المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 58 فهرس المحتويات 1- كلمة التحرير {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٢٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌العدد 58 فهرس المحتويات 1- كلمة التحرير {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا

‌العدد 58

فهرس المحتويات

1-

كلمة التحرير {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} وحدة الأمة هي طريق الخلاص

للدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

2-

أصول المفاسد في الأرض: للشيخ أبي بكر الجزائري

3-

الرُّواة الذين كُنُّوا (بأبي زرعة) : للدكتور سَعدي الهاشمي

4-

خَلِّص عِبادَك رَبَّنا: للدكتور إبراهيم حسن عبد الرحمن

5-

خَلِّص عِبادَك رَبَّنا: للشيخ عبد الله أحمد قادري

6-

السلطان الغازي - أبو الفتح محمد الثاني: للدكتور محمد حرب

7-

السمع من آيات الله في أنفسنا: للدكتور فوزي أحمد سلام

8-

البيئة وأثرها في حياة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: للشيخ إبراهيم محمد حسن الجمل

9-

صلاة المسافر:

10-

التبيان في أقسام القرآن: للإمام ابن قيم الجوزية

11-

ظاهرة التقارض في النحو العربي (1) : للدكتور أحمد محمد عبد الله

12-

مسلك القران الكريم في إثبات الوحدانية: د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

13-

سئل شيخ الإسلام

14-

رسائل لم تحملها البريد: الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

15-

مفهوم الأسماء والصفات: فضيلة الشيخ / سعد ندا

16-

مسابقة القرآن الكريم الدولية

17-

النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلافة الراشدة

للدكتور محمد عارف محمود حسن

18-

رخصة الفطر في سفر رمضان وما يترتب عليها من الآثار:

19-

قل ولا تقل: للشيخ ضياء الدين الصابوني

20-

وا إسلاماه..!

21-

أخبار الجامعة: إعداد إدارة العلاقات العامة بالجامعة

22-

من تراثنا الشعري

23-

شاطئ الأحزان: الشاعر المهاجر

24-

الخَبيثَةُ أمُّ الخبَائِثِ: للشيخ عبد الفتاح عشماوي

25-

الرَّسَائِلُ الحَرْبيَّة في عصْر الّدوْلة الأيوبيَّة

26-

تحْريفاتُ اليَسُوعيَّين لكتُب التراث

27-

ثغرَاتٌ فِي المنْهَج الثّانَوِيِّ لتدريس القران الكريم والحديث الشريف والأدب العربي

28-

نظامُ الإثبات في الفِقهِ الإسلامي

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 175

كلمة التحرير

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}

وحدة الأمة هي طريق الخلاص

للدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

رئيس التحرير

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد:

فإن من أهداف الشريعة الإسلامية، والدعوة المحمدية جمع كلمة الأمة وتوحيد صفوفها، وهذا ما توحي به عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية كافة؛ فقد كان الأنبياء قبله يبعثون إلى أقوامهم خاصة، فكل نبي خاطب قومه بقوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (هود: من الآية61) .

أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل إلى الناس جميعا كما بين الله عز وجل ذلك في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (سبأ: من الآية28) .

وقد خاطب صلى الله عليه وسلم الناس بدعوته قائلا: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

كما بين لنا صلى الله عليه وسلم بعض خصائصه بقوله: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة".

وقد بعث صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا في قوت كانت البشرية في أشد الحاجة إلى من يأخذ بيدها وينتزعها مما حل بها من ذل وهوان؛ إذ أصبحت تتخبط في أمواج من ظلمات الجهل والفساد في العقيدة والأخلاق والسلوك، فتداركها الله سبحانه بهذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم، إذ بعثه على حين فترة من الرسل، وأنزل عليه خير الكتب، وطلب منا الإيمان به تعالى وبرسوله وبالنور الذي أنزله على رسوله فقال تعالى:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن:8) .

ص: 176

وقد جاء في هذا النور الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ليستضيء به العالم كله قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103) فكان من أهداف الدين الإسلامي جمع كلمة الأمة والحفاظ على وحدتها وسلامة كيانها.

وقد بعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع كان من صفاته:

1-

لا تربطه عقيدة، فكل واحد يتبع هواه فيسجد للحجر والشجر.

2-

وتغير فيه القبيلة القوية على القبيلة الضعيفة فتقتل رجالها وتنهب أموالها.

