصح، وقال محمد: لا يصح، وعليه الفتوى.
- حلف لا يساكن فلانًا فسافر الحالف فسكن فلان مع أهل الحالف، قال أبو حنيفة: يكون حانثًا، وقال أبو يوسف: لا يحنث، وعليه الفتوى
(5)
.
(1)
المثبت من (ب و جـ)، وفي الأصل:"فإنني كذا"، أو "فأنتي كذا".
(2)
انظر "فتاوى قاضي خان" 2/ 32.
(3)
هو محمد بن سلمة الفقيه أبو عبد الله، توفي سنة 278، وله 87 سنة. (الجواهر المضية 3/ 162 رقم 1317).
(4)
وصورة المسألة في "الخانية" 2/ 10: "رجل قال لجاره: إنّ امرأتي كانت عندك البارحة! فقال الجار: إنّ كانت امرأتك عندي البارحة فامرأتي طالق، وسكت ساعة ثم قال بعد ذلك: ولا غيرها، ثم ظهر أنه كان عند الحالف امرأة أخرى. قال نصير بن يحيى رحمه الله: تطلق امرأة الحالف، وقال محمد بن سلمة: رحمه الله تعالى: لا تطلق".
(5)
ينظر "الفتاوى الخانية" 2/ 96.
كتاب الدّعْوَى
المدعي من لا يجبر على الخصومة إذا تركها، والمدعى عليه من يجبر على الخصومة، ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئًا معلومًا في جنسه وقدره فإن كان عينًا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى وإن لم تكن العين حاضرة يذكر قيمتها، وإن ادعى عقارًا حدده وذكر أنه في يد المدعى عليه وأنه يطالبه به وإن كان حقًا في الذمة ذكر أنه يطالبه، وإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها فإن اعترف قضى عليه بها وإن أنكر سأل المدعي البينة فإن أحضرها قضي بها وإن عجز عن ذلك فطلب يمين خصمه استحلف عليها، وإن قال لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة* ولا يرد اليمين على المدعي، ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول ولزمه ما ادعي عليه، وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثًا فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه فإذا كرر العرض ثلاث مرات قضى عليه بالنكول*،
كتاب الدعوى والبيّنات
قوله: (وإن قال: لي بينة حاضرة وأطلب [اليمين]
(1)
لم يستحلف عند أبي حنيفة)، قال في "الهداية"
(2)
: "معناه حاضرة في المصر، وقال أبو يوسف: يستحلف .. ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكره الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكره الطحاوي"، وقال جمال الإسلام:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (فإذا كرر العرض ثلاث مرات قضى عليه بالنكول)، قال في "الهداية"
(3)
: "وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبداء العذر، فأما المذهب أنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمنا [هـ]، هو الصحيح، والأول أولى، ثم النكول قد يكون حقيقيًّا كقوله: لا أحلف، وقد يكون حكميًّا بأن سكت، وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفَة
(1)
كلمة: "اليمين"، مزيدة من النسخة المصرية (جـ).
(2)
3/ 153.
(3)
3/ 155.
وإن كانت الدعوى نكاحًا لم يستحلف عند أبي حنيفة، ولا يستحلف في النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود، وقال أبو يوسف ومحمد يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود*، وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يدعي أنها له وأقاما البينة قضي بها بينهما، وإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما
به من طرش أو خرس هو الصحيح"، وفي "شرح الزاهدي": "(جس سج): لو قضى عليه بالنكول في المرة الأولى نفذ قضاؤه عند عامة المشايخ، هو الصحيح، وقيل لا ينفذ، ويشترط أن يكون القضاء على فور النكول عند البعض، وقال الخصاف لا يشترط".
قوله: (وإن كانت الدعوى نكاحًا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة، ولا يستحلف في النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والولاء والحدود وقال أبو يوسف ومحمد: يستحلف في ذلك كله إلى في الحدود والقصاص)، قال الإمام قاضي خان
(1)
: "وفي الاستحلاف على النكاح أخذ المشايخ بقول أبي يوسف ومحمد، وعليه الفتوى، وقال في موضع آخر: ومما لا يستحلف فيه النكاح، لا يمين فيه، وهو قول أبي حنيفة سواء كان الدعوى من الرجل أو المرأة، وعند صاحبيه يستحلف المنكر، والفتوى على قولهما فيه لعموم البلوى"، ثم ذكر الفيء في الإيلاء والرجعة. وقال في "الفتاوى الكبرى":"عليه الفتوى وهو مختار أبي الليث"، وكذا قال في "التتمة":"اختار الفقيه أبو الليث قولهما، وكذلك الصدر الشهيد اختار قولهما"، وقال في "الخلاصة"
(2)
: "قال الفقيه أبو الليث: الفتوى على قولهما"، وقال في "مختارات النوازل":"الاستحلاف يجري في النكاح عندهما، وهو المختار للفتوى"، وقال الإمام أبو القاسم الزَّوزني في "شرح المنظومة":"ذكر القاضي الإمام فخر الدين المشهور بقاضي خان في شرح "الجامع الصغير" في كتاب القضاء في باب القضاء في الأيمان، أن المنكر يستحلف في الأشياء الستة عندهما، فإذا نكل يحبس حتى يقرّ أو يحلف، والفتوى على هذا، قال الزوزني: وبه كنت أعمل بالري وبأصبهان"، [وقد قدمناه]
(3)
، وكذا قاله
(1)
"الفتاوى الخانية" 2/ 410، 429، 430.
(2)
"خلاصة الفتاوى"، كتاب النكاح، الفصل الرابع عشر في دعوى النكاح 2/ 43، وانظر أيضًا في "الخلاصة": كتاب القضاء، الفصل السابع في اليمين 4/ 34.
(3)
زيادة من نسخة (جـ).
البينة لم يقض بواحدة من البينتين ورجع إلى تصديق المرأة لأحدهما، وإن ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى هذا العبد* وأقاما بينة فأكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك، وإن قضى القاضي بينهما به فقال أحدهما لا أختار لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، فإن ذكر كل واحد منهما تاريخًا فهو للأول منهما، فإن لم يذكرا تاريخًا ومع أحدهما قبض فهو أولى*، وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضًا * وأقاما بينة ولا تاريخ بينهما فالشراء أولى، وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة
الإمام أبو البركات النسفي في "الكنز" عن القاضي رحمه الله، واعمده الشيخ فخر الدين الزيلعي
(1)
في "شرح الكنز"، واختار فخر الإسلام علي البزدوي قولهما للفتوى على ما ذكره في "المختصر".
واختيار المتأخرين من مشايخنا أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه فإن رآه متعنتا يحلفه، أخذًا بقولهما، وإن رآه مظلومًا لا يحلفه، أخذًا بقول أبي حنيفة، وهو نظير ما اختاره شمس الأئمة في التوكيل بالخصومة بغير رضا الخصم
(2)
.
قوله: (وإن ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى هذا العبد)، "الهداية"
(3)
: "معناه من صاحب اليد".
قوله: (ومع أحدهما قبض فهو أولى)، "الهداية"
(4)
والزاهدي: "معناه أنه في يده".
قوله: (وإنْ ادّعى أحدهما شراءً والآخر هبة وقبضًا)، "الهداية"
(5)
والزاهدي: "معناه من واحد .. وهذا فيما لا يحتمل القسمة صحيح، وكذا فيما يحتمله عند البعض، لأن الشيوع طارئ
(6)
، وعند البعض لا يصح، لأنه تنفيذ الهبة في الشائع".
قوله: (وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت المرأة أنه تزوجها عليه فهما
(1)
هو الإمام العلامة عثمان بن علي بن مِحْجن الزَّيْلَعي البارعي، شرح كتاب "كنز الدقائق" للنسفي وسماه "تبيين الحقائق"، فأجاد وأفاد وحرر وانتقد وصحح ما اعتمد، توفي في رمضان سنة 743 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 2/ 519، 520 رقم 925، تاج التراجم ص 204 رقم 160).
(2)
وقد مر في ص 272، 273.
(3)
3/ 166.
(4)
3/ 167.
(5)
3/ 167.
(6)
في الأصل و (ب ود): "طار"، والمثبت من (جـ) و"الهداية".
أنه تزوجها عليه فهما سواء*، وإن ادعى أحدهما رهنًا وقبضًا والآخر هبة وقبضًا فالرهن أولى *، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ فصاحب التاريخ الأبعد أولى، وإن ادعيا الشراء من واحد وأقاما البينة على تاريخين فالأول أولى، وإن أقام كل واحد منهما بينة على الشراء من آخر وذكرا تاريخًا فهما سواء، وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد البينة على ملك أقدم تاريخا كان أولى*، وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج فصاحب اليد أولى*، وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة وكل سبب في الملك لا يتكرر، وإن أقام الخارج بينة على الملك وصاحب اليد
سواء)، "الهداية"
(1)
والزاهدي: "هذا عند أبي يوسف، وقال محمد: الشراء أولى"، وعلى قول أبي يوسف اعتمد المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
قوله: (وإنْ ادعى أحدهما رهنًا والآخر هبة وقبضًا فالرهن أولى)، الزاهدي: "يعني إذا أقام البينة، وهذا استحسان
(2)
"، وعليه مشى الأئمة المذكورون قبله.
قوله: (وإن أقام الخارج البيّنة على ملك مؤرخ، وصاحب اليد بينة على ملك أقدم تأريخا كان أولى)، "الهداية"
(3)
والزاهدي: "هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهو رواية عن محمد، وعنه: لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه"، وعلى قولهما اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم.
قوله: (وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج فصاحب اليد أولى)، قال في "الينابيع":"يريد به أنهما لم يذكرا تاريخًا أو ذكرا تاريخًا واحدا"، قال في "الهداية"
(4)
: "وهذا هو الصحيح، خلافًا لم يقوله عيسى بن أبان أنه تتهاتر البينتان وتترك في يده لا على طريق القضاء
(5)
". [وقال في "الجواهر)]: "عند عيسى أن هذا قضاء ترك فتجوز
(6)
الدعوى وإقامة البينة بعد ذلك، والصحيح أنه قضاء ملك، لأنه لا يجوز بعد ذلك"]
(7)
.
(1)
3/ 167.
(2)
"وفي القياس الهبة أولى"، كذا في "الهداية" 3/ 167.
(3)
3/ 168.
(4)
3/ 169.
(5)
في (جـ): "على سبيل القضاء".
(6)
في (د): "قضاء ترك وقصور".
(7)
ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي: (جـ ود).
بينة على الشراء منه كان أولى، وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان *، وإن أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء، ومن ادعى قصاصًا على غيره فجحد استحلف فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص، وإن نكل عن النفس حبس حتى يقر أو يحلف، وقال أبو يوسف ومحمد يلزمه الأرش فيهما*، وإذا قال المدعي لي بينة حاضرة قبل لخصمه اعطه كفيلًا بنفسك ثلاثة أيام * فإن فعل وإلا أمر بملازمته إلا أن يكون غريبًا على الطريق فيلازمه مقدار مجلس القاضي، وإن قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي، فإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم، وإن قال المدعي سرق مني فأقام البينة، وقال صاحب البد أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة *، وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه
قوله: (فإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان)، قال في "الهداية"
(1)
: "وتترك الدار في يد ذي اليد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعلى قول محمد يقضى بالبينتين ويكون للخارج"، وعلى قولهما اعتمد المصححون، كما رجّحوا دليلهما.
قوله: (وإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يقر أو يحلف، وقال أبو يوسف ومحمد: لزمه الأرش فيهما)، وعلى قول الإمام مشى الأئمة المصححون.
قوله: (وإذا قال المدعي لي بينة حاضرة، قيل لخصمه أعطه كفيلًا بنفسك ثلاثة أيام)، "الهداية"
(2)
: "وأخْذُ الكفيل بمجرد الدعوى استحسانٌ عندنا .. والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة، وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه، والحقير من المال والخطير".
قوله: (فإن قال المدعي سرق مني، وقال صاحب اليد أودعني فلان، وأقام البينة، لا تدفع الخصومة عنه)، "الهداية"
(3)
: "وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد تندفع"، قال الإسبيجابي:"والصحيح الاستحسان"، وعليه اعتمد الأئمة المصحّحون.
قوله: (وإن قال المدعي ابتعته من فلان، وقال صاحب اليد أوْدَعنيه فلان
(1)
3/ 169.
(2)
3/ 156.
(3)
3/ 165.
فلان ذلك سقطت الخصومة بغير بينة*. واليمين بالله تعالى دون غيره، وتؤكد بذكر أوصافه، ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق*، ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، والمجوسي بالله الذي خلق النار، ولا يستحلفون في بيوت عبادتهم، ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان، ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحد استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه ولا يستحلف بالله ما بعت، ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك رده ولا يستحلف بالله ما غصبت، وفي النكاح بالله ما بينكما نكاح قائم في الحال، وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت ولا يستحلف بالله ما طلقتها، وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد هي بينهما أثلاثًا*، ولو كانت في أيديهما سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء، وإذا تنازعا في دابة فأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده وذكرا
ذلك، أسقط الخصومة بغير بينة)، قال الزاهدي: "وفي بعض النسخ لم تسقط الخصومة بغير بينة، فإن أراد بالفلان غير الفلان الذي يدعي المدعي
(1)
الابتياع منه فهو موافق لروايات الأصول، وإن أراد به غير ذلك فهو مخالف لروايات "الجامعين"
(2)
، وقد نص فيهما على سقوطه بغير بينة".
قوله: (ولا يستحلف بالطلاق والعتاق)، قال القاضي:"وبعضهم جوّزوا في زماننا، والصحيح ظاهر الرواية".
قوله: (وإذا كانت الدار في يد رجل ادعى اثنان أحدهما ادعى جميعها والآخر نصفها، وأقاما البينة، فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: هي بينهما أثلاثًا)، واختار قوله البرهاني والنسفي وغيرهما.
(1)
في (د): "الذي يدعي المدعى عليه"، وفي (أ):"المدَّعَى".
(2)
أي "الجامع الكبير" و "الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن رحمه الله.
ففي الجامع الصغير ص 385، 386:"رجل في يده دار، ادعى رجل أنه اشتراها من فلان وأقام بينة، وقال الذي في يده: فلان ذلك أودعنيها، فلا خصومة بينهما".
وفي "الجامع الكبير" ص 122: "دار في يد رجل، أقام رجل البينة أنه اشتراها من عبد الله بألف، وقال الذي في يديه: أودعنيها عبد الله، حلف المدعى عليه البتة على ما ادعى من الوديعة، فإن حلف فلا خصومة بينهما، وإن نكل فهو خصم".
تاريخا وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو أولى وإن أشكل ذلك كانت بينهما *. وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى، وكذلك إذا تنازعا بعيرًا أو عليه حمل لأحدهما فصاحب الحمل أولى، وإذا تنازعا قميصًا أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى، وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنًا والبائع ادعى أكثر منه أو اعترف البائع بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضي له بها، فإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة المثبِتة للزيادة أولى، فإن لم يكن لكل واحد منهما بينة قيل للمشتري إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من المبيع وإلا فسخنا البيع، فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر يبتدئ بيمين المشتري *، فإذا حلفا فسخ القاضي البيع بينهما فإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر، وإن اختلفا في الأجل أو شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه، وإن هلك المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وجعل القول قول المشتري، وقال محمد يتحالفان ويفسخ العقد على قيمة الهالك *، وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن
قوله: (وإن أشكل ذلك كان بينهما)، وإن خالف التاريخين
(1)
جميعًا، قال في "الينابيع":"قال الحاكم الجليل في رواية أبي الليث إذا كان سن الدابة على غير الوقتين لم تقبل بينة واحد منهما، وهو الصحيح، لأن السنّ يكذبهما جميعًا".
قوله: (يبتدئ بيمين المشتري)، [و] قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرًا، وهو رواية عن أبي حنيفة وهو الصحيح" وقال الإسبيجابي: "يبدأ بيمين المشتري، وفي رواية يبدأ بيمين البائع، وهكذا ذكر أبو الحسن في "جامعه"، والصحيح الرواية الأولى"، وعليه مشى الأئمة المصحّحون.
قوله: (وإن هلك المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وجعلا القول قول المشتري، وقال محمد: يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك)، قال جمال الإسلام:"الصحيح قولهما"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم.
