المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلاج بالرقى والقرآن(2 - مجلة البيان - جـ ١٢٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌العلاج بالرقى والقرآن(2

دراسات شرعية

أضواء شرعية على..

‌العلاج بالرقى والقرآن

(2

من2)

بقلم: فتحي الجندي

أوضح الكاتب في الحلقة الماضية أن التوسع في مسألة الرقى صاحبه بعض

بدع محدثة وممارسات مخترعة، ثم حذر المسلمين من ضعف التوكل والوقوع في

الأوهام والوساوس، وعرّج على مشروعية التداوي وهدي النبي -صلى الله عليه

وسلم- في التحصين والعلاج فيما يخص موضوعنا، وأخيراً: أخذ في بيان

الوسائل المبتدعة في هذا العلاج.. ويواصل في هذه الحلقة توضيح جوانب أخرى.

...

...

...

...

... - البيان -

رد الاحتجاج بالمجربات استقلالاً:

هذا الكلام مستخرج من كلام شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، في أن

استجابة الدعاء وقضاء الحاجات من الله عز وجل لا يعني ذلك أن الوسيلة مشروعة؛ فقد يستجيب الله عز وجل مع تعدي العبد في الدعاء، بل مع الشرك الصريح،

وفي هذا ردّ على من يحتج بأن عمله مشروع؛ لأنه ربما دعا فاستجاب الله لدعائه،

أو أنه قد جرّب أمراً فنفعه؛ مما يعني مشروعيته بزعمه. والنقول في ذلك كثيرة

نكتفي ببعضها:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد يحكى من الحكايات التي فيها

تأثير، مثل: أن رجلاً دعا عندها أي المشاهد فاستجيب له، أو نذر لها إن قضى

الله حاجته فقضيت حاجته، ونحو ذلك. وبمثل هذه الأمور كانت تعبد الأصنام.

فإن القوم كانوا أحياناً يُخاطَبون من الأوثان، وربما تُقضى حوائجهم إذا

قصدوها؛ ولذلك يجري لهم مثل ما يجري لأهل الأبداد [1] من أهل الهند وغيرهم، وربما قيست على ما شرع الله تعظيمه من بيته المحجوج، والحجر الأسود الذي

شرع الله استلامه وتقبيله، كأنه يمينه، والمساجد التي هي بيوته.

وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في

أهل الأرض) [2] .

وقال رحمه الله أيضاً: (فكم من عبد دعا دعاء غير مباح فقضيت حاجته في

ذلك الدعاء، وكانت سبب هلاكه في الدنيا والآخرة.

تارة بأن يسأل ما لا تصلح له مسألته، كما فعل بلعام وثعلبة، وكخلق كثير

دعوا بأشياء فحصلت لهم، وكان فيها هلاكهم.

وتارة بأن يسأل على الوجه الذي لا يحبه الله. كما قال سبحانه: [ادْعُوا

رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ] [الأعراف: 55] فهو سبحانه لا يحب

المعتدين في صفة الدعاء، ولا في المسؤول. وإن كانت حاجتهم قد تقضى؛ كأقوام

ناجوا الله في دعواتهم بمناجاة فيها جرأة على الله واعتداء لحدوده، وأُعطوا طلبتهم

فتنة ولما يشاء الله سبحانه. بل أشد من ذلك: ألست ترى السحر والطلّسمات

والعين وغير ذلك من المؤثرات في العالم بإذن الله قد يقضي الله بها كثيراً من

أغراض النفوس الشريرة؟ ومع هذا فقد قال سبحانه: [وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا

لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونََ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ

آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] [البقرة: 102، 103]

فإنهم معترفون بأنه لا ينفع في الآخرة. وأن صاحبه خاسر في الآخرة. وإنما

يتشبثون بمنفعته في الدنيا. وقد قال تعالى: [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ]

[البقرة: 102] .

وكذلك أنواع من الداعين والسائلين قد يدعون دعاء محرماً يحصل لهم معه

ذلك الغرض، ويورثهم ضرراً أعظم منه. وقد يكون الدعاء مكروهاً ويستجاب له

أيضاً.

ثم هذا التحريم والكراهة قد يعلمه الداعي، وقد لا يعلمه على وجه لا يعذر فيه

لتقصيره في طلب العلم، أو تركه للحق. وقد لا يعلمه على وجه يعذر فيه، بأن

يكون فيه مجتهداً أو مقلداً، كالمقلد أو المجتهد اللذين يعذران في سائر الأعمال.

وغير المعذور: قد يتجاوز الله عنه في ذلك الدعاء لكثرة حسناته من صِدْقِ

قصده، أو لمحض رحمة الله به، أو نحو ذلك من الأسباب.

فالحاصل: أن ما يقع من الدعاء المشتمل على كراهة شرعية بمنزلة سائر

أنواع العبادات.

وقد عُلِمَ أن العبادة المشتملة على وصف مكروه: قد تغفر تلك الكراهة

لصاحبها لاجتهاده أوتقليده، أو حسناته، أو غير ذلك. ثم ذلك لا يمنع أن يعلم أن

ذلك مكروه ينهى عنه، وإن كان هذا الفاعل المعين قد زال موجب الكراهة في حقه.

