المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قصة قصيرة ‌ ‌العقوق خولة درويش   يا لفرحة (أم نديم) وهي ترى عروس ابنها - مجلة البيان - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: قصة قصيرة ‌ ‌العقوق خولة درويش   يا لفرحة (أم نديم) وهي ترى عروس ابنها

قصة قصيرة

‌العقوق

خولة درويش

يا لفرحة (أم نديم) وهي ترى عروس ابنها الجميلة (سها) تزف له، إنها

فرحة طالما انتظرتها لتجبر قلبها الكسير، ولتأسو جراح نفسها المكلومة، ويا

لسرورها وهنائها! ها هو ابنها تكتمل رجولته إذ يعمر بيت والده (المرحوم خالد)

فتسعد بذلك كما سعدت يوم تخرج من كلية الهندسة وعين في إحدى الشركات

الكبرى، فتركت مهنة الخياطة التي ما كانت لتعمل بها لولا الحاجة، كانت تمضي

سحابة يومها في استقبال زبائنها من الراغبات في الأناقة، وتسهر جل ليلها خلف

ماكينة الخياطة لتؤمن لعيالها الحياة الهانئة الكريمة بعيداً عن الحاجة، تتطلع إلى

أملها الكبير (نديم) ليحمل عنها أعباء أضحت تنوء بحملها، وهي على أبواب

شيخوخة مبكرة جلبها كدح النهار وهمِّ الليالي لإعالة أيتام، وتأمين الحياة الكريمة

لهم بعيداً عن العوز والفاقة.

لكن صاحباتها ممن يعرفن (سها) المعرفة الحقة كان يحدوهن تفاؤل حذر إلى

تحفظ في الفرح والسرور، وما منعهن الإقدام على نصيحتها إلا الخوف من أن

يتهمن بالغيرة ذلك أن جمال (سها) البارع قد ملك على (أم نديم) قلبها بل وعقلها

أيضاً، ولم تدر أن هذا الجمال لم يورث (سها) إلا غطرسة وكبراً بل وتسلطاً في

الرأي يلمسه كل من يعاشرها..

ومنذ أن اقترنت بـ (الأستاذ نديم) أضافت إلى سلطانها وجبروتها عش

الزوجية الجديد. فأضحت رغباتها أوامر عند أفراد الأسرة جميعاً وأصبح زوجها لا

يتوانى عن تنفيذ ما تحب أياً كان ذلك

وإن حدث التواني أو التأجيل.. فلا اعتذار

يقبل، بل ينطلق السخط من فمها فيحول المنزل إلى جحيم لا يطاق.

وكان الجميع يطلب لنفسه السلامة برضاها، وعمل ما يروق لها، فهل

ترضى؟ ! لا زلت أذكر يوم كانت (سها) تشكو حب ابنتها (سلوى) لجدتها وعماتها

وبرها لهم وتعلقها بهم.

وعندما قلت لها سائلة ومقربة بين وجهات النظر:

- وماذا في برها بجدتها وقربها من عماتها؟ ! أوليس ذلك مما يفرح الأم؟

إن من يبر جدته ويحسن إلى عمته قادر أن يكون أكثر إحساناً إلى أمه

ولكن

هيهات أن تقتنع (سها) أو ترضى بهذه الأقوال..

لقد حجب هواها الجامح جمال الحقيقة، فما وجدت منه إلا النفور، لقد امتقع

وجهها وهي تقول:

- لا ليس كل الناس سواء، هؤلاء كالثعابين التي تقذف بالسم، إنهم أعداء

بثياب الأهل والأقارب.

ويجمح بها الانفعال فتتابع الكلمات تتدفق من فمها:

- يكفي المرارة التي جرعوني إياها عن طريق ابنهم ووساوسهم له، أيريدون

أن يذيقوني الويل من أولادي أيضاً؟ !

وأرادت أن تختصر الحديث فهبت واقفة وهي تتوعد بأمر لا ترعوي عن

إظهاره.

