المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سبل التقدم العلمي والتقني في البلاد الإسلامية (2 ـ 2) - مجلة البيان - جـ ٢٣٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌سبل التقدم العلمي والتقني في البلاد الإسلامية (2 ـ 2)

‌سبل التقدم العلمي والتقني في البلاد الإسلامية (2 ـ 2)

إعداد: خباب بن مروان الحمد

المشاركون في التحقيق:

1 ـ د. إيهاب الشاعر: فلسطيني مقيم بأمريكا، متخصص في الحاسوب والاتصالات.

2 ـ د. باسم خفاجي: مصري، متخصص في الهندسة المدنيَّة.

3 ـ أ. د. زغلول النجار: مصري، متخصص في علم التربة والجيولوجيا.

4 ـ د. عبد الله الضويان: سعودي، متخصص في علم الفيزياء.

5 ـ د. عبد الوالي العجلوني: أردني، متخصص في علم الفيزياء.

6 ـ أ. د. نعمان الخطيب: فلسطيني مقيم بالسودان، متخصص في هندسة البترول والتعدين.

7 ـ د. محمد المدهون: فلسطيني، متخصص في تنمية الموارد البشرية.

تحدث مُعدُّ هذا التحقيق ـ وفقه الله ـ في الجزء الأول من هذا التحقيق عن العديد من الملفات المتعلقة بالتقدم العلمي؛ سبله ووسائله، وما العوائق والعراقيل التي تعترضه؟ وفي هذا الجزء يستكمل الحديث ـ إن شاء الله ـ عن عدد من القضايا المتعلقة بالتقدم التقني؛ فما الجوانب التقنية ذات الأولوية جَلْباً إلى العالم الإسلامي؟ وما أسباب التخلف التقني؟ وهل لطرائق التدريس أثر في تنمية الإبداع؟ وما دور الأمة تجاه المبدعين من المخترعين المسلمين؟ وإلى غير ذلك من المحاور العديدة التي سيتطرق لها أثناء هذا التحقيق. (البيان)

- آثار التخلف التقني على مستوى الشعوب والجامعات:

يتحدَّث في هذا الصدد الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار قائلاً: أدى تفتيت العالم الإسلامي إلى إفقاره على الرغم من ثرواته البشرية والطبيعية الهائلة، فالغالبية العظمى من سكان الدول الإسلامية اليوم ـ باستثناء الدول النفطية ـ تعيش تحت الحد الأدنى للكفاف اللازم لصون كرامة الإنسان، وذلك بتباين واضح في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي والذي يتراوح بين (20،0) سنتاً في اليوم للفرد ـ أي: في حدود (73) دولاراً في السنة ـ في دولة إسلامية مثل تشاد، وبين (63) دولاراً في اليوم للفرد في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة بروناي ـ مثلاً ـ (أي: في حدود 23000 دولار في السنة) .

من جهته يرى الدكتور الخطيب أنَّ التخلف التقني والعلمي يؤدي إلى التخلف الاقتصادي والعسكري، وبهذا تبقى الشعوب خاضعة للهيمنة الغربية، ولا تمتلك القرار المستقل، وتكون ناقصة الكرامة، ولا تستطيع الدفاع عن حريتها واستقلالها؛ حسب قوله.

ويضيف الدكتور الضويان أنَّ آثار التخلف تشمل جميع نواحي الحياة، والتخلف جالب للفقر والجهل وهما مرتع خصب لكل بلاء.

ومن ناحيته يرى الدكتور المدهون أنَّ من آثار التخلف الشعور بالهزيمة والتبعيَّة وعدم القدرة على صدِّ العدوان أو إيقاف النيران.

ويختم العجلوني هذه الآثار بقوله: ومن آثار التخلف التقني شعور المواطن بالضعف والهوان وقلة القيمة حتى لو كان هذا المواطن وزيراً أو أكثر من ذلك أو أقل. ويتحمل السياسيون وأصحاب الرأي في الأمة مسؤولية هذا الشعور؛ إذ إنهم ساهموا في تكوينه. ولأن يكون المواطن مواطناً بسيطاً في دولة قوية ومتقدمة خير ألف مرة من أن يكون قائداً أو مسؤولاً في دولة لا قيمة لها.

- أسباب التخلف التقني:

يرى جميع الدكاترة المشاركين في التحقيق أنَّ أهم سبب في ذلك هو الناحية السياسية؛ فهي الوزن الكبير في معادلة التخلف كما يقول الدكتور الضويان. وهناك أسباب أخرى يتفق عليها جمع من المشاركين، وقد أجملها الدكتور الشاعر بقوله:

1 ـ عدم وجود الرغبة من المسؤولين والسياسيين للخوض في ذلك.

2 ـ هجرة العقول إلى العالم الغربي.

3 ـ ضعف وانعدام الحريات وشيوع العنصريات.

4 ـ الضعف الاقتصادي والتحفيزي.

5 ـ أنظمة الجامعات قديمة ومتخلفة ولا تواكب الواقع.

6 ـ التخطيط معدوم وهو آخرها وليس أولها.

