الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملف العدد
(حتى لا ننسى فلسطين)
إسرائيل..
دولة خارجة عن القانون الدولي
.. بالأدلة
بقلم: ياسر قارئ
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، اتخذت الدول) المتحضرة! (من هيئة الأمم
المتحدة منبراً للحوار ومرجعاً لفض النزاعات بين الدول، وقد وقعت المعاهدات
والمواثيق التي) تضمن (السلام والاستقرار في العالم، والتقليل من الجرائم
البشعة في حق الإنسانية، والأخذ على يد المعتدي، ونصرة المظلوم، وضمان
الرفاهية، والرعاية الصحية للشعوب.. لكن العالم المتحضر ما فتئ يقدم عجائبه
بل وتناقضاته للمجتمع الدولي، ومن ذلك: اعتراف الهيئة الأممية بما كان يعرف
عندنا بالكيان الصهيوني أو دولة العدو (إسرائيل) على رفات الفلسطينيين ودمائهم
ومقدّراتهم، فذاك الشعب المشرد لا بد له من ملاذ آمن يفيء إليه، بينما تكون
أوروبا قد نجحت في التخلص من آفة هذا الشعب المتوحش البربري، ولكن (دولة
إسرائيل) وساستها العسكريين أبوْا إلا أن يفضحوا شعور الأوروبيين المتحضرين
نحو المسلمين، فالإشكناز وهم اليهود الأوروبيون الذين يمسكون بأزمّة الأمور هناك
انتهكوا القانون الدولي مراراً وتكراراً، فيما اكتفت الدول الأم لأولئك السفاحين
بالتنديد والاستنكار، في الوقت الذي ظلت الهبات المالية والتبرعات والمعونات
العسكرية تتدفق فيه إلى مملكة الرب!
لقد أقدم الكيان الصهيوني ولا يزال على الاعتداء على دول (الجوار) العربي
وعلى جبهات مختلفة، ضارباً عرض الحائط بالقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية،
وفي ظل صراع المعسكرين (الشرقي والغربي) ، معرِّضاً المنطقة لخطر وويلات
حرب شاملة مدمرة، وعلى الرغم من ذلك: فقد أحجم العالم المتحضر عن ردع
المعتدي والأخذ على يديه حسبما تمليه قرارات الأمم المتحدة، وظل يقدم له الدعم
والمساندة، وكأنه رأس حربة لأوروبا في قلب العالم الإسلامي، بينما مارس
الضغوط المختلفة على المظلومين والضحايا بدعوى ضرورة ضبط النفس واللجوء
إلى الحوار والمفاوضات، وقد اكتشف العالم الآن سياسة الصهاينة التفاوضية على
حقيقتها؛ لذلك: فلا بد من التذكير بممارسات تلك العصابة الهمجية خلال سني
الحرب الباردة وما بعدها وانتهاكاتها لمعاهدات الأمم المتحدة؛ حتى لا ننخدع
بالحوار المزعوم أو الاتفاقيات المبرمة، فدولة تخرق قانون العالم الدولي منذ نصف
قرن من الزمان على الرغم من تبعات ذلك التصرف حسبما ينص عليه من عقوبات
وفي ظل استقطاب عقائدي مرير: لا يتوقع منها أن تحترم اتفاقيات أو معاهدات
تبرمها مع كيانات هامشية على مسرح السياسة العالمي ممن ليس لها وزن اقتصادي
أو اعتبار أدبي يحميها من امتهان حقوقها وكرامتها، فقد دأبت دولة العدو على شن
الاعتداءات العسكرية، والقيام بالقرصنة الجوية، وإساءة استخدام وسائل
الاتصالات، وتسخيرها للجاسوسية، وازدراء واحتقار حقوق الإنسان، بَلْهَ
الاعتداء على أعضاء الهيئة الدولية، كل ذلك في زمن الحرب، فكيف إذا غُلّت
الأيدي بالسلام؟ !
وفيما يلي سنعرض نماذج من خرق الصهاينة للقوانين والأعراف الدولية على
مدى نصف قرن تقريباً (هو عمر هذا العضو الدخيل الذي زرع في قلب دار
الإسلام) ، تشتمل تلك المخالفات على نواحٍ متعددة، منها: ما يتعلق بالزراعة
والاقتصاد، وحقوق الإنسان، والقرصنة الجوية، والاعتداء على الأمم المتحدة
نفسها، ثم التجسس، فالاعتداءات العسكرية المستمرة على الدول المجاورة.
أولاً: الزراعة والاقتصاد:
دمرت الآلة العسكرية الصهيونية في شهر سبتمبر سنة 1969م قسماً من قناة
الغور الشرقي في الأردن، وهو جزء من مشروع ساهمت فيه الولايات المتحدة
لتنمية البلد زراعيّاً واقتصاديّاً، لكن ذلك العمل الإجرامي قضى على المحاصيل
الزراعية، والأخطر من ذلك: أنه أثر على منسوب المياه في المنطقة، ثم أكمل
المجرمون مهمتهم ودمروا ما تبقى من المشروع في مطلع السنة التالية [1] ، وبعد
ثماني سنوات من تلك الحادثة: قام الصهاينة بالهجوم على لبنان، وتم تدمير
المؤسسات الصناعية والحرفية والممتلكات الشخصية والمرافق الحيوية، وكذلك
القطاع الزراعي ومنشآته وموارده المائية [2] ، ومن المعلوم أن (إسرائيل) تخشى
من دور لبنان الاقتصادي القوي في المنطقة؛ لذلك فهي تسعى وحلفاؤها لفرض
مشروع السوق الشرق أوسطية، لسحب البساط من تحتها، ولتسخير إمكانات
وموارد المنطقة لانتشال الاقتصاد الإسرائيلي من الغرق في ظل الكساد العالمي
وتخفيض الموازنات الدولية، ولم يكتف الأعداء بذلك، بل قاموا بتوريد البضائع
الإسرائيلية والقبرصية إلى لبنان، ثم أعادوا تصديرها على أنها منتجات لبنانية! ،
كل ذلك في مخالفة صريحة وواضحة للاتفاقيات التجارية الدولية التي نصت عليها
بنود مفاوضات التجارة والتعرفة الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت! ، أما فيما
يتعلق بشريان الحياة الاقتصادية في المنطقة والعالم، فقد استعمل اليهود أسلوب
التهديد بالسلاح مع بعثة تابعة لشركة النفط الأمريكية) إمكو) التي كانت تقوم
بأعمال التنقيب في مياه منطقة الطور، فيما كان الصهاينة يقومون بأعمال التنقيب
عن البترول في صحراء سيناء المصرية التي كانت واقعة تحت احتلالهم، الأمر
الذي اعتبرته أمريكا أنه غير قانوني، إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً لثني اليهود عن
عزمهم [3] .
مما سبق يتضح لنا رغبة العدو في إبقاء المنطقة وشعوبها تحت رحمة
البضائع المستوردة باهظة الثمن، وتجريدها من كل المقومات الأساس لتدشين
صناعة ثقيلة وحرّة؛ مما يضمن استقلاليتها السياسية قبل الاقتصادية، وأيضاً من
الدور الهدام الذي تقوم به دولة يهود: إحجام الشركات والمؤسسات العالمية عن
المشاركة في أسواق المنطقة، لكونها بؤرة للصراعات ولا تتمتع بالاستقرار
المطلوب للصناعة الحديثة، فتكتفي باستنزاف الأموال الطائلة إلى الخارج عبر
التصدير لسلع في جملتها استهلاكية لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثانياً: حقوق الإنسان:
على الرغم مما تمارسه دولة يهود من العنصرية ضد طائفة السفارديم (اليهود
الشرقيين) لكونهم من أصول عربية، إذ لا يتمتعون بالوظائف والمزايا التي يحصل
عليها أقرانهم من الإشكناز الغربيين، إلا أنّ هذا لا يشفع لها في ظل القانون الدولي
بانتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الدار الأصليين، ولا رعايا الدول
المجاورة وبالذات العزّل من السلاح حسبما نصت عليه معاهدة لاهاي (1907م)
وجنيف الرابع (1949م) ، اللتين نصتا على حماية المدنيين خلال الحرب، إلا أن
الحقد والاستعلاء اليهودي يأبى إلا أن يُطل بوجهه الكالح، ومن ذلك: ما حصل في
مدينة السويس من ضرب للسكان وأماكن كثافتهم، فيما يتأسف وزير دفاعهم الهالك
) موشي دايان (على تمثالين منصوبين على رصيف الميناء هناك [4] ، أما في
لبنان فقد استخدمت يهود قنابل تنفجر بعد مرور خمس وأربعين دقيقة من سقوطها،
أي: عندما تبدأ عملية إسعاف المرضى والجرحى من الهجمات السابقة، وبالتالي:
تحصد أكبر عدد ممكن من الأبرياء [5] ، بل وتنّكر الصهاينة لوعود قطعوها
لأمريكا بعدم استخدام القنابل العنقودية المحرّمة دوليّاً إلا في حالة الدفاع فقط [6] ،
ولم يشبع حقد العدو عدد الأبرياء الذين سقطوا في لبنان وفلسطين، فاتجهت
الحكومة الصهيونية إلى الحرب العراقية الإيرانية داعمة إيران لإذكاء نار الحرب،
علماً بأن الأمم المتحدة كانت قد فرضت حظراً دوليّاً يقضي بعدم مساندة أي من
الدولتين [7] ، ولم يعد سرّاً حجم الدور الصهيوني في ذلك بعد فضيحة إيران
(كونترا) التي شهدتها أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي في العقد الماضي.