- والله لن أدع لهم مكاناً في بيتي

فإما أنا أو هم، وليعمل ابنهم ما يشاء،

فمنزل أهلي يسعني

ويأتي الزوج.. ويحتدم النقاش، ويخونه بيانه ومنطقه، ولم تسعفه أية حجة

حتى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) .

لامس حسها الغليظ فما وجد منها غير التبلد واللامبالاة والإصرار على موقفها

المشين. فما كان من الزوج الذي اعتاد الانصياع لزوجته المتسلطة إلا أن رضخ

لرغبتها، ورأى أن والدته برحابة صدرها، أكثر تقديراً للأمور من زوجته.

فقرر مفاتحة الأم الرءوم، وقال لها بصوت كسير حزين:

- عزيز علي أن أقول لك يا خير أم، أنني ابنك البار بك، والذي يفديك

بالغالي والرخيص

ويسود صمت ثقيل، فالموقف الجلل يمنع الكلمات المتعثرة

من أن تظهر، فتغوص في أعماق حنجرته.

ونظرات الأم الحائرة ترمقه في دهشة وتساؤل.

ثم يكمل وقد غلبت عليه الأثرة قائلاً:

- إن (سها) قد أتعبتني، وتجد أن لا حق لأحد في زوجها وبيتها، فماذا أعمل؟! وبين دهشة الأم وحسرتها، سالت دمعة أسيفة من عينيها، وفي بساطة تعسة

قالت بتسليم حزين:

- اعمل ما تريد، أما أنا وأخواتك فنفوض أمرنا إلى الله..

ثم خرجت وبناتها من البيت

وفي نفسها تعتلج المشاعر الأليمة، والضيق

المكتوم و (سها) تشيعها بابتسامة تحكي قسوتها وفظاعتها، وتخلو من كل معاني

الإنسانية.

.. وعاشت الأم حياة بائسة قد لا تصل إلى حد الكفاف

وهي التي لا تفتأ

تسمع عن حفلات ابنها وولائمه، ونفسها تتوق إلى لقمة طعام من كده وسعيه، فلا

تلقى إلا صدقات بعض المحسنين الذي يرجون ثواب الله في إعطاء الصدقة

للمتعففين من ذوي الحاجات، أمثالها!

فما أشق ذلك على النفس التي ما اعتادت الاستخذاء، لكنه السن والحاجة! !

وأما (سها) فهل وجدت السعادة التي كانت تنشدها؟ !

أم هل أصبحت التطلعات المبتذلة هي مقياس السعادة؟ !

ها هو البيت قد فرغ لها، ففرحت وفرح أهلها، إذ خلا المنزل فما ينغصهم

أحد، كما سول لهم عقلهم القاصر، وما دروا أن البر وصلة الرحم توسع الرزق

وتسعد العيش! !

ويتحامل (نديم) على نفسه ويرحب بهم فيزيد ذلك من غبطتهم.. ثم لا يلبث

أن ينقلب الترحيب إلى تجهم وكدر، ويبلغ الأمر حدة عندما أعلن موقفه بوضوح،

وقد شعر أنه الذليل في بيته، الجريح في رجولته، وأصر على عودة أهله (والدته

وأخواته) الذين لا معيل لهم غيره، ليشاركوه النعم التي أنعم الله بها عليه.

ولكن أنى توافق (سها) على ذلك؟ ! وهي التي ترفض حتى الكلمة الطيبة من

ابنتها لهم

إن الغيرة قد أكلت قلبها. والهواجس الخبيثة قد أفسدت عيشها، فما

تطيق أن ترى زوجها يسر لهم بحديث، أو يبادلهم الابتسام أو حتى الهموم، وتصر

على الرفض

وتضحي بأهلها عندما أعلنتها بعنجهية بعد جدل طويل:

-إن كان يروق لك بعدي عن أهلي فمن الآن فصاعداً لن أجعل أحد منهم يأتي

لبيتك، فلا أهلي ولا أهلك، هل أعجبك ذلك؟ !

فيرد وقد تخاذل أمامها كعادته:

- نعم أعجبني.