ويدلي الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار بدلوه إزاء هذه القضيَّة حيث يقول: ما يحدث الآن من إهمال للبحث العلمي في القضايا التقنيَّة إنما هو بسبب:

1 ـ كثرة ما تحتاجه من تجهيزات ومختبرات وأجهزة ومعدات، وما وصلت إليه تكلفة ذلك في هذه الأيام من مبالغات، وما يلاقيه الباحثون من عناء ومشقة مما يجعلهم ينصرفون عن البحث والدراسة.

2 ـ انعدام التنسيق بين الجامعات ومراكز البحوث الإسلامية، وبينها وبين الصناعة في المنطقة العربية والإسلامية.

- خنق الإبداع والابتكار.. كيف نتخطاه في واقعنا الإٍسلامي؟

هناك من يقول بأنَّ بعض البلاد الإسلامية تتعامل تجاه من يقوم بتطوير بعض الأعمال التقنية بتكميم فاه فيخنق الإبداع والابتكار! فكيف نتخطَّى هذه المرحلة ونتربى على ممارسة الإبداع والابتكار في خدمة أمَّتنا؟

أجمع المشاركون في الإجابة عن هذا السؤال حول قضيَّة اعتبروها مهمَّة وملحَّة، وهي أنَّ ذلك لا يكون إلَاّ بالارتقاء بالنظام السياسي وإصلاحه وتولي الشعوب أمورها بنفسها في ظلِّ الشورى الإسلاميَّة، كما نصَّ على ذلك الدكتور المدهون وكذا الخطيب في جوابهما.

ويضيف المدهون: ومن النقاط المهمَّة في ذلك أن يصبح الارتقاء والتطور مطلباً جماهيرياً، وأن نحسن صناعة الإبداع فهو طريق للتحدي لا للخنوع.

بينما يختلف الدكتور الضويان مع من يرى بأنَّ أفواه المخترعين تُكمَّم في عالمنا الإسلامي، ويقول: تكميم أفواه بعض المخترعين لم أسمع عنه شخصياً ولا أظن حدوثه؛ لأن الحكومات لا تستفيد من ذلك.

أمَّا الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار فيتحدَّث حول هذه القضيَّة بقوله: في ظل الحكومات المستبدة لا يمكن أن يظهر أي إبداع، فلا بد من المطالبة بإطلاق الحريات وإلغاء القوانين الاستثنائية واحترام آدمية الإنسان؛ حتى تتمكن الأمم من إفراز الكوادر القادرة على الإبداع، ففي المسلمين في العالمين الغربي والشرقي مئات الآلاف من العلماء الذين هربوا من بلادهم؛ إما نتيجة للاضطهاد السياسي أو جرياً وراء توفر إمكانات البحث العلمي.

- أيها أولى في المجال التقني؟

هناك جوانب تقنية من المهم أن يتقنها أبناء العالم الإسلامي ويتطوروا فيها؛ فما هذه الجوانب؟ وما الأولويات في ذلك؟

حول هذا السؤال أفاض جمع من المشاركين بالجواب عنه، فالأستاذ الدكتور زغلول النجَّار لخَّص رأيه في هذه القضيَّة بقوله: الأولويات كالتالي:

ـ الاستخراج الثلاثي والرباعي لكل من النفط والغاز، التقنيات المتقدمة في تحلية المياه، علم الحياة الجزئي، الحواسيب فائقة السرعة، المواصلات فائقة القدرة، استزراع الصحراء، استزراع البحر، ومصادر الطاقة البديلة؛ مثل: الطاقة الشمسية، الطاقة الهوائية، وطاقة الحرارة الأرضية.

من جهته يقول الدكتور باسم خفاجي: أرى - والله تعالى أعلم - أن الأهم في هذه المرحل هو الإلمام بأساسيات العلوم الحديثة وكيفية تطويعها في الصناعات المختلفة، فقد بعدت الأمة كثيراً خلال العقود الماضية عن مواكبة أصول العلوم والتقدم الحادث في هذه المجالات، ولذلك يصعب علينا كثيراً إنشاء أية صناعات حقيقية؛ لفقداننا الأسس التي تقوم عليها تلك الصناعات، لذلك يجب أولاً التركيز على العلوم الأساسية في المجالات الهندسية والطبية والعلوم الحيوية.

أما المجالات التي يجب أن ينصب الاهتمام الأولي على التميز التقني فيها؛ فأرى أنها المجالات التي تخدم رسالة الأمة أولاً قبل أن تخدم رفاهيتها. ويعني ذلك أمرين؛ الأول: هو ما يتحقق به أمان الأمة من خصومها من تقنيات عسكرية وأمنية، والثاني: هو التقنيات الحديثة في مجالات التواصل والإنترنت وعلوم الحاسبات التي تخدم البنية التحتية لكافة وسائل الدعوة المستقبلية.

