المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - مجالس رمضان - ابن باز

[ابن باز]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد:

فقد اطلعت على ما كتبه الأخ المعد مما نقله من مقالات وفتاوي لسماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وكذا لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

[*]

مرتبًا على ثلاثين بابًا مختصرة ومنتقاة من كلامها رحمها الله، فجزاه الله خيرًا ونفع به وبما جمع إنه خير مسؤول وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه

عبد العزيز بن محمد الوهيبي

مستشار الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية

[*](تعليق الشاملة): كلها للشيخ ابن باز عدا المجلس 21 (في فضل العشر الأواخر) فهو للشيخ ابن عثيمين، رحمهما الله تعالى

ص: 3

‌مقدمة

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه مجالس لشهر رمضان المبارك تستوعب كثيرا من أحكام الصيام والقيام، رتبتها على مجالس يومية، وقد استفدت من كتب علمائنا المعاصرين، وكان عملي في الكتاب هو: اختيار العناوين وتنسيق المواضيع، وقد اجتهدت على أن لا يزيد كل موضوع عن صفحتين، وذلك ليسهل قراءته على الأبناء والبنات في البيوت، أو قراءته على جماعة المسجد.

أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 4

(المجلس الأول)

(كلمة بمناسبة دخول شهر رمضان)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإني أنصح إخواني المسلمين في كل مكان بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك بتقوى الله عز وجل، والمسابقة إلى كل خير، والتواصي بالحق، والصبر عليه، والتعاون على البر والتقوى، والحذر من كل ما حرم الله من سائر المعاصي في كل مكان، ولا سيما في هذا الشهر الكريم؛ لأنه شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال الصالحات، وتغفر فيه الخطايا لمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

(2)

، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين

(3)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم

(4)

. وقوله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له،

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 48 - 50

(2)

رواه البخاري برقم (2014)، ومسلم برقم (760).

(3)

رواه البخاري برقم (1899)، ومسلم برقم (10 (9)

(4)

رواه البخاري برقم (1904).

ص: 5

الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك

(1)

. وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بدخول رمضان ويقول لهم: أتاكم شهر رمضان شهر بركة، ينزل الله فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله

(2)

وقال عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

(3)

رواه البخاري في صحيحه. والأحاديث في فضل شهر رمضان والترغيب في مضاعفة العمل فيه كثيرة.

فأوصي إخواني المسلمين بالاستقامة في أيامه ولياليه والمنافسة في جميع أعمال الخير

وفق الله الجميع لما يرضيه وأعاذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشياطين، إنه جواد كريم.

(1)

رواه البخاري برقم (1904)، ومسلم برقم (1151)

(2)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (3: 142) إلى الطبراني في الكبير

(3)

رواه البخاري في (الصوم) باب من لم يدع قول الزور برقم (1903).

ص: 6

(المجلس الثاني)

(رمضان شهر عظيم مبارك)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أيها المسلمون، إنكم في شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطايات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم، والتعاون على البر

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 22، 23

ص: 7

والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، ويعمر قلوبهم بالتقوى، ويصلح قادتهم ويمن على الجميع بالتوبة النصوح، من جميع الذنوب، وأن يحفظهم من مكائد الأعداء إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

(1)

.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 3/ 155

ص: 8

(المجلس الثالث)

(الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فيشرع لجميع المسلمين الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم من صلاة النافلة، وقراءة القرآن بالتدبر والتعقل والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار والدعوات الشرعية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله عز وجل، ومواساة الفقراء والمساكين، والاجتهاد في بر الوالدين، وصلة الرحم، وإكرام الجار، وعيادة المريض، وغير ذلك من أنواع الخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله

(2)

، ولما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه

(3)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز: 15/ 20، 21

(2)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (3: 142) إلى الطبراني في الكبير.

(3)

رواه ابن خزيمة مختصرا في صحيحه 3/ 191 برقم (1887)

ص: 9

ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: عمرة في رمضان تعدل حجة. أو قال: حجة معي.

(1)

والأحاديث والآثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في هذا الشهر الكريم كثيرة.

والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا، ويصلح أحوالنا ويعيذنا جميعا من مضلات الفتن، كما نسأله سبحانه أن

يصلح قادة المسلمين، ويجمع كلمتهم على الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

رواه البخاري برقم (1863)، ومسلم برقم (1256)، وابن ماجه برقم (291)

ص: 10

(المجلس الرابع)

على من يجب الصوم

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

يجب صوم رمضان على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء، ويستحب لمن بلغ سبعا فأكثر وأطاقه من الذكور والإناث، ويجب على أولياء أمورهم أمرهم بذلك إذا أطاقوه كما يأمرونهم بالصلاة. والأصل في هذا قول الله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) إلى أن قال سبحانه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 183 - 185]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت

(2)

.، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عن الإسلام قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.

(3)

خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 167 - (69

(2)

رواه البخاري برقم (7)، ومسلم برقم (21).

