المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قراءة في مجلة المنار - مجلة البيان - جـ ٤٦

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌قراءة في مجلة المنار

‌قراءة في مجلة المنار

عبد القادر حامد

كنت أتصفح بعض مجلدات (مجلة المنار) التي أنشأها الشيخ محمد رشيد

رضا، فخطرت خاطرة على ذهني، وهي: أن تُستَعرض هذه المجلة من أول عدد

صدر فيها إلى يوم توقفت، ليكون ذلك استرجاعاً لجانب من تاريخ هذه الفترة،

وهو جانب الدعوة الإسلامية، وموقف الناس والدول والقوى الفاعلة حينذاك من

ذلك.

والدعوة الإسلامية جهد بشري، يعتريه ما يعتري الجهود البشرية الأخرى من

آثار ومؤثرات، فينجح حيناً، ويخفق حيناً، وتختلط فيه الإرادة والعاطفة، فتؤثر

فيه قوة الإرادة وضعفها، وحرارة العاطفة والشعور وبرودتهما، ويتلون بما للسجايا

من محاسن ومساوئ، وما للأخلاق من شمائل وغوائل، ولهذا فعندما نستعرضها

من خلال مرآة (المنار) لا يعني أننا نتعصب لما عرض أو لطريقة عرضه؛

ونقول: هذا هو الطريق، وليس ثمة غيره، وهو ما ينبغي أن نستجمع جهودنا

ونوجهه من أجله، وإنما هي خطرة خطرت، أردنا من ورائها عرض القضايا التي

اهتمت لها (المنار)، واعتبارها بالمشكلات التي نواجهها اليوم: هل هي

المشكلات نفسها؛ أم تغير منها شيء؟ ما الذي تغير، وما الذي لا زال حيث هو؟

ما الحلول التي اقترحت؟ وما مدى نجاحها؟ وهل اختلاف العصر يقتضينا البحث

عن حلول أخرى.... الخ.

لقد بدأ إصدار مجلة (المنار) في العَشر الأخير من شهر شوال عام 1315

هـ (1898 م) أي قبل حوالي سبعة وتسعين عاماً من اليوم. وهي فترة عصيبة

من تاريخ الشعوب الإسلامية، إذ كان أكثرها واقعاً تحت السيطرة الغربية المباشرة، والباقي كان آيلاً إلى أن يسقط تحت تلك السيطرة، وهو الأجزاء التي كانت لا

زالت تحت الإدارة العثمانية، التي كانت في حكم المنهارة، ولم تُجْدِ جهود السلطان

عبد الحميد إلا في تأجيل الإعلان عن وقت الانهيار.

وحال المسلمين العامة كانت في درجة من الضعف لا تحسد عليها، يقابلون ما

يجري حولهم وعليهم بأعين مفتوحة، وأيد مغلولة، وعقول مشلولة. يدبر أمرهم

أجنبي شرس طامع، أو وكيل له مدخول العقيدة دنيء النفس. وكان عبد الحميد

يبدو وكأنه يريد إيقاف العجلة التي بدأ دورانها في زمن جده (محمود الثاني) الذي

بدأ الإصلاحات على النمط الأوربي، واستقدم المستشارين الأجانب من أجل ذلك.

واشتد دورانها في عهد أبيه (عبد المجيد) بصدور: (التنظيمات) فانفتح على

الدولة العثمانية بسبب ذلك وبسبب الضغوط الخارجية من الأوربيين أبواب لم يعد

بإمكان عبد الحميد ولا غيره سدها أو التحكم فيما يدخل منها.

ونتيجة لطغيان الحضارة الأوربية الكاسح، فقد قوي نفوذ الأقليات التي

استخدمتها أداة لبسط نفوذها، للتَّدخُل باسم حمايتها وإنصافها. وهكذا انقلبت

الموازين، وبدأ عهد صعود هذه الأقليات - بتعليمها وتسليحها بأسباب القوة - على

حساب الأكثرية المهملة التي وجدت نفسها بعد عهود طويلة من الجهل والتجهيل في

عالم غير عالمها.

أصبح الطريق ممهداً للإجهاز على كيان المسلمين السياسي، ففساد داخلي

يرافقه ضغط خارجي وأقاليم تسقط؛ واحداً بعد الآخر تحت وطأة الغربيين، وحكام

فسقة فجرة سفهاء من طراز الخديوي (إسماعيل) يمهدون الطريق لسيطرة الأجانب

المطلقة على البلاد والعباد.

هذا هو الجو الذي بدأ فيه صدور (المنار) .

أهداف المجلة:

يلخص محمد رشيد رضا أهداف مجلته بقوله:

(

أما بعد: فقد أنشأنا هذا (المنار) في العشر الأخير من شهر شوال سنة

1315، وبينا غرضنا منه في الصحيفة الأولى من صحفه وهو مسائل كثيرة

يجمعها: الإصلاح الديني والاجتماعي لأمتنا الإسلامية، هي ومن يعيش معها،

وتتصل مصالحه بمصالحها، وبيان اتفاق الإسلام مع العلم والعقل، وموافقته

لمصالح البشر في كل قطر وعصر، وإبطال ما يُورَد من الشبهات عليه، وتفنيد ما

يعزى من الخرافات إليه.)

