الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
أخيراً..
تدخلت أمريكا لإنقاذ البوسنة
! !
بقلم: د. عبد الله عمر سلطان
بالإمكان اعتبار صيف هذا العام أكثر المراحل خطورة وأصعبها بالنسبة
لمستقبل البوسنة، فتتابع الأحداث، وتوالي الفواجع، وتفجر المفاجآت شرقاً وغرباً
أدى إلى بروز وقائع ومعطيات جديدة، كل منها بحاجة إلى دراسة وافية ومنفصلة،
وإن كانت الأحداث ساخنة بهذه الدرجة: فإن درجة الحرارة لا يمكن أن تخفي معالم
الخريطة النهائية التي يحملها فريق المفاوضات الأمريكي المتجول بين مراكز القرار
وأطراف الصراع..
هذه الخرائط التي وصفها دبلوماسي أمريكي كبير لمجلة (الإيكونمست) بأنها
كارثة أخرى تحيق بالمسلمين في البوسنة، تعتبر المحصلة الطبيعية لمجازر
(سربنيتسا) و (جيبا) والتفوق الكرواتي المدعوم في (كاريينا) ..، وإن كان الفريق
الأمريكي قد فقد أبرز عناصره في حادث سيارة (روبرت فريزر) فإن أمريكا
وخطتها الجديدة وتحركها مع كرواتيا قد أكد حقائق مهمة يجب أن تلغي بعض
الأوهام والنتائج المشوشة التي ظلت تردد عن الصراع في البوسنة..
العم سام قرر أن يتدخل! :
ظل المسلمون يُذبحون أربعين شهراً، وشهد العالم بالصوت والصورة طرقاً
جديدة في البربرية والوحشية والطغيان، وظلت أمريكا تنفرد عن العالم الغربي
بموقف دعائي وإعلامي (يدّعي!) التعاطف مع الضحية المسلمة، ولم يكن أمام
صانعي القرار من بُدّ، فالرأي العام الذي شهد الجريمة بكافة تفاصيلها ظل يبحث
عن مبادئ الحرية والعدالة اللتين ظلتا مخدراً ومبرراً أمريكيّاً تلاحق به الشعوب
والأنظمة التي تمس مصالح (سيدة النظام العالمي الجديد!) ، ولم يكن موقف
(بوش) يختلف عن موقف (كلينتون)
…
ولم يترجم الكونجرس تعاطفه الخطابي إلى
قرار ملزم برفع العدوان عن الضحية، والسماح له باستخدام السلاح لحماية دينه
وعرضه وماله.
الدور الأمريكي الحقيقي هو الذي أُنضج على أجساد العزل (المسحولين) في
(جيبا) والذي رأى النور بعد اكتشاف مقابر ملعب كرة القدم الجماعية لشهداء
(سربنيتسا) ، لقد أظهرت الأحداث أن أمريكا قادرة على الحركة، وبقوة رهيبة؛
فحليفها الجديد الجنرال الشيوعي السابق (توجمان) الذي يحكم (كرواتيا) هو الذي
حرك الأحداث غرباً بعد أن فجرها (سلوبودان ميلوسوفتش) شرقاً
…
الصحافة الألمانية تتحدث بشيء من الحذر عن المساعدات الهائلة التي مكنت
الكروات من الاستيلاء على جيب (كرايينا) خلال أقل من أربعة أيام، في حرب
خاطفة ذكّرت مراسل الـ (سي إن إن) بعاصفة الصحراء؛ فالطريقة التي أُديرت
بها المعركة أعادت إلى الأذهان التفكير الاستراتيجي الأمريكي، والتنفيذ الذي أعاد
إلى الأذهان صورة (شوارتزكوف) .
