المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 37 فهرس المحتويات 1- المجلة في عامها العاشر 2- نظرات في كتاب - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 37 فهرس المحتويات 1- المجلة في عامها العاشر 2- نظرات في كتاب

‌العدد 37

فهرس المحتويات

1-

المجلة في عامها العاشر

2-

نظرات في كتاب الله الكريم: لفضيلة الشيخ حسين محمد المصري

3-

أهل الكتاب في القرآن الكريم: لفضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم

4-

مفهوم الجرجاني للإعجاز القرآني: لفضيلة الدكتور أحمد جمال العمري

5-

ملامح المجتمع الإسلامي: لفضيلة الشيخ محمد السيد الوكيل

6-

الإنسان.. والعصيان..! : لفضيلة الشيخ عبد الفتاح عشماوي

7-

الإجماع في الشريعة الإسلامية: لفضيلة الدكتور رشدي عليان

8-

العبادات في الإسلام وأثرها في إصلاح المجتمع: لفضيلة الدكتور محمود السيد شيخون

9-

التشريع الإسلامي: صالح للتطبيق في كل زمان ومكان

10-

حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي: لفضيلة الدكتور عبد المنعم حسنين

11-

رسائل لم يحملها البريد: لفضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

12-

صفات ربنا حقيقة على الوجه اللائق بكماله: لفضيلة الشيخ محمد المجذوب

13-

تنبيه.. وتحذير..: لفضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري

14-

الشعر في ضوء الشريعة الإسلامية: الشيخ محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل

15-

القدس: للطالب سامي بن رضوان

16-

من آيات الله في الآفاق: للطالب محمد الأمين ولد الشيخ

17-

كلية الحديث: للطالب أحمد بن حسن المعلم

18-

طه حسين حياته.. وأدبه.. في ميزان الإسلام

: لفضيلة الشيخ إبراهيم محمد سرسيق

19-

حكم التعقيم

وقطع النسل: لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد بن باز

20-

أخبار الجامعة

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 393

المجلة في عامها العاشر

نحمد الله على آلائه ونسأله أن يصلي ويسلم ويبارك على أفضل رسله وخاتم أنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبهذا العدد دخلت المجلة عامها العاشر مخلفة وراءها تسعة أعوام من عمرها تضمنت أعدادها الستة والثلاثون مقالات جيدة وبحوثا مفيدة في جوانب مختلفة في الثقافة الإسلامية وتعتبر هذه المجلة جزءا مما تؤدي به الجامعة رسالتها في تبليغ الدعوة الإسلامية والحث على اتباع طريقة السلف الصالح في السير على نهج الكتاب العزيز والسنة المطهرة واعتبارهما مصدر كل خير وأساس كل صلاح وإصلاح وإنه لا سعادة في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا في الاستضاءة بنورهما وامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما.

ونأمل أن يجد القراء في مستقبل أيام هذه المجلة تحولا من حسن إلى أحسن ومن جيد إلى أجود وأن يكون نفعها عظيما وفائدتها شاملة.

نائب رئيس الجامعة الإسلامية

عبد المحسن بن حمد العباد

ص: 394

حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي

لفضيلة الدكتور عبد المنعم حسنين

كثر الحديث في السنوات الأخيرة حول إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وتنقيته من الشوائب التي علقت به بفعل المستشرقين وأعداء الإسلام من غير المسلمين ومن المنتسبين إلى الإسلام.

وقد انعقدت مؤتمرات في دول مختلفة إسلامية وغير إسلامية لبحث كيفية إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بعامة وكتابة تاريخ جزء من أجزاء العالم الإسلامي بخاصة، ويسر الله لي الاشتراك في أكثر المؤتمرات التي عقدت لبحث هذا الموضوع البالغ الأهمية وأن أسهم في المناقشات التي دارت وفي إعداد البحوث التي قدمت متضمنة اقتراحات معينة رأى مقدموها أنها تفيد في إلقاء أضواء على جوانب الموضوع المختلفة حتى تكون التجربة الجديدة محققة للهدف المنشود، وبعيدة ما أمكن عن أخطاء التجارب السابقة.

ولا أريد التحدث عن المؤتمرات التي حضرتها واشتركت في مناقشتها وبحوثها لأن هذا يحتاج إلى حديث طويل غير أني أرى واجبا عليَّ أن أسجل ملاحظاتي على مثل هذه المؤتمرات وبخاصة ما عقد منها في بعض الدول العربية.

ص: 395

وأول ما لاحظته في هذه المؤتمرات أن المدعوين إليها خليط من المسلمين ومن غير المسلمين، بل إن بعض المدعوين لهم كتابات معادية للإسلام ومنهم أشخاص من ورثة الصليبيين الذين يدرِّسون التاريخ الإسلامي بِنِيَّة منعقدة على جمع المطاعن وتلفيق الأباطيل ضد الإسلام وحقائقه الناصعة وهم بذلك يتنكرون للمنهج العلمي الصحيح الذي يحرص على بيان الحقائق وعرضها دون أن تمزج بمرارة الحقد والتعصب، فكيف يدرس هؤلاء إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وتنقيته مما علق به من الشوائب، وهم الذين أسهموا في تشويه الحقائق أو طمسها؟!.كيف يبحث غير مسلم التاريخ الإسلامي ويكون منصفا في دراسته؟!..كيف يقول شخص من ورثة الصليبيين كلمة الحق في التاريخ الإسلامي وهو الذي يحرص على رمي الإسلام بتهم باطلة ظالمة؟!. إن إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وتنقيته من أباطيل هؤلاء الأعداء المغرضين أمر لازم ينبغي أن يتم في أقرب وقت ممكن ولكنه أمر يجب أن يضطلع به باحثون مسلمون مخلصون يؤمنون بالله ورسوله، وينبغي أن يبعد عنه أعداء الإسلام سواء من كان منهم من غير المسلمين أو من كان ممن ينتسبون إلى الإسلام، حتى يراقب هؤلاء الباحثون الله في أثناء كتابتهم للتاريخ الإسلامي.

نحن لا نطالب إلا بإثبات الحقائق خالصة من كل زيف، غير متأثرة بأي هوى، وهذا ما يتفق مع المنهج العلمي الصحيح، لأن إثبات الحقيقة العلمية هو غاية الدارسين المخلصين الصادقين. أما تشويه الحقائق، والتشكيك فيها، فأمر لا يتفق مع المنهج العلمي السليم، وليس من العلم في شيء.

ص: 396

والعجيب أن كثيرا من الدارسين في البلاد الإسلامية يتشدقون بضرورة فصل العلم عن الدين، ويطالبون بإعطاء المستشرقين وأشباههم حق الاشتراك في إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وأن يصدروا من الأحكام ما تنتهي إليه دراستهم دون خوف مما يكتبون، وما يصدرون من أحكام، ونقول لهؤلاء إن ما يقولونه غير صحيح لأن غير المسلمين لا يمكن أن يكونوا منصفين في بحثهم، ولن يستطيعوا أن يتخلوا عن أهوائهم، وأن يتخلصوا من كرههم للإسلام وهم يحاولون إعادة كتابة التاريخ الإسلامي مهما أعلنوا حيادهم، أو تظاهروا بحبهم لإثبات الحقائق العلمية، دون تأثر بأي عامل من عوامل التأثير.

إن هؤلاء كاذبون مضللون يريدون أن يخدعُوا المسلمين بزخرف القول ومعسول الكلام ليضعوا السُّم في العسل ويمزجوا تاريخ المسلمين بما تكنُّه صدورهم من حقد وعداوة، وقد سألت أحد هؤلاء الكاذبين المضللين هل يقبل أن يكتب مؤرخ مسلم تاريخ النصرانية أو تاريخ الكنيسة؟ فبهت الذي كفر. وأمسك عن الجواب، فقلت له أرأيت كيف أنكم تبيحون لأنفسكم ما لا تبيحونه لغيركم؟ وإذا كتب مسلم تاريخ الحروب الصليبية، أو تحدث عن الكنيسة أوسعتموه نقدا بألسنة حداد مع ما عرف به المسلمون من التسامح وعدم التعصب.

ص: 397

ولكن العيب ليس عيب هؤلاء المؤرخين غير المسلمين من المستشرقين وورثة الصليبيين الذين يشاركون في المؤتمرات التي تعقد لبحث إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وإنما هو عيب من يمكنون لهم من حضور مثل هذه المؤتمرات، والأشدّ عيبا أن يدافع بعض من ينتسبون إلى الإسلام عن حضورهم، وضرورة الاستماع إلى آرائهم وإشراكهم في المؤتمرات التي تعقد في البلاد الإسلامية، بل وفي المطالبة بإشراكهم في كتابة التاريخ الإسلامي من جديد، بحجة أنهم علماء ذوو خبرة، وأن الكثيرين من أساتذة التاريخ في البلاد الإسلامية قد تتلمذوا على أيديهم. أما التشدق بأنهم علماء فمن المسلَّم به في منهج البحث العلمي أن العلم لا يفسده شيء كما يفسده التعصب فلا فائدة من علمهم بعد أن أفسده تعصبهم ضد الإسلام والمسلمين.

وأما أن كثيرا من المؤرخين المسلمين في العصر الحديث قد تتلمذوا على أيدي غير المسلمين من المستشرقين والمستعمرين وورثة الصليبين فإن هذا الأمر قد أفسد العديد من هؤلاء المؤرخين الذين ينتسبون إلى الإسلام، ويرددون آراء أعداء الإسلام، فجعلهم يسيئون إلى التاريخ الإسلامي أكثر مما يسيء إليه غير المسلمين.

ص: 398

والواقع أن البلاد الإسلامية يجب أن تغير النظر في سياسة الإبتعاث إلى الخارج فلا ترسل إلى أوربا وأمريكا مثلا أشخاصا لدراسة العلوم الإسلامية المختلفة لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان هذا الأمر قد حدث في وقت سيطرة الاستعمار على كثير من الدول الإسلامية فينبغي على هذه الدول بعد التخلص من سيطرة الاستعمار سياسيا وعسكريا، أن تتخلص من سيطرة الاستعمار ثقافيا، وأن تعمل على محو كل أثر من آثار هذه السيطرة الثقافية لأنها أشد خطورة وأعمق أثرا، فلا ترسل إلى أوربا إلا من يريدون دراسة علوم بلغت في هذه البلاد شأواً لم تبلغه بعد في بلادنا الإسلامية، على أن تكون هذه مرحلة مؤقتة تنتهي بانتهاء الأسباب التي دفعت إليها، أما أن ترسل الدول الإسلامية أشخاصا لدراسة التاريخ الإسلامي أو أي علم من العلوم الإسلامية المختلفة في أوربا أو أمريكا فهذا أمر يجب إيقافه ووضع حد له.

وصفوة القول أن تاريخنا الإسلامي في حاجة إلى أن تعاد كتابته وصياغته بحيث يخلو من الشوائب التي علقت به، وبحيث يوضح تاريخ المسلمين في عصورهم المختلفة بكل جوانبه، وبكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، لأننا محتاجون إلى معرفة تاريخنا الإسلامي والاستفادة من أحداثه، وأخذ العبرة من هذه الأحداث، والأخذ بالأسباب التي أدَّت إلى الرقي والازدهار، وتجنب العوامل التي أدت إلى الضعف والاندحار والسير على هدى وبصيرة.

لقد أقام المسلمون حضارة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في سمو الأخلاق ونبل الأهداف حين كانوا متمسكين بكتاب الله، مطبقين لأحكام الله، ومهتدين بهدى خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه، فلما تركوا كتاب الله وهدي نبيه وراءهم ظهريا، تبدلت أحوالهم وأصاب الضعف بلادهم وتلك سنة الله في خلقه {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .

ص: 399

إن المؤرخين المسلمين المخلصين قادرون بعون الله على إعادة كتابة تاريخهم وتنقيته من الزيف والأباطيل التي ألقى بها أعداؤهم من المستشرقين والمستعمرين وورثة الصليبين وأذنابهم ممن ينتسبون إلى الإسلام، وهم يستطيعون الرد على هؤلاء الأعداء وإخراس ألسنتهم الحاقدة، وتوضيح الحقائق وبيانها لشباب المسلمين، ليستشعروا العزة والكرامة، ويعملوا على إعادة بناء حضارتهم على هدى وبصيرة.

إن الجامعة الإسلامية وهي تحتضن دارسين من أكثر من ثمانين دولة تستطيع أن تربي جيلا من المؤرخين المسلمين المسلحين بالعلم بأمور دينهم وبالخلق القويم، وبالوعي الكامل بحقائق التاريخ الإسلامي، وبالمنهج العلمي الصحيح، ويستطيع هؤلاء المؤرخون المسلمون الصالحون المؤهلون تأهيلا صحيحا أن يعيدوا كتابة التاريخ الإسلامي كتابة صحيحة وينقوه من الشوائب والأباطيل لينتفع بحقائقه المسلمون في سائر أنحاء العالم.

إن الشيء الذي يهم المسلمون جميعا أن يكتب التاريخ الإسلامي كتابة صحيحة ولسنا متعجلين في كتابته، المهم أن نبدأ وأن نسير بخطى ثابتة على هدى وبصيرة، معتمدين على الله، واثقين في نصره وتأييده.

إن علينا أن نعمل بجد وإخلاص حتى نصل إلى الهدف المنشود، والغاية المرجوة {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

وبالله التوفيق.

ص: 400

رسائل لم يحملها البريد

لفضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

تلميذي العزيز:

كتبت إليّ تقول: لقد أنهيت دراستي الثانوية، وأصبحت طالبا جامعيا، وإني لأرى المقررات واسعة ذات شعب، وأن عليّ أن أدرس ساعات طويلة خارج قاعات المحاضرات، فأرجو أن تقدم إليّ شيئا من النصح، وأن تزوّدني ببعض التجارب.

تلميذي العزيز:

لو كنت أعلم أنك قد دخلت الجامعة طمعا في شهادة تكسب بها الرزق، وتنال بها الوظيفة، ثم لا يهمك بعد ذلك علم ولا يشوقك بحث، ما كتبت إليك نصحا، ولا تحدثت إليك عن تجربة.

ولكني عرفتك على مقاعد الدراسة ذا حياة ونشاط وفطنة، وعرفتك في البيت ذا نفس طُلَعة، تجد خير متعة لها أن تقرأ، وخير محدث تصغي إليه الكتاب.

وذلك _ لا شك _ ينبئ برغبة صادقة في العلم، ونزعة فطرية إلى البحث وأول ما يقوم عليه نجاحك في الدراسة هذه الرغبة التي لها بين جنبيك حسيس وغليان، ثم هذا الإحساس الفطريّ غير المتأثر بعوامل خارجية.

أما أولئك الذين يدرسون بعوامل من الخارج، كأن يكون ذلك خوفا من رسوب وهربا من خزي، أو حرصا على مرضاة أهل وأقارب، أو منافسة للأنداد ومفاخرة في المجالس، أو تصيدا لمناصب الدولة، فقد تكون دراستهم ذات نفع، وقد تكون بحوثهم ذات قيمة، ولكن عطاءهم سرعان ما يؤول إلى انقطاع، كما تلمع البروق في السماء، وكما تسقط الشهب على الأرض.

تلميذي العزيز:

لا بد لك في مطلع عامك الدراسي من جدول تسير عليه، إذا ما كنت خارج قاعات المحاضرات، وأنهيت دوام الحصص اليومية.

ص: 401

وأنت نفسك الذي ينبغي أن تنظم هذا الجدول، وأن توزع ساعات قراءتك ودراستك على موادك العلمية المقررة، ولا يستطيع أحد غيرك أن ينظم هذا الجدول لك، لأن الساعات التي تجعل للدراسة تطول وتقصر حسب قدرة الطالب عليها، واستعداده لها، ورغبته فيها، فأنت أدرى بقدرتك واستعدادك وما عندك من رغبة وإقبال.

ومهما يكن من أمر فإني أنصح لك ألا تقلّ ساعاتك التي تتفرد بالدراسة عن أربع ساعات كل يوم، على أن يفصل بينها وليس منها أوقات عبادتك وطعامك وراحتك، ولا تنس أن توفر لنومك الهادئ المطمئن ساعات كافية وافية.

على أن الدراسة ليست بكثرة الساعات ولكن بمقدار ما تفيد وتنفع، فهناك طلاب يضطرون إلى أن ينفقوا بعض أوقاتهم في أعمال يكسبون بها الرزق ولا يخصّون الدراسة إلا بساعات قليلة، ومع ذلك تراهم يفوقون طلابا متفرغين للدارسة ليس لهم ما يشغلهم عنها.

وهناك طلاب أذكياء يقرءون بسرعة ويفهمون بسرعة، وهناك طلاب متوسطو الذكاء قراءتهم بطيئة وفهمهم بطيء، وهناك طلاب يدفعهم حب الامتياز والتفوق إلى أن يخصوا دراستهم بسبع ساعات أو ثمان كل يوم.

والذي أنصح به أن يكون جدولك الدراسي عمليا واقعيا يمكنك تنفيذه والسير عليه دون أن تنفق كل ما لديك من نشاط وطاقة، فإن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى.

ولا ريب أن الاستمرار في القراءة والدراسة دونما فترات راحة، يجلب التعب والإرهاق، ويبعث الملم والسأم، ويضعف القدرة على الفهم، وقد أثبتت التجارب أن الطالب الجامعي لا يستطيع أن يظل محتفظا بنشاطه الذهني وأن يحصر انتباهه في موضوع محدد، مع قدرة الفهم والهضم، لا يستطيع ذلك أكثر من خمسين دقيقة.

ولقد توصل علماء النفس والتربية بعد إجراء تجارب كثيرة في ميدان توقيت عملية التعليم إلى النتيجة التالية:

ص: 402

تتعلم كثيرا، وتتذكر ما تعلمته جيدا، إن كانت ساعات دراستك مختلفة متباعدة، وذلك يفوق ما تتعلمه وتتذكره إن كانت ساعات دراستك متواصلة متوالية.

فلا بد من الراحة بعد كل خمسين دقيقة، على ألا تقل هذه الراحة عن عشر دقائق، ولا تزيد عن خمس عشرة دقيقة، لا بد من هذه الراحة وإن كنت قادرا على الاستمرار في الدراسة، وكنت ذا نشاط وقوة.

وإني لأنصح لك أن تخص كل محاضرة من محاضراتك اليومية في الجامعة بساعة دراسة في البيت، على أن تزيد هذه الساعة وتنقص حسب صعوبة المادة وسهولتها بالنسبة لك، ومن سوء التدبير أن تهمل بعض المواد إهمالا تاما، وأن تقصر الساعات كلها على بعض المواد.

وإن أفضل وقت لدراسة أي موضوع الوقت الذي يكون قريبا من تدريس المدرس لذلك الموضوع، ولهذا ينبغي أن يكون جدول دراستك الخاصة مسايرا جدول التدريس في الجامعة.

ومن المجرّب أن قراءتك الموضوع قبل تدريسه أفضل خطة يمكن أن تسير عليها، وكلما ازداد ما تعرفه عن المحاضرة قبل إلقائها ازدادت الفائدة منها، وازدادت قدرتك على أن تميز فيما يلقيه المحاضر بين ما هو خير وله قيمة وبين ما هو حشو تافه لا خير فيه.

وتعطيك قراءة الموضوع قبل تدريسه قدرة على أن تختار بسهولة وعن علم الملاحظات الجديرة بالتسجيل في دفترك الخاص بالملاحظات، وتعطيك فرصة لأن تسأل المدرس وتباحثه في أمور عرضت حين قراءتك الموضوع.

أما إذا أجَّلت قراءة الموضوع إلى ما بعد تدريسه فسوف تحتاج إلى بذل جهد كبير كي تفهم ما يقوله المدرس، ومن المتوقع أن تشغل نفسك بتسجيل ملاحظات يكون بعضها تافها لا قيمة له، وبعضها جاء في الكتاب المقرر وأنت لا تدري.

ومن سيئات تأجيل قراءة الموضوع إلى ما بعد تدريسه أنك لن تجد فرصة للتعمق فيما يقوله المحاضر، ولا لنقده، ولا لترجيح رأي على رأي.

ص: 403

وربما كان في الكتاب المقرر بعض عبارات غامضة، وألفاظ اصطلاحية تحتاج إلى إيضاح، فلا تدري بها إلا بعد فوات الوقت المناسب.

تلميذي العزيز:

قد يكون بين زملائك في الجامعة من يبدد وقته ضياعا وهو لا يدري، يجلس إلى كتبه ليدرس، فيمسك بكتاب إحدى المواد، حتى إذا مضى في قراءته عشر دقائق أو قريبا منها ملّ وسئم، فيلقى به جانبا، ثم يمسك بكتاب مادة أخرى، فلا يلبث بين يديه أكثر من عشر دقائق ثم يعافه وينبذه، ثم ينتقل إلى مادة ثالثة فلا يكون حظها من العناية والصبر أوفر من أختيها، وهكذا دواليك.

فإذا كان بين زملائك مثل هذا ممن لا يستطيعون حصر الذهن في موضوع واحد مدة تقارب الساعة، فأفضل علاج له أن يقسم أوقات دراسته على مواده المقررة بالدقائق، فيخصّ كل مادة في بداية الأمر بعشرين دقيقة، تعقبها راحة لا تزيد على عشر، ثم بعشرين دقيقة مادة أخرى تعقبها راحة كتلك، وهكذا..

حتى إذا درب على ذلك وأصبح له عادة، زاد الوقت المحدّد لكل مادة زيادة صغيرة، لا تقل عن خمس ولا تزيد على عشر، وتستمر الزيادة مع مرور الزمن، ومع ازدياد القدرة على الدراسة وازدياد الرغبة في العلم، إلى أن تصل إلى خمسين دقيقة وهو الحد الأقصى، على أن تظل الراحة التي تعقب دراسة كل مادة عشرا أو تزيد قليلا.

لا أدري أمنفردا تدرس، أم تشرك بعض إخوانك وزملائك في دراستك ومهما يكن من أمر، فبعض المربين يرى الدراسة الجماعية المشتركة إنما تفيد الطالب الضعيف والمتوسط، ولا تفيد الطالب القوي.

وفريق أخر من المربين يرى أنها تفيدهم جميعا، أما الضعيف والمتوسط فالأمر فيهما ظاهر، وأما القوي فله منها فوائد ثلاث:

ص: 404

أما الأولى فإن مساءلة إخوانه له، ومباحثتهم إياه، ومحاولته التفهيم والشرح كل أولئك يحمله على أن يدقق النظر ويعمق الفهم، وينبهه لأمور لم تكن لتخطر له على بال، ومن الأقوال المشهورة بين رجال التعليم: إذا أردت أن تتعلم شيئا فحاول أن تعلمه غيرك من الناس".

وأما الفائدة الثانية فإن الدراسة الجماعية تدرب الطالب القوي على أن يعبر عما علم وفهم بطلاقة لسان وحسن بيان، وهذا ليس بالشيء القليل الهيّن، فكثير من الطلاب يقرءون ويفهمون، ولكنهم إذا طولبوا أن يفحصوا عما فهموا تلعثم اللسان واضطرب البيان.

والثالثة أنها تمكن لمعلومات الطالب القوي في ذهنه، وبذلك تخفف عنه عبء المراجعة في آخر العام.

ويشترط لنجاح الدراسة الجماعية أن يتفق أفرادها من قبل أن يبدءوا بها أن يتفقوا على ما يسمى بورقة عمل، فإن لم يكن ورقة عمل يسيرون عليها فلا خير يرجى من تلك الدراسة.

على أن الدراسة الجماعية لا تصلح إلا في أول العام الدراسي، حين يكون المقروء قليلا والوقت طويلا.

تلميذي العزيز:

لا أدري أين تدرس؟ ولا أين تطيب لك الدراسة؟ غير أني أنصح لك أن يكون مكان دراستك بعيدا عن كل ما يشرد بذهنك، ويطير بعواطفك وفكرك، أن يكون خاليا من "الراديو"ومن "التليفزيون"ومن المجلات المصورة وغير المصورة ومن الصحف اليومية وغير اليومية.

ولتعلم أن أشد الناس عداوة لوقتك واعتداء عليه أصدقاؤك وزملاؤك وأقاربك، هؤلاء الذين يزورونك بلا موعد ولا حساب، ويشغلونك عن دراستك بأحاديث فارغة وأمور تافهة.

فاختر لدراستك مكانا يأبى على هؤلاء وأمثالهم أن يغيروا عليه ليلا أو نهارا، وإقبالا وإدبارا.