قوله: (وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي
(1)
في الأصل: "التارخين"، والمثبت من (ب و جـ ود).
(2)
3/ 159.
يرضي البائع أن يترك حصة الهالك، وقال أبو يوسف يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك وهو قول محمد*، وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت تزوجتني بألفين فأيهما أقام البينة قبلت بينته، وإن أقاما فالبينة بينة المرأة، وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة ولم يفسخ النكاح* ولكن يحكم بمهر المثل، فإن كان مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضي بما قال الزوج، وإن كان بمثل ما ادعت المرأة أو أكثر قضي بما ادعت المرأة، وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعت المرأة قضي لها بمهر المثل، وإذا اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا وإذا اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر مع يمينه، وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر، وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد يتحالفان وتفسخ الكتابة*، وإذا اختلف الزوجان في متاع
حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصّة الهالك، وقال أبو يوسف: يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك، وهو قول محمد)، قال الإسبيجابي:"هكذا ذكر هنا، وذكر في "الجامع الصغير"
(1)
أن القول قول المشتري في حصة الهالك، ويتحالفان على الباقي عند أبي يوسف، وعند محمد: يتحالفان عليهما ويرد القائم وقيمة الهالك، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى [الإمام] المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (تحالفا عند أبي حنيفة ولم يفسخ النكاح)، قال جمال الإسلام: "وهذا أيضًا قول محمد، وقال أبو يوسف: القول قول الزوج ما لم يأت بشيء مستنكر جدًّا، والصحيح قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم.
قوله: (وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة، والقول قول المكاتب، وقال أبو يوسف ومحمد: يتحالفان وتفسخ الكتابة)، وقوله هو المعول عليه في الباب عند النسفي، وهو أصح الأقاويل والاختيارات عند المحبوبي.
قوله: (وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو
(1)
ينظر "الجامع الصغير" للإمام محمد، كتاب البيوع، باب اختلاف البائع والمشتري في الثمن، ص 339، 340.
البيت فما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة وما يصلح لهما فهو للرجل، فإن مات أحدهما واختلف ورثته مع الآخر فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما*، وقال أبو يوسف يدفع للمرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج*، وإذا باع الرجل جارية فجاءت بولد فادعاه البائع فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فهو ابن البائع وأمه أم ولد له ويفسخ البيع فيه ويرد الثمن، فإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده فدعوى البائع به أولى، وإن ادعاه المشتري قبل دعوى البائع ثبت نسبه، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم تقبل دعوى البائع فيه إلا أن يصدقه المشتري، فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد من الأم، وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد، وأخذ البائع الولد بحصته من الثمن ولا يرد حصة الأم في قول أبي يوسف ومحمد، وقال أو حنيفة يرد الثمن كله *، ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه.
للرجل
(1)
، وما يصلح للنساء فهو للمرأة، وما يصلح لهما فهو للرجل، فإن مات أحدهما واختلف ورثته مع الآخر فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما)، هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
قال: (وقال أبو يوسف: يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج)، أي مع يمينه، والطلاق والموت سواء، لقيام الوارث مقام المورث، وقال محمد: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة، وما يكون لهما فهو للرجل أو لورثته، والطلاق والموت سواء، قال الإمام الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده النسفي والمحبوبي وغيرهما.
قوله: (ويرد الثمن كلّه في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يرد حصّة الولد ولا يردّ حصة الأم)، وعلى قول الإمام مشى الأئمة الأعلام: النسفي والمحبوبي والموصلي وصدر الشريعة.
(1)
في نسختي: (جـ ود): "فهو للرجال".
كتاب الشهادات
الشهادة فرض تلزم الشهود ولا يسعهم كتمانها إذا طالبهم المدعي، والشهادة بالحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار والستر أفضل، إلا أنه يجب أن يشهد بالمال في السرقة فيقول أخذ ولا يقول سرق، والشهادة على مراتب منها الشهادة على الزنا يعتبر فيها أربعة من الرجال ولا يقبل فيها شهادة النساء، ومنها الشهادة ببقية الحدود والقصاص يقبل فيها شهادة الرجلين ولا يقبل فيها شهادة النساء، وما سوى ذلك من الحقوق يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان الحق مالًا أو غير مال مثل النكاح والطلاق والوكالة والوصية، وتقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة، ولا بد في ذلك كله من العدالة * ولفظة الشهادة وإن لم يذكر الشاهد لفظ الشهادة وقال أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته. وقال أبو حنيفة يقتصر الحاكم على ظاهر عدالة المسلم إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عن الشهود وإن طعن الخصم فيهم يسأل عنهم، وقال أبو يوسف ومحمد لا بد أن يسأل عنهم في السرّ والعلانية*، وما
كتاب الشهادات
قوله: (ولا بدّ في ذلك كله من العدالة)، قال الزاهدي وصاحب "الهداية"
(1)
: "وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيهًا في الناس ذا مروءة تقبل شهادته، والأول أصح".
قوله: (في ذلك كله)، قال الزاهدي:"إشارة إلى جميع ما تقدم، حتى تشترط العدالة ولفظة الشهادة في شهادة النساء، في الولادة وغيرها، وهو الأصح"، وقال في "الهداية"
(2)
: "هو الصحيح".
قوله: (وقال أبو حنيفة يقتصر الحاكم على ظاهر عدالة المسلم إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عن الشهود وإن لم يطعن الخصم، وإن طعن الخصم فيهم يسأل عنهم، وقال أبو يوسف ومحمد: لا بد أن يسأل عنهم في السرّ والعلانية)، قال الإمام أبو بكر الرازي:"هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجّة وبرهان"، وقال في "الجواهر": "وإنما يقتصر لظاهر
(1)
انظر "الهداية" 3/ 117.
(2)
3/ 117.
يتحمله الشاهد على ضربين أحدهما يثبت حكمه بنفسه مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه وسعه أن يشهد به وإن لم يشهد عليه ويقول أشهد أنه باع ولا يقول أشهدني، ومنه ما لا يثبت حكمه بنفسه مثل الشهادة على الشهادة فإذا سمع شاهدًا يشهد بشيء لم يجز أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده، وكذلك لو سمعه يشهد الشاهد على شهادته لم يسع السامع أن يشهد ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يذكر الشهادة*، ولا تقبل شهادة الأعمى ولا المملوك ولا المحدود في
العدالة، لأن أبا حنيفة من التابعين، فلا يكون فشو الكذب موجودًا، فأما في عصر أبي يوسف ومحمد كان الكذب قد فشا، فلا يكتفى بظاهر العدالة، فهذا بناء على اختلاف العصر"، وكذا نقل الإسبيجابي وصاحب "الينابيع"، وقال الصدر الشهيد في "الكبرى": "والفتوى اليوم على قولهما"، وقال الإمام أبو المفاخر السَّدِيدي في "شرح المنظومة": "الفتوى على قولهما في هذا الزمان"، وقال في "الحقائق": "والفتوى على قولهما"، وقال قاضي خان في أول "فتاواه": "فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان كالقضاء بظاهر العدالة، يؤخذ بقول صاحبيه لتغير أحوال الناس"، وقد قدمناه
(1)
، وقال في كتاب الشهادات
(2)
: "الصبي إذا احتلم ثم شهد قال محمد: لا تقبل شهادته ما لم يسأل عنه، وهو بناء على أن عند أبي يوسف ومحمد لا يجوز القضاء بظاهر العدالة، وعليه الفتوى"، وقال فيه
(3)
: "ولا يقضي القاضي بظاهر العدالة في قول أبي يوسف ومحمد، ويسأل عن الشهود، طعن الخصم في الشهود أو لم يطعن، وقال أبو حنيفة: إن كان المدعى به حقًّا يثبت مع الشبهات، كان له أن يقضي بظاهر العدالة ما لم يطعن الخصم في الشهود، والفتوى على قولهما"، وقال في "الهداية"
(4)
و"مختارات النوازل" و"الاختيار"
(5)
و"شرح الزاهدي" و"الكافي": "والفتوى على قولهما"، وقال الإمام البرهاني وصدر الشريعة:"به يفتى".
قوله: (ولا يحل للشاهد إذا رأى خطّهُ أن يشهد إلا أن يذكر الشهادة)،
(1)
انظر مقدمة المصنف ص 125.
(2)
من "الفتاوى الخانية" 2/ 461.
(3)
"فتاوى قاضي خان " 2/ 462.
(4)
3/ 117.
(5)
2/ 141.
قذف وإن تاب، ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده، ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ولا شهادة المولى لعبده ولا لمكاتبه، ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما، وتقبل شهادة الرجل لأخيه وعمه، ولا تقبل شهادة مخنث ولا نائحة ولا مغنية ولا مدمن الشرب على اللهو ولا من يلعب بالطيور ولا: من يغني للناس ولا من يأتي بابًا من الكبائر التي يتعلق بها الحد، ولا من يدخل الحمام بغير إزار أو يأكل الربا والمقامر بالنرد والشطرنج، ولا من يفعل الأفعال المستخفة كالبول على الطريق والأكل على الطريق، ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف، ولا تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم، ولا تقبل شهادة الحربي على الذمي. وإن كانت الحسنات أغلب من السيئات والرجل ممن يجتنب الكبائر قبلت شهادته وإن ألَمّ بمعصية *، وتقبل شهادة الأقلف * والخصي وولد الزنا، وشهادة الخنثى جائزة، وإذا وافقت الشهادة بالدعوى قبلت وإن خالفتها لم تقبل ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة*، فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل الشهادة، وإن شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمس مئة والمدعي يدعي ألفا وخمس مئة قبلت شهادتهما بألف، وإن شهدا بألف وقال أحدهما قضاه منها خمس مئة قبلت شهادته بألف ولم يسمع قوله أنه قضاه إلا أن يشهد معه آخر، وينبغي للشاهد إذا
وعلى هذا مشى الأئمة الملتزمون للصحيح
(1)
، وإن حكي أنه قول أبي حنيفة، وقيل إنه قول الكل.
قوله: (وإن كانت الحسنات أغلب من السيئات، والرجل ممن يجتنب .. قبلت شهادته وإن ألمّ بمعصية)، وفي بعض النسخ:(وإن أتى بمعصية)، قال في "الهداية"
(2)
و"شرح الزاهدي" و"مختارات النوازل": "هذا هو الصحيح في حدّ العدالة المعتبرة".
قوله: (وتقبل شهادة الأقلف)، قال في "الينابيع":"إن ترك الأقلف الاختتان من غير عذر لم تقبل شهادته، وإن تركه من عذر قبلت، قال الفقيه: وبه نأخذ".
قوله: (ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة .. الخ)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الأئمة المصحّحون.
(1)
المراد: أصحاب المختصرات الفقهية، وانظر ص 242: أن ما في المتون مصحح تصحيحًا التزاميًّا.
(2)
3/ 123.
علم ذلك أن لا يشهد بالألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمس مئة، وإذا شهد شاهدان أن زيدًا قتل يوم النحر بمكة وشهد آخر أنه قتل يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم تقبل الشهادتين، فإن سبقت إحداهما وقضى بها ثم حضرت الأخرى لم تقبل، ولا يسمع القاضي الشهادة على الجرح ولا يحكم بذلك حتى تحقق، ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي * فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبر بها من يثق به، والشهادة على الشهادة جائزة في كل حق لا تسقط بالشبهة، ولا تقبل في الحدود والقصاص، وتجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين ولا
قوله: (ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي)، قال القاضي
(1)
: "وعن أبي حنيفة: إذا شهد واحد عدل بموت رجل وقال: أنا عاينت موته، حل له أن يشهد على موته"، والصحيح
(2)
أن الموت بمنزلة النكاح وغيره، لا يكتفى فيه بشهادة الواحد، وفي "المحيط": "وطريق معرفة التسامع أن يسمع من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف [ومحمد]
(3)
إذا [أ] خبره عدلان تحل له الشهادة، والفقيه أبو بكر الإسْكاف
(4)
كان يفتي بقولهما، وهو اختيار نجم الدين النسفي". وفي "الفصول":
(5)
"والاستفاضة عندهما بخبر عدلين يشترط أن يكون الإخبار بلفظة الشهادة"، كذا ذكر [هـ] الخصاف وشيخ الإسلام خُواهَر زاده، وبه أخذ الصدر الكبير برهان الأئمة، قال صاحب الفصول:"شرط لفظة الشهادة في الأشياء الثلاثة على البتات هنا، وفي العدة لا على البتات، فقال: ينبغي أن يشهد عنده بلفظة الشهادة حتى يجوز له الشهادة بالتسامع"، وفي "الظهيرية" أن الاشتهار الشرعي أن يشهد عنده عدلان أو رجل وامرأتان بلفظة الشهادة من غير استشهاد ويقع في القلب أن الأمر كذلك.
فروع: إذا سمعوا صوت امرأة من وراء حجاب، إن رأوا شخصها وشهد عندهم عدلان أنها فلانة جاز لهم أن يشهدوا على إقرارها، وهو اختيار أبي
(1)
ينظر" الفتاوى الخانية" 2/ 484.
(2)
لم أجد في "الفتاوى" هذا التصريح بالتصحيح.
(3)
زيادة من نسخة (جـ).
(4)
هو محمد بن أحمد أبو بكر الإسكاف، إمام كبير جليل، أستاذ أبي جعفر الهندواني. مات سنة 336 رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية 3/ 76، 4/ 15، رقم 1879).
(5)
هو - والله أعلم - "فصول العمادي"، مرتب على أربعين فصلًا، في المعاملات فقط. (كشف الظنون 2/ 1270، 1271). وانظر هامش "الجواهر المضية" 4/ 74.
تقبل شهادة واحد على شهادة واحد، وصفة الإشهاد أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان أقر عندي بكذا وأشهدني على نفسه، فإن لم يقل أشهدني على نفسه جاز، ويقول شاهد الفرع عند الأداء: أشهد أن فلانًا أشهدني
الليث .. وعليه الفتوى، ذكره القاضي
(1)
.
وقال في "الهداية"
(2)
: "قصر
(3)
الاستثناء في "الكتاب" على هذه الأشياء، ينفي اعتبار التسامع في الولاء والوقف، وعن أبي يوسف أنه يجوز في الولاء لأنه بمنزلة النسب .. وعن محمد أنه يجوز في الوقف لأنه يبقى على مرّ
(4)
الأعصار إلا أنا نقول: الولاء يبتنى
(5)
على زوال الملك، ولا بد فيه من المعاينة فكذا فيما يبتنى
(6)
عليه، وأما الوقف فالصحيح أنه تقبل الشهادة بالتسامع في أصله دون شرائطه لأن أصله هو الذي يشتهر"، وكذا قال في "شرح الزاهدي"، وقال في "المحيط": "تقبل الشهادة على أصل الوقف بالشهرة وعلى شرائطه أيضًا هو المختار، وتقبل الشهادة على الشهادة في الوقف"، وفي "المجتبى"
(7)
: "والمختار أن تقبل على شرائط الوقف أيضًا"، قال شيخنا في "شرح" الهداية""
(8)
: "وأنت إذا عرفت قولهم في الأوقاف القديمة التي انقطع ثبوتها ولم يعرف لها شرائط ومصارف أنها يسلك بها ما كانت عليه في دواوين القضاة، لم تقف عن تحسين ما في "المجتبى" لأن ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع".
(1)
انظر "فتاوى قاضي خان" 2/ 485، وذكر فيها روايةً عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه "لا يجوز له أن يشهد عليها حتى يشهد عنده جماعة أنها فلانة".
(2)
3/ 119، 120.
(3)
في الأصل ونسخة (د): "نص"، والمثبت من (جـ) و"الهداية".
(4)
في نسختي (جـ و د): "ممر".
(5)
المثبت من (جـ) و"الهداية" وفي (أ وب): "يبنى".
(6)
انظر التعليق السابق، وقد سقط سطر من نسخة (د) في هذا الموضع.