ومن هنا يغلط كثير من الناس؛ فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين

عبدوا عبادة، أو دعوا دعاء، وجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء. فيجعلون ذلك

دليلاً على استحسان تلك العبادة والدعاء، ويجعلون ذلك العمل سنة كأنه قد فعله نبي. وهذا غلط لما ذكرناه، خصوصاً إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب

فاعله حين الفعل، ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقاً فيضرون به؛ لأن هذا العمل

ليس مشروعاً؛ فلا يكون له ثواب المتبعين، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل الذي

لعله بصدق الطلب وصحة القصد يُكفّر عن الفاعل

ومن هذا: أني أعرف رجالاً يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم

فيفرج عنهم؛ وربما يعاينون أموراً، وذلك الحي المستغاث به لم يشعر بذلك، ولا

علم له به البتة. وفيهم من يدعو على أقوام أو يتوجه في إيذاء أولئك. وربما رآه

ضارباً له بسيف، وإن كان الحي لا شعور له بذلك. وإنما ذلك من فعل الله سبحانه

بسبب يكون بين المقصود، وبين الرجل الدافع من اتّباعٍ له، وطاعةٍ فيما يأمره من

طاعة الله ونحو ذلك. فهذا قريب.

وقد يجري لعُبّاد الأصنام أحياناً من هذا الجنس المحرم ما يظنون أنه محبة من

الله بما تفعله الشياطين لأعوانهم. فإذا كان الأثر قد يحصل عقب دعاء من يتيقن أنه

لم يسمع الدعاء، فكيف يتوهم أنه هو الذي تسبب في ذلك، أو أن له فيه فعلاً؟

وإذا قيل إن الله يفعله بذلك السبب.

فإذا كان السبب محرماً لم يجز، كالأمراض التي يحدثها الله عقب أكل السموم، وقد يكون الدعاء المحرم في نفسه دعاء لغير الله، وأن يدعو الله مستشفعاً بغيره

إليه كما تقول النصارى: يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله، وقد يكون دعاء لله،

لكنه توسل إليه بما لا يحب أن يُتوسل به إليه؛ كما يفعل المشركون الذين يتوسلون

إلى الله بأوثانهم. وقد يكون دعا الله بكلمات لا تصلح أن ينادى بها الله، أو يُدعى

بها؛ لما في ذلك من الاعتداء.

فهذه الأدعية ونحوها وإن كان قد يحصل لصاحبها أحياناً غرضه لكنها محرمة

لما فيها من الفساد الذي يربو على منفعتها، كما تقدم. ولهذا كانت هذه فتنة في حق

من لم يهده الله، وينوِّر قلبه

وأما اعتقاد تأثير الأدعية المحرمة: فعامته إنما تجد اعتقاده عند أهل الجهل

الذين لا يميزون بين الدليل وغيره، ولا يفهمون ما يشترط للدليل من الاطراد؛

وإنما يقع في أهل الظلمات من الكفار والمنافقين أو ذوي الكبائر الذين أظلمت قلوبهم

بالمعاصي، حتى لا يميزون بين الحق والباطل.

وبالجملة: فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب، أو شرط السبب،

في هذا الأمر الحادث، قد يُعلم كثيراً، وقد يُظن كثيراً، وقد يُتوهم كثيراً وهماً ليس

له مستند صحيح، إلا ضعف العقل.

ويكفيك أن كل ما يُظن أنه سبب لحصول المطالب مما حرمته الشريعة من

دعاء أو غيره؛ لا بد فيه من أحد أمرين:

- إما أن لا يكون سبباً صحيحاً: كدعاء من لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني

عنك شيئاً.

- وإما أن يكون ضرره أكثر من نفعه.

فأما ما كان سبباً صحيحاً منفعته أكثر من مضرته، فلا ينهي عنه الشرع

بحال. وكل ما لم يشرع من العبادات مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع فإنه من

باب المنهي عنه كما تقدم) اهـ[3] .

سادساً: الرقية وضوابطها: تعريف الرقية:

قال ابن منظور في لسان العرب: (الرقية: العوذة، [وهي] معروفة) .

وقال الحافظ ابن حجر: (.. لكن يحتمل أن يقال: الرقي أخص من التعوذ،

وإلا فالخلاف في الرقي مشهور. ولا خلاف في مشروعية الفزع إلى الله تعالى

والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يتوقع) [4] .

قلت: معلوم أنهم كانوا يرقون في الجاهلية برقى كثيرة معروفة لهم ومجربة

عندهم. فعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن الرقى فجاء آل عمرو

بن حزم إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من

العقرب، وإنك نهيت عن الرقى؛ قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً:

من استطاع منكم أن ينفع أخاه فيلفعل) [5] .

وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (كنا نرقي في الجاهلية

فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس

بالرقى ما لم يكن فيه شرك) [6] .

وهنا يبرز سؤال: هل الرقى توقيفية أم اجتهادية؟

وهل يدخل الاجتهاد على التوقيفية؟ وما ضوابط ذلك الاجتهاد؟

والجواب: أن النبي لم يصادر ما كان موجوداً من الرقى ولم يسد الباب ابتداء

ليقدم لهم بعد ذلك ما يراه جائزاً من تلك الرقى، ولكنه ترك الباب مفتوحاً ليمارس

المسلمون بأنفسهم عملية التمحيص، وليقبلوا من الرقى ما لم يَحْوِ شركاً أو محرماً،

أو ما يؤدي إلى محرم، كما يُفهم من سائر نصوص الشريعة.

وهنا يجمُل بنا أن نستحضر حديث أبي سعيد في رقية اللديغ بالفاتحة؛ وفيه

قول النبي: (وما أدراك أنها رقية؟)[7] .