ص: 405

وربما كانت مكتبة الجامعة خير مكان لدراستك إذا هيئت لك فيها الدراسة وصلحت، فللمكتبة نظام يوفر لها الهدوء والسكينة، ويدرأ عنها ما يشتت الخواطر ويكدّر الأذهان، وفي المكتبة تنجو من زيارات فارغة تافهة تسحت وقتك وتفسد دراستك.

وإذا وجدت المكتبة خير مكان تدرس فيه من بعد تجربة، فإياك أن تجلس على مقربة من الباب فتشغل نفسك بمن يدخل ويخرج ولكن وَلِّ وجهك شطر الجدار، فلا ترى أحدا ولا يراك أحد.

وعلى كل حال فالمكان عادة وإلْف، فمن الطلاب من اعتاد الدراسة في المساجد، ومنهم من اعتاد الدارسة في الحدائق العامة، ومنهم من اعتادها في ساح الجامعات وأفنيتها، ومنهم من اعتاد أن يدرس في غرفته الخاصة فخير مكان مكان يحفظ عليك وقتك، ويحول بينك وبين ما يلهيك عن دراستك.

فإذا لم تتيسر لك مكتبة الجامعة، ولم يك في الجامعة قاعة واسعة خاصة بالمطالعة، تخضع للإشراف المهيمن والنظام الصارم، فربما كان أفضل مكان لدراستك غرفتك الخاصة، فإن وجدت فيها راحتك وطمأنينة نفسك فالحذر الحذر أن تدرس وأنت مستلق على الفراش، فالفراش يبعث على التراخي، ويدعو إلى الكسل والنوم، والأفضل أن تجلس على كرسي يكون مستقيم الظهر، وأمامك منضدة خالية من كل شيء، إلا ما تحتاج إليه من كتب مقررة ودفاتر ملاحظات وبعض المعاجم اللغوية، وليكن وجهك إلى الجدار، وحذار أن يكون أمامك نافذة مفتوحة، إنها سترحل بعينيك إلى خارج الغرفة، وتنتزعك من بين كتبك إلى أماكن شتى وآفاق بعيدة.

وإياك والانحناء في أثناء الدراسة، فذلك يتعبك ويضر بصحتك ويجلب عليك الكسل.

تلميذي العزيز:

ليس توفير ساعات معدودة للدراسة كل يوم، وتوزيعها على المواد المقررة، واختيار المكان المناسب، ليس ذلك كل ما تطلبه الدراسة الناجحة، فهناك أمور أخر أرجو أن تهتم بها وترعاها، وإن رآها كثير من الطلاب ليست بذات بال.

ص: 406

فدخولك غرفة التدريس في أول الحصة وقبل أن يبدأ المدرس محاضرته أمر يجب أن تحرص عليه وترعاه، كي لا يفوتك شيء من التوجيهات، أو المعلومات أو الإشارة إلى مراجع ذات قيمة، ومن جهة أخرى فهذا الدخول المبكر يوثق الصلة بينك وبين المدرس، ويجعل بينكما مودة ورحمة، فتراه حريصا على فهمك، محتفيا بأسئلتك، لا يعرض عنك ولا يعتذر إليك إن سألته خارج غرفة التدريس أو داخلها.

وأرجو كذلك أن تحرص على حضور كل حصة، فحضور كل حصة يجعل معلوماتك في كل مادة متواصلة متماسكة ليس فيها فجوات ضعف ولا ثغرات جهالة.

أما الأمر الثالث الذي أود أن تحرص عليه فهو أن يجهز مكان دراستك بالنور الكافي، والنور الكافي ضروري لنشاطك ولسلامة عينيك، ولمستقبل حياتك العلمية والعملية، النور الضعيف يبعث الملل ويأتيك بالكسل، وأشد إضرارا من ذلك أنه يتلف عينيك اللتين هما من أعظم ما يعينك على دراستك، وأعظم ما يوفر لك الوقت للبحث المتعمق والإنتاج المثمر.

وما أكثر الطلاب الذين يهملون هذا الأمر، ويدرسون على أضواء شاحبة هزيلة، حتى إذا أصاب أعينهم الأذى ولحق بها الضعف، أخذوا يعضون على أيديهم، ولات ساعة مندم.

تلميذي العزيز:

ما حدثتك عنه من وضع جدول خاص لدراستك، واختيار مكان مناسب لتلك الدراسة، ومن أمور أخر كالتبكير في حضور الحصص، والحرص على حضور كل حصة، والنور الموفور في مكان الدراسة، كل أولئك خطوات تمهيدية للدراسة، أما الدراسة نفسها فلم أحدثك عنها بعد.

ماذا تعني كلمة الدراسة؟

أول ما يخطر بالبال أنها فتح كتاب مقرر، ومحاولة استظهار ما فيه استعدادا للامتحان، وهذا معنى ضيق محدود لما تعنيه كلمة الدراسة، أما الدراسة بمعناها الأعم الواسع فهي: كل مجهود يبذل في سبيل التعلم.

وأياًّ كان معناها، فالدراسة لا بد لها من القراءة، والقراءة أعظم الدعائم التي تقوم عليها الدراسة.

ص: 407

والحديث عن القراءة عامة حديث يطول، ولا تتسع له هذه الرسالة، وربما حدثتك عنه في رسالة قادمة، أما اليوم فيكفيني ويكفيك أن أحدثك عن قراءة الكتب المقررة.

الطريقة المثلى في قراءة الكتب المقررة في الكليات أن تقرأ الموضوع الذي تدرسه ثلاث مرات، ولكل قراءة هدف يختلف عن هدف القراءة الأخرى وعليك أن تعرف الهدف أولا ثم تمضي في القراءة من أجله.

فهدف القراءة الأولى أن تعرف الفكرة الأساسية للموضوع الذي تقرؤه وتسمى هذه القراءة قراءة التصفح ولذلك ينبغي أن تكون سريعة.

ثم تعود فتقرأ الموضوع قراءة ثانية ويكون الهدف معرفة المسائل الرئيسية والتفصيلات المهمة، وفي هذه القراءة تكون بطيئا متأنيا متعمقا دقيق النظر.

ثم تعود فتقرأ الموضوع قراءة ثالثة، ويكون الهدف من هذه القراءة أن تجيب عن أسئلة تضعها أنت.

والأسئلة لها حظ عظيم مهم في عملية التعليم والتعلم، الأسئلة تعطي هدفا للتعلم، تجعلنا نفكر ونحن نقرأ وندرس، تجعلنا نفكر فيما نريد أن نتعلمه من هذه الدراسة، وإذا حاولت وأنت تقرأ أن تجيب عن سؤال فإن ذلك يجعل ما تدرسه ذا معنى محدّد.

ومن الثابت بالتجارب أن الطلاب يتذكرون ما يتعلمونه جوابا عن سؤال أفضل من تذكرهم ما يتعلمونه بالقراءة المجردة، وأن الطلاب الذين يقرءون ويدرسون ولا يجعلون قراءتهم مبنية على أساس أن تكون أجوبة لأسئلة ينسون بسرعة، وتختلط في أذهانهم الفكر الرئيسية بالفكر الثانوية ويفقدون الدقة في الإجابة.

ولكن من الذي يضع الأسئلة؟ أنت نفسك أفضل من يضعها، قد يكون هذا في بداية الأمر شيئا صعبا، ولكنك بالممارسة والتكرار سوف تصبح ذا قدرة على وضع أسئلة لما تقرؤه دون عناء.

إن وضع الأسئلة يساعدك على الدراسة والفهم والتعمق، وبهذه الأسئلة تكسب معلومات محددة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، لأنك لا تستطيع أن تضع سؤالا إلا بعد أن تصير المعلومات واضحة في ذهنك.

ص: 408

ضع أسئلة لكل شيء تقرؤه وتدرسه منذ بدء الدراسة، ولا شك أن وضع الأسئلة لكل ما تقرأ عمل مرهق جدا ويأخذ منك وقتا طويلا، ولكنه يرتفع بمستواك إلى درجة الطلاب الممتازين.

وهناك هدف رابع للقراءة والدراسة هو تقويم ما تقرأ، فيجب أن تكون قارئا ناقدا، ناقدا ما تدرس ولا سيما الموضوعات التي تعرض فيها قضايا قد تباينت فيها الآراء، واشتد فيها الخلاف والجدل، وجاء صاحب كل رأي بدليله وحجته.

فعليك أن تنظر إلى الأدلة والحجج في هذه القضايا نظرة عادلة منصفة وأن تتبع الحق دون أن تتمسك بآرائك السابقة، ودون أن تتعصب تعصبا جاهليا لما تعودته وألفته.

وهناك هدف خامس للقراءة والدراسة هو التطبيق، وأعني بالتطبيق أن تخضع حياتك لما تقرؤه وتدرسه وتراه صوابا، فإذا استطعت أن تطابق بينهما كان حقا أن نقول إنك قد استفدت من قراءتك ودراستك وقطفت الجني وعدت بالغنم.

أما إذا كنت تعلم الصواب ولا تعمل به، وتعرف الحق ولا تتبعه، فقد فقدت دراستك روحها ومعناها، وأصبحت شجرا بلا ثمر وزرعا بلا حصاد.

والقراءة التي هي أعظم دعائم الدراسة بفقد كثيرا من قيمتها وجدواها إذا لم يصحبها استظهار.

ولكن ماذا تعني الكلمة كلمة الاستظهار؟:

الاستظهار أن تعيد على نفسك بدقة ما تتذكره من المعلومات التي درستها، ولا تعني أن تحفظ معلوماتك حرفا حرفا وكلمة كلمة حفظا "فوتوغرافيا"لا تعقل فيه ولا فهم.

والطريقة المجدية في الاستظهار أن يكون مجزَّأً على فترات، فحين تنتهي من دراسة موضوع أو دراسة معلومات بينها صلات وثيقة، فاستظهر ما درست ومن الأفضل ألا تستظهر قدرا كبيرا دفعة واحدة، جزئه أجزاء صغيرة واستظهرها جزءا جزءا، فذلك أيسر وأسهل، وحذار أن تؤجل الاستظهار إلى آخر عامك الدراسي متعللا أن ما يستظهر سوف ينسى، وضيع الجهد فيه سدى.

ص: 409

فقد أثبتت التجارب أن المعلومات التي تستظهر ثم تنسى يسهل استظهارها مرة ثانية آخر العام، ويسهل تذكرها ساعة الامتحان.

أما المعلومات التي تستظهر آخر العام ولم تك قد استظهرت من قبل، فمن العسير جدا بقاها حية ثابتة ساعة الامتحان.

يقول بعض العلماء: النسيان عملية تخريبية تسير مع القراءة جنبا إلى جنب فإذا انتهيت من قراءة موضوع أو فصل وحاولت بعد القراءة أن تتذكر المعلومات التي قرأتها فإنك لا تتذكر أكثر من خمسين في المائة، وبعد مضي يوم كامل على تلك القراءة لا تتذكر أكثر من ثلاثين في المائة، ثم يكون النسيان بطيئا بعد ذلك.

وخير وسيلة لمقاومة هذه الأعمال التخريبية التي يقوم بها النسيان أن تستظهر ما تقرؤه وتدرسه.

ولا شك أن نسبة ما تتذكره يعتمد على مقدار ما تقرؤه كثرة وقلة وعدد مرات، وعلى نوعية ما تقرأ، وعلى كيفية القراءة، وعلى الفروق الفردية الفطرية التي وهبها الله للناس.

ولقد تبين من التجارب التي أجريت على آلاف الطلاب أن الجماعات التي كانت تقرأ ولا تستظهر كانت تنسى في يوم واحد أكثر مما كانت تنساه في شهرين جماعات أخر كانت تستظهر ما تقرأ.

ولقد تبين من التجارب أيضا أن الطلاب الذين يستظهرون ما يقرءون يفوقون الطلاب الذين يقرءون ولا يستظهرون.

كثير من الطلاب يظنون أنهم قد حفظوا معلوماتهم، وأنهم يستطيعون أن يتذكروها وقت الحاجة حتى إذا جاء الامتحان وسئلوا عنها وجدوا ما كانوا يظنونه حقا قد أصبح ساعة الامتحان سرابا.

ص: 410

وخير طريقة لكي تتوثق من أنك قد فهمت ما درست، وأن استظهارك لمعلوماتك جيد، خير طريقة أن تتوقف من حين إلى حين وتفحص نفسك، بأن تختار بعض الأسئلة التي كنت قد وضعتها من قبل في أثناء دراستك، وأن تجيب عنها كتابة، ثم تصحح لنفسك بأن تقابل إجابتك بما جاء في الكتاب المقرر، وبذلك تستطيع أن تعرف مستوى إجابتك، وقدر استظهارك وتذكرك، وعلى ضوء هذه النتيجة إما أن ترجع القهقرى فتعيد دراسة ما درست من قبل، وإما أن تمضي قدما.

الاستظهار يثبت معلوماتك ويسهل عليك المراجعة آخر العام، ويعطيك نتائج ممتازة في الامتحان، وزيادة على ذلك يعودك حصر الانتباه فيما يقرأ. فكثيرا ما يكون انتباهك ضعيفا، تمر عيناك بالسطور ولكن خيالك يكون شاردا وعيناك لا تدركان ما تقرءان فالاستظهار يحول بينك وبين هذا الشرود، وبينك وبين أحلام اليقظة، ويجعل قراءتك ذات جدوى.

كثير من الطلاب يراجعون ما درسوه واستظهروه في الساعات الأخيرة التي تسبق الامتحان، وهذه مراجعة فيها كثير من الإرهاق والمشقة، ثم هي لا تؤدي إلى الغرض المنشود، وهو تثبيت المعلومات في الذهن إلى أن تحين ساعة الامتحان.

فالمراجعة الأخيرة التي تسبق الامتحان بيوم أو بساعات ينبغي أن تكون للعناية بالنقاط الرئيسية، والتفصيلات المهمة، والتفريعات القيمة، وهي لا تتسع للإحاطة بكل شيء، وإتقان كل جزئية.

ويجب أن تسبق هذه المراجعة الأخيرة مراجعتان على الأقل: مراجعة لكل باب وكل فصل بعد الانتهاء من دراسته واستظهاره، ومراجعة ثانية بعد فترة لا تسمح بنسيانه.

وفي كل فترة يجب أن تختبر نفسك بالإجابة التحريرية عن أسئلة تكون أنت قد وضعتها من قبل في أثناء الدراسة الأولى.

ويجب أن تصحح إجابتك بالرجوع إلى الكتاب المقرر لتعرف ما نسيته وما أخطأت فيه، وما تتذكره من معلومات.

ص: 411

ومن الأشياء القمينة باهتمامك تقييد ملاحظاتك، الملاحظات الجيدة الجديرة بالحفظ الجديرة بأن يستفاد منها في المستقبل.

ينبغي أن تقيد ملاحظاتك في إضبارة خاصة بها، يسهل نزع الورق منها، ويسهل إضافة أوراق جديدة إليها.

ويجب أن تقسم أوراق هذه الإضبارة فيكون لكل مادة أو موضوع صفحات محددة متوالية مرقمة مفهرسة، وفي رأس كل صفحة تضع عنوانا يبين الموضوع أو المسألة التي اشتملت عليها تلك الصفحة.

وينبغي أن تصحبك هذه الإضبارة ساعات المحاضرات في الجامعة، وساعات الدراسة في البيت، كي تتمكن من تقييد الملاحظات جميعا في أوقاتها وفي أمكنتها المختصة بها.

وحذار أن تهمل كتابة أي ملاحظة تراها، أو أن تؤجل ذلك اعتمادا على الذاكرة، أو اعتمادا على كتابتها في المستقبل، فما أسهل أن تنسى، وما أكثر ما ينتهي التأجيل إلى سراب، وبذلك تضيع من بين يديك ملاحظات قد تكلفك في المستقبل جهدا كبيرا ووقتا طويلا.

وإذا اضطررت لأمر ما أن تكتب بعض الملاحظات على أوراق مشردة، فيجب أن تنقلها إلى إضبارة الملاحظات وفي مكانها المناسب في أسرع وقت وأقرب فرصة.

ويجب أن تكتب ملاحظاتك وتلخيصاتك بأسلوبك أنت، وهذا يفيدك فوائد شتى:

فهو يدربك على الكتابة العلمية، ويجعلك ذا قدرة على تلخيص ما تقرؤه في الكتب الموسعة، ويثبت المعلومات في ذاكرتك.

ولقد أثبتت التجارب أن الذين يقيدون ملاحظاتهم في الورق أقدر على التذكر ممن لا يقيدون، وأقدر على التعبير عنها، وكثير من الذين لا يقيدون ملاحظتهم يظنون في أنفسهم أنهم قد فهموا موضوعا، أو أنهم قد استوعبوا مسألة، فإذا طولبوا بالتعبير عما فهموه أصابهم العجز وتعثر اللسان.

وينبغي أن تكون ملاحظاتك وتلخيصاتك متقنة دقيقة تغنيك عن الكتاب المقرر حين تراجع المادة في الساعات الأخيرة التي تسبق الامتحان حين لا يتسع الوقت لقراءة المادة في كتابها المقرر.

ص: 412

كثير من الطلاب يرون في الامتحانات وحشا مفترسا وسبعا ضاريا، تراهم في قاعات الامتحان قبيل تسلم الأسئلة في زلزلة واضطراب، ومن جراء ذلك ينسون كثيرا من المعلومات، ويخطئون في الإجابة عن أسئلة سهلة.

أما الطلاب الذين درسوا مقرراتهم دراسة، وافية، واستعدوا للإمتحان استعدادا كاملا، فلا يشعرون بخوف ولا يعتريهم قلق، تراهم جالسين في هدوء وسكينة، ويجيبون على أسئلتهم بثقة واطمئنان.

ومما ينصح به رجال التربية أن فترة استجمام وراحة يجب أن تفصل بين تسلم الأسئلة ومراجعة مادة الاختبار.

ويقولون إن المراجعة في هذه الدقائق الأخيرة التي تسبق تسلم الأسئلة لا تكسب علما ولا تجلب فهما، بل ربما خلطت المعلومات بعضها ببعض بعد أن كانت منظمة، وأوقعت فيها الاضطراب من بعد ترتيب.

ويقترح هؤلاء المربون أن يشغل الطالب نفسه قبيل دخول قاعة الاختبار بالتحدث إلى بعض إخوانه في أمور عامة لا علاقة لها بالامتحان أو بقراءة بعض الصحف اليومية.

ومهما يكن من أمر فأنا أنصح لك أن تدخل قاعة الاختبار قبل أن يقرع جرس تسليم الأسئلة بحوالي ربع ساعة، وأن تجلس هادئ البال مستريحا من المراجعة، وحين تتسلم أوراق الأسئلة اقرأها كلها بعناية وأناة ودقة نظر، ومن المتوقع أن تجد فيها ما هو سهل تستطيع الإجابة عنه دون عناء، وأن تجد فيها ما هو صعب تحتاج الإجابة عنه إلى رؤية وأناة ومعاناة.

ابدأ بالإجابة عن الأسئلة السهلة، وإذا ما انتهيت منها فأجب عن الأسئلة الصعبة، بادئا بما هو أقل صعوبة، مؤخرا ما هو أشد وأشق..

ص: 413

ومن الأخطاء التي يقع فيها الطلاب أن يؤخروا الإجابة عن الأسئلة السهلة ليوفروا الوقت الكافي للإجابة عن الأسئلة الصعبة، وتكون نتيجة هذا التصرف السيئ أن يجيبوا عن الأسئلة السهلة في آخر الوقت وقد أصابهم الإرهاق والتعب فيكتبوا تلك الإجابات بسرعة ودون عناية، وبذلك يرتكبون أخطاء كثيرة وهو لا يشعرون، ويفقدون درجات كان الحصول عليها متيقنا سهلا لو كتبت الإجابات في أول الوقت وفي أوج النشاط.

ويجب أن يجعل الجزء الأخير من وقت الإجابة لقراءة ما كتبته من أجوبة فتصحح الأخطاء التي وقعت فيها وأنت لا تدري، وتجيب عما عساك قد نسيت الإجابة عنه.

وإذا بدا لك أن تبدل بعض الإجابات فإذا كنت واثقا تمام الثقة بأن ما كتبته كان خطأ، وأن ما تريد أن تكتبه هو الصحيح، فخير لك أن تغير وتبدل.

أما إذا كنت مترددا بين الإجابة التي كتبتها والإجابة التي خطرت ببالك في آخر الوقت، فأبق الإجابة الأولى التي كتبتها على ما هي عليه، فقد دلت التجارب على أن الفكرة التي تسبق إلى ذهن الطالب وهو في أفضل أوقاته نشاطا وفطنة أصح من الفكرة التي تأتيه وقد تعب وأرهق وخبا نور علمه وذهنه.

ومما يخطئ فيه الطلاب أن يجيبوا إجابات تشتمل على زيادات ليست مما يطلبه السؤال، يفعلون ذلك كثيرا إذا عمي عليهم السؤال ولم يستطيعوا تحديد ما يطلبه، وفي أحيان قليلة يفعلون ذلك إظهارا لسعة ما عندهم من علم.

فينبغي أن تقرأ الأسئلة بتروّ ودقة نظر، وأن تجيب بما هو مطلوب، دون أن تزيد على ذلك شيئا، ففي هذه الزيادة دلالة عجز، ومضيعة وقت وجهد عليك وعلى المدرس المصحح معا. ثم إن المدرس سيهمل كل ما كان مزيدا، وإلى جانب ذلك سوف يسيء بك الظن فيتهمك بسوء الفهم في قراءة الأسئلة وبالتهرب من الإجابة الدقيقة.

ص: 414

ومما يخطئ فيه الطلاب أن ينظر أحدهم إلى إجابته فيراها قليلة الكلمات قليلة الأسطر، فيعمد إلى تضخيمها بكل وسيلة ظنا منه أن الإجابات في الامتحانات لا ينبغي أن تكون قليلة المقدار صغيرة الحجم، أو توهما أن المدرس ممن يقيس الإجابة بالأشبار.

لا ينبغي لمثلك أن يسلك سبيل الخداع والتمويه والعبث وسوء الظن بالمدرس، مثل هذا لا يحمل منك، ولن يلقى من المدرس إلا الزراية والسخرية.

من الطلاب من يكتب بخط واضح مقروء، ومع الوضوح أناقة وجمال ومن الطلاب من يكتب بخط واضح يقرأن بسهولة ويسر، وإن لم يكن جميلا ومن الطلاب من يكتب بخط بينه وبين الوضوح عداوة وخصام.

وأقل مستوى في الخط يكفل لك أن تأخذ ما تستحقه من دراجات أن يكون خطك واضحا مقروءا بسهولة.

ولقد قامت هيئات تعليمية تربوية بتجارب في هذا الميدان، كان منها أن كتبت إجابات بعض الطلاب بخط سيئ لا يقرأ إلا بجهد ومشقة، وكتبت الإجابات نفسها بخط واضح يقرأ بسهولة، وأعطيت الإجابات لجماعتين من الصحيحين، وطلب إليهم بحزم وشدة ألا يكون للخط أي تأثير على تقدير الدرجات، وكانت النتيجة أن الإجابات التي كتبت بخط واضح أخذت نصيبا من الدرجات أعلى من الإجابات التي كتبت بخط رديء.

قليل جدا أولئك المدرسون الذين يصبرون طويلا ويبذلون جهدا كبيرا في قراءة خطوط الطلاب السيئة المعقدة، ويعطونها الدرجة التي تستحقها، فعليك أن تكتب إجابتك في الامتحان بخط واضح، ومع الوضوح جمال إن اتسع الوقت وتهيأت لك الأسباب.

وإني لأنصح مرة أخرى أن تعني بسلامة كتابة من الأخطاء النحوية والإملائية، فإن سلامة الكتابة من هذه الأخطاء ذات تأثير حسن على المصحح، إنها تشجعه على أن يعطيك الدرجات التي تستحق، وتجعله يحسن الظن فيما تكتب.

ص: 415

أما إذا كانت كتابتك مصابة بالأخطاء النحوية والإملائية، ولا سيما الأخطاء القبيحة المنكرة التي لا تتوقع من طالب جامعي في مستواك، فإنها ستؤثر تأثيرا سيئا على المصحح وعلى الدرجات التي تستحقها، سواء أراد المصحح هذا أم لم يرد.

تلميذي العزيز:

أرى رسالتي إليك قد طالت وما كنت أظنها تطول، وأراها لا تتسع اليوم للتحدث عن البحث وما يتصل به، فأساله تعالى أن يعين على ذلك في رسالة قادمة.