(7)
يظهر من السياق بعدما ذكر المصنف شرح الزاهدي ثم "المجتبى" أن كتاب المجتبى للزاهدي هو غير شرحه على القدوري، ويؤكد هذا ما قاله في "تاج التراجم" ص 296، بعدما ذكر شرح الزاهدي على القدوري:"وله غير ما ذكر كتاب: زاد الأئمة وكتاب المجتبى في الأصول .. "، وكذا ذكرهما اللكنوي على أنهما كتابان مختلفان، ولكنه قال بعد ذلك:"وقد طالعت المجتبى شرح القدوري والقنية، فوجدتهما على المسائل الغريبة حاويين .. " فسمى شرح الزاهدي للقدوري بالمجتبى. (الفوائد البهية ص 349، وفيه صُحِّف لفظ كتاب القنية إلى الفتنة!، كشف الظنون 2/ 1592، هدية العارفين 2/ 423).
(8)
"فتح القدير" لابن الهمام 7/ 393. (طبعة دار الفكر).
على شهادته أنه يشهد أن فلانًا أقر عنده بكذا وقال لي اشهد على شهادتي * على ذلك، ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن يموت شهود الأصل أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا * أو يمرضوا مرضًا لا يستطيعون معه حضور مجلس القاضي، فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع جاز، فإن سكتوا عن تعديلهم جاز وينظر القاضي في حالهم *، وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع، وقال أبو حنيفة في شاهد الزور: أشهرُه في السوق ولا أعزره، وقال أبو يوسف ومحمد نوجعه ضربًا ونحبسه *.
قوله: (وقال لي اشهد على شهادتي)، قال الإسبيجابي:"هذا شرط عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إن لم يذكر ذلك جاز، والصحيح قولهما".
فرع: قال القاضي
(1)
: "وتجوز شهادة الرجل على شهادة أبيه، وفي شهادته على قضاء أبيه روايتان، والصحيح
(2)
هو الجواز أيضًا".
قوله: (أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا)، قال في "الهداية"
(3)
و"شرح الزاهدي": "وعن أبي يوسف أنه إن كان في مكان لو غدا لأداء الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله، صح الإشهاد إحياء لحقوق الناس، قالوا والأول أحسن، والثاني أرفق، وبه أخذ الفقيه أبو الليث"، وقال الإسبيجابي:" [و] قال أبو يوسف: تقبل وإن كانوا في المصر، والصحيح ظاهر المذهب".
قوله: (وإن سكتوا عن تعديلهم جاز، ونظر القاضي في حالهم)، وهذا عند أبي يوسف، وعليه مشى الأئمة المصحّحون، وقال محمد: لا تقبل.
قوله: (وقال أبو حنيفة في شاهد الزور: أشهره في السوق ولا أعزره، وقال أبو يوسف ومحمد: يوجعه ضربًا ويحبسه)، وعلى قول أبي حنيفة مشى النسفي والبرهاني وصدر الشريعة، وقال الإسبيجابي:"إشهاره في السوق تعزير، بل هو أشد من الضرب في حق الناس".
(1)
انظر "الفتاوى الخانية" 2/ 486.
(2)
في نسخة (د): "والأصح".
(3)
3/ 129.
باب الرجوع عن الشهادات
إذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت، وإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا لم يفسخ الحكم ووجب عليهم ضمان ما أتلفوا بشهادتهم، ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم، وإذا شهد شاهدان بمال فحكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه، وإن رجع أحدهما ضمن النصف وإن شهد بالمال ثلاثة فرجع أحدهم فلا ضمان عليه، فإن رجع الآخر ضمن الراجعان نصف المال، فإن شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة ضمنت ربع الحق، وإن رجعتا ضمنتا نصف الحق، وإن شهد رجل وعشر نسوة ثم رجع ثمانية فلا ضمان عليهن، فإن رجعت أخرى كان عليهن ربع الحق، فإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق وعلى النسوة خمسة أسداس الحق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد على الرجل النصف وعلى النسوة النصف *، وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما، وكذلك إن شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها، وإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمنا الزيادة، وإن شهدا ببيع مثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا وإن كان بأقل من القيمة ضمنا النقصان، فإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول ثم رجعا ضمنا نصف المهر، فإن كان بعد الدخول لم يضمنا شيئا، وإذا شهدا أنه أعتق عبده ثم رجعا ضمنا قيمته، وإذا شهدا بقصاص ثم رجعا بعد القتل ضمنا الدية ولا يقتص منهما، وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا، فإن رجع شهود الأصل وقالوا لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا فلا ضمان عليهم*، وإن قالوا
كتاب الرجوع عن الشهادات
قوله: (فإن رجع الرجل والنساء، فعلى الرجل سدس الحق وعلى النسوة خمسة أسداس عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: على الرجل النصف، وعلى النسوة النصف)، وعلى قول الإمام مشى الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا رجع شهود الأصل أو قالوا
(1)
لم نُشهد شهود الفرع على شهادتنا فلا ضمان عليهم)، قال الإسبيجابي: "وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يضمنون، وهو رواية عن أبي حنيفة، والصحيح هو
(1)
في جـ: "وقالوا".
أشهدناهم وغلطنا ضمنوا، وإن قال شهود الفرع كذب شهود الأصل أو غلطوا في شهادتهم لم يلتفت إلى ذلك، وإذا شهد أربعة بالزنا وشاهدان بالإحصان فرجع شهود الإحصان لم يضمنوا، وإذا رجع المزكون عن التزكية ضمنوا*، وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شهود اليمين خاصة.
الأول"، وعليه مشى [الإمام] المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا رجع المزكّون عن التزكية ضمنوا)، قال الإمام جمال الإسلام:"وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد: لا ضمان عليهم، والصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده البرهاني والنسفي وصدر الشريعة.
كتاب أدَب القاضي
لا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في الموَلّى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد، ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أنه يؤدي فرضه *، ويكره الدخول فيه لمن يخاف أن يعجز عنه ولا يأمن على نفسه من الحيف فيه، ولا ينبغي أن يطلب الولاية ولا يسألها، ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي قبله * وينظر في حال المحبوسين، فمن اعترف بحق ألزمه إياه ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينة، فإن لم يقم البينة لم يعجل بتخليته حتى ينادي عليه ويستظهر في أمره، وينظر في الودائع وارتفاع الوقوف فيعمل على ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده، ولا يقبل قول المعزول إلا أن يعترف الذي هو في يده أن المعزول سلمها إليه فيقبل قوله فيها. ويجلس للحكم جلوسا ظاهرًا في المسجد، ولا يقبل هدية إلا من ذي رحم محرم منه أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته، ولا يحضر دعوة إلا أن تكون عامة *، ويشهد الجنازة ويعود المريض، ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه، وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال ولا يسارّ أحدهما ولا يشير إليه ولا يلقنه حجة، وإذا ثبت الحق عنده وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه وأمره بدفع ما عليه فإن امتنع حبسه في
كتاب أدب القاضي
قوله: (ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أنه يؤدّي فرائضه)، "الهداية"
(1)
: "الصحيح أن الدخول فيه رخصة طمعًا في إقامة العدل، والترك عزيمة، فلعله يخطئ ظنه فلا يوفق له، أو لا يعينه عليه غيره".
قوله: (يسلم إليه ديوان القاضي الذي كان قبله)، وإن كان البياض
(2)
من مال الخصوم في الصحيح، نصّ عليه في "الهداية"، وفي الزاهدي:"وكذا إن كان من مال الخصوم في الصحيح، وكذا إن كان من مال القاضي في الصحيح".
قوله: (ولا يجيب دعوة إلا أن تكون عامة)، الإسبيجابي: "وتكلموا في
(1)
3/ 102.
(2)
أي الذي كتب فيه الحادثة، ورقًا كان أو أوراقًا .. انظر "العناية على الهداية" للبابرتي 7/ 264، (دار الفكر).
كل دين لزمه بدلًا عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا قال إني فقير إلا أن يثبت غريمه أن له مالا، ويحبسه شهرين أو ثلاثة * ثم يسأل عنه * فإن لم يظهر له مال خفى سبيله، ولا يحول بينه وبين غرمائه، ويحبس الرجل في نفقة زوجته، ولا يحبس والد في دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه.
ويجوز قضاء المرأة في كل شيء إلا في الحدود والقصاص، ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد عنده فإن شهدوا على خصم حكم بالشهادة ويكتب بحكمه وإن شهدوا بغير حضرة خصم لم يحكم وكتب بالشهادة ليحكم به المكتوب إليه،
الفرق بينهما، والصحيح أن صاحب الدعوة إن كان بحال لو علم أن القاضي لا يحضر لا يتخذ، فهذه دعوة خاصة"، وفي "الهداية"
(1)
: "ويدخل في هذا الإطلاق: قريبُه، وهو قولهما، وعن محمد أنه يجيبه وإن كانت خاصة"، وعلى قولهما اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ويحبسه شهرين أو ثلاثة)، وفي "الهداية"
(2)
و"شرح الزاهدي" وفتاوى قاضي خان
(3)
: [و] الصحيح أن التقدير مفوضٌ إلى رأي القاضي"، قال الإسبيجابي: "وذكر الطحاوي شهرًا، قال شمس الأئمة: هذا أرفقُ الأقاويل، والصحيح أن هذا ليس بتقديرٍ لازم، بل ذلك مفوَّض إلى رأي القاضي".
قوله: (ثم يسأل عنه)، قال جمال الإسلام: "هذا قول أبي حنيفة أن البينة على الإفلاس لا تقبل
(4)
قبل الحبس، وهو المختار"، وقال قاضي خان
(5)
: "المديون إذا أقام البينة على الإفلاس قبل الحبس، فيه روايتان، قال ابن الفضل: الصحيح أنها تقبل .. - قال قاضي خان -: ينبغي أن يكون ذلك مفوضًا
(6)
إلى القاضي إنْ علم أنه وقح لا يقبل بينته قبل الحبس، وإن علم أنه ليّن قبل بيّنته".
(1)
3/ 103.
(2)
3/ 105.
(3)
"الفتاوى" 2/ 373.
(4)
في نسخة (د): "أن البينة على الإفلاس تقبل".
(5)
"الفتاوى" 2/ 373.
(6)
وفي الأصل "مفوض".
ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم ليعرفوا ما فيه ثم يختمه ويسلمه إليهم *، فإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بمحضر من الخصم، فإن سلمه الشهود إليه نظر في ختمه فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه، فضه القاضي وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه *، ولا
قوله: (ويجب أن يقرأ عليهم الكتاب ليعرفوا ما فيه، ثم يختمه ويسلمه إليهم)، قال في "الهداية"
(1)
و [في]"شرح الزاهدي": "أما الختم بحضرتهم وكذا حفظ ما في الكتاب فشرط عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: ليس بشيء من ذلك شرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وخاتمه، وعنه أن الختم ليس بشرط أيضًا، فسهّل في ذلك لما ابتلي بالقضاء، وليس الخبر كالمعاينة، وهذا مختار شمس الأئمة السرخسي".
قال شيخنا العلامة في "شرح الهداية"
(2)
: "ولا شك عندي في صحته، فإن الغرض إذا كان عدالة الشهود وهم حملة الكتاب فلا يضره كونه غير مختوم، مع شهادتهم أنه كتابه، نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي أن يشترط الختم لاحتمال التغيير، إلا أن يشهدوا بما فيه حفظًا، فالوجه إن كان الكتاب مع الشهود أن لا تشترط معرفتهم لما فيه، ولا الختم، بل يكفي شهادتهم أنه كتابه مع عدالتهم"، (وإن كان مع المدعي
(3)
ينبغي أن يشترط الختم لاحتمال التغيير، إلا أن يشهدوا بما فيه حفظًا).
قوله: (فإن شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلّمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه، فضَّهُ القاضي وقرأه على الخصم وألزمه بما فيه)، لم يتعرض في هذه العبارة لظهور عدالة الشهود لفتح الكتاب، أي لم يقل: فإذا شهدوا وعُدِّلوا، والصحيح أنه لا يفضّ الكتاب حتى تظهر عدالة الشهود الذين حملوه إليه، هكذا ذكر [هـ] الخصّاف رحمه الله [تعالى]، وذكر في "المغني"
(4)
أنه يجوز الفتح قبل ظهورها، والأول أصح لأنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود
(1)
3/ 106.
(2)
"فتح القدير" لشيخ المؤلف: الكمال بن الهمام 7/ 292، 293، (دار الفكر).
(3)
المثبت من النسخ المخطوطة (أ ب جـ) وفي "فتح القدير": "وإن كان مع المدعي اشترط حفظهم لما فيه فقط".
(4)
قال في "كشف الظنون" 2/ 1749: "المغني في أصول الفقه، للشيخ جلال الدين عمر بن محمد الخبازي الخجندي الحنفي المتوفى سنة 671، وقال السراج الدمشقي: هو محتوٍ على المقاصد الكلية الأصولية، منطوٍ على الشواهد الجزئية الفروعية
…
". هذا؛ وفي نسخة (د) قال: "هكذا ذكره=
يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص، وليس للقاضي أن يستحلف على القضاء إلا أن يفوض إليه، ذلك فإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو يكون قولًا لا دليل عليه. ولا يقضى على غائب إلا أن يحضر أو من يقوم مقامه، وإذا حكّم * رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز إذا كان بصفة الحاكم، ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي، ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما، فإذا حكم لزمهما، وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه وإن خالفه أبطله، ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص، وإن حكما في دم خطأ فقضى الحاكم على العاقلة لم ينفذ حكمه، ويجوز أن يسمع البينة ويقضي بالنكول، وحكم الحاكم لأبويه وولده وزوجته باطل.
بأن ارتاب في هؤلاء فيقول زدني شهودًا، ولا يمكن أداء الشهادة من المزيدين إلا [في] حال قيام الختم، والله أعلم.
قوله: (وإذا حكم [الحاكم]
(1)
…
الخ)، قال القاضي:"وتعليق التحكيم لإنسان بين اثنين والإضافة إلى وقت في المستقبل، على قول محمد يصح، وعلى قول أبي يوسف لا يصح، وعليه الفتوى".
= الخصاف فقال وذكر في المغني"، وعليه؛ فهو غير المذكور عن "الكشف"، لأن الخصاف توفي سنة 261، فالله تعالى أعلم بالمراد منه.
(1)
زيادة من (جـ و د).
كتاب القِسْمة
ينبغي للإمام أن ينصب قاسمًا يرزقه من بيت المال ليقسم بين الناس بغير أجر، فإن لم يفعل نصب قاسمًا يقسم بالأجر*، ويجب أن يكون عدلا مأمونًا عالِمًا بالقسمة، ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد*، ولا يترك القسام يشتركون، وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: على قدر الأنصباء*، وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة حتى يقيموا البينة على موته وعلى عدد ورثته، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسمها باعترافهم ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم*، وإن كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمه في قولهم، ولو ادعوا في العقار أنهم
كتاب القسمة
قوله: (يقسم بالأجر)، "الهداية"
(1)
والزاهدي: "معناه [يقسم]
(2)
بأجر على المتقاسمين .. ويقدر أجر مثله".
قوله: (ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد)، "الهداية"
(3)
والزاهدي: "معناه على استئجاره".
قوله: (وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: على قدر الأنصباء)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى النسفي والمحبوبي وغيرهما.
قوله: (وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضَيعة ادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة حتى بقيموا البينة على موته وعدد ورثته، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسمها باعترافهم، ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم)، قال الإمام جمال الإسلام:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
(1)
4/ 321.
(2)
زيادة من نسخة (ب).
(3)
4/ 322.
اشتروه قسمه بينهم، وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل إليهم قسمه بينهم*، وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم، وإن كان أحدهم ينتفع والآخر يستضر لقلة نصيبه فإن طلب صاحب الكثير القسمة قسم وإن طلب صاحب القليل لم يقسمه *، وإذا كان كل واحد منهما يستضر لم يقسم إلا بتراضيهم، ويقسم العروض إذا
قوله: (وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل إليهم قسمه بينهم)، هذه رواية كتاب القسمة، وفي رواية "الجامع"
(1)
: لا يقسمها حتى يقيموا البينة أنها لهم، قال في "الهداية":"هو قول الكل، وهو الأصح"
(2)
، وكذا نقل الزاهدي عن (حص)
(3)
.