أمَّا الدكتور إيهاب الشاعر فيقول: لا أنصح في الوقت الحالي بالتركيز على التقنية العسكرية، بل التقنية المدنية والتطبيقات السلمية، فهذه هي الخطوة الأولى لحل الكثير من المشاكل المتراكمة، فنحن لسنا بحاجة إلى عوائق إضافيَّة، والكثير من هذه التقنيات يمكن توظيفها في مجالات أخرى والاستفادة منها عندما يكون المجتمع قد نضج والوقت قد حان، ومع ذلك فإنَّ الدكتور إيهاب يشير إلى أنَّ رأيه لا يعني إهمال التقنية العسكريَّة بالكليَّة ولكن يعني عدم التركيز عليها وجعلها هدفاً لذاتها، وأنَّ الكثير من مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية هي مرهونة بالتقدم العلمي المدني وليس العسكري، وذلك لنكون متوازنين في هذه القضية.

ويتوافق الدكتور العجلوني مع الدكتور الضويان بأن الجوانب التقنية التي يجب على العالم الإسلامي أن يتقنها تبدأ من شعور قادة هذه الدول بالمسؤولية ومن ثم ضرورة التكامل؛ فدول الخليج ـ مثلاً ـ تجعل الصناعات البتروكيمياوية والنفطية اهتمامها الأول، ومصر تتميز بالصناعات الإلكترونية؛ لوفرة اليد العاملة وهكذا بقية المجالات.

- تجارب الأمم الأخرى في التقنية هل يمكن الاستفادة منها؟

لا ريب أنَّ (الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها) كما جاء في الحديث، ومن هذا المنطلق ساءلت العديد من الدكاترة المشاركين في التحقيق السؤال التالي: كيف تستفيد أمَّتنا من تجارب الأمم الأخرى بالأعمال المتواصلة للتقدم العلمي كاليابان مثلاً؟ وما تقييمكم للتجربة الماليزية والباكستانية؟ والمقارنة كذلك بين مسيرة التطور التقني بين اليابان ومصر؟

اتفق الجميع على ضرورة الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى وبخصوص تقويم التجارب، فقد أجاب الدكتور باسم خفاجي قائلاً: إن تجربة اليابان تعكس بلا شك الإرادة القوية في التغلب على الهزيمة والنهوض من جديد، وهي تؤكد فكرتي الأساسية أن العزيمة والإرادة أهم بكثير مما نعتقد في عالمنا العربي المعاصر.

ويرى الدكتور العجلوني أنَّ التجربة الماليزية مقارنة مع باقي العالم الإسلامي تجربة رائدة، ويضيف: وأظن أنَّ أهم سبب لها هو الوعي والتصميم والإرادة التي تحلت بها القيادة السياسية هناك. أمَّا التجربة الباكستانية فهي ممتازة في مرحلة مضت وإن كانت السياسة سبباً في تقهقرها، أما تجارب الشعوب الأخرى كاليابان وكوريا الجنوبية فقد كانت الإرادة والتصميم دافعين لها، ونحن بحاجة إلى هذه الإرادة وهذا التصميم أكثر من حاجتنا لأي شيء آخر.

ويتحدث الدكتور الخطيب قائلاً: بالنسبة للتجربة الباكستانية فهذا يدل على أن تركيز الموارد وإعطاء الحرية للباحثين وإمدادهم باحتياجاتهم المادية يؤدي إلى الوصول إلى الأهداف الموضوعة، ولكن للأسف التجربة الباكستانية على الرغم من أهميتها إلا أنها مقتصرة على تركيز التقدم التكنولوجي في مجال واحد ولم تتم على أساس بناء قاعدة صناعية تكنولوجية متقدمة تستخدم في كافة الأغراض الصناعية.

وحول مقارنة مسيرة التنمية والتطور التقني بين اليابان ومصر يرى الدكتور الضويان أنَّها مفيدة لكنها تؤدي إلى الإحباط بكل تأكيد، فهي صاعدة مع الزمن في اليابان هابطة في مصر. والسبب في رأيه أنَّ الأولى دولة مؤسسات والثانية لأفراد. ولما كان اقتصاد بلد لا ينفك عن تقدُّمه التقني نُذكِّر بقيمة الجنيه المصري وكمية ديون مصر الآن وقبل خمسين سنة، وكذا الحال بالنسبة لليابان التي أصبحت يباباً إثر خروجها مهزومة ذليلة من حربها الخاسرة ضد الحلفاء ومقارنة ذلك بوضعها الحالي حيث تملك ثاني أضخم اقتصاد وما صاحبه من تقدم تقني مشهود.

من جهته يقول الدكتور العجلوني متحدثاً عن المقارنة بين تجربة اليابان ومصر: هو كما تقارن بين نملة تسير على غير هدى وصاروخ كروز موجه إلى هدفه بدقة، أو كما تقارن بين مخلوق ضعيف غارق في بحر تتلاطم فيه الأمواج وأحد الطيور المهاجرة يحلِّق في السماء يعرف جيداً نقطة انطلاقه ونقطة وصوله.

