المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قضايا الأمة بين الساخن والبارد - مجلة البيان - جـ ٢١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌213 - جمادى الأولى - 1426 ه

- ‌تعظيم السنن

- ‌إنه منهج إذلال

- ‌هل التصوف سائغ محمود مقبول

- ‌الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية

- ‌جواز السفر

- ‌دعوة إلى تأصيل المصطلحات السياسية

- ‌فقه الظواهر الدعوية في ضوء السنن الإلهية

- ‌عندما تموت الغيرة

- ‌منهاجنا التعليمية.. والمنهج النبوي

- ‌الدورات العلمية جامعات مفتوحة وعلم مشاع

- ‌بَوْح ثكلى

- ‌الصوت في الخطابة

- ‌حتى لا تغرق.. في بحر من ورق

- ‌من يشكّلُ وجدان أطفالنا ووعيهم بالحياة

- ‌لفتات

- ‌قراءة سياسية جديدة لمستقبل العراق

- ‌قضايا الأمة بين الساخن والبارد

- ‌أوزبكستان والشروط المكتملة

- ‌مساجد العراق ومواجهة التحديات والأخطار

- ‌تنصير طالبي اللجوء السياسي في الغرب مسؤولية من

- ‌اللوبي اللبناني النصراني في أمريكا والمحافظون الجدد

- ‌الهند وباكستان تطبيع العلاقات أم علاقات التطبيع

- ‌الصومال بين النفايات النووية وصلبان التنصير أين الاستقرار

- ‌أمسى حقيقة

- ‌مرصد الأحداث

- ‌خواطر على الطريق

- ‌النسبية والتغير ومذهب الشك المطلق

- ‌في ظل خيمة

- ‌الصفويون الجدد في العراق والدعوة لإخراج العرب

الفصل: ‌قضايا الأمة بين الساخن والبارد

‌قضايا الأمة بين الساخن والبارد

أحمد فهمي

يروي المقريزي في تاريخه أن تجار القاهرة أغلقوا أسواقهم في أحد الأيام وتجمعوا مع الأهالي احتجاجاً على زيادة الضرائب والمكوس، التي فرضها الحكم المملوكي، ولما أراد الحرس تفريقهم رفضوا وأصروا على موقفهم، فرفع الأمر إلى الوالي الذي استدعى كبار التجار المحتجين، وفاوضهم وسمع مطالبهم فوعدهم خيراً. يقول المقريزي: فتفرق الناس وبردت القضية، وطبعاً لم يتحقق أي من مطالب الجماهير.

هذه القصة تشير في الحقيقة إلى ظاهرة خطيرة تصيب الشعوب الإسلامية، وهي العجز عن الاحتفاظ بالقضايا الحيوية الساخنة لأطول فترة ممكنة؛ إذ سرعان ما تنطفئ جذوة الحماس وتفقد القضية بريقها وتذوب المطالب ويتراجع الرأي العام في انتظار الحدث الساخن التالي.

ويأتي في مقدمة أسباب هذه الظاهرة المرضية افتقاد الجماهير لجهة قيادية مؤثرة تمتلك القدرة على تحريك الشعوب. وإذا كان العلماء والمفكرون والدعاة يتحملون العبء الأكبر في هذا المجال فإن واقع الحال يكشف عن تراجع كبير لرموز الأمة عن أداء دورهم؛ فقد غلبت القيود والاحتياطات، وسيطرت المشروعات الفردية على الساحة، واختار الأكثرون خطاباً عاماً لا يقدم للشعوب خريطة طريق واضحة.

سبب آخر يكمن في طريقة تناول وسائل الإعلام العربية لقضايا الأمة وهي طريقة غربية المنشأ تعتمد على إثارة العواطف وفق منحنيات رأسية صاعدة وقت اللزوم، أو تفريغ العواطف بطريقة آمنة، أو اختزال القضايا الكبرى في مواقف أو أحداث أو شخصيات محدودة التأثير، وهذه الأخيرة يمكن أن يكشف لنا تتبعها عن تناقضات لا محدودة في ردود الفعل الجماهيرية الإسلامية. وقد اعتادت وسائل الإعلام الغربية على تطبيق مبدأ الاختزال الرمزي هذا بكثرة؛ فالمقاومة في العراق اختُزلت في شخص الزرقاوي، وبسالة الجنود الأمريكان اختُزلت في شخص الجندية الأمريكية ميريل لينش ذات البطولات المزعومة، والرأفة الأمريكية في التعامل مع الشعب العراقي اختزلت في طفلين معاقين سلطت عليهما الأضواء. والنتيجة أن الرأي العام العربي أصبح يتفاعل مع أحداث رمزية تنقله بعيداً عن القضية الرئيسية؛ ولذلك خرجت الجموع، واحتج الساسة، وثارت الجماهير عندما قُتِل محمد الدرة. وفي المقابل مر تفجير رأس الشيخ ياسين وتدمير جسد الرنتيسي مرور الكرام. وهكذا تختزل الأحداث الجسام في حياتنا، وقد كان محمد الدرة مع والده يشتريان سيارة وكان الشيخ ياسين عائداً من مسجده وهو يبغي شراء أمة، ولكن إعلامنا الهمام أبكانا على الدرة أشهراً، وأبكانا على الشيخ ياسين ساعات معدودة.

سبب آخر لبرودة القضايا الجماهيرية وهو انحصار المسارات التي يمكن أن تحرك فيها الجماهير في أنماط محدودة تتلاقى كلها عند التظاهر كشكل رئيس لتفريغ طاقة الجماهير. والتظاهر نمط غربي الأصل على الأقل في العصر الحديث وهو يتناسب مع طبيعة وثقافة المجتمعات الغربية أكثر مما يتناسب عندنا ولذلك تنتج عنه آثار نراها لديهم ولا نجدها في واقعنا، وفي كثير من الأحيان يحدث الخلط بين حشد الأتباع وحشد الجماهير؛ وأقرب مثال على ذلك حركة (كفاية) في مصر التي لا تزيد تظاهراتها عن العشرات أو مئات قليلة ولكنها ملأت الدنيا صراخاً.

إن التعامل مع الجماهير المسلمة التي هي طاقة الأمة المدخرة يحتاج إلى تأصيل شرعي ورؤية واقعية متبصرة إذا أردنا أن نحقق نجاحاً في ضبط المؤشر الجماهيري على الساخن لأطول فترة ممكنة.

ص: 17