قوله: (وإن كان أحدهم ينتفع والآخر يستضر لقلة نصيبه فإن طلب صاحب الكثير قسم وإن طلب صاحب القليل لم يقسم)، وذكر الخصاف
(4)
على قلب هذا، وذكر الحاكم في مختصره أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي، قال في "الهداية"
(5)
و"شرح الزاهدي": "الأصح ما ذكر في "الكتاب""، وعليه مشى الإمام [المحبوبي و]
(6)
البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، وفي الصغرى وفتاوى قاضي خان: "دار مشتركة
…
وإن طلب صاحب القليل وأبى صحاب الكثير فكذلك، وعليه الفتوى، وهو اختيار شيخ الإسلام خواهر زاده، فهو يفرق بين هذا وبين البيت الصغير الذي لا ينتفع أحدهما بعد القسمة [به]
(7)
".
(8)
قلت: وهذا يقتضي أن يكون صاحب القليل ينتفع بنصيبه بعد القسمة، وهو أولى مما ذكر في "الكبرى" أن الفتوى على أن صاحب القليل الذي لا
(1)
"الجامع الصغير"، كتاب القضاء ص 383، 384.
(2)
"وقيل إنه قول أبي حنيفة خاصة" انظر: "الهداية" 4/ 323.
(3)
كذا؛ وفي كتاب "المذهب الحنفي" لأحمد النقيب 1/ 345، أن الزاهدي رحمه الله، يقصد بحرفي (جص):"الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن رحمه الله، وقد أحال في الهامش إلى كتاب "القنية" للزاهدي (مخطوط: 0/ ب).
(4)
كذا في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ): وفي "الهداية""الجصّاص".
(5)
4/ 323.
(6)
زيادة نسخة (جـ).
(7)
زيادة من (جـ) و (د).
(8)
وجاءت هذه المسألة في "الفتاوى الخانية" 3/ 149 على النحو التالي: "دار مشتركة بين رجلين نصيب أحدهما أكثر، فطلب صاحب الكثير القسمة وأبى الآخر، فإن القاضي يقسم عند الكل، وإن طلب صاحب القليل القسمة وأبى صاحب الكثير فكذلك، وهو اختيار الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده - رحمه الله تعالى - وعليه الفتوى. وفي البيت الصغير بين رجلين إذا كان صاحب القليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة فطلب صاحب القليل القسمة قالوا لا يقسم".
كانت من جنس واحد ولا يقسم الجنسين بعضها في بعض، وقال أبو حنيفة لا يقسم الرقيق ولا الجواهر لتفاوته، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسم الرقيق *، ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا أن يتراضى الشركاء، وإذا حضر وارثان وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم ومعهم وارث غائب يقسمها القاضي بطلب الحاضرين ونصب للغائب وكيلا بقبض نصيبه، وإن كانوا مشترين لم يقسم مع غيبة أحدهم وإن كان العقار في يد الوارث الغائب لم يقسم، وإن حضر وارث واحد لم يقسم، وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد قسمت كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها* وإذا كانت دار وضيعة أو دار وحانوت قسم كل واحد منهما على حدته، وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه ويعدله ويذرعه ويقوم البناء ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق، ثم يلقب نصيبًا بالأول والذي يليه بالثاني والثالث وعلى هذا، ثم يخرج القرعة فمن خرج اسمه أولًا فله السهم الأول ومن خرج ثانيًا فله السهم الثاني، ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم"، فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في ملك الآخر أو طريق لم يشترط في القسمة، فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه فليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر وإن لم يمكن فسخ القسمة، وإذا كان سفل لا علو له وعلو لا سفل له أو سفل له علو قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة، ولا يعتبر غير ذلك *.
ينتفع به بعد القسمة يقسم بطلبه.
قوله: (وقال أبو حنيفة: لا يقسم الرقيق ولا الجواهر، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسم الرقيق)، قال الإمام بهاء الدين في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (وإن كانت دور مشتركة في مصر واحد قسمت كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (ولا يدخل في القسمة الدراهم [والدنانير] إلا بتراضيهما)، قال في "الينابيع": يريد إذا أمكنت القسمة بدونها، أما إذا لم يمكن عُدّل أضعف الأنصباء بالدراهم والدنانير، وفي بعض النسخ:(ينبغي للقاضي أن لا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير، فإن فعل جاز وتركه أولى).
قوله: (وإذا كان سفلًا لا علو له أو علوًا لا سُفل له وسفلا له علو، قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة، ولا معتبر بغير ذلك)، هذا قول محمد،
وإذا اختلف المتقاسمون فشهد القاسمان قلت شهادتهما * فإن ادعى أحدهما الغلط وزعم أن مما أصابه شيء في يد صاحبه وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء لم يصدق على ذلك إلا ببينة، وإن قال استوفيت حقي ثم قال أخذت بعضه، فالقول قول خصمه مع يمينه، وإذا قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء وكذبه شريكه تحالفا وفسخت القسمة، وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة، ويرجع بحصة ذلك من نصيب شريكه، وقال أبو يوسف تفسخ القسمة*.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقسم بالذرع، ثم اختلفا في كيفية القسمة بالذرع، قال أبو حنيفة: ذراع من سفل بذراعين من علو، وقال أبو يوسف: ذراع بذراع، قيل أجاب كل واحد منهم
(1)
على عادة أهل عصره أو بلده، وقيل اختلاف معنى، قال الإسبيجابي:"والصحيح قول أبي حنيفة، لأن السفل له منفعتان السكنى والحفر، والعلو منفعة واحدة وهو السكنى".
قلت: هذا التصحيح بالنسبة إلى قول أبي يوسف كما يعطيه الدليل.
والمشايخ اختاروا قول محمد لما ذُكر له من أنه لا يمكن التعديل، قال في "التحفة"
(2)
و"البدائع"
(3)
: "والعمل في هذه المسألة على قول محمد"، وقال في "الينابيع" و"الهداية"
(4)
و"شرح الزاهدي" و"المحيط": "وعليه الفتوى اليوم".
قوله: (وإذا اختلف المتقاسمون فشهد القاسمان قبلت شهادتهما)، قال في "الهداية"
(5)
: "الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا تقبل، وهو قول أبي يوسف أولًا، وبه قال الشافعي، وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما. وقاسِما القاضي وغيرهُما سواء"، وقال جمال الإسلام:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة ويرجع بحصة ذلك من نصيب شريكه، وقال أبو يوسف تفسخ) القسمة)، قال في "الهداية"
(6)
والزاهدي: "ذكر المصنف الاختلاف في
(1)
في (جـ): "منهما".
(2)
"تحفة الفقهاء" 3/ 283.
(3)
"بدائع الصنائع" 7/ 27، وزاد فيه:"وهو اختيار الطحاوي رحمه الله".
(4)
4/ 327.
(5)
4/ 327
(6)
4/ 328، 329.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
استحقاق بعض بعينه وهكذا ذكر في "الأسرار"، والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع في نصيب أحدهما، فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه، ولم يذكر قول محمد، وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف، وأبو حفص مع أبي حنيفة، وهو الأصح"، وهكذا ذكره الإسبيجابي وقال: "والصحيح قولهما"، وعليه مشى الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما.
فروع: [قال القاضي]
(1)
: "حمّام بين رجلين غاب قدره أو حوضه أو شيء منه أو احتاج إلى المَرَمَّة
(2)
وأراد أحدهما المرمَّة وامتنع الآخر اختلفوا فيه، قال بعضهم يؤاجرها القاضي ويَرُمَّها بالأجرة، أو يأذن لأحدهما في الإجارة والمرمّة من الأجْر، وقيل هذا قولهما. وقال بعضهم: القاضي يأذن لغير الآبي بالإنفاق عليه ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته، والفتوى على هذا القول"
(3)
.
- رجل له دار في سكة غير نافذة لها باب، أراد أن يفتح لها بابًا آخر أسفل من بابها، اختلفوا فيه، والصحيح أنه ليس له ذلك، وإن أراد أن يفتح بابًا آخر أعلى من بابه كان له ذلك
(4)
.
- علو لرجل وسفل لآخر، قال أبو حنيفة: ليس لصاحب العلو أن يبني في العلو بناء أو يَتِدَ وتدًا إلا برضا صاحب السفل، وقال صاحباه: له ذلك إذا لم يضر بالسفل، والمختار للفتوى: إنْ أضر بالسفل يمنع، وإن لم يضر لا يمنع، وعند الاشتباه والإشكال يمنع
(5)
.
- دار بين رجلين تهايآ على أن يؤجر هذا سنة وهذا سنة، اختلفوا فيه، قال خواهرزاده: الظاهر أنه يجوز، فإن استوت الغلتان فبها، وإن فضلت في نوبة أحدهما يشتركان في الفضل، وعليه الفتوى
(6)
.
(1)
زيادة من (جـ ود)، وانظر هذه الفروع في كتاب الصلح من "الفتاوي الخانية".
(2)
"رمَّه يرِمُّه، ويرُمُّه رمَّا ومَرَمَّة: أصلحه"(القاموس المحيط ص 1440).
(3)
انظر "الفتاوى الخانية" 3/ 112.
(4)
"الفتاوى الخانية" 3/ 117.
(5)
المصدر السابق 3/ 117.
(6)
المصدر السابق 3/ 120.
كتاب الإكراه
الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به سلطانًا كان أو لصًا، وإن أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة أو على أن يقر لرجل بألف أو يؤاجر داره فأكره على ذلك بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس فباع أو اشترى فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع، فإن كان قبض الثمن طوعًا فقد أجاز البيع، وإن كان قبضه مكرهًا فليس بإجازة وعليه رده إن كان الثمن قائمًا في يده، وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره ضمن قيمته*، وللمكرَه أن يضمن المكرِه إن شاء، ومن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر وأكره على ذلك بضرب أو بحبس أو قيد لم يحل له، إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، ولا يسعه أن يصبر على ما توعّد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم*، فإن أكره على الكفر بالله أو سب النبي صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراهًا حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، فإذا كان ذلك وسعه أو يظهر ما أمروه به ويورّي عنه، فإذا أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا مأثم عليه، وإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورًا، وإن أكره على إتلاف مال المسلم بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك ولصاحب المال أن يضمن المكره، وإن أكره بقتل على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل فإن قتله كان آثمًا والقصاص على الذي أكرهه إن كان القتل عمدًا"، وإن أكرهه على طلاق امرأته أو عتق عبده ففعل وقع ما أكره عليه،
كتاب الإكراه
قوله: (وإن هلك [المبيع] في يد المشتري وهو غير مكره ضمنه)، "الهداية"
(1)
والزاهدي: "معناه: والبائع مكره".
قوله: (فلم يأكل فهو آثم)، وعن أبي يوسف أنه لا يأثم، والأول المذهب، وعليه مشى الأئمة.
قوله: (والقصاص على الذي أكرهه إن كان القتل عمدًا)، قال في "الهداية"
(2)
: "وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال زفر: يجب على المكرَه،
(1)
3/ 270.
(2)
3/ 272، وانظر "فتح القدير" 9/ 244 (دار الفكر).
ورجع على الذي أكرهه بقيمة العبد وبنصف مهر المرأة إن كان قبل الدخول، وإن أكرهه على الزنا وجب الحد عند أبي حنيفة إلّا أن يكرهه السلطان*، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يلزمه الحد، وإن أكرهه على الردّة لم تَبِن امرأته منه.
وقال أبو يوسف: لا يجب عليهما"، وقال الإسبيجابي: "وقال أبو يوسف: عليه الدية، والصحيح قول أبي حنيفة ومحمد"، وعليه مشى الأئمة كما هو الرسم.
قوله: وإن أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة إلا أن يكرهه السلطان)، هذا قوله الثاني، وفي قوله الأول وهو قول زفر: يحد، قال الإسبيجابي:"الصحيح قوله الثاني، وقيدُ إكراهِ السلطان بناءً على أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان عنده، (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يحد)، لأن الإكراه يتحقق من غيره، وعليه الفتوى". قال القاضي الإمام فخر الدين قاضي خان
(1)
: "الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان في قول أبي حنيفة، وفي قول صاحبيه يتحقق من كل متغلّب يقدر على تحقيق ما هدّد به
(2)
، وعليه الفتوى". وفي "الحقائق":"والفتوى على قولهما"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
(1)
في أول كتاب الإكراه من "فتاواه" 3/ 483.
(2)
وفي حاشية نسخة (جـ): (قلت قد دخل الزوج في ذلك وبه صرح في "الخانية" [3/ 487] حيث قال: "وإذا أكره الرجل امرأته بضرب متلف لتصالح من الصداق أو تبرئه كان إكراهًا لا يصح صلحها ولا إبراؤها في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، لأن عندهما يتحقق الإكراه من غير السلطان في أي مكان يقدر الظالم على تحقيق ما هدده به" والله أعلم).
كتاب السِّيَر
الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به فريق من الناس سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم جميع الناس بتركه، وقتال الكفار واجب وإن لم يبدأونا، ولا يجب الجهاد على صبي ولا عبد ولا امرأة ولا أعمى ولا مقعد ولا أقطع، وإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع، تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن المولى، وإذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا مدينة أو حصنًا دعوهم إلى الإسلام فإن أجابوهم كفوا عن قتالهم وإن امتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية فإن بذلوها فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، ولا يجوز أن يقاتل من لم تبلغه دعوة الإسلام إلا بعد أن يدعوه، ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة ولا يجب ذلك، فإن أبوا استعانوا بالله عليهم وحاربوهم ونصبوا عليهم المجانيق وحرقوهم وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم، ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر، وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم ويقصدون بالرمي الكفار، ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كان عسكرًا عظيمًا يؤمن عليه، ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها، ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها ولا العبد إلا بإذن سيده إلا أن يهجم العدو، وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يغلوا ولا يمثلوا ولا يقتلوا امرأة ولا صبيًّا ولا شيخًا فانيًا ولا أعمى ولا مقعدًا إلا أن يكون أحد هؤلاء ممّن له رأي في الحرب أو تكون المرأة ملكة، ولا يقتلوا مجنونًا.
وإن رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقًا منهم وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به، فإن صالحهم مدة ثم رأى أن نقض الصلح أنفع نبذ إليهم وقاتلهم، وإن بدأوا بخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم*، وإذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار. ولا بأس أن يعلف العسكر* في دار الحرب ويأكل ما
كتاب السِّيَر
قوله: (وإن بدأوا بالخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم)، قال الزاهدي: "معناه بدأوا بخيانة
(1)
باتفاقهم".
قوله: (ولا بأس بأن يعلف العسكر
…
الخ)، قال الزاهدي: "وهذا عند
(1)
في (جـ): "الخيانة".
وجدوه من الطعام ويستعملوا الحطب ويدهنوا بالدهن ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح كل ذلك بغير قسمة *، ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئًا ولا يتمولونه، ومن أسلم منهم أحرز بإسلامه نفسه وأولاده الصغار وكل مال هو في يده أو وديعة في يد مسلم أو ذمّي فإن ظهرنا على الدار فعقاره فيء وزوجته وحملها فيء وأولاده الكبار فيء، ولا ينبغي أن يباع السلاح من أهل الحرب ولا يجهز إليهم ولا يفادون بالأسرى عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يفادى بهم أسرى المسلمين*، ولا يجوز المنّ عليهم فإذا فتح الإمام بلدةً عنوة فهو بالخيار إن شاء قسمها بين الغانمين وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الخراج، وهو في الأسرى بالخيار إن شاء قتلهم وإن شاء استرقهم وإن شاء تركهم أحرارًا ذمة للمسلمين ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب، وإذا أرادوا العود ومعه مواش ولم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحوها وحرقوها ولا يعقروها ولا يتركوها، ولا تقسم غنائمهم في دار الحرب حتى يخرجوها إلى دار الإسلام، والردء والمقاتل في العسكر سواء، وإذا لحقهم مدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام يشاركوهم فيها، ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا.
وإذا آمن رجل حر أو امرأة حرة كافرًا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة صح أمانهم، ولا يجوز لأحد من المسلمين قتلهم إلا أن يكون في ذلك مفسدة فينبذ إليهم الإمام، ولا يجوز أمان ذمي أو أمان أسير ولا تاجر يدخل إليهم، ولا يجوز أمان العبد عند أبي حنيفة إلا أن يأذن له مولاه في القتال، وقال محمد: يصح أمانه*، وإذا غلب التُرك على الروم
الحاجة، وفي الإباحة بغير حاجة روايتان".