ويوصد بيت العقوق أبوابه أمام أهل كل من الزوجين، ويكتفيان بأنفسهما

وقرنائهما

وتمر الأيام والسنون

ويحين موعد زفاف ابنتهم (سلوى) ويجد الأستاذ

(نديم) أن هذه فرصته كي يشعر بحقه الطبيعي في القوامة على المنزل ورئاسة

الأسرة. وأن يظهر أمام أصهاره بالمظهر اللائق كرجل يحترم نفسه.

ودون استشارة حرمه (سها) دعا أهله لحضور الفرح كما دعا أهل زوجته

أيضاً.. وهكذا.. أصبح عرس (سلوى) الفرح الذي وارى جراح أقاربها ولمَّ شعث

أهلها..

وسادت الحياة طبيعية، لولا نذر الانتكاس التي كانت تظهر بين الحين

والآخر فيعالجها نديم بصبره الدءوب وإصراره العنيد على عدم التفريط بوشائج

القربى وصلة الأرحام.

وأنا اليوم وبعد سنوات قليلة من هذا الزواج، أرى (سها) - ولأول مرة - في

انهيار مريع تبكي بمرارة وحرقة ما أسبغته على ابنتها (سلوى) من رفاه وما تلقى

منها من الجحود.

فيبلغ بها الانهيار مداه وقد أسقط في يدها فتغطي وجهها بكلتا يديها وتنشج

كالطفلة الصغيرة وهي تكوم جسدها الكليل على إحدى الأرائك، تنتحب من أعماق

فؤادها المكلوم، وكلمات لا تكاد تبين تخرج من بين شهقاتها:

- آه من سلوى! قد صار لزوجها بيت ولا يأذن لي بدخوله! !

يا لها من عاقة، عاقة لا خير فيها، جحودة منكرة للجميل! ويزداد تشنجها،

عندما يمر أمام مخيلتها، شريط جحودها هي لفضل أهلها وحقوق زوجها وأهله

وكأنها تقول: ألا ما أشبه الليلة بالبارحة، ومن جرع غيره كأس العلقم احتساه بما

قدمت يداه.

ص: 61

من عيون الشعر

حنين إلى الوطن

قال أبو العلاء وهو في بغداد يحن إلى موطنه في الشام:

1-

أإخواننا بين الفرات وجِلَّق

يد الله لا خبَّرتُكم بمحال

2-

أنبئكم أني على العهد سالم

ووجهي لما يبتذل بسؤال

3-

وأني تيمَّمت العراق لغير ما

تيممه غيلانُ عند بلال

4-

فأصبحت محسوداً بفضلي وحدَهُ

على بعد أنصاري وقلة مالي

5-

ندمت على أرض العواصم بعدما

غدوت بها في السوم غير مُغَال

6-

ومن دونها يومٌ من الشمس عاطلٌ

وليل بأطراف الأسنة حال

7-

وشعث مداريها الصوارم والقنا

وليس لها إلا الكماة فوالِ

8-

أروح فلا أخشى المنايا وأتقي

تدنُّس عرض أو ذميم فعالِ

9-

إذا ما حبالٌ من خليلٍ تصرمت

علقت بخلٍ غيره بحبال

10-

ولو أنني في هالةِ البدر قاعدٌ

لما هاب يومي رفعتي وجلالي

الشرح:

1-

يد الله: قسم، أي أحلف بيد الله لا خبرتكم إلا بيقين.

2-

وجهي لما يبتذل بسؤال: لم أهن وجهي بسؤال أحد من ماله.

3-

قصدت العراق استزادة للعلم لا لمدح أحد ونيل مكافأة كما كان يفعل

غيلان بن عقبة (ذو الرمة) في قصده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري،

وكان والياً على البصرة، لمدحه ونيل نواله.

4-

هذا بيت في الفخر، أي أصبح الناس يحسدونني على فضلي مع قلة مالي

وبعدي عن أنصاري.

5-

ندمت على أرض العواصم: ندمت على مفارقة أرض العواصم وهي

المنطقة التي فيها بلدته (معرة النعمان) .

6-

يوم عاطل من الشمس: لا تظهر فيه الشمس لكثرة الغبار. وليل حال

بأطراف الأسنة: مزدان ببريق أطراف الرماح وهو هنا يشير إلى أن البلاد بين

العراق والشام في تلك الفترة كانت غير مستقرة، تشتعل فيها الحروب والفتن.