وعلى جبهة لبنان: ترفض (إسرائيل) الانصياع لقرار مجلس الأمن في سنة
1981م بوقف القتال وإرسال مراقبين إلى بيروت المحتلة، بل واقتحمت بيروت
الغربية [8]، أما على الجانب الفلسطيني: فإن دولة يهود على الرغم من هدمها
لمنازل الفلسطينيين وإجلائهم عن أراضيهم ونفيهم وسجنهم، إلا أنها تمانع في
منحهم الجنسية الإسرائيلية حتى لمن تقدم بذلك منهم! ! [9] ، علماً بأن ذلك مخالف
لميثاق حقوق الإنسان الذي صدّقت عليه دولة يهود، والسبب في ذلك: هو ما
صرح به) بن جوريون (بقوله:) هم معتادون على العادات والتقاليد العربية،
وأنا لا أرغب في هذا النوع من الحضارة، فنحن لا نريد أن يصبح الإسرائيليون
عرباً ( [10] ، أما (موشي دايان) فيعبر عن ذلك قائلاً:) نحن نسعى إلى دولة
يهودية، لا دولة مزدوجة القومية ( [11] .. تلكم هي الديمقراطية الوحيدة في
الشرق الأوسط التي يتعاطف معها العالم المتحضر، فأصحاب الأرض مرفوضون
ومنبوذون كما لوكانوا في الهند الطبقية، وقد أقر بشرعية وجودهم) دايان (نفسه، إذ قال:) لقد جئنا إلى فلسطين والعرب يقيمون فيها، وبنينا القرى اليهودية
مكان العربية، فليس هناك أي مكان في هذا البلد لم يكن يقيم فيه سكان عرب في
الماضي ( [12] ولكن المسلمين لا بواكي لهم! !
في سنة 1981م نشرت الجمعية الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريراً حول
معاملة العرب حسب قول أحد المحاضرين للجنود المتوجهين إلى مدينة الخليل:
…
) إن العرب ليسوا بشراً، ويجب معاملتهم كالحيوانات ( [13] ، وهذا يذكرنا
بالتصريحات التي صدرت من بعض أركان المؤسسة العسكرية الصهيونية في
أعقاب مذبحة (قانا) في جنوب لبنان مؤخراً، فعلى الرغم من السلام الشجاع الذي
انتُزع من بعض الأطراف العربية! ! إلا أن العقيدة اليهودية التلمودية لا تزال
راسخة كالجبال، فيما ألقى بعض المنسوبين للإسلام بالولاء والبراء خلف القضبان
وأحكموا عليها القيود.
ثالثاً: القرصنة الجوية:
لم تتورع تلك الشرذمة من شذاذ الآفاق عن اعتراض الطائرات المدنية
المحمية بموجب اتفاقية (وارسو) للطيران المدني، وإخضاع ركابها للتفتيش الدقيق
على مرأى ومسمع من العالم المتمدن، ففي أغسطس سنة 1973م اعترضت
طائرتان مقاتلتان من الجيش الإسرائيلي طائرة ركاب مدنية في رحلتها من بيروت
إلى بغداد، وأجبرتها على الهبوط، واقتيد واحد وثمانون راكباً تحت السلاح
للتحقيق لبضع ساعات، على الرغم من إعلان أمريكا انتقادها لذلك العمل البربري
ووصفه بالتعدي على القانون الدولي [14] ، ولأن الهيئة الأممية لا تمارس من
السلطات والصلاحيات إلا بقدر ما تسمح به الدول النافذة في مجلس الأمن: فقد
مرت الحادثة بلا عقاب أو حساب، وكأن أرواح العرب وحرياتهم لا تشملها
المواثيق الدولية التي يتشدق الغرب بأنها قمة ما توصل إليه العقل البشري
والحضارة الغربية، وينذر الجميع من الدول الهامشية بالانصياع لها، لهذا: فقد
كررت العصابة الصهيونية عملية القرصنة في ربيع عام 1986م، إذ أجبرت
طائرة خاصة أقلعت من ليبيا على الهبوط في قاعدة (رامات دافيد) الجوية قرب
مدينة حيفا ظنّاً بأن على متنها بعض أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية
…
الأشاوس [15] .
وفي مجال الطيران المدني وتجاوزات اليهود للاتفاقيات الدولية يقول
…
) فيكتور إستروفسكي (وهو ضابط سابق في المخابرات الإسرائيلية: إن الطائرة
المحملة بالوقود في مهمة ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981م كانت
مصبوغة بشعار شركة الخطوط الأيرلندية؛ للتمويه بأنها طائرة ركاب مدنية تقوم
برحلة في المنطقة [16]، بالإضافة إلى ذلك: فإن جميع الطائرات التابعة لشركة
الطيران الإسرائيلية (العال) مزودة بكاميرات متطورة للغاية لغرض التجسس، وقد
قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتزويدها بالكاميرات، وهذا العمل
مخالف لميثاق الطيران المدني الموقع في (شيكاغو) الذي يحرّم استعمال الطائرات
التجارية لغير الغرض المخصصة له [17] .
رابعاً: التطاول على هيئة الأمم المتحدة ذاتها:
كما قيل في الأثر: من أمن العقوبة أساء الأدب، فقد برهن اليهود على ذلك
من خلال موقفهم من القانون الدولي كما مر معنا، بل وأدى بهم العنت والغطرسة
إلى إهانة ممثلي المنظمة الدولية والاعتداء على أفرادها ومنشآتها، ومن ذلك: ما
حصل من الجيش الإسرائيلي في الرابع عشر من شهر يوليو سنة 1967م، حين
قصف الفندق الذي يقيم فيه مراقبو الهدنة التابعون للأمم المتحدة، فيما قام الجنود
بنهب مقر قيادة قوات الطوارئ الدولية بمدينة غزة [18] .
وحيث إن اليهود لم يقع عليهم من جرّاء ذلك العمل عقاب يردعهم: فقد
كرروا فعلتهم مرة أخرى في صيف سنة 1982م حيال قوات حفظ السلام الدولية في
لبنان، إذ قامت زوارق من البحرية الإسرائيلية بمطاردة سفن الأسطول الأمريكي
المشارك في القوة، بينما قام) إرييل شارون) وزير دفاع يهود آنذاك باستفزاز
القوات الأوروبية والأمريكية أثناء ترحيل الفلسطينيين بإعادة بعض السفن المغادرة
والقيام بتصوير الميناء [19] ، ربما لأعمال وخطط مستقبلية، وقد عملت الشيء
نفسه للموانئ الليبية من خلال السفن التي تجوب تلك المناطق [20] .
ونظراً لأن الأمريكيين يؤمنون بأنّ) من ضربك على خدك الأيمن فأدر له
خدك الأيسر (فيما يتعلق باليهود واليهود وحدهم، لذلك لم يعاقبوا شباب البحرية
اليهودية أو زبدة العالم كما وصفهم) إميل حبيبي (، وهذا شجع تلك الطغمة
البشرية على الأصح بإطلاق النار على رائد الجيش الأمريكي عضو هيئة مراقبة
الهدنة في مطلع سنة 1983م [21] .
خامساً: استخدام الوسائل الدولية المصرح بها للتجسس:
خير ما يجسد هذا الخرق الشنيع لقوانين الأمم المتحدة هو حادثة الطائرة
الليبية التي أسقطتها القوات الجوية الإسرائيلية في 21 /2/ 1973م، بحجة أنها
حلّقت فوق منطقة عسكرية حسّاسة والتقطت صوراً لها، وأنها لم تستجب
للإجراءات الدولية المتبعة [22]، والسؤال الطبيعي هو: لماذا افترض الطيارون
الإسرائيليون أن الطائرة التقطت صوراً للمنطقة؟ ، والجواب: هو ما أشرت إليه
سابقاً من اعتماد إسرائيل على الطائرات المدنية في جمع الصور والمعلومات خلال
رحلاتها، وقد حاول الصهاينة رشوة مضيف فرنسي لكي يزور شهادته، خاصة
بعد تبين وحشية اليهود، إذ قاموا بإطلاق النار على صالة/مقصورة الركاب
والطائرة تشتعل وتهوي إلى الأرض! ! ، بينما تكفلت أمريكا بإلغاء كل إشارة في
تحقيق منظمة الطيران الدولي تدين إسرائيل أو تُعرّض بها، ومن المفارقات
الأمريكية التي يطول منها العجب: هو تنديد الرئيس الأمريكي) ريجان (بعد
عقد من الزمان بإسقاط الاتحاد السوفييتي لطائرة الركاب الكورية، فصرح
…
قائلاً:) إن القتل للمدنيين الأبرياء هو قضية خطيرة بين الاتحاد السوفييتي والمتحضرين.. ( [23] ، بقي أن نذكِّر أولئك المهتمين بحقوق الإنسان بأن الجنود اليهود قاموا بنهب أمتعة ركاب الطائرة المحطمة، لكن الضمير الصهيوني تحرك هذه المرة وقدّم أربعة جنود للمحكمة العسكرية [24] ، ومكافأة لها على هذا الشعور المرهف فقد تبرعت أمريكا بالمزيد من طائرات (فانتوم 4) التي أسقطت الطائرة الليبية، وكذلك طائرات (سكاي هوك 4) بقيمة (220) مليون دولار [25] .
كذلك: لم تسلم خطوط الاتصالات الدولية من العبث الصهيوني والخرق
الفاضح لكل المواثيق الدولية التي ساقتها للبشرية الحضارة الغربية، فهذا شاهد
يهودي أنّبَه بقية ضمير حي أو مغنم شخصي، يقر باستخدام حكومته متمثلة بجهاز
مخابراتها خط البحر الأبيض المتوسط المرتبط بالأقمار الصناعية الذي تبث عليه
أغلب الاتصالات العربية الهاتفية، للحصول على المعلومات عبر التصنت المحرّم
دوليّاً على هذه الوسائل [26] .