قوله: (ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح، كل ذلك بغير قسمة)، الزاهدي:"تأويله إذا احتاج إليه، بأن لا يكون له سلاح ثم يرده إلى المغنم إذا استغنى عنه، وكذا الثياب".
قوله: (ولا يفادي بالأسرى عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد يفادي بهم أسرى المسلمين)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، قال الزاهدي:"والمفاداة بالمال لا تجوز في ظاهر المذهب"
(1)
.
قوله: (ولا يصح أمان العبد عند أبي حنيفة إلا أن يأذن له مولاه في القتال، وقال أبو يوسف ومحمد: يصح أمانه)، قال الإمام جمال الإسلام:
(1)
وفي حاشية الأصل العبارة التالية: "المفاداة بالمال لا تجوز، لكن بأسرى المسلمين تجوز، تدبر". قلت: وقد عُلم أنه قول الصاحبين، وأن الإسبيجابي جعل الصحيح قول أبي حنيفة.
فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها وإذا غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك، وإذا غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدراهم ملكوها، وإن ظهر عليها المسلمون فوجدوها قبل القسمة فهي لهم بغير شيء وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا، وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى من ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام فمالكه الأول بالخيار إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه التاجر وإن شاء ترك، ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا وأحرارنا، ونملك عليهم جميع ذلك، وإذا أبق عبد لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة، وإن ندّ إليهم بعير فأخذوه ملكوه*، وإن لم يكن للإمام حمولة يحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم فيقسمها، ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة، ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في القسمة ومن مات منهم بعد إخراجها إلى دار الإسلام فنصيبه لورثته، ولا بأس بأن ينفل الإمام في حال القتال فيقول من قتل قتيلًا فله سلبه، أو يقول لسرية: قد جعلت لكم الربع بعد الخمس، ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام إلا من الخمس، وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة، والقاتل وغيره فيه سواء، والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه فإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها، ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة، ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها ويقسم الأربعة الأخماس بين الغانمين للفارس سهمان وللراجل سهم، وقال أبو يوسف ومحمد: للفارس ثلاثة أسهم* وللراجل سهم، ولا يسهم إلا لفرس واحد*، والبراذين والعتاق سواء، ولا سهم لراحلة
" وذكر الطحاوي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة، وصُحِّح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإذا أبق عبدٌ لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي أبي حنيفة
(1)
وإن ندّ بعير إليهم فأخذوه ملكوه)، قال في "زاد الفقهاء": "وقالا: لا يملكون العبد
(2)
أيضًا"، والصحيح قوله واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (للفارس سهمان وللراجل سهم، وقال أبو يوسف ومحمد: للفارس ثلاثة أسهم)، قال الإمام بهاء الدين في شرحه:"الصحيح قول أبي حنيفة"، واختاره الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ولا يسهم إلا لفرس واحد)، قال الإسبيجابي: "وقال أبو يوسف:
(1)
في النسخة العثمانية لمختصر القدوري زيادة: "وقالا: ملكوه" بعد قوله: (عند أبي حنيفة).
(2)
كذا في النسخ: (أ ب جـ). وذكر في نسخة (د): "وقالا لا يملكون البعير أيضًا"! ثم علق في الحاشية وقال: "العبد أيضًا، هكذا وجدت في المنقول منه".
ولا بغل، ومن دخل دار الحرب فارسًا فنفق فرسه استحق سهم فارس، ومن دخل راجلًا فاشترى فرسًا استحق سهم راجل، ولا سهم لمملوك ولا امرأة ولا ذمي ولا صبي ولكن يرضخ لهم على حسب ما يرى الإمام، وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ولا يدفع إلى أغنيائهم شيء، وأما ما ذكر الله سبحانه وتعالى في الخمس لنفسه فإنما هو لافتتاح الكلام تبركًا باسمه، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته كما سقط الصفي، وسهم ذوي القربي كانوا يستحقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالنصرة وبعده بالفقر، وإذا دخل الواحد أو الإثنان دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذوا شيئًا لم يخمس، فإذا دخل جماعة لها منعة فأخذوا شيئًا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام، وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرًا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ولا من دمائهم، فإن غدر بهم وأخذ شيئًا وخرج به ملكه ملكًا محظورًا ويؤمر أن يتصدق به، وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنًا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة ويقول له الإمام إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية، فإن أقام أخذ منه الجزية وصار ذميًا ولم يترك أن يرجع إلى دار الحرب، وإن عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمي أو دينًا في ذمتهم فقد صار دمه مباحًا بالعود، وما في دار الإسلام من ماله على خطر فإن أسر أو قتل سقطت ديونه وصارت الوديعة فيئًا.
وما أوجف عليه المسلمون من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف إلى مصالح المسلمين كما يصرف الخراج. وأرض العرب كلها أرض عُشر وهي ما بين العُذَيب إلى أقصى حجر باليمن بمَهْرة إلى حد الشام، والسواد أرض خراج وهي ما بين العذيب إلى عقبة حلوان ومن العلث إلى عبادان، وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم وتصرفهم فيها. وكل أرض أسلم أهلها عليها أو فتحت عنوة فقسمت بين الغانمين فهي عشرية، وكل أرض فتحت عنوة وأقر عليها أهلها فهي أرض خراج، ومن أحيا أرضا مواتًا فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها*، فإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية، والبصرة عنده عشرية بإجماع الصحابة، وقال محمد إن أحياها ببئر حفرها أو عين استخرجها أو ماء دجلة أو الفرات والأنهار العظام التي لا يملكها أحد فهي عشرية، وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك ونهر يزدجِرد فهي خراجية، والخراج الذي وضعه عمر رضي الله عنه على السواد من كل
يسهم لفرسين، والصحيح قولنا"
(1)
، وعليه مشى الأئمة المذكورن قبله.
قوله: (ومن أحيا أرضًا مواتا فهي عند أبي يوسف
(2)
معتبرة بحيزها)، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة.
(1)
في نسخة (د): "قولهما".
(2)
في نسخة (جـ): "فهي عند أبي حنيفة"، بدل:(أبي يوسف).
جريب يبلغها الماء قفيز هاشمي وهو الصاع ودرهم ومن الرطبة خمسة دراهم ومن الكرم المتصل والنخل المتصل عشرة دراهم وما سوى ذلك من الأصناف يوضع عليها بحسب الطاقة، فإن لم تطق ما يوضع عليها نقصهم الإمام، فإن غلب على أرض الخراج الماء أو انقطع عنها أو اصطلم الزرع آفة فلا خراج عليهم، وإن عطلها صاحبها فعليها الخراج، ومن أسلم أحد من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله، ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ويؤخذ منه الخراج، ولا عشر في الخارج من أرض الخراج.
والجزية على ضربين جزية توضع بالتراضي والصلح فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق، وجزية يبتدئ الإمام بوضعها إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعون درهمًا يأخذ منه في كل شهر أربعة دراهم، وعلى متوسط الحال أربعة وعشرون درهمًا في كل شهر درهمين، وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهمًا في كل شهر درهم، وتوضع الجزية على أهل "الكتاب" والمجوس وعبدة الأوثان من العجم، ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب ولا المرتدين، ولا جزية على امرأة ولا صبي ولا زمن ولا أعمى ولا فقير غير معتمل، ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، ومن أسلم وعليه جزية سقطت عنه، وإن اجتمع الحولان تداخلت الجزية*.
ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام، وإن انهدمت الكنائس والبيع القديمة أعادوها، ويؤخذ أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في زيهم ومراكبهم وسروجهم وملابسهم وقلانسهم، ولا يعملون بالسلاح، ولا يركبون الخيل، ومن امتنع من أداء الجزية أو قتل مسلمًا أو سب النبي صلى الله عليه وسلم أو زنى بمسلمة لم ينتقض عهده، ولا ينتقض عهده إلا أن يلحق بدار الحرب أو يغلبوا على موضع فيحاربونا.
وإذا ارتد المسلم عن الإسلام عرض الإسلام عليه فإن كانت له شبهة كشفت له، ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل، فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره له ذلك ولا شيء على القاتل، وأما المرأة إذا ارتدت فلا تقتل ولكن تحبس حتى تسلم، ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالًا مراعَى* فإن أسلم عادت إلى حالها، وإن مات أو قتل
قوله: (وإن اجتمع حولان تداخلت الجزية)، قال الإسبيجابي:"وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يتداخلان، وهو قول الشافعي، والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف"، وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
وفي "الحقائق": وقت وجوب الجزية آخر الحول كما في الزكاة في حق المسلمين وهو الأصح لا أول الحول، (من "المبسوط").
قوله: (ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالًا مراعًى .. الخ)، قال
على ردته انتقل ما اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته من المسلمين وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئًا*، وإن لحق بدار الحرب مرتدًا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين، وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام، وما لزمه من الديون في حال ردته مما اكتسبه في حال ردته، وما باعه أو اشتراه أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته موقوف، فإن أسلم صحت عقوده وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت، فإذا عاد المرتد إلى دار الإسلام مسلمًا فما وجد في يد ورثته من ماله بعينه أخذه، والمرتدة إذا تصرفت في مالها في حال ردتها جاز تصرفها، ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة، ويؤخذ من نسائهم ولا يؤخذ من صبيانهم، وما جباه الإمام من الخراج من أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزيةُ تصرف في مصالح المسلمين فيسد منه الثغور ويبنى القناطر والجسور، ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم وعلماؤهم منه ما يكفيهم ويدفع منه أرزاق المقاتلة وذراريهم.
الإمام جمال الإسلام: "وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزول ملكه، إلا أن أبا يوسف جعل تصرفه بمنزلة تصرف من عليه القصاص، ومحمد جعله بمنزلة المريض، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما
(1)
.
قوله: (وكان ما اكتسبه في حال ردّته فَيئًا)، الزاهدي:"وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: كلاهما لورثته"
(2)
، واختار قولَ الإمامِ البرهانيُّ والنسفي وصدر الشريعة وغيرُهم.
(1)
في (جـ): "وصدر الشريعة وغيرهم".
(2)
وانظر "الهداية" 2/ 458.
كتاب البُغَاة
وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عن طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة، وكشف عن شبهتهم، ولا يبدؤهم بقتال حتى يبدأوه فإن بدأوا قاتلهم حتى يفرق جمعهم، فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم وإن لم يكن لهم فئة لم يجهز على جريحهم ولم يتبع موليهم ولم تسب لهم ذرية ولا يغنم لهم مال، ولا بأس أن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه، ويحبس الإمام أموالهم ولا يردها عليهم ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم، وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانيًا، وإن كانوا صرفوه في حقه أجزأ من أخذ منه، وإن لم يكونوا صرفوه في حقه أفتي أهله فيما بينهم وبين الله تعالى أن يعيدوا ذلك.
....
كتاب الحَظر والإباحة
لا يحل للرجل لبس الحرير ويحل للنساء، ولا بأس بتوسده* عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد يكره توسده، ولا بأس بلبس الديباج في الحرب عندهما، ويكره عند أبي حنيفة*، ولا بأس بلبس المُلحم إذا كان سداه إبريسمًا ولحمته قطنًا أو خزًا، ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب ولا بالفضة إلا الخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة، ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة، ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير، ولا يجوز الأكل والشرب والادهان والتطيب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والبلور والعقيق، ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة
كتاب الحظر والإباحة
قال في "التجنيس": "المكروه إلى الحرام أقرب، هو المختار"
(1)
..
قوله: (ولا بأس بتوسده)، "الهداية"
(2)
: "والنوم عليه عند أبي حنيفة، وقالا: يكره، وفي "الجامع الصغير" ذكر قول محمد وحده ولم يذكر قول أبي يوسف
(3)
، وإنما ذكره القدوري وغيره من المشايخ، وكذا الخلاف في ستر الحرير وتعليقه
(4)
على الأبواب"، واختار قول الإمام الإمامُ البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ولا بأس بلبس الديباج في الحرب عندهما، وبكره عند أبي حنيفة)، واعتمد قوله المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ويجوز الشرب في الإناء المفضّض عند أبي حنيفة، والركوب على
(1)
وفي "الهداية" 4/ 360: "تكلموا في معنى المكروه، والمروي عن محمد رحمه الله نصًا: أن كل مكروه حرامٌ إلا أنه لما لم يجد فيه نصًا قاطعًا لم يطلِق عليه لفظ الحرام، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أنه إلى الحرام أقرب".
قلت: وهو المكروه تحريمًا في اصطلاح الأصوليين. قال صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المحبوبي في تنقيحه: "والمكروه نوعان: مكروه كراهة تنزيه وهو إلى الحل أقرب، ومكروه كراهة تحريم وهو إلى الحرمة أقرب"(شرح التلويح على التوضيح 2/ 125، 126).
(2)
4/ 363.
(3)
انظر "الجامع الصغير"، كتاب الكراهية ص 477.
(4)
المثبت من نسخة (بر) و"الهداية"، وفي الأصل و (د):"وتعلقه".
والركوب على السرج والجلوس على السرير المفضض*، ويكره التعشير في المصحف والنقط، ولا بأس بتحلية المصحف ونقش المسجد وزخرفته بالذهب، ويكره استخدام الخصيان، ولا بأس بإخصاء البهائم وإنزاء الحمير على الخيل، ويجوز أن يقبل في الهدية والإذن قول العبد والصبي، ويقبل في المعاملات قول الفاسق، ولا يقبل في أخبار الديانات إلا قول العدل.
ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى امرأة أجنبية إلا إلى وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لم ينظر في وجهها إلا لحاجة، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها، وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا ما بين سرته إلى ركبتيه، ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه، وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل، وينظر الرجل من امرأته وأمته التي تحل له إلى فرجها، وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها، ولا بأس أن يمس ما جاز له أن ينظر إليه منها، وينظر
السرج المفضض والجلوس على السرير المفضض)، إذا كان يتّقي مواضع الفضة
(1)
، قال في "الهداية"
(2)
معناه يتقي موضع الفم، وقيل هذا وموضع اليد في الأخذ، وفي السرير والسرج موضع الجلوس، وقال أبو يوسف: يكره ذلك، وقول محمد يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف، وعلى هذا الاختلاف الإناء المضبّب بالذهب والفضة، والكرسي المضبب بهما، وكذا إذا جعل ذلك في السيف والمشْحَذ
(3)
، وحلقة المرآة، أو جعل المصحف مذهبًا أو مفضضًا، وكذا الاختلاف في اللجام والركاب والثَّفَر
(4)
إذا كان مفضضًا، وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا، وهذا الاختلاف فيما يخلص، فأما التمويه
(5)
الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع"، واختار قول الإمام
(1)
قوله: (إذا كان يتقي مواضع الفضة) الظاهر مِنَ السياق أنه من كلام القدوري، ولم أجده في النسخ المطبوعة لمختصر القدوري ولا في النسخة المخطوطة المعتمدة في التحقيق، وذكر هذا القول الشيخ الغنيميُّ في "اللباب" 4/ 159 وعزاه إلى "الهداية".
(2)
4/ 360، 361.
(3)
كذا في "الهداية"، وفي (أ، ب، ج، د): "المسجد" تصحيف. والمشحذ هو المِسَنّ. (القاموس المحيط ص 427).
(4)
اللِّجام للدابّة، والرِّكاب من السَّرْج كالغرْز من الرَّحل، وثَفَر الدابّة: قال ابن سيده: هو السير الذي في مؤخر السّرْج. (تاج العروس 2/ 524، 10/ 326، والقاموس ص 1493).
(5)
في (د): "الممتموّه"، يريد:(المتموه).
الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز أن ينظر إلى ذوات محارمه، ولا بأس أن يمس ذلك إذا أراد الشراء وإن خاف أن يشتهي، والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل، ولا يجوز للمملوك أن ينظر إلى سيدته إلا ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها، ويعزل عن أمته بغير إذنها ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها.
ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا كان في بلد يضر الاحتكار بأهله*، ومن احتكر غلة ضيعته أو ما جلبه من بلد آخر فلبس بمحتكر*، ولا ينبغي للسلطان أن يسعّر على الناس، ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة، ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم منه أنه يتخذه خمرًا.