7-

الشعث: جمع أشعث وهو الذي لا يتعهد شعره بالغسل والترجيل.

والمداري: الأمشاط، لما وصفهم بأنهم شعث جعل السيوف والرماح التي تعمل في

رءوسهم في المعارك كالمداري.

8-

لا يخاف المنايا بل يخشى الفعال المذموم وما يدنس العرض، وهذا كقول

أبي الطيب:

يهون علينا أن تصاب جسومنا

وتسلم أعراض لنا وعقول

9-

تصرمت: تقطعت.

10-

الهالة: الدائرة التي ترى حول البدر إذا حال دونه غيم، أي لو كنت في

هذا المكان المرتفع لجاءتني منيتي ولما هابتني من أجل جلالي ورفعتي.

ص: 66

شئون العالم الإسلامي ومشكلاته

زلزلة العقيدة أولاً ثم تنهدم الأسوار

أساليب حملات التنصير في أندونيسيا

إمباكت انترناشنال

(نجمبسان) قرية نائية مهملة تقع على سفح جبل ميرابي في مقاطعة سليمان

في إقليم بوغي جاكرتا، وتمثل نموذجاً للقرية الأندنوسية من حيث ارتفاع عدد

السكان وصلاحيتها كمرتع للبعثات التبشيرية.

لقد كانت مفاجأة سارة لأهل القرية عندما زارهم في أحد الأيام رجل وامرأة

من العرق الأبيض برفقة أناس من أهالي البلد. جاءوا محملين بالهدايا؛ أرز،

سكر، ملابس مستعملة للصغار والكبار، بل حتى الأدوية الطبية التي كان لها نتائج

سحرية. ما أشد جهل هؤلاء القرويين المساكين! ! حيث لا يعرفون كيف يتاجر

أصحاب الأدوية هؤلاء بأدويتهم، وكيف أصبحت الدول النامية أمكنة تصريف لما

لا تبيح قوانين الدول المتقدمة توزيعه من الأدوية.

ويتخذ الرجال مواضعهم حول هذه الخيرات بينما النساء الخجولات ينظرن

إلى الفساتين المطرزة وهي تخرج من الصناديق، ويتعجبن من أخوات لهن يلبسن

هذه الملابس الخفيفة التي لا تكاد تستر الأجساد! ويقبل من بعيد طفل عليه مظاهر

الشغب فيرتدي لباساً واسعاً، ويختال فيه فينفجر الحاضرون بالضحك على هذا

المنظر الطريف، فيتعثر الطفل بسيره ويسقط على الأرض فتهرع الأم نحوه

وتصفعه على خده، فيرتبك ويبكي، ويعتكر الجو بعض الشيء.

يدخل شيخ القبيلة، وقد كان يراقب الموقف من بعيد، ثم يطلب من الجميع

الالتزام بالنظام، ويسأل: ماذا يحدث هنا؟ فيقوم أحد البيض فيرحب به باللغة

المحلية، ويقدم له رسالة توصية من المشرف العام، وضعت في ظرف كبير.

يأخذ شيخ القبيلة الظرف ويتحسس لفائف الورق بداخله ويضعه في جيبه، فهو أمي!

لقد أنجز نصف المهمة! وقرر هؤلاء الزوار الكرماء الرحماء البقاء في

القرية البائسة لإنقاذها من مصيرها الأسود! !

أيتها السيدات! هذا مال افتتحن به دكاكين على جوانب الطرق! لستن

ملزمات بشيء! أليس بيع الأطعمة والدخان والعلكة يدعم دخل العائلة ويرفع من

مستوى الدخل القومي؟ ! وكيف تنهض أمة إذا كان نصف مواطنيها عاطلاً عن

العمل، مهدراً وقته وقوته في عمل البيت والعناية بالأطفال؟ !