قلت: لاحظْ قوله: (وما أدراك أنها رقية؟) فإن هذا يعني أن أبا سعيد

رضي الله عنه قد اجتهد أو نقول: إنه قد وُفّق من الله وفهم أن هذه رقية، وتأكد

ذلك بحصول البرء للديغ، وبإقرار النبي هذا ما كان مع أبي سعيد، أما غيره ممن

لن يقره النبي صلى الله عليه وسلم فقد يخطئ ويصيب، فيجب الرد إلى الكتاب

والسنة لتمحيص ذلك.

هذا وليس بغريب على الله أن يختص بعض خلقه بفهمٍ فوق فهم الآخرين،

ربما لم يكن ليخطر لهم على بال. قال تعالى: [فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً

وَعِلْماً] [الأنبياء: 79] .

ولذلك قال النبي: (وما أدراك أنها رقية)[8] .

الرقية والدعاء: هذا وأمر الرقية يشبه الدعاء، فالدعاء بالمأثور وإن كان

أوْلى إلا أن الدعاء بغير المأثور مباح بلا خلاف: ما لم يَحْوِ محرماً، أو يؤدي إلى

محرّم كما جاء في بعض الأحاديث.

فعن أنس أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: الحمد لله حمداً

كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:

(أيكم المتكلم بالكلمات؟) فأرمّ القومُ فقال: (أيكم المُتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً)

فقال رجلٌ: جئت وقد حفزني النفس فقلتها. فقال: (لقد رأيت اثني عشر ملكاً

يبتدرونها أيهم يرفعها) [9] .

قلت: سكوت هذا الصحابي رضي الله عنه يدل على أنه خشي أن يكون قد

أخطأ بوجهٍ ما في دعائه هذا، وخشي ألا يقرّه النبي.

وهناك نموذج آخر لمن يدعو بما لا يصلح:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى الصلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً،

ولا ترحم معنا أحداً! فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد

تحجّرت واسعاً! يريد رحمة الله [10] .

من أجل هذا نقول: إن الدعاء بغير المأثور وإن كان مباحاً إلا أنه يجب ألا

يشتمل على محرم، وألا يكون ذريعة لمحرم: كهجر الدعاء بالمأثور مثلاً، ولأنه

من باب استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وعليه فتحرِّي المأثور أوْلى وأسلم

في الدعاء والرقية على السواء.

الرقى وأنواعها: تنقسم الرقى إلى ثلاثة أنواع:

الأول: حلال: وهي ما كانت مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو

من جنس المأثورة، ونعني بقولنا: أو من جنس المأثورة: ما يكون من الدعاء

المباح والنفث في اليدين والمسح بهما ونحو ذلك مما ورد في النصوص الصحيحة

دون زيادة أو استحداث هيئة غامضة لا يدرى لها وجه على ما سيأتي.

الثاني: حرام: وهي التي تشتمل على شرك أو طلسم لا يُدرى ما هو، أو

تحتوي على أي محرم بالنص.

الثالث: ما تتباين فيه فتاوى أهل العلم؛ فمنهم من يميل إلى إباحته، ومنهم

من يقول بالمنع؛ على ما سيأتي تفصيله وهذا النوع يمكن أن يطلق عليه اسم:

(المختلَف فيه) .

الرقية الشرعية: قال ابن حجر رحمه الله: (وقد أجمع العلماء على جواز

الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته،

وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر

بذاتها بل بذات الله تعالى ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: (كنا

نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ

رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك) وله من حديث جابر: (نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا: يا رسول الله

إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، قال: فعرضوا عليه، فقال: ما أرى

بأساً، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه) . وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل

رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من

الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك

فيمتنع احتياطاً. والشرط الآخر لا بد منه) [11] .

قلت: ينبغي أن يضاف إلى منع ما لا يعقل معناه وأنه قد يؤدي إلى الشرك،

أنه قد يؤدي إلى تقرير البدع وتسويغ أعمال السحرة والمشعوذين.

هل الرقى يدخلها الاجتهاد والتغيير؟ الرقية كما قلنا: نوعان: توقيفية،

واجتهادية مباحة بضوابط، ولكن هل يجوز إدخال الاجتهاد على الرقى التوقيفية

المأثورة؟

الجواب: لا؛ لأن ذلك يُعدّ بمثابة الاستدراك على النبي -صلى الله عليه

وسلم- والمخالفة له. فإذا قال صلى الله عليه وسلم مثلاً: قل ثلاثاً فليس لقائل

أن يقول: قل عشراً. فلا يجوز تغيير عدد منصوص أو هيئة أو صفة أو زمان

بدون مسوّغ شرعي.

أما الرقى غير المأثورة فهي مباحة ما لم تحوِ محذوراً شرعياً ولا سيما إذا

جربت وصح نفعها بقدر الله، أما أن يُحتج لرقية ما بأنها جربت وصح نفعها بمجرد

التجريب فقط؛ فهذا وحده لا يكفي كما سبق تقريره.

فالرقية التي تكون على هيئة غامضة وأوامر معتسفة بحيث تشبه أفعال

السحرة والمشعوذين وطقوسهم، مثل هذه الرقية لا تجوز وإن زعموا أنها قد جُربت

ونفعت.

والمسلم يجب أن يكون على بصيرة من أمره في كل ما يأتي أو يذر فيزن كل

ما يعرض له بميزان الشرع. وأن يتريّث قبل العمل بمثل هذه الأمور التي لا يوجد

فيها نقلٌ صحيح صريح.