الأئمة المصحّحون، المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم، إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله)، "الهداية"
(1)
: "تخصيص الاحتكار بالأقوات كالحنطة والشعير والتِّبْن والقَتِّ
(2)
في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: كل ما أضّر بالعامّة حبسُه فهو احتكار، وإن كان ذهبًا أو فضة أو ثوبًا، وعن محمد أنه قال: الاحتكار
(3)
في الثياب"، واختار قول الإمامِ الإمامُ البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (ومن احتكر غلة ضيعته، أو ما جلبه من بلد آخر فليس بمحتكر)، قال في "الهداية"
(4)
"
…
أما الثاني فالمذكور قول أبي حنيفة .. وقال أبو يوسف: يكره .. وقال محمد: كل ما يجلب منه إلى المصر في الغالب فهو بمنزلة فناء المصر، يحرم الاحتكار فيه"، وعلى قول أبي حنيفة مشى الأئمة المصحّحون، كما ذكره المصنف.
(1)
4/ 377.
(2)
في (جـ): "القنا" تحريف.
والقت: الإسْفِسْت بالكسر، وهي الفِصْفِصَه أي الرَّطْبَة من علف الدّواب، كذا في النهاية، أو يابسُه، وبه صدّر الفيُّومي. (تاج العروس 5/ 37).
(3)
كذا في النسخ المخطوطة (أ، ب، جـ، د)، وفي "الهداية":"وعن محمد أنه قال: لا احتكار في الثياب" ولعله الصواب، والله تعالى أعلم. وانظر "فتح القدير" لابن الهمام 10/ 58 (دار الفكر).
(4)
4/ 377.
كتاب الوصايَا
الوصية غير واجبة وهي مستحبة *، ولا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة، ولا تجوز الوصية فيما زاد على الثلث ولا للقاتل*، ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم وقبول الوصية بعد الموت فإن قبلها الموصى له في حال الحياة أو ردها فذلك باطل، ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث، وإذا أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه فليس برد وإن ردها في وجهه فهو رد، والموصى به يُملك بالقبول إلا في مسألة واحدة وهو أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول فيدخل الموصى به في ملك ورثته، ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من الوصية ونصب غيرهم*، ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية*، ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره، ومن
كتَابُ الوَصَايا
قوله: (وهي مستحبة)، "الينابيع":"قيل إنها واجبة على العموم، وقيل واجبة للوالدين والأقربين، والصحيح مندوبة وليست بواجبة".
قوله: (ولا للقاتل)، قال في "الهداية"
(1)
: "ولو أجازها الورثة جاز عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: "لا تجوز"، وعلى قولهما مشى الأئمة كما هو الرسم.
قوله: (ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهُ القاضي من الوصية ونصب غيرهم)
(2)
، قال الإسبيجابي:"إطلاق هذا اللفظ يقتضي جواز الوصية، وذكر الشيخ أبو الحسن أنها باطلة، فيحتمل أن معنى ذلك أن للقاضي أن يبطلها، ويحتمل أنها باطلةٌ حقيقةً، والأول أصح".
قوله: (ومن أوصى إلى عبد نفسه، وفي الورثة كبار، لم تصح الوصية)، فلو كان الكل صغارًا جاز عند أبي حنيفة، ولا يجوز عندهما، وقيل قول محمد مضطرب
(3)
، وعلى قول الإمام اعتمد الأئمة الأعلام.
(1)
4/ 515.
(2)
في (جـ): "غيره".
(3)
انظر "الهداية" 4/ 538.
أوصى إلى اثنين لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد دون صاحبه إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه وطعام الصغار وكسوتهم وردّ وديعة بعينها أو قضاء الدين وتنفيذ وصية بعينها أو عتق عبد بعينه والخصومة في حقوق الميت*، وقال أبو يوسف يجوز لكل واحد منهما ما صنع، ومن أوصى لرجل بثلث ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفان، فإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثًا، وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة عند أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان، وكان أبو حنيفة لا يضرب للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة*، ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية إلا أن يبرئ الغرماء من الدين، ومن أوصى بنصيب ابنه لم يجز، وإن أوصى بمثل نصيب ابنه جاز، فإن كان له ابنان فللموصى له الثلث، ومن أعتق عبدًا في مرضه أو باع وحابى أو وهب فذلك كله وصية تعتبر من الثلث ويضرب به مع أصحاب الوصايا، فإن حابى ثم أعتق فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة، وإن أعتق ثم حابى فهما سواء، وقال أبو يوسف ومحمد العتق أولى في المسألتين*، ومن أوصى بسهم من
قوله: (ومن أوصى إلى اثنين لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد دون صاحبه إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه وطعام الصغار وكسوتهم وردّ وديعة بعينها وقضاء الدين وننفيذ وصية بعينها وعتق عبد بعينه والخصومة في حقوق الميت)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف يجوز لكل واحد منهما ما صنع، والصحيح قولهما"، واعتمده الأئمة المصحّحون كما هو الرسم.
قوله: (وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله فلم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عند أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان، لا يضرب عند أبي حنيفة
(1)
للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة)، قال الإمام جمال الإسلام:"والصحيح قول أبي حنيفة" واعتمده الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما.
قوله: (فإن حابى ثم أعتق فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة، وإن أعتق ثم حابى فهما سواء، وقال أبو يوسف ومحمد العتق أولى في المسألتين)، واختار قول الإمام: الإمامُ البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ومن أوصى بسهم من ماله فله أخسّ سهام الورثة إلا أن ينقص من
(1)
في (جـ): "ولا يضرب أبو حنيفة .. " وهو كذلك في بعض النسخ المطبوعة لمختصر القدوري.
ماله فله أخس سهام الورثة إلا أن ينقص من السدس فيتم له السدس*، ومن أوصى بجزء من ماله قيل للورثة أعطوه ما شئتم.
ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض منهما، قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات، وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي، ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلًا من بلده يحج راكبًا، فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ، ومن خرج من بلده حاجًا فمات في الطريق فأوصى أن يحج عنه حج عنه من بلده عند أبي حنيفة*، ولا تصح وصية الصبي والمكاتب وإن ترك وفاء. ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية فإذا صرح بالرجوع أو قال أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعًا، ومن جحد الوصية لم يكن رجوعًا*، ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة*، ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته، ومن أوصى لأختانه فالختن زوج كل ذات رحم محرم منه، ومن أوصى لأقربائه
السدس فله السدس)، قال الإسبيجابي:"وقال أبو يوسف ومحمد: له أقل سهام الورثة إلا أن يكون أكثر من الثلث فله الثلث، والصحيح قول أبي حنيفة" وعليه مشى الأئمة المصحّحون.
قوله: (ومن خرج من بلده حاجًا فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه، حج عنه من بلده عند أبي حنيفة)، قال الإمام جمال الإسلام:"وقالا: يُحّج من حيث بلغ، وعلى هذا إذا مالت الحاج عن غيره في الطريق حج عن الميت من بلده عنده، والصحيح قوله"، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ومن جحد الوصية لم يكن رجوعًا)، قال في "الهداية": "كذا ذكره محمد، وقال أبو يوسف: يكون رجوعًا، ورَجَّح وجه قول محمد
(1)
، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة)، قال الإسبيجابي:"وقال محمد بن الحسن: أستحسنُ أن يكون كل من صلى بجماعته، وهو قول أبي يوسف، وقال الشافعي: الجوار إلى أربعين دارًا، والصحيح قول أبي حنيفة"، وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم.
قوله: (ومن أوصى لأقربائه فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم
(1)
انظر "الهداية": 4/ 518.
فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه لا يدخل فيهم الوالدان والولد ويكون للإثنين فصاعدًا، وإذا أوصى بذلك وله عمّان وخالان فالوصية لعميه عند أبي حنيفة، وإن كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف، وقال أبو يوسف ومحمد: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام*، ومن أوصى لرجل بثلث دراهمه أو ثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي، وإن أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وبخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب*، ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مالٌ عين ودين فإن خرج الألف من ثلث العين دفعت إلى الموصى له وإن لم تخرج دفع إليه ثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف، وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر من يوم الوصية، وإن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء، ومن أوصى لرجل بجارية فولدت ولذا بعد موت الموصي قبل أن يقبل الموصى له ثم قبل وهما يخرجان من الثلث فهما للموصى له وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعًا في قول أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة يأخذ ذلك من الأم فإن فضل شيء أخذه من الولد*، وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين
محرم، لا يدخل فيهم الوالدان والولد وتكون للاثنين فصاعدًا، وإذا أوصى بذلك وله عمان وخالان فالوصية لعميه عند أبي حنيفة، فإن كان له عم وخال فللعم النصف وللخال النصف، وقال أبو يوسف ومحمد: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام)، قال في "زاد الفقهاء" والزاهدي:"الصحيح قول أبي حنيفة" وعليه اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما.
قوله: (وإن أوصى له بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب)، "الهداية"
(1)
: "قالوا هذا إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم".
قوله: (ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدًا قبل أن يقبل الموصى له، ثم قبل وهما يخرجان من الثلث، فهما للموصى له، وإن لم يخرجا من الثلث، ضرب بالثلث وأخذ ما يخصّه منهما جميعًا عند أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يأخذ ذلك من الأم فإن فضل شيء أخذه من الولد)، واختاره البرهاني والنسفي وغيرهما.
(1)
4/ 512.
معلومة ويجوز ذلك أبدًا فإن خرجت رقبة العبد من الثلث سلم إليه ليخدمه وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى له يومًا فإن مات الموصى له عاد إلى الورثة، وإذا مات الموصى له في حال حياة الموصي بطلت الوصية، فإذا أوصى لولد فلان فالوصية بينهم للذكر والأنثى فيها سواء، وإن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد*، وإن قال ثلث مالي بين عمرو وزيد وزيدٌ ميت كان لعمرو نصف الثلث، ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له ثم اكتسب مالًا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت.
قوله: (ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت، فالثلث كله لزيد)، وعن أبي يوسف: إذا لم يعلم بموته فله نصف الثلث، وعلى الظاهر مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما.
كتاب الفرائض
المجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل، والأب والجد أبُ الأب وإن علا، والأخ وابن الأخ وإن نزل، والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة، ومن الإناث سبعة: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة، ولا يرث أربعة بحال: المملوك والقاتل عمدًا أو خطأً من المقتول والمرتد وأهل الملتين، والفروض المذكورة في كتاب الله تعالى ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، فالنصف فرض خمسة: البنت وبنت الابن إذا لم يكن للميت بنت الصلب، والأخت من الأب والأم والأخت لأب إذا لم تكن أخت لأب وأم، والزوج إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والربع فرض الزوج مع الولد وولد الابن، وللزوجات الربع إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والثمن للزوجات مع الولد وولد الابن، والثلثان لكل اثنين فصاعدًا ممن فرضه النصف إلا الزوج، والثلث للأم إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدًا، ويفرض لها في المسألتين ثلث ما بقي وهما زوج وأبوان أو امرأة وأبوان بعد فرض الزوج أو الزوجة، وهو لكل اثنين فصاعدًا من ولد الأم ذكورهم وإناثهم فيه سواء، والسدس فرض سبعة: لكل واحد من الأبوين مع الولد أو ولد الابن، وهو للأم مع الإخوة وهو للجدات والجد مع الولد ولبنات الابن مع البنت، وللأخوات للأب مع الأخت للأب والأم، والواحد من ولد الأم.
وتسقط الجدات بالأم والجد والإخوة والأخوات بالأب، ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد وولد الابن والأب والجد، وإذا استكملت البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن يكون بإزائهن أو أسفل منهن ابن ابني فيعصبهن، وإذا استكملت الأخوات للأب والأم الثلثين سقط الأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخ فيعصبهن.
وأقرب العصبات إلى الميت البنون ثم بنوهم ثم الأب ثم الجد ثم بنو الأب وهم الإخوة ثم بنو الجد وهم الأعمام ثم بنو أب الجد، وإذا استوى بنو أب في درجة فأولاهم من كان لأب وأم، والابن وابن الابن والإخوة يقاسمون أخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ومن عداهم من العصبات ينفرد بالميراث ذكورهم دون أخواتهم، وإذا لم يكن عصبة من النسب والعصبة المولى المعتق ثم أقرب عصبة المولى.
وتحجب الأم من الثلث إلى السدس بأخوين والفاضل عن فرض البنات لبني الابن وأخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والفاضل من فرض الأختين من الأب والأم للإخوة
....................
والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا ترك بنتا وبنات ابن وبني ابن فللبنت النصف والباقي لبني الابن وأخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الفاضل من فرض الأخت للأب والأم لبني الأب وبنات الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، ومن ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فللأخ من الأم السدس والباقي بينهما، المشتركة أن تترك المرأة زوجًا وأما أو جدة وإخوة لأم وأخًا لأب وأم فللزوج النصف وللأم السدس ولولد الأم الثلث ولا شيء للإخوة للأب والأم.
والفاضل عن فرض ذوي السهام إذا لم يكن عصبة مردود عليهم بقدر سهامهم إلا على الزوجين. ولا يرث القاتل من المقتول، والكفر كله ملة واحدة يتوارث به أهله، ولا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم، ومال المرتد لورثته من المسلمين وما اكتسبه في حال ردته فيء، وإذا غرق جماعة أو سقط عليهم حائط فلم يعلم من مات منهم أولا فمال كل واحد منهم للأحياء من ورثته، وإذا اجتمع في المجوسي قرابتان لو تفرقتا في شخصين ورث أحدهما من الآخر ورث بهما، ولا يرث المجوسي بالأنكحة الفاسدة التي يستحلونها في دينهم، وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما*. ومن مات وترك حملا وولدًا وقف ماله حتى تضع امرأته حملها في قول أبي حنيفة*،
كتاب الفرائض
قوله: (وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما)، قال الزاهدي:"قلت: معناه - والله أعلم - أن الأم ليست بعصبة له ولا عصبة الأم، كما ذهب إليه ابن مسعود، وإنما عصبته مولى الأم إذا كان لها مولى".
قلت: قال في "الجواهر": "قوله لموالي أمهما، إن كانت الملاعنةُ حرةَ الأصل يكون الميراث لمواليهما
(1)
وهو إخوتها وسائر عصبة أمهما، وإن كانت مُعتَقَة يكون الميراث لمعقتها ونحو ابن المعتق وأخوه وأبوه" فقوله لمواليها يتناول المعتق وغير المعتق، وهو عصبة أمهما.
قوله: (ومن مات وترك حملًا وولدًا وقف ماله حتى تضع امرأته في قول أبي حنيفة)، فإن طلب الورثة حقوقهم دفع إليهم المتيقّن، ويوقف ميراث أربع بنين في رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة، وقال محمد ميراث ابنين، وقال أبو يوسف: ميراث واحد، قال الزاهدي والإسبيجابي وصاحب "الحقائق" وصاحب "المحيط" وقاضي خان:"وعليه الفتوى"، وقال الخاصي:
(1)
كأنّ العبارة في نسخة (جـ): "لموالي أمه"
…
ثم فيها: "عصبه أمها" في الموضعين الآتيين.
والجد أولى بالميراث من الأخوة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد يقاسمهم إلا أن تنقصه المقاسمة من الثلث*، وإذا اجتمع الجدات فالسدس لأقربهن، ويحجب الجد أمه* ولا ترث أم أبِ الأم بسهم وكل جدة تحجب أمها.
وإذا لم يكن للميت عصبة ولا ذو سهم ورثه ذووا أرحامه وهم عشرة: ولد البنت وولد الأخت وابنة الأخ وابنة العم والخال والخالة وأب الأم والعم للأم والعمة وولد الأخ من الأم، ومن أدلى بهم وأولاهم من كان من ولد الميت ثم ولد الأبوين أو أحدهما وهم بنات الإخوة وولد الأخوات ثم ولد أبوي أبويه أو أحدهما وهم الأخوال والخالات والعمات*، وإذا استوى وارثان في درجة فأولاهم من أدلى بوارث وأقربهم أولى من
هو مختار الصدر الشهيد، وبه أفتى فخر الدين، وهو المختار".
قوله: (والجد أولى بالميراث من الإخوة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يقاسمهم إلا أن تنقصه المقاسمة من الثلث)، قال الإسبيجابي:"الصحيح قول أبي حنيفة"، وقال في "الحقائق" عن "فرائض
(1)
السراجي": "وبه يفتى"، وقال في "المحيط": "قال أبو بكر وأكثر الصحابة: الجدّ بمنزلة الأب، وبه أخذ أبو حنيفة، والفتوى على قول أبي بكر الصديق [رضي الله عنه].