وأنتم أيها الفلاحين هذه بذور من نوع جيد، وهذه أدوات زراعية حديثة،

وهذه أسمدة ومبيدات حشرية.. مجاناً.. بدون مقابل! فضاعفوا منتجاتكم الزراعية، وطوروا أساليبكم الزراعية! يا أهل القرية: إن أرضكم لا تفي بحاجاتكم

الضرورية. ولذلك فهذه أبقار وأغنام استثمروها، فهي منيحة لكم، ليس عليكم إلا

أن تعيدوا لنا ما تلده، أما ما تبقى من فوائدها فهو لكم، فاحملوا عليها، واحلبوا.

وحتى إذا أرجعتم إلينا ما تلده هذه الماشية فهي منكم وإليكم، ستكون وقفاً مشتركاً

على أهل القرية، وربما أعدناها إليكم ثانية، كل ذلك مجاناً وبدون مقابل!

لكن، حاجة من عاش لا تنقضي! وكلما اعتمد أحد على غيره بحاجاته

الضرورية فسوف يصبح رهينة في يديه خوفاً من انقطاع هذه الحاجات، ولذلك فهو

مستعد لكل شيء يطلبه ولي النعمة من أجل الإبقاء على الامتيازات التي جاءت عن

طريقه!

خدمات كثيرة لا حصر لها تقدم لأهل هذه القرى المسكينة؛ دورات مجانية

لتعليم طرق الزراعة، النجارة، الخياطة، تصليح السيارات وأجهزة الراديو، اللغة

الإنكليزية، حتى الرقص! والذين يشتركون في هذه الدورات ليسوا كلهم مسلمين،

فأصول اللعبة تقتضي إبعاد الشبهات والتغطية! لكن سواء شارك مسلمون أو غير

مسلمين (من بوذيين ووثنيين) فعلى الجميع حضور دورة في النصرانية.

الأيام تمر، والخدمات تزداد، وتتسع دائرتها، فإذا ما احتاج أحد من أهل

القرية أن يرمم بيته فما عليه إلا أن يقصد شيخ القرية الذي تحول إلى مسئول مهم

في مجال تقديم المساعدات!

أما الشباب الذين ينهون الدراسة المتوسطة أو الثانوية ولا يستطيعون مواصلة

دراستهم العليا، وهم بمسيس الحاجة إلى مهنة أو عمل، يجد الواحد منهم الفرصة

هنا مفتوحة أمامه للعمل كبائع في محل يملكه نصراني، أو كمعلم في مدارس

البعثات التبشيرية. وهؤلاء جماعة منهم قد قبلوا مراسيم (التعميد) وآخرون

يتهيئون للحاق بهم، ومن يرفض ذلك تسحب منه وظيفته.

إن الناس في المجتمعات الفقيرة غالباً ما يكونون بحاجة ملحة للمال، وقد

حلت هذه المشكلة هنا بإقامة جمعيات قروض ائتمانية. وتمنح هذه الجمعيات

قروضاً بشروط سهلة، وليس عليك أن تسأل من أين تأتي هذه الأموال؟ .

والشخص المعمد مؤهل لقروض إضافية، بل يعفى فيما بعد من التسديد! ولا تجد

من هؤلاء الزوار سوى الضحك والمزاح ولقمة العيش، ونادراً ما يتحدثون في

أمور تخص الدين أو الفكر. ومع ذلك فإن الأهالي تواقون لمعرفة حقيقة هؤلاء

الناس اللطفاء، وماذا يدفعهم لمساعدتهم؟ . فيجيب الزوار: إننا خدم عيسى اليسوع، وهذه الهدايا التي أتينا بها هي منه عليه السلام، وهنا يجيب أهل القرية عيسى

نعم نعم إننا نعرف عيسى ونحترمه ونعزه. فيسألهم الزوار، ألا تعتقدون أنكم في

تحسن أحوالكم مدينون للهدايا التي أرسلها عيسى لكم؟ ! لا يستطيع أهل القرية نفي

نصف الحقيقة هذه! ولو انبرى من يناقش الفكرة الخاطئة التي انطوى عليها هذا

الجواب فإنه يسكت من أكثر من جهة بأن يقال له: إن كل الأديان جيدة، وكل

المؤمنين سيدخلون الجنة، وقد يستثار المسلم بين الفينة والأخرى ولكنه يعود فيعتقد

أن هذا الأبيض منصف ألم يسو بين الدينين؟ !