فهذه الأشياء التي لا يُعقل معناها، إذا لم نتأكد أنها من الأسباب الشرعية أو

العادية التجريبية؛ فلا يجوز التسليم بها أو تعاطيها؛ لأن هذا يفتح باباً عظيماً من

الفتن؛ إذ إنه ذريعة إلى تصديق السحرة والدجالين وتلبيس أمرهم على العامة.

يقول ابن قدامة رحمه الله: (وقد توقف أحمد لما سئل عن رجل يزعم أنه

يحل السحر فقال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء،

ويغيب فيه، ويفعل كذا، فنفض يده كالمنكر، وقال: ما أدري ما هذا؟ وسئل ابن

سيرين عن امرأة تعذبها السحرة، فقال رجل: أخط خطاً عليها، وأغرز السكين

عند مجمع الخط وأقرأ عليها القرآن، فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأساً على

حال ولا أدري ما الخط والسكين) [12] .

فانظر رحمك الله إلى ورع أحمد ومن قبله ابن سيرين رحمهما الله.

ويقول الباجي: (وكره مالك أن يرقي الراقي وبيده الحديدة أو الملح، والعقد

في الخيط أعظم كراهية عنده، وروي عنه أنه كره الحديدة والملح، والعقد في

الخيط أشد كراهية، ووجه ذلك عندي أنه لم يعرف وجه منفعته فإنه يكره استعماله

لما يضاف إليه، والله أعلم) [13] .

وقال الباجي في موضع آخر أيضاً: (وروى ابن وهب عنه عن المرأة التي

ترقي بالحديدة والملح، وعن الذي يكتب الحرز ويعقد فيما يعلقه به عقداً، والذي

يكتب حرز سليمان أنه كره ذلك كله، وكان العقد عنده في ذلك أشد كراهية، لما في

ذلك من مشابهة السحر، ولعله تأوّل قول الله تعالى:[وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ]

(والله أعلم)[14] .

قلت: في الموضع الأول علّل كراهيته أنه لم يعرف وجه منفعته، وهنا عللها

لما في ذلك من مشابهة السحر، ولكن هناك وجه آخر من كلام مالك ذكره

القسطلاني قال: (وفيه جواز الرقية لكن بشروط: أن تكون بكلام الله تعالى أو

بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن

الرقية غير مؤثرة بنفسها بل بتقدير الله عز وجل. وقال الربيع: سألت الشافعي

عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله عز وجل، وبما يعرف من ذكر الله

إلى أن قال: وروى ابن وهب عن مالك كراهية الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط

والذي يكتب خاتم سليمان، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم [15] .

سابعاً: فتنة المال للمعالجين وحكم التفرغ لذلك:

لقد تضافرت النصوص في التحذير من فتنتي المال والنساء، ولم ينتفع بذلك

إلا القليل؛ ذلك أن حب المال مركوز في الفطرة، وكذلك حب النساء.

وفي سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ذئبان

جائعان أُرسلا في غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف

لدينه) [16] .

وقال يحيى بن معاذ: الدرهم عقرب، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه، فإنه إن

لدغك قتلك سمه. قيل: ما رقيته؟ قال: أخذه من حله ووضعه في حقه. وقال:

مصيبتان للعبد في ماله عند موته لا تسمع الخلائق بمثلهما، قيل: ما هما؟ قال:

يؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله) [17] .

حكم أخذ الأجرة على الرقية:

لا يختلف اثنان ممن يتعاطون الفقه في جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية

لحديث أبي سعيد الخدري رضي لله عنه في رقية سيد الحي اللديغ وغيره.

ولكن إذا نظرنا إلى حال ذلكم الحي، الذي لُدغ سيده فسنجد في الحديث نفسه، أنهم كانوا قوماً لئاماً، وقد كانوا على الشرك، وقد منعوا الصحابة حق الضيف

الذي لهم.

قلت: فكان من المناسب استيفاء الحق منهم كاملاً جزاءً وفاقاً لخبثهم ولؤمهم

في منع حق الضيف.

ومع هذا فلا نقول ولم يقل أحد إنه لا يجوز أخذ الأجرة إلا ممن كان في مثل

حالهم، ولكن الذي يقال: أن المسلم أوْلى بالإكرام والمسامحة على أي حال، فيجب

مراعاة ذلك قال تعالى: [أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَاّ يَسْتَوُونَ]

[السجدة: 18]

وعليه فقد قال بعض أهل العلم بأنه مع جواز أخذ الأجر على الرقية إلا أن

الأوْلى تركها حسبة لله تعالى.

هذا وينبغي التفريق أيضاً: بين من يطلب المال بنفسه، وبين من يُعرَض

عليه المال من غير طلب؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه حيث قال:

سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قد كان رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- يعطيني العطاء. فأقول: أعطه أفقر إليه مني؛ حتى أعطاني مرة مالاً،

فقلت: أعطه أفقر إليه مني. فقال رسول الله: (خذه؛ وما جاءك من هذا المال

وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا؛ فلا تتبعه نفسك) [18] .

قلت: يجب أن نلاحظ أيضاً أن هناك فرقاً بين الحالين، ففي حال الرقية قد

يكون عرض المال من أهل المريض خاصة إذا كانوا أهل ضعف ومسكنة من باب

الحرج، فالأوْلى هنا التعفف عن هذا المال، ولا سيّما إذا لم يكن المعالج في حاجة

ماسة إلى هذا المال.

متى تستحق الأجرة للراقي؟ يقول ابن عبد البر عن النشرة: (وإذ كانت

مباحة فجائز أخذ البدل عليها وهذا إنما يكون إذا صحّ الانتفاع بها فكل ما لا ينتفع

به بيقين فأكل المال عليه باطل محرم) [19] .