من جهتها: سربت الصحافة الفرنسية تفاصيل التنسيق (الأمريكي الكرواتي)
الذي ربما لن يُكشف عنه إلا بعد عقود، نظراً لحساسية الدور الأمريكي في التحرك
العسكري الكرواتي، والذي يشمل من ضمن ما يشمل (تزويد الكروات بأسلحة
متقدمة ومستشارين عسكريين، وبأهم من ذلك: معلومات وصور دقيقة لمراكز
الوجود العسكري الصربي)
…
وإذا أضفنا التحرك الدبلوماسي الذي حيّد الصرب
وأعطى الجزار من طراز (ميلوسوفتش) أو (كراديتش) ضبط النفس وتلقي هزيمة
من هذا الطراز بكل روح رياضية، فإن (الإنزيم) الأمريكي الذي أضيف إلى
التفاعل يصبح مفضوحاً جدّاً..، أو كما تقول (الإيكونمست) البريطانية: (تحول
بسرعة فاضحة من الدبابة إلى حقائب الدبلوماسيين) .. وما أدراك ما في حقائب
مبعوثي (كلينتون) ؟ ! .
الخطة الأمريكية: وأد البوسنة إلى الأبد:
مايثير الفزع هو هذا اللهاث وراء طبيعة وعطف وحيادية أمريكا تجاه مسلمي
البوسنة، لقد ظلت تلك الأوهام تدير رؤوس العجزة وقتاً طويلاً وكلما تمادى
الممقوت (اللورد أوين) في مؤامراته أو كشف (بطرس غالي) عن لؤمه وخسته،
تلفّتَ الأيتام إلى مائدة الأمريكان اللئام باحثين عن المنقذ، وطالبين النجدة في صيحة
هستيرية تقول: (واأمريكاه! !) .. وجاءت أمريكا بجحافلها الدبلوماسية لتقدم خطة
(سلام) جديدة هي الأسوأ في تاريخ البوسنة، فإن كانت حكومة البوسنة قد وافقت
في السابق على خطة مجموعة الاتصال الدولية التي تقسم البوسنة إلى كيانين:
أحدهما صربي، والآخر كرواتي مسلم، مع الاحتفاظ بالبوسنة الشرقية، والتناوب
على رئاسة الدولة بين الأعراق الثلاثة، ورغم ما كتب عن بشاعة الخطة بحق
الضحية المسلم، وفرض الذل على المسلمين الذين سينتهي وجودهم ضمن كيان
مستقل، إلا أن هذه التحفظات تتلاشى اليوم أمام الخطة الأمريكية التي وصفتها
(النيويورك تايمز) بأنها: (قبر مفصل جيداً) .
والخطة الأمريكية الجديدة تقوم على ثلاثة مبادئ رئيسة:
* إنهاء البوسنة ككيان مستقل من خلال إعطاء كانتونات الصرب والكروات
حق الالتحاق بالكيانين الصليبيين المجاورين.
* إنهاء حلم قيام وحدة إسلامية في البلقان من خلال تسليم (سربنيتسا)
و (جيبا) إلى الصرب، وانتزاع (غوراجدا) الممر الإسلامي الوحيد بين البوسنة
والبوشناق.
* إعادة تأهيل نظامي (صربيا) و (كرواتيا) المجرمين من جديد،
وتصويرهما كقوى معتدلة رغم حجم الجرائم التي ارتكبت من قِبَل قادة الكيانين ضد
المسلمين.
لقد تأكد خبث الخطة الأمريكية من خلال الضغط الهائل الذي مارسته إدارة
كلنتون على حليفها (توجمان) بُعَيْد استعادته لإقليم (كرايينا) ، حيث منعته من
مواصلة الحرب ضد الصرب في البوسنة؛ لأن هذا بشهادة الجميع يعيد بعض
الأراضي المغتصبة إلى المسلمين، وهذا ماتعارضه (واشنطن) وتسعى إلى منعه،
فالمطلوب: دولة تسمى (البوسنة) ، ولاتملك من أمرها شيئاً، بل هي مرتبطة ب
(كرواتيا) ، تماماً كارتباط دويلة لبنان الجنوبي بإسرائيل، حيث يصبح رئيس
البوسنة في منزلة (سعد حداد) أو (أنطوان لحد) ! !
