المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً أما بعد - مجلة البيان للبرقوقي - جـ ٢٥

[البرقوقي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً أما بعد

بسم الله الرحمن الرحيم

وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً

أما بعد فأنّا نستأنف اليوم العدد الرابع لهذه المجلة باسم الله عز اسمه وبعونه جلّت قدرته. ولعلنا فرغنا بما كتبناه لفواتح السنين المواضي من القول في شرح ما نستهدف له من عذاب واصب وجهد ناصب وما تقدم عليه من خطر أليم وهم مقعد مقيم ثم ما نشكوه لا ما نشكره وما تقرّبه الأمة من صبرنا ولا تنكره ثم ما لا نهاية له من هذا الباب الذي يفتح من صاحب المجلة على خراب ومن أكثر القراء في مصر على قيعة وسراب فاللهمّ عونك على المصيبتين المصريتين: الأدب والعلم لا يكثر قراؤهما والقراء على هذه القلة ولاسيما الأغنياء همو همو. . .

على أننا لا نزال نقول إن قراء البيان هم خاصة القوم وأدبائهم وأهل العلم فيهم وذوا النعرة الصحيحة منهم ونرى حقاً علينا أن نزلف لهم الشكر محضاً وأن نخصهم بالثنء كله فقد آذرونا وشدوا منا وحملوا عنا أكثر المؤنة في هذه الصناعة ولولا ذلك منهم لما بقى البيان حيث هو ولا قريباً مما هو ولا استطعنا في هذه الضيقة أن نتسع فيه على حين أن كثيراً من المجلات الراقية إن شرقية وإن غربية قد دفنت من جراء الحرب في غلافها أو انتقضت من أطرافها أو اقتصرت على كفافها - فأننا على ذلك قد أخرجنا وسنخرج البيان مرتين في الشهر وجعلنا وسنجعل كل عدد 64 صفحة متقنة فتلك مائة وثمانة وعشرون صفحة نجهد لها بين الهلالين وما هي في أثرها علينا بالشيء القليل ولا بالخطر الهين وإنها لتستنفذ الوسع في هذا الضيق وتستفرغ جهد الطاقة في هذا العسر من المطيق ولكن البيان بقرائه الفضلاء وهم والحمد لله وله المنة بين كافٍ ووافٍ ومن ذي عهد وذمة إلى ذي كرم وهمة وكلهم كما عرفنا ضنين بالبيان حريص أن يصل إليه مبسوط الراحة له مقبوض اليد عليه. غير أن منشأ البلية أن ينصرف سواد القارئين من أغنيائنا وأولاد أغنيائنا - وهم المادة والعدّة - على السخف والسفه وإلى ما لا خير فيه ولا خير منه لأحد ولا لأنفسهم ثم يجمدوا على ذلك جموداً لقصط لا يترك فيه قطرة من الحياء تندى فلا يبالون أن ترى وجوههم أقفاء في كل ما يسوق إلى غير الفسوق ولا يأنفون أن يجروا مع الرغاء في مضمار لا يقال السابق السابق في الجواد ولكن السابق السابق فيه الأعيار. . ولا عليهم بعد ذلك من الأدب إن نفق أوكد وصحّ أو فسد وهبّ أو ركد ولا من العلم إن دار

ص: 1

أو بار وظهر أو غار وكأنهم عفا الله عنهم لا يجدون الشرف الصاعد إلاّ في تلك المقاعد ولا يحتاجون من أمتهم لغير خدمتهم ولا يخشون على أنفسهم التلف إلا متى قلّ العلف. . . فإذا كانت النهضة لأهوائهم طاروا وإن كانت لآدابهم تبلدوا وحاروا وإذا قيل الهزل والطرب أقبلوا إقبالاً شديداً وإذا قيل العلم والأدب وقفوا منها بعيداً. على أنهم ويا أسفا من الأمة هامات وفي الأمة قامات وفي عدد الأمة رقاب وفي تاريخ الأمة نعوت وألقاب. فواهاً لك أيتها الأمة المصرية ويا لهف الأنفس المشفقة عليك.

وعلم الله لو أن عشرة من هؤلاء الأغنياء أو واحد منهم أو ابن واحد منهم كان رقيق الإحساس شريف النزعة صحيح الغيرة وافر الإخلاص يعرف من حق الأمة عليه ويستيقن ما يعرفه فينظر إلى المجلات النافعة في مضر ويعينها بعض العون على ما تعالج ويثبت بذلك أن في أغنيائنا من يكون لأمته بعمة بين المصائب وإن الكنانة مهما خلت لا تخلوا من سهم صائب.

إذن لأهدينا من البيان محاسن الأدب مجموعة وجعلناه من الطلاب كفاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فوهبنا الكثير منه معونة للطلبة الفقراء ووسعنا من فوائده على القراء وأطلعناه في الكمال مطلع البدر ونشرناه كما يعم الشرق نور الفجر ولا والله ما تنقصنا الرغبة ولا تعوزنا المادة ولا يضيق بنا الإخلاص ولا يحوجنا شيء من ذلك إلى عذر نتعلل به أو نتعلق عليه ولكنا نقبل وأكثر الناس معرضون ونبسط يدنا في مالنا وهم يقبضون.

على أننا لا ندري لم لا تعتبنا حكومتنا السنية أيّدها الله وهي منا بمكان الوصي من القصر وهي دائبة على تعليم الأمة وإرشادها وهي تعرف ما تؤديه مجلة مثل البيان وما لها من الأثر الظاهر في تقوية النهضة الأدبية وما توسع على الأمة في آدابها وثروتها العقلية - لم لا تعتبنا أعزها الله وتعتب الأمة فتنظر كذلك للمجلات المصرية الصالحة وهي لا تبلغ أصابع اليد الواحدة فتحيط أصحابها بشيء من العناية وتقدر عملهم للأمة وحاجة الأمة إليهم وتعمل على أنهم فئة كهؤلاء الممثلين والموسيقيين الذين يقذفهم برد أوربا كل شتاء فتدفعهم بذهبها. فإن لم يبلغوا أن يكونوا كذلك في الاعتبار وكان بينا وبينهم ما بين الشرق والغرب فلا أقل مما يكون أصحاب المجلات المصرية الكبرى في رأي الحكومة كأصحاب الكتاتيب. . .

ص: 2

على أن هناك نظارة المعارف ومدارسها ومجالس المديريات ومعالمها ونظارة الأوقاف ومعاهدها وحسبنا مدار في تلك المدارس ومجال في تلك المجالس وما نسأل حكومتنا إلا ما هو أشكل بها في ترقية الأمة وأشمل لمذهبها في التعليم واقرب إلى أغراضها السامية فيما إلى ذلك.

وبعد فهذا هذا ونحن فأنا نعد مصر والمصريين وسائر قراء العربية في سائر الأقطار أنا لا نألو جهداً ولا نذخر وسعاً في الاحتفاظ بالبيان والمضيّ في سبيلنا مهما كانت العوائق معوّلين في هذا الأمر عليّ الله جل شأنه ثم علي ما تفضل علينا من قوة المبدأ وقوة الإرادة وقوة الثبات وعلى ما تفرد به قراؤنا الأفاضل من الغيرة الصحيحة والأخلاق النبيلة الصريحة وحسبنا الله ونعم الوكيل.

عبد الرحمن البرقوقي

ص: 3