الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 49
فهرس المحتويات
1-
المؤتمر العالمي للدعوة الإسلامية بالسودان: لفضيلة الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي
2-
التمتع في الحج: لفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري
3-
إزالة الشبهة عن حديث التربة (الحلقة الأولى) : فضيلة الشيخ عبد القادر السندي
4-
ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة: موفق القصاب
5-
مفهوم الأسماء والصفات (الحلقة الرابعة) : فضيلة الشيخ سعد ندا
6-
البدع وأثرها في انحراف التّصَوُّر الإسلامي (الحلقة الأولى) : لفضيلة الشيخ صالح سعد السحيمي
7-
وَفِّرُوا اللِّحَى وَأحْفُوا الشَّوَارب: لفضيلة الدكتور محمد أحمد الشريف
8-
رُخصَة الفِطر في سَفر رَمَضَانَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآَثَارِ (الحلقة الأولى) : لفضيلة الدكتور أحمد طه ريان
9-
تطَلُعَات إلى المستقبل في مُسْتَهَل القَرْنِ الهجْرِي الْجَدِيدُ: لفضيلة الأستاذ محمد قطب
10-
وسائل التربية الإسلامية: لفضيلة الشيخ عباس محجوب
11-
أساليب الدعوة إلى الله تعالى - القرآن الكريم (الحلقة الأولى) : لفضيلة الدكتور: أبو المجد سيد نوفل
12-
ندوة الخرطوم
13-
موقعة اليرموك دراسة تحليلية: لفضيلة الدكتور محمد السيد الوكيل
14-
منهج المؤرخين المسلمين في التأليف: الدكتور عوض عبد الهادي العطا
15-
نماذج أخرى من الدعاة الصالحين - عثمان بن عفان رضي الله عنه: لفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري
16-
قوة العقيدة سبيل النصر في غزوة بدر الكبرى (الحلقة الأولى) : د/ محمد عبد المقصود جاب الله
17-
من عقائد السلف الرد على الجهمية (الحلقة الثانية) : للإمام الحافظ ابن منده 310-395هـ تحقيق وتعليق الدكتور على بن محمد بن جر الفقيهي
18-
الأدب الذي يريده الإسلام: لفضيلة الشيخ محمد المجذوب
19-
شاعرية البحتري: لفضيلة الدكتور بابكر البدوي دشين
20-
رسائل لم يحملها البريد: فضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي
21-
بحث في صيغة (أفعل)(بين النحويين واللغويين واستعمالاتها في العربية) : لفضيلة الدكتور مصطفى أحمد النماس
22-
حداثة الشعر العربي (الحلقة الأولى) : الدكتور: عبد الباسط بدر
23-
من تراثنا الشعري / خيٌر وشرُّ: ليزيد بن الحكم / للشيخ محمد المجذوب
24-
رسالة إلى شباب الإسلام: لفضيلة الشيخ محمود محمد سالم
25-
أخي
…
: الشيخ محمد رجب حميدو
26-
المشارق في المغارب: فضيلة الشيخ عبد الله بن أحمد قادري
27-
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
28-
القلب وعظمة الخالق: للدكتور إسماعيل صبحي حافظ
29-
"من أعماق الكتب"
30-
اعتماد مخطط جامعة أم القرى
31-
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ودورها في نشر الدعوة الإسلامية في العالم: ملخص لبحث قدم للمؤتمر السادس للجامعة الإسلامية لعموم الهند
32-
أخبار الجامعة: نائب رئيس الجامعة الإسلامية
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م
المؤتمر العالمي للدعوة الإسلامية بالسودان [1]
لفضيلة الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي
رئيس تحرير مجلة الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، المنزل عليه قوله تبارك وتعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف/ آية 110.
وبعد
فإن فترة الركود التي خيمت على العالم الإسلامي منذ زمن بعيد، والمتجلية في جهل أبناء الأمة الإسلامية بحقائق دينها وسمو رسالتها وعظيم مسؤوليتها، تلك المسؤولية المتمثلة في قوله تبارك وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
…
} آل عمران/ آية 110، بدأت تتضح أسبابها ومسبباتها لقادة الفكر الإسلامي، والمهتمين بشؤون الدعوة الإسلامية.