قلت: هذا الذي قاله ابن عبد البر قد نطقت به الأدلة ففي حديث أبي سعيد وقد

تقدم: (فبرأ الرجل) وفي رواية: (فكأنما نشط من عقال) .

وفي رواية: (فانطلق يمشي وما به قَلَبَة) .

فهذا ما كان، وهذا ما أفتى به أهل العلم حيث نطقت به الأدلة. فأين هذا مما

يفعله العديد من المعالجين في هذا الزمان؟ !

فالبعض لهم عيادات أو قل مستشفيات لاستقبال المرضى، وفتح الملف بكذا.. والمقابلة بكذا والقراءة بكذا

إلخ. وبسبب تكاثر عدد المرضى صرنا نسمع

عن جلسات العلاج العامة منها والخاصة، ولكل جلسة سعرها الخاص بها.

يضاف إلى ما سبق ما يبتزّه البعض من المرضى بأسلوب غير كريم، عن

طريق بيع بعض الأدوية أو الأغراض الأخرى مثل: عسل النحل، وزيت حبة

البركة (الحبة السوداء) وزيت الزيتون، وأحياناً زجاجات المياه المعدنية وبأسعار

مرتفعة، لماذا؟ لأن المعالج قد نفث فيها من ريقه المبارك!

ومن الأشياء التي سمعنا أنها توصف وتباع أيضاً من البعض: مكتبة مقروءة

وأخرى مسموعة! وغالباً ما تحويان كتباً تجارية وأشرطة دعائية للمعالج نفسه،

يظهر فيها المعالج غالباً كولي من أولياء الله الصالحين؛ أصحاب الهمة العالية،

والذكاء الخارق والفقه في الدين، والورع، وغالباً ما يحقق الانتصارات الخارقة

على ملوك الجن وقادتهم الكبار! دع عنك صغار الجن وغوغاءهم! كل هذا يجري

في حملة تجارية دعائية منظمة.

حكم التفرغ لهذا العمل: (بالنظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم، لم نر أحداً منهم

انقطع عن أعماله، وقصر نفسه على معالجة المرضى بالرقى، واتخذها حرفة،

واشتهر بها بين الناس، بحيث إذا ذكر اسمه اقترن بهذه الحرفة؛ [20] ولا شك أن

الناس في كل زمان تكثر فيهم الأمراض، ولم نر أحداً من خلفاء المسلمين نصّب

قارئاً يقرأ على المرضى، كما يُنصّب المُفتون والقضاة، وإنما المريض يقرأ على

نفسه من كتاب الله، وإن قابله عالم ذو فضل وديانة وطلب منه الرقية وقرأ عليه

فلا حرج، ومن المعلوم أن المشروع بأصله قد يُمنع إذا صاحبته كيفية مستحدثة.

ولو كان الانقطاع لمعالجة المرضى بالرقى، واتخاذها حرفة والاشتهار بها

بين الناس خيراً لسُبقنا إليه، ولا يظن أحد أن المرضى في هذا الزمان أكثر منهم

في الأزمان الأخرى) [21] .

ويحسن أن نختم كلامنا بهذا الكلام النفيس لصدِّيق حسن خان حيث يقول في

كتابه: الدين الخالص (2/343- 344) : (

وكل عمل ودعاء ينشر المرض

والداء وينفع من الأسقام والأدواء يصدق أنه نشرة، يجوز الانتفاع به، إن كان من

ألفاظ القرآن والسنة، أو من المأثور من السلف الصلحاء، الخالي عن أسماء

الشرك وصفاته، باللسان العربي وإلا كان حراماً أو شركاً.

وفي الباب كتب ومؤلفات لأهل الدعوات، تشتمل على رَطْب ويابس، وعلى

ما جاز ولم يجز.

فَلْيَتَحرّ المؤمنُ الموحد عند الاعتمال بما فيها، ما هو ثابت صحيح، مُبرّأٌ من

كل شك وشبهة، ولْيَدَعْ ما هو على غير طريقة الإسلام، وإنما هو فعل أهل العزائم

والأوفاق، الذين يكتبون التعاويذ في الهندسة، والحروف، والخطوط ونحوها فإن

ذلك لا يصلح لشيء. وكذلك النفث في الخيوط المعقودة.

والله سبحانه كافٍ لعبده، إن توكل عليه، ولم يتعلق بغيره، واكتفى بالأدعية

المسنونة، والأدوية المباحة. ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وحيث إن

الشرك أخفى من دبيب النّمل؛ يجب غاية التحري فيه والتجنب من أنواعه

وأطرافه وما يشبه ذلك. وبالله التوفيق، وهو المستعان) .

(1) الأبداد لعلها جمع بُدّ، والبُدّ: الصنم.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم، ص 320.

(3)

اقتضاء الصراط المستقيم، 359 563 باختصار وانظر: النذير العريان، للكاتب

(123- 138) .

(4)

فتح الباري، (10/207) .

(5)

مسلم في السلام (14/186 نووي) .

(6)

مسلم في السلام، (14/187 نووي) .

(7)

مسلم في السلام، (14/187 نووي) .

(8)

قلت: في هذا تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز تخصيصه، ولم يخالف في ذلك فيما نعلم إلا الشيخ حامد الفقي رحمه الله، حيث علّق في مدارج السالكين 1/55 بقوله:(لم نجد في الروايات الصحيحة أن أحداً من الصحابة لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بعده فعل مثل ذلك مرة ثانية ولعله والله أعلم كان هذا الحادث بصنع الله لأولئك الصحابة الذين كانوا في حاجة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنعهم أهل الحي حقهم من الضيافة، مع جوعهم وشدة حاجتهم، فسلط الله الحشرة على رئيسهم فلدغته، ليستخرج لهم بتلك اللدغة والرقية حقهم) اهـ.