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

أفكار في المزاد

لا شك أن المبشرين فيما يتعلق بتخريب وتشويه عقيدة المسلمين قد فشلوا تماما ولكن هذه الغاية يمكن الوصول إليها من خلال الجامعات الغربية. فيجب أن نختار طلبة من ذوي الطبائع الضعيفة والشخصية الممزقة. والسلوك المنحل من الشرق. ولا سيما من البلاد الإسلامية ونمنحهم المنح الدراسية، وحتى نبيع لهم الشهادات بأي ثمن ليكونوا المبشرين المجهولين لنا لتأسيس السلوك الاجتماعي والسياسي الذي نصبو إليه في البلاد الإسلامية، لأن اعتقادي القوي بأن الجامعات الغربية يجب أن تستغل استغلالا تاما حصول الشرقيين للدرجات العلمية والشهادات واستعمال أمثال هؤلاء الطلبة كمبشرين ووعاظ ومدرسين لأهدافنا ومآربنا باسم تهذيب المسلمين والإسلام.

من كتاب "المشكلة الشرقية"طبع لندن عام 1957.

ص: 416

صفات ربنا حقيقة على الوجه اللائق بكماله

لفضيلة الشيخ محمد المجذوب

المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين

يقال إن أفلاطون قد سئل ذات يوم كيف آراء أستاذك سقراط، وهو الذي لا تكاد ترفع عليه أحدا من الناس؟ فأجاب: نحب سقراط ونحب الحق، ولكن الحق أحب إلينا من سقراط. وقد رأينا تلميذي أبي حنيفة الأفضلين لا يترددان عن خلافه في كثير من الأمور للغاية نفسها، وهو من أكرم الناس عليهما، رحمة الله على الثلاثة أجمعين.

ذكرت هذا وأنا أستمع إلى فضيلة الأخ الأثير، شيخ الأدباء ومحدث الشعب الأستاذ علي الطنطاوي، في برنامجه المرغوب "مسائل ومشاكل" وذلك في الساعة الثامنة إلا ربعا من مساء الأربعاء الواقع في التاسع والعشرين من ربيع الآخر _ عام _ 1396هـ وكان السؤال الذي أجاب عليه يتعلق بمفهوم "القَدَم" في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن النار لا تفتأ تتطلب المزيد من الأشقياء حتى يضع فيها الجبار قدمه _ وفي رواية أخرى رجله _.

لقد رأيت الأستاذ كمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى وهو يحاول البحث عن الجواب الجامع المانع.. حتى اتكأ على إحداهما أخيرا وقطع بأن القدم في الحديث ليست على ظاهر اللفظ، وإنما هي لون من الكناية _ التي يراد بها لازم معناها _ وراح يؤكد ذلك بكلام نقله من (لسان العرب) وخلاصته أن المراد بالقدم هنا هم أهل النار، ويروي عن اللسان كذلك ما يثبت هذا التخريج بعبارات تثبت أن العرب يستعملون القدم بمعنى الطليعة، ومقدمة الجيش وما إلى ذلك. ثم مضى فضيلته يفرّع على هذا الأصل بعرض طائفة من مشتقات القدم..

ص: 417

ولو أن تقدير الإنسان لآخر يوجب السكوت عن كل ما يقول لكان علي - بالأقل - أن أسكت على ما سمعت فلا أتعقبه بشيء، ولكن الواجب يقتضي غير ذلك، لأن الموضوع أخطر من أن يهمل، ولأن مكانة الأخ العزيز تجعل لقوله وزنا وأثرا يتعذر إقلاعه من النفوس، سواء كان ذلك الأثر سلبا أو إيجابا، وهذا ما حفزني على أن أتناول الموضوع بشيء من التفصيل رجاء أن نتلاقى على القرار الذي يطمئن إليه قلب المؤمن، وملئى اليقين بأن فضيلة الأخ سيكون على غاية من السرور إذا وجد في عرضي هذا الحق الذي لا يعدل به شيئا آخر.

فأول ما أَسترعي إليه انتباه الأخر هو وقوفه في نقوله من لسان العرب على القول المنسوب إلى الحسن وأصحابه وقبوله دون مناقشة، ودون تتبع للمصادر التي استقى منها ابن منظور هذا القول، على خلاف ما عودناه فضيلته من إيثار للتحقيق والتدقيق في مثل هذه الأخبار الهامة، يضاف إلى ذلك إغفاله الرواية الأُخرى المقابلة لتلك عن اللسان نفسه، وهي القول بأن الخبر "متروك على ظاهره ويُؤمَنُ به، ولا يفسر ولا يُكَيَّف" ولو هو قد فعل ذلك لأبرأ ذمته، ولترك للسامعين أن يعرضوا الأمر على مطالعاتهم وفطرهم، فيختاروا أيهما أليق بكماله تعالى، وبما وصف به نفسه في الكتاب الحكيم وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

وقد لوحظ من خلال محاولاته الوصولَ بالأمر إلى القرار النهائي، شدةُ تعويله على جانب الاشتقاق اللغوي في تفسير "القَدَم" وذلك بحشده الأشتات من الكلمات المحتوية على حروفها.

ص: 418

ومع أن اتصال اللفظ بصفات الله يقتضي الرجوع باستيضاحه إلى أئمة الحديث والتفسير والفقه بالدرجة الأولى، فقد أغفل هذا الجانب تماما مكتفيا بالدلالات اللغوية، وهو الأديب البليغ الذي لا يفوته أن اللغة واحدة من وسائل المعرفة الكثيرة في هذا الميدان، وأن كل ما يتعلق بأسماء الله وصفاته يعتمد في تحديده على المأثور من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومفهوم السلف.. ولو تُرِكَ أمره إلى اللغويين وحدهم لاضطرب الحبل، وضاعت الحقيقة في ركاب المجازات والكنايات وما إليها من معمَّيات..

ثم شيء آخر لا مندوحة عن التوكيد عليه في نقول اللسان.

إن هذا المعجم الموسوعي قد أُلِّفَت أصوله في ظروف متأخرة، ثم جاء ابن منظور رحمه الله ليضم بعضها إلى بعض في عهد تراكمت أثناءه مقررات الفرق وأهل الكلام والمتفلسفة، فابتعدت السبيل بالفكر الإسلامي عن ينبوع الوحي المصفّى، إذ أصبحت آراء الرجال هي الحكَمَ الفصلَ في كل خلاف بين الكثرة من أهل العلم.

وما كان لابن منظور ولا سواه أن يتخلص من آثار ذلك الجو إلا من رحم الله، ومن هنا تسللت إلى أعمالهم اللغوية والثقافية تلك الشواذ التي لم ينقل مثلها عن أحد من أئمة الهدى في خير القرون.

وعلى هذا فإن مجرد إلحاق مثل تلك الرواية بالحسن وأصحابه لا يكفي للقطع بصحتها، لأن الإقدام على تحكيم اللغة والهوى في تأويل صفات الله لم يكن مما يسوغه التابعون أو يسكتون عليه، فضلا عن أن يقبلوه ويقولوا به، وإنما نجم ذلك على لسان بعض المتتلمذين اليهود والصابئة بعد عصر الحسن بزمن، ثم تفاقم الأمر بعد محنة الإمام أحمد، وشرع المتأثرون بمترجمات الفلسفة يطلقون سهامهم لتحريف المفهومات الإسلامية عن صفات الحق سبحانه..

ص: 419

ولم يتورعوا عن الكذب على الأئمة بأن ينسبوا إليهم ما لم يقولوه، أو يذهبوا بأقوالهم إلى غير ما أرادوه. وقد نقل شيخ الإسلام بن تيمية عن الطبري عن الإسفرائيني عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة "أن الفقهاء كلهم اتفقوا على الإيمان بالقرآن والأحاديث في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه.."وروى البيهقي بإسناد صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلام أن "هذه الأحاديث التي فيها: ضحك ربنا من قنوط عباده، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه.. هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنا لا نفسرها، وما أدركنا أحدا يفسرها [1] . فليت شعري.. ألا يسعنا اليوم ما وسع أمس أولئك السادة من أهل الحق، فنقف حيث وقفوا من أوصاف الله نفسه، وأخبار رسوله عنه، فلا نتجاوز سبيلهم إلى التأويل والتعطيل وما يقاربهما!..

وما الذي يحول بيننا وبين الإيمان بأن لربنا قدما وعينا وسمعا وبصرا وساقا وما إلى ذل مما ثبت من صفاته العُلى في كتابه وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم؟.. وفيم نفتح على أنفسنا أبواب التكلف فنصرفها عن وجوهها إلى المجازات والكنايات وما في سبيلهما؟

إذا كان الباعث على ذلك خوف الوقوع في التشبيه والتجسيم فقد كفنا الله ذلك الخطر بنفي مشابهته لخلقه في أي شيء، فنحن نؤمن بكل ما صح عنه وعن رسوله في صفاته مع كمال تنزيهه عن المشابهة.. فيده وقدمه وعينه مثلا كعلمه وقدرته وحكمته، نثبتها كلها على الوجه اللائق بكماله سبحانه.

فكما أن علمه لا يشبه علم الإنسان، وقدرتهُ وحكمتهُ لا مجال للمشابهة بينهما وبين هاتين الصفتين في مخلوقاته كذلك الأمر في القدم واليد والعين، لا تشبهها قدم، ولا تناظرها عين ولا تقاس بها يد..

ونحن نقرأ في كتاب الله وصفه لألوان النعيم في الجنة فلا نتصور أنها من النوع نفسه الذي نتمتع به في الدنيا، وإنما لكل من النعيمين مزيته المناسبة لبيئته..

ص: 420

وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ليس في الجنة من أشياء الدنيا إلا الأسماء. فالاشتراك إذن بين النوعين إنما يقع في اللغة دون الماهية.. وكذلك صفاته تعالى أطلق عليها أسماء أشياء نعرفها، والفرق بين هذه وتلك هو فرق ما بين الفاني والباقي، والناقص والكامل، تعالى ربنا عما يقول المشبهون والمعطلون علوا كبيرا.

وأخيرا.. لنقف قليلا أمام بعض هذه الأحاديث التي هي مدار الحديث.

في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه، ويقول: أنا الملك، أنا الملك، أين ملوك الأرض؟! "وفي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه "أين الجبارون.. أين المتكبرون؟! ".

وقد ورد هذا الحديث بألفاظ أكثر تفصيلا وأشد تهويلا، كالذي رواه ابن منده وابن خزيمة وغيرهما من الأئمة عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: "يأخذ الجبار سمواته وأرضه.. وقبض بيده وجعل يقبضها ويبسطها ويقول: أنا الرحمن، أنا القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا العزيز، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا. أنا الذي أعيدها. أين الجبارون. أين المكبرون؟. ويصف ابن عمر رضي الله عنه رسول الله أثناء ذلك قائلا:

"ويتميل رسول الله على يمينه وعلى شماله حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله؟ !..".

ومعلوم أن أصل الحديث في قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (39/67) .

فها هنا يمين الله يمسك بها السموات والأرض.. قابضا باسطا مهددا منذرا، وقد أُخِذَ رسول الله بهول الموقف فهو يهتز يمنة ويسرة حتى ليخشى ابن عمر عليه السقوط..

ص: 421

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال: يا محمد إن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيهزهن فيقول: أنا الملك أنا الملك..". يقول عبد الله رضي الله عنه: "فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الخبر، وقال: "{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} " [2] .

فها هنا أيضا أصابع مضافة إلى الرحمن يسمع رسول الله ذكرها فلا ينكره، بل يقره ويؤيده بتلاوة الآية..

فأي هذه الآثار الثابتة يجرؤ على التردد في قبوله عاقل؟.. وأي معنى غير الحقيقة يستخلصه من خلالها لغوي؟! وهل ثمة من مجال للكناية أو المجازة في هذا العرض الذي يزلزلنا برهبته؟!

إن ربنا في هذه الأخبار القاطعة يمجد نفسه، وله المثل الأعلى، وهو الحقيق بكل تمجيد، فيذكر بعض صفاته المعنوية التي يتفق على الإيمان بها المسلمون قاطبة، فأي فرق بينها وبين قبضه السموات والأرض بيمينه، وهو من صفاته الذاتية؟! إن بعض صفاته الأولى مما يطلق أيضا على بعض خلقه، فيقال: فلان ملك وعزيز وجبار ومتكبر..

ولكننا جميعا متفقون على أنها في المخلوق غيرها للخالق سبحانه. فعلام نختلف في شأن اليمين _ والأصابع _ فنقول إنها على الحقيقة اللائقة بكماله تعالى دون تكييف ولا تحريف، ويقول الآخرون إنها وإنها وإنها، حتى ليكادون ينتهون بها إلى غير شيء!.. ثم يكون حصيلة ذلك الرفض لحقيقة الصفات أن ينجرَّ أصحابه إلى تأويل كل صفة ذاتية لربهم ثبتت له في القرآن أو السنة الصحيحة، كما فعل المعتزلة بتأويل معظم صفات الله، حتى أوشكوا أن يشركوا النصارى في وصف ربهم بأنه "محبة".. أي أنه معنى لا ذات له!..

ص: 422

أليس خيرا وأسلم للمسلم أن يقف مع الأولين الأفضلين من سلف هذه الأمة يإزاء هذه الأمور فلا يلقى بنفسه في المتاهات التي سلكها المتأخرون من المتفلسفة والمتكلمين!!.

ألسنا قد أثبتنا لربنا ذاتا لا كالذوات فما المانع من إثبات صفات لا كصفات المحدثات؟!.

يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: "كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوتُ عنه. ليس لأحد أن يفسره إلا الله ورسوله [3] .

وهذا ما ندين الله به فنثبت له سبحانه ما أثبت لنفسه، ونقول ما قاله أهل الحق، من أن المراد باليدين إثبات صفتين ذاتيتين تسميان يدين [4] .

ومثل ذلك نقوله في القدم والساق والأصابع والكف والعين والسمع والبصر، ولا نتجاوزه إلى ما ليس لنا به من علم، ورحم الله مالكا الذي أدرك خطر هذا المنزلق فجاء بالفصل الحاسم في قوله لسائله:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول.."ومثل ذلك روي عن أم سلمة رضي الله عنها وفيه: "والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

وأخيرا إن القيمة التي توزن بها كلمات الأخ الطنطاوي هي التي حفزت إلى كتابة هذا التعقيب. وهو قد أعلن رأيه لعشرات الآلاف من مستمعيه، فلا أقل من أن يقرأ هذه الكلمات بعض هؤلاء المستمعين، ليستيقنوا أن هناك أفهاما أخرى تنظر إلى الموضوع من غير الزاوية التي أطل منها.

ولا حاجة للاعتذار إلى فضيلته، فأنا وإياه على سواء في إيثار الحق على أي اعتبار آخر إن شاء الله.

والحمد الله ملهم الصواب.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

مجموع الفتاوى ج5 ص50_51 ط 1_الرياض_

[2]

انظر (لوامع الأنوار..) للسفاريني ج1 ص99 و231.

[3]

انظر (لوامع الأنوار..) للسفاريني ج1 ص99 و231.

[4]

المصدر نفسه.

ص: 423

تنبيه.. وتحذير..

لفضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد فقد رأيت في جريدة الرياض في الصفحة الرابعة من العدد 3408 الصادر في يوم الأربعاء 8 شعبان 1396هـ تحت عنوان "مجنون يحكي وعاقل يفهم"وقد سمى الكاتب نفسه إبراهيم ولم يزد على ذلك. رأيت فيه ما نصه "أم ترى فرنجية يمسك بعصا موسى السحرية"انتهى المقصود من كلامه. وأحب أن أنبه الكاتب خاصة وغيره من قراء الجريدة عامة إلى أن عصا موسى ليست بسحرية وإنما هي آية من آيات الله الكبرى وبرهان من الله تعالى على صدق نبيه موسى عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى في سورة طه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى. قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى. قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى. وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى. لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} وقال تعالى في سورة النازعات: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى. فَكَذَّبَ وَعَصَى} وقال تعالى في سورة النمل: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} وقال تعالى في سورة القصص: {وَأَنْ أَلْقِ

ص: 424

عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ. اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} .

فالله تبارك وتعالى جعل عصا موسى حية عظيمة تسعى حين ألقاها موسى من يده. ثم أعادها الله تبارك وتعالى إلى حالتها الأولى عصا حين أخذها موسى في يده والله على كل شيء قدير. وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . وليست عصا موسى من قبيل السحر. والقول بأنها سحرية هو قول فرعون وملئه. قال الله تعالى في سورة الشعراء حاكيا قصة موسى معهم: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ. قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وقال تعالى في سورة الأعراف: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وقال تعالى في سورة النمل: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ

ص: 425

كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} وقال تعالى في سورة يونس: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} وقال تعالى في سورة طه: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} الآية. وقال تعالى في سورة القصص: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} .

والقول بأن عصا موسى سحرية كفر بإجماع أهل العلم لما فيه من تكذيب ما أخبر الله به عنها في سورة طه أنها صارت حية تسعى. وما أخبر به عنها في سورة الأعراف والشعراء أنها صارت ثعبانا مبينا.

قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: "اعلم أن من استخف بالقرآن والمصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفا منه أو آية أو كذب به أو بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع". انتهى. فقد صرح بتكفير من كذب بشيء مما صرح به في القرآن من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته أو شك في شيء من ذلك وأن ذلك إجماع أهل العلم. فلينتبه الكاتب وغيره لما ذكره القاضي عياض لئلا يقع أحد منهم في الكفر وهو لا يشعر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

22/8/1396هـ.

حمود بن عبد الله التويجري.

ص: 426

الشعر في ضوء الشريعة الإسلامية

بحث كتبه الشيخ محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل

الطالب بقسم الدراسات العليا _ شعبة السنة بالجامعة الإسلامية

فهرس البحث

1_

خطبة الكتاب.

2_

تعريف الشعر.

3_

مكانة الشعر العربي.

4_

ما ورد في تفسير آيات الشعراء.

5_

أضواء على الآيات وفوائد.

6_

القرآن الكريم وسر إعجازه.

7_

الأحاديث أن من البيان.

8_

نبذة من شعر حسان له صلى الله عليه وسلم.

9_

استنشاده واستماعه وما تمثل به منه وبيان أنه بمنزلة الكلام.

10_

كراهة الشعر لمن غلب عليه.

الحمد الله الذي كرَّم الإنسان. وعلمه البيان فله سبحانه وتعالى جزيل الشكر وعظيم الامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الفوز في يوم التناد، وأدخرها سلم نجاةٍ في يوم المعاد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفصح من نطق بالضاد، الذي بين للأمة سبل الهدى والرشاد. فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الاهتداء ومن قفا إثرهم وترسم خطاهم..

وبعد.. فهذا بحث أقدمه بين أيدي القراء الكرام وموضوعه "الشعر في ضوء الشريعة الإسلامية"ولقد اخترت هذا الموضوع بالذات لما يلي:

طالما سمعت من يردد قول الله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} ويقف بعضهم عند هذه الآية مدللا على أن القرآن ذم الشعراء وشعرهم فيكون بتعميمه هذا مخطئا وكأنه لم ينتبه للاستثناء الوارد بعد هذه الآيات ولم يعرف من هو المقصود بالذم.

لذا اخترت الكتابة في هذا الموضوع بالرغم من قصر باعي وكثرة أشغالي وبالله الإعانة، والأهم في هذه الرسالة هو جمع جملة من الأحاديث الواردة في الشعر وتخريجها وشرحها بمقتطفات من أقوال أهل العلم.

ص: 427

تعريف الشعر:

الشعر في اللغة واحد الأشعار، قال الراغب: هو في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم ليت شعري. وسمى الشاعر شاعراً لفطنته ودقة معرفته" [1] .

وفي اصطلاح الأدباء هو كما قال ابن خلدون [2] : "الكلام الموزون المقفى، ومعناه الذي تتكون أوزانه كلها على روي واحد وهو القافية". قال: "وأساليب الشعر تناسبها اللوذعية وخلط الجد بالهزل والإطناب في الأوصاف وضرب الأمثال وكثرة التشبيهات والاستعارات".

قلت: ومن هنا نعرف الفرق بين الشعر والنثر حيث أن الأول يعتمد على الوزن والقافية ويكسو المعاني من جمال التشبيه وحسن الاستعارة وبراعة الكناية وضروب المجاز حللا خيالية بخلاف الثاني. والغرض المقصود من توحيد الوزن والقافية الحفاظ على جرس اللفظ لسلاسته في النطق وخفته على السمع والارتياح لقبوله.

وربما أطلق العرب الشعر على النثر المسجوع المشتمل على الخيال المؤثر المسجوع المشتمل على الخيال المؤثر في الوجدان، ومنه ما ورد أن حسان بن ثابت رضي الله عنه سمع ابنه يصف زنبورا لسعه بقوله:"كأنه ملتفٌ في يزدي حبره"فقال له: "شعر ورب الكعبة".

والشعر عند العرب صفة قديمة لهم ولا يمكن تحديد بدء ظهوره فإنه ما سمع في التاريخ القديم إلا وهو محكم مقصّد وإن كان تهذب أسلوبه وتشعبت مناحيه وتطور فنه حينما اختلفت العُصُر وبدت الحوادث ورقي بني الإنسان في عالم المادة.

قال الأديب الكبير أحمد حسن الزيات ومما يدل على أن الشعر قديم العهد قول امرئ القيس:

عودا على الطلل القديم لعلنا

نبكي الديار كما بكى ابن حزام

وقول عنترة:

هل غادر الشعراء من متردّم.

وقول زهير:

ما أرانا نقول إلا معارا

أو معارا من قولنا مكرورا [3]

مكانة الشعر العربي

ص: 428

مما لا شك فيه أن كثيرا من الشعر العربي له اليد الطولى في المساهمة في تفسير كثير من ألفاظ الشريعة الواردة في الأصلين العظيمين والمصدرين الكريمين الكتاب والسنة إذ بواسطة الشواهد والأدلة من الأدب العربي نستعين على فهم كتاب الله الكريم وسنة صاحب الخُلق العظيم.

وبواسطته بحث علماء اللسان الأساليب المختلفة والتراكيب المتنوعة في الشعر العربي فأرسوا قواعدهم وأصلوا أصولهم مستقين من معينه ومستضيئين بنور مصباحه.

قال الأستاذ محمد أمين حنفي في موضوع الأدب الإسلامي مستعرضا الأسباب التي اقتضت محافظة المسلمين على الأدب الجاهلي ما نصه: "والذي يعن لي في تمسك المسلمين بالأدب الجاهلي عدة أسباب، فالسبب الأول هو حاجة مفسري القرآن الكريم إلى شواهد الأدلة من كلام العرب القديم على صحة التفسير والفهم لكلام رب العالمين، والسبب الثاني هو بحث النحاة واللغويين في عصر التدوين ووضع قواعد اللغة العربية عن الشعر الجاهلي وعن كل كلام عربي قديم وإحيائهم وتسجيلهم لكل ما نقوله أو سمعوه من أجل استنباط القواعد ومعرفة معاني الكلمات.

والسبب الثالث هو اقتداء الشعراء بالشعر الجاهلي وروايتهم له وتقليدهم إياه لأنه كان هو المقياس للقيمة الأدبية لدى النقاد والعلماء في ذلك الوقت.

ص: 429

ويضاف إلى ذلك سبب رابع هو ظهور الصراع الشعوبي بين العرب وغيرهم من بعض الأعاجم مما دفع العرب والمسلمين المخلصين إلى التمسك بالتراث العربي وبلغة القرآن والدفاع عنه والتعصب له والتنديد بالشعراء الذين يخرجون على عمود الشعر الجاهلي ولذلك كان للشعر العربي الجاهلي مكانته في النفوس وقيمته لدى العلماء والأدباء مما جعله يحتفظ بعموده وأساليبه ومعانيه دون أن يجرؤ أحد على النيل من مكانته أو قيمته وإن كان يحوي كثيرا مما لا يرضى به الإسلام كالغزل بنوعيه والتشبيب والنسيب والهجاء، وإعلان الفجور والمجون ووصف مجالس اللهو والشراب وما إلى ذلك من الأمور المنكرة" [4] .

قلت ومما لا يجهله كل الناس أن الشعر له الأثر الطيب في إعانة طلاب العلم وحملة الشريعة على جمع ما تفرق ونظم ما تشتت من العلوم والفوائد بل وسائر الفنون فإنه ما من فن من فنون القرآن والحديث وعلوم اللغة إلا وقد نظمت فيه المناظيم وقيلت فيه الأشعار فسهل حفظها على الصغار والكبار وللوسائل حكم المقاصد كما هو معروف.