(3)

رواه مسلم برقم (9)

ص: 11

الخطاب رضي الله عنه، وأخرج معناه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

(1)

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

(2)

متفق على صحته. والأحاديث في فضل صوم رمضان وفي فضل الصوم مطلقا كثيرة معلومة، والله ولي التوفيق.

من لا يجب عليه الصوم

(3)

المجنون، وفاقد العقل، والصبي، والصبية قبل البلوغ، أما الحائض والنفساء فيجب عليهما الصوم، ولكن لا يجوز لهما الصوم في رمضان وغيره حال الحيض والنفاس، وعليهما القضاء لما أفطرا من أيام رمضان، أما المريض والمسافر فيجوز لهما الصوم والفطر في رمضان، والفطر أفضل، وعليهما القضاء إذا أفطرا في رمضان؛ لقول الله سبحانه:(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة الآية 185، لكن إذا كان المريض لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء الثقات فلا يلزمه الصوم ولا القضاء، وعليه أن يطعم مسكينا عن كل يوم، وهو نصف صاع بالصاع النبوي من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وهكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصوم يطعمان عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ولا صوم عليهما ولا قضاء. ويجوز دفع الكفارة عن جميع رمضان دفعة واحدة في أول الشهر أو آخره، أو في أثنائه لفقير واحد أو أكثر، وهكذا حال الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصيام تفطران وعليهما القضاء كالمريض.

(1)

رواه البخاري في برقم (2014)، ومسلم برقم (760)

(2)

رواه البخاري برقم (1904)، ومسلم برقم (1151).

(3)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 175، 167

ص: 12

(المجلس الخامس)

نصائح لاستقبال شهر رمضان

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

نصيحتي للمسلمين جميعا أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يستقبلوا شهرهم العظيم بتوبة صادقة من جميع الذنوب، وأن يتفقهوا في دينهم، وأن يتعلموا أحكام صومهم وأحكام قيامهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

(2)

، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين.

(3)

ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم، وصفدت الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة.

(4)

وكان يقول صلى الله عليه وسلم للصحابة: أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا.

(5)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 51 - 53

(2)

رواه البخاري برقم (71)، ومسلم برقم (10 (7)

(3)

رواه البخاري برقم (3277)، ومسلم برقم (1079)

(4)

رواه الترمذي برقم، (682)، وابن ماجه برقم (1642).

(5)

ذكره المنذري في (الترغيب والترهيب) برقم (1490)، وقال: رواه الطبراني.

ص: 13

ويستجيب الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيرا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله. ومعنى: أروا الله من أنفسكم خيرا يعني سارعوا إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات وابتعدوا عن السيئات.

ويقول صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

(1)

.

ويقول صلى الله عليه وسلم: يقول الله جل وعلا كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

(2)

. ويقول صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم

(3)

، ويقول صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

(4)

رواه البخاري في الصحيح.

نسأل أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

(1)

رواه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).

(2)

رواه البخاري برقم (7492)، ومسلم برقم (1151)، وابن ماجه برقم (163).

(3)

رواه البخاري برقم (1904)

(4)

رواه البخاري في (الصوم) باب من لم يدع قول الزور برقم (19 (3)

ص: 14

(المجلس السادس)

(من فوائد الصيام)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن في الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة:

منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة، كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.

ومن فوائد الصوم: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه، ويذكره أيضا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

[البقرة: 183] فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه، فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي: طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه، فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى،

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 23، 24

ص: 15

وقربة إلى المولى عز وجل، ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شئون الدين والدنيا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء

(1)

.

فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصوم وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين، وتقل به المعاصي، ومن فوائد الصوم أيضا: أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحة وقوة، اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(2)

(1)

رواه البخاري برقم (5066)، ومسلم برقم (1400).

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 16

(المجلس السابع)

(صيانة الصيام والقيام عما حرم الله)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن أهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت

(2)

، ويجب على المسلم أن يصون صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال؛ لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها، وتعويدها الصبر عما حرم الله، وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشرب وسائر المفطرات، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم

(3)

، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه

(4)

.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 14

(2)

رواه لبخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16).

(3)

رواه البخاري برقم (1904).

(4)

رواه البخاري برقم (1903).

ص: 17

فعلم بهذه النصوص وغيرها أن الواجب على الصائم الحذر من كل ما حرم الله عليه، والمحافظة على كل ما أوجب الله عليه، وبذلك يرجى له المغفرة والعتق من النار وقبول الصيام والقيام.

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، ويعمر قلوبهم بالتقوى، ويصلح قادتهم، ويمن على الجميع بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، والاستقامة على شريعة الله عز وجل في جميع الأمور، وأن يحفظهم من مكائد الأعداء، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 18

(المجلس الثامن)

(من أحكام الصيام)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فمن أحكام الصيام: أن الواجب على المسلم أن يصوم إيمانا واحتسابا لا رياء ولا سمعة ولا تقليدا للناس، أو متابعة لأهله أو أهل بلده، بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك، واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك، وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانا واحتسابا لا لسبب آخر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

(2)

. ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس: ما قد يعرض للصائم من جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره، فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم، لكن من تعمد القيء فسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء

(3)

ومن ذلك: ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة

إلى طلوع الفجر، وما يعرض لبعض النساء من تأخر غسل الحيض أو النفاس إلى

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز: 15/ 15 - 17

(2)

رواه البخاري برقم (2014)، ومسلم برقم (760).