- أثر طرائق التدريس في تنمية الإبداع والحث على الاختراع:

يؤكد الدكتور الضويان على أهميَّة طرائق التدريس ودورها في صناعة روح الإبداع، ولكنَّه تساءل قائلاً: لكن من سيحتضن المبدع؟ ويجيب: إنَّ من يحضنه بالتأكيد الشركات والجامعات الأجنبية في الخارج؛ لأنَّ فاقد الشيء (من الحكومات الإسلاميَّة ومؤسساتها) لا يعطيه!

ومن ناحيته تحدث الدكتور العجلوني قائلاً: التدريس هو الأساس، ولكن يجب تربية المدرِّسين قبل تربية من بين أيديهم، وذلك على احترام الآخر والرغبة في العمل الجماعي وتنمية روح الإبداع

أما الدكتور نعمان الخطيب فإنه يرى أن الإشكاليَّة تكمن في طرائق التدريس منذ المرحلة الابتدائيَّة إلى الجامعيَّة، فهي تعتمد على التلقين والحفظ وليس على الإبداع والابتكار، ولذا يقول: تحتاج طرائق التدريس إلى إعادة نظر وإلى تأهيل المدرِّسين منذ البداية، ويجب تشجيع المدرِّسين ووضع الحوافز المادية لهم بحيث ينخرط في سلك التدريس الطلبة المتفوقون، ولا تقتصر مهنة التدريس على فئة من متوسطي وقليلي الكفاءة.

وينهي الأستاذ الدكتور زغلول النجار الحديث حول هذه القضيَّة مبيِّناً أفضل أساليب طرائق التدريس فيقول: لطرائق التدريس أثر كبير في بناء فكر التلاميذ والدارسين، إلَاّ أن طرائق التدريس التي تنمي الإبداع في الدارسين تعتمد أسلوب التحليل والتفكير وأسلوب البحث عن المعلومة لغرس كيفية البحث العلمي والتفكير المنطقي داخل عقل الطالب.

وقد أكَّد جمع من الدكاترة المشاركين بأنَّ المجالات العلميَّة لم تعد تصلح للعمل الفردي بل لا بدَّ فيها من العمل الجماعي المنظَّم، ويضيف الدكتور الضويان بأنَّ إدارات الأبحاث والتطوير لا تعمل بالفردية والأنانية (كما هو حال الحكومات الإسلامية) ولكن بروح الفريق، ويسوق على ذلك مثلاً بقوله: شركة (تويوتا) استفادت من آلاف الاقتراحات من موظفيها في تطوير منتجاتها من السيارات. ويستحيل دفع البحث العلمي بعقلية الفرد الواحد.

- المخترعون المسلمون.. دورهم ودورنا تجاه أمَّتنا:

نسمع كثيراً عن المخترعين المسلمين، وبراءات الاختراع التي نالوها، ولكن ينتهي سماعنا بهم مع نهاية ما قيل عنهم؛ فكيف السبيل لتنشيط إبداع هؤلاء؟ وما السبيل كذلك لاحتضانهم؟ وما دور الحكومات وأصحاب الأموال في رعايتهم وتشجيعهم على الابتكار والاختراع؟

بهذه الأسئلة توجَّهنا للدكتور نعمان الخطيب فأجاب بقوله: المخترعات وبراءات الاختراعات العربية بهرجة إعلامية وغالباً ما تكون عديمة الفائدة.

أمَّا الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار فأجاب عن سبل احتضان المبدعين وتشجيعهم بعدَّة نقاط على النحو التالي:

ـ إنشاء مراكز للبحوث العلمية والتقنية المتخصصة، ومراصد فلكية وأرضية ومؤسسات للطاقة على أرفع المستويات العالمية في دول العالم الإسلامي في غير تكرار أو ازدواجية أو عشوائية.

ـ العمل على إعادة كتابة العلوم البحتة والتطبيقية من تصور إسلامي صحيح عن الإنسان والكون وعلاقتهما بالخالق العظيم.

ـ وضع البرامج الزمنية المحددة لترجمة أمهات الكتب العلمية والتقنية المختلفة إلى اللغة العربية وغيرها من اللغات الرئيسية في العالم الإسلامي، والتعليق على ما قد يرد فيها من أخطاء تتعارض مع قضية الإيمان.

ـ العمل على إصدار مؤلفات ودوريات وموسوعات علمية وتقنية إسلامية عامة ومتخصصة باللغة العربية وبغيرها من اللغات المحلية في العالم الإسلامي.

ـ التعاون في إنشاء مراكز للإعلام والتوثيق العلمي والتقني والصناعي، ومصارف للمعلومات ولخدمات تجهيز البيانات ومكتبات شاملة إقليمية وعامة.

ـ التعاون يإنشاء مركز عام ومراكز إقليمية للملكية الصناعية ووثائق براءات الاختراع تقوم بتنسيق تشريعات الملكية الصناعية في العالم الإسلامي، وحماية حقوق المخترعين المسلمين، ودراسة الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، وتبادل تلك الوثائق مع المراكز المشابهة في العالم.

ـ ربط الصناعة بالبحث العلمي وحرص الحكومات على تشجيع المخترعين وأصحاب براءات الاختراع.