كرواتيا تأكل الثمرة والبوسنة تبتلع الشوك! :
هذا الحليف الكرواتي الذي مزق كل المعاهدات والاتفاقات المبرمة بينه وبين
المسلمين يعود اليوم (كأخ وصديق) للبوسنة؛ فقد استعاد معظم الأراضي التي سلبت
منه، وترك 150 ألف صربي يرحلون إلى البوسنة، لكي يهربوا بسلاحهم وحقدهم
وبربريتهم ويساهموا في تغيير وجه الخريطة السكانية التي وُضعت الخطة
الأمريكية على أساسها، فقد (حسبت الخطة الأمريكية التي أُعدت منذ شهور عدد
اللاجئين الصرب قبل إجلائهم، مما يدل على (براءة) العم سام) .
الكروات سبق أن هاجموا المسلمين، وذبحوهم من الوريد إلى الوريد..
و (موستار) تشهد على بربريتهم وحقدهم، أما ما ظهر أخيراً من خطط معدة بين
الصرب والكروات لاقتسام البوسنة، فقد أصبح (واقعاً) أكثر من مجرد أحلام، إنها
ألغام تفاجئنا كل صباح وتؤكد لنا الإجرام النصراني المكشوف دون مرعاة لأدنى
المشاعر.
لقد حرصت الصحافة البريطانية على نقل الصورة التي بدأت (كرواتيا) في
ممارستها منذ اليوم الأول لانتصارها في (البوسنة) ، فبدأت في ابتزاز الحكومة سرّاً
للقبول بالخطة الأمريكية، وأخذت وحداتها العسكرية في إعطاء الأوامر للجيش
البوسني بأسلوب التابع والمتبوع.
أما سياسيّاً: فقد كشف مصير المنشق الخائن (فكرت عبديتش) عن أن
(كرواتيا) تسعى لدعم المنشقين والعابثين بمصير المسلمين، حتى لو كان محارباً لها
بالأمس، ورفضت (كرواتيا) المدعومة أمريكيّاً طلباً للحكومة البوسنية تسليم المجرم
الخائن (عبديتش) ، بل وأعطته جنسيتها، ووفرت له حماية وملجأً ووظيفة جديدة،
ربما كانت قيادة الجيب البوسني الذي ترسم تفاصيله اليوم.. ويتآمر العالم لإخراجه
لنا في الغد..!
هل من المصادفة أن تمر على العالم الذكرى الخمسين لإسقاط قنبلة هيروشيما، في الوقت الذي كان الغرب يمارس فيه بربريته ووحشيته مرة أخرى على أجساد
الضحايا وما سيؤول إليه مصير الأبرياء.. في بقعة أخرى تسمى البوسنة؟
إن أحرقت قنابل أمريكا الأطفال وشوهتهم لإثبات جبروتها في اليابان، فإن
صيحات الضحايا في البوسنة تتحدث عن وحشية حضارة الغاب، التي ورثت من
الوثنية الرومانية: عبادتها للقوة، وتقديسها للسحق، وإنتشاءها بالخراب هنا.. أو
هناك!
المسلمون والعالم
مسلمو بورما
بين اضطهاد النظام البوذي وصمت هيئة الأمم
بقلم: د. محمد يونس [*]
ما يزال النظام الحاكم في بورما بممارساته الوحشية ضد مسلمي بورما
(الروهنجا) بخاصة، والشعب البورمي بعامة: يقدم أسوأ سجل (لحقوق الإنسان) ؛
إذ بسحق انتفاضة عام 1988م المؤيدة للديمقراطية والمعارضة لسياساته لم يبق
هناك أدنى شك في مدى الظلم الذي بلغه ذلك النظام، وفاق فيه كل نظام حكم بلا
رحمة ضد شعبه.
وعلى الرغم من المظاهر والصيحات المنتشرة والإدانة التي لم يسبق لها مثيل، إلا أن (قانون الدولة) و (مجلس الحفاظ على النظام) مستمر في همجيته بإصرار،
وقد خَفّت نداءات الغرب لفرض حظر السلاح والعقوبات الاقتصادية على النظام في
لمح البصر.
ويبدو أن النظام الحاكم خارج قائمة الأنظمة الحاكمة المنبوذة دوليّاً وغير
خاضع لأي ضغط فِعْليّ من أي جهة، وعلى العكس: فإن جيران بورما وبخاصة
الدول الآسيوية أعطوه الشرعية بدعوة المجلس الحاكم إلى مؤتمراتهم الإقليمية،
والتعاون معه بشتى الأشكال، على الرغم من المخالفات القانونية والإنسانية التي
يقوم بها ضد شعبه على رؤوس الأشهاد.