ولإيمان هؤلاء القادة بأن ما أصاب العالم الإسلامي من نكبات، وما حل بهم من محن، هو من عند أنفسهم، ولعلمهم أيضاً بأن سنة الله تعالى في خلقه أن لا يغير ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فقد بدأت الدعوات توجه على جميع المستويات لعقد لقاءات بين قادة الفكر الإسلامي وعلماء الأمة الإسلامية، لدراسة أوضاع المسلمين، وكيف وصلت بهم الحال إلى ما هم عليه الآن من ضعف، وتفكك وتمزق، وما أسباب ذلك وما علاجه؟
وإن هذه الصحوة في حد ذاتها تبشر بخير لمستقبل هذا الدين.
ونحن نقول: إذا كان الطبيب لا يستطيع وصف الدواء للمريض إلا بعد تشخيص مرضه بفحص جسمه ليعرف علته، ومن ثم يقدم له الدواء النافع؛ فإن على قادة الفكر الإسلامي تحسس الأسباب التي أدت إلى ارتكاس الأمة الإسلامية حتى وصلت إلى حالتها الراهنة التي لا تحسد عليها.
ودراسة حالة المجتمعات الإسلامية اليوم، في حاجة إلى مقارنتها بالماضي في فجر انبثاق الرسالة الإسلامية لمعرفة ماضيها المجيد، وكيف انحدرت بعد ذلك؟. وهذا الأمر يستدعي نظرة سريعة لحالة المجتمع البشري قيل البعثة.
إن نظرة عابرة لحالة البشرية كلها قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعطينا صورة قاتمة لحالة ذلك المجتمع البائس في جميع شؤون حياته؛ ذلك المجتمع الذي كان يسوده الاضطراب، عداوة وبغضاء، وانحطاط أخلاق وسلوك، ولا حق فيه للضعيف وإنما الحق فيه للقوي الغالب، أما الضعيف المغلوب فهو مستعبد ممتهن، وعلى رأس تلك الانحرافات الأخلاقية والسلوكية: الشرك بالله الواحد الأحد.
وقد أنعم الله تعالى على تلك الأمة المتناحرة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأخرجها برسالته من الظلمات إلى النور، فأصبح أفرادها بنعمة الله إخوانا، وذلك حين أذن الله لهذا النور أن يبدد تلك الظلمات المتراكمة، وأن يسير هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالبشرية كلها إلى شاطئ السلامة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} سبأ/ 28..
فدعا البشرية كلها إلى هذا الخير، وبيَّن لها سبيله، وأوضح لها معالمه، كما بين لها طرق الشر، وحذرها من سلوك سبله، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وسلك طريقه خلفاؤه الراشدون من بعده، وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم أمته على التمسك بسنته وسنة خلفائه الراشدين من بعده، وبسلوك المسلمين لذلك المنهج في العبادات والمعاملات سادوا البشرية جمعاء، لنشرهم العدل بينهم وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فعم الإسلام شرق الأرض وغربها في فترة لم يحدث في تاريخ البشرية كلها مثل ذلك لدعوة من الدعوات، وما ذلك إلا لسهولة ويسر تعاليم الإسلام لتمشيها مع الفطرة البشرية، ولإخلاص حملة هذه الرسالة وحبهم إيصال هذا الخير إلى الناس جميعا، دون أن يكون هدفهم التكالب على رئاسة، أو طلب جاه في الدنيا، وإنما كان همهم أن تكون كلمة الله العليا. ولذا نجد أنه إذا صدر أمر من الخليفة لقائد الجيش في أثناء المعركة بأن يسلم القيادة لجندي في جيشه ليكون قائداً بَدَلاً منه، سلمه إياها، وأخذ سيفه وانطلق جندياً يقاتل في سبيل الله تحت قيادته لأنه يعمل لله لا لمنصب ولا جاه.