قوله: (إلا أن تنقصه المقاسمة من الثلث)، هذا مخصوص بما إذا لم يكن معهم صاحب فرض على ما عرف.
قوله: (ويحجب الجد أمه)، أي: أم نفسه، وفي بعض النسخ:(ولا يحجب الجد أمه)، وتأويله: أم الأب.
قوله: (وأولاهم من كان من ولد الميت ثم ولد الأبوين أو أحدهما وهم بنات الأخوة وولد الأخوات ثم ولد أبوي أبويه أو أحدهم وهم الأخوال والخالات والعمات)، قال الزاهدي:"قلت: وقد ذكر في كثير من نسخ "المختصر"، ومن الشروح، أن أولاهم ولد البنت ثم ولد الأبوين أو أحدهما"، وذكر في زاد الفقهاء:"أولاهم ولد البنت ثم الجد الفاسد ثم ولد الأبوين أو أحدهما وهو الصحيح، لأن الجد الفاسد مقدم على ولد الأبوين بالإجماع بين أصحابنا"، وقد نص عليه بعده.
(1)
في الأصل و (جـ): "الفرائض السراجي" وفي (د): "الفرائض السرخسي" والمثبت من (ب).
و"فرائض السراجي"، أو فرائض السجاوندي، تأليف الإمام سراج الدين محمد بن محمود بن عبد الرشيد السجاوندي رحمه الله. وهي مقبولة متداولة ولها شروح، وللمؤلف - ابن قطلوبغا - تخريج لأحاديثها. ("كشف الظنون" 2/ 1247، 1250، وانظر المقدمة ص 58 رقم 58).
أبعدهم، وأب الأم أولى من ولد الأخ والأخت*، والمعتق أولى بالفاضل عن سهم ذوي السهام إذا لم يكن عصبة سواه، ومولى الموالاة يرث، وإذا ترك المعتق أب مولاه وابن مولاه فماله للابن، وقال أبو يوسف للأب السدس والباقي للابن*، وإذا ترك جد مولاه وأخ مولاه فالمال للجد في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد هو بينهما*، ولا يباع الولاء ولا يوهب.
قوله: (وأب الأم أولى من بنت الأخ)، قال الإسبيجابي والزاهدي:" [و] هذا مذهب أبي حنيفة، وقالا: ولد الأخ والأخت أولى"، ورجحا دليل أبي حنيفة، واختاره النسفي وغيره.
قال الإسبيجابي والزاهدي: "واختلفت الروايات عن أبي حنيفة في أبِ أمٍّ وبنت بنت، فروى محمد عنه: أن أب الأم أولى، وروى أبو يوسف والحَسن عنه: أن بنت البنت أولى، وهو المشهور".
قلت: قال في "التتمة": "قال شيخ الإسلام: رواية محمد عن أبي حنيفة هي الرواية المشهورة، وقال بعض مشايخنا: رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة ظاهر مذهب أبي حنيفة، وكان أبو عبد الله الفرائضي يقول: ما روى محمد عن أبي حنيفة قولهُ الأول، وما روى أبو يوسف قوله الآخر".
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط": "وفي ظاهر الروايات ذُكر أن أولاد البنات يقدمون على الجد - أب الأم - هو قول صاحبيه"، قال الإمام أبو المفاخر الزَّوزني في "شرح المنظومة":"الأصح من قول أبي حنيفة أن أولاد البنات أولى من الجد الفاسد، ثم هو أولى من أولاد الأخوات".
قوله: (وإذا ترك المعتق أب مولاه وابن مولاه فماله للابن، وقال أبو يوسف للأب السدس والباقي للابن)، قال الإسبيجابي:" [و] الصحيح قولنا".
قوله: (وإن ترك جد مولاه وأخ مولاه، فالمال للجد في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: هو بينهما)، قال الإسبيجابي والزاهدي:"هذا بناء على اختلافهم في الميراث وقد مرّ".
قلت: وقد مر
(1)
أن الفتوى على قول الإمام [أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه، وأسكنه في دار السلام آمين]
(2)
.
(1)
ص 472.
(2)
زيادة من نسخة (د)، وليس فيها ما أثبت بعدها، بل ما سيأتي في الصفحة التالية تعليق رقم 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والحمد للّه على التمام
(1)
، وصلى الله على سيدنا محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام.
حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل
(2)
(1)
في (جـ): "الختام".
(2)
وختم ناسخ الأصل بقوله: "نجز تعليقه على يد فقير عفو الله تعالى محمد بن محمد بن عمران الحنفي، في ليلة يسفر صباحها عن ثالث عشر من ربيع الآخر سنة 866 أحسن الله تعالى عاقبتها، آمين". ثم أجازَهُ المصنف وكتب بخطه:
"الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: فقد قرأ عليّ هذا الكتاب المسمى بالتصحيح والترجيح من تأليفي الشيخُ الفاضل والمحصل الكامل عين الأماثل من الأعيان الأفاضل أبو الخير محمد زين الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن عمران الحنفي الفقيه المقرئ، قراءة إتقان لمبانيه وإيقان لمعانيه، فحقّق وأجاد وعن صواب الصواب فما حاد، فاستحق أن بجاز بتحقيق ما روى وما استفاد، فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجزته بذلك وبجميع ما تجوز لي روايته، بتاريخ جمادى الأولى من سنة ست وستين وثمان مئة.
قاله وكتبه: قاسم الحنفي، حامدًا ومصليًا ومسلمًا
وفي آخر نسخة (ب): "نجز تعليقه على يد فقير عفو الله تعالى محمد بن عبد الله الحموي غفر الله له، في يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر شعبان المبارك من شهور سنة ألف ومئة وواحد وعشرين، من نسخة عليها خط المصنف رحمه الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
وفي آخر نسخة (جـ) بعد قوله: (وعلى آله وصحبه الكرام): "نجز هذا الكتاب على يد كاتبه الراجي عفو ربّه الغني محمد بن عبد الله الحنفي، تحريرًا في سابع عشر، شهر رمضان، سنة 978 أحسن الله ختامه بمحمد وآله، آمين".
وفي آخر نسخة (د): "وكان الفراغ من هذه النسخة الشريفة يوم الأحد بعد العصر في أواخر شهر جمادى الآخر في مكة المشرفة، شرفها الله تعالى إلى يوم الدين، سنة ست وثمانين وتسع مئة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. حرّره أفقر الورى جعفر بن عبد القادر الرومي الحنفي، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حساب الفرائض
إذا كان في المسألة نصف ونصف، أو نصف وما بقي، فأصلها من اثنين، وإذا كانت فيها ثلث وما بقي أو ثلثان فأصلها من ثلاثة، وإذا كانت ربع وما بقي أو ربع ونصف فأطها من أربعة، وإذا كانت ثمنًا وما بقي أو ثمنا ونصفًا وما بقي فأصلها من ثمانية، وإذا كانت نصفًا وثلثًا أو سدسًا فأصلها من ستة وتعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة، وإذا كان مع الربع ثلث أو سدس فأصلها من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، فإذا كان مع الثمن ثلثان أو سدس فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين، وإذا انقسمت المسألة على الورثة فقد صحت، فإن لم تنقسم سهام فريق عليهم فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما خرج صحت منه المسألة، كامرأة وأخوين، للمرأة الربع سهمٌ وللأخوين ما بقي ثلاثة أسهم لا تنقسم عليهما فاضرب اثنين في أصل المسألة فتكون ثمانية ومنها يصح، فإن وافق سهامهم عددهم فاضرب وفق عددهم في أصل المسألة كامرأة وستة إخوة، للمرأة الربع سهم وللإخوة ثلاثة، فاضرب ثلث عددهم في أصل المسألة تكون ثمانية ومنها تصح، وإن لم ينقسم سهام فريقين أو أكثر فاضرب أحد الفريقين في الآخر ثم ما اجتمع في الفريق الثالث ثم ما اجتمع في أصل المسألة، فإن تساوى الأعداد أجزأ أحدهم عن الآخر كامرأتين وأخوين فاضرب اثنين في أصل المسألة فإن كان أحد العددين جزءًا من الآخر أغنى الأكثر عن الأقل كأربع نسوة وأخوين إذا ضربت الأربعة أجزأك عن الآخرين فإن وافق أحد العددين الآخر ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر، ثم ما اجتمع في أصل المسألة كأربع نسوة وأخت وستة أعمام فالستة توافق الأربعة بالأنصاف، فاضرب نصف أحدهما في جميع الآخر ثم في أصل المسألة تكون ثمانية وأربعين ومنها تصح المسألة، وإذا صحت المسألة فاضرب سهام كل وارث في التركة ثم اقسم ما اجتمع على ما صحت منه الفريضة يخرج حق ذلك الوارث، وإذا لم تقسم التركة حتى مات أحد الورثة فإن كان ما يصيبه من الميت الأول ينقسم على عدد ورثته فقد صحت المسألتان مما صحت الأولى، وإن لم ينقسم صححت الفريضة الميت الثاني بالطريقة التي ذكرناها، ثم ضربت إحدى المسألتين في الأخرى إن لم يكن بين سهام الميت الثاني وما صحت منه الفريضة موافقة فإن كان بينهما موافقة فاضرب وفق المسألة الثانية في الأولى فما اجتمع صحت منه المسألتان،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكل من كان له من المسألة الأولى شيء مضروب في وفق ما صحت منه المسألة الثانية، ومن كان له من المسألة الثانية شيء مضروب في وفق تركة الميت الثاني، وإذا صحت مسألة المناسخة وأردت معرفة ما يصيب كل واحد من حبات الدرهم قسمت ما صحت منه المسألة على ثمانية وأربعين فما خرج أخذت له من سهام كل وارث حبّة (1).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال ناسخ المختصر: "تم الكتاب بحمد الله تعالى، والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وسرًا وعلانية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا. رابع شهر المحرم سنة ثمان وعشرين وثمان مئة.
حسبنا الله ونعم الوكيل"
قال محقق "التصحيح والترجيح": "وكان الفراغ من الاعتناء بهذه الطبعة المباركة، في 18 محرم سنة 1423 هـ/ 1 نيسان 2002 م، أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني هذا الجهد، وأن ينفع به قارئيه، ورجائي منهم دعوة صالحة. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
ثبت المصادر والراجع المعتمدة في التحقيق
- الآثار للإمام محمد بن الحسن الشيباني (- 189 هـ)، تحقيق الأستاذ أبو الوفاء الأفغاني، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت د. ت.
- أبو حنيفة، حياته وعصره، آراؤه وفقهه، تأليف محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، ط 2، سنة 1366 هـ / 1947 م.
- أبو حنيفة النعمان، إمام الأئمة الفقهاء، تأليف وهبي سليمان غاوجي، دار القلم، دمشق، ط 5، سنة 1413 هـ / 1993 م.
- الأحكام في أصول الأحكام، للإمام علي بن محمد الآمدي، اعتناء عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1402 هـ.
- الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، للإمام القرافي، (684 هـ)، اعتناء عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 2، سنة 1416 هـ.
- اختلاف العلماء للطحاوي= مختصر اختلاف العلماء، للرازي.
- الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمود الموصلي، تعليقات محمد أبو دقيقة، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت [1 - 5].
- أدب المفتي، للإمام تقي الدين بن الصلاح (- 643 هـ) تحقيق. د. موفق عبد القادر، عالم الكتب، ومكتبة العلوم والحكم، بيروت، سنة 1407 هـ / 1986 م.
- إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين، تأليف باب بن سيدي الشنقيطي، (- 1342 هـ) تحقيق الطيب بن عمر الجكني، دار ابن حزم، بيروت، سنة 1418 هـ، 1997 م.
- الأصل للإمام محمد بن الحسن الشيباني، (- 189 هـ) اعتناء أبي الوفاء الأفغاني، عالم الكتب، بيروت، سنة 1410 هـ/ 1990 م.
- أصول السرخسي، للإمام أبي بكر السرخسي (- 490 هـ)، اعتناء أبي الوفاء الأفغاني، طبعة لجنة إحياء المعارف النعمانية، الهند، د. ت. تصوير دار الكتب العلمية، ودار المعرفة ببيروت [1 - 2].
- أصول الفقه الإسلامي، تأليف د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، سنة 1416 هـ[1 - 2].
- إعلاء السنن، تأليف العلامة ظفر أحمد العثماني التهانوي، منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان، ط 3، سنة 1415، [1 - 22].
- الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، تأليف خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 11، سنة 1995، [1 - 8].
- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل أهل التاريخ، تأليف الإمام شمس الدين السخاوي (- 902 هـ)، تحقيق فرانز روزنثال، ترجمة د. صالح أحمد العلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1407 هـ.
- إغاثة الأمة بكشف الغمة، تأليف الإمام تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (- 845 هـ) مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، سنة 1359 هـ، 1940 م.
- الأمالي، للإمام محمد بن الحسن الشيباني، طبع دائرة المعارف العثمانية - الهند، سنة 1360 هـ.
- الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، (224 هـ)، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، 1981 م.
- الإيثار بمعرفة رواة الآثار لابن حجر العسقلاني، (852 هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1413 هـ/ 1993 م.
- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف إسماعيل باشا البغدادي، (- 1339 هـ) طبعة استانبول سنة 1955 م. تصوير دار إحياء التراث العربي، ودار الكتب العلمية، بيروت [1 - 2].
- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للعلامة ابن نجيم، (- 970 هـ)، الناشر دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، د. ت. مصور عن طبعة دار الكتب العربية بمصر سنة 1333 هـ، [1 - 7].
- البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين الزركشي الشافعي (- 794 هـ)، اعتناء د. عبد الستار أبو غدة، طبع وزارة الأوقاف بالكويت، ط 2، سنة 1413 هـ/ 1992 م [1 - 6].
- بدائع الزهور في وقائع الدهور، تأليف محمد بن إياس الحنفي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، سنة 1383 هـ/ 1963.
- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام علاء الدين الكاساني (- 587 هـ) طبعة القاهرة، سنة 1328 هـ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت 1406 هـ، [1 - 7].
- البدار الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، تأليف محمد بن علي الشوكاني (1250 هـ)، مطبعة السعادة، القاهرة، سنة 1348 هـ، [1 - 2].
- تاج التراجم، تأليف الشيخ قاسم بن قطلوبغا (- 879 هـ)، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق، سنة 1413 هـ/ 1992 م.
- تاج العروس من جواهر القاموس، للسيد محمد مرتضى الزبيدي، طبعة الكويت، ابتداء من سنة 1385 هـ/ 1965، تصوير دار إحياء التراث العربي بيروت.
- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، للإمام برهان الدين بن فرحون اليعمري (- 799 هـ) المطبعة الشرقية بمصر، سنة 1301 هـ.
- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للإمام عثمان بن علي الزيلعي (- 743 هـ) طبعة بولاق مصر، سنة 1313 - 1315 هـ.
- التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز، تأليف محمد زاهد الكوثري، اعتناء عبد الفتاح أبو غدة، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 14130 هـ/ 1993 م.
- تحفة الحبيب على شرح الخطيب، للشيخ سليمان البجيرمي، دار الفكر، بيروت، سنة 1401 هـ.
- تحفة الفقهاء، تأليف علاء الدين السمرقندي، (- 539 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1414 هـ / 1993 م.
- التحقيق في بطلان التلفيق، لأبي العون محمد بن أحمد السفاريني (- 1188 هـ) اعتناء عبد العزيز الدخيل، دار الصميعي، الرياض، سنة 1418 هـ، 1998 م.
- التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، (- 879 هـ) على تحرير ابن الهمام، (- 861 هـ) المطبعة الأميرية الكبرى ببولاق مصر، سنة 1316 هـ، تصوير دار الكتب العلمية بيروت.
- التعليقات السنة= الفوائد البهية للإمام اللكنوي.
- التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد (موطأ الإمام مالك، برواية الإمام محمد بن الحسن)، للإمام اللكنوي، تحقيق د. تقي الدين الندوي، ط 3، 1419 هـ/ 1999.
- تعليم المتعلم طريق التعلم، للزرنوجي، دار النعمان للعلوم، دمشق، سنة 1418 هـ/ 1998 م.
