المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ليلة النصف من شعبان، لله في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، قالت: قلت: وما - ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان

[ابن دحية]

الفصل: ‌ ليلة النصف من شعبان، لله في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، قالت: قلت: وما

لِسَيِّدِي، وَحُقَّ لِسَيِّدِي أَنْ تُعَفَّرَ الْوُجُوهُ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، أَنْتَ فِي وَادٍ وَأَنَا فِي وَادٍ، قَالَتْ: فَسَمِعَ حِسَّ قَدَمِي، فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ وَقَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ‌

‌ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، لِلَّهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ بِعَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا

بَالُ غَنَمِ كَلْبٍ؟ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ قَوْمٌ أَكْثَرَ غَنَمًا مِنْهُمْ، لا أَقُولُ: فِيهِمْ سِتَّةُ نَفَرٍ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَعَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ، وَلا مُصِرٌّ عَلَى زِنًا، وَلا مُصَارِمٌ، وَلا مُصَوِّرٌ، وَلا قَتَّاتٌ ".

ص: 36

هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ؛ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ وَلَدِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ

فَأَمَّا حَنْظَلَةُ رضي الله عنه فَهُوَ غَسِيلُ الْمَلائِكَةِ الْكِرَامِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَبُوهُ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَاسِقِ عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَاتَ كَافِرًا.

وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ هَذَا قَالَ فِيهِ الْحَافِظُ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ: «كَانَ يقلبُ الأَخْبَارَ، وَيَسْرِقُ الْحَدِيثَ» ، وَشَيْخُهُ

ص: 37

وَهْبٌ قَالَ: «هُوَ أَكْذَبُ النَّاسِ» ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ مَتْرُوكٌ، قَالَهُ الأَزْدِيُّ الْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ.

وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدِيثَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ طَرِيقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجْتُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ ".

ص: 38

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ» .

وَقَالَ: «يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ» .

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْحَجَّاجُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ".

قُلْتُ: فَالْحَدِيثُ مَقْطُوعٌ، وَلا لأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِجَازَةٌ فَيَرْوِي عَنْهُ بِهَا، مَعَ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ: حَجَّاجٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الأَحْكَامِ وَالْفُرُوجِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ فِي تَجْرِيحِهِ: حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ أَبُو أَرْطَاةَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ.

وَذَكَرَ بِسَنَدِهِ أَنَّ زَائِدَةَ أَمَرَ أَنْ نَتْرُكَ حَدِيثَ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.

ص: 39

وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: كَانَ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ يُدَلِّسُ، وَكَانَ يُحَدِّثُنَا بِالْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِمَّا يُحَدِّثُهُ مُحَمَّدٌ الْعَرْزَمِيُّ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ لا تَقْرَبْهُ ".

وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، سَمِعْتُ يَحْيَى يَذْكُرُ أَنَّ حَجَّاجًا لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَهُوَ كَلامٌ طَوِيلٌ.

وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَدْخَلَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ الْبَيْتَ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ شَيْئًا.

وَمَنْ أَغْرَبَ مَا رَوَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، فِي قَوْلِ أَصْدَقِ الْقَائِلِينَ:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] أَنَّهَا

ص: 40

لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَمَا أَبْعَدَ مَنْ قَالَ هَذَا مِنَ الإِيمَانِ، فَإِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ اللَّهُ الْعَظِيمُ:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] وَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ {4} } [القدر: 1-4] ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي تَنَزَّلُ

ص: 41

فِيهَا الْمَلائِكَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:«أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ لَيْلَةُ الْحُكْمِ الَّتِي يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا قَضَاءَ السَّنَةِ.

وَالْقَدَرُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدَرَ اللَّهُ خَيْرًا فَهُوَ يُقَدرُ قَدْرًا.

وَسُورَةُ الدُّخَانِ مَكِّيَّةٌ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُؤْذَنُ لِلْحَاجِّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَيُكْتَبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، فَلا يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلا يُزَادُ فِيهِمْ وَلا يَنْقُصُ مِنْهُمْ.