(3)

رواه الإمام أحمد برقم (10085)، وابن ماجه برقم (1676) واللفظ له.

ص: 19

طلوع الفجر، إذا رأت الطهر قبل الفجر، فإنه يلزمها الصوم، ولا مانع من تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس؛ بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس، وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس، بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.

ومن الأمور التي لا تفسد الصوم: تحليل الدم، وضرب الإبر، غير التي يقصد بها التغذية، لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

(1)

، وقوله عليه الصلاة والسلام: من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه

(2)

أسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

(1)

رواه الإمام أحمد برقم (11689)، و البخاري معلقا برقم (571).

(2)

رواه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (15 (9)

ص: 20

(المجلس التاسع)(من أحكام التراويح)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

ومن الأمور التي يخفى حكمها على بعض الناس:

عدم الاطمئنان في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الاطمئنان ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونه، وهو الركود في الصلاة والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه. وكثير من الناس يصلي في رمضان صلاة التراويح صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقرا، وهذه الصلاة على هذا الوجه باطلة، وصاحبها آثم غير مأجور.

ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس:

ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة، وظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.

وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن صلاة الليل موسع فيها، فليس فيها حد محدود لا تجوز مخالفته، بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 18، 19

ص: 21

ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى

(1)

ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره، ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر رضي الله عنه في بعض الأحيان ثلاثا وعشرين ركعة، وفي بعضها إحدى عشرة ركعة، كل ذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه وعن الصحابة في عهده.

وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستا وثلاثين ركعة ويوتر بثلاث، وبعضهم يصلي إحدى وأربعين، ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم، كما ذكر رحمة الله عليه أن الأمر في ذلك واسع، وذكر أيضا أن الأفضل لمن أطال القراءة والركوع والسجود أن يقلل العدد، ومن خفف القراءة والركوع والسجود زاد في العدد، هذا معنى كلامه رحمه الله.

ومن تأمل سنته صلى الله عليه وسلم علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، في رمضان وغيره؛ لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله، ولأنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة، ومن زاد فلا حرج ولا كراهية كما سبق.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(2)

(1)

رواه البخاري في (الجمعة) باب برقم (991)، ومسلم (74).

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 22

(المجلس العاشر)(من أحاديث الصيام)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أيها المسلمون، إن الصوم عمل صالح عظيم، وثوابه جزيل، ولا سيما صوم رمضان؛ فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعله من أسباب الفوز لديه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

(2)

. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين

(3)

. وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة

(4)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 25 - (27)

(2)

رواه البخاري في (الصوم) برقم (1904).

(3)

رواه البخاري برقم (1899)، ومسلم برقم (1079)

(4)

رواه الترمذي برقم، (682)، وابن ماجه برقم (1642)

ص: 23

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله

(1)

. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، من صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه

(2)

.

أسأل الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدًا وأن يعيذها من مكائد أعدائها ويرزقها الاستقامة في القول والعمل حتى تكون كما أراد الله لها من العزة والقوة والكرامة إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (3: 142) إلى الطبراني في الكبير

(2)

رواه الإمام أحمد برقم (1663)، والنسائي برقم (221).

ص: 24

(المجلس الحادي عشر)

(من أحكام الصيام)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أولاً:

تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء. فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما

(1)

. وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه، والله ولي التوفيق.

ثانياً:

(2)

من ذرعه القيء وهو صائم؛ لا قضاء عليه، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء

(3)

. أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

رواه الترمذي برقم (788)، وأبو داود برقم (14).

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 265، 266، 267

(3)

رواه ابن ماجه برقم. (1676).

ص: 25

ثالثاً:

يجوز استعمال الطيب كدهن العود والكولونيا والبخور في نهار رمضان بشرط ألا يستنشق البخور.

رابعاً:

يحرم النظر إلى النساء، وإذا كان بشهوة كان التحريم أشد؛ لقول الله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ

) الآية [النور: 30]، ولأن إطلاق النظر من وسائل وقوع الفاحشة. فالواجب غض البصر مع الحذر من أسباب الفتنة. ولكن لا يبطل صومه إذا لم يخرج منه مني، أما من أمنى فإنه يبطل صومه، وعليه قضاؤه إن كان فرضا.