- تيسير التحرير، لأمير باد شاه، على كتاب التحرير لابن الهمام، دار الفكر، بيروت، د. ت [1 - 4].
- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، لابن عبد البر، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1398 هـ / 1978 م، [1 - 2].
- الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن مع شرحه: النافع الكبير؛ للشيخ عبد الحي اللكنوي (- 1304 هـ) عالم الكتب، بيروت، سنة 1406 هـ / 1986 م.
- الجامع الكبير، تأليف الإمام محمد، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، دار المعارف النعمانية، لاهور، د. ت.
- الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، سنة 1405 هـ/ 1985 م [1 - 20].
- جامع المسانيد للإمام أبي المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي (- 665 هـ) تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت [1 - 2].
- الجواهر المضية في تراجم الحنفية، تأليف عبد القادر القرشي (- 775 هـ) تحقيق عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة، بيروت. ط 2، سنة 1413 هـ / 1993 م.
- حاشية ابن عابدين= رد المحتار على الدر المختار.
- حاشية بجيرمي على الخطيب= تحفة الحبيب على شرح الخطيب.
- حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، تأليف أحمد بن محمد الطحطاوي (- 1231 هـ) المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر، ط 3، سنة 1318 هـ، تصوير دار الإيمان، بيروت، د. ت.
- حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي، تأليف محمد زاهد الكوثري، دار الهداية القاهرة، د. ت.
- حكم الإسلام في لحوم الخيل، تأليف العلامة قاسم بن قطلوبغا، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت، سنة 1414 هـ/ 1994 م.
- خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل، تأليف حسام الدين علي بن مكي الرازي (- 598 هـ)، مطبعة محمدجان الكريمي ببلدة قزان، سنة 1318 هـ / 1900 م.
- خلاصة الفتاوى، تأليف طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري (- 542 هـ)، طبعة الهند، سنة 1329 هـ / 1911 م، وهي مصورة عن نسخة مخطوطة سنة 894 هـ. [1 - 4].
- دراسة حديثية مقارنة لنصب الراية وفتح القدير ومنية الألمعي، تأليف محمد عوامة، مؤسسة الريان، بيروت، ودار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، سنة 1418 هـ / 1997 م.
- ذيل كشف الظنون= إيضاح المكنون.
- رد المحتار على الدُّر المختار، للعلامة محمد أمين بن عابدين، (- 1252 هـ)، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت. عن الطبعة المصرية التي صححها محمد عبد الرحمن قطة العدوي، سنة 1272 هـ، وقد اعتمدتُ أحيانًا على طبعة دار الفكر، بيروت، ط 2، سنة 1386 هـ، مبينًا ذلك.
- رسائل ابن عابدين، محمد أمين، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.
- الرسالة المستطرفة، تأليف محمد بن جعفر الكتاني، (- 1345 هـ) تحقيق محمد الزمزمي الكتاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 4، سنة 1406 هـ، 1986 م.
- رسم المفتي (ضمن: مجموعة رسائل ابن عابدين) = رسائل عابدين.
- روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام شرف الدين النووي (- 676 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، سنة 1412 هـ/ 1991 م، [1 - 12].
- سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله بن ماجه القزويني (- 275 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت.
- سنن أبي داود، للحافظ أبي داود السجستاني (- 275 هـ)، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1414 هـ/ 1994.
- سنن الترمذي، لأبي عيسى الترمذي (- 279 هـ)، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت.
- السنن الكبرى للإمام البيهقي، (- 458 هـ) تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1414 هـ/ 1994 م [1 - 10].
- سير أعلام النبلاء، للحافظ الذهبي، (- 748 هـ) تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، سنة 1417 هـ / 1997 م.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، (- 1089 هـ)، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت [1 - 8].
- شرح كنز الدقائق = تبيين الحقائق.
- شرح مشكل الآثار، للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، (- 321 هـ) تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1415 هـ/ 1994 م.
- الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، تأليف أحمد بن مصطفى الشهير بطاشكوبري، زاده، تحقيق د. أحمد صبحي فرات، منشورات جامعة استانبول، تركيا، سنة 1405 هـ / 1958 م.
- صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (- 256 هـ)، دار الفكر بيروت، سنة 1411 هـ/ 1991 م. [1 - 8].
- صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج (- 261 هـ) تحقيق فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي) مصر، د. ت [1 - 4].
- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، تأليف شمس الدين السخاوي، (- 902 هـ)، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، د. ت [1 - 12].
- طبقات الحنفية، للإمام السخاوي، مخطوط في المكتبة الوطنية بدمشق، رقم 13818.
- الطبقات السنية في تراجم الحنفية، للمولى تقي الدين بن عبد القادر التميمي العزي، (- 1005 هـ) تحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو، دار الرفاعي، سنة 1403 هـ/ 1983 م.
- الطبقات الكبرى لابن سعد، دار صادر بيروت د. ت. [1 - 9].
- طبقات المفسرين، تأليف أحمد بن محمد الأدنه وي، تحقيق سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، سنة 1417 هـ / 1997 م.
- الطراز المذهب في ترجيح الصحيح من المذهب، مخطوط في المكتبة السليمانية، استانبول، (ضمن مجموع فيه نسخة من كتاب التصحيح والترجيح) رقم 915.
- طلبة الطلبة، تأليف الإمام أبي حفص عمر بن محمد النسفي، تعليق خالد عبد الرحمن العك، دار النفائس، بيروت، سنة 1416 هـ، 1995 م.
- العرف، (ضمن رسائل ابن عابدين).
- عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي تأليف محمود رزق سليم، مطبعة التوكل بمصر، سنة 1366 هـ 1947 م [1 - 6].
- عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، تأليف محمد سعيد الباني (- 1351 هـ)، اعتناء حسن السماحي سويدان، دار القادري، دمشق، ط 2، سنة 1418 هـ / 1997 م.
- الغاية القصوى في دراية الفتوى، تأليف القاضي عبد الله البيضاوي (- 685 هـ)، تحقيق علي محيي الدين القره داغي، دار الإصلاح، الدمام، السعودية، د. ت.
- فتاوى السبكي، للإمام أبي الحسن تقي الدين السبكي، دار المعرفة، بيروت، د. ت.
- فتاوى قاضي خان، للإمام الحسن بن منصور الأوزجندي (- 592 هـ) مطبوع في حاشية الفتاوى الهندية [1 - 3]، (الطبعة المصرية) سنة 1311 هـ، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- الفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر الهيتمي (- 747 هـ)، المطبعة الميمنية بمصر، سنة 1308 هـ، [1 - 4].
- الفتاوى الموصلية، تأليف سلطان العلماء العز بن عبد السلام (- 660 هـ)، تحقيق إياد خالد الطباع، دار الفكر، دمشق، سنة 1419 هـ/ 1999 م.
- فتاوى النوازل، للفقيه أبي الليث السمرقندي (- 373 هـ)، مطبعة شمس الإسلام، حيدر آباد الدكن، سنة 1355 هـ.
- فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية، تأليف الإمام ملا علي القاري، (- 1014 هـ)، والنقاية للإمام صدر الشريعة عبيد الله المحبوبي، (- 747 هـ)، اعتناء محمد تميم وهيثم تميم، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، سنة 1418 هـ / 1997 م، [1 - 3].
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (- 852 هـ)، اعتناء: عبد العزيز بن باز ومحب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقي وقصي محب الدين الخطيب، دار المطبعة السلفية، القاهرة، ط 3، سنة 1407 هـ.
- فتح القدير، للإمام كمال الدين بن الهمام، (- 861 هـ)، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت. وقد اعتمد على الطبعة المصورة في دار الفكر بيروت، مشيرًا إلى ذلك.
- الفقه الإسلامي ومدارسه، د. مصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق، سنة 1995 م.
- فقه أهل العراق وحديثهم، تأليف محمد زاهد الكوثري، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مؤسسة الريان، بيروت، سنة 1418 هـ/ 1997 م.
- الفقه النافع، تأليف الإمام ناصر الدين السمرقندي، (- 556 هـ) تحقيق د. إبراهيم بن محمد العبّود، الناشر مكتبة العبيكان، الرياض، سنة 1421 هـ/ 2000 م، [1 - 3].
- الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط/ الفقه وأصوله، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) عمّان، سنة 1425 هـ/ 1999 م، [1 - 2].
- فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تأليف عبد الحي بن عبد الكبير للكتاني، اعتناء د. إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، ط 2، سنة 1402 هـ / 1982 م. [1 - 2].
- فهرس مخطوطات جامعة الملك سعود، الرياض، إعداد قسم المخطوطات، عمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود، سنة 1404 هـ / 1984 م.
- فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد، إعداد: عبد الله الجبوري، مطبعة الإرشاد، بغداد، سنة 1393 هـ / 1973 م.
- فهرس مخطوطات الفقه الحنفي والمالكي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إعداد شؤون المكتبات في الجامعة الإسلامية، سنة 1417 هـ.
- فهرس المخطوطات في دار الكتب المصرية، تصنيف فؤاد سيد، مطبعة دار الكتب، القاهرة، سنة 1380 هـ/ 1961 م.
- فهرس مخطوطات مكتبة كوربلي، استانبول، إعداد: د. رمضان ششن، وجواد إيزكي، وجميل آقبكار، سنة 1406 هـ / 1986 م.
- الفوائد البهية في تراجم الحنفية، وعليه: التعليقات السنية على الفوائد البهية، تأليف الإمام محمد عبد الحي اللكنوي، (- 1304 هـ)، اعتناء أحمد الزعبي، دار الأرقم، بيروت، سنة 1418 هـ.
- فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، للإمام عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، مطبوع مع كتاب المستصفى للإمام أبي حامد الغزالي (- 505 هـ) في المطبعة الأميرية ببولاق مصر، سنة 1325 هـ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت [1 - 2].
- القاموس المحيط، للفيروزآبادي (- 817 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 4، سنة 1415 هـ.
- القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، تأليف محمد عبد العظيم المكي، (- 1061 هـ) تحقيق جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الكويت، ط 2، سنة 1412 هـ.
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تأليف أبي القاسم الزمخشري الخوارزمي، (- 538 هـ)، دار الفكر، بيروت، د. ت [1 - 4].
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للإمام إسماعيل العجلوني، (- 1162 هـ) اعتناء محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية بيروت، سنة 1418 هـ/ 1997 م، [1 - 2].
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، (- 1567 هـ) طبعة استانبول، كتبت مقدمة الطبعة سنة 1360 هـ / 1941 م، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.
- كنز الدقائق = تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.
- اللباب في تهذيب الأنساب، تأليف ابن الأثير الجزري، دار صادر بيروت، سنة 1403 هـ، [1 - 3].
- اللباب في شرح الكتاب، للشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، تحقيق محمود أمين النواوي، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت.
- المبسوط للإمام السرخسي، (- 490 هـ) مطبعة السعادة، مصر، سنة 1331 هـ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1414 هـ / 1993 م، [1 - 20].
- المبسوط للإمام محمد بن الحسن= الأصل، له.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي، (- 807 هـ) مكتبة القدسي، القاهرة، سنة 1353 هـ.
- مجموعة رسائل ابن عابدين - رسائل ابن عابدين.
- مختصر اختلاف العلماء، تأليف أبي جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي، (- 321 هـ)، اختصار أبي بكر أحمد الجصاص، (- 370 هـ)، تحقيق د. عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، سنة 1416 هـ/ 1995 م [1 - 5].
- مختصر الطحاوي للإمام أبي جعفر الطحاوي، تحقيق: أبي الوفاء الأفغاني، دار إحياء العلوم، بيروت، سنة 1406 هـ / 1986 م.
- مختصر القدوري (مع اللباب) دار الكتاب العربي - بيروت د. ت.
والطبعة العثمانية (در سعادت) سنة 1309 هـ.
وطبعة دار الكتب العلمية - بيروت سنة 1988 م.
- المخطوطات العربية في فلسطين، أبحاث جمعها وقدم لها: د. صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، سنة 1982 م.
- المدخل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، تأليف أحمد سعيد حوّى - بحث ماجستير سنة 1413 هـ غير منشور.
- المدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق، 1418 هـ/ 1998 م، [1 - 3].
- المذهب الحنفي، مراحله وطبقاته، ضوابطه ومصطلحاته، خصائصه ومؤلفاته، تأليف أحمد بن محمد نصير الدين النّقيب. مكتبة الرشد - الرياض، سنة 1422 هـ - 2001 م. [1 - 2].
- المستصفى للإمام الغزالي = فواتح الرحموت.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) اعتناء صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر، بيروت، ط 2، سنة 1414 هـ/ 1994 م.
- مشكل الآثار= شرح مشكل الآثار.
- المصنَّف، للحافظ عبد الرزاق الصنعاني (- 211 هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، الهند، طبع بيروت، سنة 1392 هـ[1 - 11].
- المعجم الكبير، للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني (- 360 هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت.
- معجم لغة الفقهاء، تأليف د. محمد رواس قلعه جي، ود. حامد صادق قنيي، دار النفائس، بيروت، ط 2، سنة 1408 هـ / 1988 م.
- معجم المطبوعات العربية والمعربة، ليوسف سركيس، مطبعة سركيس بمصر، سنة 1346 هـ / 1928 م.
- المُغرب في ترتيب المعرب، للإمام ناصر بن عبد السيد المطرزي، (- 616 هـ) مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، سنة 1328 هـ.
- مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وأكرم، تأليف الإمام أبي المؤيد الموفق ابن أحمد المكي (- 568 هـ) طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، سنة 1321 هـ.
- مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، تأليف د. رمضان عبد التواب، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، سنة 1406 هـ / 1986 م.
- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لأبي الفرج بن الجوزي (- 597 هـ) دراسة وتحقيق محمد ومصطفى عبد القادر عطا - دار الكتب العلمية - بيروت سنة 1412 هـ - 1992 م.
- الموافقات في أصول الشريعة، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، (- 790 هـ) تعليقات عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، ط 3، سنة 1417 هـ / 1997 م، [1 - 2].
- موجبات الأحكام وواقعات الأيام، لابن قطلوبغا، تحقيق د. محمود سعود المعيني، مطبعة الإرشاد، بغداد، سنة 1983 م.
- الموضح في وجوه القراءات وعللها، تأليف الإمام نصر بن علي الشيرازي المعروف
بابن أبي مريم، (- 565 هـ) تحقيق د. عمر حمدان الكبيسي، منشورات الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، جدة، سنة 1414 هـ / 1993 م، [1 - 3].
- الموطأ للإمام مالك بن أنس (- 179 هـ)، اعتناء محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، (عيسى البابي الحلبي وشركاه)، د. ت.
- النافع الكبير شرح الجامع الصغير، تأليف عبد الحي اللكنوي، عالم الكتب، بيروت، سنة 1406 هـ.
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي، تحقيق فهيم محمد شلتوت، الناشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، سنة 1390 هـ/ 1970 م.
- الهداية شرح بداية المبتدي، تأليف الإمام علي بن أبي بكر المرغيناني، (- 593 هـ)، اعتناء محمد عدنان درويش، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، د. ت [1 - 2].
- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، تأليف إسماعيل باشا البغدادي، (-1339 هـ) طبعة استانبول سنة 1955 م. (تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت)، [1 - 2].
- وجيز الكلام في الذيل على تاريخ الإسلام، للإمام محمد بن عبد الرحمن السخاوي (- 902 هـ) تحقيق د. بشار معروف وعصام فارس الحرستاني و: د. أحمد الخطيمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1416 هـ، 1995 م.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لشمس الدين بن خلكان (- 681 هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، سنة 1398 هـ / 1978 م.
- وقاية الرواية في مسائل الهداية، للإمام برهان الشريعة المحبوبي، مخطوط في الجامعة الأمريكية، بيروت، برقم 667.
- catalogue of Arabic Manuscripts (yahuda section) in the Garret Collection، Princeton university Library. By Rudolf Mach، index by Robert D. Mc. Chesney.
- The Chester Beatty Library. A Handlist of the Arabic Manuscripts. By Arthur J. Arberry. Dublin، 1964.
- Arabischen Handschrifer der Koniglichen Bibliothek zu Berlin ZwEiundzwanzigster band. Verzeichniss، von w. Ahlwardt zehnter band. Berlin A Asher & co. 1899.