وحين تخلى المسلمون عن هذه الروح الإسلامية وسلكوا مسلكا يخالف النهج الذي رسمه لهم سلفهم الصالح في العبادات والمعاملات وجميع شؤون الحياة، بدأت الحال تتغير، فدب الوهن في جسم الأمة الإسلامية، فتفرقت كلمتها، وتشتت شملُها، وتمزقت وحدتها، وأصبحت شيعا وأحزابا، يقتل بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضاً، وليس هذا من الإسلام في شيء.
ونجاح هذه الأمة مرهون بعودتها إلى ما كان عليها سلفها الصالح، إذ لا يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
وإن عقد مؤتمر للدعوة الإسلامية في هذه الآونة، والذي جاء بعد مؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد في مكة المكرمة والذي يعتبر من أهم اللقاءات التي تمت بين ملوك ورؤساء الدول العالم الإسلامي للعودة بشعوبهم إلى الحكم بشرع الله، وتطبيق منهجه الذي ارتضاه لعباده، بعد أن جربوا مناهج البشر وقوانينها، لَخَيرُ دليل على أن قادة الأمة الإسلامية ومفكريها بدؤوا يحاولون رسم الطريق لهذه العودة إلى الله خالقهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . ومؤتمر الدعوة الإسلامية الذي عقد في السودان هو من السبل التي ترشد الأمة إلى الطريق لتطبيق شرع الله على عباده، فإن من أهدافه:
1-
إتاحة الفرصة للقاء عدد كبير من علماء الأمة الإسلامية، يمثل وقفة تأمل وإعمال فكر في الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، مقارنا بالماضي في فجر انبثاق الرسالة الإسلامية، لتتضح فترة الركود وتتبين أسبابها ومسبباتها، لبحثها وتحليلها، ثم معالجتها تمهيداً لمطلع جديد للأمة الإسلامية.
2-
الوصول إلى هدف مشترك بأسلوب موحد لمواجهة التحديات المعاصرة.
3-
إيجاد مناخ مناسب لتبادل الخبرات والتعرف على التجارب والمشكلات، والإطلاع على الظروف المختلفة، وطرق مواجهة المعضلات، ووضع الخطط والبرامج للتلازم والتكامل بين العقيدة والعلم.
4-
بحث إمكانية وضع استراتيجية موحدة للدعوة الإسلامية، تمكن من زيادة فعاليتها وعمق تأثيرها وشمول نشرها على مستوى العالم الإسلامي، وما جاور أرض الإسلام.
5-
إتاحة الفرصة للتنسيق بين الحكومات والهيئات والمؤسسات والأفراد العاملين في مجال الدعوة الإسلامية بغرض تحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة.
6-
النظر في إمكانية توظيف ما حدث من تطور في وسائل الاتصالات على مختلف أنواعها في خدمة أغراض الدعوة الإسلامية ونشر الفكر الإسلامي.
7-
وضع تصور واضح ومحدد للداعية من حيث التأهيل العلمي والاستعداد الفطري والتدريب النظري والعملي.
إن هذه الأهداف الجديدة في مجال الدعوة، وغيرها من الأهداف الأخرى التي طرحت في هذا اللقاء قد ناقشها المؤتمرون، وأبدوا حيالها التوصيات المناسبة، ومن أبرز تلك التوصيات:
أ- تطبيق الشريعة الإسلامية، وتقديم الإسلام بديلا شاملا للثقافة الغربية المادية.
ب- دعم المركز الإسلامي الإفريقي بالخرطوم.
ج- دعم مركز الترجمة المزمع إنشاؤه بالخرطوم.
د- نشر وتنشيط الدعوة الإسلامية في فلسطين، ودعم الجامعة الإسلامية بالقدس.
هـ- التأكيد على أهمية دور الإعلام في نشر الدعوة الإسلامية، ومحاربة الأفكار الهدامة، وتدعيم دور الإعلام بإعداد الإعلاميين المسلمين، ومؤسسات إنتاج إعلامية إسلامية تهتم بالنشر المرئي والمسموع، وإمداد أجهزة الإعلام غير الإسلامية بمعلومات دقيقة وصحيحة عن الإسلام.