ويتطرق الدكتور الضويان للموضوع ذاته قائلاً: المخترع مكسب للأمة أياً كان اختراعه، ويقيّم اختراعه أهل التخصص من خلال إدارة براءات الاختراع. والمهم هو ترجمة فكرة المخترع إلى واقع من خلال الشركات وأصحاب رؤوس الأموال. وشركاتنا لا زالت استهلاكية وليس صناعية تقنية إنتاجية بمعنى الكلمة، كما أن طموح أصحاب رؤوس الأموال الربح السريع والمريح من خلال ممارسات تجارية تقليدية.

أمَّا الدكتور العجلوني فيقول: السبيل إلى ذلك بتوفير الاحترام لهم وتشجيعهم قبل توفير الإمكانات المادية لهم، أما الحكومات في واقعها الحالي فقد ترى فيهم عبئاً عليها فلا مكان لمبدع لديها، والأفضل لها أن يذهبوا إلى الغرب. أما أصحاب الأموال فيمكن تشجيعهم من خلال تحصيل جزء من أموال الزكاة أو الصدقات للبحث العلمي أو استغلال البحث العلمي لأغراض تحقق لهم ربحاً مادياً وهذا ممكن مما يجعلهم يستثمرون في البحث العلمي بدلاً من الاستثمار في مشاريع لا تحقق ربحاً مادياً إلا لهم، بينما باقي الأمة تخسر.

- وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوَّة:

لعل ما يوجد من تطوير للأسلحة والصواريخ على مدى عدَّة أميال في فلسطين وبعض الدول الإسلامية المحتلة؛ ما يشرح النفس من ناحية التقدُّم العلمي في صناعة الأسلحة، فهل لنقل العلوم التقنية والاستفادة منها أثر في نصرة أمَّة الإسلام؟ ثمَّ ألا يدخل في قوله ـ تعالى ـ:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ..} [الأنفال: 60] ؟ وإمكانيَّة التقدُّم بإمكانات ضعيفة؟ وهل المشكلة عدم وجود الطاقات أم عدم تفعيلها؟

يختلف المشاركون في تشخيص الجواب عن هذه القضية؛ فبينما يرى الدكتور نعمان الخطيب أنَّ المشكلة ليست في عدم وجود الطاقات، فإنه في المقابل يرى أنَّ المشكلة في عدم تفعيلها، وفي قبالة رأيه يرى الدكتور باسم خفاجي أنَّ المشكلة ليست في عدم وجود طاقات أو حتى في عدم تفعيلها، ويضيف: المشكلة هي في الانتقال من دائرة الضعف إلى دائرة المبادرة، ومن دوائر التقليد إلى دوائر الإبداع. إن الأمة الإسلامية كانت دائماً أمة مبدعة، وما سيرة غزوة الخندق عنا ببعيد. الأمر في المجال العسكري لا يتوقف فقط على الإبداع في صنع السلاح، ولا شك أن هناك حاجة إلى تعلم التقنيات الحديثة في مجالات التسلح، ولكن لا يجب أن نغفل عن السلاح الحقيقي لكسب المعارك، وهو الإرادة والإيمان، ولا ننسى أن الله ـ تعالى ـ قد طلب منا «ما استطعتم» وليس أكثر من ذلك كونه طريقاً للنصر.

- مراكز الأبحاث التقنيَّة.. دورها وتقويمها:

يرى الدكتور المدهون أنَّ مراكز الأبحاث لها أكبر الأثر في دفع التقنيَّة ودعمها، ولكنَّها بحاجة إلى رعاية صانعي القرار، إلَاّ أنَّ مخرجاتها محدودة ومبعثرة ومتباعدة وأحياناً ركيكة.

وبصيغة حزينة يعبِّر الدكتور الخطيب عن رأيه فيقول: مراكز الأبحاث يجب أن يكون لها الدور الأساسي في نقل وتطوير وتقدم التقنية، ولكن هذه المراكز في العالم العربي والإسلامي ـ في الغالب ـ لا تتعدى أن تكون مجرد تسميات واستكمال لهيكلية الجامعات أو الوزارات، والمصاريف الإدارية والبيروقراطية في هذه المراكز تفوق الصرف على دعم البحث العلمي وتشجيعه.

ويحاول الدكتور الضويان أن يوضح الدور المرجوّ والمأمول من مراكز الأبحاث بقوله: لا يكون لمراكز الأبحاث دور مؤثر ما لم يسبقها إرادة وتخطيط وتحديد أهداف ودعم مالي وفني وبشري وتعاون الشركات معها. ودورها ليس مالياً ولكنه تنسيق بين العقول التقنية والمستفيد المالي من ترجمة أفكار هذه العقول.

