الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
اتفاقية التجارة العالمية
GATT
قراءة في تقرير.. وأسئلة ملحة
…
بقلم: ياسر قارئ
إدراكاً منهم لصعوبة المواجهة العسكرية مع المسلمين في ظل راية الجهاد،
عدل أعداء الإسلام إلى وسائل أشد فتكاً وأقل إثارة لقمع المارد الإسلامي ودحضه
ورده إلى موقعه الذي يليق به كما يتخيلون؛ وأنشطة المنظمات الدولية التي ترعى
تلك الوسائل والأساليب مجهولة إلى حد كبير لدى كثير من المثقفين داخل حدود
أوطانهم وخارجها، ومتابعة ذلك تبدي لك حجم الفراغ والهوة التي بيننا وبين
المخططات العالمية للانقضاض علينا من كل حدب وصوب؛ وما ذاك إلا بسبب
عدم إلمام الكثيرين أو عدم اكثراثهم بتلك المؤسسات؛ تقليلاً لشأنها أو لندرة
المصادر التي تحكي واقعها في ظل التعتيم الإعلامي عن سياسات القوم والانصراف
إلى البرامج الرياضية والمجلات النسائية الرحبة، من أجل ذلك كله أسوق إليك
أخي القارئ الكريم ملخصاً موجزاً لما احتواه تقرير غربي [*] عن الاتفاقية العامة
للتعريفات والتجارة، التي يرمز لها اختصاراً بـ، التي تمخضت عنها (منظمة
التجارة العالمية) .
يحتوي التقرير على ثلاثة وعشرين فصلاً، يتحدث الأول منها عن نشأة
الاتفاقية والجولة الأخيرة المعروفة باسم (أوراجواي) (وهي الدولة التي انبثقت منها
الاتفاقية عام 1986م) ، ثم تغطي الفصول من الثالث وحتى الحادي عشر الاتفاقات
المتعلقة بالزراعة، والمنسوجات، والملابس، والخدمات، والاستثمارات،
والملكية الفردية، وتسوية المنازعات، والدعم، والرسوم، والضمانات، وسياسة
الإغراق، بينما يركز النصف الثاني من التقرير على آثار هذه الاتفاقيات على كل
القطاعات السابقة.. (من 12- 15) ، ثم على دول أوروبا الغربية والاتحاد
السوفييتي (السابق) ومنطقة آسيا الباسفيكي، وأمريكا الشمالية واللاتينية، فالشرق
الأوسط وإفريقيا (16 22) ، أما الفصل الأخير فيلقي الضوء على المنظمة العالمية
ومستقبلها.
يصطدم القارئ من العالم الثالث من الصفحة الأولى بحقيقة هذه الاتفاقية
وأثرها؛ إذ يتعجب المؤلفان من تغير توجهات الدول النامية وانضمامها إلى
المفاوضات في الوقت الذي كانت تمر فيه الجولة بانتكاسات ومصاعب جمة، على
الرغم من الخسائر التي ستتعرض لها تلك الدول (وهي المستوردة للغذاء) على
المدى القصير، هذا بالإضافة إلى دور الاتفاقية في انتقاص جانب السيادة على
السياسة الداخلية للدولة، على الرغم من عبادة تلك الدول وتقديسها للاستقلالية
السياسية! ! (ص13) ، وليس هذا فحسب، بل ستكون المنظمة الشريك الثالث
لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في وضع السياسات العالمية، كما عبر عن ذلك
(بيتر سذر لاند) مدير عام الاتفاقية (ص4) ، فضلاً عن اختلاف الخبراء حول
الجدوى الاقتصادية للاتفاقية على مدى العقد القادم؛ بسبب زيادة نمو التكتلات
الاقتصادية الإقليمية القوية؛ الأمر الذي يؤذن باندلاع الحروب التجارية بين الدول
(ص6) .
أما أهم مكاسب هذه الجولة الأخيرة فهي: دخول مجالات الزراعة
والمنسوجات ضمنها، وتطبيق الجزاءات ضد الدول المنتهكة لأحكام الاتفاقية، وفي
هذا الصدد: فقد أعلنت أمريكا عزمها على استغلال حق المطالبة بالتعويض أو
فرض العقوبات التجارية (في حالة فشل الوصول إلى حل مع المخالفين) إلى أقصى
أبعاده (ص2) ، فإذا كان هذا توجه الدولة التي تقود العالم، فماذا عسى التابعين أن
يفعلوا؟ !
بدأت جولة أوراجواي سنة 1986م، وهي الثامنة، إذ عقدت الجولة الأولى
في جنيف عام 1947م بعد نهاية الحرب الكونية الثانية بمشاركة ثلاث وعشرين
دولة، وبمرور الوقت ازداد عدد المشاركين، وبالتالي: طول فترة انعقاد الجولة
بسبب تشعب المواضيع والخلافات حتى اختتمت في سنة 1963م وقد وصفها (سذر
لاند) بأنها لحظة حاسمة في التاريخ الحديث (ص1) ، فلماذا؟
لقد استنتج الساسة الأمريكيون: أن انهيار التجارة الدولية، وزيادة عدد
التكتلات التجارية، بالإضافة إلى التصعيد الجمركي الذي عمق الكساد وتسبب في
قطبية التجارة الدولية: هما سببا قيام الحربين العالميتين (ص9) ؛ لذلك: فإن قيام
نظام دولي للتجارة سوف يقلل من فرص الحرب في الوقت الذي تملي فيه أمريكا
شروطها بحكم أنها المنتصرة في الحربين والدولة ذات الوزن الاقتصادي الأثقل في
العالم، بمعنى آخر: فإن نظام التجارة المطلوب والمتوقع هو الذي يحقق مصالح
الدول الكبرى فقط!
ثلاث نقاط مهمة:
سوف أضرب صفحاً عن الفصول التي تتحدث عن الاتفاقيات ذاتها (311) ،
وذلك لكونها معلومات وإحصاءات علمية صرفة، وكذلك لإبقاء الموضوع مختصراً
قدر الإمكان، خاصة وأن الهدف المنشود هو: بيان أثر تلك الاتفاقيات التي هي
فرع عن مضمونها، إلا أن هناك ثلاث نقاط ينبغي التوقف عندها مليّاً:
الأولى: فيما يتعلق بالزراعة، يقول التقرير: إنه على الرغم من الصراع
بين أوروبا وأمريكا واليابان واستراليا ونيوزيلندا (أين الدول النامية؟) ، إلا أن
الحل النهائي يمثل في تحرير القطاع الزراعي في ثلاثة مجالات، هي: النفاذ إلى
الأسواق، والدعم المحلي، ومنافسة الصادرات، كما تتضمن النتائج طلباً بمعالجة
خاصة لوضع الدول النامية (ص21) .
إن الأمر في غاية الوضوح: فالدول المتنفذة تفرض سياستها، وما على
المعدومين إلا التقدم بطلب الاسترحام، وإلا فالأسواق يجب أن تفتح، والدعم يجب
أن يرفع، وإلا ستبادر أمريكا إلى استخدام حقها في الرد المناسب على المخالفين
لبنود الاتفاقية كما ذكرنا. فهل ستكون هناك زراعة محلية مستقبلاً؟ وما هو حجم
الخطر الذي يشكله الاعتماد على الواردات الزراعية، وبالذات في مجال استقلالية
القرار والدار؟ .