وأنا لست من المتعصبين للشعراء ولا المبررين لزلات الشعر وهفوات شعرائه ولكني أقول إنه أداة من أدوات الفنون قابل للخير والشر حسنه حسن وقبيحه قبيح كسائر الكلام بيد أن الأشعار الجاهلية والقصائد الأولية التي قيلت في زمن الاحتجاج بأهلها لها الفوائد القيمة التي أشرنا إليها حتى وإن كانت هجوا مقذعا أو غزلا مكشوفا أعني من حيث أنه أسلوب عربي فما يمنعنا والحالة هذه أن نجني من ثمار أشجاره ما طاب ونترك منها ما خبث من توجيه غير حسن أو دعوة إلى غير القيم المثلى، أو افتخار بنزعة من نزعات الجاهلية الأولى. ولذا يقول ابن قتيبة في مقدمة كتابه الشعر والشعراء ما نصه:

ص: 430

"وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب والدين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"[5] .

قلت: والمتتبع لعلماء السلف والخلف يجد أن أكثرهم قد أدلى بدلوه في هذا المضمار ونظم جيد الأشعار ولكنهم يتفاوتون في القلة والكثرة وإنما اتصف بعضهم بالشاعر أو الأديب لكونه صار ديدنه والظاهرة التي تغلب عليه أو لنبوغه فيه وتفوقه على أقرانه يدل على ما ذكرناه ما سجله ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء حيث يقول: "قَلَّ أحد له أدنى ملكة من أدب وله أدنى حظ من طبع إلا وقد قال من الشعر شيئا ولو أردنا أن ندوِّن في كتابنا هذا كل شاعر لذكرنا أكثر الناس ولاحتجنا أن نذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلة التابعين وقوما كثيرا من حملة العلم ومن الخلفاء والأشراف ونجعلهم في طبقات الشعراء".

إذا فللشعر قيمته وللشعراء رتبهم العالية لأنهم حفظوا لسان العرب وغاصوا على مكونات مخدراته حتى أن بعضهم قيل فيه لولا فلان لضاع ثلث اللغة وناهيك بهذه المفخرة، قال عبد الرحمن البرقوقي في مقدمته لشرح التلخيص ما لفظه:"وهل بلغ أئمة الدين هذه المنزلة بفهم أغراض القرآن ومعرفة أسرار الشريعة إلا بعد أن قبضوا على خرائم الأدب وألقيت إليهم مقاليد اللغة ألم يكن مما نجم عند تعدد الآراء بينهم أن كان أحدهم يروي من كلام العرب ما يروي الآخر غيره"[6] .

هذا لفظ القرء مثلا ذهب مالك رحمه الله إلى أنه الطهر وحجته في ذلك قول الأعشى.

أفي كل عام أنت جاشم غزوة

تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مالا وفي الحي رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه الحَيض ومستنده قول الآخر:

يا رب ذي ضغن على قارض

يرى له قرء كقرء الحائض

ص: 431

قال ومثل هذا كثير لا يكاد يحصيه الاستقصاء حتى لقد اختصه العلماء بالتآليف وأفردوه بالكتاب.

ثم ذكر قصة معزوة إلى الفاروق رضي الله عنه وخلاصتها أن عمر تلا قول الله سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [7] فقال للصحابة ما تقولون فيها فنهض أعرابي وقال هذه لغتنا التخوف التنقص وأنشد قول أبي كبير يصف ناقته:

تخوف الرحل منا تامكا قردا

كما تخوف عود النبعة السفن [8]

فقال عمر رضي الله عنه: "عليكم بديوان العرب فإن فيه تفسير كتابكم". قلت وقد روي عن عمر بن الخطاب أيضا أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب". قال شيخنا محمد المجذوب في تعليقه على هذا الأثر: "ولعله رضي الله عنه راعى ما فيه من تسجيل عاداتهم وأخلاقهم وتاريخ وقائعهم وأيامهم وما أودعوه من معادن حكمتهم وكنوز آدابهم"[9] .

وما قال شيخنا يضاف إلى ما سبق من أنه مفسر لكثير من ألفاظ القرآن وغريب الحديث ويقع به الاحتجاج في النحو وغيره من علوم اللسان كما سبق النقل عن ابن قتيبة والله أعلم.

ما ورد في تفسير آيات الشعراء قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .

القراءة:

ص: 432

{وَالشُّعَرَاءُ} قرأ الجمهور بالرفع على أنه مبتدأ وخبره ما بعده. وقرأ عيسى بن عمر {الشُّعَرَاءَ} بالنصب على الاشتغال، وقرأ نافع {يَتْبَعُهُم} بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد. وقرأ ابن عباس والحسن: أي منفلتٍ ينفلتون بالفاء مكان القاف والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية. وقرأ الباقون بالقاف والباء من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن: أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله والانفكاك منه ولا يقدرون على ذلك [10] .

عن عكرمة عن ابن عباس: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} فنسخ من ذلك واستثنى فقال: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله: {يَنْقَلِبُونَ} .

أخرجه أبو داود في الأدب والبخاري في الأدب المفرد.

المفردات

الشعراء: جمع شاعر كجاهل وجهلاء وعالم وعلماء والغاوون: جمع غاوٍ وهو الضال. يهيمون: يقال هام يهيم هيما وهيمانا إذا ذهب على وجهه.

سبب النزول

قال السيوطي:

"أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: "تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وكان من كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الآيات"قال: وأخرج ابن أبي حاتم نحوه [11] "

ص: 433

قال ابن كثير: "وأخرج ابن أبي حاتم قال حدثنا أبي حدثنا أبو مسلم حدثنا حماد ابن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى قوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله تعالى: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية". ثم قال: "ولكن هذه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار وفي ذلك نظر ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها والله أعلم"[12] .

معنى الآيات الكريمات

قال الشوكاني: "قوله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} المعنى أن الشعراء يتبعهم أي يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون أي الضالون عن الحق ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} . والجملة مفسرة لما قبلها والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية. أي ألم تر أنهم في كل فن من فنون الكذب يخوضون وفي كل شعب من شعاب الزور يتكلمون فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء وتارة يأتون من المجون بكل ما يمجه السمع ويستقبحه العقل وتارة يخوضون بحر السفاهة والوقاحة ويذمون الحق ويمدحون الباطل ويرغبون في فعل المحرمات ويدعون الناس إلى فعل المنكرات كما تسمعه في أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة ثم قال سبحانه: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} أي يقولون فَعَلْنَا وفَعَلْنَا وهم كذبة في ذلك فقد يدلون بكلامهم على الخير ولا يفعلونه وقد ينسبون إلى أنفسهم من أفعال الشر ما لا يقدرون على فعله كما تجده في كثير من أشعارهم من الدعاوى الكاذبة والزور الخالص المتضمن لقذف المحصنات وأنهم فعلوا بهن كذا وكذا وذلك كذب محض وافتراء بحت.

ص: 434

ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحري الحق والصدق فقال: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي دخلوا في حزب المؤمنين وعملوا بأعمالهم الصالحة. {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً} في أشعارهم. {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} كمن يهجو منهم من هجاه أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ويحامون عنه ويذبون عن عرضه ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة وزيف ما يقول شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة كما يقع ذلك كثيرا من شعراء الرافضة ونحوهم فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة وفاعله من المجاهدين في سبيل الله المنتصرين لدينه القائمين بما أمر الله بالقيام به وتصرف [13] .

وقال الزمخشري: "استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والآداب الحقة ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وصلحاء الأمة وما لا بأس به من المعاني التي لا يتلطخون فيها بذنب ولا يتلبسون بشائنة منقصة وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم"[14] .

أضواء على الآيات وفوائد تتعلق بها

ص: 435

إذا أنعمنا النظر في هذه الآيات الكريمة وما تضمنه سياقها المحكم نجد أنها قسمت الشعراء قسمين ووضعتهم طبقتين الأول قسم غاوون، مائلون عن الطريق السوي، والمنهج الأدبي لأنهم لا ينطقون بالحق، ولا يتكلمون بالعدل فتراهم في كل واد يهيمون، وفي شعاب الكذب والزور يتيهون، لا يَزِنُونَ الكلام إلا بميزان الهوى، ومعيار الغواية، فهؤلاء هم المذمُومون وعن طريق الحق متنكبون وعلى جياد الضلالة راكبون، إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.

القسم الثاني: فريق آمنوا بربهم واهتدوا بنور نبيهم عليه الصلاة والسلام فسابقوا إلى الأعمال الصالحات، وأخلصوا لله النيات ووزنوا أشعارهم بميزان الشريعة فهم لا يهجون إلا من هجاهم ولا يمدحون إلا من يستحقه لغنائه في الإسلام أو يذبُّون عن حياض الدين وينافحون عن شريعة سيد المرسلين أو يجمعون العلوم الشرعية النافعة وينظمونها لتحصل من ذلك الفائدة ويسهل تناولها على الآخذين ويحفظها الطلاب فهؤلاء ونحوهم ممن يخرج من عموم لفظ {وَالشُّعَرَاءُ} ويدخل في فريق المستثنى، وعلى هذين تتنزل الأحاديث الواردة في ذم الشعر تارة ومدحه أخرى.

قال المناوي رحمه الله: "وقد انعقد الإجماع على حِلِّ قول الشعر إذا قلّ وخلا عن هجوٍ وكذب وإغراق في مدح وتغزل فيما لا يحل"[15] .

فوائد:

الفائدة الأولى: وصف الله الشعراء بأنهم يقولون ما لا يفعلون فاختلف العلماء فيما إذا أقرَّ الشاعر في شعره بارتكاب حدٍ من حدود الله فهل يقام عليه الحد بحسب إقراره أم لا؟. لأن الله عز وجل قد وصفهم بأنهم يقولون ما لا يفعلون ولأنه يكثر الباطل في أشعارهم: قولان لأهل العلم.

قال بعضهم يقام عليه الحد لأنه مكلَّف أقرَّ بجريمة ارتكبها فلا سبيل إلى تركه والإقرار تثبت به الحدود.

ص: 436

وقالت طائفة أخرى إنه لا يقام عليه الحد إن أقرَّ بموجبه في الشعر. قالوا لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد واقع لا نزاع فيه.

قال شيخنا محمد الأمين الشنقيطي: [16]"أظهر القولين عندي أن الشاعر إذا أقرَّ في شعره بما يستوجب الحد لا يقام عليه الحد لأن الله جل وعلا صرح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد ولكن الأظهر أنه إن أقرَّ بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به".

واستأنس شيخنا لما ذهب إليه بما روى ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة حيث قال: "وذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد في الطبقات والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة وكان يقول الشعر فقال:

ألا هل أتي الحسناء أن حليلها

بميسان يسقى في زجاج وحنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية

ورقاصة تحذو على كل منسم

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني

ولا تسقني بالأصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوؤه

تنادمنا بالجوسق المتهدم

قال: فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إي والله إنه ليسوءني ذلك ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته. وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . أما بعد فلقد بلغني قولك:

لعل أمير المؤمنين يسوؤه

تنادمنا بالجوسق المتهدم

ص: 437

وأيم الله إنه ليسوؤني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر. فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت".

قال شيخنا: "فلم يذكر أنه حده على شراب وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به". قلت: وقد احتج الفرزدق بهذه الآية الكريمة عند الخليفة سليمان بن عبد الملك حينما سمع قوله:

فبتن بجانبيّ مصرعات

وبت أفض أغلاق الختام

فقال سليمان: قد وجب عليك الحد. فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [17] . قال كاتبه غفر الله له: الظاهر أنه لا يقام عليه الحد لما سبق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"[18] . فيكون تعلق الشاعر المقر بموجب الحد بهذه الآية الكريمة من أقوى الشبه الدارئة للحد عنه والله سبحانه وتعالى أعلم.

الفائدة الثانية:

قال ابن العربي: "أما الاستعارات والتشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد وتجاوزت المعتاد فبذلك يقرب الملك الموكل بالرؤيا المثل وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم.

بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول

متيم إثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلا أغن غضيض الطرف مكحول

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنه منهل بالراح معلول

فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا ينكر عليه حتى في تشبيه ريقها الراح.

وقد كانت حرمت قبل إنشاده لهذه القصيدة ولكن تحريمها لم يمنع عندهم طيبها بل تركوها على الرغبة فيها والاستحسان لها فكان ذلك أعظم لأجورهم" [19] .

الفائدة الثالثة:

ص: 438

قال الحافظ ابن حجر: "وأما الشعر فكان نظمه محرما على الرسول عليه الصلاة والسلام باتفاق. قال الله عز وجل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [20] .

قال: لكن فرَّق البيهقي وغيره بين الرجز وغيره من البحور فقالوا يجوز له الرجز دون غيره وفيه نظر فإن الأكثر على أن الرجز ضرب من الشعر وإنما ادعى أنه ليس بشعر الأخفش وأنكره ابن قطان وغيره وإنما جرى البيهقي ذلك لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب". فإنه من بحور الرجز ولا جائز أن يكون مما تمثل به - كما سيأتي - لأن غيره لا يقول أنا النبي، ويزيل عنه الإشكال أحد أمرين: إما أنه لم يقصد الشعر فخرج موزونا وقد ادعى ابن القطاع وأقره النووي الإجماع على أن شرط تسمية الكلام شعرا أن يقصد له قائله وعلى ذلك يحمل ما ورد في القرآن والسنة. وإما أن يكون القائل الأول قال أنت النبي لا كذب، فلما تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم غيره والأول أولى. هذا كله في إنشائه ويتأيد ما ذهب إليه البيهقي بما أخرجه ابن سعد بسند صحيح عن معمر عن الزهري قال لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله أو يروى عن غيره إلا هنا. وهذا يعارض ما في الصحيح عن الزهري أيضا لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات زاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري إلا الأبيات التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد وأما إنشاده متمثلا فجائز يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أبالي شربت ترياقا أو تعلقت بتميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي" أخرجه أبو داود وغيره.

فقوله: "من قبل نفسي" احترازا عما إذا أنشده متمثلا فقد وقع منه ذلك كما ثبت في الأحاديث الصحيحة".

ص: 439

إذا علمت هذا عرفت أن الرسول الأمين لم يكن من أولئك الذين يقولون القصائد أو يجتذبهم حفظ الشعر ولا من الذين يتتبعون مواقعه ويغرمون بنغماته وتواقيعه.

كان الرسول الكريم ذلكم النبي الأمي بعيدا كل البعد عن مثل هذه الأمور لأنه مهيأ لسماع النغمات القدسية والألفاظ الربانية لسماع الوحي المعظم.

لذا لم يكن شاعرا وما ينبغي له. إذ رتبته التي هيئ لها أسمى المراتب على الإطلاق ومنزلته أعلى المنازل بالاتفاق.

القرآن الكريم وسر إعجازه

جرت العادة الإلهية في خلقه أن يبعث إلى كل أمة نبيا مؤيدا بمعجزة خارقة من جنس ما فاقت به تلك الأمة وامتازت به على غيرها من الأمم.

وحين ولد الهدى وآن لديجور الجاهلية أن ينجلي وحان لنور الإسلام أن ينبثق في قلب الجزيرة العربية مطاردا ظلمات الغواية. بعث الله تعالى نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في أمة امتازت بالبيان حيث مدت عليهم الفصاحة ظلها وأهدتهم بنات البلاغة حليها فكانوا ينبوع الفصاحة ودوحة البلاغة وكان جهابذة الفصحاء منهم أهل المكانة مرموقة ورتب مرفوعة.

فأيد الله نبيه وخليله بمعجزة القرآن فما إن تلاه عليهم ذلك النبي الأمي وطرقت آذانهم آياته وسوره حتى وقفوا مع فصاحتهم أمامه ذاهلين وأيقنوا أن البشر لا يقوون على النسيج على منواله ولا الإبداع على مثاله، هز قلوب بلغائهم نظمه ولم تقو فرسان البيان على مسابقته.

هناك وقف العباقرة أمامه حائرين لأنه من كلام العلي القدير كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

جاء القرآن بألفاظ عربية وتراكيب معهودة لدى المخاطبين فجاراهم في أساليبهم وخاطبهم بجنس ما يتخاطبون به بيد أن الذي استرعى انتباههم واستولى على مشاعرهم حتى أدرك الكثير منهم أنه ليس بقول الشعراء ولا سجع الكهناء وإن كان قد قالها بعضهم على سبيل العناد والمكابرة الذي استرعى انتباههم أمور نلخصها فيما يلي:

ص: 440

أولا: تفرده بسمو التركيب وعلو الطريقة فتراكيبه أعلا التراكيب وأرفعها وطريقته هي الوحيدة في سموها وقوتها.

ثانيا: امتيازه بالدقة البالغة في اختيار اللفظ لموقعه الذي أريد له والروعة المعجزة في اختياره إلى غير ذلك من أسرار الإعجاز وحسبك أنه قد ألف فيه المؤلفات قديما وحديثا.

أن من البيان لسحرا وأن من الشعر لحكمة والأمر بهجاء المشركين

الحديث الأول:

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سحرا"[21] .

معنى الحديث: إن بعض البيان يكشف الحقيقة ويوضح المشكل فيستميل القلوب ويجذبها كما يستمال بالسحر.

وهذا الحديث قاله عليه الصلاة والسلام حين قدم وفد تميم وفيه الزبرقان وعمرو ابن الأهتم فخطبا ببلاغة وفصاحة ثم فخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب لديهم أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك. فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه. فقال الزبرقان: والله لقد علم مني أكثر مما قال ما منعه أن يتكلم إلا الحسد. فقال عمرو: أنا أحسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال ضيق العطن أحمق الولد والله.

يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت ثانيا، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا".

قال الميداني: "هذا المثال في استحسان النطق وإيراد الحجة البالغة"[22] .

الحديث الثاني:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما" وفي رواية: "إن من الشعر لحكمة"[23] .

ص: 441

والمعنى أنه ليس كل شعر غواية بل منه ما يتضمن إقامة الحق والحث على الخير، كانت العرب تطلق اسم الحكمة على قوة جامعة لرزانة العقل والرأي وشرافة الخلق ومن هذا سموا الرجل العاقل المهذب حكيما. وكذا يطلقونها على فصل الخطاب وهو القول الواضح عند العقل والقلب والحكم والفضاء حقا كان أو باطلا قال تعالى:{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} . {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُون} قال النووي في تعريف الحكمة: "فيها أقوال مضطربة وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تعالى بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصبر عن الهوى والباطل وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام. نعم الإفراط في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها"[24] .

الحديث الثالث:

عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك" متفق عليه. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس؟ ". قال أبو هريرة: نعم". أخرجه مسلم. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم". أخرجه أبو داود.

عن كعب بن مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". أخرجه أحمد.

وفي رواية له: "والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر".

ص: 442

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "فكيف بنسبي فقال لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين"متفق عليه. وعن هشام عن أبيه قال: "ذهبت أسب حسان عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه الإسماعيلي.

في هذه الأحاديث جواز الشعر بل استحبابه إذا كان هادفا إلى صالح الإسلام وتدعيم الدعوة الإسلامية ورفع صرحها ونقض مباني الشرك وعبادة الأوثان.

دخل حسان بن ثابت رضي الله عنه في الإسلام حتى إذا أخذ شعراء قريش في هجاء الرسول وصحبه من المسلمين انبرى لهم بلاذع هجائه وكان رسول الله يحثه على ذلك ويدعو له بمثل: "اللهم أيده بروح القدس".

ولما قال له الرسول: "كيف بنسبي؟ " قال له: "لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين". فكان يهجوهم بأفعالهم وبما يختص عاره بهم.

واستمع الرسول إلى بعض هجائه لهم فقال: "لهذا أشد عليهم من وقع النبل".

وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرت عبد الله بن رواحة بهجاء قريش فقال وأحسن وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن وأمرت حسان بن ثابت فشفى وأشفى".

وما ذلك إلا أنه لم يكن يهجو قريشا بالكفر وعبادة الأوثان إنما كان يهجوهم بالأيام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب وهذا طبيعي لأنهم كانوا مشركين فعلا فلو هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغا. وبحق سمى حسان شاعر الإسلام وشاعر ورسوله الكريم فقد عاش يناضل عنه أعداءه من قريش واليهود ومشركي العرب راميا لهم جميعا بسهام مصمية.

نبذة عن شعر حسان

قدم على الرسول وفد بني تميم فقال حسان يرد على شاعر هذا الوفد الزبرقان بن بدر مادحا للمهاجرين مدحا رائعا يقول في تضاعيفه:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بينوا سنة للناس تتبع

يرضى بها كل من كانت سريرته

ص: 443

تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا

إن كان في الناس سباقون بعدهم

فكل سبق لأدني سبقهم تبع

أهدى لهم مدَحي قلب يؤازره

فيما أراد لسان حائك صنع

وورد أنه كان ينشد الرسول شعره في المسجد.

ومن هنا تعرف أن القرآن إنما يهاجم شعراء المشركين الذين كانوا يهجون الرسول ويثبطون عن دعوته فالقرآن لم يهاجم الشعر من حيث أنه شعر وإنما هاجم شعرا بعينه كان يؤذي الله ورسوله وهو نفسه الذي قال فيه الرسول الكريم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له أن يمتلئ شعرا".

ويقول حسان من همزيته التي أجاب فيها أبا سفيان بن الحارث وقد استهلها بمطلع غزلي جميل:

عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء

إلى أن يقول:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء [25]

يبارين الأسنة مصعدات

على أكتافها الأسل الظماء [26]

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهم بالخمر النساء [27]

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء [28]

وإلا فاصبروا لجلاد يوم

يعز الله فيه من يشاء [29]

إلى أن يقول:

ألا أبلغ أبا سفيان عني

فأنت مجوف نَخْبُ هواء [30]

بأن سيوفنا تركتك عبدا

وعبد الدار سادتها الإماء [31]

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفءٍ

فشركما لخيركما الفداء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

والموضوع طويل وحسبنا ما ذكرنا على سبيل المثال.

وقد ذكر البخاري في باب من استنشد الشعر وما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم منه وما تمثل به وبيان أنه بمنزلة الكلام.

ص: 444

1-

عن عمر بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم شعر أمية ابن أبي الصلت وأنشدته، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هيه هيه". حتى أنشدته مائة قافية. فقال: "إن كاد ليسلم"[32][33] .

ترجمة أمية:

هو أمية بن عبد الله بن ربيعة الثقفي. وعتبة وشيبة أبناء خاله ولذلك رثى قتلى بدر بقصيدته المشهورة وكان ممن حرم الخمر وتجنب الأوثان والتمس الدين وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث في الحجاز فرجا أن يكون هو.

فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حسده وبلغ به الحسد إلى حد الجحود فلم يسلم. توفي بالطائف في السنة الثانية وقيل في التاسعة ومن شعره:

كل دين يوم القيامة عند الله

إلا دين الحنيفة زور

ومن شعره:

إن تغفر اللهم تغفر جما

وأي عبد لك لا ألما [34]

قوله: "هيه هيه" أصله إيه أبدلت الهمزة بالهاء، اسم فعل بمعنى الأمر تقول للرجل "إيه" بغير تنوين إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما فإذا نونته استزدته من حديث ما لأن التنوين للتنكير.

قوله "إن كاد" مخففة من الثقيلة. أي قارب الإسلام ولم يسلم. وفي رواية:" آمن لسانه وكفر قلبه".

2-

وعن خالد بن كيسان قال: "كنت عند ابن عمر فوقف عليه إياس بن خثيمة قال: ألا أنشدك من شعري يا ابن الفاروق. قال: بلى ولكن لا تنشدني إلا حسنا. فأنشده حتى إذا بلغ شيئا كرهه ابن عمر قال له: أمسك"[35] .

3-

عن قتادة سمع مطرفا قال: "صبحت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فقلّ منزل ينزله إلا وهو ينشدني شعرا. وقال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب"[36] .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل". وفي رواية: "أصدق كلمة" منفق عليه.

ص: 445

المراد بالكلمة هنا القطعة من الكلام كما قال سبحانه: {كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} إشارة إلى قول الكافر: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت.

ترجمة لبيد:

هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جفر بن كلاب يكنى أبا عقيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني كلاب فأسلم ثم رجع إلى بلاده وقطن بالكوفة ومات بها عاش مائة وأربعين سنة وكان شريفا في الجاهلية والإسلام قيل مات في خلافة عثمان وقيل في خلافة معاوية [37] .