ومع ذلك: تصر تلك الدول وتجادل بأن (المشاركة البناءة) ! مع النظام الحاكم
في بورما هي الطريق الحقيقي الأوحد لإنهاء معاناة الشعب البورمي، وأيضاً: فإن
الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة تبدو كذلك تصدق هذه النظرية، وبالتالي: فهي
تقدم مختلف أنواع الدعم للنظام الحاكم الذي ليس فقط يساعد في إطالة أمد حكمه
الرديء، بل أيضاً يزيد من تعاسة وشقاء الشعب البورمي المغلوب على أمره، لا
سيما المسلمين منهم الذين يعانون سوء العذاب.
وبعد فترة حكم استمرت سبع سنوات تقريباً، هل رأى المجتمع الدولي أي
تحسن في سجلات حقوق الإنسان لذلك النظام الحاكم؟ ! هذا ما لم يحدث، بل قد
أشارت التقارير التي نشرت مؤخراً (بواسطة منظمة العفو الدولية، ولجنة اللاجئين
الأمريكية، وجماعات مراقبة حقوق الإنسان الأخرى ذائعة الصيت) بوضوح: إلى
أن سجلات حقوق الإنسان في بورما تظل من بين النظم الأسوأ عالميّاً، حتى أن
مسؤولي الأمم المتحدة قد أقروا بذلك في مقابلة أذيعت مؤخراً في إذاعة (بي بي
سي) ، وعلى الرغم من الشواهد الفاضحة للمظالم الجماعية لحقوق الإنسان ونكران
الشرعية لإجمالي الشعب البورمي، فإن جيران بورما مستمرين في تجاهل معاناة
هذا الشعب المضطهد، والأمم المتحدة تلعب دور المتفرج.
هل في اعتقاد هذه الدول بأن بورما باعتبارها بلداً آسيويّاً بثقافة آسيوية ليس
باستطاعتها تلبية مستويات حقوق الإنسان طبقاً للنظرية الغربية، وبالتالي: غير
خاضعة لنقدهم؟ فإذا كان الأمر كذلك، فإن سجل حقوق الإنسان لبورما يجب ألا
يتخلف عن بقية الدول الآسيوية الأخرى مثل ماليزيا وتايلند وإندونيسيا وبنجلاديش
وباكستان إلخ
…
التي تتعرض لنقد الغرب، ومع ذلك: فإن هناك هوة شاسعة من
الاختلاف بين احترام قيم الإنسان وحقوق الإنسان من قبل النظام الحاكم في بورما
وتلك الدول في آسيا، وفي الحقيقة: إن النظام الحاكم في بورما الذي يحاول دائماً
خداع المجتمع الدولي بالاختباء تحت عباءة النظرية الآسيوية لحقوق الإنسان، قد
استطاع أن يفلت من النقد الدولي، ولعل ذلك راجع إلى أن الفاقدين حقوقهم مع
الأسف هم المسلمون وليس غيرهم، فإلى الله المشتكى.
وهناك حقيقة أخرى مهمة: أن حقوق الإنسان منتهكة بصفة عامة ضد شعب
بورما، إلا أن (الروهنجا) في (أراكان) وغيرها من بقاع بورما الأخرى هم الأسوأ
معاناة، وما يحدث الآن في (أراكان) ليس فحسب نتيجةً للسياسة العامة للنظام
الحاكم للبقاء في الحكم؛ فإن للنظام الحاكم وأسلافهم برنامجاً خفيّاً لأراكان، حيث
إنهم يرغبون في تحويل (أراكان) إلى دولة بوذية محضة.
ومتابعة لما ذكرته: فإن النظام الحاكم يقوم بحملة إبادة شعبية نظامية ضد
(مسلمي الروهنجا) ، ولهذا السبب حدثت أربع هجرات جماعية واسعة النطاق
للاجئين من (أراكان) منذ حصول بورما على استقلالها
(في عام 1948م، 1958م، 1978م، 1991م) لملايين من (الروهنجا) ، ومازال نزوح الشعب مستمرّاً حتى يومنا هذا.