النقطة الثانية: وهي تكشف مدى مأساوية الواقع الذي تعيشه الدول النامية،
إذ تصف الأمم المتحدة في تقريرها لعام 1975م: أن براءات الاختراع تأتي من
خمس دول متقدمة فقط، وهذا يعني أن حماية حقوق الملكية الفكرية سوف تساهم
في زيادة عجز الميزان التجاري بين الدول المتقدمة والنامية، وعلى الرغم من
مقاومة أمريكا وأوروبا لهذا القرار المجحف، إلا أنهما خضعتا لضغوط شركات
صناعات الأدوية والملابس من أجل مراقبة وحماية تلك الحقوق (ص45) ، وهذا
يعني إبقاء العلاج والكساء بعيداً عن متناول أيدي المحتاجين في العالم النامي، فبعد
الزراعة جاء دور الطب، لكن صبراً.. أليس هناك منظمات غربية خيرية تسد هذا
الفراغ؟ الجواب نعم، لكن.. ما الثمن الذي تطلبه في المقابل؟
النقطة الثالثة: وتظهر حقيقة تلاعب الدول الكبرى بالاقتصاد العالمي وقوانينه
بصورة لا لبس فيها، فالطائرات مثلا تكلف كثيراً في صناعتها، وبالتالي: هي
صناعة توصف بأنها احتكارية، لكن أوروبا ممثله ببعض دولها أسست شركة
(إيرباص) ودعمتها ماليّاً لتتحدى بها الهيمنة الأمريكية على الطيران والفضاء،
خاصة وأن أمريكا تدعم الشركات المصنعة لديها من خلال الإعانات العسكرية غير
المباشرة، وكلاّ من أوروبا وأمريكا خالفا نظام التجارة العالمي، ولم يتعرضا لأي
عقوبات (ص74) .
ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا، لماذا يتنافسون وهم على مذهب اقتصادي
واحد وملة دينية واحدة؟ ولماذا لا يعاقبون على خرقهم للقانون الذي فرضوه على
العالم بأسره؟ ومتى تكون للدول النامية سياسة مستقلة ومُجْدية كهذه؟ !
من آثار الاتفاقية الخطرة:
يخوض التقرير بعد ذلك في آثار الاتفاقية على الزراعة والصناعة والحواجز
غير الجمركية وقطاع الخدمات، فأوروبا مثلاً تساهم في تصدير 47% من إجمالي
الصادرات الزراعية العالمية، ولكن 90% من تلك الصادرات لا تتعدى أوروبا
الغربية! (ص77)، أليس هذا هو الأمن والتكامل الغذائي الذي ترعاه أوروبا؟ ثم: إن دعم الدول الصناعية لزارعيها سيقلل من حصة الدول النامية من هذه التجارة، في الوقت الذي سترتفع فيه أسعار الصادرات الزراعية الأوروبية، وتتفق
الدراسات العلمية على حتمية هذا الارتفاع في الأسعار، وبالتالي: فإن الخاسر
الأكبر هو الدول الإفريقية والآسيوية، بينما ستمتلئ جيوب الفلاحين في أمريكا
الشمالية والجنوبية وأوروبا (ص81 - 82) .
أما في مجال الصناعة فإن استفادة الدولة النامية وبخاصة في مجال الملابس
والمنسوجات والأغذية والمواد الخام طفيفة جدًّا، بيد أنها ستحدث انتعاشاً في
صناعة الحديد والصلب والمعدات الصناعية والكيميائية والسيارات في أوروبا
وأمريكا (ص92) ، وهذا يذكر بالمثل القائل (ما تجمعه الذرة في سنة يأخذه الجمل
في خُفّه) !
كما يشير تقرير الأمم المتحدة سنة 1988م إلى أن التأثير الإجمالي للحواجز
غير الجمركية على الواردات من الدول النامية أكبر منه على واردات الدول
المتقدمة التي تستخدم هذا الأسلوب لحماية قطاعات الأغذية والحديد والمنسوجات
والسيارات في بلادها (ص94) ، والأعجب من هذا الانحياز الغربي أو العداء
المستحكم أو التعالي الأوروبي العرقي هو: زيادة نسبة الحواجز غير الجمركية
على القطاع الذي يتوقع الفقراء الاستفادة منه، ألا وهو قطاع الملابس: وذلك
بسبب وفرة ورخص الأيدي العاملة، وتوفر المواد الخام وقلة تكلفتها (ص95) ،
بعبارة أشد وضوحاً: إن الدول المتقدمة عاقدة العزم على إبقاء الدول النامية في
حالة التبعية المطلقة إلى أجلٍ غير معلوم، طالما استمرت الأخيرة في الاستماع إلى
نصائح الخبراء الغربيين وإقصاء الناصحين المخلصين، ويؤيد التقرير هذه النظرة
القاتمة بتأكيده على استفادة أوروبا في المجالات الصناعية عموماً، مما يعني
استمرار ارتفاع مستوى المعيشة في الغرب وانخفاضه في الشرق (النامي) ،
وبالتالي تعميق الفجوة الحضارية أكثر فأكثر! وليست مجالات الخدمات
والاتصالات والمدارس والمصارف والمستشفيات والمواصلات بأفضل حال من
سابقيها فيما يتعلق بالعالم الثالث؛ إذ سيكون نصيب الأسد للدول المتقدمة، بينما
يتوزع الفقراء فتات السياح الذين سيتدفقون إلى العالم (النامي) للفرجة على عالم
البؤس والضياع الإنساني (ص106) ، وهنا نقف مع ما تنطوي عليه السياحة
ومفهومها لدى (الخواجات) من إسفاف وانحلال وفجور ورذيلة سينجرّ إليها العالم
(النامي)، وينطق لسان الحال:(حشف وسوء كيل) ، لكن من المقصود؟ !
ينتقل التقرير بعد ذلك لتوضيح آثار الاتفاقية على دول العالم مبتدئاً بأوروبا
الغربية، فالبشائر بالنسبة لدافعي الضرائب هناك كثيرة، منها: انخفاض أسعار
السلع الزراعية والأعلاف، مما يفيد شركات التعليب ومعالجة الأغذية وتجار
المواشي (ص108) ، هذا بالإضافة إلى تراجع نسبة الضرائب على المواطنين
بسبب رفع الدعم الحكومي عن قطاع الزراعة، بينما ترفض دول الاتحاد الأوروبي
تحرير الخدمات التجارية: كالإعلام، والسينما، والفيديو حسب ما تنص عليه
الاتفاقية والسبب هو: حجم ذلك القطاع؛ إذ يشكل نصف صادرات العالم
…
(ص 111) ، ونتساءل عن الحرية والتعددية (والآخر) عند دول غرب أوروبا، لأننا قد تعلمنا مما سبق ألا نسألهم عن احترام الاتفاقية التي أبرموها.
ثم إن خسارة دول هذه المنطقة تكمن في قطاع المنسوجات والملابس الذي
ستستحوذ عليه البرتغال وإيطاليا وتركيا؛ بسبب رخص الأيدي العاملة، كذلك
ستنافس الشركات غير الأوروبية مثيلاتها في قطاع الكيماويات، في الوقت الذي
تبدو فيه الصناعات ذات التقنية العالية في طور الأفول، بسبب قلة الإنفاق
الحكومي على برامج الأبحاث والتطوير اللازمة.
على الطرف الآخر: نجد أن دول أوروبا الشرقية (سابقاً) ستربح كثيراً من
تصدير السلع الزراعية للخارج، وبخاصة: القمح، والسكر، واللحوم، والألبان،
ومنتجاتهما، كما أن بعض الدول مثل: بلغاريا، وبولندا، ورومانيا، والمجر،
وروسيا، تمتلك ميزة نسبية في مجال الحديد والصلب، سوف تساهم إضافة إلى
الاستثمارات الأجنبية المتدفقة في تنشيط قطاع الصناعة (ص113) ، ولا نملك إلا
أن نقول: إن الغرب ماضٍ في الاهتمام بمحيطه الجغرافي وامتداده التاريخي
والديني الطبيعيين، وهناك شواهد أخرى على ذلك: كالأحلاف والمنظمات الأمنية
والاقتصادية التي استحدثت مؤخراً.