وعجز الشطر الأول. وكل نعيم لا محالة زائل. قوله باطل: أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} فلا ريب أن هذه الكلمة أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر. مقدمتها كلية مقطوع بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء قطعا إلا ما مرَّ استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه وثوابه. وفيه جواز الشعر وإنشاده ما لم يخل بأمر ديني أو يزيل الوقار أو يحصل منه إطراء أو إكثار [38] .

4-

عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟. فقالت: كان يتمثل بشيء من شعر عبد الله بن رواحة ويتمثل ويقول: "ويأتيك بالأخبار من لم تزود" [39] .

قوله: "فقالت"لفظ الطحاوي: "فقالت نعم بشعر ابن رواحة وربما قال هذا البيت ويأتيك الخ". وفي لفظ له: "كان يتمثل بشعر ابن رواحة"أخرجه أحمد من طريق مغيرة عن الشعبي: "إذا استراب الخبر تمثل فيه ببيت طرفة"فنسبتها إلى ابن رواحة مجازية [40] .

عبد الله بن رواحة:

صحابي جليل شهد بدرا وهو أحد النقباء استشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء الذين أخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان جده أبو سريح عمرو بن امرئ القيس شاعرا فحلا وهو القائل:

يا مال والسيد المعمم قد

يبطره بعد رأيه السرف

نحن بما عندنا وأنت بما عن

ص: 446

دك راض والرأي مختلف

قوله ويأتيك الخ هذا عجز بيت وصدره ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا. والمعنى يأتي الزمان إليك بالخبر من غير أن ترسل أحدا أن يأتي به إليك فلا تحتاج أن تعطيه الزاد.

عن البراء بن عازب قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب وهو يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا

ويرفع بها صوته".

وفي رواية: "ورفع بها صوته أبينا أبينا "متفق عليه.

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة

وفي رواية سهل بن سعد عند مسلم: "فاغفر للمهاجرين والأنصار"وفي رواية: "كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون الحديث"منفق عليه.

عن جندب بن سفيان قال: "دميت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك المشاهد فقال:

هل أنت إلا إصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

أخرجه الشيخان.

وعن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة حنين: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب". أخرجه الشيخان.

التعليق على الأحاديث

ص: 447

قال النووي: "قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه} وهذا مذهب الأخفش واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر. وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى يقصده إلى القافية ويقع في ألفاظ العامة كثير من الألفاظ الموزونة ولا يقول أحد أنها شعر ولا صاحبها شاعر وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} وقوله تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} [41] ".

ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا. قلت: وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابه الشافي في علم القوافي: "قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله مولانا ولا مولى لكم". وقوله: "هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت". وقوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" وأشباه هذا القول. قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيِّن وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها أنه شعر القول وقصده وأراده واهتدى إليه وأتي به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لم يكن شعرا ولا يكون قائله شاعرا".

عن سلمة بن الأكوع قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فتسيرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هينهاتك - وكان عامر رجلا شاعرا - فنزل يحدو بالقوم يقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اقتفينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

ص: 448

وألقين سكينة علينا

إنا إذا أصيح بنا أتينا

وبالصياح عولوا علينا

متفق عليه.

قلت: وقد سبق الكلام على ما يتعلق به.

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام"[42] .

عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: "الشعر منه حسن ومنه قبيح، خذ بالحسن ودع القبيح. ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا منها القصيدة فيها أربعون بيتا ودون ذلك"[43] .

عن جابر بن سمرة قال: "جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت فربما تبسم معهم".

أخرجه الترمذي والطيالسي وأحمد والسياق للترمذي [44] .

ترجمة كعب بن مالك:

أبو عبيد الله المدني أحد الثلاثة الذين نزلت توبتهم في القرآن بعد خمسين ليلة وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة شهد أحدا وما بعدها مات بالشام في خلافة معاوية.

والمعنى أنه ذا حسن المعنى شرعا فالكلام محكوم عليه شرعا بالحسن ولو كان اللفظ غير فصيح وإذا قبح المعنى شرعا لم يحكم عليه بالحسن وإن كان لفظه فصيحا وهذا حق ولكن الوزن وفصاحة الكلام يزيد الحسن حسنا كالحكمة يزيد القبيح قبيحا كالهجو [45] .

كراهة الشعر لمن غلب عليه

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قبحا خير له من أن يمتلئ شعرا"[46] .

زاد مسلم: "يريه" بفتح الياء وكسر الراء من الورى وهو داء يفسد الجوف.

قال الطح اوي: "المكروه الشعر الذي يملأ الجوف فلا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره فأما من كان في جوفه القرآن والشعر مع ذلك فهو خارج من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأن يمتلأ".الحديث [47] .

ص: 449

وقال النووي: "المراد أن يكون الشعر غالبا عليه مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى وهذا مذموم من أي شعر كان فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه. قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستنشده وأمر به حسان في هجاء المشركين وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه"[48] .

وفي رواية لمسلم من طريق أبي سعيد الخدري قال: "بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ

" الحديث

والعرج: على نحو ثمانية وسبعين ميلا من المدينة.

قال النووي: "وأما تسميته هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم".

وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هي قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها.

وقال المناوي: "وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم للشاعر الذي عرض له بالعرج خذوا أو أمسكوا الشيطان فلعله علم من حاله أنه اتخذ الشعر حرفة فيفرط في المدح إذا أعطى وفي الذم إذا منع فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم"[49] .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

مراجع البحث

القرآن

أحكام القرآن لابن العربي.

الكشاف للزمخشري.

أضواء البيان للشنقيطي.

تفسير ابن كثير لإسماعيل بن كثير.

تاريخ الأدب العربي للزيات.

ص: 450

التلخيص الحبير لابن حجر.

سيرة ابن هشام.

سنن أبي داود.

سنن النسائي.

سنن ابن ماجه.

سبل السلام للصنعاني.

الشعر والشعراء لابن قتيبة.

شرح شواهد المغني للسيوطي.

شرح مسلم للنووي.

غريب القرآن.

فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي.

فتح الباري لابن حجر.

صحيح البخاري.

صحيح مسلم.

فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد لفضل الله الجيلاني.

لباب النقول للسيوطي.

مسند أحمد والطيالسي.

مجمع الأمثال.

مقدمة ابن خلدون.

مشكل الآثار للطحاوي.

مقدمة شرح التلخيص للبرقوقي.

مذكرة في الأدب لمحمد المجذوب.

مجلة حضارة الإسلام.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

غريب القرآن _ص262 _طبعة المكتبة المرتضوية.

[2]

المقدمة ص532.

[3]

تاريخ الأدب العربي ص28 _طبعة دار نهضة مصر.

[4]

انظر حضارة الإسلام العدد 8 _السنة السابعة ص70 _71 _

[5]

ص7_ طبعة دار الثقافة.

[6]

ص8_9_طبعة المكتبة التجارية.

[7]

سورة النحل 47.

[8]

تامكا سناما عظيما. والقرد الذي أمله القراد. والسفن الحديد الذي ينحت به وهو المبرد يقول: إن الرحل أثر سنام الناقة وتنقص منها كما ينقص السفن من العود.

[9]

مذكرة في الأدب لطلاب كلية الشريعة.

[10]

فتح القدير ج4_ص121_122 مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

[11]

لباب النقول في أسباب النزول بهامش الجلالين ص237_ج1.

[12]

ج3_ص354_دار إحياء التراث العربي.

[13]

فتح القدير ج4 ص121 _ مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

[14]

123_ ج3_

[15]

فيض القدير.

[16]

أضواء البيان _6 _ص392.

[17]

الكشاف _ص133 _ ج3.

ص: 451

[18]

أخرجه البيهقي من طريق علي موقوفا والترمذي والحاكم عن عائشة بلفظ "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم "سبل السلام ص4/53.

[19]

انظر أحكام القرآن ج3 ص1430.

[20]

انظر التلخيص الحبير ج3/128.

[21]

أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وأبو داود والترمذي.

ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة أن البيان أعم من كونه نثرا فيدخل فيه الشعر لما يشتمل عليه من أوجه البيان وصفوف التشبيهات والمحسنات التي تجذب..

[22]

الميداني _ مجمع الأمثال والزرقاني _ فيض القدير 2/524.

[23]

أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه من طريق ابن عباس والجملة الثانية ثابتة في البخاري بلفظ إن من الشعر لحكمة من طريق أبي قاله الزرقاني 2/24.

وانظر ابن حجر فتح_ 10/202 باب أن من البيان سحرا.

[24]

ابن حجر فتح 10/202.

[25]

النقع: غبار الحرب. كداء: موضع بأعلى مكة وهو غير كدي بالضم.

[26]

مصعدات: مسرعات في الصعود. الأسل: الرماح الجيدة.

[27]

متمطرات: مسرعات متحفزات..

[28]

الفتح: يعني فتح مكة.

[29]

الجلاد: المصابرة في القتال.

[30]

مجوف: فارغ. نخب: جبان. هواء: فارغ.

[31]

عبد الدار: أخو عبد مناف. وحسان يهجو بني عبد الدار لأن النبي صلى الله عليه وسلم من بني عبد مناف.

[32]

أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأخرجه مسلم في كتاب الشعر آخر كتاب الحيوان وابن ماجه في الأدب والدارمي في الاستئذان وابن خزيمة في التوحيد والطحاوي في الكراهية وأحمد في مسند ابن عباس.

[33]

قال النووي في الحديث جواز إنشاء الشعر الذي لا فحش فيه وسماعه سواء شعر الجاهلية وغيرهم وأن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الإكثار منه وكونه غالبا على الإنسان فأما يسيره فلا بأس بإنشاده وسماعه وحفظه.. شرح مسلم 15/12.

[34]

تاريخ الأدب العربي ص75.

ص: 452

[35]

أخرجه البخاري في الأدب المفرد في باب إن من الشعر حكمة قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا أيوب بن خالد هو ابن كيسان الحديث ص222.

[36]

أخرجه البخاري في الأدب المفرد قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة. الحديث.

[37]

شرح شواهد المغني للسيوطي 152 _ج1.

[38]

فيض القدير 1/529.

[39]

أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في اليوم والليلة والبخاري في الأدب المفرد والطحاوي في مشكل الآثار.

[40]

فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد 2/316.

[41]

شرح مسلم 12/118.

[42]

أخرجه البخاري في الأدب المفرد والدارقطني في سننه.

[43]

أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق سعيد بن تليد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني جاب بن إسماعيل وغيره عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قال الحافظ سنده حسن وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

[44]

وقال حديث صحيح وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ص176/رقم ج/435.

[45]

فضل الله الصمد ج2_315.

[46]

أخرجه مسلم في كتاب الشعر والدارمي في الاستئذان وأحمد في مسند ابن عمر والبخاري في الأدب المفرد..

[47]

معاني الآثار2/372.

[48]

شرح مسلم 15/14.

[49]

فيض القدير ج1_529.

ص: 453

القدس

للطالب سامي بن رضوان

قال الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

إن للقدس موقعا جميلا، وسحرا خاصا، وجمالا خفيا لا يحس به الإحساس الكافي إلا من أقام بها مدة، وتذوق هذا الجمال تدريجيا، ولعل من عوامل سحرها، هدوءها، وعمق صداها، وجمال تلالها، ونظافة جوها، وتنمو على هاتيك التلال، أعشاب وزهور متعددة الألوان تغطي تربتها، وتؤلف معلما من معالمها، وأبنيتها شاهقة تخالط سطوحها قباب غير مرتفعة موروثة عن تاريخها الغابر المديد.

موقعها

وتقع القدس على خط العرض (34) شمالا، وعلى خط الطول (35) شرقا، وتبعد عن أريحا مسافة (30) كيلو مترا، وعن نهر الأردن (40) كم، وعن ساحل البحر الأبيض المتوسط (65) كم تقريبا.

وتقع المدينة كلها تاريخية، وقديمة وحديثة على سلسلة جبال القدس ضمن هضبة ذات مرتفعان تعلو نحو (800) متر عن سطح البحر.

وتحيط المدينة كلها جبال مشهورة أهمها جبل المشارف من الشمال، وجبال المكبر من الجنوب، وجبل الطور من الشرق، وجبل صهيون من الغرب.

وتقع القدس القديمة ضمن سور يحيط بها من جميع جهاتها ويبلغ طوله نحو (4) كم، وارتفاعه نحو (12) مترا، وللسور سبعة أبواب كبيرة، مفتوحة يدخل الناس منها إلى المدينة من نواحيها المختلفة، والذي بنى هذا السور هو السلطان سليمان القانوني العثماني، وقد دامت أعمال هذا البناء في السور (5) سنوات.

وقد بلغت مساحة الأراضي التي تحتلها القدس قديمة وحديثة سنة 1367هـ 1948م ما يزيد على (31) كيلو مترا مربعا، أي ما يبلغ (31) ألف دونما، وتبلغ مساحة القدس القديمة نحو ألف دونم.

ص: 454

وأهم ما في القدس أماكنها المقدسة وفي مقدمتها الحرم الشريف الذي يحوي المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، حيث يقع في الجهة الشرقية الجنوبية من المدينة القديمة.

وفي هذا المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى". وهو مسجد رائع البناء عظيم المساحة، ويحيط به سور عظيم، وقد أسرى الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنه عرج به إلى السماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل في صلاته المسجد الأقصى إلى أن أمر بتحويل القبلة إلى الكعبة بالمسجد الحرام، فهو أولى القبلتين، وثاني البيتين، وثالث الحرمين، ولهذا فهو محط أنظار المسلمين.

وفي المدينة مساجد أخرى كثيرة يبلغ عددها (35) مسجدا، وبها مقدسات مسيحية وأهمها كنيسة القيامة، ولا يملك اليهود بها آثارا ولا أماكن دينية ولا مقدسات على الرغم من الضجة العالية والعويل الطويل إلا عرفا تقليديا لهم في البكاء خارج القسم الجنوبي من الحائط الغربي للحرم الشريف يسمى حائط المبكى.

عدد السكان

كان عدد السكان سنة 1367هـ سنة 1948م نحو (160) ألف نسمة نصفهم من العرب والآخر من اليهود وجاء عددهم هذا وليد الهجرة الناتجة عن وعد بلفور الجائر، ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر لم يكن عدد اليهود سوى (150) شخصا، وفي سنة (1170م) لم يكن في المدينة أكثر من يهودي واحد.

ص: 455

والقدس مدينة سياحية عالمية جذابة ولذا فإن بعض السكان يقومون ببعض الصناعات التي يغلب عليها الطابع السياحي مثل صناعات الخشب، الزيتون، والشموع، والقاشاني، والتطريز والزجاج والأدوات الفضية وغيرها، وبعض السكان يقومون بالزراعة حيث خصوبة التربة فيكثر فيها الفواكه والخضروات بأنواعها المختلفة، والتعليم فيها ناشط مزدهر إذ فيها نحو (50) مدرسة عربية و (30) مكتبة منها ما له قيمة تاريخية. كما يوجد بها جميع الدوائر الحكومية.

ما يفعله الصهاينة المحتلون

يعمل الصهيونيون اليهود على توسيع رقعة القدس وزيادة سكانها وتخطيط الحي اليهودي فيها، وقد تضمنت الخطة عمارات متراصة مرتفعة يشبه بعضها ناطحات السحاب، واشتملت على نواد وبارات ليلية كثيرة، وشقق صغيرة تحيل المدينة إلى ما يشبه محطة السكة السوداء داخل مظاهر الزيف والنشاز، وقد عرضت الخطة على ثلاثين من المهندسين والمعماريين والفنانين العالميين فنفروا منها جميعا ورفضوها لمغايرتها طبيعة المدينة المقدسة. وقد فعلوا فيها ما لا يستوعبه المجلدات.

وقد توغلت الحفريات التي يقومون بها في اختراق الحائط الجنوبي للحرم الشريف والأروقة السفلية للمسجد الأقصى في أربعة مواقع الأول، في أسفل محراب المسجد الأقصى والثاني أسفل مسجد عمر، والثالث: تحت الأبواب الثلاثة للأروقة الملاصقة للمسجد الأقصى وهنا توغلت (20) مترا في داخل الحرم، والرابع تحت الأروقة الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى، أصبحت هذه الحفريات تهدد المسجد الأقصى وسور الحرم الجنوبي بالتصدع والانهيار.

ص: 456

ورغم كل ذلك فقد واصلت السلطات الصهيونية إخلاء العقارات والأراضي بالقوة وتمكنت من إجلاء ما يقارب من خمسة آلاف عربي من مساكنهم وأماكن عملهم داخل الأسوار وحرست ما لا يقل عن ألف من العمل في الزراعة في الأراضي المصادرة خارج الأسوار يعيلون لا أقل من خمسة آلاف شخص، وإجلاء ما يقرب من ألف عربي من مساكنهم خارج الأسوار، وهي بالإضافة إلى ذلك جادة في ملاحقة الباقين منهم ويقدرون بحوالي الألف بالجلاء والتشرد.

الاستيطان الإسرائيلي

يهدف إلى جعل القدس مدينة يهودية، كشف عن ذلك وزير الإسكان اليهودي عن مؤامرة الاستيطان التي باشروها منذ 1968 خارج أسوار القدس وداخلها وما حولها، وتستهدف بناء (35) وحدة سكن وتتسع لإسكان (122) ألف صهيوني جديد.

وقد نفذت هذا البرنامج خلال السنوات الست الماضية وتم لها إنشاء ستة عشر حيا أو مستعمرة جديدة على أنقاض ما هدم من أحياء وقرى عربية وعلى ما صور أو اغتصب من الأراضي داخل أسوار المدينة وخارجها.

احراق المسجد الأقصى

في يوم الخميس 8 جمادى الثانية 1389هـ أحرقت إسرائيل المسجد الأقصى، وقد دمر الحريق القسم الجنوبي الشرقي منه، كما أتى على المنبر، وقد ادعت إسرائيل أن ماسا كهربائيا سبب الحادث، ثم تراجعت وزعمت أن شابا أضرم النار في المسجد.

هل يحتاج المسلمون بعد ألسنة النار التي التهمت المسجد الأقصى إلى من يوقد حميتهم ويشعل إرادتهم للوقوف صفا واحدا وجبهة واحدة في وجه العدو، ولكن من المؤسف حقا أن إشعال النار في أولى القبلتين وثاني البيتين وثالث الحرمين لم يكن مفاجأة وأن المسلمين والعرب لم يأخذوا على حين غرة عندما أقدمت إسرائيل على حرقه ولن يؤخذوا على غرة إذا فعلت إسرائيل لا قدر الله بمقدساتهم أكثر من ذلك.

ص: 457

إن القدس كانت ولا تزال محل أطماع اليهود والصليبيين، أما الصليبيين فقد يئسوا من تحقيق أطماعهم منذ أن هزمهم صلاح الدين الأيوبي واستردها منهم، وأما اليهود فما زالوا يتأمرون عليها وقد استطاعوا بغدرهم وتفكك المسلمين أن يسيطروا عليها ولكن ذلك لن يطول فسنستردها بعون الله منهم وتبقى تراثا إسلاميا مصونا تحوطها القلوب المؤمنة وتحميها صدور المسلمين، وسوف يرتد كل معتد على القدس والمسجد الأقصى خاسئا بإذن الله.

ص: 458

من آيات الله في الآفاق

للطالب محمد الأمين ولد الشيخ

المعهد الثانوي - السنة الأولى

أيها الملحدُ الغبيُ تعلَّم

وانظر الكون واعيا وتفهم

وتفكَّر هُنْيهَةً وتدبَّر

وتأمل هذا الوجودَ المُنظم

أنظامٌ ولا مُنظم هَذَا

نحوٌ سخف ظاهر ورأيٌ مُحَطَم

منطقٌ هكذا صغيرٌ حَقير

لا يساوي مدادَه لا يسلَّم

منطقُ البصرة السَّليمة يأبا

هـ ويقضي بردّه إن علم

وُجد الكونُ صدفة لا تقل ذا

أيٌ عقل يُسيغ هذا؟ تكلم

استمعْ ههنا جهازٌ دفينٌ

مُحْكم متقن جميل مصمم

كان من غير صانع أتُرى ذا

منطق العقْل؟ لا وربّى الأكرم

أتُرى ذا الجهازَ وهو صغيرٌ

من جهاز السماء والأرض أحكم!

إنتبه جيدا تفكّر قليلاً

لا تقلّد من عقلُه قد تسمّم

انفرد ساعة إذا الليل أظلم

وسرى الصمتُ في الوجود وخيم

وتساءَلْ أَصدفةً كلُّ هذا

وتساءل وقل لنفسك مهْيم؟

أُترك الكبر جانيا وتواضعْ

واطلب الحق خلصا وتقدم

خطوة خطوة رويدا رويدا

فإذا الكفر كله قد تهدم

وإذا باليقين ينمو وينمو

وإذا النُّور قد أضاء فعمَّم

أسلم _ الكون مسلمُ _ وتَقدَّم

وتشهد شهادة الحق تسلم

ص: 459

كلية الحديث

للطالب أحمد بن حسن المعلم

نبأ أهاج كوامنى وأثارا

وهششت عند سماعه استبشارا

كلية باسم الحديث وأهله

تروي الهدى وتعلم الآثارا

ماذا أقول وكيف أنطق بالذي

في خاطري وأوضح الأسرارا

أأقوله نثراً بغير تقيد

أم هل ترون أصوغه أشعارا

ما حجم أبيات القصيدة كي تفي

ما في الجوانح والفؤاد توارى

والقلب لولا ما يضم من الهدى

لفرى الضلوع من السرور وطارا

والنفس يغمرها السرور ومالها

ألاّ تسرو وتلبس النوارا

لم لا أسرو وقد حظيت بغاية

كانت لآمالي الكبار منارا

سأكون من صحب الرسول وآله

سأنال منه قرابة وجوارا

سأعيش في كنف الرسول مصليا

ومسلما ومتابعاً مختارا

سأرى الدليل وسوف أعمل بالذي

دل الدليل على سناه ودارا

أنا لن أكون مقلدا متعصبا

شبه البهيمة رحبت ينعق سارا

أنا لن أكون مقلدا متعنتا

أدع الدليل لما أراه جهارا

إن المقلد في الخسارة والشقا

ما عاش يوما يشبه الأحرارا

إن المقلد كالضرير يقوده

من شاء براً كان أو كفارا

إن المقلد كالصغير مفوضا

إن يعط تمراً يرضه أو نارا

فدع الثعب المذاهب إنه

سجن العقول يتريقها الأصارا

وأراه غلاً في الرقاب وصانعا

ما يقول رسولتا وستارا

يا طالب العلم الصحيح بشارة

منحوك علما نافعا مختارا

أقبل على علم الحديث فإنه

جسر الحياة لمن أراد فخارا

وفذ الصحيح ودع سواه فما بن

من حاجة لتلفق الأقيارا

وتتبع الإسناد وانقد أهله

لا تخش إثما فيه أو أضرارا

وفذ الصحيح بقوى لا تخش في

تطبيقه زيدا ولا عمارا

واضرب بسيف الحق كل مقلد

ص: 460

فلقد حملت مهندا بثارا

وأنر بمصباح الحديث ظلامنا

ودع الليالي الحالكات نهارا

وصدع رؤوس الخارجين عن الهدى

من كل مبتدع غدا حفارا

وانف الضعيف وما تبين زيفه

فلقد رأينا منهما الأضرارا

واعمل بما حصلت منه ولا تكن

بعد الدراسة حاملا أسفارا

وادع الأنام إلى طريق واحد

الكل في تطبيقه يتبارى

فلقد أساء لنا التغرف أعصرا

فسبى العقول وقيد الأفكارا

فمتى يخلصنا الحديث من العنا

فنسير تحت لوائه أحرارا

ومتى يوحدنا الحديث على الهدى

فنسير جيشا واحدا جرارا

هذا بعون الله سوف نناله

فلقد رأينا للخلاص منارا

كلية العلم الجليل تقودنا

فنخوض تحت لوائها الأخطارا

فليهن أبناء الحنيفة منهل

بالعذب ينضح طيبا مدرارا

وليهن جامعة المدينة أنها

صارت لطلاب الحديث مزارا

ص: 461

طه حسين

حياته.. وأدبه.. في ميزان الإسلام

لفضيلة الشيخ إبراهيم محمد سرسيق

كلية القرآن والدراسات الإسلامية

طالما سألت نفسي، منذ اشرأبت عنقي إلى بلابل الدوح وهي تشدو في حدائق الأدب..