ومن ناحية ثانية: فإن سحق ومعاناة حقوق الإنسان المسلم قد تحولت تحولاً
دراماتيكيّاً بعد استيلاء النظام العسكري على الحكم عام 1962م، وبلغ الذروة منذ
مباشرة (قانون الدولة) و (مجلس الحفاظ على النظام) للحكم عام 1988م، والآن:
فإن نصف تعداد السكان من (الروهنجا) تقريباً يعيشون خارج (أراكان) منتشرين في
بنجلاديش، وبعض بلدان الشرق الأوسط في الغرب، وتايلاند، وماليزيا.. إلخ.
إن الجرائم التي تُرتكب ضد (الروهنجا) مختلفة اختلافاً كبيراً عن انتهاكات
حقوق الإنسان العامة في الأماكن الأخرى من بورما، وبصورة أكثر وضوحاً: فإن
(الروهنجا) يحبسون في أماكن مخصصة كأنهم في سجن كبير، ويحظر عليهم
التحرك والتنقل حتى من قرية إلى أخرى، فضلاً عن السماح بالانتقال إلى أجزاء
أخرى من البلاد مثل بقية الشعب البورمي، وإن إجراءات مصادرة الأراضي،
والضرائب على المنتجات الزراعية، وإنشاء مستوطنات بوذية على الأراضي
المصادرة، ترتكب ضد (الروهنجا) فقط؛ فالآلاف منهم يقتلعون من جذورهم
ويساقون إلى جهات غير معروفة.
إن الإخلاء العرقي هو السياسة الراسخة للنظام الحاكم الموجهة ضد
(الروهنجا) في (أراكان) ، بالإضافة إلى ارتكاب أغرب جرائم القتل والتعذيب
والاغتصاب تحت إمرة ونظر السياسة الرسمية للنظام الحاكم؛ لإرهاب وتخويف
(الروهنجا) وطردهم.
قُتل المئات من شباب الروهنجا أبشع القتل من عام 1994م وأوائل 1995م
وحده، بدون أي تحقيقات أو محاكم نظامية، حتى إن العمل القسري يعتبر من
السياسة الرسمية للمجلس الحاكم في أنحاء بورما، وهو من الظواهر المعتادة في
منطقة (الروهنجا) .
إن ضغط العمل القسري على الجالية المسلمة قاسٍ إلى حد بعيد، بحيث
يتركون في معيشتهم القاسية في حد الكفاف أو نصف جوعى، وفي وضع مهين،
وظروف غير إنسانية، من يوم لآخر.
إن الحياة لديهم في (أراكان) باختصار كمن يعيش في قِدْرٍ ينصهر؛ فإن
الإجابة على مشكلتهم هو التحرك إلى العمق، ومنذ العام السابق: استطاعت
(منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) وفيما بعد: بعض من الهيئات غير الحكومية
(NGO) الدخول إلى (أراكان)(لمراقبة) وضع اللاجئين العائدين من معسكرات
بنجلاديش، ومع ذلك: فإن الوحشية ضد (الروهنجا) مازالت مستمرة أمام أعين
مبعوثي الأمم المتحدة.
***
* صور انتهاكات حقوق الإنسان في بورما:
كتب الأستاذ / محمد علي [**] :
إن طبيعة انتهاك حقوق الإنسان ضد (مسلمي الروهنجا) الأقلية لا يوجد له
مثيل في العالم، وباعتبار السلطة في بورما تعتنق ديانة أخرى مختلفة عن ديانة
(الروهنجا) وبدافع سياسي محسوب جيداً: فإنهم يعرضون (الروهنجا) لصنوف من
التعذيب غير الإنساني، دعنا نلخص انتهاكات حقوق الإنسان بواسطة النظام
البورمي من كافة النواحي:
1-
حق الحياة: ليس هناك أمان لحياة (الروهنجا) المسلمين في (أراكان) ؛
حيث يقتل المواطن من (الروهنجا) في أي وقت، وبشكل اعتباطي، إما بواسطة
العسكريين البورميين، أو المليشيات، أو عملاء آخرين منفذين للقانون دون
محاكمته، يقتل المئات من المسلمين كل عام دون اللجوء للقانون.