(9)

مسلم في المساجد، 1/419 (600) .

(10)

أحمد (2/239، 283) ، وأبو داود في الطهارة (380) وغيرهما.

(11)

فتح الباري (10/206) .

(12)

الكافي لابن قدامة (4/166 - 167) .

(13)

المنتقى شرح الموطأ، 7/258.

(14)

المصدر السابق، 7/261.

(15)

إرشاد الساري 8/388، شرح الزرقاني على الموطأ، 4/417.

(16)

أحمد (4/60) ، والترمذي في الزهد (2367) وغيرهما.

(17)

مختصر منهاج القاصدين، ص 184 185.

(18)

البخاري في الزكاة (1473) ، ومسلم في الزكاة (1045) .

(19)

التمهيد، 6/241.

(20)

في صحيح مسلم/ك السلام (66) في وصف الصحابي الذي رقى سيد الحي اللديغ: (ما كنا نظنه يحسن رقية) وفي رواية: (ما كنا نأبنه برقية) أي أنه لم يكن معروفاً بذلك.

(21)

عن كتاب (الرقى في ضوء عقيدة أهل السنة) .

ص: 18

دراسات شرعية

الإيمان بالله وأسمائه وصفاته

وتقوية المراقبة الإلهية

بقلم: عبد السلام الأحمر

لا غرو أن صفات الله وأسماءه غير محصورة؛ لأن كمالاته غير متناهية،

وما أخبرنا به الشرع منها يكفي لصحة الاعتقاد في الله وتحقيق العبودية له

والإحساس بعظمته وجلاله وكماله، وملازمة خشيته ومراقبته في السر والعلن.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لله تسعة وتسعون اسماً مئة إلا واحداً لا

يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر) [1] .

والراجح أن المقصود بحفظ أسماء الله هو العمل بها ومراعاتها على الدوام؛

قال ابن بطال: (طريق العمل لها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم،

فإن الله يحب أن يرى حلاها على عبده؛ فليمرن العبد نفسه على أن يصح له

الاتصاف بها، وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم فيجب على العبد

الإقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد نقف

منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة،

فهذا معنى أحصاها وحفظها) [2] .

فالمؤمن وهو يطالع أسماء الله الحسنى وصفاته العلى في القرآن والحديث

ويتكرر ذكرها على مسامعه مرات عديدة، ترسخ معانيها في نفسه فيزيد إيمانه بالله

ومعرفته بصفاته وبتغير سلوكه بما يناسبها ويتجاوب معها.

أسماء الله وكيف تقوي بها المراقبة:

يمكن تحديد العلاقة بين أسماء الله الحسنى وتحقيق المراقبة الإلهية واستشعار

المسؤولية تجاه العلي القدير، بتمييزها إلى مجموعات بحسب أثرها المرتقب في

تكوين الإحساس بالمسؤولية وتنميته:

1-

مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تشتمل على معاني القدرة

والجبروت والملك والتدبير والخلق

مثل: القادر، القاهر، الملك، الجبار،

المتكبر، العزيز، المهيمن، الخالق، المصوِّر، الرزاق.

وهذه الأسماء تثير في النفس الإحساس بعظمة الله واستحقاقه للطاعة والعبودية.

2-

مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تحمل معاني العلم ومراقبة أفعال

العباد مثل: العليم، الرقيب، الحفيظ، السميع، البصير، الخبير، الشهيد؛ فهذه

الأسماء توحي بانكشاف أحوال العباد الظاهرة والباطنة لعلم الله، فتقوى بها مراقبة

النفس لما يصدر عنها من إرادات وأعمال في جميع الأوقات والظروف.

3-

مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تفيد معاني الحلم والعفو والمغفرة

مثل: الحليم، الرحيم، الغفور، الحنان، المنان، العفو، التواب.

وهي أسماء تملأ معانيها قلب المذنب أملاً ورجاء في الرحمة والمغفرة وقبول

التوبة لاستئناف السير على الصراط المستقيم.

4-

مجموعة تضم أسماء الله الحسنى التي تنطوي على معاني المحاسبة

والعقاب والعدل والحكم مثل: الحسيب، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، الحق، مالك الملك

فالمكلّف الذي يؤمن بهذه الأسماء تذكِّره بأن الله سيبعثه بعد الموت

ويعرض عليه أعماله، من خير وشر، ثم يجازيه عنها بعدل وإنصاف، فيحمله

ذلك على مراقبة نفسه والمسارعة إلى فعل الصالحات.

الصفات الإلهية وتقوية المراقبة:

وبتمعن كل صفة على حدة يتضح أثرها في تقوية الإيمان بالله تعالى وإحياء

معاني الأمانة والتكليف في أعماق النفس، وتذكّر يوم القيامة، وما ينتظر النفس من

فوز أو خسران. وفيما يلي أمثلة عن ذلك:

أولاً: الوحدانية:

ومعناها أن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له في خلق الخلائق

وتدبير أمرها، وهي جميعاً ملكه ورهن قبضته وطوع مشيئته الغالبة. وكل هذا

الإحساس الذي تنشئه صفة الوحدانية في النفس الإنسانية يخدم مبدأ المسؤولية

ويجلِّيه في الفكر والشعور. فالخالق الواحد هو: الآمر، الناهي، الرقيب،

الحسيب، المعز، المذل، الحكم، العدل، لا شريك معه يُخشى فيطاع أو يُرجى

فيسأل؛ وإنما هو إله واحد فرد صمد.