إذا كانت قيمة كل امرئ ما كان يحسنه، فبأي قيمة من قيم الدين أو الأدب أو الخلق، تسنّم الدكتور طه حسين ذروة الأدب والثقافة والتعليم في مصر؟ وبأي قيمة من قيم الدين أو الأدب أو الخلق تبوّأ مقعد القيادة والتوجيه في دولة الفكر قرابة نصف قرن من عمر الزمان؟

وبأي قيمة من قيم الدين أو الأدب أو الخلق، قد تقبل في كبرياء مصطنع، وشموخ كاذب، وعبقرية مدّعاة أن يصفه أهل البَغاء الفكري، والنفاق السياسي، بأنه: عميد الأدب العربي؟؟

بالله خبروني:

من ذا الذي عمّده للأدب في دنيا العرب..؟؟

وهذا كتاب أخرجه لنا كاتب إسلامي نشيط، هو الأستاذ/ أنور الجندي، ونشرته (دار الاعتصام) بالقاهرة، عام 1396هـ 1976م.

وهذا كتاب يضع طه حسين في ميزان الإسلام، بعد أن وضعه الآخرون في موازين كثيرة. ويشاء الله تعالى أنه بقدر ما ارتفعت به الموازين الأرضية فقد هبط في ميزان الإسلام إلى الحضيض.

جزاء وفاقا، بما فرَّط في جنب الله، وألحد في ذاته، وتهجم على نبيه صلى الله عليه وسلم، وطعن في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

والكتاب يحتوي على حوالي (270) صفحة من الحجم المتوسط، ويقع في مقدمة وثلاثة أبواب:

الباب الأول: حياة طه حسين مرحلة التكوين والإعداد ويتضمن خمسة فصول.

وتدور هذه الفصول الخمسة حول مطالع حياته، رحلته إلى أوربة وأثرها، في أحضان الاستشراق، التبعية للفكر الغربي، الولاء للسياسة الغربية.

أما الباب الثاني: (مرحلة النضوج والتألق) فيتضمن خمسة فصول أيضا

ص: 462

في الجامعة، في وزارة المعارف، في الصحافة والسياسة الحزبية، في المجمع والجامعة العربية، وفي المحاضرات والمؤتمرات.

ثم يأتي الباب الثالث والأخير: آراء طه حسين وصراعه مع أهل جيله ويتضمن ستة فصول:

آراء طه حسين، طريقة البحث، ظاهرة التحول والتناقض، الأسلوب والأداء الفني، الاستجواب، صراعه مع أهل جيله.

ثم خاتمة في حوالي سبع صفحات، تلمس لمسا خفيفا أهم ما جاء بالكتاب، وتبرز الدافع إلى تأليفه وتَعِد بتقديم بحث جامع في الموضوع نفسه.

وسنعود إلى إبداء رأينا في المنهج والخاتمة، بعد بحث وتقويم المادة العلمية.

الحجة إلى مثل هذا البحث:

إن الحاجة ماسة جدا إلى مثل هذا النوع من البحوث التي تزن مختلف الشخصيات العلمية والأدبية بميزان الإسلام. ومهما يكن رأينا في المنهج العلمي الذي سار عليه الكاتب في بحثه فإننا نناشد المؤلف وغيره من الباحثين المسلمين أن يتناولوا أولئك الأعلام، الذين ارتفعوا على أسنة الأقلام، أو حملهم العوام فوق الأكتاف والهام لكي يوضعوا في دائرة الضوء الإسلامي فيبدو للملأ ما فيهم من غث أو سمين، ولكي يبرزوا إلى نور الحق بدل أن يضاعفوا أحجامهم ويرفعوا عقائرهم في الظلام. فالقيمة الحقيقية لهؤلاء الأعلام لا توزن بموازين الأرض الزائلة، بل توزن بموازين العدالة الإسلامية:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [1] . والمشكلة دائما هي أن الحق أبلج ولكن الباطل لجلج، وفي هذا العصر نرى أهل الباطل يجعجعون ويصيحون ويصرخون، ويتنادون بالنصرة والأحلاف ويهزون الأعطاف بينما أهل الحق قانعون بالسلامة الذليلة، راضون عن الغنيمة بالإياب.

ص: 463

فهل يلام الباطل إذا أرغى وأزبد، وتهدد وتوعّد؟

وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا!!

ومشكلة (طه حسين) أنه رجل ملأ الدنيا وشغل الناس، واستفاض صيته وطارت شهرته في كل الأقطار، وما علم الناس سببا لهذه الشهرة المستفيضة والصيت الذائع! ولكنهم اقتنعوا، فجأة وبزعمهم، بأن هذا الرجل مشهور وما دام مشهورا فلا بد أنه شخصية عظيمة. وهكذا ظلوا مع الآخرين يكذبون ويكذبون حتى صدّق الجميع أنفسهم!!!

لماذا برز ((طه حسين)) وفرض شخصيته على الناس سنين طويلة؟

هل بسبب موقفه المعادي للفكرة الإسلامية؟

هل بسبب نشاطه الحزبي ومغامراته السياسية؟

هل بسبب كتبه الهزيلة، وشخصيته المنافقة؟

هل بسبب ارتمائه الذليل في أحضان المستشرقين، وترديده لأباطيلهم؟

هل بسبب منهجه العلمي الزائف المستعار؟

هل بسبب كراهيته للعرب وتهوينه الدائم من شأن دينهم وحضارتهم؟

هل بسبب اتجاهه إلى الإباحية والأدب المكشوف؟

مرة أخرى:

لماذا استفاضت شهرة طه حسين؟

لماذا ارتفعت منزلته لدى الباحثين عن صنم يعبدونه من دون الله؟ يالله للمسلمين!

متى يكف الناس عن إحاطة بعضهم بعضا بأوصاف القداسة، وهالات العظمة، وهم يعلمون أن العظمة والقداسة لله وحده؟

متى يكف الناس عن كيل عبارات المديح والإطراء لمن يزعمونهم خطأ قد بلغوا قمة العلم أو الحكمة أو البراعة في دنيا المظاهر البراقة والألقاب الخادعة {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} . وصدق الله العظيم: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً} .

فلنسر في دروب البحث المتأني وراء هذا الشبح الغامض، عسانا أن نهتدي بفضل الله تعالى في الوقوف على سرّ هذه الظاهرة العجيبة ظاهرة البرق الذي يلمع في ظلام دامس فزاده غبرة ترهقها قترة.

أولا: عداؤه للفكرة الإسلامية:

ص: 464

إن كل من يراجع كتابات طه حسين ابتداء من كتابه (في الشعر الجاهلي) إلى آخر ما أملى يروعه جرأة هذا الرجل على شريعة الله وأحكامه السامية، حتى ليخيَّل إليه أن الرجل قد حمل بكلتا يديه مِعْوَلا مسنونا يهدم به كل بنيان إسلامي، وقد لبس في كل مرة قناعا يتخفى من ورائه وهو يقوم بعمله الموبوء في همة دائمة لا تعرف الكلال.

فهو قد تعمد إحياء الدعوة المنهارة بفصل دراسة الأدب العربي عن الفكرة الإسلامية. ووصف هذه العملية الخبيثة بوصف مثير وخطير كعادته في كل عملية هدم يقوم بها فقال: إنها تحرير الأدب العربي من إطاره الإسلامي. ورفع عقيرته قائلا: "أنا أريد أن أدرس تاريخ الأدب في ((حرية وشرف)) كما يدرس صاحب العلم الطبيعي علم الحياة والنبات!! ". وزعم أن ربط الأدب بالإطار الإسلامي فيه إيحاء بالدعوة إلى الإسلام والتبشير به!!

ومن عجب أن ينزلق صاحب ((الوعد الحق)) و ((على هامش السيرة)) إلى هذا المنزلق الخطير!!

ولئن كانت الدعوة الإسلامية وما زالت - والحمد لله - في غنى عن أمثاله من القردة المقلدين، الذين جعلوا ظهورهم قنطرة عبور لأفكار المستشرقين من كل حدب وصوب فإنا نقول لكل من يحاول إحياء هذه الشبهة التي نعتبرها بحق كالجنين الذي ولد ميتا:

_ وهل الإسلام إلا منهج كامل للحياة، والأدب جزء منها؟ فكيف لا يدخل الأدب في الإطار العام للقيم الإسلامية النبيلة التي تسكن من قلوبنا في السويداء؟

إذا كان العلم الطبيعي كعلم الحياة والنبات يملك سلاحا قويا للتمحيص والتجريب هو التجربة العلمية التي يمكن التحكم فيها، والاحتكام إليها فما المرجع الذي يمكن اللجوء إليه لتصحيح القيم، وتهذيب السلوك، وترقية المشاعر إذا لم نرجع إلى شريعة الله.. رب كل شيء ومليكه؟ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

_ يقول علماء النفس: لابد لأي سلوك من دوافع.

ص: 465

_ فإذا كان الأمر المتعارف عليه أن يدرس الأدب في ظل القيم والمبادئ السائدة في كل عصر وبيئة باعتبارها (الإطار المرجعي له From Of RefeRence) ، وإذا كان الأدب العربي يدرس في بيئة إسلامية فما الدوافع الخفية وراء السلوك الطارئ المستنكر لدارسة الأدب العربي مقرونا بمبادئ الإسلام؟

_ ثم من ذا الذي يزعم أن دارسة الماديات في علم الحياة والنبات يمكن أن تقارن بدراسة المعنويات من القيم والفضائل والإنسانيات؟؟

أخيرا يعلق المستشرق كامبفاير قائلا: "إن المحاولة الجريئة التي قام بها طه حسين ومن يشايعه في الرأي، لتخليص دراسة العربية من شباك العلوم الدينية، هي حركة لا يمكن تحديد آثارها على مستقبل الإسلام"[2] .

ثانيا: دعوته إلى الجاهلية الفرعونية:

ويتمثل ذلك في إصراره على وضع شعار فرعوني للجامعة المصرية حين كان مديرا لها.

وفي ادعائه المتكرر أن مصر فرعونية وأنها تابعة لليونان في الفكر، وتابعة لمنطقة البحر المتوسط والغرب في السياسة، وأقرب ما تكون إلى الروح الفرعونية في الثقافة والحضارة!!!

وقد أرسل إليه الأستاذ توفيق الفكيكي برقية من العراق تقول:

"إن شعاركم الفرعوني سيكسبكم الشنار، وستبقى أرض الكنانة وطن الإسلام والعروبة، برغم الفرعونية المندحرة!! ".

ماذا - أيضا - يستهدف طه حسين من هذه الدعوة السخيفة إلى جاهلية الفراعنة؟ كيف يدعو مفكر إسلامي إلى العودة الانتكاسية إلى جاهلية الأوثان وبدائية التصور وفطرية السلوك وخرافة المعتقدات؟

وماذا يبتغي من جذبهم إلى الفرعونية الهالكة إلا سلخهم من الانتماء إلى أمة الإسلام ودين الإسلام ونبي الإسلام؟

في أيام هذا المفكر الفرعوني ردّ عليه الدكتور زكي مبارك قائلا:

ص: 466

"إنك تعرف أن مصر ظلت ثلاثة عشر قرنا، وهي مؤمنة بالعقيدة الإسلامية، والأمة التي تقضي ثلاثة عشر قرنا في ظل دين واحد لا تستطيع أن تفرّ من سيطرة هذا الدين"[3] .

ومعلوم ما يثبته المؤرخون من ((الانقطاع الحضاري)) الذي أحدثه الإسلام في نفوس المصريين، حين نفضوا أنفسهم تماما من التراث الفرعوني واليوناني والروماني، وتركوا هذه الحضارات تذوب وتضمحل، وآمنوا بالإسلام وتشربوا في معاملاتهم ولغتهم وسلوكهم ولم تكن لهم ثقافة خاصة منفصلة عن الثقافة الإسلامية الأصلية.

ورغم أن هذه الفكرة الساقطة - فكرة الانسحاب من العقيدة القوية المسيطرة، إلى أوهام القرون البدائية المنقرضة - لم يتقبلها المصريون أنفسهم، ولم يكن لها من بينهم دعاة يعتد بهم، فإنه من الواضح أن كثيرا من المستشرقين يحتضنونها في حدب شديد، ويعتبرونها ركيزة أساسية في محاولاتهم المستمرة والمتكررة لهدم الإسلام.

ونحن هنا نلفت الأنظار بقوة إلى أن كل دعوة قومية لإحياء العنصرية العرقية إنما هي دعوة مشبوهة، لأنها ضد الدين في المبدأ والأساس.

ثالثا: ادعاؤه الكاذب أن الدين ((ظاهرة اجتماعية)) :

ارتأى طه حسين - والحقد حشو فمه - أو قل: إنه نقل نقلا حرفيا عن أستاذه اليهودي ((إيميل دوركايم)) ذلك الرأي الخطير الكافر، الذي يطيح بكل تراث طه حسين وشخصيته وتاريخه:

"إن العالم ((الحقيقي)) (!!) ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس.. من حيث إن هذه الأشياء كلها ((ظواهر اجتماعية)) يحدثها وجود الجماعة. وإذن نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء [4] ، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها.."[5] .

ص: 467

إذن فطه حسين، هذا المنبع الكدر لتيارات الإلحاد والتشكيك، هو السبب في ذيوع هذه الفكرة السامة التي روّجتها ألسنة الأغرار من الناشئة وأدعياء الثقافة والفلسفة، ونشرتها أقلام الكتاب من كل مسلوبي الشخصية وضعاف العقيدة في هذا العصر، الذين روّجوا أن الدين ظاهرة اجتماعية!! ظاهرة اجتماعية تصدر عن الجماعة، وتتطور معها، وليست بوحي سماوي من الله تعالى. وطه حسين أيضا- وقد ازداد بغيا وعتوا، وإفسادا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله – فقد رتّب على هذه النظرة المتحدية للدين ما يلي:

1-

"أن الدين يجب أن يُعلّم فقط كجزء [6] من التاريخ القومي، لا كدين إلهي منزل لإصلاح أحوال البشر". ويرى: "أن القوانين الدينية لم تعد تصلح في الحضارة الحديثة كأساس للأخلاق والأحكام، ولذلك لا يجوز أن يبقى الإسلام في صميم الحياة السياسية أو كمنطلق لتجديد الأمة". ويرى: "أن الأمة تتجدد بمعزل عن الدين"[7] . وما من شك هنا أن هذا الملحد الجريء إنما يعرض للإسلام من منظور المسيحية، ويجهل أو على الأصح يتجاهل بخبث شديد الفرق الهائل بين الإسلام والمسيحية. فبينما المسيحية تعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فالإسلام يتناول الحياة كلها بتشريع كامل لا ينفصل فيه دين عن دنيا (إلا في أذهان العباقرة أمثال عميد الأدب الراحل)

وصدق الله مولانا في كتابه الكريم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [8] .

ص: 468

2-

أن النص المثبت في الدستور المصري بأن الإسلام دين الدولة، لا ضرورة له. يقول:"لم أكن في اللجنة التي وضعت الدستور القديم، ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد ولم يستشرني أولئك ولا هؤلاء هذا النص والذي اشتمل عليه الدستور والذي [9] يعلن للدولة المصرية دينا رسميا هو الإسلام.. ولو استشارني أولئك أو هؤلاء لطلبت إليهم أن يتدبروا ويتفكروا قبل أن يضعوا هذا النص في الدستور!!! "[10] .

رابعا: تهوينه من شأن العرب والحضارة العربية الإسلامية..

لكأنما أصيب صاحبنا بحمى قاتلة.. جعلته ينتفض حنقا على العرب وكل ما يمت إليهم بصلة.. ونتساءل مع الأستاذ أنور الجندي: "هل يمكن أن يكون مثل هذا الكاتب عميدا للأدب العربي الذي يزدريه ويتعقبه؟ أو قائدا لأمة هو منكر لمفاهيمها لا يدين لها بولاء..؟ "[11] .

في اعتقاده - عفا الله عنه - أن العرب ليسوا إلا وسطاء بين الأمم والحضارات. وأن الدور الذي قاموا به هو الدور الذي قام به من سبقهم من شعوب البحر المتوسط كالفينيقيين واليونان والرومان. يريد أن يتجه سكان المنطقة إلى الغرب لمواجهة الوحدة الإسلامية! وكان مصر إلى البحر المتوسط لمواجهة فكرة العروبة!! ويدعي أن الفتح العربي الإسلامي لم يكن إلا ضربا من الاستعمار الذي خضع له المصريون كما خضعوا للفرس والرومان وغيرهم.

ومن الواضح أنه في كل ذل يسقط الأثر الديني من حسابه في كل ما يقول.

ادعى أن العرب لم يكن لهم نثر فني. وأنهم لم يجيدوا الإنشاء إلا بعد اتصالهم بالفرس، وأن أول كاتب في اللغة العربية هو ابن المقفع الفارسي الأصل. وكل هذا الشر قد نقله من شرير آخر هو ((المسيوا مرسيه)) الذي كتبه في المجلة الإفريقية التي تصدر بالفرنسية في الجزائر.

ص: 469

هاجم العلامة العبقري (ابن خلدون) في رسالة التي تقدم بها إلى السربون، إرضاء لأستاذه اليهودي (دوركايم) الذي كان رئيسا للجنة الدكتوراه، وانتقد علم الرجل وقدره، ووصف جهاد المغاربة ضد الفرنسيين بأنه (معارضة للتمدن) ..؟

رأيه في القرآن الكريم

معاذ الله أن يكون لبشر ما - كائنا من كان - رأي في القرآن الكريم المعجز الذي يعلو ولا يُعلى عليه. فالقرآن ليس من كلام البشر، ولا ينبغي أن تحكم فيه أهواء البشر. {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} .

ولكن هكذا تقتضينا أمانة العلم أن نكشف على الملأ، مطاعن تلميذ المستشرقين النشيط طه حسين، في الترويج والدعاية لمبادئ أساتذته في (السربون) وفي (الكوليج دي فرانس) أولئك الذين اتخذوا من التظاهر بدراسة الإسلام تكأة للطعن فيه، {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ} .

_ 1_

أول هذه المطاعن [12] يهوي بصاحبه إلى هوة الكفر الصريح والعياذ بالله.

وهذا نص عبارته: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل. وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة، ونشأة العرب المستعربين فيها. ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى"[13] .

هكذا يفجِّر طه حسين قذيفة الكفر الرهيبة المدمرة هذه دون أن يبالي أي قدر من الخسائر تسببه لضمير الأمة المسلمة وإحساسها المرهف نحو دينها وعقيدتها..! تكذيب صريح القرآن الكريم، وادعاء فاجر بأنه ليس مصدرا تاريخا موثوقا به {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} .

ص: 470

والغريب أن هذا الكفر كان يراد له أن يدرس في كلية الآداب بالجامعة المصرية! لولا أن أراد الله أن تموت الفتنة في مهدها ويفصل رأس الكفر من الجامعة.

_ 2 _

في مؤتمر المستشرقين السابع عشر بجامعة أكسفورد (سبتمبر 1928م) ألقى طه حسين بحثا عنوانه (استخدام ضمير الغائب في القرآن) .

وقد ارتأى فيه: أن تأويل ضمير الغائب في معظم آيات القرآن باسم الإشارة فيه حلّ لمشكلة عدم المطابقة بين الضمير وما يرجع إليه. وزعم أنه بهذا الرأي يصحح ما يراه بعض المستشرقين من أن في القرآن خطأ نحويا - حاشا لله - إذ يرون الضمير قد رجع إلى متأخر، أو رجع إلى محذوف مفسّر بما يدل عليه من بعض الوجوه. وقد وصف الرافعي رحمه الله طريقة استبدال اسم الإشارة بضمير الغائب بأنها "بيع الذهب بالملح"! إشارة إلى أن رأي طه حسين الذي نقله عن أسياده المستشرقين بلا فهم وبلا علم إنما هو رأي ساقط بليد تافه، لا تقاس قيمته إلا بقيمة الملح إذا قورن بالذهب في نفاسته.

ويعقب الرافعي قائلا: "وكأنه أخذ تلك القاعدة من ذلك الكتاب الذي عثر به في خرائب روما، فرآه مكتوبا قبل الإسلام بمائة سنة، وفيه آراء في الشعر الجاهلي، وفيه قواعد نحوية ضابطة محكمة لا يشذ عنها إلا شاذ، ولا يختلف عليها إلا ما كان خطأ. وفيه أشياء وأراء يقال أن الدكتور طه لا يردّه عن نشرها إلا أنه يطمع أن يجد تحقيقها في كتاب آخر يعثر به في خرائب أثينا!! "[14] . وهو يشير بذلك إلى ولع الدكتور بالثقافة اليونانية وإغراقه في حب الإغريق، وحُبِّه لهم حبا ملك عليه قلبه حتى نهاية حياته!

ويكاد المريب يقول خذوني:

امتنع الدكتور عن نشر بحثه هذا في اللغة العربية، حتى حصلت عليه صحيفة الأهرام فنشرته مترجما، وانكشفت أباطيل الدكتور وفضحه الله على رءوس الأشهاد!

_ 3 _

ص: 471

زعم طه حسين أن القراءات السبع المجمع عليها لدى العلماء لم تنزل من عند الله، وأن العرب كما قرأتها حسبما استطاعت قراءتها لا كما أوحى الله بها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.

وهو بذلك البهتان ينكر أنها مروية عن الله تعالى كما جاءت على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم متجاهلا الآثار المتواترة والصحيحة التي وردت بهذا الصدد في كتب السنة المعتمدة.

كان يرى أن هناك قرآنا مكيا وقرآنا مدنيا، القرآن المكي يتميز بالبعد [15] عن المناقشة والخلو من المنطق (كذا) ! والقرآن المدني يناقش الخصوم بالحجة الهادئة..

والمؤسف ليس هذا الكلام الغث وحده، وإنما المؤسف بالدرجة الأولى هو ما يدل عليه من أن هذا الملحد المجاهر بإلحاده يعتقد أن القرآن الكريم هو من وضع النبي صلى الله عليه وسلم!!! فهل هناك ما هو أصرح من هذا في باب الكفر؟ وليس كلامه هذا صادرا عن استقراء لما يزعمه قرآنا مكيّا ومدنيا.

فالدارسة المتعمقة للقرآن تُبَيِّن أن الآيات المكيّة مليئة بأقوى البراهين وأقمعها للملحدين الجاحدين. وكثيرا ما حاجّ الله سبحانه كفار مكّة وقارعهم الدليل تلو الدليل وتحداهم المرة بعد المرة فأعلنوا عجزهم وتسليمهم ودخلوا في دين الله أفواجا.

أما ما يزعمه قرآنا مدنيا، ويزعم أنه مُلِئَ بالتشريعات والأحكام ومبادئ الأخلاق.. الخ.. فإنه يردّ ذلك كله- قاتله الله - إلى احتكاك المسلمين بيهود المدينة، الخ ما قاله مما يملأ النفس ألما ووجدا على هذا الآدمي الذي ابتلي به المسلمون حينا من الدهر، ولا زالت سمومه تتسرب على أيدي أشياعه ممن وردوا ورده، وشربوا من المستنقع الذي كرَع منه حتى غصّ بريقه..!

_ 5 _

زعم أن عدم وضع النقط على الحروف القرآنية في بدء تدوينه قد أدّى إلى حدوث اختلاف في نطقه، فهناك كلمات تنطق هكذا: فتبينوا، فتثبتوا.. الخ.

ص: 472

والحق الذي لا مراء من حوله، مهما أرجف المرجفون، أن القرآن مكلوء برعاية الله إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين وذلك بنص قول الحق سبحانه وتعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

وقد أحاط الكثيرون من الدارسين لعلوم القرآن بالكثير مما يتعلق بهذه الأمور، وما قصد طه حسين بهذا الافتراء إلا أن يكسر القداسة التي خص بها القرآن الكريم، سّيما وهو يعلم أن القرآن يتميز عن التوراة والإنجيل بأنه معجز بلفظه، محفوظ في السطور والصدور بنصّه، متعبد بتلاوته وهو كما قال (جاك بيرك) :"سقف اللغة العربية تقاس عليه ولا يقاس عليها"، فكيف يضعه هذا المخّرف موضع الشك والاختلاف؟

_ 6 _

ادعى أن لفظة (سورة) مأخوذة من كلمة (شورة) العبرية، بمعنى (سلسلة) وأثار الشك في لفظة (قرآن) هل هي عربية أو عبرية أو مأخوذة من لغات أخرى.