خامساً:

اللعاب لا يضر الصوم لأنه من الريق فإن بلع فلا بأس، وإن بصق فلا بأس وهي ما يخرج من الصدر، أو من الأنف، ويقال لها النخاعة، وهي البلغم الذي يحصل للإنسان تارة من الصدر وتارة من الرأس، هذه يجب على الرجل والمرأة بصقه وعدم ابتلاعه، أما اللعاب العادي الذي هو الريق، فهذا لا حرج فيه ولا يضر لا رجلاً ولا امرأة.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 26

(المجلس الثاني عشر)(من أحكام الصيام)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أولاً: حكم أمر الصبي المميز بالصيام

(1)

الصبيان والفتيات إذا بلغوا سبعا فأكثر يؤمرون بالصيام ليعتادوه، وعلى أولياء أمورهم أن يأمروهم بذلك كما يأمرونهم بالصلاة، فإذا بلغوا الحلم وجب عليهم الصوم، وإذابلغوا في أثناء النهار أجزأهم ذلك اليوم، فلو فرض أن الصبي أكمل الخامسة عشرة عند الزوال وهو صائم ذلك اليوم أجزأه ذلك، وكان أول النهار نفلا وآخره فريضة إذا لم يكن بلغ قبل ذلك بإنبات الشعر الخشن حول الفرج وهو المسمى العانة، أو بإنزال المني عن شهوة. وهكذا الفتاة الحكم فيهما سواء، إلا أن الفتاة تزيد أمرا رابعا يحصل به البلوغ وهو الحيض.

ثانياً: يستحب الفطر في السفر وإن لم يشق الصوم

(2)

من مرض أو سافر فله الفطر، بل يستحب له ذلك؛ لقول الله عز وجل (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ) [البقرة: 185]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته

(3)

. بشرط أن يكون المريض يشق عليه الصوم،

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 180 - 18

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 234، 235

(3)

رواه أحمد برقم (5600)

ص: 27

أما إذا لم يشق عليه فليس له الفطر؛ لأنه لا يعتبر معذورا، والله ولي التوفيق.

ثالثاً: ومن رأى مسلما يشرب في نهار رمضان أو يأكل أو يتعاطى شيئا من المفطرات الأخرى ناسيا أو متعمدا وجب إنكاره عليه؛ لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذورا في نفس الأمر؛ حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان، وإذا كان من أظهر ذلك صادقا في دعوى النسيان فلا قضاء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه.

(1)

متفق على صحته.

وهكذا المسافر ليس له أن يظهر تعاطي المفطرات بين المقيمين الذين لا يعرفون حاله، بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتهم بتعاطيه ما حرم الله عليه، وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك، وهكذا الكفار يمنعون من إظهار الأكل والشرب ونحوهما بين المسلمين؛ سدا لباب التساهل في هذا الأمر، ولأنهم ممنوعون من إظهار شعائر دينهم الباطل بين المسلمين، والله ولي التوفيق.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(2)

(1)

رواه البخاري برقم (1933)، ومسلم برقم (1155) واللفظ له.

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 28

(المجلس الثالث عشر)(الجود في رمضان)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام، واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه

(2)

. وقال عليه الصلاة والسلام: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه أحد فليقل: إني امرؤ صائم

(3)

.

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث

(4)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز: (15/ 31 - 32)

(2)

رواه البخاري برقم (190).

(3)

البخاري برقم (1904).

(4)

رواه الحاكم برقم (1604)، وابن خزيمة برقم (1995 (.

ص: 29

وخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله

(1)

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء

(2)

.

أسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

(1)

رواه الإمام أحمد برقم (11130).

(2)

ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (8981)

ص: 30

(المجلس الرابع عشر)

(البعد عما يجرح الصوم)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

احذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم، وينقص الأجر، ويغضب الرب عز وجل، من سائر المعاصي، كالربا، والزنا، والسرقة، وقتل النفس بغير حق، وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض، والغش في المعاملات، والخيانة للأمانات، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والشحناء، والتهاجر في غير حق الله سبحانه، وشرب المسكرات وأنواع المخدرات كالقات والدخان، والغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الكاذبة، وحلق اللحى، وتقصيرها، وإطالة الشوارب، والتكبر، وإسبال الملابس، واستماع الأغاني وآلات الملاهي، وتبرج النساء، وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريما، وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته. فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله، واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك، وتعاونوا عليه، وتآمروا

(1)

المجموع ج 15/ 36 - 37

ص: 31

بالمعروف، وتناهوا عن المنكر؛ لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة، والله المسئول أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من أسباب غضبه، وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

ص: 32

(المجلس الخامس عشر)

(حكم ما يفعله بعض الصائمين من النوم نهارا والسهر ليلا)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

لا حرج في النوم نهارا وليلا إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواء كان صائما أو غيره عدم السهر بالليل والمبادرة إلى النوم بعد ما ييسر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان؛ لأن السحور سنة مؤكدة وهو أكلة السحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تسحروا فإن في السحور بركة.

(2)

وقوله صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر.

(3)

كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره. كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها. وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره. وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يحتاج إليه هو ومن يعول وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره.

(1)

المجموع 15/ 318، 319

(2)

رواه البخاري برقم (1923)، ومسلم برقم (1095).

(3)

رواه مسلم برقم (1096).

ص: 33

والخلاصة أن وصيتي للجميع من الرجال والنساء والصوام وغيرهم هي تقوى الله جل وعلا في جميع الأحوال، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها على الوجه الذي شرعه الله، والحذر كل الحذر من التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره من المباحات أو غيرها. وإذا كان التشاغل عن ذلك بشيء من المعاصي صار الإثم أكبر والجريمة

أعظم. أصلح الله أحوال المسلمين وفقههم في دينهم وثبتهم على الحق وأصلح قادتهم إنه جواد كريم.

أسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

ص: 34

(المجلس السادس عشر)(من فتاوى الصيام)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أولاً:

س: ما رأيكم فيمن يرخص لهم في الفطر: كشيخ كبير وعجوز ومريض لا يرجى برؤه، هل يلزمهم فدية عن إفطارهم؟

ج: على من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه إطعام مسكين عن كل يوم مع القدرة على ذلك؛ كما أفتى بذلك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عباس رضي الله عنهما.

ثانياً:

س: مريض أدرك بعض شهر رمضان ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال، هل يقضي عنه أبناؤه لو توفي؟ بارك الله فيكم.

ج: بسم الله والحمد لله، ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهب عقله أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استرد وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه، لا قضاء عليه، إلا إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطا، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا رد الله عقله يبتدئ العمل. ولا على أبنائه - لو مات- أن يقضوا عنه، نسأل الله العافية والسلامة.

ثالثاً:

س: إنني مريضة بالسكر والقرحة فإذا لم أستطع الصوم فماذا يجب علي أن أفعل؟

(1)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 219 - 220

ص: 35

ج: عليك مراجعة الطبيب المختص، فإن قرر الطبيب المختص أن الصوم يضرك فأفطري، فإذا عافاك الله فاقضي بعد ذلك.

وإن قرر الأطباء المختصون أن هذا المرض يضره الصوم دائما، وأنه فيما يعلمون أن المرض سوف يستمر ولا يرجى برؤه، فإنك تفطرين وتطعمين عن كل يوم مسكينا نصف صاع من قوت البلد مقداره كيلو ونصف تقريبا والحمد لله. وليس عليك صيام؛ لقول الله سبحان (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]

رابعاً:

س: ما الحكم إذا طهرت الحائض في أثناء رمضان؟

ج: عليها الإمساك في أصح قولي العلماء؛ لزوال العذر الشرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم كما لو ثبتت رؤية رمضان نهارا، فإن المسلمين يمسكون يقية اليوم، ويقضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم، مثلها المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان الى بلده فإن عليه الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال حكم السفر مع قضاء ذلك اليوم والله ولي التوفيق.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 36

(المجلس السابع عشر)

(1)

(الذنوب تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل كيفا لا كما)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من السيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره، ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 446 - 448

ص: 37

أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الأنعام: 160] والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل، والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق.

أسأل الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدًا وأن يعيذها من مكائد أعدائها ويرزقها الاستقامة في القول والعمل حتى تكون كما أراد الله لها من العزة والقوة والكرامة إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 38

(المجلس الثامن عشر)(النصيحة لمن يتكاسل عن الصلاة ويحافظ على الصيام)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

نصيحتي لهؤلاء أن يفكروا مليا في أمرهم، وأن يعلموا أن الصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن من لم يصل وترك الصلاة متهاونا فإنه على القول الراجح عندي الذي تؤيده دلالة الكتاب والسنة أنه يكون كافرا كفرا مخرجا عن الملة مرتدا عن الإسلام، فالأمر ليس بالهين؛ لأن من كان كافرا مرتدا عن الإسلام لا يقبل منه لا صيام ولا صدقة، ولا يقبل منه أي عمل؛ لقوله تعالى:(وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)[التوبة: 54] فبين سبحانه وتعالى أن نفقاتهم مع أنها ذات نفع متعد للغير لا تقبل منهم مع كفرهم، وقال سبحانه وتعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23] الذين يصومون ولا يصلون لا يقبل صيامهم، بل هو مردود عليهم ما دمنا نقول: إنهم كفار كما يدل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يحافظوا على الصلاة ويقوموا بها في أوقاتها ومع

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 178 - 179)

ص: 39

جماعة المسلمين، وأنا ضامن لهم بحول الله أنهم إذا فعلوا ذلك فسوف يجدون في قلوبهم الرغبة الأكيدة في رمضان وفيما بعد رمضان على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين؛ لأن الإنسان إذا تاب إلى ربه وأقبل عليه وتاب إليه توبة نصوحا، فإنه قد يكون بعد التوبة خيرا منه قبلها، كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن آدم عليه الصلاة والسلام أنه بعد أن حصل ما حصل منه من أكل الشجرة، قال الله تعالى:(ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)[طه: 122]

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 40

(المجلس التاسع عشر)(فضل الاعتكاف)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

الاعتكاف سنة للرجال والنساء؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام. ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك. وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل. والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها، وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذورا. ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. ويخرج متى انتهت العشر. وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا كما تقدم. والأفضل أن يتخذ مكانا معينا في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي. ولا حرج أن يزوره بعض

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 442، 443

ص: 41

أصحابه، وأن يتحدث معه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره بعض نسائه، ويتحدثن معه. وزارته مرة صفية رضي الله عنها وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد، فدل على أنه لا حرج في ذلك. وهذا العمل منه صلى الله عليه وسلم يدل على كمال تواضعه، وحسن سيرته مع أزواجه عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان.