فالإنسان إذا تحقق من معنى الوحدانية، أشرقت في قلبه معاني المسؤولية

العظمى تجاه الذي خلقه فسواه ثم أطعمه وسقاه؛ فأدرك أن الذي يستحق الطاعة

والعبادة هو الله الواحد الديان، وأنه وحده أهلٌ للخشية والتقوى والشكر والإنابة،

فإذا أسلم وجهه إليه اطمأن على نفسه من كل الشرور، وأمن عليها من كل الأخطار، وتيقن أنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد واختار. فالتوحيد الذي تقوم عليه

الديانات السماوية ينسجم تماماً مع مسؤولية الإنسان بحيث تتحدد به وجهته في

الحياة، ويحتمي في ظله من التمزق النفسي والتشتت الفكري الملازم لتعدد الأرباب

وتضارب مراداتهم [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً

لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ] [الزمر: 29] .

إن وحدانية الله تعالى تحقق التوحيد في مصدر المسؤولية ومقاييسها ونتائجها، وتقيمها على أساس العدل المبين. ويبرز ذلك في متعلقات التكليف من الجهات

التالية:

توحيد مصدر التكليف: فمصدر المسؤولية الشرعية هو الله وحده، وكل

تكليف يتوجه إلى الإنسان في إطار الشرع المستوعب لقضايا الحياة يلزم أن يؤسس

على مراد الله من عباده، وكل اجتهاد تشريعي لا بد أن يوصل بكليات الدين

ومقاصده العامة، ويربط إلى الأدلة الشرعية المعتبرة [شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا

وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا

الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشَاءُ

وَيَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ] [الشورى: 13] . وقال سبحانه [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم

مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاًذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ

أَلِيمٌ] . [الشورى: 21]

وزادت السنة هذا الأمر تأكيداً ووضوحاً. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

قال رسول الله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[3] .

توحيد التكليف: الناس كلهم موحدون تجاه مسؤوليات الدين وتكاليفه العامة

الاعتقادية والعملية؛ فلا يملك أحدهم أن يزيد عليها أو ينقص منها إلا وفق ما يسمح

به الشرع وضوابطه الثابتة، وهذا ما يسقط أعذار المتقاعسين أمام الله، ويجعلهم

خاضعين للمحاسبة الاجتماعية التي وكل أمرها للسلطان.

توحيد المكلِّف: فالمكلِّف هو الله تعالى في جميع أوامر الدين ونواهيه بحيث

يكون امتثال العبد في جميع مسؤولياته لله وحده، ولمن أذن الله في طاعته وجعلها

دليلاً على تنفيذ أمره، كطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر: [يَا

أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي

شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ

تَاًوِيلاً] [النساء: 59] .

وأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما: [وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإن

جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ

تَعْمَلُونَ] [العنكبوت: 8] .

فطاعة غير الله مشروطة بإذن الله ومقيدة بدليل الشرع عليها؛ لذا فإنها تمنع

عندما تؤدي إلى معصية الله ومخالفة ما أمر به. وقد أخرج الإمام البخاري في

صحيحه تحت باب: (لا تطيع المرأة زوجها في معصية) ، عن عائشة رضي الله

عنها أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها فجاءت إلى النبي -

صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال لا، إنه قد لعن الموصلات) [4] .

بل إن الإنسان مطالب بأن يعصي نفسه، ويخالف هواها إذا خالف تعاليم

الشرع وتوجيهاته: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى (40) فَإنَّ

الجَنَّةَ هِيَ المَاًوَى] [النازعات: 40، 41] .

ثانياً: العلم:

يعرف علم الله بكونه صفة ينكشف بها المعلوم على ما هو به انكشافاً لا

يحتمل النقيض بوجه من الوجوه. فلا تغيب عن علم الله كليات الوقائع والحقائق

ولا جزئياتها الدقيقة، كما لا تنحجب عنه أحوال الظاهر ولا أحوال الباطن، ولا

يحول دونه زمان ولا مكان، وإنما كل ذلك أمام علم الله سواء. وتعتبر صفة العلم

من الصفات التي يحكم بها الشرع والعقل لله تعالى، لأنها توجب له ما هو أهله من

العظمة والكمال.

ولقد حظيت هذه الصفة في نصوص القرآن الكريم بمكانة خاصة لارتباطها

الشديد بالمسؤولية الإنسانية، وما تنبني عليه من الإحساس بمراقبة الله المطبقة على

أعمال الإنسان الظاهرة والباطنة، لذلك نجد الإشارة إليها تتخلل آيات القرآن من

أوله إلى آخره، مع التركيز على علم الله بأفعال العباد حسنها وسيئها، لكي يظل

الوعي بها قائماً في أعماق النفس، وباعثاً لها على الإجادة والإحسان في القصد

والعمل. ثم إنه يربط دائماً بين الاعتقاد في هذه الصفة وإصلاح السلوك الإنساني:

[وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ]

[البقرة: 235] .