3-

ولا قيمة فيه للقيم والأخلاق، وإنما المقياس هو المال والجاه.

وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعلاج حاسم لمشكلات هذا المجتمع بما يجب أن يسلكه كل مصلح، فقد نظر للداء ووضع له الدواء، فبدأ بإصلاح القلوب أولاً؛ لأن في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب، فبدأ بالعقيدة الصحيحة أولاً.

يقول أبو الحسن الندوي في كتابه القيم (ماذا خسر العام بانحطاط المسلمين) تحت عنوان: (قُفل الطبيعة البشرية ومفتاحها) :

يقول: "لم يكن صلى الله عليه وسلم من عامة المصلحين الذين يأتون البيوت من ظهورها، أو يتسللون إليها من النوافذ، ويكافحون بعض الأدواء الاجتماعية والعيوب الخلقية فحسب، فمنهم من يوفق لإزالة بعضها مؤقتا في بعض نواحي البلاد، ومنهم من يموت ولم ينجح في مهمته.

أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيت الدعوة والإصلاح من بابه، ووضع على قفل الطبيعة البشرية مفتاحه، ذلك القفل الذي أعيى فتحه جميع المصلحين في هذه الفترة، وكل من حاول فتحه من بعده بغير مفتاحه.

دعا الناس إلى الإيمان بالله وحده، وفض الأوثان والعبادات، والكفر بالطاغوت بكل معاني الكلمة، وقام في القوم ينادي:"يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

ودعا إلى الإيمان برسالته، والإيمان بالآخرة"اه.

ص: 177

أقول: فلما صفت عقيدتهم وتوجهت قلوبهم إلى الله تبارك وتعالى وحده، محققة حكمته تعالى من خلقه لعباده كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:56) .

وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162-163) .

وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم القواعد والأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية بتشريع وتوجيه من الله تبارك وتعالى، ومن تلك الأسس:

أولاً: ربط الأمة بأعمال وأقوال تشعرهم بوحدتهم؛ لا فرق بين شخص وآخر في ذلك، مثل الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

فلا يدخل أحد الإسلام إلا بهما، ففي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.." الحديث.

فجميع المسلمين على اختلاف أجناسهم وأوطانهم ينطقون بهذه الكلمة، وهذا يدل على وحدة الأمة الإسلامية في القول والمعتقد.

ثانياً: يتجهون جميعا بصلاتهم ودعائهم إلى قبلة واحدة، هي الكعبة المشرفة.

ثالثاً: سن لهم صلاة الجمعة والجماعة خلف إمام واحد لا يختلفون عليه.

رابعاً: فرض الله على الأمة صوم شهر واحد في السنة، يصومونه جميعا امتثالا لأمر الله تعالى.

خامساً: فرض عليهم حج بيته الحرام، وساوى بينهم في شعائره.

هذه التشريعات وغيرها من شعائر الإسلام شرعت بهذه الكيفيات لتشعر الأمة الإسلامية بوحدتها وجمع كلمتها، وبذلك يستقيم أمرها ويشتد ساعدها أمام أعدائها.

وقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنته صلى الله عليه وسلم.

ص: 178

قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن:18) .

والإسلام بتعاليمه السمحة وحدة متكاملة، عقيدة وعبادة ومعاملة، ولم تفلح الأمة في وقت من أوقاتها إلا حين أخذت بتعاليم هذا الدين كاملة، نسأله تعالى أن يعيد الأمة الإسلامية إلى رشدها لتأخذ تعاليم دينها من كتاب ربها وسنة نبيه الصحيحة الشارحة والموضحة لكتاب الله تعالى، الذي شرع للناس ما يصلح لهم في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.

ص: 179

التبيان في أقسام القرآن

للإمام ابن قيم الجوزية

من روائع ما كتب ابن قيم الجوزية رحمه الله كتابه المسمى (التبيان في أقسام القرآن) ، نهج فيه نهجه التحليلي العلمي الدقيق الذي يتسم فيه بما أفاض الله تعالى عليه من النظر الفاحص، وعمق الفهم، وشفافية الحس، ومن طيب ما كتب في كتابه المذكور ما يلي:

والذي أحصاه المشرحون من العظام في البدن مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى الصغار السمسميات التي أحكم بها مفاصل الأصابع والتي في الحنجرة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان خلق من ثلاثمائة وستين مفصلا، فإن كانت المفاصل هي العظام فقد اعترف جالينوس وغيره بأن في البدن عظاما صغارا لم تدخل تحت ضبطهم وإحصائهم، وإن كان المراد بالمفاصل المواضع التي تنفصل بها الأعضاء بعضها عن بعض - كما قال الجوهري وغيره: المفصل واحد مفاصل الأعضاء - فتلك أعم من العظام، فتأمله، وان السلاميات المذكورة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر:"يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة"، الحديث. فالسلامى العظم، وجمعه سلاميات، فهنا ثلاثة أمور: أعضاء، وعظام، ومفاصل، وجعل الله سبحانه العظام أصلب شيء في البدن، لتكون أسا وعمدة في البد؛ إذ كانت الأعضاء كلها موضوعة على العظام، حتى القلب، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وهي حاملة للأعضاء، والحامل أقوى من المحمول، ولتكون وقاية وجنة أيضا، كالقحف؛ فإنه وقاية للدماغ، وعظام الصدر وقاية له، وجعلت العظام كثيرة لفوائد ومنافع عديد:

منها الحركة فإن الإنسان قد يحتاج إلى حركة بعض أجزائه دون بعض، وقد يحتاج إلى حركة جزء من عضو.

ومنها أنه لو كان على عظم واحد لكان إذا أراد أن يتحرك تحرك بجملته.

ص: 180

ومنها أنه إذا أصابه آفة عمت جميع البدن، فجعلت العظام كثيرة ليكون متى نال بعضها آفة لم تسر إلى غيره من العظام مقامه في تحصيل تلك المنفعة.

ومنها تعذر المنافع التي حصلت بسبب تعدد العظام، ولولا كثرتها وتعددها لفاتت تلك المنافع.

ومنها أن من العظام ما يحتاج البدن إلى كبيره، ومنها ما يحتاج البدن إلى صغيره، ومنها ما يحتاج إلى مستطيله، ومنها ما يحتاج إلى مجوفه، ومنها ما يحتاج إلى محنيه، ومنها ما يحتاج إلى مستقيمه، ولا يحصل ذلك إلا بتعدد العظام.

ومنها بديع الصنع، وحسن التأليف والتركيب، وغير ذلك من الفوائد.

ثم شد الخالق بعضها إلى بعض بالرباطات والأسر المحكم، ثم كساها لحما، حفاظا لها ووقاية، ثم كسا اللحم جلدا صونا له.

ولما كانت الفضلات تنقسم إلى لطيفة وغليظة جعل الله للغليظة منها مجاري تنجذب إلى أسفل، ويخرج منها خروجا ظاهرا للحس، وأما اللطيفة فهي العضلات البخارية، ولما كان من شأنها أن تصعد إلى فوق وتخرج عن البدن بالتحليل جعل في العظام العليا منها منافذ يتحلل منها البخار المتصاعد، فلم تكن تلك المنافذ محسوسة؛ لئلا يضعف صوان الدماغ - وهو القحف - بوصول الأجسام المؤذية إليه، فجعل الدماغ مركبة من عظام كثيرة، ووصل بعضها ببعض بوصل يقال لها الشؤون، ومنه قولهم: فلان لم تجتمع شؤون رأسه.

ويشتمل الرأس بجملة أجزائه على تسعة وخمسين عظما، وجعل القحف مستديرا تاما في مقدمه ومؤخره وجانبيه، بمنزلة غطاء القدر، وعظامه ستة وهي: عظم اليافوخ، وعظم الجبهة، وعظم مؤخرة الرأس، والعظمان اللذان فيهما ثقبا السمع، وفي كل واحد من الصدغين عظمان مصتان.

وعظام اللحى الأعلى أربعة عشر عظما: ستة منها في محاجز العينين، واثنان للأنف واثنان تحت الأنف، وهما المثقوبان إلى الفم، واثنان في الوجنتين، واثنان تحت الشفة العليا.

وأما العظم الشبيه بالوتد فهو واحد، وهو كالقاعدة للرأس.

ص: 181

وعظام اللحى الأسفل اثنان: وهما متصلان في وسط الذقن، وبينهما بنيان، ويتصلان من فوق باللحى الأعلى اتصالا مفصليا.

والأسنان اثنان وثلاثون، في كل لحى ستة عشر، أربع ثنيات، وتليها الرباعيات، ويليهما الأضراس: خمسة من هنا وخمسة من هنا، والنواجذ أول الأضراس، وهما ناجذان في كل ناحية ناجذ.