ورأى أن (الكتاب) غير (القرآن) ، وأن الكتاب كان موجودا قبل إنزال القرآن، وأن القرآن صورة عربية منه. (نعوذ بالله من ذلك) .

هل سمع السامعون في تاريخ الكفر والنفاق بمثل هذا؟

_ 7 _

ومن أخباره أنه كان يشجع تلاميذه في كلية الآداب على أن ينقدوا القرآن في جرأة ينقدونه باعتباره كتابا أدبيا! يمكن أن يقال فيه هذا كذا، وهذا كذا. ويحاول أن يدرسه دراسة فنية!!

فهل تسلح أولئك الطلاب بالأسلحة العلمية الكافية لدارسة القرآن، فضلا عن ((نقده)) بأمر أستاذهم؟

وهل يملك أستاذهم نفسه، مهما بلغ من علوم اللغة نحوها وصرفها وبلاغتها وأدبها وفقهها ومتنها، أن يمسّ القرآن بكلمة نقد واحد؟

وهل استطاع أساطين البلاغة وفرسان البيان من العرب الخلص إلا أن يسلموا مقاليدهم أمام إعجاز القرآن الكريم وبلاغته فماذا يبلغ هذا الدعيّ من الفقه بلغة الكتاب الكريم وأحكامه العظيمة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

وقفة أمام تراث طه حسين

ص: 473

سنضرب الذكر صفحا عما أوردناه، رغم فظاعته وهوله.

وسنلج مرة أخرى باب البحث في تراث طه حسين، لعلنا قد ظلمنا الرجل وما أنصفناه أن أثبتنا عداوته للدين، وأغفلنا نتاجه في الأدب.

سنلج باب البحث في أدبه على طريقته هو بأن نجرده من القيم الروحية التي كان معاديا لها. ((ونحرره)) - كما يقول - من إطاره الإسلامي!

تميزت كتابات طه حسين بما يلي:

1_

المجافاة لروح البحث العلمي الصحيح:

من الواضح أنه لم يكن من الميسور له أن يستعين بأدوات البحث العلمي، من هنا اكتفى بالنقد الأدبي الذي يقوم على الذوق، والقصة التي تقوم على الخيال، والاستعراض التاريخي والسياسي الذي يستطيعه كل من يمسك بالقلم كما يقول أنور الجندي! وفي الجامعة المصرية يقول أستاذه الشيخ محمد المهدي:"إن رأس هذا الفتى كالقدر الفارغة تحتها النار تتلظى فلا هو يشفق على القدر فيملؤها بما يقيها جور النار، ولا هو يبقى على النار إلى أن يتسنى لها الانتفاع بها في الوقت المناسب"[16] .

وفي الحقيقة إن استعراض النتائج النقدي لطه حسين، يوقفنا على حقيقة خطيرة ومؤسفة، وهي أنه كان في نقده يسير على غير قواعد. كان يكتفي بما يسميه هو نقدا ذوقيا. ومتى كان النقد ذوقا مجردا بلا دراسة؟

ومتى كان الذوق دستورا عاما يستوي فيه كل الناس، حتى تكون الأحكام الصادرة على أساسه أحكاما نهائية وعامة ولها صفة الثبات والصدق؟

هذا ما عابه عليه صديق عمره والمدافع عنه ضد الثائرين عليه عباس العقاد: "نرى الدكتور يقول مرة: إن أصول النقد الأدبي واحدة، قد وضعها اليونان قديما وفرغوا منها، وتلقاها منهم الإنجليز كما تلقاها منهم الفرنسيون فهم لا يختلفون.

ثم أراه يقول بعد أشهر قليلة: إن النقد ليس له أصول مقررة عند الناقد، فضلا عن الأمم الكبيرة والعصور الكثيرة، وأن الناقد يستحسن أو يستهجن، والمرجع إلى ذوقه وحده في استحسانه أو استهجانه! " [17] .

ص: 474

وأخطر من هذا أن ينقلب ذوق الناقد إلى صكوك للغفران، بحيث يعطي البركة لهذا وجواز العبور لذاك، أو ينصب من نفسه حاكما عاما في دولة الأدب، يأمر وينهى، ويكافئ ويضطهد، ويقرِّب ويبعد.. ويميل في معظم أحكامه مع الهوى. وهذا هو أيضا ما فعله طه حسين. يقول إسماعيل الأدهم:

"والدكتور طه في نقده للمؤلفات العصرية، والأدباء والشعراء المعاصرين يميل كثيرا مع هواه، لأنه يعتبر النقد عملا أدبيا محضا. فيعمل على إظهار تذوقه، وتتجلى شخصيته بأغراضها وأهوائها في نقداته، ومن السهل أن تكتشف عواطف الدكتور وميوله بل أهواءه وأغراضه من السهل تستكشف أنه متأثر بالحب في هذا الفصل وبالصداقة في هذا الفصل، والبغض والحسد في ذياك الفصل. ومن هنا يرى الكثيرون أنه ليس بعالم، ولا يستطيع أن يكون عالما"[18] .

ولعل هذا الاتجاه القائم على الميل مع الهوى هو الذي دفع طه حسين إلى أن يغير كثيرا من آرائه فجأة وبلا مقدمات، ولذلك سنجده ينقض اليوم ما بناه بالأمس، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. وما ينبغي للكاتب الذي يحترم نفسه وفكره وعقل القارئ له أن يبدي أحكاما فجة لم تستقر في عقله ولم تنضج في تفكيره!!

2-

اتجاهه إلى الإباحية والأدب المكشوف:

إن الدعوة القوية المشبوهة، التي اتجه بها طه حسين إلى فصل دراسة الأدب العربي عن الفكر الإسلامي، وظل يلح إلحاحا عجيبا في الدعوة إليها لم يناد بها عبثا، ولم يطالب بتطبيقها مطالبة ذاهبة في الهواء.

وإنما كانت هذه الدعوة ستارا فاجرا يخفى من ورائه عملياته الإباحية الداعرة، التي تنطلق من مبدأ الحرية في التعبير الأدبي!

ويا أيتها الحرية..! كم من الفضائح في دنينا ترتكب باسمك!!

انطلق طه حسين باسم الحرية الفكرية يطالب بترك الأبناء على هواهم في طريق حياتهم، وإعطائهم ما يسمى بحق التربية الاستقلالية الحرة

ص: 475

ودعا إلى مطالبة المرأة بالثورة على الرجل، ومخالفتها له، وخروجها على ولايته.. وتشجيع الفتاة على ممارسة جميع أنواع الحرية وتحطيم التقاليد الشرقية.. (أي الآداب الإسلامية) ..

ولا شك أنه، بما استطاع أن يتشرّبه من عادات الغرب في فرنسا، وبما اقتبسه من تقاليد الغرب منذ اقترن بزوجته الفرنسية في باريس، وأنجب منها ولده الذي أسماه اسما فرنسيا هو ((كلود)) _ لا شك أنه بذلك أقدر على تعليمنا كيف يكون التنكر للدين، والتقاليد، والقيم والفضائل الإسلامية.

ونحن نتساءل:

لمصلحة من، يشيع الدكتور في دراسته للعصر العباسي، أنه كله كان عصر شك وزندقة وفجور ومجون. ويتخذ من شعراء معينين ذوي ميول غزلية وجنسية أعلاما منشرة لهذا العصر كله، مسقطا من حسابه كل الاتجاهات الدينية والحماسية والحكمية وأشعار البطولة وأبيات الزهد.. الخ؟

لا غرو أن الناقد الذي يتخذ من كتاب الأغاني ونحوه مصادر رئيسية لنقده الذوقي وإنتاجه الأدبي - ويقضي جل أوقاته مع النتائج الرخيص لأبي نواس، ومسلم بن الوليد، ووالبة بن الحباب، وأمثالهم من شعراء العبث - لا يتوقع منه إلا أن يطلق هذه الغثاثات التي لا تثبت للنقد، ولا تستحق أن تناقش لأن زيفها واضح حتى للمبتدئين في دراسة الأدب [19] .

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

اعتناقه مبدأ الشك الديكارتي

هل يمكن أن يصل الإنسان عن طريق الشك إلى اليقين؟

هذا هو السؤال الخطير الذي أجاب عنه طه حسين بالإيجاب. بل وجعل منه منهجا علميا، إلتزمه في دراساته الأدبية، وتعصب له تعصبا شديدا. والمهم أن نقرر كما قرر هو:

أن هذا المنهج لم يصطنعه من عند نفسه، بل جارى فيه الفيلسوف الفرنسي ((ديكارت)) صاحب ((الكوجيتو)) الفرنسي المشهور..

(أنا أفكر، فأنا موجود.. (je pense، donc je suis) .

ص: 476

وإذا تأملنا هذا المنهج بعمق، ووقفنا عنده طويلا، لوجدناه يتضمن عمليتين ذهنيتين، إحداهما يقينية، وهي النقض أو الهدم.

وثانيهما محتملة، وهي البناء أو اليقين. فالمفكر الفرنسي يفرغ ذهنه تماما من أي فكرة معارضة أو مؤيدة لموضوع بحثه، ثم يبدأ في محاولة البناء من جديد، وهي عملية أشبه ما تكون بالولادة العسرة. فالهدم أسهل ما يكون بضربة معول، بينما البناء يتطلب أدوات وخبرات عديدة ووقتا طويلا وعملا شاقا حتى يرتفع البناء مرة أخرى.

ثم إن هناك مدى محدودا يمكن أن يتحرك فيه هذا المبدأ الشكاك. أما إذا اقتربنا من المقدسات الدينية، والنصوص الثابتة من الكتاب أو السنة. فأي منطق يجيز لمفكر أو باحث مهما علا كعبه في ميدانه أن يستخدم مبدأ الشك الديكارتي كما يستخدم الجراح المشرط في تشريح النصوص وتمزيقها وتفريق وحدتها وهدم مضموناتها؟ إن دون ذلك خرط القتاد!.

لقد بلغ هَوَس الدكتور بتطبيق مبدأ الشك أن جرّبه في كل شيء..

- في إنكار الشخصيات التاريخية، حتى وإن أثبتها القرآن والتوراة والإنجيل. كما فعل في إنكار الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

- في النسب الصحيح للشاعر المتنبي حين ادعى أنه لقيط!

- في الحقائق الثابتة.. حين أنكر عروبة مصر وساق الأباطيل التي يرددها المستشرقون لتأييد هذا الإنكار.

- في وجوب تعظيم النسب الشريف، حين قال:"فلأمر ما، اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وأن تكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفو الإنسانية كلها"[20] !

- في إنكار الشعر الجاهلي جملة وتفصيلا وهو ديوان العرب، ومصدر ثقافتهم وموضع فخرهم وسجل انتصاراتهم، وتاريخهم المنبئ بأحوالهم في سلمهم وحربيهم، في حلهم وترحالهم، في غدوهم ورواحهم.

ص: 477

وفي معرض الرد على مذهب الشك الذي انتهجه طه حسين يقول الأستاذ الغمراوي: "إن الغرب نجا من أن يحاول هدم تاريخه أو تاريخ لغاته هادم عن طريق الشك غير العلمي: لسيادة الرأي العلمي فيه.. واستحواذ الروح العلمي على أهله.. أما الشرق، فليس له مثل هذين السياجين يردّان عنه عادية هذا الباطل الذي يهاجمه باسم الحق، ولا هذا الشك الذي يريد أن يداخله باسم العلم، ولا هذا الهدم والتعطيل اللذين يكرّ عليه بهما نفر من أهله باسم التجديد! ومهما يكن من موقف المؤرخين في الشرق أو في الغرب حيال مبدأ الشك المطلق فإن العلماء لا يأخذون به، وإن العلم لا يقرّه ولا يمكن أن يقره.."[21] .

إن منهج الشك الذي اتخذ منه صاحبنا الشكاك هذا معولا يهدم به التراث العربي والإسلامي، وسلاحا يحاول به تمزيق عقائد الأمة وأخلاقها لا يصلح أن يكون طريقا علميا منهجيا يسلكه الباحثون عامة والباحثون المسلمون خاصة..

وبحسب المرء منا أن يسأل نفسه:

هل يمكنه أن يشك لحظة واحدة فيما جاء في كتاب الله سبحانه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

وهل يمكن أن يوصله الشك في الحقائق الثابتة الوطيدة إلا إلى هوة الضياع الأبدي؟

وهل استطاع أن يتوصل من شكه هذا إلى الإيمان، سيما والكل يعلم أن طه حسين ظل يتاجر بتصريحاته الدينية وكتبه التي يزعمها إسلامية إلى آخر حياته؟

إن الدعوة الإسلامية في غنى عن هذا كله.

إن قضية الإيمان لا يهزها ولا يؤثِّر فيها مُدَّعُو الإيمان، والمتاجرون بعقائد المسلمين، ولكن الأمور يجب أن توضع في نصابها الصحيح، فلينهض أُسُودُ الدعوة لينفوا أمثال هذا المأجور الراحل من صفوفهم كما ينفي الكير خبث الحديد!

ص: 478

يقول الأستاذ العدوي: "كيف يقدس الحق من يجد في الشك لذة؟ أم كيف يطمئن للحقائق من يجد في القلق والاضطراب رضا؟ إذا كان الشك يلذ للدكتور وأمثاله من المجددين، والاضطراب تستريح إليه نفسه، فكيف يستنتج مجهولا من معلوم، وينتقل من مقدمات إلى نتائج، ومن مبادئ إلى غايات؟ وهل إذا وضحت أمام الدكتور المقدمات وتجلت الحقائق، يأمن أن تساوره شهوة الشك، أو تملك عليه أمره لذة القلق والاضطراب؟ "[22] .

ملاحظات حول منهج البحث الذي ارتضاه المؤلف

من المعروف جيِّدا لدى الباحثين [23] أنه لا بحث بدون منهج، ولا منهج بدون هدف. وهناك أساسيات لدى المشتغلين بالبحث العلمي، وهي أشبه ما تكون بالدستور العام، الذي يتضمن عددا من القواعد الكلية، التي بدونها لا يمكن وضع البحث أيّاً كان صاحبه في دائرة البحوث العلمية المحترمة.

ونحن الآن بصدد المناقشة لبعض الجوانب التي أغفلها الباحث المخلص الأستاذ أنور الجندي، رغم علو كعبه ورسوخ قدمه في الدراسات الأدبية والإسلامية بصفة عامة:

_ 1 _

إن أكبر ما يعاب به الباحث ألاّ يحيل القارئ على المراجع المتخصصة التي استقى منها مادته العلمية. ومؤلفنا ينقل عن العقاد ما يقرب عن صفحة كاملة (ص184) من كتابه دون أن يقول لنا من أين استقى كلام العقاد هذا، لعل القارئ يبغي الاستزادة أو الرجوع إلى الأصل المنقول عنه.

وينقل مثل هذا عن السيد محب الدين الخطيب (ص185) دون ذكر المرجع ومثل هذا كثير في كتابه، إذ يقول مثلا ص202:"وقد دمغه صديق عمره الأستاذ أحمد أمين بهذا التحول والتناقض حين قال في إحدى مقالاته.."والسؤال هنا: أين، ومتى.. قال الأستاذ أحمد أمين ذلك؟؟.

_ 2 _

ومن المعروف أيضا في علم مناهج البحث، وفي علم مصطلح الحديث، أن عدم ذكر الراوي يضعف من صحة الرواية. ومن أجل هذا لا يمكن قبول مثل هذه العبارة التي أوردها المؤلف ص186:

ص: 479

"ويتفق هذا مع ما قاله بعض المقربين إليه: لا أدري الزيات، أم أحمد أمين أم غيرهما.."

إذا كنت لا تدري مصدر الخبر، فعلى أي أساس أوردته؟ ومثل ذلك قوله ص171:

"ويقول أحد الباحثين الأعلام.."أحد الباحثين الأعلام، ولا ندري من هو؟ لماذا؟ هل يخجل أن يصرح لنا باسمه؟؟

_ 3 _

ومما يخدش منهج الباحث أن يذكر في صلب بحثه ما يجب أن يذكره في الحاشية. وهي مسألة يجب أن ينتبه إليها الباحثون أجمعهم، لأن ذلك يوقع الباحث في بلبلة وحيرة ويعطل الانتفاع المرجو من البحث بالطريقة العلمية المفيدة. فهو يقول في الصفحة الثانية بعد المائتين:

_ 4 _

"كتب الدكتور زكي مبارك في 11 نوفمبر 1932م في جريدة البلاغ تحت عنوان: الحديث ذو شجون". والمفروض أن يذكر المرجع وصاحبه وتاريخ في هامش الصفحة كما هو المتبع لدى الباحثين.

يقتضي منهج البحث الصحيح أن يقسّم الكتاب من الناحية الموضوعية تقسيما في غاية الدقة، بحيث يكون أشبه بالبناء الهندسي المتماسك، الذي يرتبط بعضه ببعض في قوة وإحكام، وذلك يقتضي ألا يكون فيه تكرار، ولا يحدث في مادته العلمية تداخل، ولكننا نجد المؤلف يكرر الكثير من العبارات في أجزاء مختلفة من الكتاب لأدنى ملابسة، وكان يكفي الإشارة إلى موضعها من الكتاب نفسه. وهذه أمثلة مكررة:

- اتهام طه حسين للمتنبي بأنه لقيط صفحات 213، 215.

- مبالغة طه حسين في حديثه عن ديكارت 216، 189، 208.

- إنكار الدكتور الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام صفحات 6، 209، 220، 255.

- تشكيكه في فضل النسب الشريف صفحات 175، 220.

- تقرير لجنة الأزهر المشكَّلة لدراسة كتاب الشعر الجاهلي صفحات 176، 221.

- تقليد العقاد إمارة الشعر ثم نكران ذلك صفحات 189، 252.

- رأي العقاد في طريقة البحث عند طه حسين صفحات 185، 201.

ص: 480

- رأي د. عمر فروخ في أسلوب الدكتور صفحات 201، 207.

- أقوال تكررت نسبتها إلى د. إسماعيل أدهم، وفتحي غانم، وعبد الحميد السحار، ومحمود مراد صفحات 198، 258.

_ 5 _

من المعروف جيدا لدى الباحثين أن كل باحث مسئول عن الآراء والعبارات التي ينقلها عن غيره. كما أن سكوته عنها معناه أنه موافق على ما جاء فيها من ناحية الشكل ومن ناحية المضمون كذلك.

وقد جرت العادة أن يعلق الباحث على ما ينقله من آراء لغيره، وقد يكون هذا التعليق في صورة تصحيح لبعض المعلومات الواردة، في النص المنقول، أو اعتراض مصحوب بالدليل على أجزاء منه، أو استكمال لنقص ورد فيه من الناحية العلمية أو الموضوعية البحتة، أو تصحيح لبعض الأخطاء المطبعية أو الإملائية أو النحوية بالفقرة موضع الاستشهاد.

وقد نقل مؤلف الكتاب عددا من النصوص التي وجدت فيها بعض الأخطاء، وكانت الأمانة العلمية تقتضي تصويب هذه الأخطاء، أو التعليق عليها بما يفيد إدراك المؤلف لموضع الخطأ فيها.

وهذه بعض الأمثلة التي أوردها مع الإشارة إلى موضعها من الكتاب، وصواب ما رأيته صوابا:

- جاء بالكتاب ص 198 (منسوبا إلى فتحي غانم) :

هل طه حسين ملحد أم مؤمن.

وصوابها: ملحد أو مؤمن.

- وجاء منسوبا إلى طه حسين نفسه ص 200 أنا كمسلم أعلن أني.

وصوابها: أنا باعتباري مسلم (لأن الإنسان لا يشبه بنفسه) .

- ونقل عن الدكتور عبد الحميد سعد ص 227:

ومن يتبع حياته العلمية وجد. .

والصواب: ومن يتتبع حياته العلمية يجد. .

- ونقل عن اللواء شيت خطاب ص 173:

إن الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ

} .

وصوابها: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر: آية رقم (9) .

- وكما نقل عن الأستاذ عبد المنعم مراد ص 217.

على هؤلاء النقاد الفضوليون.

ص: 481

وصوابها: على هؤلاء النقاد الفضوليين.

- وجاء منسوبا إلى طه حسين قوله ص 116:

كما يقول الفرنسيين.

والصواب: كما يقول الفرنسيون.

- وجاء منسوبا إلى ((جريدة الشعب)) ص 138:

ليس حرب على الدين فقط. .

والصواب: ليس حربا على الدين فقط.

عبارات مضيئة

من الطرق المهمة للاستفادة بما يقرأ: تركيز الانتباه على عبارات بعينها، وإعادة مطالعتها والتأمل كثيرا في مضمونها. ذلك لأن أمثال هذه العبارات يعد بمثابة ((مفاتيح الإنارة العلمية)) التي تكشف لك العديد من الاتجاهات، وتنير لك الكثير من دروب الفكر، وتكون في يدك بمثابة العلامات الهادية على طريق البحث العلمي.

ولقد أعجبني من هذه العبارات ما يلي: إنه كما قال البعض: "أنكر كثيرا ولم يثبت شيئا".

ونحن نعرف أن إثارة الشكوك، وتركها معلقة دون إجابات صحيحة هو لب المنهج التلمودي الذي يسيطر الآن على الفكر الغربي الحديث ص 201 وجاء بالكتاب، نسبة إلى د. زكي مبارك:"إن الأستاذية في الأدب عبء ثقيل لا ينهض به إلا الأقلون. وهي تفرض الاطلاع الشامل على خير ما أبدع العرب في خمسة عشر قرنا، وهي تفرض البصر الثاقب بأصول الأساليب وهي تفرض العناء المطلق في التعرف على فحول الكتاب والخطباء والشعراء". ص84.

ويقول المؤلف: "إن التجارب العديدة أثبتت أن الفنيين في التعليم لم يكونوا إلا قسسا أمثال دنلوب، أو مستشرقون متصلون [24] بالكنائس أو الاستعمار الغربي، ولم يكن هناك الفنيون المتجردون من الهوى والغاية، الذين يفهمون كيف يكون التعليم في بلد مسلم، وليس عندهم إلا مناهج الإرساليات وهي موجودة والحمد لله!! في مصر، والعالم العربي بوفرة، وقد نقلت مناهجها إلى المدارس الوطنية منذ قدوم دنلوب عام 1886م تقريبا" ص 104.

وجاء بالكتاب أيضا قول المؤلف: "إن طه حسين قد تعلم فيما تعلم شيئا هاما [25] جدا بعد التجارب المريرة:

ص: 482

ألا يهاجم الدين - بل يهاجم - المؤسسات والأفراد.

فهو حينما يهاجم الأزهر إنما يهاجم الإسلام من الداخل وذلك أسلوب كانت له آثار بعيدة في خلق جوّ من استهانة الناس بعلماء الإسلام، والنظر إليهم على أنهم ليسوا أهلا لأن يقدّموا التوجيه للمسلمين. . " ص 107.

ونقول: هذا ما فعله طه حسين حين هاجم الأزهر وطالب المسئولين بإلغائه وإلغاء المعاهد الدينية العلمية، وتوحيد التعليم على أساس مدني بحت، وجعل الأزهر كلية لاهوتية فقط على النظام الأوربي، فهل أغناه ذلك شيئا في قدومه على ربه سبحانه؟ [26] .

وبعد. .

فإن هذا كتاب جدير بالقراءة لأن هناك آخرين يحملون راية طه حسين ويرددون نفس أقواله، {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ} فلتكن أعينكم مفتوحة على الخطر مهما كان مصدره، ولتكن رؤوسكم مرفوعة في وجه المنحرفين والمشككين مهما كان حجمهم ووزنهم.

ولتكن عقولكم مفتوحة على كل الثقافات لمعرفة الصحيح منها والفاسد، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .

وطوبى لمن عرف الحق فاتبعه، وعرف الباطل فاقتلعه، فإنما ينتصر الإسلام بجنود يتحدون الضلال فيصرعونه ولا يتركونه حتى يصرعهم.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

سورة البقرة (204_205) .

[2]

انظر ص178 من كتاب (طه حسين في ميزان الإسلام) دون تحديد المصدر الذي نقل عنه المؤلف.

[3]

أنور الجندي: طه حسين في ميزان الإسلام ص178 دون ذكر المصدر.

[4]

تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

[5]

لم يذكر المؤلف مصدر هذه العبارة مع الأسف.

[6]

الصواب: باعتباره جزءا؛ لأن الشيء لا يشبه بنفسه هو خطأ نحوي فاضح لعميد الأدب.

[7]

راجع الفكرة كلها في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) .