ويسوق الحديث عن العلم الإلهي المحيط بكل شيء، مشفوعاً بما يترتب عنه

من إحصاء للأعمال والمحاسبة عليها، والمجازاة بالنعيم والجحيم: [وَإن تُبْدُوا مَا

فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ قَدِيرٌ] [البقرة: 284] . وقال أيضاً: [قُلْ إن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ

تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

(29)

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ

بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ] [آل عمران: 29- 30]

فتيقن المؤمن بأن الله عليم بما يصنع بجوارحه وما يعزم عليه في قرارة نفسه، يجعله دائماً نازعاً إلى الطاعة وفعل الصالحات، مجانباً للمعصية بعيداً عن

الخبائث، مراقباً لنفسه بنفسه وحذراً من نفسه على نفسه، متعبداً بمقتضى أسماء

الله التي ترتبط بصفة العلم. قال ابن قيم الجوزية: (والمراقبة هي التعبد باسمه:

(الرقيب)(الحفيظ)(العليم)(السميع)(البصير) . فمن عقل هذه الأسماء وتعبد

بمقتضاها حصلت له المراقبة) [5] .

ولقد أبرز القرآن العلاقة القوية بين الاعتقاد الصحيح في صفة العلم الإلهية

والامتناع عن الآثام والأرجاس، والمسارعة في أعمال البر والطاعات، فقال تعالى: [وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً

(107)

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى

مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً] [النساء: 107-108] . وقال أيضاً:

[وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ][الأعراف: 188] .

فبقدر قوة إيمان المرء بحقيقة علم الله تزداد خشيته وورعه ويحسن عمله،

وترتدع نفسه عن المنكرات والفواحش، وبقدر ضعف إيمانه وجهله بصفات الله

وأسمائه الحسنى يكثر زلله، ويتوالى انحرافه.

ثالثاً: العدل:

إن الله تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، بل لا عدل إلا عدل الله الذي

من أنواره يقبس العادلون، وبهديه يهتدي المقسطون إلى الحق والإنصاف.

ويمكن إبراز أثر صفة العدل الإلهية في سلوك المؤمن في اتجاهين:

أ- اتجاه الاطمئنان: فالمؤمن يطمئن إلى حكم الله وعدله فيما أوجب ومنع وما

أمر ونهى، وإلى أن شرع الله ملائم لواقع الإنسان متجاوب مع طبيعته محقق

لمصلحته، ودافع لمضرته، فإذا حصل اليقين في النفس بعدل الله نشطت الجوارح

في الطاعات ونهضت بالواجبات، ولم تتثاقل في أدائها، وعزفت عن المحرمات

والمنهيات، وتورعت عنها لأنه ما خامرها شك في عدالة التكاليف الشرعية،

وعدالة إفراد الله وحده بالعبودية الحقة: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا

وَمَا رَبُّكُ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ] [فصلت: 46] .

ويطمئن الإنسان على نيل الأجر الموعود عن عمله المبرور وسعيه المشكور

في الدار الآخرة: [وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ

وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ] [البقرة: 281] .

ب- اتجاه الخوف: فإذا استحضر المرء أن عدل الله يقتضي المجازاة على

قدر العمل: إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، تملّكه الخوف من عقاب الله الشديد

وخشي أن يقصر عمله عن استحقاق النجاة، فيكون من المعذبين [سَيُصِيبُ الَذِينَ

أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ] [الأنعام: 124] . وأدى

به التفكير في ذلك إلى أن يُحكم المراقبة على نفسه ويتشدد في محاسبتها على

الكبيرة والصغيرة من الذنوب، ورام الاستكثار من الطاعة والعبادة حتى يضمن

لنفسه يوم القيامة الدخول في زمرة الفائزين المنعمين.

رابعاً: القدرة:

إن قدرة الله تامة كاملة لا تحدها حدود أو تقيدها قيود، فإذا أراد الله أمراً كان

كما أراد من غير نقصان، وإذا وعد بشيء وفى به وفاء تاماً كاملاً؛ وما يعجزه

سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء.

فالقدرة الإلهية التي بها خلق الإنسان أول مرة وخلقت السماوات والأرض،

هي ذاتها القدرة التي تبعث الأموات من قبورهم وتعرض عليهم أعمالهم غير

منقوصة، وهي القدرة أيضاً التي خلقت نعيم الجنة الأبدي وعذاب جهنم السرمدي.

والإيمان بقدرة الله يجعل المكلّف واثقاً من علم الله المحيط بكل شيء وبعدله الذي لا

تشوبه شائبة ظلم، وبصدق وعده ووعيده وتحققه في الدنيا والآخرة؛ إذ إن قدرة

الله تعالى عامة شاملة تتكامل مع صفات الله الأخرى وتتضافر آثارها جميعاً في بناء

النفس الأمينة المؤمنة المستقيمة.

ولهذا اقترن ذكر علم الله وحسابه للإنسان بذكر قدرته المطلقة في آيات عديدة

منها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُُم مِّن تُرَابٍ

ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي

الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى

وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإذَا

أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ

وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَاّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ

اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ] [الحج: 5 - 7] .

فالإيمان بعلم الله المطلق وعدله التام، لا ينتج عنه إحساس النفس بالمسؤولية

دون الإيمان بقدرة الله العظيمة، التي تصاحب علم الله وعدله وباقي صفات الذات

الإلهية، محققة وحدانية الله تعالى الذي يُعبد ويتقى ويُسأل بجميع أوصافه وأسمائه.

(1) صحيح البخاري، الدعوات، باب لله مئة اسم غير واحد، فتح الباري، ج11، ص218.

(2)

فتح الباري، ابن حجر، ج11، ص 226.

(3)

صحيح البخاري، الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، وصحيح مسلم الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.

(4)

صحيح البخاري، كتاب النكاح.

(5)

مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ج2، ص 66.

ص: 30