كما يجد اليهود أرضاً خصبة في مصانع السلاح الغربية، حيث يتم تجنيد
بعض المتعاونين من ضعاف النفوس أو أصحاب الولاء المزدوج؛ للتجسس على
الأقطار العربية والصفقات التي تبرمها، وبالتالي: تبني حكومة صهيون عليها
ردود أفعالها ومساوماتها للحكومة الغربية، وقد تقرر أحياناً استخدام الحل الأخير
كما حصل مع المفاعل النووي العراقي إذ أوفدت الموساد خمسة مخربين وعالماً
نوويّاً إلى داخل مصنع (دوسوبريكيه) في بلدة (لاسين) بفرنسا وقاموا بتفجير
…
أجزائه، والتساؤل هو: كيف تمكن أولئك النفر من التسلل إلى المصنع، علماً بأنه تتم فيه أيضاً صناعة محركات طائرات الميراج المقاتلة؟ [27]، هذا يعني: أن حجم التواطؤ كبير جدّاً، ويشمل مسؤولين كباراً؛ لكون الميراج تمثل فخر الصناعة والتقنية الفرنسية، مما يتطلب وجود حماية كبيرة جدّاً لها، في عالم انتقلت فيه الجاسوسية من المخزون العسكري إلى التقنية الحديثة في حد ذاتها! ، كما تبرز إلى حيز الوجود قضية المواطنين اليهود من رعايا الدول الغربية ومدى إخلاصهم لبلادهم، أو تغلب عواطفهم الدينية على القومية /الوطنية.
سادساً: الاعتداءات العسكرية:
في هذه الفقرة ليس التركيز على الحروب أو الغارات العسكرية التي شنتها
الآلة الصهيونية، بقدر ما هو منصب على التجاوزات الصريحة لمجمل القرارات
الدولية المتعلقة بالحرب وقوانينها، ففي حرب الأيام الستة (النكبة الكبرى) عام
1967م، استخدمت إسرائيل مع مصر دبابات ومدّرعات وأزياء عسكرية مصرية
كانوا قد استولوا عليها (أو ربما طلوها بالعلم المصري)، وبالتالي: انخدع الجيش
المصري بتلك الحيلة، علماً بأن مواثيق (لاهاي) المتعلقة بالحرب وضوابطها تنص
في المادة الثالثة والعشرين على عدم) إساءة استعمال علم الهدنة أو العلم الوطني أو
الشارات أو الأزياء العسكرية الخاصة بالعدو [28] .
أما على الجبهة اللبنانية التي حمى وطيسها عقب اتفاقية (كامب ديفيد) ،
التي حيّدت الجانب المصري في صراع المنطقة: فقد قامت إسرائيل بخروق
للقوانين الدولية في مجالات شتى، منها على سبيل المثال: قيام السلطات
الإسرائيلية المحتلة للبنان بتنظيم رحلات سياحية في لبنان، واستخدام مطارها
الدولي المحتل متبعة سياسية فرض الأمر الواقع [29]، ومع ذلك: لم يفرض
عليها المجتمع الدولي أي حظر، ومما يؤكد حقيقة سياسة استعراض العضلات:
انطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء عام 1981م،
واختراق الأجواء الدولية دونما استئذان من الدول المعنية، وضرب المفاعل النووي
العراقي [30] .. الجدير بالذكر: أن سيناء كانت ترزح تحت الاحتلال، ويحرّم
القانون الدولي استعمال الأراضي المحتلة للأعمال العدوانية وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك: قامت (إسرائيل) ومنذ عام 1975م بدعم حزب الكتائب
النصراني بالسلاح والصواريخ والدبابات، فضلاً عن إرسالها قرابة خمسة
وعشرين ألف جندي إلى لبنان في سنة 1978م [31] ، مما يخالف القانون الدولي
القاضي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للغير، إلا أنّ المخالفات الصهيونية
لا تعترف بحدود؛ ولذلك فقد أقدم) إرييل شارون) بنفسه على وضع خطة إدخال
ميليشيات حزب الكتائب إلى المخيمات الفلسطينية سنة 1982م، وما ترتب على
ذلك من مذابح وحشية في (صبرا وشاتيلا)[32] ، كل هذه المخالفات الصريحة
لمواثيق حقوق الإنسان وحدود الدول وأمنها تتم تحت سمع وبصر العالم، فلا يحرّك
(المتحضرون) ساكناً، وكأن أولئك البشر لا يشملهم القانون الدولي الموقر! ولا
عجب من أن يحدث أكثر من هذا كله إذا كانت (إسرائيل) تتمتع بدعم من القوى
العظمى، فقد أقر أحد الموارنة المشهورون بأن وزير الخارجية الأمريكية
…
(ألكسندر هيج (كان يعلم بالغزو الإسرائيلي للبنان في مايو 1981م وأعطى الضوء
الأخضر للعملية [33] .
لم تحل الاختلافات العقائدية فضلاً عن الحالة الاجتماعية والموقع الجغرافي
بين الصلف الصهيوني وانتهاك حقوق المسلمين حتى في أقصى الكرة الأرضية؛
فها هي المخابرات الإسرائيلية تقوم بتدريب قوات مختارة من) نمور التاميل (
الذين يشنون حرباً على الحكومة السيرلانكية وتبيع لهم السلاح، ومعلوم للجميع
معاملة هذه الفئة للمسلمين هناك، والأعجب من ذلك: مساعدة (إسرائيل) للجيش
الحكومي السيرلانكي، ومساعدة الحكومة على الاحتيال على البنك الدولي وبعض
المستثمرين لدفع ثمن الأسلحة [34] ، مرة أخرى تتدخل (إسرائيل) في الشؤون
الداخلية لدولة مستقلة وعضو في المجتمع الدولي، وتشعل نار الحرب الأهلية فيها، وتمد طرفي النزاع بالسلاح، ملقية بالقانون العالمي خلف ظهرها، علماً بأنها قد
وقعت على ميثاق الأمم المتحدة الذي يحض الدول كلها على نشر السلام في العالم
والمساعدة على استتبابه بين الشعوب.
ولقد قامت دولة يهود سنة 1979م بإجراء تجربة نووية في جنوب المحيط
الأطلسي بالتعاون مع نظام جنوب إفريقيا العنصري الذي وفّر لها المكان الملائم
مقابل تبادل التقنية الإسرائيلية في ذلك المجال، وعلى الرغم من أن (إسرائيل)
ترفض الاعتراف بوجود برنامجها النووي الذي أسسه) شمعون بيريز (بتمويل
ودعم من فرنسا في العقد السابع من هذا القرن الميلادي، وبالتالي: رفض
الانضمام والانصياع للمعاهدة الدولية التي تحد من انتشار الأسلحة النووية.. إلا أنّ
الحكومة الأمريكية هي الأخرى قد تعامت عن قصد عن تلك التجربة، بل وقامت
إدارة الرئيس (كارتر) بحجب معلومات سياسية وعسكرية عن لجنة فنية كانت
تحقق في الموضوع حتى توصي بخطأ القمر الصناعي الذي رصد التجربة؛ لئلا
تضطر إلى معاقبة (إسرائيل) حسب قانون المعاهدة المذكورة وكذلك التشريعات
الأمريكية في هذا المجال [35] .
وأخيراً:
فيما سبق عرضت نماذج من خرق دولة صهيون للقانون الدولي، وليست
الاختراقات محصورة في ذلك، بل هذا هو ما سمح به الحيز ومصادر المعلومات،
ويكفينا أن نأخذ العبرة مما مر معنا، فالدولة اليهودية التي ترفض توضيح حدودها
السياسية [36] ، لأن لديها أهدافاً وأطماعاً لم تحققها بعد، والكيان الذي لا يزال
يفتقر إلى دستور مكتوب [37] ، علماً بأنه يزعم اعتناق الديمقراطية التي تثبت
الحقوق والواجبات
…
يقوم بتنفيذ سياسة المندوب السامي في زمن الاحتلال
العسكري، ولكن تحت مظلة العالم الغربي المفتون بالتنظيم والحقوق، ومن أخصها
تلك المتعلقة بالإنسان، فإسرائيل تدمر البنية الاقتصادية لدول المنطقة بطرق
…
مختلفة، وتسعى جاهدة ومن ورائها الحلفاء الغربيون إلى تكوين (سوق شرق أوسطية) تكفل الرفاهية للشعب المختار على حساب شعوب المنطقة برمتها، وقد وصفها الصحفي الإسرائيلي) يعقوب تيمرمان) بأنها: (جنوب إفريقيا في المنطقة، تحيل العمال العرب إلى مواطنين من الدرجة الثانية لخدمتها، فيما تحولت إلى بروسيا [*] الشرق في توسعها وسيطرتها ( [38] .
ترى بعد كل هذا: من يستطيع أن يضمن الحقوق العربية التي تدور حولها
المفاوضات؟ ، ومن لديه القوة الكافية لمعاقبة (إسرائيل) إذا تخلت عن عهودها؟ ،
وكيف والحالة هذه يثق المفاوضون العرب والمؤيدون لعملية السلام بالديمقراطية
الصهيونية؟ لقد رأينا كيف فعلت إسرائيل باتفاقيات أوسلو على أرض الواقع،
فلماذا الإصرار والمراهنة على عملية مصيرها الفشل الذريع؟ .
أهو فقدان الثقة بالله؟ أم فقدان الثقة بالنفس؟ أم الخوف من المستقبل؟ أين
أمتي عن مبشرات النهاية المحتومة لليهود؟ .. ألم يقرؤوا القرآن؟ ألم يراجعوا
السنة؟ .. أم على قلوب أقفالها..؟ ! .
(1) ستيفن جرين، بالسيف: أمريكا والشرق الأوسط، ص 33.
(2)
زهير هواري، الاجتياح الاقتصادي الإسرائيلي للبنان، ص 25.