يسوق التقرير البشارة إلى شريك أوروبا الأكبر وهو الولايات المتحدة: بأن
الضرائب سوف تنخفض بسبب تخفيض الجمارك على الرغم من قلة الإنتاج وزيادة
الاستهلاك ورفع الدعم الحكومي؛ لأن الاستيراد سوف يلبي حاجات أبناء (العم)
وبأسعار زهيدة، بينما ستساهم الجمارك المحلية المخفضة في إنعاش القطاع
الصناعي، إلا أن أعظم الفوائد بالنسبة لأمريكا سوف تأتي من قطاع الخدمات
…
(ص 124) ، ولن تكون الحديقة الخلفية لأمريكا بأقل حظّاً من جارتها العظمى، إذ إن سياسة دول أمريكا اللاتينية التصديرية وارتفاع الأسعار العالمية ستنعشان اقتصاديات تلك الدول في مجال الزراعة والمعادن والمنسوجات والحديد والصلب والجلود والأحذية والسياحة والسفر (ص131) .
دول الشرق الأوسط والاتفاقية:
يستعرض المؤلفان بعد ذلك منطقة الشرق الأوسط في ظل الاتفاقية الجديدة
ويؤكدان ما قالاه في بداية التقرير من محدودية الأثر؛ وذلك بسبب استبعاد
الهيدروكربونات (النفط ومشتقاته) من جولة المحادثات، كما أن ارتفاع أسعار السلع
الزراعية سيؤدي إلى زيادة سوء حالة المنطقة في الوقت الذي تغنم فيه إسرائيل من
الاتفاقية لكونها مصدراً للخضروات والفواكه، ولقلة وارداتها الزراعية (ص137) ،
ثم إن تواضع القاعدة الصناعية للمنطقة، يقلل من فرص استفادتها في مجال
التصنيع تحت الظروف الجديدة، بينما ستترك حقوق الملكية الفكرية وإجراءات
الاستثمار آثارها على المنطقة.
وعلى الرغم من عدم جدوى الاتفاقية لدول المنطقة إلا أن هناك سببين
رئيسين للانضمام إليها حسب رأي المؤلفين: الأول: هو النفاذ إلى الأسواق الدولية
في مجال التصدير، والثاني: هو جذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة والعامة،
وهذا يعني استمرار مسلسل الانقياد إلى شروط وأهداف الدول الدائنة، التي لا
تختلف عن تلك التي ينشدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثم: ما هى
الصادرات التي تحرص المنطقة على استمرار تدفقها؟ ! إذ هي فقيرة صناعيًّا،
وعالة زراعيًّا على غيرها، ومسلوبة (جيولوجيّاً) .
دول إفريقيا والاتفاقية:
لا تختلف إفريقيا كثيراً عن الشرق الأوسط من جهة استفادتها من الاتفاقية؛ إذ
هي تحتاج إلى وقت طويل من الإصلاحات الزراعية حتى تجني ثمار حرية التجارة
وارتفاع أسعار السلع الغذائية والزراعية، لكن الشمال الإفريقي لديه فرصة في
مجال المنسوجات والملابس إذا تمكن من تحسين البنية التحتية للبلاد، الأمر الذي
يتطلب مبالغ طائلة جدّاً (ص139) ، ولكن التقرير يبشر بزيادة الاستثمار الأجنبي
المباشر على أي حال، مما يعني زيادة في إغراق المنطقة وإرهاق الشعوب ورهن
أجيال المستقبل بالديون الخارجية.
التحديات التي تواجه الاتفاقية:
يحدثنا الفصل الأخير عن هيكل المنظمة الوليدة، ثم عن التحديات التي سوف
تواجهها، وعلى رأسها الحاجة إلى وضع قواعد للاستثمار الأجنبي على الرغم من
استحسان الدول النامية له وركضها خلفه، وكذلك: مكافحة الاحتكار العالمي،
وعلاقة التجارة والبيئة، وحقوق الإنسان والعمال (عارضتها الدول النامية ضمن
جوله المناقشات سنة 1986م رغبة في استمرار زيادة الأرباح في ظل غياب مراقبة
وشروط النقابات) والتكتلات الإقليمية وأثرها على حرية التجارة (ص143-152) .
بهذا انتهى التقرير.. وتبرز الأسئلة الملحة فيما يتعلق بالاتتفاقية وأطرافها
المتفاوتين في القوة السياسية والاقتصادية.
فلماذا تخضع دول العالم بأسرها لقوانين لا يحترمها مشرعوها؟ ولماذا تختار
الدول المتقدمة الطرق القانونية لفرض رغباتها على العالم النامي أو فيما بينها؟
أَلأَنها أكثر حضارية من وسائل القوارب المسلحة التي اتبعها المستعمرون القدامى؟
أم لإيجاد مبرر قانوني يقضي بمعاقبة المخالفين، والذين يتوقع زيادتهم مستقبلاً في
ظل بروز أجيال ترفض الخضوع والتبعية وتنشد الاستقلالية؟ .
لعل الجواب الذي توصلتُ إليه يشير إلى قيام أمم متحدة اقتصادية لتحل محل
نظيرتها العسكرية في مرحلة الوفاق الدولي الجديد، وندعو ونرجو! ! ألا تكون
ظالمة كسابقتها، إلا أن المتعارف عليه هو أن الأفعى تغير جلدها ويبقى السم في
أنيابها.
(*) فيليب إيفانز وجيمز والش (دليل وحدة أبحاث الإيكونومست إلى الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة) : (جات) الجديدة: منظمة التجارة العالمية، ترجمة / حمد الخريف وفواز الدخيل، ط1، الرياض، 1415هـ.
المسلمون والعالم
المسلمون في أوغندا
تاريخ وتحديات
بقلم: زياد صالح لو بانغا
تمهيد:
إفريقيا الخضراء (جنوب الصحراء الكبرى) ، يعتبرها المستعمرون
الأوائل ومن خلفهم من جماعات التنصير التي ربت نفراً من أبناء إفريقيا ونصّرتهم
وجعلتهم حكاماً، يعتبرون تلك المناطق حكراً على النصرانية، مع أن جل تلك
المناطق سبق أن حكمتها دول إسلامية قديمة، وكثير من أهلها مسلمون، وأوغندا
نموذج لتلك الدول التي نرى من تاريخها القديم ما يؤكد إسلاميتها حتى عصر متأخر
جدًّا، وسنرى كيف تمزق المسلمون فيها، وفتح المجال لفئات منحرفة منسوبة إلى
الإسلام للعمل بها حتى حكمها (نصراني متغطرس) ، نلمس حقده في تصريحاته
ومواقفه الأخيرة، وفي هذا المقال بيان لحال هذه الدولة والتحديات التي واجهتها
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... - البيان -
أولاً: تعريف بأوغندا جغرافيّاً:
موقعها الجغرافي: تقع دولة (أوغندا) في الوسط الشرقي للقارة الإفريقية،
على خط الاستواء، ولها خمس جارات من الدول: تجاورها دولة (كينيا) شرقاً،
…
و (زائير) غرباً، و (السودان) شمالاً، و (تنزانيا) و (رواندا) جنوباً، ولعدم إطلالها
على البحر، انتظمت في مجموعة الدول البرية الحبيسة، التي ظلت سنين طويلة
دون أن تطأها الأقدام الأجنبية، مما ساعدها على المحافظة على أصولها البشرية؛
فسكانها أفارقة أقحاح، ينتمون إلى قبائل (البانتو (، و (النيليين) ، و (لووا)[1] .