2-
حقوق الملكية: الأراضي، وسدود الروبيان، والماشية، والمنشآت
التجارية المملوكة للمسلمين صودرت بصورة غير قانونية، وتم اقتلاع جذور
مستوطنات المسلمين، وإنشاء قرى جديدة للبوذيين من قِبَل النظام الحاكم.
3-
حقوق حماية الشرف: ليس هناك أمن لحماية شرف المسلمين في
(أراكان) ، ولا يهم مدى مكانة ووضع المسلم وتأثير تعليمه وشخصيته وتديّنه؛..
إلخ، فإن شرفه وكرامته تحت رحمة السلطات البورمية، حيث يُضرب الأفراد
بأساليب وحشية، وينقلون في جماعات إلى مواقع عمل السُخرة، وتحرق لحى
علماء الدين وتنتهك أعراضهم.
4-
حقوق الخصوصية: في أي وقت سواء في وضح النهار، أو في ساعات
الليل تُداهم القوات البورمية مساكن المسلمين بنوايا سيئة، من سرقة، وعدم مراعاة
لشرف وحرمات النساء، واقتياد أصحاب المنزل للاستجواب.
5-
حقوق حماية الحريات الشخصية: يتعرض الآلاف من (الروهنجا)
للاعتقال الاعتباطي كل عام بدون إبداء أي سبب أو تهم رسمية، وهناك أشخاص
تم اعتقالهم منذ عشرات السنوات مضت دون محاكمات، وما زالوا في السجون
حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك: يتعرض (الروهنجا) لأسوأ أنواع السخرة غير
المعروفة في عالمنا الحديث؛ حيث يُجمّع الأشخاص خارج منازلهم ويكرهون على
العمل لأيام، بدون حصولهم على الأجر والطعام، وعدم السماح لهم بإحضار طعام
من منازلهم، علاوة على ذلك: فإنهم يُجبرون على توفير المواد الغذائية ومواد
البناء لقوات الأمن.
6-
حق الاحتجاج ضد الظلم: لا توجد محكمة يمكن لشخص ما الاحتجاج
أمامها ضد الظلم وانتهاك العدالة، وإن عملاء تنفيذ القانون موجهين بصفة خاصة
لممارسة التفرقة العنصرية وظلم المسلمين، إن المسلم المظلوم عندما يقدم شكوى
في مخفر الشرطة يتعرض هناك للضرب المبرح لتجرئه على اتخاذ مثل هذه
الخطوة، وقد تسند إليه أي تهمة زوراً وبهتاناً.
7-
حق حرية التعبير: يمنع مسلمو (الروهنجا) في (أراكان) تماماً من
التجمع أو التعبير عن رأيهم، كما لا يسمح لهم بالنشر، ولا يمكنهم التعبير عن
أوضاعهم لوسائل الأخبار العالمية، فضلاً عن أنها ممنوعة تماماً من دخول
(أراكان) .
8-
حق ممارسة الدين: يحرم (الروهنجا) المسلمون من ممارسة أبسط
واجبات دينهم؛ حيث يمنعوا من أداء فريضة الحج، ويحظر عليهم ذبح الأضاحي، كما يحظر إلقاء المواعظ الدينية، كما أن العاملين بالحكومة يكرهون على الانحناء
لعلم الدولة، وهو ما يناقض الدين، وإذا لم يذعن أحد منهم لهذا الإجراء: يفصل
من العمل فوراً.
وقد هُدمت المئات من المساجد، وأُغلقت المدارس الدينية، وحولت إلى
ثكنات للجيش، وتُلقى القاذورات والحجارة على المساجد والمصلين أثناء أداء
الصلاة، وتلقى القمامة على أبواب المساجد، وصودرت ممتلكات الوقف الخاصة
بالمساجد والمدارس الدينية ثم وزعت على البوذيين، ويدخل الجنود المساجد
بأحذيتهم ويشربون فيها الخمر، ويُضرب رجال الدين أصحاب المقام الرفيع
بصورة شاذة وغريبة الأطوار، ويساقون للعمل بالسُخرة وتحلق وتُحرق لحاهم.
9-
حق تنظيم الاتحادات والجمعيات: منذ عام 1962م تم حظر المنظمات
الاجتماعية والثقافية والسياسية (للروهنجا) ، حيث لا يمكنهم حتى تشكيل منظماتهم
الدينية، ويُرفض السماح لهم بتشكيل مثل هذه المنظمات.
10-
حق حرية التنقل: منذ عام 1962م يحظر على مسلمي (أراكان) التنقل
داخل البلاد، فقلة فقط من الناس يمكنهم التحرك من مكان إلى آخر نظراً لحاجتهم
إلى تصريح من السلطات، ولكن بعد عام 1988م استولى العسكريون على الحكم
فأصبح لا يسمح لمسلم من (أراكان) السفر إلى (رانجون) أو أجزاء أخرى من
الوطن، ولا تباع تذاكر السفر بالطائرة للمسلمين، ويجبر مسلمو (أراكان) الذين
يقيمون في أجزاء أخرى من الوطن على العودة إلى (أراكان) .
11-
حق المساواة: على الرغم من أن الحكومة البورمية ليس لها سياسة
معلنة للتمييز العنصري إلا أنها أعطت تعليمات واضحة للسلطات بعدم معاملة
(مسلمي الروهنجا) بشكل متساوٍ، وأنهم غير متساوين أمام القانون، ويعاملون أسوأ
من الرقيق.
12-
الحقوق أمام العدالة: جرائم مثل الاغتيال والسرقة ترتكب بكل حرية
في حق المسلمين دون مثول مرتكبها أمام القضاء، وسياسة النظام الرسمية تنص
بعدم منح (الروهنجا) الحقوق أمام القضاء.
13-
حق توفير الضروريات الأساسية للعيش: يحرم مسلمو الروهنجا ب
(أراكان) عمداً من توفير الضروريات الأساسية من أجل الحياة، مثل: الغذاء،
واللباس، والرعاية الصحية، والتعليم.. إلخ، حيث يتعرضون لتفرقة عنصرية
خطيرة.
إن وضع حقوق الإنسان في (أراكان) وصل إلى حد مزرٍ، بحيث لم يتوفر
للروهنجا هناك الأمن للحياة، والتملك، والشرف، والكرامة، علاوة على أن
الحياة أصبحت تعيسة؛ بسبب سياسة تجويع السكان؛ لإجبارهم على مغادرة
(أراكان) ، وهو الهدف الذي يصير إليه النظام البورمي الحاكم، ونتيجة هذا الظلم
أُجبر أكثر من مليون نسمة من الشعب لمغادرة (أراكان) منذ عام 1948م.
فحتى متى تظل هيئة الأمم متجاهلة معاناة هؤلاء المسلمين؟ وإلى متى تبقى
الزمرة الحاكمة تدوس على حقوق المسلمين ليعيشوا في مستويات متدنية من الحياة؟ وحتى متى يبقى (بطرس غالي) صامّاً أذنية عن نداءات هؤلاء المسلمين؟ وأين
منظمات حقوق الإنسان الغربية من تلك المعاناة لألوف المسلمين؟ بل أين أدعياء
حقوق الحيوان من لفت النظر لتلك المهازل التي تقوم بها الزمرة الحاكمة في
(رانجون) ؟ فإذا كان أولئك نائمين عن حقوق المسلمين ولا يهمهم ما يعانونه من ذل
وعذاب، فأين إخواننا المسلمون من نجدة إخوانهم مسلمي بورما؟ وحتى متى لا
يتنادون في مؤتمرٍ لإغاثة أولئك المغلوبين على أمرهم، وهل استدعت حكومات
المسلمين سفراء (بورما) واحتجت على سوء العذاب الذي يعانيه مسلموها؟ وهل
يهددون في علاقاتهم السياسية والاقتصادية حتى مجرد تهديد؟ .
إن الأمل كبير في التفاتة إلى هؤلاء المسلمين المنسيين، إننا نذكر، والذكرى
تنفع المؤمنين: [وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ][الأنفال: 72] .
(*) بتصرف عن بيان (منظمة تضامن الروهنجا الإسلامية) .
(**) بتصرف عن بيان (هيئة إغاثة مسلمي بورما) بالشارقة.