ص: 42

وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: أَرَأَيْتَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَفِي كُلِّ رَمَضَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّهَا لَفِي كُلِّ رَمَضَانَ، وَإِنَّهَا لَيْلَةٌ يُفَرَّقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، فِيهَا يَقْضِي اللَّهُ كُلَّ أَجَلٍ، وَكُلَّ عَمَلٍ، وَرِزْقٍ، وَخُلُقٍ إِلَى مِثْلِهَا ".

ذَكَرَ هَذَا الإِمَامُ أَبو الْحَسَنِ الْحَوْفِيُّ.

قَالَ أَهْلُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ: «وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يَصِحُّ» .

فَتَحَفَّظُوا عِبَادَ اللَّهِ مِنْ مُفْتَرٍ يَرْوِي لَكُمْ حَدِيثًا يَسُوقُهُ فِي مَعْرضِ الْخَيْرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَيْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ

ص: 43

مَشْرُوعًا مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا صَحَّ أَنَّهُ كَذِبٌ، خَرَجَ مِنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَكَانَ مُسْتَعْمِلُهُ مِنْ خَدَمَةِ الشَّيْطَانِ لاسْتِعْمَالِهِ حَدِيثًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ.

وَذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفِهْرِيُّ الطَّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ ذِكْرِ الْحَوَادِثِ وَالْبِدَعِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا سُنَّةٍ وَلا إِجْمَاعٍ وَلا غَيْرِهِ، وَقَدْ حَدَّثَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْيَاخِنَا عَنْهُ.

قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَطُّ صَلاةَ الرَّغَائِبِ هَذِهِ الَّتِي تُصَلَّى فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، فَأَوَّلُ مَا حَدَثَتْ عِنْدَنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ

ص: 44

وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَدِمَ عَلَيْنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَجُلٌ مِنْ نَابُلُسَ يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي الْحَمْرَاءِ، وَكَانَ حَسَنُ التِّلاوَةِ، فَقَامَ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَأَحْرَمَ خَلْفَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ انْضَافَ إِلَيْهِ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ، فَمَا خَتَمَ إِلا وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ، ثُمَّ جَاءَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَصَلَّى مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَشَاعَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَانْتَشَرَتِ الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَبُيُوتِ النَّاسِ وَمَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ كَأَنَّهَا سُنَّةٌ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

قُلْتُ لَهُ: فَأَنَا رَأَيْتُكَ تُصَلِّيهَا فِي جَمَاعَةٍ! قَالَ: نَعَمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا ".

وَمِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُبْتَدِعُونَ، وَخَرَجُوا بِهِ عَمَّا وَسَمَهُ الْمُتَشَرِّعُونَ وَجَرَوْا فِيهِ عَلَى سُنَنِ الْمَجُوسِ، وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَاللَّهْوُ وَاللَّعِبُ مِنْ شِيَمِ ذِي الْحَظِّ الْمَنْحُوسِ،

ص: 45

اللَّيْلَةُ الَّتِي هِيَ لَيْلَةُ الْوَقُودِ الَّتِي تُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِلَيْلَةِ الْوَقِيدِ، وَهِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ الَّتِي مُوقِدُهَا مِنَ الثَّوَابِ شَرُّ فَقِيدٍ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلا نَطَقَ بِالصَّلاةِ فِيهَا وَالإِيقَادِ ذُو صِدْقٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَلا تَكَلَّمَ، وَمَا أَحْدَثَهَا إِلا مُتَلاعِبٌ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، رَاغِبٌ فِي دِينِ الْمَجُوسِيَّةِ، لأَنَّ النَّارَ مَعْبُودُهُمْ، وَقَدْ كَذَبُوا وَاضْمَحَلَّتْ سُعُودُهُمْ.