سبب تسميتها: أطلقت عليها بريطانيا (يوغندا) نسبة إلى مملكة (بوغندا)
إحدى الممالك التي كانت تتكون منها أوغندا قبل اتحادها، غير أن الدكتور (محمد
سيد محمد) ذهب إلى أن تسميتها راجعة إلى اشتقاق كلمة (يوغندا) من اسم إحدى
ممالكها (بوغندا)، فأصل الكلمة بلغة البانتو:(غاند)، وكلمة (باغندا) معناها:
قبيلة الغاند، وتسمى لغتها (لوغندا) : ويطلق على بلادهم (بوغندا) ، واعتاد
المستكشفون القادمون من ساحل شرق إفريقيا استخدام المقطع الأول في اللغة
السواحلية وهو (أو (، فأطلقوا على البلاد (أوغندا) ، وهو ما أطلق بعد ذلك على
كل المناطق التي أدمجت في محمية أوغندا [2] ، وهو رأي وجيه، يدل على أن
التسمية محلية وليست أوروبية.
مساحتها: تبلغ مساحتها حوالي (410ر243) كم2، تغطي المياه منها 15%.
المناخ: إن كثرة المساحات المائية، وعظم ارتفاعها، وهطول الأمطار على
مدار السنة.. كل ذلك ترك أثراً بالغاً في تعديل درجة الحرارة في أوغندا، إذ لا
تزيد غالباً على (27)[3] .
أهم مدنها: من أكبر مدنها (كمبالا) ، وهي العاصمة الإدارية والتجارية،
…
و (عنتيبي) ، وهي المدينة السياسية، وبها المطار الدولى، و (جنجا) ، وهي المدينة
الصناعية، ومنها ينبع نهر النيل أطول نهر في العالم، و (إمبالي) ، وفيها أنشئت
الجامعة الإسلامية، التي افتتحت سنة 1988م.
6-
استقلالها: دخلت أوغندا تحت الاحتلال البريطاني سنة (1308هـ
1890م) ، وظلت تابعة لحكمه اثنين وسبعين عاماً، وأخذت استقلالها سنة (1381
هـ 1962م) . [4]
عدد سكانها: يبلغ عدد السكان في أوغندا الآن حوالي (17مليون) نسمة [5] ،
يترواح عدد المسلمين فيها بين (35%40%)[6] ، وعددهم في ازدياد مطرد.
ثانياً: دخول الإسلام في أوغندا:
ظلت (أوغندا) ردحاً من الزمن بلداً وثنيّاً، حتى منّ الله عليها بالإسلام، حين
دخلها سنة (1260هـ 1844م) ، ويعتبر الإسلام أول دين سماوي شق طريقه إليها؛ ليخرج الناس من عبادة الأوثان والطواغيت إلى عبادة الله الواحد القهار [7] ، وقد
أخذ دخول الإسلام في هذا البلد مكاناً رئيساً في تاريخه، إذ المؤرخون كلهم يبدؤون
عنده، وليس هناك من الحفريات أو الآثار ما يتحدث عن هذا البلد قبل الإسلام،
ومن هنا.. كان لزاماً على المسلمين أن يهتموا بهذه البقعة وسائر البقع الإفريقية
وغيرها، لعدة أمور، منها:
1-
انتشار الإسلام: انتشر الإسلام في أكثر مناطق القارة الإفريقية بسرعة
فائقة؛ حيث أصبحت نسبة المسلمين فيها هي الغالبية العظمى، فقد وصلت إلى
…
(7 ر51%) ، وقيل (57%)[8] مما يدل على أن هذه القارة إسلامية من حيث النسبة
العددية، وأن مستقبلها إن شاء الله مستقبل إسلامي مشرق.
2-
أن إفريقيا تتوسط قارات العالم الخمس، وبإمكانها أن تكون همزة وصل
بين بقية القارات من حيث نقل الثقافة، والمعرفة، والتجارة.. وغيرها من
الحاجات الضرورية للإنسان، أضف إلى ذلك أن أكثر أراضيها خصبة، فلو
استغلت كلها في الزراعة والحرث لقل الفقر في العالم كله.
وقد دخل الإسلام أوغندا عبر محورين أساسين:
المحور الأول: التجار العرب والمسلمون السواحليون، الذين أتوا من شرق
إفريقيا، أيام الدول الإسلامية التي قامت في تلك المنطقة في عهد النبهانيين،
وإمبراطورية الزنج الإسلامية، ودولة بنى سعيد في (زنجبار) ، وقد دخل هؤلاء
أوغندا سنة (1260هـ 1844م) ، وكان أولهم وصولاً الشيخ/أحمد بن إبراهيم
العمري رحمه الله ، وذلك في عهد الملك (سونا الثاني) وقد وقف هذا الشيخ
رحمه الله في مجلس الملك، وتحدث عن الإسلام ومحاسنه وآدابه، حتى اقتنع
الملك، فأسلم ومن معه، وتعلم القرآن الكريم، وحفظ منه أربعة أجزاء، إلا أنه لم
يعثر على أنه فعل شيئاً يذكر لنشر هذا الدين [9] .
المحور الثاني: العرب المسلمون: حيث انضم عدد منهم إلى الحملات
الاستكشافية لمنابع نهر النيل، التي لقيت ترحيباً كبيراً من الملك (موتيسا الأول) ،
الذي ورث عرش الملك بعد أبيه (سونا الثاني) ، وقد أسلم هو أيضاً وحسن إسلامه، وطلب من (الخديوي إسماعيل) حاكم مصر أن يرسل له علماء لهداية شعبه،
وأبدى هذا الملك حماساً منقطع النظير للإسلام، وعمل على نشره، ليس وسط
قومه في مملكة (بوغندا) فحسب، بل تعداها إلى الممالك الأوغندية المجاورة،
عندما كتب إلى (كابا ريغا) ملك مملكة (بونيورو (داعياً إياه إلى الإسلام، كما حث
أمراءه في مملكته وشعبه كله على اعتناق هذا الدين الرباني، وإقامة شعائره الدينية، وتشييد مساجده، ومنح المسلمين السواحليين مشيخات وولايات؛ لتدبير شئونها
الدينية، كما أدخل التقويم الهجري في أنحاء مملكته، وأمر الناس بالتحلي بآداب
الإسلام وأخلاقه: في معاملاتهم اليومية، وشؤونهم الاجتماعية [10] .
وهكذا انتشر الإسلام في ربوع أوغندا، وكان انتشاره في مملكة (بوغندا)
أقوى من أي مملكة أخرى مما جعل التيارات الوافدة تتآمر عليها لتمنع المد
الإسلامي المتدفق منها، ولولاها لكانت ممالك أوغندا كلها مسلمة، ولكانت بمثابة
ركيزة إسلامية كبيرة في منطقة الشرق الإفريقي كلها، وقد دام عهد (موتيسا الأول)
ثمانية وعشرين عاماً؛ أي: من سنة (1273هـ 1856م) إلى سنة (1302هـ
1884م) [11] .
ثالثاً: مراحل انتشار الثقافة الإسلامية وتحدياتها:
ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ثلاث، وهناك تحديات كثيرة واجهت كل
مرحلة، وسنذكر بعضها بإيجاز، وهذه المراحل هي:
1-
المرحلة الأولى: من وقت دخول الإسلام في أوغندا سنة (1260هـ
1844م) إلى سنة (1391هـ 1971م) .