(3)
بالسيف، مصدر سابق، ص 144.
(4)
المصدر السابق، ص 56.
(5)
جوزيف أبو خليل، قصة الموارنة في الحرب، ص200.
(6)
المصدر السابق، ص233.
(7)
المصدر السابق، ص 232.
(8)
المصدر السابق، ص 253.
(9)
ضياء الهاجري، إسرائيل من الداخل، ص 18.
(10)
المصدر السابق، ص 77.
(11)
المصدر السابق، ص 21.
(12)
المصدر السابق، ص 81.
(13)
المصدر السابق، ص 87.
(14)
بالسيف، مصدر سابق، ص 111.
(15)
فيكتور إستروفسكي، عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص 148.
(16)
المصدر السابق، ص 29.
(17)
بالسيف، مصدر سابق، ص 102.
(18)
المصدر السابق، ص 53.
(19)
بالسيف، مصدر سابق، ص 219، ص223.
(20)
عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص 257.
(21)
بالسيف، مصدر سابق، ص 237.
(22)
المصدر نفسه، ص 99.
(23)
بالسيف، مصدر سابق، ص 109.
(24)
المصدر نفسه، ص 102.
(25)
المصدر نفسه، ص 108.
(26)
عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص 131.
(27)
المصدر نفسه، ص 23.
(28)
بالسيف، ص 64.
(29)
الاجتياح الاقتصادي الإسرائيلي للبنان، ص 31.
(30)
بالسيف، ص 180.
(31)
المصدر نفسه، ص 145.
(32)
إسرائيل من الداخل، ص 95.
(33)
قصة الموارنة في الحرب، ص 198.
(34)
عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص 63.
(35)
بالسيف، مصدر سابق، ص 176.
(36)
المصدر نفسه، ص 70.
(37)
إسرائيل من الداخل، ص 7.
(*) المقصود ببروسيا هو ألمانيا حالياً.
(38)
المصدر السابق، ص 142.
ملف العدد
(حتى لا ننسى فلسطين)
ماذا يبقى من فلسطين؟
(قراءة في ملف التنازلات)
(1 من 3)
بقلم: حسن أحمد قطامش
ما زالت الآثار السلبية لفوز (نتنياهو) زعيم تكتل الليكود برئاسة الحكومة
الصهيونية مستمرة، وما زالت عنجهيته تلقي بظلالها على مسار السلام المزعوم،
وما زال العرب اللاهثون وراء أوهام السلام يتلقون ضرباته الموجعة ومواقفه
التشنجية، لا سيما لاءاته: لا لعودة القدس.. لا للدولة الفلسطينية.. لا للانسحاب
من الجولان.
جاءت هذه اللاءات وكأنها مصمّمة على مقاس اللاءات العربية الشهيرة التي
ولدت ولادة قيصرية في قمة الخرطوم عقب هزيمة 1967م: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض.
أدركنا من شعاراتهم تلك حجم الاستخفاف والاستغفال للشعوب المسكينة التي
طالما دغدغت وسائل إعلامهم مشاعرها باللاءات، والتي تمنت تحقيق شيء منها،
فالناس تلهث وراء من يحقق أحلامها.. ولو بالشعارات.
وحين كان الوطيس حامياً لم يعلم كثير من الناس ما يدار من وراء الظهور،
فقد كان إن أُحسن الظن جدّاً هناك بقية من حياء، أو قل في حقيقة الأمر: لم يكن
من السهل على الشعوب تقبل هذا الكيان الدخيل كجار له حق الجوار بعدما فعل ما
فعل، لم تكن هناك وسيلة يومها للحفاظ على مكاسب الحكم إلا بهذه اللاءات.
لم يكن من السهل يومها أن تتنازل منظمات وجبهات عن خطاباتها
…
(الاستراتيجية) أو عن (الأيديولوجيا (التي تربت عليها نخبها الفكرية والمسلحة.
لم يكن هذا ولا غيره ممكناً وقوميتهم العربية! تدرّس للفتيان والفتيات في
المراحل المتوسطة على أنها دين جديد.
لكن ما كان مثبتاً صار منفياً، وكان لهم كثير مما أرادوا، انجلت الحقيقة
وأعلنوها بكل عنترية ومن (موقف القوة (: إننا ننادي بالسلام! !
ونرى القوم اليوم وقد تعالت لهم لاءات أخرى رنانة، يثبتون وينفون، ولكن
ما عادت الشعوب هي الشعوب، فصاروا هم في واد، والناس في وادٍ آخر.
سقطت كل الأقنعة، وفتحت (كل الأبواب (الموصدة بمبادئ (الكفاح حتى
التحرير (و (الخنادق لا الفنادق (.. فتحت على مصاريعها للسلام والمفاوضات، وتبارى القوم في إثبات الأحقية بلقب المفاوض السري الأول مع بني صهيون.
ويذكرنا ذلك بقصة ذكرها حسنين هيكل في كتابه (أكتوبر.. السلاح
والسياسة (: أن (هنري كيسنجر ((اليهودي الألماني الأصل) وزير خارجية
أمريكا الأسبق، عندما تردد على مصر أكثر من مرة، كان الساسة الحضور
يتبارون في احتضانه وتقبيله؛ ليثبت كل منهم للآخر أنه على معرفة به، مما حدا بـ (كيسنجر) أن يُخْبِرَ الرئيس (نيكسون (بشكه في نفسه من كثرة المقبِلين له
من الرجال..! ! [ص 726] .
والعجيب أن اللاءات القديمة كانت تعيش دهراً حتى يأتي زمان انقلابها.. أما
اليوم: ف (لا) الصباح هي (نعم) المساء.
ونأتي الآن على هذه القواميس الجديدة، وهي نصوص حرفية لتصريحات
صحفية لم نُحرف فيها حرفاً..
ولنبدأ بـ (أصحاب القضية) ، ثم (مملكة السلام الدافئ جدّاً (، ثم (أرض السلام البارد (، ثم نأتي على أصحاب (التطبيع الاقتصادي (المتواري! !
…
ثم نأتي على العموميات للخطاب الظاهر والباطن في دفتر التنازلات
…
لبني صهيون، ولننظر: ما الذي يبقى من فلسطين بعد كل ذلك؟ !
أولاً: أصحاب القضية:
أ - العرفاتيون ينقضون الميثاق:
لا أريد أن أستبق الحديث عن خطر نقض الميثاق الوطني الفلسطيني، وعن
محو ذاكرة شعب بأكمله، وتحويل الجهاد بمحاربة يهود إلى تطرف وإرهاب،
ولكن سنترك للميثاق نفسه الحديث، وسنذكر نص المواد التي تضمنها الميثاق الذي
أُلغي، ثم نذكر بعدها النصوص التي نُقض بها بُنْيان الأول، ثم
…
التهديد مرة
أخرى للعودة للميثاق القديم! ! فلا عجب، ولنجري بعدها المقارنة بين
…
... (استراتيجيات الأمس (و (تكتيك اليوم (! !
من نصوص الميثاق القديم:
المادة [1] : (إن فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب
البريطاني وحدة لا تتجزأ (.
المادة (9) : (إن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهو
بذلك (استراتيجية (وليس (تكتيكاً (.
المادة (19) : (إن تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947م وقيام دولة
إسرائيل باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن؛ لمغايرته لإرادة الشعب
الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه، ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم
المتحدة، وفي مقدمها: حق تقرير المصير (.
المادة (20) : (باطل كل من تصريح بلفور، وصك الانتداب، وما ترتب
عليهما، وإن دعوى الترابط التاريخي والروحي بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع
حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح، وإن اليهودية بوصفها
ديناً سماويّاً ليست قومية ذات وجود مستقل، وكذلك: فإن اليهود ليسوا شعباً واحداً
له شخصيته المستقلة، وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها (.
المادة (21) : (إن الشعب العربي الفلسطيني معبراً عن ذاته بالثورة
الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فسلطين تحريراً كاملاً،
ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية أو تدويلها (.
كانت هذه بعض بنود الميثاق الذي أُقر في العام 1964م، وتم تعديله في العام
1968م.. لم يمر عليه إلا ثلاثة عقود فقط حتى انعقد المجلس الوطني الفلسطيني
في غزة مرة أخرى يوم 22 إبريل 1996م، وقرر ما يلي:
(يؤكد المجلس التزامات منظمة التحرير الفسلطينية في اتفاق إعلان المبادئ
(أوسلو/1 (والاتفاق المؤقت في القاهرة، ورسائل الاعتراف المتبادل الموقعة في
9 سبتمبر (أيلول) 1993م، والاتفاقية الإسرائيلية المرحلية حول الضفة وقطاع
غزة (أوسلو/2 (الموقعة في 28 سبتمبر (أيلول) 1995م، وقرار المجلس
المركزي الموقع في 28/10/1993م، الذي وافق على المشاركة في مؤتمر مدريد، وإذ يستند إلى المبادئ التي انعقد على أساسها مؤتمر مدريد للسلام، ومفاوضات
واشنطن.. يقول:
أولاً: يُعدّل الميثاق الوطني الفلسطيني بإلغاء البنود التي تتعارض مع رسائل
الاعتراف بين منظمة التحرير وحكومة إسرائيل يومي 9، 10/9/1993م.
ثانياً: يكلف المجلس الوطني الفلسطيني اللجنة القانونية بإعادة صياغة الميثاق
الوطني، وعرضه على المجلس المركزي في أول اجتماع له (.
فبين الميثاق، وتعديل الميثاق
…
لا تعليق.