وبالجملة فإن القاعدة الأساسية في هذا المجال هي: البحث عن الضعيف

والانتهازي، وعدم الدخول في جدل مع من يفهم دينه. وثمة أسلوب آخر مع رجل

الشارع كأن يقال له إن الإسلام دين صعب الاتباع! حيث عليك أن تستيقظ مبكراً

في الصباح لتأدية الصلاة، ثم تكرر ذلك أربع مرات أخرى في اليوم منذ سن الرشد

وحتى الموت. أما في النصرانية فلا شيء ينغص عليك نومك، ولا تعاني من ذلك

النظام الصارم الذي عليك الالتزام به خمس مرات في اليوم وعلى مدى الحياة.

وكل ما هو مطلوب منك هو المجيء إلى الكنيسة مرة في الأسبوع وذلك في

يوم الأحد، وبذلك لا حاجة إلى ترك عملك، والإسراع إلى صلاة الجمعة، فيوم

الأحد عطلة في جميع أنحاء العالم، (وهذا إثبات آخر على أن النصرانية دين حق)

كما أن المهمات التي يطلبها الرب في الإسلام صعبة للغاية، في حين أن ربنا رب

حنون.

وهكذا فإن البعثات التبشيرية لا تعتمد في عملها على الخبز وحده فالشيء الذي

لا يتحقق عن طريق الخبز يتحقق عن طريق المناهج الثقافية، والعكس صحيح.

وهناك شبكة من مدارس البعثات التبشيرية أنشئت منذ زمن بعيد، مهمتها

إعداد جميع القيادات المستقبلية للمجتمع الإسلامي، فالمدرسة التي يقوم على إدارتها

البيض في منطقة (كامبونغ) تتمتع بمنزلة رفيعة قد تفتقدها أرقى المدارس في

أوربا. وفي مدرسة (كامبونغ) على كل طالب أخذ دروس في النصرانية واجتياز

اختبارات فيها. وقد تأثر بعض الطلاب بهذه المناهج في حين تم تعميد أعداد منهم،

أما الأغلبية فقد باتت في منأى عن دينها الأصلي، وينتقى الشباب الذين تسهل

قولبتهم - ذكوراً وإناثاً على حد سواء - وذلك منذ المراحل الأولى، وإعدادهم لتسلم

مناصب قيادية مستقبلية، وتتبع المناهج التعليمية عادة بأفلام سينمائية وإن عرض

فيلم سينمائي في قرية - بغض النظر عن محتواه وأهدافه - يعتبر حدثاً عظيماً

مثيراً للفضول، فيأتي أهل القرية زرافات ووحداناً ليشهدوا الفيلم ويتشبعوا برسالته

اللطيفة! وقد تكون هناك بعض اللقطات غير اللطيفة التي قد تستثير الناس بعض

الشيء، وإذا ما حدث ذلك وأراد بعضهم أن يحتج ويمشي باحتجاجه إلى آخر

الشوط فإن شيخ القرية (الذي عرفت عقدة النقص عنده مسبقاً وهي الشره إلى المال)

مكلف بقطع الطريق على مثل هذه الحالة!

ويعقب عرض الفيلم احتفالات دينية، ومن يحتج أو يطلب من الآخرين عدم

المشاركة في هذه الاحتفالات التبشيرية فقد يتهم بالتعصب! ومن ثم يتعرض

لمضايقات من قبل الجهات الرسمية! وإحدى نتائج عروض الأفلام والاحتفالات هذه

هي ظهور الأندية، ويشجع الشباب ذكوراً وإناثاً على الاختلاط وهذه هي بعض

الحوادث تقع، والأواصر الأخلاقية والثقافية تضعف، وكثيراً ما يبلغ عن حوادث

زواج بين مسلمات ونصارى عن طريق علاقات الصداقة الناشئة في الأندية، إلا

أن أعظم إنجاز حققته هذه الحملة هو انتزاع الروح الإسلامية، وأصبح بإمكان

الغزاة التحرك في كل الاتجاهات بعد أن انهدمت الأسوار أمامهم! وأصبح إنشاء

الكنائس يفرض فرضاً على قرى منتخبة، وغالباً دون حاجة لإذن مسبق من

وزارتي الداخلية والشئون الدينية. أما في الأماكن التي يخشى وقوع معارضة

خطيرة فيها من قبل السكان فيلجأ إلى أبنية عادية أولاً ثم يعدل الغرض من

استعمالها تدريجياً وبهدوء من سكن إلى كنيسة، وأخيراً ترتفع لافتة مشيرة إلى

وجود كنيسة في المنطقة!