وينهي الدكتور العجلوني الحديث حول هذه الفقرة بقوله عن مراكز الأبحاث: لها دور مهم، ولكن واقع الحال لدينا ـ للأسف ـ أن هذه المراكز لا يختلف حالها عن أحوال الأمة في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية، حيث تحكمها النزعة الفردية، وتُدار بواسطة الأصدقاء والمحاسيب، ولهذا لا نرى أيّ مردود حقيقي لمراكز الأبحاث في العالم الإسلامي؛ فمخرجاتها هزيلة، وإنتاجها ركيك، فهل سمعت يوماً أن مركز أبحاث إسلامي طوّر منتجاً؟ أو تبنّى مبدعاً؟ أو هل سمعت بمبدع عربي خرج من هذه المراكز؟!

- لغتنا العربية لم لا تستثمر لترجمة كتب التقنية المهمَّة؟!

كان للدولة الصهيونيَّة دور في الاختراعات والتنمية العلميَّة الصناعية، بل ترجموا في جامعاتهم بلغتهم (العبريَّة) كثيراً مما يحتاجون إلى ترجمته، وكذا كان الوضع في كوريا الجنوبية، فلِمَ لا تُترجم الكتب التي تشرح بعض الأعمال التقنيَّة والتنموية والصناعيَّة إلى اللغة العربية، وخصوصاً أنَّ لغتنا العربية تستوعب بمفرداتها اللغوية شتَّى الفنون؟ وهل اللغة عائق في الإبداع والتطور؟ وهل يمكن للأمة أن تتعلم بلغة غيرها؟

حول هذا الأمر يقول الدكتور الضويان: الدولة الصهيونية دولة مؤسسات، وللفرد كلمته فيها، وهي نموذج مكرر من الدول الغربية الصناعية التقنية، فقياداتها قادمة أو مستنسخة من هناك. والترجمة مع غيرها أحد الوسائل الضرورية لتوطين التقنية، لكنها مبعثرة لدينا بلا تخطيط وتحديد أهداف وتنسيق بين مراكز الترجمة إضافة إلى ضعف الدعم لها. واللغة ليست عائقاً دون امتلاك التقنية، بل إن العربية أقدر على مجاراة التقنية من غيرها، ونؤكد هنا ضرورة تعلم اللغات الأخرى المفيدة للمختصين؛ لضمان استمرار التواصل مع الدول ذات الخبرة حسب المجال المطلوب.

من جهته يقول الدكتور باسم خفاجي: إن اللغة العربية ليست عائقاً أمام التقدم التقني، فلا تكاد تخلو مدينة أمريكية من طبيب سوري بارز، والطب في سورية يدرس باللغة العربية، فاللغة لا تمثل عائقاً أمام المنتصرين، ولكنها دائماً شماعة يلقي عليها المتخاذلون همومهم. إن الإعلاء من شأن اللغة هو عنوان للاستقلال الحقيقي وتعميق للشعور بالانتماء، ودليل على الثقة والرسوخ.

ويختلف الدكتور إيهاب الشاعر مع بعض نقاط السؤال المذكور سلفاً قبل عدَّة سطور، حيث يقول: ما زالت الجامعات المرموقة في الدولة الصهيونية تستخدم اللغة الإنجليزية لغةً علميَّة وليست العبرية. ثمَّ يقول: أنا أظن أن اللغة ليست العائق بل إنَّ الخطَّة تكون في مسارين:

الأول: تعلم اللغات الأجنبية لمواكبة العلم والتقدم.

الثاني: الترجمة للمستويات الدنيا كالثانوية والمعاهد.

وإذا صرنا على مستوى الإنتاج والاختراع والاكتفاء بما نصنع فسنعتمد على لغتنا فقط ونترجم كل شيء يخرج.

وفي ختام الحديث عن هذه النقطة يرى الدكتور العجلوني أنَّ الوقوف في وجه الترجمة إلى العربية واستخدامها في العلوم في وطننا الكبير هو أحد أهم وسائل الغرب في إبقائنا منهزمين ومتخلفين. وقد ساهم الكثير من الدارسين بالخارج في هذا الوقوف؛ لأن تعلمهم للغة الإنجليزية ـ مثلاً ـ يعطيهم ميزة على غيرهم ممن لا يعرفها، وإذا كنا نعرف تميز العلماء والباحثين العراقيين وهؤلاء درسوا مناهجهم الجامعية باللغة العربية، فإننا نعلم أيضاً أن الكثير من أبناء الدول العربية الأخرى يدرسون باللغة الإنجليزية؛ فلا هم أتقنوا لغة ولا هم أحسنوا تعلماً.

- العقول المهاجرة والابتعاث.. بين رأيين:

يبتدئ الدكتور إيهاب الشاعر التحدث عن الخطوات الأساسيَّة للاستفادة من جهود المبتكرين المسلمين في العالم الغربي فيقول: هذا السؤال في منتهى الأهميَّة، حيث تُعدّ هذه الخطوة جوهرية في تنشيط الجو الإبداعي والبحث، ويمكن تنفيذها كما يلي:

1ـ إنشاء جمعيات خاصة لجمع المعلومات عن المبتكرين من المسلمين في العالم الغربي، وعناوينهم ومجالات بحوثهم.

2ـ إنشاء دورات وندوات وورش عمل تجمع بين أهل الاختصاص الواحد دورياً.

3ـ إنشاء جسور وحلقة وصل بين هذه الجمعيات والجامعات أو حكومات الدول العربية والإسلامية.