و وفي مجال الشباب، طالب المؤتمر بضرورة العناية بترشيد الشباب بدعم المنظمات الإسلامية الشبابية وتشجيع اللقاءات العالمية بينهم.
ز- كما أشار المؤتمر إلى أن الدعاة المسلمين يتعرضون للمضايقات في بعض الدول الإسلامية، وناشد كل الدول الإسلامية بتوفير الحرية لهم وعدم حضر الدعوة إلى قيام نظم حكم إسلامية، وبكل أسف فقد عارض أحد أعضاء المؤتمر -وهو مسئول ديني- هذه التوصية في القاعة ولم يستجب له أحد من الأعضاء في تلك المعارضة، بل جعل نفسه موضع استياء ونقد من المؤتمرين.
ح- وفي مجال التعليم، أوصى المؤتمر بتقرير مادة الثقافة الإسلامية في جميع الجامعات، ودعا الدول بالاعتراف بالجامعات الإسلامية، ورفع الحظر عن حملة هذه الشهادات في التعيين الحكومي، ومساواة شهاداتهم بشهادات الجامعات الأخرى.
ودعا المؤتمر إلى مناهضة الدعوة الهدامة الرامية لاستخدام العامِيِّة، والاهتمام بمعاهد الثقافة الإسلامية التاريخية مثل الجامع الأزهر. وجامعة الزيتونة، والقرويين، والمعهد العلمي بأم درمان.
ط- كما دعا المؤتمر الدول الإسلامية إلى إنشاء دور متخصصة في الحديث، تضم خيرة العلماء لنشر السنة وحفظها، والعناية بمقررات التربية الإسلامية في المدارس.
هذه بإيجاز أهم توصيات المؤتمر عدا توصيات أخرى أقرها المؤتمرون، وقد كلف المؤتمر اللجنة السودانية بترجمة هذه القرارات إلى مشاريع عملية، ومتابعة تنفيذها مع الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي.
وإن هذه النتائج التي توصل إليها المؤتمرون، وصدرت حولها التوصيات المنوه عنها لهي نتائج جيدة ومفيدة، لو أنها انتقلت من عالم الورق الذي كتبت عليه إلى الواقع العملي، ذلك أن توصيات مماثلة سبقتها بقي الكثير منها حبراً على ورق.
وإننا لمن المتفائلين ببوادر وعي إسلامي نحس بشائره في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، وذلك بعد التجارب المريرة التي ذاقها أبناء الأمة الإسلامية نتيجة ابتعادهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، ومنهج سلفهم الصالح في تطبيق الكتاب والسنة عمليا حتى يكون واقعاً حياً تعيشه الأمة الإسلامية، وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه:"كنّا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل".
وإن مطالبة الشعوب الإسلامية بالعودة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله، في جميع شؤون حياتها وما لُمِس من بوادر استجابة لتحقيق هذه الرغبة من رؤساء هذه الشعوب المسلمة، كما جاء في مقررات مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة، يحتم على رجال الدعوة الإسلامية أن يضعوا منهجاً موحداً يضمن للأمة سلامة طريقها في عودتها إلى تطبيق شريعة الله التي ارتضاها لعباده، وإن على رؤساء الجمعيات وأصحاب النشاط البارز في توجيه الشباب، والذين يدعون جميعا إلى تحكيم شريعة الله أن يوحدوا طريقهم، ويجمعوا كلمتهم، ويبتعدوا عن النزاع الذي يعقبه الفشل المحتوم كما قال تبارك وتعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال/ 46..