وبما نقصت النواجذ في بعض الأفراد، وكان في كل جانب أربعة أضراس.

وصدق الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . فاعتبروا يا أولي الأبصار.

ص: 182

ظاهرة التقارض في النحو العربي (1)

للدكتور أحمد محمد عبد الله

أستاذ مساعد بكلية اللغة العربية

ظاهرة التقارض في اللغة العربية مظهر من مظاهر اتساعها، ولون من ألوان شمولها؛ لأن التوسع شائع في كلام العرب، فإذا كان الترادف والاشتقاق والتضاد والاشتراك والتضمين والمشاكلة الخ.. تمثل أنواع الإحاطة والتنوع في الأسلوب العربي، فإن التقارض يعد واحدا ومن هؤلاء؛ إذ به يستطيع المتكلم أن يقلّب الكلام على وجه عدة، وعلى كل حال هو مصيب فيما يذهب إليه، بشرط أن يكون معه سند من السماع، ووجه من وجوه التوجيه الصحيحة، وهذا يؤكد أن لغتنا العربية مرنة وطيعة وليست جامدة تقف عند لون معين من ألوان التعبير.

فالتقارض يمثل نوعا من أنواع الطرافة والمُلحة في التعبير، وقد تحدث ابن هشام عنه بإيجاز شديد، وألمح عنه بإشارة عجلى في الصفحات الأخيرة من كتابه الذي طبّقت شهرته الآفاق (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) .

فما التقارض عند علماء اللغة؟

تفيد مادة (قرض) عندهم معاني كثيرة، أشهرها: الإعطاء والأخذ.

قال الفيروزابادي: (القَرْض ويكسر: ما سلّفت من إساءة وإحسان، وما تعطيه لتقضاه، وأقرضه: أعطاه، واقترض منه: أخذ القرض، وهما يتقارضان الخير والشر أي يتبادلان) .

وقال الزمخشري: واستقرضته فأقرضني، وأقرضت منه كما تقول: استلفت منه، وعليه قرض وقروض، وقارضته مقارضة وقراضا: أعطيته المال مضاربة، وفلان يقارض الناس مقارضة: يلاحبهم ويواقعهم.. وهم يقارضون الثناء والزيارة.

وقال الجوهري: (القَرْض ما تعطيه من المال لتقضاه، واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني، واقترضت منه أي أخذت منه القرض، وهما يتقارضان الخير والشر) .

وقال الفيومي: (والقرض) ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه، والجمع قروض مثل فَلس وفلوس، وهو اسم من أقرضته المال إقراضا.. وتقارضا الثناء أثنى كل واحد على صاحبه، وقارضه من المال قراضا من باب قاتل وهو المضاربة.

ص: 183

وقال ابن منظور: وقد اقرضه وقارضه مقارضة وقراضا، واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني، وأقرضت منه، أي أخذت القرض، والعرب تقول لكل من فعل إليه خيرا: قد أحسن قرضي، وقد أقرضني حسنا، ويقال للرجلين: هما يتقارضان الثناء في الخير والشر، أي يتجازيان، قال الشاعر:

نظرا يزيل مواطئ الأقدام

يتقارضون إذا التقوا في موطن

ونقل ابن منظور عن أبي زيد الأنصاري أنه قال:

وهما يتقارظان المدح إذا مدح كل منهما صاحبه، ومثله يتقارضان بالضاد، وهما يتقارضان الخير والشر، قال الشاعر:

يتقارضان ولا أخا المقتر

إن الغني أخو الغني وإنما

هذا هو التقارض بمعناه العام كما ذكرته كتب اللغة.

أما التقارض الاصطلاحي الذي نعنيه في مجال الدراسات النحوية فهو:

أن تُعطي كلمة حكما يختص بها إلى كلمة أخرى لتعامل معاملتها، كما تُعطي الكلمة الأخرى حكما يختص بها إلى الكلمة الأولى لتعامل معاملتها أيضا.

وبعبارة أخرى: الاقتراض النحوي هو تبادل الأحكام بين كلمتين بحيث تعطي كل كلمة الحكم الذي يختص بها إلى الكلمة الأخرى، سواء كانت هذه الكلمة اسما أم فعلا أم حرفا.