إن الأساس الإلزامي لإلغاء أو حذف بنود الميثاق الوطني وردت أساساً في
رسالتي التعهدات اللتين قدمهما ياسر عرفات باسم المنظمة في 9 سبتمبر 1993م
إلى كل من رئيس وزراء إسرائيل (رابين (، ووزير خارجية النرويج، واللتين
يسميهما المجلس الوطني: (الرسائل المتبادلة (! !
ولقد تضمنت الرسالتان تعهدات رئيسة، هي:
1-
الاعتراف بحق (إسرائيل (في الوجود.
2-
قبول قراري مجلس الأمن الدولي: 242، 338.
3-
الالتزام بعملية السلام في الشرق الأوسط، وبتسوية سلمية للنزاع مع
إسرائيل.
4-
التخلي عن اللجوء إلى (الإرهاب (وغيره من أعمال (العنف (،
وتحمل مسؤولية ضبط جميع عناصر المنظمة وأفرادها، والتأكد من امتثالهم، ومنع
أي مخالفات، و (معاقبة المخالفين (.
5-
التعهد بأن يقوم المجلس الوطني الفلسطيني بتعديلات في ميثاق المنظمة؛
لإلغاء البنود التي تنكر على (إسرائيل (حقها في الوجود.
وفي تلك الآونة: صدرت تصريحات لكبار القادة (من أصحاب القضية
والكفاح المسلح) نقف على بعضها الآن، فيها النفي، وفيها الإثبات، ولكن في
القاموس الجديد للنفاق السياسي:
ياسر عرفات: إن هذا الميثاق ليس ميثاقي، ولا ميثاق الثورة الفلسطينية،
ولم يكن ميثاق حركة فتح، لأن ميثاق فتح وميثاقي هو الدولة الديمقراطية
…
العلمانية! ! ، وهو الذي انتخبت على أساسه رئيساً لمنظمة التحرير، وليس بناءً على الميثاق السابق. [الشرق الأوسط ع/6362 29/4/1996م، مقال بلال الحسن عضو المجلس الوطني] .
عرفات: فقرة تدمير إسرائيل لاغية، وباطلة، وعفا عليها الزمن [الخليج
ع /6104 1/2/1996م] .
وفي باريس، في عام 1988م، استقبل الرئيس الفرنسي (ميتران (ياسر
عرفات، مما اعتُبِر اعترافاً بمنظمة التحرير، واجتمع وزير خارجية فرنسا وقتها
(آلان دوما (وعرفات، وتكلم معه (كصديق (، وقال: إنك لا تتصور كم
سوف تكلف هذه المقابلة الرئيس (ميتران (سياسيّاً أمام الرأي العام، وإذا سمحت، فإنني أقترح عليك أن تقدم له شيئاً في المقابل، إنك أعطيت كثيراً لـ (جورج
شولتز (وزير خارجية أمريكا وقتها، ومن حق (ميتران (أن تساعده.. ثم
اقترح عليه (دوما (أن يعلن تخليه عن مواد الميثاق الوطني التي تختص
بإسرائيل (عدم الاعتراف بها وتدميرها.. إلخ) ، فرد عرفات بأنه مستعد لذلك،
والآن، وللصحفيين الواقفين في انتظار أمام مكتب وزير الخارجية.. ثم سأله
عرفات عن كلمة بالفرنسية تؤدي المعنى الذي يريده وزير خارجية فرنسا، فاقترح
عليه أن يقول للصحفيين: إنه يعتبر ميثاق منظمة التحرير: (CADUV (، أي: مُلْغًى، وليس له مفعول! ! ! ( [القنوات السرية العالم اليوم ع/1716 23/ 9 /1996م] .
نايف حواتمة: (الميثاق ليس مقدساً وبعض بنوده شاخت، وعفا عليها
الزمن ( [الخليج ع/6109 6/2/96م] .
محمود عباس: (أبو مازن (: (عدلنا الميثاق سنة 1988م (!) ، والمطلوب إشهار التعديل ( [حوار للاتحاد، ع/7673 29/1/296] .
وتقول السيدة (ماري كلير) أرملة رئيس وزراء فرنسا الأسبق (بيير
…
فرانس) : التي عقد في بيتها أول لقاء سري على حد قولها بين اليهود
…
والفلسطينيين (مَثّلهم فيه عصام السرطاوي، الذي قتل في البرتغال عام 1984م) وكان ذلك في باريس عام 1976م، تقول: (إنه بعد وفاة زوجها التقت عرفات في تونس عام 1989م، وأبلغته بعد زيارتها لتل أبيب أن العثرة القائمة أمام قيام حوار فلسطيني/ إسرائيلي هي: ميثاق المنظمة الذي يدعو لرمي إسرائيل في البحر، وأبلغته: أن عليه أن يشطبها من الميثاق؛ لأنهم أي: الفسلطينيون غير قادرين على ذلك، فأخبرها عرفات بأن تلك المقولة أصبحت لاغية وباطلة المفعول ( [حوار لعكاظ ع/ 10946 1/8/1996م] ، هذه السيدة اسمها الأصلي (ليلى شكوريل (، يهودية من أسرة شكوريل المصرية الشهيرة، وهي لا تزال مهتمة بقضايا إسرائيل/فلسطين، من تأثير اهتمام زوجها بها، وقد كان يهوديّاً أيضاً.
وعليه: فقد صَدَق أبو مازن فيما قاله، لقد كان الثمن الذي يدّعيه الفلسطينيون
لقاء الاعتراف ونقض الميثاق هو: وعد من يهود بقيام دولة فلسطينية، ومع رحيل
الواعد والوعد، وتشدد الخلف (نتنياهو) : حاول القوم النكوص مرة أخرى
ومحاولة رمي إسرائيل في (
…
((!) ، فهذا رئيس المجلس الوطني الفلسطيني
(سليم الزعنون (في حوار أجرته معه صحيفة (العالم اليوم (يجيب على
السؤال التالي:
س: هل هناك خيارات أخرى بعد إلغاء نص القضاء على إسرائيل؟
ج: عندما قررنا إلغاء الميثاق الوطني كان مقابل اعتراف (شيمون بيريز (
وحكومته بقيام دولة فلسطينية، وإذا لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة
…
معها، فسوف نعيد نص الميثاق الخاص بالقضاء على إسرائيل!
س: ما هي البدائل المتوافرة لدى السلطة الوطنية لاستخدامها في حال
استمرار (نتنياهو) في تشدده ورفضه تنفيذ الاتفاقيات؟
ج: نحن نراهن على استنهاض القوى المحبة للسلام والمؤيدة له داخل
إسرائيل، وهي بالمناسبة قوى مهمة ومؤثرة في الوقت نفسه، وسنظل نخاطب
المجتمع الدولي لهدف مساعدتنا في استرداد حقوقنا المشروعة، وسنحافظ على ما
حققناه على الأرض بكل الوسائل، حتى إذا استدعى الأمر أن نتحلى بالصبر طوال
السنوات الأربع القادمة مدة حكم نتنياهو [يا لها من وسائل] مع الاستمرار في
النضال على كل الجبهات.. [العالم اليوم ع/1662 23/ 7/1996م] .
كان هذا رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، أما رئيس المجلس التشريعي
…
(أحمد قريع (، الذي يمثل مع الزعنون على حد قول عرفات هيكل الدولة، فقد
سُئل من قِبل محطة (بي. بي. سي (عن:، ماذا ستفعلون إذا استمر (نتنياهو)
في مواقفه المتشددة؟ فأجاب: سنفعل كل شيء، ما الذي لا نستطيع أن
…
نفعله؟ ! إنها ستكون مواجهة بمعنى الكلمة، مواجهة سياسية، مواجهة دبلوماسية الانتفاضة! ! .. [مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية 26/2/1417هـ، 12/7/
1996م] .
فيا معشر العقلاء.. من نصدق من أولئك الساسة العظام.. حَمَلة
…
... (القضية (؟ !
ب: الدولة الفلسطينية وعاصمتها.. (القدس)(1) :
قبل البدء في عرض تصريحات القوم حول الدولة والعاصمة: نلقي نظرة
سريعة حول هذه الدولة والقدس العاصمة الأبدية لها، ولننظر: هل تصلح هذه
التصريحات مع هذا الواقع.. أم هي جعجعة كلامية؟ !
- مساحة الأرض:
بعد عقود من الحروب والتشتت والمعاناة نجري مقارنة بين حقوق
الفلسطينيين المشروعة، وبين ما قدمته لهم إسرائيل من (تنازلات (من خلال
اتفاقيات السلام! !
تبلغ مساحة الأرض الفلسطينية وهي جوهر الصراع (26.320.000)
دونم، وذلك في عام 1917م، وعندما أنشئت الدولة اليهودية عام 1948م كانت
مساحة الأرض اليهودية (1.491.699) دونماً، أي 5. 7% من مساحة
فلسطين، ومنها انطلق الجيش الصهيوني ليحتل باقي فلسطين وأجزاء من مصر
والأردن وسوريا ولبنان.
والآن أعطت اتفاقية السلام السلطة الوطنية الفلسطينية ما مساحته (1.860.000) دونم، والعجيب: أن هذه المساحة وهي غزة والضفة تساوي تقريباً مساحة الأرض اليهودية عام 1948م، فكأنما تبادل الفلسطينيون واليهود أراضيهم، فأخذ الفلسطينيون 6% وأعطوا اليهود 94% من فلسطين! .
- المياه:
تبلغ مصادر المياه في الضفة الغربية وغزة 700 مليون م3/سنة، تأخذ منها
يهود 420 مليون م3/سنة، والفلسطينيون (1.500.000) نسمة يحصلون على
115 مليون م3/ سنة، والمستوطنون (130.000 نسمة) يحصلون على 50
مليون م3/سنة، أي: إن نصيب المستوطن من المياه خمسة أضعاف نصيب
الفلسطيني.