وهناك طريق أخرى أشد مكراً لزرع الكنائس في المناطق الإسلامية الخالصة

وذلك باستغلال خطط الحكومة الأندونيسية في نقل السكان من المناطق المزدحمة

إلى مناطق أقل ازدحاماً، فإذا كان هناك مناطق لا تستقبل إلا مسلمين بين سكانها؛

فلا مشكلة في ذلك عند النصارى، حيث يطلب منهم التسجيل كمسلمين بغرض

التسرب إلى تلك المناطق، وما إن يستقروا هناك حتى يكشفوا عن وجههم الحقيقي، ويشرعوا في بناء الكنائس.

ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها هذه البعثات على معالجة المرضى ورعايتهم

بل تمتد إلى ما وراء ذلك بكثير. فإذا أدخل مسلم في إحدى مستشفيات البعثات؛ أو

أنه تلقى علاجاً من قبلهم فإنه يشجع ويحث على أن يكون دخوله في النصرانية هو

الطريقة المثلى للرد على هذا الجميل الذي يتلقاه منهم، وإذا كان من المتعذر إنقاذ

حياة المريض فإن البعثة تتعهد بدفع الديون المستحقة على ذويه ورعايتهم بعد وفاته، وأكثر من ذلك فإنهم قد يدفنونه على نفقتهم بشرط أن يكون الدفن حسب الطقوس

المسيحية، وهذا يحقق مقولة:(نصراني ميت خير من مسلم حي) !

وعلى الرغم من كل أساليب الترغيب المتاحة من قبل هؤلاء المبشرين؛ من

طعام وشراب، وكلمات مؤثرة وغير ذلك إلا أن ثقتهم ضعيفة بأساليبهم وإنجازاتهم، فعلى الرغم من أن الإسلام شيء سيئ (في نظرهم) إلا أنه لا يبدو أن استخدام

شعاراته ومصطلحاته أمر سيئ! حيث نرى النصارى يرددون كلمة: عيسى

اليسوع.. عيسى اليسوع.. بالطريقة نفسها التي يردد فيها المسلمون كلمة التوحيد:

لا إله إلا الله. بل إن النصارى الكاثوليك يقومون في بعض المناطق بتنظيم صلاة

جمعة وذلك لمنافسة صلاة الجمعة عند المسلمين. وفي كثير من الأماكن يرتدي

المبشرون الطاقية الأندونيسية التي يتميز بها المسلمون، ويحيون الناس بـ (السلام

عليكم) ويتجولون هنا وهناك متظاهرين بأنهم مسلمين.

وعندما يثير قادة المسلمين الأندونيسيين حججاً دينية في شكواهم للبابا حول

سلوك وتصرفات المبشرين المتبعة بين المسلمين فإنهم يقحمون أنفسهم في جدل

ديني لا ينتهي ولا ينحسم، والأجدر بهم أن يلجئوا إلى القوانين والأعراف التجارية

المعتمدة في السوق المشتركة، التي تنص على أن بيع سلعة مزيفة تحت علامة

مسروقة أو منتحلة يعتبر جريمة.

--------------------------------------------

العام

... مسلمون بروتستانت كاثوليك

--------------------------------------------

1945

... 95.0

-

...

-

1971 87.5

5.1

... 2.3

1980 87.1

5.8

... 0.3

1985

86.9

6.5

... 3.1

-------------------------------------------

تناقص نسبة المسلمين في أندونيسيا (8%)

عن مجلة إمباكت انترناشنال 21/12/1989.

ص: 69