هكذا يحدد أهدافه، ومن ذلك يتبين أن المشكلة - كما يراها رشيد رضا -

هي فهم الناس للدين؛ وأحوالهم الاجتماعية. وقد انصبت جهوده - فيما بعد - في

هذين المجالين:

1 -

تصحيح نظرة المسلمين في عصره إلى الإسلام: سواء الملتزمون أو

غيرهم. أما الصنف الأول: فقد كانت تعكر على عواطفه وإخلاصه كثير من

الأعمال التي كان يُظَنُّ أنها من الورع والدين وهي ليست كذلك، وإنما هي عادات

وأعراف وتأثيرات تراكمت عبر القرون بسبب الجهل وتهاون أهل العلم، ولها

أسبابها الكثيرة كالتأثر بالعادات والأعراف غير الإسلامية، وشيوع التصوف

الأعجمي، وجهل الحكام أو إهمالهم بث العلم الصحيح وتشجيع العلماء الاحرار

الذين يصنعون ثقافة الأمة ويكونون لسانها الناطق وضميرها الحي.

وأما الصنف الثاني: فهو الصنف الذي تأثر بالدعاية الأوربية والتبشيرية -

نتيجة نيله قسطاً من التعليم، واحتكاكه بمدارس البعثات التبشيرية التي غزت بلاد

الشام ومصر، أو كان من الذين ابتعثوا إلى أوربا لإكمال تعليمهم في عصر محمد

علي ومن بعده، فقد كان لهؤلاء أثر في انحلال الثقة في دين الأمة (وهو الإسلام)

إذ كان الكثير منهم معجباً بلا حدود بالثقافة الغربية، لا يعصمه من المبالغة في ذلك

عقيدة في القلب متينة، ولا علم شرعي صحيح، وهكذا رجعوا إلى بلادهم وفيهم

جرأة تغذيها السطحية، واحتقار للذات يغطونه بكبرياء زرعتها في نفوسهم

امتيازاتهم وما نالوه من معرفة ظنوا أنها إكسير الحياة لأمتهم.

2 -

محاولة إخراج المسلمين من العجز الاجتماعي الذي حل بهم،

وتبصيرهم بعيوبهم وأمراضهم التي تفتك بهم وتمنعهم من النهوض، وذلك بحضه

على التربية والتعليم.

مقدار المطبوع:

بدأ رشيد رضا بطبع [1500] نسخة من كل عدد، ووزعها على من يعرف

في مصر وبلاد الشام، والقليل في غيرهما من البلاد الأخرى، ثم عاد إليه أكثر ما

أرسل إلى المصريين - ولا يذكر السبب لذلك - وبعد ذلك بقليل منعت رقابة الدولة

العثمانية ما كان يرسل إلى السوريين وسائر العثمانيين، فاقتصر على طباعة

[1000]

نسخة، ويقول: (مرت السنة وسنتان بعدها وما كاد المشتركون يزيدون

على ثلث الألف إلا قليلاً) !

ومع شعوره بقلة عدد المطبوع إلا أن ذلك لم يدعه إلى اليأس ونفض اليد من

هذا الجهد الذي لا يكاد ُيحسُّ، بل استمر في آماله العريضة ويقينه أن الناس سوف

تلتفت إلى (المنار) وتقدره حق قدره طال الزمن أو قصر، وهاهو ذا يقول:

(ما كان انتقاص عملي منتقصاً من أملي، ولا زهد الأمة في (المنار) باعثاً

على جعله طعاماً للنار، ولا لفائف لبضائع التجار - كما هي سنة أصحاب الصحف

في هذه الديار - بل كنت أحرص عليه، حاسباً أن الناس سيعودون إليه) .

قد يبدو الرقم [1000] لأعداد مجة توزع بين الناطقين بالعربية رقما صغيراً،

وهو كذلك، رقم صغير، فماذا عساه يفعل فيما بين مشرق بلاد العرب ومغربها،

وحق لأكثر الناس تفاؤلاً أن يصاب بخيبة الأمل إذا ووجِه بهذا الرقم. لكن إذا علمنا

حال العرب في ذلك العصر؛ ومبلغ الأمية الفاشية بينهم أدركنا أنه رقم لا بأس به.

وسيزداد تقديرنا لهذا الرقم إذا قارناه بأرقام المطبوع من أعداد المجلات الجادة في

عصرنا هذا. إن ما يماثل مجلة (المنار) من المجلات اليوم إذا وزع بين 15 إلى

20 ألف نسخة اعتبر توزيعه لا بأس به، ولكن إذا قارنا الحال اليوم بالحال التي

كان عليها الناس زمن رشيد رضا عندما أصدر مجلته؛ فستجيء نتيجة المقارنة

لمصلحة ذلك العصر، وذلك لأن ما كان رشيد رضا يشير إليه بشيء من الأسف

على أنه سبب قلة المطبوع - وهو الرقابة - لم تتراخَ قبضته، بل اشتدت واشتد

بأسها، بل إن هذه القبضة أشرس ما تكون حين تواجه المطبوعات الداعية إلى فهم

الإسلام الصحيح الذي يكون مخدوماً لا خادماً ولا مسخراً، ومقصوداً لذاته لا مطلوباً

لغيره.

ومع أن نسبة التعليم قد تضاعفت أضعافاً كثيرة عما كانت في مطلع هذا القرن؛ فإن نسبة القراءة وتوزيع المجلات لا تتناسب مع هذه الزيادة في نسبة المتعلمين،

ومردُّ ذلك إلى عوامل كثيرة منها: الحيلولة القاسية دون وصول المفيد من الثقافة

إلى أيدي الناس لتوهم أن في ذلك تهديداً لمصالح الطبقات المتنفذة. وشيوع وسائل

زاحمت القراءة كالراديو والتلفاز وغيرهما، ومنها أيضاً هبوط المستوى التعليمي

والالتفات إلى العناية بتمدد التعليم أفقياً وإهماله عمودياً. ثم انشغال الناس

بضروريات الحياة التي أصبحوا يعانون المصاعب الكثيرة للحصول عليها في كثير

من البلاد العربية.