وَأَوَّلُ مَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْبَرَامِكَةِ، وَكَانَتْ لَهُمْ دَوْلَةٌ بِالْوَزَارَةِ الْمَرْفُوعَةِ السَّامِكَةِ، وَجَدُّهُمْ بَرْمَكُ هُوَ الَّذِي نُسِبُوا إِلَيْهِ، وَدِينُهُمُ الْمَجُوسِيَّةُ فِيمَا يَعُولُونَ عَلَيْهِ، فَأَدْخَلُوا فِي دِينِ الإِسْلامِ، مَا يُمَوِّهُونَ بِهِ عَلَى الطَّغَامِ، وَهُوَ جَعْلُهُمُ الإِيقَادَ فِي شَعْبَانَ، كَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الإِيمَانِ، وَمَقْصُودُهُمْ عِبَادَةُ النِّيرَانِ، وَإِقَامَةُ دِينِهِمْ وَهُوَ أَخَسُّ الأَدْيَانِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْمُسْلِمُونَ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا، كَانَ ذَلِكَ لِلنَّارِ الَّتِي أَوْقَدُوا.

ص: 46

وَمَضَتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنُونُ وَالأَعْصَارُ، وَتَبِعَتْ بَغْدَادَ فِيهِ سَائِرُ الأَمْصَارِ، إِلَى أَنْ أَخْفَتَ اللَّهُ صَوْتَهُمْ، وَقَدَّرَ هَلَكَتَهُمْ وَمَوْتَهُمْ، فَكَانَتْ نَكْبَتُهُمْ فِي زَمَنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَقَتَلَ جَعْفَرًا وَصَلَبَهُ غَيْرَ بَعِيدٍ، قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، وَصَلَبَهُمَا فِي الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَانْقَطَعَ شَرُّهُمْ عَنِ الْمِلَّةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَذَا مَعَ مَا يَجْتَمِعُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَاخْتِلاطِ الْحَالِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي ضَيِّقِ الْمحَالِّ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ مَنْعُهُمْ، وَعَلَى الْعَالِمِ رَدْعُهُمْ، وَمَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ عَنِ الْحَقِّ خنْذٌ نَاكِبٌ، مُزَاحِمٌ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْمَنَاكِبِ.

ص: 47

وَإِنَّمَا شَرُفَ شَعْبَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ، وَيُبَيِّنُ بِخُصُوصِيَّةِ صِيَامِهِ مَحَلَّهُ.

وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ الْحَثُّ عَلَى تَعْظِيمِ الْجَارِ؛ فَطُوبَى لِمَنْ عَمِلَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الأَعْمَالُ فِيهَا مُتَفَاوِتَةً مُتَفَاضِلَةً، بِمَا يَدَّخِرُهُ فِي دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَأْخُذُ الأَمْرَ بِآخِرَتِهِ، وَتَمَسَّكْ بِأَهْدَابِ أَفْعَالِ الْمُتَّقِينِ، وَتَصَدَّقْ وَاللَّهُ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، وَفَكِّرْ فِي الأَقْرَبِينَ وَذَوِي الأَرْحَامِ، مِمَّنْ أَملَ أَنْ يَرَى هَذَا الْعَامَ، وَيُشَاهِدَ هَذِهِ الأَيَّامَ، فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الأَمَلِ، وَلَمْ يَجِدْ إِلا مَا قَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَكُلُّ شَاةٍ بِرِجْلِهَا تُنَاطُ، وَلَيْسَ فِي الآخِرِ إِلا التُّقَى مَنَاطٌ.

ص: 48

فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّقَ بِالْكَرَمِ، الَّذِي هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَحَ عِبَادَ اللَّهِ وَكَفَّ أَيْدِي الظَّالِمِينَ، وَتَحَرَّى بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَضَائِلَ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ، وَدَعَا رَبَّهُ خَوْفًا وَطَمَعًا {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] .

تَمَّ شَهْرُ شَعْبَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

ص: 49