2-
المرحلة الثانية: من سنة (1391هـ 1971م) إلى سنة (1399هـ
1979م) .
3-
المرحلة الثالثة: من سنة (1399هـ 1979م) إلى سنة (1416هـ
1996م) . الثقافة الإسلامية وتحدياتها من (1260هـ 1844م) إلى (1391هـ
1971م) :
قبل أن أتطرق إلى الثقافة الإسلامية في هذه الحقبة من الزمن، أود أن أكمل
الشوط مع القادة والملوك، لتتضح الصورة التاريخية جيداً، فقد ورث (موانغا) أبيه
(موتيسا الأول) سنة (1302هـ 1884م) ، ولم يكن في قوة أبيه من التمسك بالدين، بل إن انحيازه إلى الإرساليات التنصيرية دليل واضح على تحوله عن الإسلام،
صحيح أن أباه في نهاية عهده، هو الذي أذن للإرسالية البروتستانتية بدخول
أراضيه سنة (1877م) ، ثم أذن للإرسالية الكاثوليكية بعد ذلك سنة (1879م) ، لكن
عهد (موانغا) امتلأ بالحروب ضد الإسلام والمسلمين، ففي سنة (1889م) توحدت
الإرساليتان لمحاربة المسلمين، وألحقت بهم هزيمة مؤلمة، أجبرتهم على التقهقر
إلى (يونيورو (في المملكة المجاورة، ولم يحرك ذلك ساكن (موانغا) .
كما أنه في سنة (1891م) هاجم المسيحيون المسلمين في حدود مملكة (يونيورو (وقتلوهم شر قتلة، وكان ذلك بمرأى ومسمع من (موانغا) ، وقد دام ملكه حتى سنة (1315هـ 1894هـ[12] ثم تلاه حكام نصرانيون، حتى آخر المرحلة، فقد تلاه ابنه (داودى شوا) سنة (1315هـ 1894م) ودام ملكه حتى سنة (1360هـ 1939م)[13] ، ثم اعتلى العرش ابنه (إدوارد فريدريك موتيسا الثاني) ، وفي عهده في عام (1369هـ 1948م) بدأت الأحزاب الوطنية تتكون للمطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، وفي سنة (1373هـ 1952م) طالب الملك (موتيسا الثاني) بالحكم الذاتي من بريطانيا، فمنحته ذلك سنة (1382هـ 1962م) وفي السنة نفسها نظمت الانتخابات العامة التي فاز فيها حزب (مؤتمر الشعب الأوغندي) بقيادة الدكتور (ملتون أبوتى) ، فأصبح أول رئيس لأوغندا بعد الاستقلال، وفي سنة (1386هـ 1966م) اختلف الرئيس مع الملك (موتيسا الثاني) ، فأرسل الرئيس حرسه الخاص للقبض عليه، إلا أنه تمكن من الفرار، ولجأ إلى بريطانيا ليقضي فيها بقية عمره، وتوفي سنة (1389 1969م) ، ثم انتهى عهد هذا الرئيس بانقلاب عسكري في سنة (1391هـ 1971م)[14] وبانتهاء عهده انتهت المرحلة الأولى للتاريخ الأوغندي من حيث القادة والملوك.
أما الثقافة الإسلامية فقد انتشرت مع مجيء الإسلام إلى أوغندا؛ حيث أنشئت
هناك المساجد والمدارس على نمط الكتاتيب، وكان الذي يتخرج منها يصير عضواً
فعالاً في المجمتع الإسلامي، وقد انحصرت تلك الثقافة في المبادئ التي أتى بها
المسلمون الأوائل، الذين قدموا إلى أوغندا، وتوقفت صحتها من عدمها على ما
كان يحملونه من اعتقادات واتجاهات وأفكار ومفاهيم، وكان لها الأثر البالغ في
الأجيال القادمة، التي تربت في كنفهم، وتخرجت على أيديهم. وأيّاً ما كان الأمر،
فقد انتشرت الثقافة الإسلامية عبر تعليم اللغة العربية قراءة ونطقاً: إذ هي الأساس
في معرفة الدين الإسلامي وفهم عباداته وشعائره، وقضاياه الجوهرية، ولم يكن
الاعتماد في تعليمهم إياها، على كتاب معين، إلا ما كانوا يرتجلونه من حفظهم
وسليقتهم، حيث كان أغلبهم من العرب التجار، والمصريين الذين أرسلهم حاكم
مصر (الخديوي إسماعيل) . وأما علم الفقه، فقد استقوه من بعض الكتب المختصرة
في المذهب الشافعي، التي تيسر عليهم حملها في رحلاتهم التجارية، وكان منها:
1-
سفينة النجاة. 2- إرشاد المسلمين.
…
3- الغاية والتقريب.
…
4 -
الياقوت النفيس.
…
... 5- هداية الأطفال.
…
6-
المبادئ الفقهية. 7- عمدة المالك وعدة الناسك، وغير ذلك
…
كما أنه في الرقائق والمواعظ، اعتمدوا على: تذكرة الواعظين، ودرة
الناصحين، والخطبة المنبرية لابن نباته [15] ، فاستطاعوا بذلك أن يضعوا حجر
الأساس للثقافة الإسلامية في أوغندا، الذي انطلق منه من بعدهم، فأخدت رقعة
الثقافة تتسع بكثرة طلابها، الذين وفدوا إلى مدارس هؤلاء الشيوخ لطلب العلم
والمعرفة.
والتحديات المواجهة للثقافة الإسلامية في كل مراحلها كثيرة ومتعددة، ولكنى
سأوجزها في نوعين:
1-
التحديات الداخلية:
وأعني بها التي كانت من المسلمين أنفسهم، وعلى رأسهم علماؤهم الأوائل،
فإنه على الرغم من جهودهم المشكورة، وفضلهم الكبير في نشر الإسلام في ربوع
أوغندا، إلا أنهم اصطحبوا بعض الكتب الخطيرة، التي تحتوي على البدع
والخرافات، وعلموها أبناء الإسلام الجدد، فتصور هؤلاء أن هذه الكتب من جملة
المصادر التي يُستقى منها الإسلام الصحيح، أضف إلى ذلك: أن وقع اللغة العربية
وهيبتها في نفوسهم لكونها لغة القرآن والسنة جعلهم يعتقدون أن كل ماكتب بالعربية
متصل بالقرآن، فهو إذن من الإسلام، وبالتالي: يجب توقيره واحترامه.
وهذه الكتب شكلت تحدياً كبيراً على عقيدة المسلمين الأوغنديين، وخاصة في
موضوعاتها الجوهرية، مثل:
(أ) الغلو في الرسول:
فإن المسلمين في أوغندا عرفوا نبيهم عبر الكتب التالية: كتاب المولد للبرزنجي، وهو كتاب يحتوي على قصص مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مع الغلو في شخصيته مدحاً وثناءً، وقد أصبح هذا الكتاب معظماً جدّاً؛ حيث كانت تقرأ أبوابه في المناسبات الإسلامية، وكان كل مسلم يحرص على اقتنائه، حتى الذي لا يعرف منه إلا اسمه، واستمر هذا الوضع حتى في المرحلة التي تلت تلك المرحلة.
كتاب البردة، للبوصيرى، وهو كتاب صوفي، كان صاحبه من الغلاة في
الإطراء والمدح لرسول الله، حتى إن بعض مقالاته، تصل إلى الشرك بالله
(تعالى) ، وقد كان المسلمون يحفظونه عن ظهر غيب، ويتدارسونه كل ليلة جمعة، وفي رمضان كله.