فيكفي الأمة الإسلامية ما عانته من فشل "والمؤمن لا يلدغ في جحر مرتين"وقد لدغ المسلمون مرات. ولا يمكن أن توحد الكلمة إلا أن يكون هناك مرجع تحتكم الفئات المختلفة في وجهات نظرها إليه، ولا مرجع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر -وكلهم بحمد الله يدعون إلى الكتاب والسنة- إلا برجوعهم إلى منهج خلفائه الراشدين الذين حثنا رسول الهدى على التمسك بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده حيث قال:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
فيجب على فقهاء الدعوة المهتمين بجمع كلمة الأمة، وتطبيق أحكام الله في الأرض أن يتأملوا قوله صلى الله عليه وسلم:"وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي" لأن سنتهم والله أعلم أطيب قدوة للأخذ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا خير مثال لفهم تطبيق كتاب الله وسنة رسوله عمليا، وكذلك من سلك مسلكهم في هذا المجال من بعدهم ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وأن واحدة من هذه الفرق سوف تستمر ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، فقيل من هم يا رسول الله قال:"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي". وهذه المثلية شاملة لجميع شؤون الحياة، في العقيدة وفي العبادات والمعاملات ونظم الحكم، والسلوك والأخلاق وفي كل ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية لتحقيق استخلافها في الأرض، فخلفاؤه والذين اتبعوهم بإحسان هم الذين على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
عقد المؤتمر العالمي للدعوة الإسلامية بالخرطوم في السودان في الفترة ما بين 22 إلى 25 جمادى الأولى عام 1401هـ.
وسائل التربية الإسلامية
لفضيلة الشيخ عباس محجوب
الأستاذ المساعد بكلية الدعوة بالجامعة
الوسائل هي الأدوات التي نحقق بها أهدافنا وغاياتنا في الحياة وإذا كانت الأهداف والغايات سامية فلابد أن تكون الوسائل الموصلة إليها سامية أيضا وشريفة لأن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة فالأهداف الشريفة هي التي تكون وسائلها شريفة لأن الفصل بين الأهداف والغايات صعب لتداخلهما ولأن الوسيلة قد تكون هدفاً في ذاتها ووسيلة لغيرها والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة/35) .
وابتغاء الوسيلة كما قال قتادة، التقرب إليه بطاعته والعمل بما يرضيه [1] {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} وكذلك يقول الله تعالى في حديثه القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه"[2] .
وقد تتخذ عدة وسائل لغاية واحدة حتى إذ لم تفد الوسيلة الواحدة لجأ الإنسان إلى الأخرى بطريق التدرج كما في آية النشوز: {وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} (النساء/34) .
كما عدا الإسلام إلى اتخاذ الوسائل الطبية للسلوك غير الحسن، ولمواجهة الشر:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت/35،34) .
وقد يكون الهدف المطلوب من الواجبات الأمر الذي يجعل الوسائل أيضا في درجتها ولذلك رأى العلماء أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أيضاً.
لذلك كله اختلفت وسائل التربية وتعددت فيما سنفصله الآن.....
أولا-الوسائل الذاتية:
تقتضي التربية الذاتية للإنسان نوعا من الوعي الفكري والمعرفة بأهمية القواعد الصحية والأخلاقية والجسمية في استمرارية التربية التي يحتاج الإنسان إليها مدى الحياة وأول وسائل التربية الذاتية مراقبة الإنسان لنفسه وجعل ضميره حياً يقظاً متحركاً وهذه الوسيلة داخلية تحدثنا عنها في حديثنا عن القلب وتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للإنسان أن يستفتي نفسه فما اطمأنت نفسه إليه كان حسناً وما حاك في الصدر تجنبه والضابط لهذا الاستفتاء القلبي أن يكون القلب يقظاً على صله بالله دائما بالعبادة والدعاء والاستعانة على الخير والاستنجاد من الشر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل دائماً في دعائه المستمر في كل حركة من حركاته كما أن الالتزام بالفضائل يجعل المرء قوي الصلة بالله، ويرى بعض العلماء أن من وسائل التربية الذاتية أن يتخذ الإنسان لنفسه شيخاً يعينه على التربية وينصحه ويوجهه ولا يشترط الاتصال المباشر بل قد يكون عن طريق الإطلاع على مؤلفاته وإن كانت العلاقة الشخصية هي المطلوبة عملا بقوله تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل/43) ونسبة لتعذر الملازمة للشيوخ الناصحين في الدين المشتغلين بتهذيب العباد فإن التجارب الشخصية النابعة من مخالطة الناس تساعد على تربية النفس لأن المؤمن مرآة أخيه فإذا علم صفات سيئة في الناس اتفقوا على سوئها وكراهتها أبعد نفسه عنها، كما أن قوة الإرادة والعزم على فعل الخير وممارسته من الوسائل التي تدفع الإنسان إلى السير في طريق الخير ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلت"[3] .