ص: 42

(المجلس العشرون)(ليلة القدر هي أفضل الليالي)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان:(حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الدخان: 1 - 6] وقال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[القدر: 1 - 5] وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

(2)

متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران وغير ذلك من وجوه الخير.

وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها. وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده. فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر.

(3)

وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 425 - (28

(2)

رواه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (7060).

(3)

رواه البخاري برقم (1986 و 1992)، والترمذي برقم (792).

ص: 43

رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم: يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها. وقالت: كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر

(1)

. وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبا، وقد قال الله عز وجل:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21].

وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: " قولي، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

(2)

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير. فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيمانا واحتسابا حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار والعتق من النار. فضلا منه سبحانه وجودا وكرما. وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر. كما قال سبحانه:(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)[النساء: 31] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.

(3)

(1)

البخاري برقم (1920)، مسلم برقم (1174)، الترمذي يرقم (796)، النسائي برقم (1639)، أبو داود برقم (1376)، ابن ماجه برقم (1768)، أحمد بن حنبل برقم (6/ 68).

(2)

الترمذي برقم (3513)، ابن ماجه برقم (3850).

(3)

رواه مسلم برقم (233).

ص: 44

(المجلس الحادي والعشرون)

(في فضل العشر الأخير من رمضان)

(1)

[*]

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:

أخواني: لقد نزل بكم عشر رمضان الأخيرة فيها الخيرات والأجور الكثيرة، فيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة.

فمن خصائصها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها.

وفي الصحيحين عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. وفي المسند عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر.

ففي هذا الحديث دليل على فضيلة هذه العشر. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها وهذا شامل في الاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد مئزره يعني يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والذكر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله من قيام وقراءة وذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وطلبًا لليلة القدر

(1)

مجالس شهر رمضان للشيخ محمد بن عثيمين ص 99 - 100.

[*](تعليق الشاملة): وقع هنا (بدلا من هذا المجلس) في النسخة الإلكترونية المرسلة من مؤلف الكتاب (الشيخ عبد الرحمن الحميزي) حفظه الله، المجلس التالي:

(المجلس الحادي والعشرون)(فضل صلاة الليل)[مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (11/ 296، 297، 298)]

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

صلاة الليل سنة مؤكدة لقول الله سبحانه في صفة عباد الرحمن: سورة الفرقان الآية 64 وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وفي سورة الذاريات في صفة المتقين: [الذاريات: 17](كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[الذاريات: 18] وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم، باب (فضل صوم المحرم)، ج 8 ص (54). أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل رواه مسلم في صحيحه، وصلاة الليل لها شأن عظيم كما قال الله جل وعلا في وصف عباد الرحمن: سورة الفرقان الآية 64 (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) وقال سبحانه في وصف المتقين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[الذاريات: 17](وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات 18:] وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)[المزمل: 1](قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)[المزمل: 2](نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا)[المزمل: 3](أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)[المزمل: 4] وقال سبحانه وتعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[السجدة: 16](فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17] فصلاة الليل لها شأن عظيم، والمشروع فيها أن تكون مثنى مثنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936)، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239). صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأفضلها في آخر الليل إلا من خاف ألا يقوم في آخره، فالأفضل له أن يصليها في أول الليل قبل أن ينام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1255). من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم فى آخر الليل فليوتر آخر الليل، (الجزء رقم: 11، الصفحة رقم: 298).

فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل رواه مسلم في صحيحه.

ونسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه [مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).]

ص: 45

التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وظاهر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يحيي الليل كله في عبادة ربه من الذكر والقراءة والصلاة والاستعداد لذلك والسحور وغيرها وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من أنواع العبادة والذي نفت إحياء الليل في القيام فقط والله أعلم.

ومما يدل على فضيلة العشر من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله فيه للصلاة والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله فما هي إلا ليالي معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة، وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن ترى كثيرا من المسلمين يمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل فإذا جاء وقت القيام ناموا عنه وفوتوا على أنفسهم خيرا كثيرا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبدا وهذا من تلاعب الشيطان بهم ومكره بهم وصده إياهم عن سبيل الله وإغوائه لهم. أ هـ.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

ص: 46

(المجلس الثاني والعشرون)(الخشوع في الصلاة)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

ينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته، والخشوع فيها، والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود، وترتيل التلاوة وعدم العجلة؛ لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والقالب والخشوع فيها، وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب؛ كما قال الله سبحانه:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجعلت قرة عيني في الصلاة

(2)

. وقال للذي أساء في صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها

(3)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 29 - 31

(2)

رواه الإمام أحمد برقم (13623)، والنسائي برقم (3940)

(3)

رواه البخاري برقم (6251)، ومسلم

ص: 47

وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، بل ينقرها نقرا، وذلك لا يجوز، بل هو منكر لا تصح معه الصلاة؛ لأن الطمأنينة ركن في الصلاة، لا بد منه كما دل عليه الحديث المذكور آنفا، فالواجب الحذر من ذلك، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته. قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها

(1)

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها، فيا معشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله، واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه - رحمكم الله - بأنواع العبادات والقربات، وسارعوا فيه إلى الطاعات فهو شهر عظيم، جعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه فيه بالطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات. فأكثروا فيه - رحمكم الله - من الصلاة والصدقات وقراءة القرآن الكريم، بالتدبر والتعقل والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

رواه الإمام أحمد برقم (22136)، ومالك في الموطأ برقم (403)، والدارمي برقم (1328)

ص: 48

(المجلس الثالث والعشرون)(أهمية الزكاة)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

وأهم الأمور بعد الصلاة الزكاة: فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظموها كما عظمها الله، وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه.

واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم، وشكر للذي أنعم عليكم بالمال، ومواساة لإخوانكم الفقراء، كما قال الله عز وجل (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا):[التوبة: 103] وقال سبحانه: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه لليمن: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز ج 15/ 34 - 36

ص: 49

لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب

(1)

. متفق على صحته.

وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين، وإعانتهم على الصيام والقيام؛ تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبا لمرضاة الله سبحانه، وشكرا لإنعامه، وقد وعد الله سبحانه عباده المنفقين بالأجر العظيم، والخلف الجزيل، فقال سبحانه:(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) سورة المزمل الآية 20 وقال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39]

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(2)

(1)

رواه البخاري برقم (1496)، ومسلم برقم (19)، والنسائي برقم (252)

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 50

(المجلس الرابع والعشرون)(المحافظة على الصلاة)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

من أهم الأمور التي يجب على المسلم العناية بها والمحافظة عليها في رمضان وفي غيره الصلوات الخمس في أوقاتها؛ فإنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، وقد عظم الله شأنها وأكثر من ذكرها في كتابه العظيم، فقال تعالى: سورة البقرة (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الآية 238] وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النور: 56] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر

(2)

. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف

(3)

. ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز: 15: (31 - 34)

(2)

رواه الإمام أحمد برقم (22428)، والترمذي برقم (2621)، وابن ماجه برقم (1079)

(3)

رواه الإمام أحمد برقم (6540)، برقم (272).

ص: 51

إلا من عذر

(1)

. وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إني رجل شاسع الدار عن المسجد، وليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.

فاتقوا الله عباد الله في صلاتكم وحافظوا عليها في الجماعة، وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر، وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه من المنافقين.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

رواه مسلم برقم (653)، والنسائي برقم (850).

ص: 52

(المجلس الخامس والعشرون)(الأذكار التي تقال بعد الفراغ من الصلاة)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فيسرني أن أذكر إخواني في الله أن السنة أن يقول المسلم بعد كل فريضة سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا أستغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف إلى الناس إن كان إماما ويستقبلهم بوجهه. ثم يقول هو وغيره من المأمومين وهكذا المنفرد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

ويقول بعد صلاة المغرب والفجر مع ما تقدم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات. ثم بعد ذلك يقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (11/ 190، 189، 188)

ص: 53

والسنة للإمام والمنفرد والمأموم الجهر بهذه الأذكار بعد كل صلاة فريضة جهرا متوسطا ليس فيه تكلف وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته

(1)

.

ولا يجوز أن يجهروا بصوت جماعي بل كل واحد يذكر بنفسه من دون مراعاة لصوت غيره؛ لأن الذكر الجماعي بدعة لا أصل لها في الشرع المطهر.

ثم يشرع أن يقرأ كل من الإمام والمأمومين والمنفرد (آية الكرسي) سرا ثم يقرأ كل منهم: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) سرا. وبعد المغرب والفجر يكرر: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات. وهو الأفضل لصحة كل ما ذكرنا آنفا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

(1)

صحيح البخاري الأذان (805)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (583)، سنن النسائي السهو (1335)، سنن أبو داود الصلاة (1003)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 367).

ص: 54

(المجلس السادس والعشرون)(آية وتفسيرها)

(1)

تفسير قوله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ)[الأعراف: 99]

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

س: ما معنى قول الحق تبارك وتعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 99].

ج: هذه الآية العظيمة يحذر الله فيها سبحانه عباده من الأمن من مكره فيقول سبحانه: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 99] المقصود من هذا: تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة على معاصيه والتهاون بحقه، والمراد من مكر الله بهم كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم؛ بسبب إقامتهم على معاصيه، وأمنهم من عقابه وغضبه، كما قال سبحانه:(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[الأعراف: 182، 183] وقال عز وجل: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الأنعام: 110] وقال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 44] أي: آيسون من كل خير.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (24/ 232)

ص: 55

فالواجب على المسلمين ألا يقنطوا من رحمة الله ولا يأمنوا من مكره وعقوبته، بل يجب على كل مسلم أن يسير إلى الله سبحانه في هذه الدنيا الدار الفانية بين الخوف والرجاء، فيذكر عظمته وشدة عقابه إذا خالف أمره فيخافه ويخشى عقابه، ويذكر رحمته وعفوه ومغفرته وجوده وكرمه فيحسن به الظن، ويرجو كرمه وعفوه، والله الموفق سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 56

(المجلس السابع والعشرون)(من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن تعلم العلم وطلب العلم من طريق القرآن الكريم، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم، فالعلم يؤخذ من الكتاب، ويؤخذ من السنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خيركم من تعلم العلم وعلمه)

(2)

وجاء في قراءة القرآن الكريم أحاديث كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) رواه مسلم

(3)

.