- عدد السكان:
يبلغ عدد الفلسطينيين الآن (7.700.000 نسمة) ، منهم حوالي مليون
(12%) في إسرائيل، و 2.255.000 نسمة (29%) في الضفة وغزة، ويبقى
4.
500.000 فلسطيني في الشتات يمثلون أكثر من ثلثي الشعب، بينما يبلغ
عدد السكان اليهود في إسرائيل الآن 4.500.000 نسمة، كان عددهم عند
احتلالهم فلسطين 605.900 منهم 250.000 يحملون الجنسية الفلسطينية،
والباقون أغراب، وبالزيادة الطبيعية أصبح عدد يهود 1948م في العام الماضي
(1995م)1.682.000، وهذا يعني أن 2.800.000 يهودي استُجلبوا
من الخارج، لإحلالهم محل 4.500.000 فلسطيني طردوا من ديارهم، بمعنى
أن اتفاقية السلام أسبغت الشرعية على حقوق 2.800.000 مستورد، وحرمت
حقوق 4.500.000 فلسطيني من العودة لوطنه.
(1) بتصرف عن دراسة سليمان أبو ستة عضو المجلس الوطني الفلسطيني، جريدة الحياة اللندنية، ع/11919 10/10/1995م.
المسلمون والعالم
مصر في القرن الواحد والعشرين..
قراءة أصولي..
(3 من 3)
بقلم: عبد الرحمن الكناني
عرض الكاتب في الحلقتين الماضيتين لأهم نقاط الدراسة المستقبلية عن
مصر التي قدمها الدكتور/ أسامة الباز، ثم بدأ في نقد هذه الدراسة بذكر ست
ملحوظات عامة عليها، وأخذ في عرض بعض الملحوظات التفصيلية، كان آخرها: الموقف من الصحوة الإسلامية، حيث تعرّض لأسباب ظهور الصحوة،
والصراع بينها وبين العلمانيين، ورؤية أصحاب الدراسة لطريقة التعامل معها..
ويواصل الكاتب قراءته للدراسة.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... - البيان -
الملحوظة الخامسة: عن المرأة والسكان:
رغم أن الدكتورة مديحة السفطي (أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية،
ومستشارة الأمم المتحدة ووكالة التنمية الأمريكية، وعضو المجالس المتخصصة)
تحاول أن تجمع بين التوجهات الدولية نحو المرأة: من زيادة فرص ومجالات
التساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة، والاهتمام بالمرأة من زاوية (حقوق
الإنسان) ، تحاول أن تجمع بين ذلك ووجوب (تعاملنا مع المؤتمرات العالمية
بشكل انتقائي، فنأخذ من المؤتمرات الدولية وقراراتها ما يتفق مع تقاليدنا، ونترك
كل ما يخالف إسلامنا «وهو تحفظ مشكور من الدكتورة السفطي، ولكن يبدو أن
التصور المنقوص لعلاقة الإسلام بالحياة الاجتماعية حال دون وضع تصور صحيح، والغالب أن الدكتورة تقصد بهذا التحفظ رفض اللغط الدولي الدائر حول حقوق
الشاذين جنسيّاً و (الأشكال الجديدة) للأسرة، ولكنها تفتح المجال أمام قضايا أخرى
قد ترى فيها التقاءً مع تحرك الأمم المتحدة، وإلا فلن يكون هناك مجال للحديث عن
هذا التحرك، وهذا ما عبرت عنه الدكتورة بأن (هناك اتجاهاً دوليّاً نحو زيادة
فرص ومجالات التساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة) ، فإن المرأة المصرية
(برغم أنها استطاعت أن تحقق مكاسب في المجتمع، إلا أنها لم تنجح في الحصول
على المساواة مع الرجل) .. فإذا كانت المرأة المصرية قد حصلت على إلزام
للدولة بموجب دستور 1971م (بحماية الأمومة والطفولة، ومن ثم: سن
التشريعات التي تعطي للمرأة بعضاً من الحقوق، ومنها الحقوق السياسية) ، كما
توفر للمرأة زيادة نسبة مشاركة المرأة في العمل، وفي انخراطها بالمراحل التعليمية
المختلفة، وزيادة مجالات التوظيف، وإذا علمنا أنه ليس هناك أي تفريق بين
الرجل والمرأة في الأجور ومجالات التعليم أو التوظيف، فما هي المساواة
المقصودة التي لم تحصل عليها المرأة، إننا نرى أنه لم يبق إلا المساواة في
الميراث وحق التطليق، وهو ما يدندن عليه كثيراً بعض متطرفي (العلمانية
النسائية) .
والدكتورة السفطي تركز على عمل المرأة، فإضافة إلى ما تقره من (مكاسب)
في هذا المجال تشير إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل نتيجة هجرة
العمالة المصرية للخارج، كما ترى (أن تحرير المرأة يؤدي إلى رفع الأعباء عن
كاهل الأسرة، عن طريق مساهمتها في زيادة الدخل) .. فما المقصود بـ
(التحرير) ؟ !
نعرض فيما يلي إلمامة بالنتائج (الاجتماعية) و (الاقتصادية) لمساهمة المرأة
في زيادة الدخل [1] :
يقول الدكتور أحمد إبراهيم عبد الهادي، أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة
جامعة بنها: (في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد النساء بالقوى العاملة بالمنظمات
المصرية، وبالإضافة إلى التوقعات الخاصة بتزايدهن بمعدلات سريعة في الإدارة
بشكل عام وفي الإدارة الحكومية بشكل خاص: فإن الاختلافات في التكوين
البيولوجي والنفسي والقدرات العقلية بين النساء والرجال في المتوسط، وأيضاً:
اختلاف تأثير العوامل الاجتماعية والتنظيمية ينتج عنها تأثيرات سلبية في مدى
فعالية النساء في العمل أو الإدارة
…
ولقد قام الباحث بدراسة علمية تناولت العوامل
المؤثرة في سلوك المرأة المديرة مع التطبيق على بعض المنظمات في مصر)
أوضح فيها صراع الأدوار الذي تعيشه المرأة العاملة: من سيطرة مشكلات رعاية
الأطفال، ودور المرأة نحو زوجها، والتأثيرات الصحية والنفسية والاجتماعية،
ومظاهر التوتر النفسي والقلق
…
وميخائيل جورباتشوف (الرفيق) يقول في (البيروسترويكا) : (إن المرأة
تعمل في مجال البحث العلمي، وفي الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط
الإبداعي، ولم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل (العمل المنزلي) ،
وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب) .
(في 23/12/1985م تقدم مجموعة من أطباء الأطفال بمذكرة للدكتور
عاطف عبيد وزير شؤون مجلس الوزراء تدعو إلى مساعدة الأم المصرية للقيام
بأهم وظائفها المتمثلة في رعاية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الصحية السليمة
…
وأيضاً حماية الاقتصاد المصري من استنزاف ميزانيته في استيراد الألبان
…
الصناعية..) .
وفي (21/3/1987م: أصدر رئيس هيئة القطاع العام للغزل والنسيج قراراً
بمنع تعيين السيدات في ثلاثين شركة غزل ونسيج، وقال: إنه استند في قراره هذا
إلى أن العائد من عمل المرأة لا يتجاوز 20% مما يحققه الرجل) .. وذلك بخلاف
التصريحات والقرارات التي صدرت منذ 1971م حول إنتاجية المرأة المنخفضة،
والرغبة في تشغيل المرأة نصف أيام العمل الرسمية، ومشروعات قوانين لمنح
المرأة العاملة إجازة (10) سنوات بنصف الأجر
…
فإذا أضفنا إلى تلك الآثار: نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب التي تسهم
المرأة العاملة في ارتفاعها بينهم، والتي يتعاظم أثرها على الرجل بخلاف المرأة في
مجتمعاتنا وما ينتج عن الفراغ المصاحب لذلك من مشكلات نفسية واجتماعية وأمنية
…
لوقفنا حائرين أمام الإصرار على خروج المرأة إلى العمل.
ولكن جانباً من هذه الحيرة يزول إذا طالعنا الآتي [2] : (في 6/1/1972م:
نشرت الصحف أن الدكتور أحمد السيد درويش وزير الصحة حينئذ بحث مع
أعضاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير الاتجاه إلى إيجاد فرص عمل ملائمة لكل
امرأة عاطلة في مصر؛ لإمكان رفع مستواها الاقتصادي، وشغل وقت فراغها
الطويل كوسيلة فعالة من وسائل تنظيم الأسرة في مصر.. على أساس أن المرأة
ذات الدخل المناسب أقل إنجاباً وأحرص على تنظيم أسرتها) ، وفي (20/1/
1986م: ناقش المجلس القومي للسكان برئاسة د. ماهر مهران مقرر المجلس
إعداد خطة قومية للتوسع في تشغيل المرأة المصرية على مدى خمس سنوات،
باعتبار أن ذلك هو الحل الأمثل والوحيد لأزمة السكان في مصر.. بعد أن أثبتت
الأبحاث العلمية أن المرأة العاملة أقل خصوبة وإنجاباً! !) .
وهذا ما يقرره أيضاً الدكتور محمد السيد غلاب في المشروع المستقبلي الذي
نحن بصدده؛ حيث يقول: إن (انتشار التعليم واهتمام المرأة بالعمل، لهما أثرهما
في الحد من الزيادة السكانية) .
ويبدو أن الأمر مستقر في المشروع المستقبلي على الحد من الزيادة السكانية،
فإضافة إلى ما نصح به الدكتور غلاب يضع الدكتور الباز من أهم ركائز رؤيته
المستقبلية: وضع خطة شاملة لتنمية المورد البشري في مصر، تقوم أولاً على
ضبط النمو السكاني، بحيث ينخفض إلى أقل من 2%، وذلك باستخدام وسائل
أكثر فعالية في الترويج لمفاهيم تنظيم الأسرة وإقناع الجماهير في المناطق الريفية
وفي الأحياء الشعبية في المدن بأفضلية الأسرة الصغيرة القادرة» ، ولا يخفى على
القارئ أن (تنظيم الأسرة) هو الاسم الجديد لـ (تحديد النسل) ، وهذا ما وضحه
الدكتور الباز بـ (أفضلية الأسرة الصغيرة) .