(ب) علم السحر والتنجيم:
أما التنجيم فقد استقوه من كتاب الأباجاد، وأما السحر، فقد أخذوه من كتاب شمس المعارف، وكلاهما يحتويان على الضلال والشرك بالله، فإن الأخير ذكر في خاتمته إشارات تلزم البراءة من الله (تعالى) ورسوله، وتعظم الجن والشياطين [16] . وهذا يدل على أن الثقافة الإسلامية في تلك المرحلة كانت مهددة بالسقوط والانحطاط؛ لفقدان الأساس من العقيدة والتصور السليم لحقائق الوجود وطرق التعامل معها.
2-
التحديات الخارجية:
وأعني بها: التي واجهت الثقافة الإسلامية من قبل التيارات غير الإسلامية،
التي اكتسحت البلاد بشكل كبير، وكان على رأسها الاستعمار البريطاني؛ فقد
أصيبت الثقافة الإسلامية بنكسة كبيرة، عندما احتلت بريطانيا أوغندا سنة (308
هـ 1890م) ، وفرضت الحماية عليها سنة (1312هـ 1894م) ، وحولتها إلى
مستعمرة تابعة لحكمها ونفوذها، وهذا الاحتلال اتخذ أسلوبيين من التحدي:
(أ) تعزيز البعثات التنصيرية: لقد عزز الاستعمار مواجهته للثقافة
الإسلامية بالبعثات التنصيرية التي تنافست في العمل على ارتداد الناس عن الإسلام، وعلى رأسهم الملك (موتيسا الأول) ؛ لأنها أدركت خطورة انتماء حاكم أعلى لدين
معين وخاصة الإسلام لأنه بذلك يمكنه الحيلولة دون اعتناق قومه أي دين آخر،
وفعلاً، تمكنت الإرساليتان البروتستانتية والكاثوليكية من تحويل الملك (موتيسا
الأول) عن مناصرة الإسلام وأهله، وذلك بإطلاق شائعات مختلفة، من بينها: أن
أتباعه المسلمين يكرهون إمامته في الصلاة، لأنه غير مختتن (وكان من عادات
الملوك عدم إراقة شيء من دمائهم، سواء بالختان أو بغيره) وأنه بذلك أخل بسنن
الإسلام وتعاليمه، فلما سمع الملك هذا الكلام استدعى مؤذنه ورئيس خدامه وسأله
عن ذلك، فردد على مسامعه: أنه وجميع المسلمين يكرهون الصلاة خلفه والأكل
معه؛ لأنه لم يتبع سنة الإسلام في الختان، وعلى الفور انزعج الملك بما صدر من
المؤذن، وأمر بمحاصرة المسلمين وأحرقهم أحياء في (نامغونغو)[17] ، وما أن
أحرق هؤلاء حتى أصبحت الثقافة الإسلامية، في غيابة الركود والجمود، إذ لم
يلتقطها أحد لينشرها في الأجيال الجديدة، إلا بعض من أنجاهم الله (تعالى) من فتنة
هذا الملك.
(ب) تشجيع المذاهب الهدامة، وتقديمها بديلاً عن الإسلام الصحيح:
كالقاديانية، والإسماعيلية، والبهائية وغيرها، فهذه المذاهب المنشقة عن الإسلام،
جاء بها الباكستانيون والبنغاليون والهنود، الذين استقدمتهم بريطانيا وكان أكثرهم
يحملون جنسية بريطانية لمد خطوط السكك الحديدية، وحيث إن بريطانيا كانت قد
احتلت بلادهم، فقد زاد توافدهم وهجرتهم إلى أوغندا، حتى استوطنوها، وزاولوا
التجارة فيها حتى فاقوا أقرانهم المواطنين [18] ، وبنوا مساجد ومدارس عرفت
بأسمائهم، فهؤلاء مهما أظهروا الإسلام، فإنهم يشوهونه بعقائدهم الفاسدة، وآرائهم
الباطلة، وتقديم بريطانيا لهم على المسلمين الحقيقيين، إنما يعني ذلك: التحدي
السافر للإسلام وتعكير صفو ثقافته وحضارته.
وللحديث صلة.
(1) انظر: حقائق تاريخية عن العرب والإسلام في إفريقيا الشرقية، لمحمد أحمد مشهور ص 75.
(2)
مجلة كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز، العدد (3) 1397هـ، مقال بعنوان: أوغندا قبل الحماية، لسيد عبد المجيد بكر ص67.
(3)
الأقليات المسلمة في إفريقيا: ج2/ 128، 129.
(4)
الأقليات المسلمة في إفريقيا: ج2/ 128، 129.
(5)
انظر: العالم الإسلامي اليوم، د عادل طه يونس، ص48.
(6)
انظر: مجلة منار الإسلام، شعبان 1410هـ 7.
(7)
انظر: الأقليات المسلمة في العالم، ج2 ص971.
(8)
المصدر السابق، ص11.
(9)
مجلة العلوم الاجتماعية العدد (6) ، ص21، 23.
(10)
مجلة العلوم الاجتماعية العدد (6) ، ص21، 23.
(11)
مجلة العلوم الاجتماعية العدد (6) ، ص21، 23.
(12)
مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص21، 25-30.
(13)
مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص21، 25-30.
(14)
مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص21، 25-30.
(15)
مظاهر الانحراف في توحيد العبادة، ص10، 11.
(16)
مظاهر الانحراف في توحيد العبادة، ص10، 11.
(17)
الدفاع عن أراضي المسلمين من أهم فروض الأعيان، ص92.
(18)
الأقليات المسلمة في إفريقيا، ج2/133.
المسلمون والعالم
مجاهدو مورو.. حصاد مرحلة
بقلم: التحرير [*]
تمهيد:
يسود التوتر الشديد منطقة مورو الإسلامية في هذه الأيام، ويتوقع سكانها
المسلمون والنصارى وغيرهم أن تندلع نيران الحرب المدمرة في أي لحظة، ذلك
أن حكومة (راموس) حشدت قواتها المسلحة البرية والبحرية والجوية في هذه
المنطقة، إذ إن سبعين في المئة من جنود القوات المسلحة الفلبينية قد تم نقلهم مع
أجهزتهم الحربية إلى منطقة (مينداناو) .
ومنطقة (مينداناو) هي المنطقة التي يطلق عليها المسلمون: اسم (مورو) ،
وما زالت الحكومة تنقل إليها القوات معللة ذلك بسببين، هما:
أولاً: حراسة المشاريع الحكومية في المنطقة، ومنها: اكتشاف منابع النفط،
وإنشاء الطرق، واستصلاح الأراضي الزراعية.
ثانياً: مواجهة الهجوم الموسع المتوقع من قبل (جبهة تحرير مورو الإسلامية) علماً بأن الحكومة تزعم أن أجهزة استخباراتها استخلصت معلومات أكيدة تفيد أن
مجاهدي (جبهة تحرير مورو الإسلامية) سيقومون بهجوم شامل وضربات مفاجئة،
والواقع أن حكومة الفلبين الصليبية اتخذت ادعاءها وزعمها المذكورين مبرراً لحشد
قواتها في المناطق الإسلامية؛ فبالنسبة إلى مشاريعها المذكورة: فهى مشاريع عادية
لا تحتاج إلى أكثر من مئة ألف جندي لحراستها، وأما زعمها بأن مجاهدي (جبهة
تحرير مورو الإسلامية) سيقومون بالهجوم الشامل على الفلبين فلا أساس له أيضاً،
ولكنها اصطنعت ذلك لتبرير تلك الحشود الضخمة في المنطقة، لمحاولة تحقيق
نواياها السيئة من وراء ذلك.