إن الحقيقة المرة للواقع الثقافي في البلاد العربية منذ بداية ما يسمونه بعصر

النهضة إلى اليوم تتكشف من خلال أرقام توزيع المجلات الجادة، فهذه المجلات -

وأخصها المجلات الإسلامية - واقعة بين مطرقة الرقابة وسندان العجز المالي.

وأي مجلة لا تدركها رحمة الدولة فمصيرها إما أن تُوقَف، وإما أن تتوقف، وإما

أن تستمر من جيب الدولة، والتجربة الماثلة تشير إلى أنه قد يمكن لمجلة علمية

مجردة أن تعيش على تمويل الدولة وتنجح؛ أما المجلة التي لها مساس بحياة الناس

اليومية - كالمجلات الإسلامية - فإن دعم الدولة لها يفقدها ثقة الناس بها تدريجياً،

حتى إذا اكتشفت الدولة أنها أصبحت عبئاً بلا مردود تعالت الأصوات بإغلاقها

(نزولاً عند رغبة الجمهور!) وقد تبقيها حفاظاً على الفكر الإسلامي الأصيل!

وتشجيعاً للإسلام الحضاري! ! ونظراً منها بعين العطف للمؤسسات الإسلامية.

ص: 8

مقابلة

حول الفقه والتفقه

(2)

حوار مع الشيخ علي بن سعيد الغامدي

هذه هي الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته البيان مع الشيخ على بن سعيد

الغامدي أستاذ الفقه في المعهد العالي للدعوة في المدينة المنورة.

* البيان: تيسرت الطباعة والمطابع وسهل تداول الكتاب، وهذا شيء طيب

بحد ذاته ولكن بعض الناس أخذوا من كتب الفقه مباشرة وتجرءوا عل الفتوى، فما هو الحل. هل تحصر الفتوى بعلماء معينين أم تترك لكل من يجد نفسه قادراً على ذلك؟

لا شك أن الفتوى عظيمة، وقد يبلغ الإنسان عمراً طويلاً ويستجمع علماً

كثيراً من الكتاب والسنة ولكنه مع هذا يتهيب التصدر للفتوى، وهذا الذي كان عليه

علماء السلف. فالصحابة -رضوان الله عليهم- مع أنهم يعيشون مع النبي -صلى

الله عليه وسلم- جواً علمياً عملياً ويرون بأعينهم الأحكام الشرعية ومع هذا إذا

جاءهم أحد بسؤال أو استفتاء كانوا يتدافعون الفتوى، وربما لا يجيب أحدهم حتى

يرى أنه قد تتعين الإجابة عليه، وكان أشياخ من أصحاب الرسول -صلى الله عليه

وسلم- يفتون ولكن إذ اختلفوا يأتون إلى معاذ بن جبل فيصدرون عن رأيه، وهذا

دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يتصدر للفتوى حتى يكون طالب علم متفقة

مؤهل، ومع ذلك عليه أن يدفع الفتوى عن نفسه ما استطاع إذا وجد من يفتي غيره. ولكن إذا لزمه الأمر ووقف هو على حكم المسألة ويعرف ذلك فلا بأس أن يبين

الحكم ويذكر الدليل للمستفتي إذا كان يفقه ذلك، أما إذا كان عامياً فإنه يكفيه أن

يخبره بحكم الشرع في هذا، والأصل أن طالب العلم يقرأ الكتاب والسنة وفقه

الأوائل ويستفيد ويذهب إلى أي جهة من الجهات ليعلم الناس، والأصل عدم تحديد

الفتوى بشخص معين ولكن في زماننا هذا أصبح بعض الناس إذا حفظ حديثاً عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يخول لنفسه أن يفتي بما يشاء، فينبغي

للإنسان أن لا يتصدر إلا وهو أهل لذلك، وقد يكون من المصلحة أن تقصر الفتوى

في بلد من البلدان أو إقليم من الأقاليم على عالم أو مجموعة من العلماء الذين

اشتهروا بالتقوى والورع وجمع أقوال أهل العلم والأدلة في المسألة الواحدة،

ومعرفة الواقع الذي يعيش الناس فيه، وكذلك ربما تحدد مسائل يقع الناس فيها

بأغلاط كثيرة ويفتون بأقوال مرجوحة، لا بأس أن تحدد جهة إذا كان هذا يحقق

مصلحة من المصالح لكن بشرط أن يكون المفتي ممن تنطبق عليه الشروط

والضوابط التي ذكرها أهل العلم في كتب الاجتهاد ولو جزئياً، وقد كانت عائشة -

رضي الله عنها تُسأل عن مدة التوقيت في المسح على الخفين فقالت: عليك بابن

أبي طالب فإنه كان يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره فهذا دليل على

الإحالة، وكذلك لما أحالوا عليها فيما تعرفه في مسألة الغُسل، فذكرت لهم الحديث

لأبي موسى وصدروا كلهم عن قولها، وهذا لا ينقص من قدر الإنسان إذا عرضت

عليه مسألة ثم ردها إلى عالم أو طالب علم.

* البيان: في أوربا أو الغرب بشكل عام أمور ومشاكل قد لا توجد في

المجتمعات الإسلامية فإما أن يُسأل أحد العلماء وهو بعيد عن أجواء المشكلة، ويفتي

دون الاطلاع على الظروف هنا أو يسأل من يعيش في هذه البلاد وهو ليس أهلاً

للفتوى فكيف ترون الحل؟

وهذه قضية مهمة تحتاج إلى دراسة جماعية، للخروج بالحلول التي قد تحد

من هذه المشكلة، وقد يكون من الحلول الآنية أن تحصر أهم هذه المشكلات من قبل

أناس يعيشون في هذه المجتمعات وتقدم لهيئات علمية لدراستها من كافة الجوانب

واقتراح الحلول لها. وهذا العبء يجب أن تقوم به المركز الفقهية والجامعات

الإسلامية وكذلك هناك عبء يقع على المراكز الإسلامية في هذه البلاد ويتمثل في

إعداد أشخاص يعيشون في هذه البيئات ويدرسون المشكلات التي يواجهها المسلمون

ويكونون مرجعاً للفتوى، وينشروا بحوثاً دورية توزع على الجاليات الإسلامية بلغة

مبسطة خالية من التفصيلات التي لا يحتاجها المسلم العادي.

* بعض الشباب الذين درسوا علوماً غير شرعية يحبون الازدياد من العلم

الشرعي وخاصة في الفقه والملاحظ أنهم يقرأون من الكتب الكبيرة مباشرة وليس

عندهم عالم، فبماذا تنصحون؟

طالب العلم هذا يعتبر مبتدئاً والأصل أن يدرس مختصراً من المختصرات،

وكل مذهب من المذاهب الأربع المشهورة عنده مختصرات، فيختار واحداً منها

وليستخر الله سبحانه وتعالى في دراسة واحد منها. فكتاب (الهداية في مذهب أبي

حنيفة) ميسر ومقرون بالدليل ويليه في السهولة واليسر كتاب (العمدة في الفقه) لابن

قدامة على مذهب الإمام أحمد وبالنسبة لمالك يمكن أن يتفقه على (الموطأ) فقد جمع

بين الحديث والفقه وله الشروح أو (الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني، ومن أيسر

كتب الشافعية (المهذب) للشيرازي وهناك (المنهاج) أيضاً وله شروح متيسرة، ولا

شك أن حاجة المسلمين اليوم إلى وضع كتاب يجمع القول المترجح قد يحل المشكلة، ويجب أن يدرس أيضاً كتاب في أصول الفقه، ومن أفضل المختصرات وهو

يجمع أكثر أقوال أهل العلم كتاب الشيخ ابن عثيمين (الأصول من علم الأصول) .

* ولكن هناك أقوال ضعيفة ومرجوحة في كتب المذاهب وأقوال ليس عليها

دليل فكيف نتخلص من هذا إذا قرئت كتب في المذاهب؟

نحن متفقون على أنه لا يقرأ لوحده. لأن الذي يقرأ لوحده سيكون له أخطاء

كثيرة والأصل أن يقرأ على شيخ، والأصل أيضاً أن يكون هذا الشيخ على علم

بالأقوال والأدلة، وعندئذ يبين له أن هذا القول مرجوح بالدليل أو أن هذا القول

اعتمد على دليل ضعيف. هذا شيء لا بد منه، ولهذا ذكروا في كتاب (الفقيه

والمتفقه) وكتاب (جامع بيان العلم وفضله) ، و (تذكرة السامع) على أنه لا بد أن

يكون التفقه على شيخ.

والطالب هذا ليس عنده شيء الآن، فلابد له من موجه، وبعد ذلك إذا كان

عنده القدرة على البحث والمقارنة والوصول إلى ما هو أقوى وأقرب إلى الدليل،

فهذا له وليس محجوراً عليه. وليس ملزماً بأن يأخذ المذهب كله بما فيه من ضعيف

وصحيح.

* ما رأيكم بمن يعتمد الآن كتاب (فقه السنة) للشيخ سيد سابق؟

هذه طريقة غير صحيحة بالنسبة للشباب المبتدئ، لأن الحاصل أنه لم يخرج

عن المذاهب، كل ما في الأمر أن الشيخ سيد سابق يقارن أحياناً ويختار. وما دمت

ستتابع سيد سابق فمتابعة الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو مالك أولى، إذ هؤلاء

علماء الحديث والسنة الأولون، فدراسة مختصر من المختصرات على شيخ

وحصر الأحكام فيه، هذه مرحلة تأسيسية، ومثل (فقه السنة) يكون في مرحلة ثانية.

* ولكن لو فرضنا أنه قرأ (فقه السنة) أو كتاب (سبل السلام) مثلاً على عالم

ما المانع من ذلك؟

لا أقول هناك مانع ولكن أتصور أنها خطوة ثانية، فكأنه مثل الذي يبدأ من

السلم من الدرجة الثانية أو الثالثة قبل أن يبدأ بالأولى، والأولى لطالب العلم المتفقه

أن يبدأ بصغار العلوم قبل المقارنات، فإذا انتهى من المرحلة الأولى يأتي إلى

المرحلة الثانية.

ولكن ذكرت قبل قليل أن من أسباب دراسة بعض الناس الفقه المقارن محاولة

الخروج من الانحصار في دائرة المذهب والخروج من أسر التقليد، وهذا فيه نظر، لأن الاتباع شيء والتقليد شيء آخر.

* مناسبة الحديث عن التقليد والإتباع ما الفرق بينهما؟

التقليد يصل بالإنسان إلى درجة التعصب، مثل الذي يقول: إمامنا فرغ من

بيان الأحكام، وليس للقرآن والسنة حظ من القراءة إلا للتبرك وهذا الذي نهى عنه

أهل العلم، ولكن الاتباع بمعنى أن تتبع مذهباً وتسأل عن الدليل وبعد ذلك إذا

انتهيت من مسألة تعود وتنظر في أقوال أهل العلم، ومناقشات المسألة وتختار قولاً

من الأقوال إذا كنت مؤهلاً لذلك، ومن التأهيل:

1 -

حفظ النصوص من القرآن والسنة وفهم شروحها ومعرفة طرق التعارض

وعلم الخلاف.

2 -

أن يكون على علم بعلم أصول الفقه واستنباط الأحكام من أدلتها.

البيان: وفي آخر هذا اللقاء أكد الشيخ -حفظه الله- على أهمية العناية بالدليل وتربية طلاب العلم على روح البحث والبعد عن التعصب فجزاه الله خيراً، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

ص: 14

علماء الاجتماع والعداء للدين وللصحوة الإسلامية

(6)

هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟

د. أحمد إبراهيم خضر

نتابع استعراض شهادات علماء الاجتماع على أنفسهم، وإعلانهم فشل بحوثهم

وجهودهم، وتصويرهم غربتهم عن المجتمعات التي يتناولون شؤونها، ويستوردون

الحلول لمشكلاتها، مما يصف غرورهم وعنجهيتهم وانفصام شخصياتهم.

فمن ذلك.

أولاً: الاعتراف بأن علم الاجتماع يوجه إلى مستهلكين عاجزين عن رفضه،

وأنه نما وترعرع على هامش المجتمعات العربية دون أن يحس به سوى أتباعه

ومريديه وأصحاب المصالح الحيوية فيه، أما رجل الشارع فلا يدري عنه شيئاً.

يقول محمد عزت حجازي أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية

والجنائية بالقاهرة:

(لن نقف طويلاً عند الحقيقة المحزنة التي تتلخص في أن جانباً - يبدو لنا

كبيراً - من البحث والدراسة والكتابة في علم الاجتماع يوجه إلى مستهلكين عاجزين

عن رفضه هم طلبة الجامعات والمعاهد العليا) [1] .

ويضيف (سالم ساري) أستاذ الاجتماع بجامعة الإمارات العربية المتحدة:

(ولكن المتتبع لتاريخ علم الاجتماع في الوطن العربي يلاحظ بدائل شتى.

إنه نما على هامش المجتمعات العربية

نما وترعرع طيلة نصف قرن من

الزمان أو يزيد دون أن يرعاه أو يحس به سوى أتباعه ومريديه وذوي المصالح

الحيوية فيه) [2] .

ويقول (ساري) في موقع آخر:

(وأود أن أضيف تحدياً يتمثل في الهوة التي تفصل بين علماء الاجتماع

وأفراد المجتمع العاديين وكذلك القضايا الاجتماعية المعاصرة) [3] .

ثانياً: الاعتراف بأن علم الاجتماع نشأ وتطور وما زال هزيلاً غير قادر على

توفير نظرية خصبة ومناهج تقود إلى نتائج صلبة الأساس، وأنه كان ولا زال

مغترباً عن الواقع الاجتماعي، وأن المتخصصين لم يساهموا إلا في صياغة

مشكلات المجتمع العربي وتفسيرها وليس في اقتراح الحلول لها.

يصوغ محمد عزت حجازي هذا الاعتراف بقوله:

(إن نظرة تحليلية نقدية لواقع العلم تنتهي بنا إلى أنه يمر بأزمة، فقد نشأ وتطور وما زال هزيلاً لا يوفر مقولات نظرية خصبة قادرة على الإيحاء بأفكار تعين على النماء والتجدد ومناهج يمكن أن تقود إلى نتائج صلبة الأساس نافذة الدلالة، وكان منعزلاً أو مغترباً عن الواقع الاجتماعي الحي)[4] .

أما سعد الدين إبراهيم فقد عبر عن ذلك في موضعين قال في أولهما:

(وبالنسبة للوطن العربي فمنذ الحرب العالمية الأولى واستقلال البلاد العربية

لم تظهر مساهمة علمية نظرية يعتد بها الوطن العربي) .

وقال في الموضع الآخر:

(إن المتخصصين لم يساهموا بالقدر الكافي أو بالدرجة المطلوبة في صياغة

مشكلات المجتمع العربي المعاصر وتفسيرها أو في اقتراح الحلول المطلوبة لهذه

المشكلات) [5]

ثالثاً: الاعتراف بأن المعرفة التي أنتجها رجال الاجتماع معرفة هزيلة، وأن

وجودهم هامشي وتأثيرهم على المجتمع محدود، وأنهم غير ذوي مصداقية أو

فاعلية، وأن طالب المعرفة عن الواقع الاجتماعي يمكن أن يجدها في كتابات غير

كتابات علم الاجتماع.

يشرح سعد الدين إبراهيم قضية نجاح علم الاجتماع في إثبات وجوده على

مستوى الجامعات والمجتمع فيقول:

(إلا أن هزال ما أنتجوه من معرفة قد جعل هذا الوجود هامشياً وجعل

فاعليتهم في التأثير على المجتمع محدودة إن لم تكن معدومة. وطالب المعرفة عن

الواقع الاجتماعي العربي المعاصر قد لا يجدها إلا في الكتابات الأدبية والصحفية أو

في أعمال بعض المشتغلين بالتاريخ والجغرافيا أو الفلسفة والدين، وقد لا تكون هذه

المعرفة بالضرورة دقيقة أو عميقة ولكنها على الأقل متوفرة ومفهومة) [6] .

ويتحدث سعد الدين إبراهيم أيضاً عن هامشية علماء الاجتماع فيقول:

(ليس صدفة أن هامشية علماء الاجتماع تواكب هامشية الفرد والمجتمع

المدني في أقطار العالم العربي) [7] .

أما عن عدم مصداقية وفاعلية رجال الاجتماع فيقول عبد الوهاب بو حديبة في

ندوة أقيمت في أبو ظبي في أبريل عام 1983 تحمل نفس العنوان: (نحو علم

اجتماع عربي) :

(حتى الآن في البلاد العربية ليس لنا مصداقية وبما أنه ليس لنا مصداقية

فليس لنا فاعلية. أما قضية المصداقية يمكن أن نقول أننا نتقدم إلى الأوساط العلمية

(مؤتمرات وندوات) ونتكلم، أما الأيدي فهي فارغة أو اليد اليمنى لا تدري ما في

اليد اليسرى) [8] .

رابعاً: الاعتراف بأن المتخصص في علم الاجتماع نادراً ما يأتي إلى دراسته

بمحض رغبته وإرادته، وأن المناهج وأساليب التدريس وهزال الكم من المعرفة في

علم الاجتماع لا يساعد على تنشئة المتخصص فيه تنشئة سليمة.

يقول سعد الدين إبراهيم:

(يندر أن يأتي التخصص في هذا الميدان طالب بمحض رغبته وإرادته، وإنما غالباً مما يأتي الطلاب إلى علم الاجتماع إما بمحض الصدفة أو لعدم وجود بديل أفضل متاح أمامهم. والقلة التي تأتي بمحض إرادتها غالباً ما يختلط في عقلها مفهوم علم الاجتماع بمفهوم الخدمة الاجتماعية أو النزعات الخيرية والإصلاحية والإنسانية، ولا تساعد المناهج وأساليب التدريس وهزال الكم من المعرفة السوسيولوجية في الجامعات العربية على تنشئة سوية للغالبية العظمى من الطلاب الذين يقضون أربع سنوات في دراسة علم الاجتماع، ويتخرجون بمفاهيم غير ناضجة عن العلم ومناهجه ومفاهيمه ونظرياته)[9] .

أما عزت حجازي فيشير إلى نفس هذه النقطة قائلاً:

(إن التعليم في مرحلة الليسانس والبكالوريوس والدراسات العليا لا يهتم

بنوعية الطلبة ولا ما يقدم لهم من برامج وما يوفر لهم من فرص الإعداد والتنشئة،

لهذا بسبب التركيز على التلقين من (كتاب مدرسي) ونتيجة للعمل من موقف

التعالي على الواقع أو الانفصال عنه على الأقل ينهي الدارسون تعليمهم وهم

ناقصوا الإعداد غير فاهمين للواقع وعاجزين عن التعامل معه) [10] .

خامساً: الاعتراف بأن المؤلفات العربية في علم الاجتماع سيئة ومتخلفة

وسطحية ومترجمة ومستعارة من واقع آخر ومن فكر مؤلفين آخرين تنم عن

اضطراب وخلط شديدين، بالإضافة إلى أنها سريعة الإنتاج ومؤلفة أساساً لتحقيق

الكسب المادي السريع.

يتحدث أصحاب المؤلفات العربية في علم الاجتماع عن مؤلفاتهم ويصفونها

وصفاً دقيقاً. هذا (محمد الجوهري) يقول:

(ولم تلتفت - أي الدولة - إلى أن الأستاذ الجامعي صاحب الخبرة الميدانية

الناقصة في فرع لعلم الاجتماع سيكون بالضرورة والقطع مؤلفاً لكتب سيئة ومتخلفة

ومستعارة من واقع آخرين ومن فكر مؤلفين آخرين) [11] .

ونقلاً عن (إياد القزاز) يقول (محمد الجوهري) عن كتابات رجال الاجتماع:

(إن تلك الكتابات

علاوة على طابعها النظري فإنها ليست منهجية دقيقة

في طريقة العرض؛ بل إن بعضها ينم عن اضطراب وخلط شديدين، وهي تقدم

للقارئ معالجة سطحية للموضوع. ويلاحظ فضلاً عن هذا أنه على الرغم من أن

تلك الكتابات ليست ترجمات مباشرة للكتب الدراسية الإنجليزية إلا أن التأمل الدقيق

لها يكشف لنا أن الجانب الأعظم منها عبارة عن ترجمات غير مباشرة مع إدخال

بعض التعديلات عليها والملاءمة مع ظروف القارئ والإيجاز هنا وهناك نقلاً عن

بعض الكتب الدراسية الإنجليزية خاصة الكتب المعتمدة منها) [12] .

هذا ويدلي عبد الباسط عبد المعطي أستاذ علم الاجتماع بجامعتي القاهرة وقطر

وأحد قادة حزب التجمع الشيوعي المصري وأحد الماركسيين البارزين في علم

الاجتماع ورئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع.. يدلي بدلوه في القضية معترفاً:

(إن معظمنا يعيد إنتاج الفكر الغربي استسهالاً للاستهلاك وهذه مسألة حجمت العمل

المنتج على مستوى أداء علم الاجتماع. هناك تشابه بين إنتاج (السفن آب) أو

ترجمة الأفلام الأجنبية والاقتباس منها وبين تصنيع (الجينز) وبين ترجمة كتاب

مدرسي مأخوذ عن المكتبة الأمريكية أو الإنجليزية. التشابه يأتي من قيم الاستسهال

وبذل الجهد ومتطلبات السوق - سوق التدريس والتوزيع - الذي يلهث البعض خلفه

كسباً للكسب المادي في وقت قصير نسبيا

الجماهير التي يتعامل معها المشتغلون

بعلم الاجتماع هي جمهور الطلاب والباحثين الشباب والمبحوثين. بالنسبة لطلاب

مراحل الليسانس هم المستهلك للمؤلفات المدرسية التي ينتجها المشتغلون بالعلم وهم

بالتالي مصدر دخل أساسي للقائمين بالتدريس في الجامعات العربية. لقد بينت

الدراسات التي اهتمت بتحليل ممارسات التدريس وتقويمها في الجامعات العربية أن

من بينها زيادة الاتجاه إلى الأعمال المترجمة التي هي في جوهرها إعادة إنتاج

لأعمال آخرين وأياً كان جهد الترجمة فهو أقل عناء من التأليف

كما يلاحظ أن

المؤلف الواحد يكتب في معظم إن لم يكن جميع أبعاد التخصص وفروعه

معنى

هذا بالتأكيد - خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار التسلسل الزمني للأعمال

المنشورة - تأليف سريع يستجيب لمتطلبات السوق، سوق التدريس وملاحقته، وتبدو الغاية هنا الكم الذي يلاحق الطلب والعائد من كل طلب، وإذا أضفنا إلى هذا أن المؤلف هو صاحب القرار في إلزام الطلاب بشراء مؤلفه فهو الذي يقرر وضع الامتحان وأنه يترتب على هذا فرض رسائل الدكتوراه المنشورة على طلاب الفرقة الأولى وفرض مؤلفات في بعض الفرق لا علاقة لها بمواصفات المقرر ومقرراته وتغيير الكتاب المقرر كل عام أكاديمي..) [13] .

أما سعد الدين إبراهيم فيقول في قضية المؤلفات العربية في علم الاجتماع:

(

نادراً ما يجد طالب المعرفة إنتاجاً سوسيولوجياً عربياً يطفىء ظمأه لفهم

الواقع العربي المعاصر بصورة منضبطة أو موضوعية أو شاملة أو حتى جزئية،

فأكثر من ثمانين بالمائة من إنتاج أساتذة الاجتماع يكاد ينصرف كلية إلى الكتب

المدرسية التي تحاول أن تعلم الطلاب مبادئ العلم وفروعه وتاريخه ونظرياته ورغم

أهمية هذا الجانب من إنتاج أساتذة الاجتماع العرب للعملية التعليمية والتربوية إلا

أن الشاهد هو أن معظم هذه الكتب المدرسية تتسم بما يأتي:

1 -

تضخم الوعود بقدرات علم الاجتماع على فهم الواقع والتعامل الفعال مع

المشكلات الاجتماعية.

2 -

الاعتماد شبه الكامل على مصادر المعرفة الأجنبية والترجمة المباشرة أو

من خلال آخرين.

3 -

التعقيد اللغوي والمعنوي في طرح مفاهيم ومقولات علم الاجتماع إما

للإيحاء بجهبذة فكرية أو في الأغلب لعدم الفهم والاستيعاب لما يتم نقله من مصادر

أجنبية.

4 -

ندرة ما يرد في هذه الكتب عن الواقع العربي (قطرياً أو قومياً) .

5 -

سطحية وتجزيئية القليل النادر الذي يرد في هذه الكتب عن الواقع

العربي وعدم استناده إلى قاعدة صلبة من المعلومات التقريرية أو الأمبيريقية) [14] .

سادساً: الاعتراف بأن مجتمع المشتغلين بعلم الاجتماع في بلادنا لا يشكل

مجتمعاً مهنياً حقيقياً وإنما هم جماعات مصالح وشلل تتصارع مع بعضها ويسيطر

أحدها على الآخر وأن تنشئتهم المعيبة أدت بهم إلى اللامبالاة والسلبية، وعوّدتهم

على الوصولية والانتهازية.

يقول محمد عزت حجازي:

(أما بالنسبة للمشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي - من الصعب أن

نقبل فكرة أنهم يكونون مجتمعاً مهنياً، فهم في الحقيقة ينتظمون في جماعات مصالح

متغيرة أو شلل

ويزيد الوضع سوءاً التنشئة المهنية المعيبة المشوهة التي تكف

في الإنسان إمكاناته وقدراته الحقيقية واستعداده للمبادرة والانتماء، وتربي فيه

اللامبالاة والسلبية وتعوده على الوصولية والانتهازية، وتركز أهم القيم والتوجهات

وتدور معظم أنماط السلوك والتصرفات حول الذات والأسرة والشلة وفي نظم

تسيطر عليها وتستغلها عناصر طبقية طفيلية وتشجع فيها الكسب المادي بأي ثمن

وشكل والاستهلاك في سفه

ولهذا لا تعرف حركة الفكر الاجتماعي في المنطقة

العربية الموضوعية والحوار التي تساعد في إنضاج الأفكار وتصحيح الأخطاء

وكف تأثير الطرف المتحيز) [15] .