ولا يظهر في المشروع: هل الإصرار على الحد من الزيادة السكانية
والوقوف عند حد الـ 70 مليون بسبب خطر الزيادة السكانية نفسها أم لعجز الدولة
عن تأهيل واستثمار وتوظيف هذه الزيادة؟ ! ، ولكن هناك إشارات في الدراسة
تلمح إلى إدراك أهمية القوة البشرية، منها ما ذكره الدكتور غلاب نفسه من (أن
الزيادة السكانية لم تكن أبداً عبئاً، ولا يصح أن تعتبر كذلك في القرن القادم؛ فهي
التي مكنت مصر من التقدم في كل العصور) ، وفي دراسة أخرى: يشير الدكتور
مصطفى الفقي إلى أن من أهم العوامل المؤثرة في دور مصر عربيّاً: (اعتبار
مصر مستودع الثروة البشرية) .
وفي هذه الإشارات توافق مع منطق العقل والتاريخ؛ يقول الأستاذ خورشيد
أحمد: (القوة الغالبة لا تكون في المستقبل إلا للبلاد التي تتمتع بزيادة السكان،
وتتحلى في الوقت ذاته بالعلوم الفنية، فليس ثمة شيء يستطيع أن يحتفظ لأمم
الغرب بسيادتها وقيادتها العالمية سوى أن تعمل على نشر حركة تحديد النسل ومنع
الحمل في بلاد آسيا وإفريقيا؛ لأجل هذا: فإن البلاد الغربية تعمل اليوم وسعها
لزيادة سكانها، ولكنها في الوقت نفسه تستعين بأحسن ما عندها من أساليب الدعاية
لتعميم حركة تحديد النسل في البلاد الآسيوية والإفريقية) [3] .
ويقول أيضاً: (وما أصدق الأستاذ (أورجانسكي) في قوله: وفي
المستقبل، إنما تكون القوة أكثر عند المعسكر الذي يكون عنده الأفراد أكثر) [4] .
ويقول في الكتاب نفسه: (مما لا يخفى على طالب لعلم التاريخ: أن تعدد
السكان له أهمية سياسية جذرية، ولذا: فإن كل حضارة أو قوة عالمية قد أولت جل
اهتمامها إلى زيادة أفرادها في عصرها الإنشائي والتعميري، ولذا: فإن المؤرخ
المعروف الأستاذ (ويل ديورانت) يعد كثرة السكان من أهم أسباب التقدم المدني وأيضاً يعدها الأستاذ (آرنولد توينبي) من تلك التحديات الأساسية التي ردّاً
عليها يخرج إلى عالم الوجود تقدم أي حضارة إنسانية) [5] .
فهل عرف العلمانيون بعضاً من حكمة حث الرسول على التكاثر والتناسل
والتوالد؟ !
الملحوظة السادسة: الاقتصاد والإنجازات! الثورية:
التطور السريع الذي شهده الاقتصاد المصري منذ قيام حركة 23 يوليو
1952م (لاحظ أنه لا تُذكر هنا الصحوة الإسلامية والأسباب الاقتصادية لظهورها)
هذا التطور الذي يحدثنا عنه الدكتور/إبراهيم حلمي عبد الرحمن، وما أدى إليه من
(نمو كبير في قطاع الصناعة والخدمات، وإلى تحويل مصر تدريجيّاً من دولة
زراعية أساساً إلى دولة أصبحت مساهمة القطاع الزراعي فيها لا تتجاوز 20% من
الناتج المحلي، لكن الضغوط الخارجية والحروب المتتالية في ثلاثة عقود أرهقت
الاقتصاد القومي، ثم عاد الاقتصاد المصري أخيراً إلى مرحلة التنمية السريعة في
الثمانينات) .
هذا التطور حقيقته: تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة التصحر، وعدم مواكبة
الزراعة لأساليب متطورة ومتقدمة، وهجر الفلاح المصري للعمل في مجال
الزراعة.. الحال الذي أدى لما هو معروف من تحويل مصر إلى بلد مستورد لقُوته
بعد أن كان سلة غذاء، حيث أصبحت مصر الآن تستورد 60% من حاجاتها
الغذائية، وكمثال على ذلك [6] : فالقمح الغذاء الأساس في مصر تعتبر مصر أكبر
مشترٍ له من أمريكا (أكثر من مليون طن) ، كما تعتبر مصر ثالث أكبر مستورد في
العالم للقمح والدقيق، وذلك نتيجة سياسة مقصودة، فقد وصل الأمر إلى قطع المياه
لأكثر من شهر عن إحدى القرى، فتم تدمير آلاف الأفدنة المزروعة بالقمح، وفي
أخرى: أُغرقت الأراضي بالمياه، مما أحدث خسائر مماثلة، وفي ثالثة: زرعت
بذور البطيخ فأصابت التربة بما جعلها غير صالحة لزراعة القمح.. كما أن
فيروسات وأمراضاً تستعصي على السيطرة أُدخلت عن طريق البذور المستوردة..
وكان تدمير (350000) فدان بسبب مقاومة الفيروسات بمبيدات مستوردة، ونفقت
60% من الثروة الحيوانية نتيجة أمراض حيوانات مستوردة.. وقد بلغت كارثة
القطن حد استيراد مصر من أمريكا حالياً (19600) طن قطن قصير التيلة،
بخسارة بلغت 500 مليون دولار
…
وجدير بالذكر أن الصهاينة سربوا عبر الحدود المصرية (85) نوعاً من
البذور والمخصبات المحقونة بهرمونات ضارة، فضلاً عن ثمانين نوعاً آخر من
المبيدات السامة الممنوعة دوليّاً..
وحقيقة هذا التطور أيضاً: تخلف صناعي كبير مقارنة بتجارب مواكبة زمنيّاً
للتجربة المصرية (التجربة اليابانية، ثم التجربة الكورية) ، كما أن هناك تغافلاً عن
أن (شماعة إرهاق الاقتصاد المصري بالحروب) قد تحطمت منذ ما يقرب من ربع
قرن، وظهرت خلال هذه الفترة الأخيرة قفزات اقتصادية كبيرة في دول أقل في
الإمكانات كثيراً من مصر (النمور الآسيوية السبعة وتوابعها) .
وهذا التطور (السريع) والعودة إلى مرحلة التنمية (السريعة) في الثمانينات
صاحبه تطور سريع أيضاً في حجم الديون المثقلة بها الدولة والحكومة، فبالإضافة
للدين الخارجي الذي تتضارب التقديرات حوله، والذي بلغ (55) بليون دولار عام
1991م قبل تخفيضه إلى (40) بليون دولار بعد إسقاط الشريحة الأخيرة، لمشاركة
مصر في حرب الخليج وموقفها من قضية (سلام الشرق الأوسط)[7] ، بخلاف
فوائد خدمة الدين المتراكمة، بالإضافة إلى ذلك الدين: هناك الدين العام المحلي
(المقدر بنحو 122. 7 بليون جنيه (نحو 37 بليون دولار) تمثل 80 في المئة من
إجمالي الناتج المحلي المتوقع في الخطة 1996 1997م، إضافة إلى نحو 16. 3
بليون جنيه تمثل أعباء خدمة الدين المحلي والفوائد المستحقة، ليبلغ إجمالي الدين
العام وفوائده: نحو 139 بليون جنيه (41 بليون دولار) تمثتل 86 في المئة من
الناتج الإجمالي الحقيقي
…
وتشير الأرقام إلى ارتفاع أرقام الدين المحلي المتوجب
على الحكومة من الأفراد والمصارف والشركات والهيئات العامة من 11 بليون جنيه
عام 1981م إلى نحو 134 بليوناً و700 مليون جنيه بنهاية عام 1995م، بنسبة
زيادة مقدارها 1225 في المئة، أي 12 ضعفاً خلال 14 عاماً.. ويعزو خبراء
اقتصاديون تضخم هذه المديونية إلى تزايد حجم النفقات الحكومية في ظل ثبات
حجم الإيرادات
…
واعتماد الحكومة على الاستدانة من الداخل.. لسد العجز في
الموازنة..) [8] .
الملحوظة السابعة: هدف تنمية القوة:
تحفظ الدكتور الباز على خفض الإنفاق العسكري، مشيراً إلى (أن ما
يتهامس به البعض أحياناً، ويروجه في أحيان أخرى، عن وجوب خفض الإنفاق
العسكري لصالح الإنفاق المدني
…
هو نظر خاطئ وغير سليم في تقديري
المتواضع؛ لأننا لا بد أن ندرك أن المجتمع لا يمكن أن يكون قويّاً متماسكاً ومنيعاً،
مستعصياً على التهديدات وأخطار الانهيار والتمزق إلا إذا كانت الدولة قوية
…
)
و (لا يفكر في المساس بقدرة مصر العسكرية في السنوات المقبلة إلا ساذج أو واهم ينخدع بالقشور، ولا يحيط بالظواهر المركبة المعقدة من زاوياها المختلفة) .