والإيمان بالله الذي يصدر عنه الفعل من إحساس بالواجب وحب للفضائل وترك للراذئل من وسائل تربية النفس والذي يساعد على ذلك كله أن تكون صحبة الإنسان للأخيار من الناس.
ولذلك يرى الغزالي أن تزكية النفس بأمرين الأول- الابتعاد عن المعاصي ثم ممارسة الطاعات والعبادات.
وتجري عملية التزكية باتخاذ الوسائل السابقة في الارتقاء بالنفس من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة التي تستقبح المعصية وتلوم صاحبها بعد أن كانت لا تحدثه إلا بالسوء ولا تأمره إلا بالمعصية ثم ترتفع النفس إلى مقام الملهمة التي ألهمها الله الخير والشر {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس/8،7) ثم ترتفع درجة إلى مستوى النفس المطمئنة الراضية بقضاء الله وقدره ثم كانت نفساً راضية باطمئنانها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر/27-30) فهي قد دخلت أخيراً في زمرة العباد الذين قال الله عنهم {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (الحجر/42) والجنة جنتان جنة الدنيا وهي المعرفة والعلم والحكمة.
والإنسان بتزكيته لنفسه يحرر نفسه من الخضوع للشهوات والرغبات ويرتقي إلى مقام العبودية لله.
ثانيا: الوسائل الاجتماعية: وتتمثل في:
1-
الرفقة الصالحة:
الإنسان بطبيعته متأثر بغيره آخذ عنه سواء أحس بذلك أم لم يحس خاصة في مراحل الصبا فالرفقة الصالحة وهم الذين يسمون: (بشلة الرفاق) هم من وسائل التربية الأخلاقية والنفسية والعقلية للناشئة وواجب الآباء أن ينتقوا لأبنائهم هذه الرفقة بطريقة غير مباشرة من أصدقائهم الصالحين لأن صداقة الآباء تقتضي الزيارة والخروج في رحلات تعمق الصلات بين الأبناء وعن ذلك يقول ابن سينا: "أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم، مرضية عادتهم لأن الصبي عن الصبي القن وهو عنه آخذ به وآنس"[4] .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"[5] ، وعن تأثير الصحبة في الإنسان ذلك الحديث الذي سبق أن ذكرناه عن الجليس الصالح والجليس السوء والمقارنة بينهما وقد بين الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نتيجة مصاحبة الأشرار وتخلي بعضهم عن بعض واتهام كل للآخر بأنه سبب ضلاله وكفره فالشيطان يقول {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} (ق/27) ، ويقول {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولاً} (الفرقان/28-30) ويحذر الله سبحانه من شياطين الجن وشياطين الإنس من الرفاق وأصحاب السوء لأنهم يوحون إلى بعضهم زخرف القول غروراً
…
إن على الآباء أن يراقبوا أبناءهم وأن يوجهوهم من غير إشعارهم بذلك لأن الأوامر والنواهي ومنع الأطفال من مصاحبة من في سنهم يؤدي إلى نتائج غير كريمة وعلينا أن نشجعهم على صحبة من نعجب بسلوكهم من أصدقاء حيه أو دراسته وأن ننبه إلى عدم مصاحبة من نرى اعوجاجاًَ في سلوكه مع إقناعه بذلك عن طريق الواقع والمنطق ويقول الغزالي: "ويمنع الطفل من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والشتم وعن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسري لا محالة من قرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء"[6] .