والسر وراء حشد القوات معروف، وهو: أن هذه الدولة الصليبية (التي
أقامها الاستعمار في منطقة الشرق الأقصى) تحاول أن تحقق نواياها القديمة، وهي
القضاء على المسلمين في المنطقة؛ لأن الصليبيين لا يستطيعون أن يتعايشوا مع
الموحدين الحقيقيين.
الأزمة الاقتصادية المتزايدة: بينما تنشر الحكومة الصليبية قواتها المسلحة في
المناطق الإسلامية، تعاني هذه المناطق أزمة اقتصادية شديدة، وقد ارتفع ثمن كل
شيء، ومن ذلك: الأرز الذي يعتبر غذاءً أساساً في المنطقة، وبطبيعة الحال فإن
الناس يكرهون ارتفاع الأسعار، ولكن هناك شيء آخر أخطر وأشد وأبغض من
ارتفاع الأسعار، وهو: ارتفاع نسبة الجرائم وانتشارها، وقد تصاعدت الجرائم مع
حشود قوات الفلبين المسلحة في المنطقة، ففي كل يوم يقتل أو يغتال عدد من الناس، وخاصة في محافظتي (ماجينداناو) و (كوتباتو) الشمالية، ولا يكاد يمر أسبوع إلا
ويكون قد خُطف أحد الأغنياء أو الموسرين، وقد انتشرت الفواحش وشرب الخمر
ولعب القمار وغير ذلك، وتدهور الاقتصاد، وانتشرت السرقة والنهب وجميع
أنواع الفساد والإفساد، بالإضافة إلى ما ذُكر: فإن الجواسيس ورجال المخابرات
الذين يقومون بأعمال تخريبية خفية وينشرون الشائعات، ويوقعون العداوة بين
الناس عن طريق الدسائس وإشعال الفتن؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى.
المناطق المحررة سالمة: أما المناطق المحررة التي يسيطر عليها المجاهدون، فلم تتأثر أبداً بسموم هؤلاء، ولم تتعرض للفساد، علماً بأن النظام المتبع فيها
نظام إسلامي، ولا يوجد فيها آثار الانحراف، ولا تمارس فيها المحرمات: كشرب
الخمر، ولعب القمار، وغيرهما من الأمور التي لا يبيحها الشرع.
الوضع الدعوي: رغم الظروف الصعبة التي تحيط بالمنطقة والحياة القاسية
التي يعيشها دعاتنا، فإن الدعوة إلى دين الله الحق تشق طريقها، فيحسن إسلام
المسلمين، ويزداد عدد المسلمين الجدد يوماً بعد يوم؛ حيث يعتنق الإسلام كثير من
النصارى والوثنيين بحب ورضا، غير أننا لا نستطيع أن نقدم إحصاءً في هذا
التقرير العاجل، ولكننا نوضح هذه الأدلة:
أدلة على تحسن إسلام المسلمين السابقين:
1-
تزدحم المساجد بالمصلين، وخاصة في القرى التي يسيطر عليها
المجاهدون.
2-
كثرة التجمعات الكبيرة للاستماع إلى المحاضرات الإسلامية، ومناقشة
المسائل المتعلقة بتعاليم الدين الحنيف.
3-
وجود آلاف مؤلفة من المسلمين في قواعد (جبهة تحرير مورو الإسلامية)
ومراكزها؛ للاشتراك في الأنشطة الإسلامية فيها.
4-
انتشار الحجاب في الجامعات العلمانية، والمؤسسات الرسمية، وفي
الأسواق والشوارع.
5-
تمسك المسلمين بعقيدة السلف الصالح، وخاصة المجاهدين منهم التابعين
لجبهة تحرير مورو الإسلامية، وتركهم البدع والخرافات.
6-
نبذ العادات والتقاليد المخالفة للإسلام.
7-
نمو عقيدة الولاء والبراء، وخاصة لدى المجاهدين.
8-
نمو الوحدة والتضامن، والتعاون على البر والتقوى.
من ثمرات الجهود الدعوية للجبهة:
1-
توافد عدد كبير من النصارى والوثنيين على المساجد الجديدة لإعلان
إسلامهم، مثل المسجد الذي بني في محافظة (بوكيد) .
2-
تسابق زعماء القبائل على تعيين خريجي الدورات الشرعية، لتعليم
المسلمين أمور دينهم، وذلك في محافظة (بوكيد) التي يقطنها سكان معظمهم وثنيون.
3-
إقامة مسجد ومدرسة في محافظة (أجوسان) على نفقة أهل الخير.
وقد فوجئ المدرسون المعينون في المدرسة: أن معظم التلاميذ الذين التحقوا
بالمدرسة من أولاد النصارى والوثنيين، الذين قالوا: إنهم يريدون أن يعتنقوا
الإسلام.
4-
وقد أسلم عدد كبير من القبائل الوثنية في محافظة (سرانجاني) ، وفي
محافظة (كوتباتو) الجنوبية، ومحافظتي (داباو) الجنوبية والشمالية، ومحافظة
(أجوسان) ومحافظة (سوريجا) ومحافظة (زامبرانجا) الشمالية، وقد حضر عدد
كبير منهم إلى قاعدة أبي بكر الصديق حيث مقر القيادة العامة للدعوة والجهاد في
سبيل الله لحضور دورات تدريبية قصيرة هناك تعقد للمسلمين الجدد.
5-
في هذه الأيام يتوافد على قاعدة أبي بكر الصديق عدد من المسلمين الجدد
الحاصلين على الشهادات الجامعية، لأداء الخدمة في التمريض، وفي الزراعة،
وغيرهما، ولتلقي الدروس الإسلامية.
وما ذكر أمثلة فقط للإنجازات والأنشطة الدعوية التي تشرف عليها (جبهة
تحرير مورو الإسلامية) .
الوضع الجهادي:
كان مجاهدونا منذ عام 1970م يلجؤون إلى ما يسمى حرب العصابات، أو
حرب الكر والفر؛ بسبب قلة الإمكانات الحربية، وليست لديهم أماكن ثابتة، فكانوا
يتنقلون في المناطق الجبلية الغابية، وظلوا على هذا الحال قرابة عشرين عاماً.
وقد بدأ الوضع يتغير منذ عام 1990م إلى وقتنا الحاضر، وشهدت هذه الفترة
تصاعداً كبيراً على صعيد المواجهات المسلحة بين مجاهدينا والقوات المسلحة
الفلبينية، وكانت معظم المواجهات لصالح المجاهدين (والحمد لله) .
وكانت بداية المواجهات التي انتصر فيها مجاهدونا حول قاعدة أبي بكر
الصديق في عام 1990م، واستمرت المواجهات الحربية المتقطعة إلى عام
1993م، وفي عام 1994م كانت المواجهات الحربية في محافظة (كوتباتو) الشمالية، في بلدية كل من (كارمين) و (أليوسان) و (بانيسيلان) .
واستولى مجاهدونا على ثلاث من القرى التي يستوطنها النصارى، وفي عام 1995م حشدت الحكومة سبعين في المئة من جنود قواتها المسلحة في المناطق الإسلامية، وحاول الجنود الصليبيون أن يحاصروا قاعدة أبي بكر الصديق حيث المقر الرئيس للقيادة العامة لجبهة تحرير مورو الإسلامية كما حاولوا أيضاً أن يحاصروا قواعدنا العسكرية الأخرى، وتقدم مجاهدونا لملاقاة جنود العدو الذين كانوا على أهبة الهجوم الموسع، وعندما شعر العدو أن مجاهدينا قد أتموا سيطرتهم على جميع الأماكن الاستراتيجية في الميدان، وأن جنوده محاصرون: بادر رئيس أركان القوات المسلحة الفلبينية الجنرال (أرتورو إينريلي) بإصدار أوامر إلى قواته المسلحة بالانسحاب، وانسحب جنوده فعلاً، وأما مجاهدونا فبقوا في مواقعهم ولا يزالون ثابتين فيها حتى الآن، وتقدم بعضهم قليلاً.
آثار انسحاب الجنود الصليبيين:
كان لانسحاب الجنود الحكوميين آثار طيبة في وضع الجهاد بخاصة، وفي
وضع المسلمين بعامة، وأهمها ما يلي:
1-
رفع معنوية المسلمين المستضعفين الذين اعتادوا الهروب أمام جنود
الكفار، وهذه هي المرة الأولى في هذه البلاد منذ خمس وعشرين سنة أن ينسحب
عشرات الآلاف من جنود الكفار أمام المجاهدين، وكان المألوف أن يهرب الناس
أمام هؤلاء الجنود.
2-
ارتفاع الأمل في النصر، وقد كان كثير من المسلمين المستضعفين يرون
أن النصر على جنود الحكومة المزودين بالأسلحة المتطورة أمر صعب، وبعيد
الوقوع، ولكن عندما رأوا أن عشرات الآلاف من الجنود الصليبيين مع دباباتهم
ومصفحاتهم ومدافعهم الثقيلة ينسحبون أمام المجاهدين: تيقنوا بأن النصر ممكن،
وليس بعيداً.
3-
أن النصارى المستوطنين في بلاد المسلمين فقدوا ثقتهم بجنود الحكومة،
ويخشون الآن ألاّ يستطيع هؤلاء الجنود حمايتهم.
4-
زعماء النصارى يتصلون بقادة الجهاد للتفاهم معهم، ويطلبون الأمان
منهم.
5-
تغيرت معاملة النصارى مع المسلمين إلى الأحسن، فكان هؤلاء ينظرون
إلى المسلمين نظرة احتقار، والآن أصبحوا يحترمونهم.
6-
تغيرت معاملة الجنود، ورجال الشرطة مع المسلمين في المدن إلى
…
الأحسن، فأصبحوا الآن ينظرون إلى المسلمين نظرة احترام وإعزاز.
7-
توقفت الأعمال الوحشية التي يقوم بها النصارى المسلحون أو الميلشيات
النصرانية ضد المسلمين.
وقد تبين عندنا الآن أن القتال الذي يكرهه كثير من المسلمين هو خير لهم،
…
وأن المفاوضات السلمية التي يميل إليها كثير منهم هو شر لهم.
المرحلة الحاسمة:
لقد وصل جهادنا اليوم إلى مرحلة حاسمة، فقد كان مجاهدونا كما ذكر
يلجؤون إلى حرب العصابات، لقلة إمكاناتهم، ولأنه لم تكن لهم قواعد ومواقع ثابتة.
قواعدنا ومعسكراتنا ثابتة:
ولكن لدينا الآن بحمد الله قواعد ومعسكرات عسكرية ثابتة وبعضها معروف
لدى العدو، ومجاهدونا يقفون وجهاً لوجه مع جنود العدو في حدود البلديات والقرى
التي نسيطر عليها.
وقد حاول جنود العدو أن يستولوا على قواعدنا العسكرية ومعسكراتنا منذ
أربع سنوات، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع (ولله الحمد والمنة) ولا يزالون
يحاولون حتى الآن أن يستولوا على مناطقنا المحررة، وأن يحسموا المواجهة
المسلحة لصالحهم، ولكن بعون الله وفضله يتقدم مجاهدونا شيئاً فشيئاً إلى الأمام
لتحرير مزيد من أرضنا المحتلة.
حرب العدو النفسية:
بعد المساجلة العسكرية الملحوظة في هذه الفترة لجأ العدو إلى الحرب النفسية
والدعائية، ونشر الشائعات، وإيقاع العداوة بين الناس، وإلى نشر الفساد والإفساد
من إشاعة الخمور وأماكن اللهو.. لأن العدو ما زال يسيطر على جميع وسائل
الإعلام، وتتعاون معه قصداً ومن غير قصد بعض وسائل الإعلام الإسلامية.
دور علماء مورو المسلمين:
أصدر علماء مورو بياناً منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، أوضحوا في مقدمته: أن
مسلمي مورو لم ينهزموا أمام الاستعمار في جهادهم الذي استمر أربعة قرون،
ولكنهم فقدوا وطنهم بسبب المؤامرات ضدهم والمفاوضات السلمية التي أدت إلى
إلحاق بلادهم بدولة الفلبين الصليبية، وصرحوا بأنه لا حل لمشكلة مسلمي مورو
إلا بإعادة استقلال بلادهم استقلالاً تامّاً مع سيادة الدستور الإسلامي من خلال حكومة
إسلامية تحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وإذا لم يتحقق الهدف المذكور، فسوف
يواصل مسلمو مورو جهادهم جيلاً بعد جيل إلى أن يتم استقلال بلادهم مع قيام حكم
الله فيها.
وقد هز البيان الفلبين كلها، وكان دويه أقوى من دوي القنابل، وقد عقد
(راموس) اجتماعاً طارئاً بخصوص البيان المذكور.
أما الحكم الذاتي فلن يحل المشكلة مهما كان نوعه، لأن المسلمين لن يطيقوا
استمرار الحياة في ظل دستور الفلبين وقوانينها الوضعية الجائرة، ويجب على
المسلمين أن يقيموا حكم الله وشرعه، ولن يتم ذلك في ظل الدستور الفلبيني
الوضعي، لذلك: أصبح الجهاد فرض عين على مسلمي مورو.
فشل سياسة العدو:
لقد أدرك العدو الصليبي ذلك، وأدرك أن عمليات القمع والاضطهاد والظلم
والإرهاب لن تمنع المسلمين من مواصلة جهادهم، كما أدرك كذلك أن المكر والكيد
والخداع لن يفيده في معاملته مع المسلمين، كما علم أيضاً أن سياسة الاستعمار
القديمة وهي (فرق تسد) لن تؤثر على المسلمين.
وإذا كان العدو يريد أن يحسم الأمر لصالح الاستقرار والأمن فلم يبق أمامه إلا
أمران فقط:
إما أن ينسحب من المناطق الإسلامية، ويترك المسلمين أحراراً ليعيدوا بناء
دولتهم المغتصبة وهو الخيار السهل.
وإما أن يحارب المسلمين بقيادة (جبهة تحرير مورو الإسلامية) ، والعلماء
الأحرار والأخيار، وخيرة المسلمين من الدعاة والمربين والمجاهدين والمثقفين،
ويعلم العدو أن (جبهة تحرير مورو الإسلامية) تملك الآن قوة عسكرية لا بأس بها،
وأن مجاهديها قد تضاعف عددهم، وتحسنت أوضاعهم العسكرية.
هل يتم الحسم:
إن (جبهة تحرير مورو الإسلامية) تعتبر هذه السنة مرحلة حاسمة في جهادها
الطويل، وتتوقع قيام حرب واسعة النطاق بينها وبين حكومة الفلبين، فقد أعد كل
فريق عدته وحشد قواته، وكل فريق يبذل أقصى الجهد لحسم المواجهة المتوقعة
لصالحه، لهذا نقول: إن جهادنا في سبيل الله وصل الآن إلى مرحلة حاسمة،
ونسأل الله أن يكون الحسم لصالح الإسلام والمسلمين.
(*) من تقرير عن أوضاع المسلمين في مورو، صدر عن جبهة تحرير مورو الإسلامية، وكتب أصله رئيس الجبهة الشيخ (سلامات هاشم)(بتصرف) .
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
- البيان -