وإذا كنا نقدر للدكتور الباز هذا الموقف، ونفهم (التهديدات) على أنها الأخطار
الخارجية حيث (إن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط التي نعيش فيها لم تستقر
بعد بالدرجة الكافية) وحيث لا بد (أن نحث دولها على تبني مفهوم جديد للأمن،
يقوم على تحقيق الأمن المتوازن المتكافئ الذي لا يتمتع فيه طرف بميزة نسبية تخل
بالتوازن المطلوب) ، إلا أن المقصود بـ (أخطار الانهيار والتمزق) لم يكن
واضحاً، فهل المقصود هو المخطط الصهيوني لتقسيم مصر إلى أربعة محاور
جغرافية، وهو ما حذر منه تفصيلاً الدكتور حامد ربيع أستاذ العلوم السياسية ذو
المكانة العالمية، وكتب ذلك في مجلة (الأهرام الاقتصادي) العدد 733 في 31/1/
1983م وما بعده، وأورده الدكتور جمال عبد الهادي في الجزء الثالث من كتاب
(الطريق إلى بيت المقدس) ، كما أورد نص وثائقه الصهيونية الكاتب الفرنسي
(روجيه جارودي) في كتابه (فلسطين أرض الرسالات الإلهية) ، أم إن المقصود
أخطار أخرى، قد تنشأ على (الحكومة) نتيجة تنامي اتجاهات غير مرغوب فيها!
وإذا كان موقف الدكتور الباز واضحاً في هذا الجانب (الحفاظ على قدرة مصر
العسكرية) إلا أن طرح اللواء أحمد فخر في الدراسة الخاصة لتحديد دور المؤسسة
العسكرية المصرية كان غير محدد، غير أنه أجاب لنا عن تساؤلنا السابق الأخير،
حيث افترض أن منطقتنا يمكتن أن تشهد أحد سيناريوهين سيؤثران على دور
المؤسسة العسكرية:..
(السيناريو الثاني: فيتمثل في عدم نجاح السلام، ومحاولة القوى الجديدة التي
تظهر خارج الإطار المؤسسي صياغة الأحداث بما يتلاءم مع أهدافها، وفي حالة
حدوث هذا السيناريو: فإن دور المؤسسة العسكرية في الدولة التي ستنجو من
مخاطر تفكك السلطة المركزية سيصبح دوراً أساسيّاً مسيطراً لمواجهة التهديدات
الداخلية أو الخارجية) ، ومن غريب هذا الطرح: أنه لم يهتم بمعالجة كيفية
مواجهة التهديد الخارجي المحوري والطبيعي، وهو الدولة الصهيونية! !
أما السيناريو الأول فكان: (سيناريو نجاح السلام، وفيه سيتم الاختيار بين
عدة مفاهيم للأمن، منها مفهوم الأمن الجماعي، والأمن الشامل، والأمن المشترك، والأمن بالتعاون) ، وهو ما تحفظ عليه الدكتور الباز بتبنيه (تحقيق الأمن
المتوازن المتكافئ) .
وإذا تحقق هذا السيناريو كما في طرح اللواء فخر، فإن هناك دوراً جديداً:
(طبيعة هذا الدور ستفرض على المؤسسة العسكرية إحداث تغييرات في هيكلها،
وإن اختيار مصر للمشاركة في توجهات النظام الدولي الجديد مثل المشاركة مع
قوات الأمم المتحدة في قوات حفظ السلام سوف يؤدي إلى تغير في شكل ومهام
بعض عناصر المؤسسة العسكرية) ..
تصريحات مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية في حديث إلى الصحفيين
حول زيارة الوزير (بيري) لمصر أوضحت وأكدت لنا طرح اللواء فخر، حيث
يقول المسؤول: (وثمة موضوع آخر، وهو أن لنا بعض برامج المساعدات
الأمنية الرئيسية التي نناقشها دائماً بالطبع، وسنتحدث عن الاستمرار في تحديث
القوات المسلحة المصرية، وأيضاً كما تعلمون عما هو ضروري للاستقرار الإقليمي
ومصالح الولايات المتحدة بالتأكيد. وما تسفر عنه مجموعة القضايا عندما توضع
في مجملها أمام أبصاركم هو: أن تتمكن مصر من اللعب في ساحات شتى في
المنطقة وبالتضافر مع الولايات المتحدة، وكما ذكرت سابقاً: كان اشتراك
المصريين في الخليج أمراً مهمّاً، واشتركوا في حفظ السلام في الصومال،
واشتركوا في قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة التي عملت على حفظ السلام في
البوسنة، كما أنهم سيشتركون أيضاً في القوة الدولية في البوسنة، ولذلك وإن لم
تتوافر قوات مقاتلة عصرية وقوات حسنة التدريب قادرة على النهوض بمهام دقيقة
لحفظ السلام، فسوف لا يكون بوسعها الاشتراك في هذه الأمور) [9] .
فهل ستكون القوات المسلحة المصرية ترساً في الآلة العسكرية الأمريكية؟ !.. مجرد سؤال!
الملحوظة الثامنة: تحديات غير مطروقة:
هناك بعض التحديات لم تتطرق الدراسة إلى الإجابة عليها، ومن ذلك:
أ -كيفية القفز عبر الهوة التكنولوجية الواسعة للحاق بالدول الرائدة فيها، فقد
تحدثت الدراسة عن أهمية معالجة التخلف التكنولوجي الذي تعيشه البلاد، وأي
منصف وليس الإسلاميون فقط يعتبر أن هذا التخلف أحد أسباب التبعية والتغريب،
كما أن أمة تعد نفسها للريادة الحضارية لا ينبغي لها أن تتخلف عن الأخذ بأسباب
الرقي التقني والمدنية.
ولكن الدراسة مع إدراكها لأهمية هذا الموضوع إلا أنها لم تعطنا رؤية
واضحة للنهوض من هذا التخلف، في ضوء:
أ - عِظَم الهوة بين الواقع الذي تعيشه البلاد والنموذج الذي تريد اللحاق به.
ب - عدم سماح الدول المالكة لهذه التقنيات بانتقالها إلى غيرها، وبخاصة
بعد اتفاقية الجات.
ج - هجرة العقول والكفاءات المتميزة التي تزخر بها البلاد إلى الخارج،
نتيجة: عدم تقديرها، والافتقار إلى المناخ الملائم لاستثمار إمكاناتها، كأثر من
تخلف العقلية الإدارية التي تتحكم في توجيه واستثمار هذه العقول.
-مواجهة التهديد النووي الإسرائيلي في ظل الإمكانات المصرية المحدودة
والمكبلة بالقوى الدولية، والإصرار الإسرائيلي على التفوق النوعي والكمي
للأسلحة الاستراتيجية وأسلحة الدمار الشامل.
-مواجهة مخططات تقسيم مصر المشار إليها في الملحوظة السابعة في حال
خروجها إلى حيز التنفيذ، وبخاصة أن هناك مؤشرات على التمهيد لهذا المخطط
الذي وُقِّت عام 1997م لتنفيذه بمشاريع وإجراءات رصدها الدكتور حامد ربيع
وتابعها الدكتور جمال عبد الهادي، ولا يُستبعد منها العمل على إبراز (التراث
النوبي) ومحاولة إدراج مشكلة (الأقلية النوبية) إضافة إلى الأقباط على جدول أعمال
مؤتمر الأقليات الذي كان مزمعاً عقده في القاهرة برعاية د/سعد الدين إبراهيم
الأستاذ بالجامعة الأمريكية.
-عوّل كثير من المشاركين في الدراسة على مكانة مصر والثقل الكبير الذي
تتمتع به بناءً على موقعها على الخارطة السياسية الإقليمية والدولية، والتي تعمل
على تشكيلها القوى الدولية، فماذا لو حاولت هذه القوى تهميش وعزل مصر،
مثلما ظهر التلويح بذلك (تحريض مسؤولين إسرائيليتين لأمريكا على فرض
عقوبات على مصر) في أزمة صواريخ سكود الكورية الشمالية؟ ! .
-كيفية النهوض في ظل الدين الخارجي الكبير، وكيفية الاعتماد على العالم
الغربي اقتصاديّاً مع الاستقلال عنه رياديّاً وسياسيّاً، حتى تكون مصر (قوة كبرى
إقليميّاً وإحدى القوى الفعالة دوليّاً، دولة لا تنصاع لأي قوة مهما كبرت وبلغت من
أسباب الرفعة والتقدم، ولا تقبل أن تكون تابعة أو ممالئة لقوة، كانت ما كانت)
على حد تعبير الدكتور الباز.
وأخيراً:
فنعيد ما ذُكر في أول الحلقة الأولى من هذا المقال، من أن الإسلاميين يجب
أن يرقبوا واقعهم ويتابعوه كلّ بحسب قدراته وإمكاناته، وينقدوا ما يُطرح نقداً
متوازناً منصفاً، ويظهروا بدون تردد عوار المناهج الوضعية، كما نذكِّر بأن هذا
النقد لمثل هذا المشروع لا يهدف إلى (تصحيحه وإصلاحه) ؛ لأن ما قام على باطل
فهو باطل، والعلمانية أساس منبتّ الصلة عن ديننا وأمتنا، لا يصلح أن يجمّل
ببعض الوصفات أو الصبغات الإسلامية! ..
فإذا لم يكن الإسلام هو البديل، فما هو البديل؟ !
(1) انظر: إمبراطورية النساء العاملات، إيمان محمد مصطفى الزهراء للإعلام العربي.
(2)
انظر المصدر السابق.
(3)
حركة تحديد النسل، أبو الأعلى المودودي، ص 184.
(4)
المصدر السابق، ص186.
(5)
المصدر نفسه، ص 178.
(6)
انظر تقرير د تسنيم إبراهيم (أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا الولايات المتحدة) ، عن مجلة (المجتمع) الكويتية) .
(7)
انظر: جريدة الحياة اللندنية، ع/12289، 18/10/1996م.
(8)
جريدة الحياة، ع/12218، 8/8/1996م.
(9)
أضواء على الأنباء استعراض أسبوعي للصحف الأمريكية وكالة إعلام الولايات المتحدة، 2/4/1996.