وعند الحديث عن تقويم ظاهرة الابتعاث للخارج هل أفادت الأمة في قضايا التقنية؟ وما دورها في نقل التقنية؟ وكيف نشجع قدوم وتوطين العقول المهاجرة للعودة لبلادهم وخدمتها؟ يجيب الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار قائلاً: المسلمون في العالمين الغربي والشرقي يتجاوز عدد العلماء فيهم مئات الآلاف الذين قد هربوا من بلادهم إما نتيجة للاضطهاد السياسي أو جرياً وراء توفر إمكانات البحث العلمي. وفي ظل الحجر الشديد على أبناء العالمين العربي والإسلامي في العالم الغربي لم تعد هناك فائدة حقيقية في الابتعاث والبحث العلمي كالشجرة التي لا بد من نموها في أرضها. ونتيجة الابتعاث لعقود طويلة كانت مخيبة للآمال، ويمكننا تشجيعهم بتوفير الإمكانات اللازمة للبحث العلمي.

من ناحيته ينفي الدكتور إيهاب الشاعر أنَّ الابتعاث أفاد العالم العربي والإسلامي حيث يقول: لا يظهر لي أنَّ الابتعاث أفاد العالم العربي بقدر ما أفاد العالم الغربي إلَاّ ما ندر، وذلك للأسباب التي قلناها من أسباب التخلف التي تمنع المبتعثين من الطموح للأحسن.

وحول دور المبتعثين في نقل التقنية إلى العالم الإسلامي يقول الدكتور المدهون: دورهم كبير في نقل التقنية إذا تم إحسان العمل والسير في الطريق إلى منتهاه، ويتم تشجيعهم بالحوافز، والاستقرار السياسي، وبخلق الانتماء، وبالتواصل معهم.

ومن جهته يقول الدكتور الضويان: لا شك أن الابتعاث للخارج له أهميّة كبيرة، فهو وسيلة للانفتاح التقني وتنمية العقول باحتكاكها بالتجارب المتقدمة الأخرى.

ويضيف قائلاً: لكن لا بد من التخطيط له بشكل جيد من خلال تحديد الأهداف والتخصصات المطلوبة ومساهمة الشركات المعنية لنقل الأفكار التقنية وتوطينها. وقد أفاد هذا الابتعاث الأمة من جانب وأضرَّ بها من جانب آخر، ذلك أنها كانت تسير بشكل فوضوي ولا زالت، فالابتعاث للابتعاث أياً كان التخصص والجهة المبتعث إليها، ولذا عادت بعض العقول بفضلات الحضارة الغربية مع الأسف، وبعضها بقمة إبداعات تلك الحضارة لكن دون رعاية جادة من القطاع الحكومي والخاص. ولذا رأت بعض العقول المبتعثة البقاء هناك لمواصلة تحقيق ذاتهم وإبداعاتهم فهاجرت إلى الأبد، ولا أعتقد بالإمكان استرجاع تلك العقول في الظروف المرئية وليس ذلك من المصلحة؛ لأن البشرية ستُحرم من إسهاماتهم التقنية، فلندع الدول الغربية تستثمرهم بما فيه فائدة لازدهار البشرية.

- هل يمكن توطين العقول المبدعة في بلادنا الإسلاميَّة؟

يتحدث الدكتور باسم خَفَاجِي حول هذه القضيَّة قائلاً: إن من المحزن أن قوانين بلداننا العربية لا تزال تنظر إلى استقطاب العقول على أنه (جلب عمالة) من الخارج، ومن ثم يعامل صاحب العقل الراشد كالعامل في بلداننا العربية، وفي المقابل يعامل كالعالم في بلدان الغرب. لذلك لا غرابة في أن الأمة الإسلامية تعاني من استنزاف قدراتها الفكرية التي تهاجر بلا عودة إلى الغرب بحثاً عن فرصة علمية أو اقتصادية أو بحثاً عن تقدير الذات الذي يفتقد إليه كثير من علماء الأمة في بلادهم.

ويبدي الدكتور باسم تعجُّبه من حال أوضاع بعض المسؤولين في بلادنا الإسلاميَّة بقوله: أليس من المضحك أن تولي دولة من أكبر دول العالم العربي مسؤولية التعامل مع العلماء المهاجرين بالخارج إلى وزير لا يحمل إلا شهادة الابتدائية في دولة عرفت بأنها من أعرق دول العالم العربي في التعليم. كيف يمكن تفسير أن عالماً حاصلاً على شهادة نوبل يجد مسؤولاً عنه في بلده لم يحصل إلا على شهادة الابتدائية، ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين؟!