ص: 483

[8]

سورة الأنعام (162،163)

[9]

الصواب: الذي. فالواو هنا لا ضرورة لها، لأن الشيء لا يعطف على نفسه. ومعذرة عن التطاول على مقام عميد الأدب بإصلاح أخطائه اللغوية.

[10]

صحيفة كوكب الشرق المصرية (12_ أغسطس 1933م)

[11]

انظر خاتمة الكتاب موضوع بحثنا.

[12]

أرجو أن يتنبه أبناء كلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بخاصة إلى هذه المطاعن والشُبَه وأن يتعقبوها في مظانها ليقضوا عليها، لأنها شُبَه ومطاعن لا تموت بموت صاحبها ولكنها تتجدد كلما استشرى نشاط المبشرين الهدام، أو كلما نعق ناعق من أرباب الفتنة في الصحافة المأجورة أو عبر الإذاعات السامة.

[13]

طه حسين: في الشعر الجاهلي ص26. وقد أثار هذا الكتاب سخط جميع أفراد الأمة على مؤلفه، وطرد بسببه من الجامعة، وما أغنى عنه شيئا إن عاد فاعترف بأنه مؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، لأنه إيمان على طريقة فرعون، ولذا رد عليه الشيخ الأزهري عبد ربه مفتاح بمقال عنوانه: الآن وقد عصيت قبل؟؟ انظر صحيفة الأهرام القاهرية الصادرة في 12 مايو 1926م.

[14]

صحيفة كوكب الشرق (27-11-1928م) وقد نشر البحث المذكور في عدد هذه الصحيفة الصادرة بتاريخ (15 من أكتوبر عام 1928م) ونشرته الأهرام القاهرية أيضا كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.

[15]

يستخدم الدكتور كلمة (الهروب من المناقشة) ليبرهن على بعده عن التأدب مع كتاب الله تعالى. فيا حسرتنا على العباد الذين يتخذون من التخريف أمارة على جودة التأليف، ويسمونه - كذبا وبهتانا -: عميد الأدب..

[16]

أنور الجندي: طه حسين ص86.

[17]

المرجع ص185.

[18]

المرجع ص182.

[19]

ملأ طه حسين كتابه (حديث الأربعاء) _ الذي كتبه على غرار (أحاديث الاثنين) للناقد الفرنسي (سانت بيف) مع الفارق الكبير بين الرجلين _ بأخبار المجان وشعراء الغزل وأخبار المحبين وأفرط في ذلك إلى حد مقبول.

ص: 484

[20]

طه حسين: في الشعر الجاهلي ص72.

[21]

محمد أحمد الغمراوي: النقد التحليلي لكتاب الأدب الجاهلي ص132.

[22]

أنور الجندي: طه حسين ص209.

[23]

يجب أن ينتبه الطلاب المشتغلون بإعداد البحوث في الكليات الجامعية إلى هذه الملاحظات لأنها ضرورية لهم في إعداد بحوثهم، وما من شك أن الطريقة المنهجية هي أهم ما ينبغي أن ينتبه إليه طلاب الجامعة بعامة، وطلاب الدراسات العليا بخاصة.

[24]

كذا بالأصل، والصواب: مستشرقين متصلين..

[25]

الصواب: مهما، ومن الأفضل تغيير كلمة (خلق) الواردة في الفقرة نفسها.

[26]

راجع مقالة (الخطوة الثانية) صحيفة الجمهورية المصرية 21_10_1955م وكانت الخطوة الأولى التي هلل لها وفرح بها هي إلغاء المحاكم الشرعية.

ص: 485

حكم التعقيم

وقطع النسل

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد بن باز

ماذا يقول علماء الإسلام وفقهاء الدين في مسألة تحديد النسل والتعقيم البشري وقطع عروق التناسل والرجولية لذلك برضى أو إكراه. هل يجوز في دين الله؟ بينوا أثابكم الله الجواب الشافي على ضوء الكتاب والسنة؟ فإن علماء بلادنا الهند قد اختلفوا في هذه المسألة فالبعض أحل والبعض حرم والبعض سكت فنحن مسلمو الهند حيارى في هذه المسألة لا ندري تمس ديننا أم لا؟

وهل يعتبر هذا العمل أي عمل تحديد النسل التدخل في دين المسلمين وديانتهم أم لا؟

وهل يجوز لأي حكومة تنادي بحرية الديانات وعدم التدخل في الشؤون الدينية أن تقوم بتحديد النسل على قدم وساق وتجهد المسلمين في ذلك بإرضاء أو إكراه؟

بينوا ووضحوا أجزل الباري ثوابكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السائل: أنوار أحمد خان بن ميجر مهر محمد خان

الرئيس العام للحزب المسلم بنجاب

ملبركوئلة. (بنجاب) الهند

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه:

ص: 486

أما بعد: فمن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن هذا العمل المذكور في السؤال منكر وظلم للشعوب بل ظلم للبشرية جمعاء ولا يجوز لأية دولة إسلامية أو غيرها أن تقوم بذلك لأن التعقيم للرجال والنساء ظلم عظيم يترتب عليه فساد كبير وعواقب وخيمة وهو مخالف للأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ومخالف للفطرة التي فطر الله عليها العباد ومخالف لما تقتضيه العقول الصحيحة التي ينشد أربابها المصلحة العامة للبشرية وإذا كان ذلك مع المسلمين ففيه من المضار العظيمة تقليل عددهم ضد عدوهم ومخالفة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرشد فيها إلى الأخذ بأسباب كثرة النسل وقال إنه مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة وفي ذلك من الفساد أيضا تقليل من يعبد الله وحده ويدعو إلى شرعه ويعين على إقامة العدل في الأرض وبالجملة فالتعقيم المذكور من أقبح الظلم وقد قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" والأدلة على تحريم هذا التعقيم وأنه من أنواع الظلم المحرم فعله من الكتاب والسنة كثيرة جدا، فنسأل الله أن يهدي من فعل هذا الفعل المنكر إلى الرجوع إلى الصواب. وأن يوفق المسلمين في كل مكان لما فيه عزهم وجمع كلمتهم على الحق ونصرهم على من خالف أمر ربهم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 487

نظرات في كتاب الله الكريم

لفضيلة الشيخ حسين محمد المصري

كانت مهمة القرآن الكريم والتشريع السماوي الحكيم إبان توالي نزول الآيات البيِّنات_ تركيز العقيدة السليمة في نفوس الناس ثم بناء الأحكام والتشريعات على العقيدة الحقة.

وهذا الأسلوب الحكيم نجده واضحا في سياق سورة الحج التي اختتمها سبحانه بقوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} .

وقد تضمنت سورة الحج أمرين هامين أحدهما يتعلق بالله جل جلاله وثانيهما يتعلق بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذان الأمران هما أساس العقيدة السليمة الصحيحة، وجاءت الآيتان الكريمتان اللتان اختتمت بهما هذه السورة بمثابة النتيجة الصحيحة لهذه المقدمات التي أثبتت العقائد بأسلوب حكيم يخاطب القلب والعقل.

والأمر الأول الذي ركزت عليه السورة الكريمة هو إثبات وجود الله سبحانه وقدرته المطلقة التي لا تحدها حدود، فهو القادر على أن يعيد الناس يوم البعث ليحاسبهم على ما قدموا في هذه الدنيا من خير أو شر، ويسير في التدليل على ذلك بتوضيح وإطناب يتناسب مع حال المنكرين للألوهية والبعث.

ص: 488

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ..} الآيات ثم تخلص الآيات الكريمة من ذلك إلى نتائج حتمية، وعقائد لا بد أن تستقر في القلب نتيجة الإقناع المنطقي السليم.

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..} .

{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} .

ويسوق سبحانه أدلة أخرى لتركيز العقيدة ثم يتبعها بالنتائج الثابتة.

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .

ثم يعدد تعالت أسماؤه آيات قدرته ومظاهر رحمته في ثنايا أدلة وحدانيته

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً..} .

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} .

ثم ينكر عليهم عبادة غيره مع وضوح هذه الأدلة وكثرتها فيقول سبحانه:

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} .

ثم يبين أن هذا الغير الذي يتجه إليه الضالون بالعبادة والتقديس ضعيف غاية الضعف لا يقوى على خلق ذبابة بل وأكثر من ذلك ضعفا أنه إذا سلبه الذباب شيئا لا يستطيع استرداده فهو إذن أضعف من الذباب فكيف يعبد هذا الضعيف من دون الله القوي القادر.

ص: 489

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} .

أما الأمر الثاني، وهو مترتب على الأول، فهو إثبات نبوة، ورسالة الرسل عامة لتدخل فيها رسالة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام دخولا أوليّا فيقول سبحانه.

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} .

فقد أخذ سبحانه العهد على نفسه تفضلا ورحمة، أن يبين للناس طرق الخير من الشر، وأن يهديهم النجدين، وأن يبعث لهم الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل كما أخذ العهد على نفسه ألا يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل.

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .

فاصطفاء الرسل من الملائكة ومن الناس داخل في حدود قدرته، وهو تفضل ورحمة منه سبحانه حتى تسقط حجة الغاوين حين تصدمهم الحقيقة.

والآن وقد ثبت بالحجة وحدانية الله سبحانه، وقدرته المطلقة على الإيجاد والإعدام والبعث والنشور والحساب والجزاء.

وثبت أن الناس سيقسمون في الآخرة إلى قسمين يختصمان في ربهم، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم..

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} .

وثبت بجوار ذلك أن الله سبحانه اصطفى من الملائكة ومن الناس رسلا يبشرون وينذرون.

ص: 490

وجب نتيجة لهاتين العقيدتين المستقرتين في النفس المؤمنة أن تظهر آثارهما، وأن تترتب عليهما نتائجهما بأن تكون العبادة المطلقة والخضوع المطلق لهذا الإله القوي القادر الواحد الأحد، بالطريقة التي يرسمها عن طريق هؤلاء الرسل المصطفين فقال سبحانه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه} .

وقد تضمنت الآية الكريمة بعد ذلك أوامر أربعة، كل منها يعتبر أساسا ودعامة لهذا الدين المتين.

وقد أحاطت الأوامر الأربعة بأنواع التكليف.

منها أمران ينظمان العلاقة بين العبد وربه، وهي أساس الإيمان الصادق، والأمران الآخران يتعدى أثرهما ذلك إلى الناس، فينظمان العلاقة بين أفراد المجتمع لتتكون أمة فاضلة، تعمل لغاية، وتقصد لهدف، وهو تحقيق السعادة في هذه الحياة، وجعلها طريقا موصلا إلى الحياة، وجعلها طريقا موصلا إلى حياة أسعد، فيها الخلود الدائم، والنعيم المقيم.

أما الأمران اللذان ينظمان العلاقة بين العبد وربه فأولهما قوله سبحانه {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} والمقصود بذلك صلوا وإنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لأنهما أشرف أركانها، وليس هناك ركوع ولا سجود في غير الصلاة، والصلاة مناجاة بين العبد وربه، ترك للترابية المادية وتحليق بالنفس إلى عالم الروحانية المطلقة. ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".

ولقد تكرر الأمر بإقامة الصلاة والمحافظة عليها في غير ما آية من كتاب الله تنويها بشأنها، وتعريفا بفضلها.

{أَقِيمُوا الصَّلاةَ} .

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} .

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} .

ص: 491

حتى جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فارقا بين المسلم والكافر، حيث يقول:"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". أخرجه مسلم.

وفي قوله عليه الصلاة والسلام:

"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". أخرجه الترمذي.

وهذا التشديد من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في أمر الصلاة ليس غريبا فهي عماد الدين، وهي أساس الصلة بين العبد وربه، فمن تركها جاحدا لها فقد كذّب الله ورسوله وخرج بذلك من نطاق المسلمين.

أما من تركها كسلا وتهاونا فيخشى عليه من سوء الخاتمة، فقد جعل سبحانه الصلاة سببا في الاستقامة والبعد عن مواطن الزلل حيث يقول سبحانه:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} والصلاة وإن كانت أهم مظاهر العبادة والخضوع المطلق للمعبود إلا أن هناك أنواعا أخرى من العبادة لا يجوز أن تهمل. فهناك الصدقة والحج والدعاء إلى غير ذلك من أنواع التقرب إلى الله سبحانه. ولذلك جعل هذا العموم في الأمر الثاني بقوله: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُم} .

وأصل العبودية الخضوع والذل، والتعبيد التذليل، ومنه طريق معبد أي مذلل، والخضوع المطلق والذلة الكاملة لا تكون لغير المنعم بأصل الحياة، وبجليل النعم ودقيقها فلتخضعوا له، ولتتقربوا إليه بكل ما يشرعه لكم من أوجه القرب، وأنواع العبادة، فهذا تعميم بعد تخصيص، فالصلاة المذكورة أولا داخلة في عموم الأمر بالعبادة، فكأن الأمر بها جاء مرتين.

أما الأمران اللذان يتعدى أثرهما ذلك إلى الناس فأولهما قوله سبحانه: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

ص: 492

وفعل الخير دعامة من دعائم الحياة الراقية السعيدة، فالناس في هذه الحياة متفاوتون في قدراتهم، متفاوتون في مواهبهم، منهم القوي ومنهم الضعيف، منهم الغني ومنهم الفقير، منهم ذو الجاه والسلطان ومنهم الخِلْوُ منهما، الكل محتاج بعضهم إلى بعض، فكل فرد في الأمة يستطيع أن يضع لبنات في صرح مجدها سواء منهم القوي والضعيف والغني والفقير، ولذلك يدعو الإسلام الجميع إلى التسابق في الخيرات فيقول:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ويقول:

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ثم يبين صفة هؤلاء المتقين الذين يستحقون هذه الجنة بأنهم خيِّرون بطبعهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس.

ويزيد عليه الصلاة والسلام طرق الخير بيانا وتوضيحا ويضرب لذلك الأمثال فيقول: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

ويقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".

فيدفع الناس إلى عمل الخير مهما كان ضئيلا، فالقليل إلى القليل كثير.

بل ويجعل عليه الصلاة والسلام واجبا على كل فرد في هذه الأمة المسلمة أن يبذل لغيره معروفا إن استطاع ليكون ذلك له بمثابة الجهاد.

هذا أبو ذر جُندب بن جُنادة رضي الله عنه يقول: "قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل، قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله"، قلت: "أي الرقاب أفضل"، قال: "أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا"، قلت: "فإن لم أفعل"، قال: "تعين صناعا أو تصنع لأخرق". قلت: "يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل". قال: "تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك". ويعد الله العاملين، ووعده الحق، أن ثوابهم لن يضيع عنده.

ص: 493

{إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}

وأن العمل مهما قلّ سيحفظ لصاحبه.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} .

وأنه سبحانه مطلع على جميع الأعمال ظاهرها وخفيها وسيجزي عليها

{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} .

{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} .

والأمر الذي معنا يشمل كل خير يخطر على البال، ثم يبين سبحانه أن الحكمة في هذه الأوامر هي إرادة الخير والفلاح لمن يحافظ عليها فيقول:

{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

و {لعّل} في أصل وضعها تفيد الشك والرجاء والتوقع، وهذا يليق بحال المخاطبين وكأنه سبحانه يقول افعلوا الخير وأنتم ترجون وتتوقعون الفلاح.

أو تكون {لعل} للتعليل فحسب مجردة عن الشك والرجاء، وهذا يليق بجانبه سبحانه وكأنه يقول:"افعلوا الخير لتنالوا الفلاح".

والمقصود بالفلاح الفوز والبقاء والنجاة، النجاة من عذاب الله، والفوز برضاه والبقاء في رحمته وجنته، ومنه قوله سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} . أي فازوا ونجوا، ومنه الدعوة في الأذان حيّ على الفلاح أي أقبلوا على ما فيه فلاحكم وفوزكم ونجاتكم.

الأمر الثاني قوله سبحانه {جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} . أي جاهدوا في ذات الله من أجل مرضاته جهادا حقا. والجهاد مأخوذ من الجُهْد (ضم الجيم وفتحها) وهو الطاقة والوسع، أي ابذلوا جهدكم أي طاقتكم ووسعكم في الله من أجل مرضاته بذلا حقا وصدقا.

والضمير في قوله: {حَقَّ جِهَادِه} راجع إليه سبحانه أي حق جهاد الله، وإضافة الجهاد إليه سبحانه لاختصاصه به، فالجهاد مختص بالله لأنه مفعول من أجله ولوجهه، ولذلك صحت الإضافة إليه.

ص: 494

وقد اختلف في المقصود بالجهاد هل هو جهاد الكفار وقتالهم ونشر الدعوة بينهم؟ أو هو جهاد الظلمة والفساق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أو هو جهاد النفس والهوى وحملها على الخير والسداد؟ أو هو جهاد الشيطان برد وسوسته، والظلمة برد ظلمهم، والكافرين برد كفرهم؟. إلى غير ذلك من أنواع المجاهدة في الله.

والجهاد بهذا المعنى العام أساس استقرار الحكم الصالح، يقول سبحانه:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} .

ولذلك ورد الحث على الجهاد وفروعه المختلفة في كثير من آي الكتاب العزيز وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام ومن ذلك قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} . وهذا يفيد الجهاد العام كالآية التي معنا.

وجاء في قتال المشركين قوله سبحانه: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} . قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً..} .

وقد سئل عليه الصلاة والسلام:"أي العمل أفضل؟ ". قال: "إيمان بالله ورسوله". قيل: "ثم ماذا؟ "قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: "ثم ماذا؟ ". قال: "حج مبرور".

وروى البخاري أن رجلا قال: "يا رسول الله دلني عن عمل يعدل الجهاد". قال: "لا أجد". ثم قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ ". قال: "ومن يستطيع ذلك؟ ".

وجهاد الظلمة من أعظم أنواع الجهاد. سئل عليه الصلاة والسلام: "أي الجهاد أفضل؟ ". فقال: "كلمة عدل عند سلطان جائر".

ص: 495

هذه هي الأوامر الأربعة التي فصلَّها سبحانه هذا التفصيل البين، ولو نظرنا فيها نظرة تمعن لوجدنا أن هذه الأوامر تتدرج نحو العموم المطلق.

فالصلاة التي أمر بها أولا تدخل في الأمر الثاني وهو الأمر بالعبادة، فالعبادة تشمل الصلاة وغيرها من أوجه العبادة، ثم تندرج العبادة في الأمر الثالث وهو الأمر بفعل الخير، فالعبادة بجميع مظاهرها نوع من أنواع الخير الذي أمرنا بفعله، وحمل النفس على فعل الخير نوع من أنواع الجهاد العام، ففعل الخير مندرج كذلك في الأمر الرابع وهو الأمر بالجهاد في الله حق جهاده.

ثم بين سبحانه السبب الذي من أجله وجب على الأمة المحمدية أن تتقبل هذه الأوامر التكليفية بقلوب راضية مطمئنة، فهناك أمور ثلاثة كل منها كاف وحده ليكون سببا في وجوب هذا التقبل ففيه رضا للنفس واطمئنان للقلب.

أولها قوله سبحانه: {هُوَ اجْتَبَاكُم} أي اختاركم واصطفاكم وجعلكم خير أمة أخرجت للناس، وأنت إذا اصطفيت لك صديقا تفاني في حبك وتنفيذ أمرك وتحمل المشقة في سبيل مرضاتك، فما بالك بمن اختارهم ربُّ العزة واجتباهم وفضلهم على العالمين وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس. أفلا يجدر بهم أن يكونوا عند هذا التقدير فيتقبلوا التكاليف راضين؟ ثم أنه مع ذلك لم يكلفكم شططا. ولو يحملكم ما لا تطيقون {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} والحرج الضيق والمشقة، وقد نفاهما سبحانه، وجعل لكل عسرٍ يسرا، ولكل فريضة رخصة وذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولم يخيَّر عليه الصلاة السلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.

ص: 496

وهناك موجب آخر لقبول هذه الأوامر والتكاليف، وهي كونها في عمومها ملّة أبيكم إبراهيم الذي تحبونه وتنتسبون إليه فكيف يدعي عبدة الأوثان أنهم على دين إبراهيم وهو الذي حطم الأصنام. وأقام صرح التوحيد، ثم إنكم بعد ذلك سميتم بالمسلمين، والإسلام من السلامة فإنكم حملة مشاعل السلام في الأرض تنشرونه في ربوعها، وتركزونه في دولها، وتدافعون المعتدين عليه، هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا. والذي سماكم المسلمين من قبل هو أبوكم إبراهيم فأنتم إجابة دعوة الخليل عليه السلام حينما قال:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} .

والأولى أن يكون الذي سماكم المسلمين من قبل هو الذي اجتباكم واختاركم، وهو الذي سماكم بهذا الاسم ليكون الرسول شهيدا عليكم ولتكونوا شهداء على الناس فأي تشريف يبلغ مبلغ هذا التشريف، وأي تكريم يصل إلى هذا الحد من التكريم؟.

هذه أمور ثلاثة كل منها يوجب _ منفردا _ الطاعة المطلقة للأوامر وهي أنه سبحانه اجتباكم واختاركم، وأن هذه الشريعة امتداد لملة أبيكم إبراهيم الذي تنسبون إليه، وأنه سبحانه سماكم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن الكريم ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس.

وشهادة الرسول علينا أنه بلغنا الرسالة ولم يكتمنا أمرا ولا نهيا.

ص: 497

وشهادة الأمة على الناس تحتمل معنيين: أولهما أن المقصود بالناس الأمم السابقة على أمة محمد عليه الصلاة والسلام فأنتم تشهدون للأنبياء على أممهم يوم القيامة بأنهم بلَّغوا الرسالة، وأدَّوا الأمانة، يشهد لهذا المعنى ما أخرجه البخاري رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري أنه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول: هل بلَّغت؟ فيقول نعم. فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟. فيقول محمد وأمته. فيشهدون أنه قد بلَّغ". وقد ذكر هذا الحديث مطولا في غير البخاري وفيه ردود على الاعتراضات التي تخطر بالذهن عند سماعه ففيه. فتقول تلك الأمم: "كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟. فيقول لهم الرب سبحانه: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟. فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا. وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب: صدقوا".

والمعنى الثاني أن المقصود بالناس أفراد الأمة المحمدية، أي أن بعضهم يشهد على بعض بعد الموت.

يؤيد هذا المعنى ما أخرجه مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه مرت جنازة فأثني عليها خير، فقال عليه الصلاة والسلام:"وجبت وجبت وجبت". ثم مُرّ عليه بأخرى فأُثني عليها شر. فقال: "وجبت وجبت وجبت". فسأله عمر رضي الله عنه في ذلك. فقال: "أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض".

ص: 498

ثم يؤكد سبحانه وتعالى تلك الأوامر التي شملت أنواع التكاليف فيقول: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} فقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} تأكيد لقوله في صدر الآية {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} . وقوله: {وَآتُوا الزَّكَاة} تأكيد لقوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْر} لأن الزكاة أظهر معاني الخير، والعصمة معناها المنعة.

فقوله سبحانه: {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} أي امتنعوا بالله وبحبله وهو قرآنه: امتنعوا من أن تقعوا فيما يغضبه.

أو اعتصموا بدلائله العقلية والسمعية التي ساقها لكم في تلك السورة حتى لا يجد الزيغ والشك والضلال إلى قلوبكم سبيلا.

يقول القفال: "اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون".

ويقول ابن عباس: "سلوا الله العصمة من كل المحرمات".

وإنما تلجئون إليه ليعصمكم لأنه مولاكم وسيدكم والمتصرف فيكم. والذي يتولاه ربه وينصره فلن يذل ولن يشقى.

وفي الدعاء المأثور: "إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت".

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.

ص: 499

أخبار الجامعة

- يعقد المجلس الأعلى للجامعة دورته الرابعة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة وذلك يوم السبت السادس عشر من شهر رجب المقبل بمشيئة الله وسيدرس المجلس موضوعات مهمة منها اللائحة التنفيذية للجامعة.

- تبدأ امتحانات الدور الأول في قسم الدراسات العليا وفي الكليات والمعاهد التابعة للجامعة يوم السبت 24/6/1397هـ.

- ستقيم الجامعة حفلا لتوزيع الشاهادات على خريجي الدفعة الثالثة عشرة في السادس عشر من شهر رجب ويشرف على الحفل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة.

- ألف منحة دراسية توزعها الجامعة لعام 97/1398هـ. خصصت الجامعة لأبناء العالم ألف منحة دراسية في الجامعة لعام 97/1398هـ موزعة على أكثر من مائة قطر.

ص: 500