القدوة الحسنة:
ينشأ الطفل فيجد أمامه شخصية والده تأثر فيه وتثير عواطفه ثم يجد شخصية المربي الذي يعجب به الطفل ويتأثر بأفكاره، ومعلوماته، لذلك كان واجب الآباء والمربين أن يقدموا النموذج الطيب والأسوة الحسنة أمام الأطفال الذين يتعلقون بشخصياتهم ويدفعونهم إلى السلوك الطيب عن التأثير فيهم فكلاهما يمثل بالنسبة للطفل القيم السامية والعواطف الطيبة الأمر الذي يجعل دورهما في حياة الطفل كبيرا فإذا تمثلت فيهما معاني الشجاعة والعفة والكرم والمروءة، والصدق والأمانة قولاً وفعلاً نشأ الأولاد على ذلك أما إذا وجد ذلك في أقوالهم ودعوتهم لهم من غير أن يتمثلوه في حياتهم نشأ الطفل على عكس تلك الفضائل وفقد الثقة في سلوك أحب الناس إليه ومثله الأعلى في الحياة ولذلك حذر الله سبحانه وتعالى من أن يأمر الناس بالبر من ينسون أنفسهم وأن يقولوا مالا يفعلون وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النوع بعذاب أليم يوم القيامة حيث يسأله الناس ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيجيب بأنه كان يأمر بالمعروف، ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه- والقرآن يخبرنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اتصف بأعلى الكمالات وأنبل الصفات التي عرفتها البشرية هو قدوة حسنة للبشر قاطبة خلقه القرآن ومؤدبه ومربيه رب العالمين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب/21) ولأن التربية تحتاج إلى القدوة العليا التي يقاس عليها فإن الله سبحانه جعل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم النموذج الذي يهتدي به الناس والسراج الذي يضيئون به حياتهم إن أطاعه الناس اهتدوا وإن خالفوه ضلوا {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور/54) ، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مثال للقدوة النادرة في الجاهلية والإسلام في مجال الكرم والتواضع والحلم والشجاعة والقوة والثبات على الحق والصبر والجهاد والإيثار فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس
بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان وكان أزهد الناس فهو لم يشبع ثلاثة أيام تباعاً وكان أكثر الناس توضعاً يأكل من عمل يده ويجيب دعوة من دعاه يجلس حيث ينتهي بأصحابه المجلس يرقع ثوبه ويخيط نعله، يحلم عن المسيء ويعفو ويصفح بما لم يحدث في التاريخ حين قال لقريش:"اذهبوا فأنتم الطلقاء" وكان أشجع الناس، وأقواهم يتقي به أصحابه إذا حمى الوطيس واحمرت الحدق، ثبت على مبدئه حين عرضت قريش على عمه ما عرضت، ولذلك كله ولغير ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الأولى للمربين والمتربين كما كان أصحابه الأجلاء رضي الله عنهم القدوة بعده في الصفات السابقة كما دعا إلى التأسي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم" وقد كانوا كما قال عنهم عبد الله بن مسعود: "أبر الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً". إن الطفل يكون أكثر الناس حاجة إلى القدوة الحسنة في حياته الأولى الأمر الذي يضع على كاهل المحيطين به عبء كبير فالطفل يعتقد أن ما يفعله والده ومدرسه هو الحسن والخير وأن ما يتركه الوالد والمدرس هو القبيح والشر، والطفل مطبوع في هذه المرحلة على المحاكاة والتقليد وتنطبع في نفوسهم كل الصفات التي كانت سلوكاً لأسوتهم.
وليس معنى هذا اقتصار القدوة في السلوك على الآباء والمربيين إنما تتمثل القدوة في المجتمع كله بمؤسساته: البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فإذا وجد في قطاعات المجتمع القدوة الصالحة كانت التربية ناجحة لأن الطفل لا يحس بالتناقض في الأخلاقيات أو التباعد في السلوك بين أنشطة المجتمع الموجهة.
إن القدوة الحسنة من الآباء والمربين ومؤسسات المجتمع من أهم العوامل المؤثرة في التربية والهادية إلى الخير والمهيئة للفرد النافع للمجتمع والحياة.
ثالثا- الوسائل العاطفية: