الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
مستقبل المغرب العربي الكبير
وقفات مع ندوة عن واقع المغرب العربي
محمد حامد الأحمري
عقد «مركز أبحاث الجغرافيا السياسية والحدود الدولية» التابع لكلية
الدراسات الشرقية في جامعة لندن ندوة لمدة يومين في أوائل جمادى الثانية الموافق
6-
7/10/94م تحت عنوان «مستقبل المغرب العربي» حضرها ممثلون عن
بعض الدول المغربية كتونس والمغرب، وممثلون عن حركات إسلامية منهم عبد
الله جاب الله من النهضة في الجزائر، والغنوشي من النهضة في تونس وعبد الإله
بن كيران من حركة التجديد والإصلاح، كما حضر عبد الحميد الإبراهيمي (رئيس
وزراء سابق في الجزائر) ومحمد مزالي وأحمد بن صالح (وزيران سابقان من
تونس) وبعض المهتمين بالمنطقة من سفراء ومثقفين ودبلوماسيين.
وكانت الندوة في غاية الحيوية في كثير من جلساتها وبخاصة تلك التي دارت
حول حقوق الإنسان في تونس التي شارك فيها مشاركة مثيرة عدد ممن حدثت لهم
حوادث تعذيب جسدي، وقد ذكرت أسماء بعض الذين أعدموا أو أصيبوا بعاهات
في سجون تونس، ولقد سأل مندوب منظمة العفو الدولية عن بعض الأسماء موجهاً
أسئلته لمندوبي الحكومة التونسية، وتحدث إسلاميون في الندوة عن نظرتهم لأحوال
بلادهم ومستقبلها، وكانت الورقة التي قرئت نيابة عن رابح كبير من جبهة الإنقاذ
قد ركزت على تاريخ جبهة الإنقاذ، ووفق كاتبها في تأكيد هوية الجبهة وكونها
معبرة عن الشعب الجزائري وطموحاته وأفكاره.
وشارك من المستشرقين فرانسوا بورجا صاحب كتاب «الإسلام السياسي»
بادئاً حديثه بسؤال مهم وهو: هل يسمح الغرب لأي شعب في العالم أن يستعمل
مصطلحاته الخاصة التي تختلف عن مصطلحات الغرب ولغته وأفكاره؟ .
ثم عقب على ذلك بأن الفكر الغربي فكر لا يسمح بوجود الآخرين ولا يسمح
بلغات وثقافات ومصطلحات أخرى، وأشار إلى الثقافات التي أبادها الغرب في
أرجاء العالم، وانتقد قومه الفرنسيين الذين لا يسمحون بالحجاب في فرنسا، وفي
الوقت نفسه اعتذر لحكومته عن بعض تصرفاتها، وذكر أنهم هم يفهمون المنطقة،
وسيتعاملون معها أكثر من غيرهم، ملمحاً إلى استبعاد الأمريكان والبريطانيين.
وتحدث المستشرق الأمريكي «مور» من جامعة أوستن بولاية تكساس عن
موقف بلاده حكومة ومستشرقين أو مثقفين تجاه المغرب العربي والحركات
الإسلامية عموماً، وذكر أن الحكومة الأمريكية يتنازعها طرفان: الطرف الذي
يخيفها من الإسلام والعمل الإسلامي، ويرى أن التحدي الأكبر للولايات المتحدة في
العقود القادمة هو الإسلام، ويستخدم أصحاب هذا الاتجاه حادثة المجمع التجاري في
نيويورك وحوادث الاغتيالات في العالم ومشكلات إيران حيث يكبرون من حجمها،
ليخيفوا المجتمع الأمريكي وليضغطوا على الحكومة لتسير في الاتجاه الذي يريدون، ويساند هؤلاء بعض الأكاديميين من أمثال صمويل هانجتون صاحب مقال «
صراع الحضارات» الذي كسب دوياً إعلامياً وأيضاً المجموعات اليهودية التي
تسير في طريق التخويف من الإسلام.
وهناك طرف معتدل يرى أن الاتجاه الإسلامي قادم لا محالة وسوف يتمكن في
العالم الإسلامي، وبين الإسلاميين متطرفون كالذين يحملون السلاح في جبال
الجزائر، والذين يقتلون الناس في مصر، وهؤلاء ليسوا الاتجاه الرئيس في
الإسلاميين، فبين الإسلاميين اتجاه آخر معتدل مهادن متعقل ومتعلم ويمكن الحوار
معه، وقال: إن بعض أعضاء الحكومة الأمريكية يميل إلى هذا التقسيم، وهذا هو
الرأي الذي طرحه - إلى حدٍ ما - جون اسبوزيتو صاحب كتاب «التهديد
الإسلامي خيال أم حقيقة» .
وفي الجانب الأوروبي تحدث «جون جرندون» من الحكومة البريطانية
وكان في بعض كلامه مستفزاً وبخاصة عندما ذكر أن الإسلام لا يبدو أنه يهتم
بالإنسان وحقوقه، وقضية حقوق الإنسان كانت جانباً من أسباب عدم ورود
المساعدات إلى مناطق في المغرب العربي، وذكر أن المشكلة الإدارية كانت من
الأسباب الأساسية للتخلف في شمال إفريقيا، ثم أعطى أرقام المساعدات للمنطقة.
ومن المغرب العربي تحدث عبد الإله بن كيران وقارئ ورقة حزب الاستقلال
وقد تحدثا عن قضايا مجمع عليها في المغرب أهمها الموقف من الملكية والصحراء، وعدم وجود تنافر حاد في عدد من القضايا كالذي يحدث في تونس والجزائر،
وتبني الإصلاح والتجديد لمفاهيم الإصلاح، وعدم المواجهة مع السلطة.
واستمع الحاضرون إلى وجهة نظر أوروبية من ألمانيا والبرتغال حول العلاقة
ما بين المغرب الكبير وهذه الدول، وذكر المتحدث الألماني أن حكومة بلاده لا
تتعامل مع المعارضة في الدول، ولكنها تتعامل مع الحاكم فقط بقطع النظر عن
موقف شعبه منه، ربما لأن الموقف السياسي الخارجي الألماني كان غالباً بأيدي
الأمريكان، وهم لا يعطون إلا هامشاً لا يكاد يذكر للألمان في القضايا الدولية.
كانت جلسات الندوة تبدأ في التاسعة صباحاً وتنتهي في حدود السادسة مساءً،
يتخلل ذلك الصلوات وجلسات الراحة والمناقشات الجانبية، وقد أقيمت صلاة
الجمعة في مقر المعهد، وخطب بالمسلمين الشيخ جاب الله، وكان أغلب الحاضرين
من المسلمين ومن المغرب العربي، وأظهر خلالها الاتجاه الإسلامي - وبخاصة في
تونس والجزائر - قدرته على شرح موقفه وقضيته بقوة ووضوح، ولم توفق
الحكومات إلى إعطاء الحاضرين موقفاً إيجابياً تجاه ما يحدث، فقد غابت الحكومة
الجزائرية عن الندوة، ولم يوفق الوفد التونسي في إقناع الحاضرين بموقفه.
وكان كثير من الحاضرين من خارج المنطقة معجبين بمدى الفائدة العلمية
التاريخية: السياسية والفكرية التي حصلوا عليها خلال يومين من النقاش عن جزء
مهم من عالمنا العربي الإسلامي، وكانت غالب المناقشات صريحة لا تخلو أحياناً
من خطابة وتهييج وإقناع للحاضرين بأسلوب لا يفهمه ولا يتعامل معه الحاضرون
في المجتمع الغربي، كما فعله بعض المتحدثين.
والذي يأسف له أحدنا أنه ليس بإمكانه أن يقيم مثل هذه الندوة في العالم
العربي، رغم اتساعه وتنوعه، وهو لن يخرج مما ألم به حتى يكون بإمكانه أن
يناقش مشكلاته بكل حرية وصراحة، ويسعى للحلول بلا خوف من عواقب ما يراه.
ومما تجدر ملاحظته أن أغلب البحوث ركزت على واقع المغرب وتاريخه
أكثر من حديثها عن المستقبل.