المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صفحة في الأدب - مجلة البيان للبرقوقي - جـ ١٦

[البرقوقي]

الفصل: ‌صفحة في الأدب

‌صفحة في الأدب

حدث أبو سعيد الخدري قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إني أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها - قال - فقال رجل أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله - قال - فسكت عنه رسول الله ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح عنه الرحضاء وقال أين هذا السائل وكأنه حمده. فقال إنه لا يأتي الخير بالشر. وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا الويلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى المسكين واليتيم وابن السبيل (أو كما قال رسول الله) وإن من يأخذه بغير حقه فهو كالآكل كل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة.

قال الأزهري: في هذا الحديث مثلان ضرب أحدهما للمفرط في جمع الدنيا مع منع ما جمع من حقه: والمثل الآخر ضربه للمقتصد في جمع المال وبذله في حقه - فأما قوله صلى الله عليه وسلم وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا فهو مثل الحريص والمفرط في الجمع والمنع وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب التي تحلو ليها الماشية فتستكثر معها حتى تنفتخ بطونها وتهلك كذلك الذي يجمع الدنيا ويحرص عليها ويشح على ما جمع حتى يمنع ذا الحق حقه منها - وأما مثل المقتصد المحمود فقوله إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصراتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم وقعت - وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول التي تستكثر منها فتهلكه أكلاً ولكنه من الجبنة التي ترعاها بعد هيج العشب ويبسه - قال - وأكثر ما رأيت العرب يجعلون الخضر ما كان أخضر من الحلى الذي لم يصفر الماشية ترتفع منه شيئاً فشيئاً ولا تستكثر منه. فلا تحبط بطونها عنه - قال - وقد ذكره طرفة فبين أنه من نبات الصيف في قوله:

كبنات المخر يمأدن إذا

أنبت الصيف عساليج الخضر

فالخضر من كلأ الصيف في القيظ وليس من أحرار بقول الربيع والنعم لا تسترسله ولا تحبط بطونها عنه - قال - وبنات مخر أيضاً وهي سحائب يأتين قبل الصيف: فضرب النبي آكلة الخضر مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يسرف في فمها والحرص عليها وأنه ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر إلا تراه قال فإنها إذا أصابت من الخضر استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت وإذا ثلطت حبطها وإنما تحبط الماشية إذا لم تثلط ولم

ص: 18

تبل وأتطمت عليها بطونها. وقوله إلا آكلة الخضر معناه لكن آكلة الخضر وأما قول النبي إن ذها المال خضرة حلوة ههنا الناعمة الغضة. وحث على إعطاء المسكين واليتيم منه مع حلاوته ورغبة الناس فيه ليقيه الله وبال نعمتها في دنياه وآخرته.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين متين فأوغل فيه يرفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

قال صاحب اللسان في مادة وغل وذكر الحديث - يريد سرفيه برفق وأبلغ الغاية القصوى منه بالرفق لا على سبيل التهافت والخرق ولا تحمل على نفسك وتكلفها مالا تطيقه فتعجز وتترك الدين والعمل. وقال في أمثال الميداني وذكر بين أمثاله قول النبي إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى - قال المنبت المنقطع عن أصحابه في السفر والظهر الدابة قال هذا رسول الله لرجل اجتهد في العبادة حتى هجمت عيناه أي غارتا.

ومن كلمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل. ولباب هذا القمح. ونسائج هذا القز. ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة. ولعل بالحجاز وباليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً وحولى بطون غرثي وأكباد حرى. أو أكون كما قال القائل:

وحسبك عاراً أن تبيت ببطنه

وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها. أو المرسلة شغلها تقممها. تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى. أو أمهل عابثاً. أو أجر حبل الضلالة أو أعتسف طريق المتاهة.

وقال الحسن البصري حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، وأقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنكم أن لا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية.

قوله حادثوا مثل ومعناه أجلوا واشحذوا نقول العرب حادث فلا سيفه إذا جلاه وشحذه. والدثور الدروس يقال درس الربع إذا انمحى. ومعنى ذلك تعهدوها بالفكر والذكر. وقوله فإنها طلعة يقول كثيرة التشوق والتنزي إلى ما ليس لها. ويقال للجارية إذا كانت تبرز

ص: 19

وجهها لترى حسنها تخفيه لتوهم الحياء خبأة طلعة.

ص: 20