ويضيف: استقطاب الطاقات يبدأ من التقدير الحقيقي لها، وليس من امتهانها على أبواب السفارات. إن الولايات المتحدة تفتح ذراعيها لعلماء العالم الإسلامي، وتستثنيهم من كثير من قيود الهجرة، بل وتمنحهم الجنسية الأمريكية لكي تجذبهم إلى الاستقرار في الغرب. ولكننا في العالم العربي لا نسمح للعالم ـ في بعض الدول العربية ـ أن يدخل أبناءه لكي يدرسون في الجامعة نفسها التي يدرِّس هو بها؛ لأنهم من (الأجانب) . نرفض أحياناً أن نعطيهم إقامة طويلة المدى في بلداننا الإسلامية؛ لأن القوانين تساوي بينهم وبين كل العمال، ولكننا نتحدث كثيراً أفراداً وجماعات عن تكريم العلم والعلماء، وأن المعلم كاد أن يكون رسولاً، ويسأل الكثير من العلماء العرب والمسلمين أنفسهم في بلادنا: ألا يقرأ هؤلاء قوله ـ تعالى ـ: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] ؟!

ويذكر الدكتور المدهون عدة نقاط تساهم في توطين العقول في بلادنا الإسلامية، وهي:

1 ـ التكامل والتوازن يقتضي استيعاب العقول والآلات معاً، وللعقول أولوية.

2 ـ الرعاية المؤسساتية الكاملة.

3 ـ يمكن المساهمة في ذلك من خلال بناء الخطط وبناء المؤسسات.

ومن جهته يؤكد الدكتور الضويان على أهمية توطين العقول الإسلامية في بلدانها، ويشير إلى أنَّ الدول المحترمة تسعى إلى توطين العقول لتوظيفها في دعم عجلة التصنيع وتنمية شعوبها ورفاهيتها، وتستطيع الدول الإسلامية ذلك.

إلَاّ أنَّ الدكتور الضويان تساءل في ختام جوابه بقوله: ولكن الواقع يقول: ماذا ستُقدم هذه الدول لتلك العقول لو هاجرت إليها سوى الكبت والتهميش وتقييد الحريات إضافة إلى الفقر والمرض؟!

وحول تأكيده على أهميَّة جلب العقول وتوطينها يشير الدكتور الخطيب إلى أنَّ الولايات المتحدة استطاعت استقطاب معظم العقول النابهة من العالم الثالث، وأن معظم التطور العلمي والتقدم التكنولوجي في الولايات المتحدة هو ثمرة تلك العقول التي استقطبتها الولايات المتحدة في مدى الأعوام السبعين الماضية منذ بداية الحرب العالمية الثانية، ومعظمها كان من العالمين الإسلامي والعربي.

- كيف نكسر قاعدة التبعية في المجال الاقتصادي؟

التكامل والتعاون الاقتصادي يحمل مؤشرات الانتقال إلى مرحلة الاعتمادية الذاتية، وبذلك نكسر قاعدة التبعية؛ كان هذا جواب الدكتور المدهون عن سؤالنا له عن دور التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية (التجارة البينية) .

ومع تأكيد الدكتور الضويان على أهمية التكامل الاقتصادي الذي يصاحبه التكامل البشري والفني بين الدول الإسلامية وعدّه مطلباً ضرورياً لامتلاك التقنية، إلَاّ أنَّه يقول متأسفاً: ولكن مع كل أسف الحاصل بينها نوع من التكامل الأمني؛ لأنها ليست دول مؤسسات تنظر بعين تنمية الشعوب ورفاهيتها.

ويختم الأستاذ الدكتور زغلول النجَّار الجواب عن هذه النقطة بإجابة مستوعبة فيقول: التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية هو أحد وسائل الانتعاش الاقتصادي، والذي بدونه لا يمكن تحقيق أية نهضة علمية. ومن الأمور المخزية أن الدول الإسلامية اعتمدت على الاستيراد من الدول الأخرى بدلاً من التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي فيما بينها، مما أدى إلى خنق كثير من النشاطات الصناعية والزراعية في العالم الإسلامي، وإلى استنزاف أموال المسلمين واستغلالهم، وفرض السيطرة عليهم من قِبَل الدول الموردة وتكتلاتها الصناعية والزراعية والتجارية المختلفة. وتجدر الإشارة في ذلك إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يمثل أكثر من (2%) من تجارتها الدولية! وأن هناك أسعاراً خاصة تفرض اليوم على واردات العالم الإسلامي بصفة عامة، كما أن ما تدفعه تلك الدول سنوياً في الاستيراد يكفي لإقامة كبرى الصناعات، ولدعم أضخم المشروعات الزراعية والإنتاجية التي يمكن أن تسد حاجة المسلمين كافة، وتغنيهم عن تحكم التكتلات العالمية المستغلة فيهم. وتكفي الإشارة هنا إلى المبالغ التي دفعت ولا تزال تدفع لاستيراد السيارات والشاحنات والطائرات والأعتدة الحربية.

بهذه الإجابة تكون أجوبة المشاركين في التحقيق قد انتهت، ونسأل الله ـ تعالى ـ أن ينفع بها، وأن يكون هذا التحقيق قد استكمل دوائر الحديث ومحاوره حول هذا الموضوع الحيوي في هذه الحقبة الزمنية، وأنه كان مفيداً لاستطلاع آراء المختصين فيه، والله ولي التوفيق.

ص: 12