وقال ذات يوم عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله، فقال: لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)

(4)

أو كما

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (25/ 56، 57، 58)

(2)

أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، برقم 4639.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم 1337.

(4)

أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه، برقم 1336.

ص: 57

قال عليه الصلاة والسلام، (وبطحان واد في المدينة) فهذا يدل على فضل تعلم القرآن الكريم، وقراءة القرآن الكريم وفي حديث ابن مسعود:(من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها)

(1)

.

هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن، فقرأ الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم؛ لأن هذا من تعلم العلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)

(2)

وهذا يدل على أن دراسة العلم، وحفظ الأحاديث، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه

(3)

، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب، ويكون من طريق السنة، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا، كما أن التفقه في القرآن الكريم دليل على ذلك، والأدلة في هذا كثيرة ولله الحمد.

نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(1)

أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر، برقم 2835.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 4867.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 69، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1719.

ص: 58

(المجلس الثامن والعشرون)(زكاة الفطر)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

زكاة الفطر صاع من قوت البلد وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أعني صلاة العيد. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب

(2)

. وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان، سواء كان برا أو ذرة أو دخنا أو غير ذلك. وهذا هو الصواب؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. ولا شك أن الأرز قوت في المملكة وطعام طيب ونفيس، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه. وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر.

والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، كما في القاموس وغيره، وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام، فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (14/ 200، 202)

(2)

رواه البخاري برقم (1506)، ومسلم برقم (98).

ص: 59

غيره من قوت بلده أجزأه ذلك، وإن كان من غير الأصناف المذكورة في هذا الحديث في أصح قولي العلماء، ولا بأس أن يخرج مقداره بالوزن وهو ثلاثة كيلو تقريبا.

والواجب إخراج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين، أما الحمل فلا يجب إخراجها عنه إجماعا، ولكن يستحب؛ لفعل عثمان رضي الله عنه.

والواجب أيضا إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين.

ومصرفها الفقراء والمساكين. وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات

(1)

.

ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلا، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبذلك قال جمهور الأمة، والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(1)

رواه أبو داود برقم (1609)، وابن ماجه برقم (1827)

ص: 60

(المجلس التاسع والعشرون)

(في ختام رمضان)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

أولاً:

ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم.

فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يعزم عزما صادقا على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فصلت: 30 - 32] ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به وأخلصوا له العبادة واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به سبحانه واستقامتهم على طاعته وترك معصيته، وإخلاص العبادة له سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب الثبات على

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 15/ 428 - 43

ص: 61

الحق، والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله عز وجل ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)[آل عمران: 133 - 136]

فنسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين في هذه الليالي وغيرها لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم

ثانياً:

قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر). خرجه الإمام مسلم في الصحيح

(1)

. وهذه الأيام ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوله، أو في أثنائه، أو في آخره، وإن شاء فرقها، وإن شاء تابعها، فالأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير. ولا تكون بذلك فرضا عليه، بل يجوز له تركها في أي سنة، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)

(2)

. والله الموفق.

(1)

رواه مسلم في (الصيام) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال برقم (1164).

(2)

رواه مسلم في (الصيام) باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان برقم (782).

ص: 62

(المجلس الثلاثون)(صلاة العيد)

(1)

بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم، ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها، لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي، وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين كصلاة الجمعة، فلا يجوز لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب، ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والتستر وعدم التطيب; لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين وتعتزل الحيض المصلى

(2)

. وفي بعض ألفاظه: فقالت إحداهن: يا رسول الله لا تجد إحدانا جلبابا تخرج فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: لتلبسها أختها من جلبابها

(3)

. ولا شك أن هذا يدل على تأكيد خروج النساء لصلاة العيدين ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 13/ 7 - 9

(2)

رواه البخاري برقم (324)، ومسلم برقم (890)

(3)

رواه الإمام أحمد برقم (20269)، وابن ماجه برقم (1307)

ص: 63

والسنة

(1)

لمن أتى مصلى العيد لصلاة العيد، أو الاستسقاء أن يجلس ولا يصلي تحية المسجد; لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم إلا إذا كانت الصلاة في المسجد فإنه يصلي تحية المسجد; لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.

(2)

والمشروع لمن جلس ينتظر صلاة العيد أن يكثر من التهليل والتكبير; لأن ذلك هو شعار ذلك اليوم، وهو السنة للجميع في المسجد وخارجه حتى تنتهي الخطبة، ومن اشتغل بقراءة القرآن فلا بأس. والله ولي التوفيق.

ونسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

(3)

(1)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 13/ 14.

(1)

رواه البخاري برقم (1167)، ومسلم برقم (714)، والإمام أحمد برقم (22146).

(2)

مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 130).

ص: 64