وهذا سعد الدين إبراهيم يتحدث عما أسماه الحرب الأهلية بين قبائل وعشائر

وبطون رجال عالم الاجتماع في بلادنا فيقول:

(في المرحلة الأولى التي حاول فيها علم الاجتماع أن يشق مكاناً له في

الجامعات (1940 - 1960 تقريباً) كان جزء كبير من طاقة المشتغلين به ينصرف

إلى محاورات لإثبات علميته وموضوعيته وأهميته للمجتمع. وقد تجاوز المشتغلون

العرب بعلم الاجتماع هذه المعارك الخارجية مع الذين عارضوا أو شككوا في أحقية

هذا العلم الجديد بمكان تحت الشمس الجامعية. لقد انتصروا في تلك المعارك إما

لأنهم نجحوا في إقناع الآخرين أو لأن الآخرين سئموا استمرار تلك المعارك. ولكن

أساتذة الاجتماع سرعان ما دخلوا مع بعضهم البعض في معارك أهلية في المرحلة

الثانية (1960 - 1985) إما بالأصالة عن أنفسهم أو نيابة عن أطراف

سوسيولوجية متعاركة مع مجتمعات أخرى، وساد تلك المعركة ما يمكن تسميته

بمرض البداوة السوسيولوجية. فقد قسم المشتغلون العرب بعالم الاجتماع أنفسهم إلى

قبائل اتخذت، أسماء ومسميات مختلفة (فهناك النظريون والتطبيقيون، وهناك

الماركسيون والوظيفيون، وهناك أتباع المدرسة الفرنسية وأتباع المدرسة الإنجليزية

أو الأمريكية أو السوفياتية.. الخ) وكل قبيلة سوسيولوجية جرى تقسيمها إلى عشائر

(وظيفيون، ووظيفيون جدد، وماركسيون جدد.. الخ) وجرى تقسيم كل عشيرة

إلى بطون وحتى أفخاذ. لقد أصبحت البداوة أفيون علماء الاجتماع العرب) [16] .

ويتحدث عبد الباسط عبد المعطي عن مجتمع رجال الاجتماع من الداخل من

زاوية أخرى فيقول:

(هناك جماعات مصلحة وجماعات ضغط على مستوى مؤسسة عالم

الاجتماع، هي جماعات تكاد تقوم بالممارسات والضغوط التي تأتيها الطبقات

المسيطرة داخل البنى الاجتماعية لكنها تأتيها على مستوى العمل الرسمي. هناك

باحثون جمعوا في أيديهم خيوطاً كثيرة مؤثرة في مسيرة العلم: التدريس، الإشراف

على الرسائل الجامعية، الترقيات، السلطات الإدارية والتنفيذية، اللجان الحكومية، العمل في البحوث الأجنبية

الخ وبالتالي ركزوا كثيراً على مزيد من الكسب

أعلى من غيرهم فأسهموا في خلل التوزيع على مستوى المجتمع وعلى مستوى

مؤسسة العلم) [17] .

هذا هو واقع علم الاجتماع وواقع المشتغلين به بعد ما يقارب من ثلاث

وثمانين سنة من دخوله إلى بلادنا وإعلانه انقطاعه عن الإسلام.

علم هامشي هزيل لا يرعاه ولا يحس به إلا أتباعه ومريدوه وأصحاب

المصالح الحيوية فيه، لم يساهم في صياغة مشكلة واحدة ولا تفسيرها ولا في

اقتراح حل لها. طالب المعرفة عن واقع المجتمع يجدها في أي كتابات أخرى إلا

كتابات علم الاجتماع التي تتميز بالتخلف والسوء والخلط والاضطراب والنقل عن

مجتمعات أخرى. رجال بلا مصداقية وبلا فاعلية وما هم إلا جماعات مصالح

وشلل متصارعة متحاربة.

نحن ما تجنينا عليهم، وإنما هذا هو نص عباراتهم كتبوها بأيديهم وصاغوها

بأنفسهم، وهم الذين قالوا واعترفوا (بأن بلادنا ليست في حاجة إلى علماء اجتماع) .

(يتبع)

(1) - محمد عزت حجازي، الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي، (نحو علم اجتماع عربي) ص 30.

(2)

سالم ساري، المرجع السابق ص 185 - 186.

(3)

سالم ساري (ندوة نحو علم اجتماع عربي - أبو ظبي) المنشورة في (نحو علم اجتماع عربي) ص 388.

(4)

محمد عزت حجازي، المرجع السابق ص 13.

(5)

سعد الدين إبراهيم، علم الاجتماع وقضايا الإنسان العربي (نحو علم اجتماع عربي) ص 349.

(6)

سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية (نحو علم اجتماع عربي) ص 349.

(7)

المرجع السابق ص 356.

(8)

عبد الوهاب بو حديبة (نحو علم اجتماع عربي) ص 388.

(9)

سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية، (نحو علم اجتماع عربي) ص 347 - 348.

(10)

محمد عزت حجازي، المرجع السابق ص 35.

(11)

محمد الجوهري، الكتاب السنوي لعلم الاجتماع، العدد الأول ص 11.

(12)

محمد الجوهري، المرجع السابق، العدد الخامس أكتوبر 1983.

(13)

عبد الباسط عبد المعطي، في استشراف مستقبل علم الاجتماع (نحو علم اجتماع عربي)

ص 370 - 371.

(14)

سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية ص 346.

(15)

محمد عزت حجازي، المرجع السابق ص 36.

(16)

سعد الدين إبراهيم، تأمل الآفاق المستقبلية ص 346 - 347.

(17)

عبد الباسط عبد المعطي، في استشراف ص 371.

ص: 19