وقد فسّر ابن يعيش المتوفى سنة (643أورد ابن ظهير القرشي ثلاثين اسما لمكة المكرمة في كتابه (الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) ص156.) التقارض بقوله:

معنى التقارض: أن كل واحد منهما (أي الكلمتين) يستعير من الآخر حكما هو أخص به.. فأصل (غير) أن يكون وصفا، والاستثناء فيه عارض معار من (إلا) .. الخ.

وقبل ابن يعيش قال الزمخشري المتوفى سنة (538أورد ابن ظهير القرشي ثلاثين اسما لمكة المكرمة في كتابه (الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) ص156.) عند الكلام على (إلا) و (غير) :

(واعلم أن إلا وغيرا يتقارضان ما لكل منهما) .

وعلى هذا التحديد الاصطلاحي سوف نعرض الأمثلة المتنوعة للتقارض بين الألفاظ المختلفة.

وهو ينقسم إلى ثلاثة أنواع كما يلي:

ص: 184

الأول: التقارض بين اللفظين في الأحكام الإعرابية.

والثاني: القارض بين اللفظين في الشكل والهيئة.

والثالث: التقارض بين اللفظين في المعاني.

فالنوع الأول يتضح بما يلي:

غير - إلاّ

أ- (غير) اسم شديد الإبهام ليس بمتمكن، ملازم للإضافة، ولا يتعرف بها لشدة إبهامه؛ فإن أضيفت (غير) إلى اللفظ فإن استعمالها يكون على وجهين:

الأول - وهو الأصل في استعمالها -: أن تكون صفة للنكرة نحو قوله تعالى: {نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} (فاطر: 37) فغير صفة لـ (صالحا) .

الثاني: أن تقترض من (إلا) حكمها فتفيد (غير) الاستثناء كما تفيده (إلا)، وبناء على ذلك تعرب (غير) إعراب الاسم التالي إلاّ في ذلك الكلام فتقول: جاء القوم غيرَ زيد، بنصب غير، وما جاءني أحدٌ غيرُ زيد، بالنصب والرفع لغير، والمثالان المتقدمان يوضحان أن غيرا عوملت معاملة (إلا) في الاستثناء، وأعربت إعراب الاسم التالي لإلاّ، يؤيد ذلك بعض القراءات المشهورة:

قال الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} (النساء: 95) .

فقد قرئ برفع (غير) إما على أنه صفة للقاعدون؛ لأنهم جنس، وإما على أنه استثناء وأبدل على حد قوله تعالى:{ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء: 66) ، ويؤيده قراءة النصب أيضا.. وانتصاب (غير) في الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم بعد (إلا) عندهم، واختاره ابن عصفور.

ب- وأما (إلا) فهي تأتي في الأساليب على أربعة أوجه:

أحدها - وهو الأصل في استعمالها - أن تكون للاستثناء نحو قوله تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم} (البقرة: 249)، ونحو قوله تعالى:{ما فعلوه إلا قيل منهم} (النساء: 66) ، فقد انتصب ما بعد إلا في الآية الأولى؛ لأن الاستثناء تام موجب، وارتفع ما بعد (إلا) في الآية الثانية؛ لأن الاستثناء تام منفي.

ص: 185

الثاني: أن تكون (إلا) عاطفة بمنزلة الواو، ذهب إلى هذا الأخفش والفراء وأبو عبيدة، وجعلوا من ذلك الآية الكريمة:{لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة: 150)، التقدير على رأيهم: ولا الذين ظلموا منهم، وليس قولهم هذا بمسلم.

الثالث: أن تكون (إلا) زائدة، قال بذلك الأصمعي وابن جني وابن مالك، وجعلوا من ذلك قول ذي الرُّمة:

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

فإلا زائدة في البيت على رأيهم.

الرابع: أن تكون 0إلا) بمعنى (غير) - وهذا هو محل الشاهد - أي يوصف بها كما يوصف بغير، فقد وصف بإلا جمع منكر كما في قوله تعالى:{لو كان فيهما إلا الله لفسدتا} (النساء: 22) .

فلا يجوز في (إلا) هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى؛ إذ التقدير يكون حينئذ: لو كان فيهما آلة ليس فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ؛ لأن آلة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت: قام رجال إلا زيدا، لم يصح اتفاقا، ومقال وقوع إلا وصفا قول ذي الرمة:

قليل بها الأصوات إلا بغامها

أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

فإلا بغامها صفة للأصوات.

وقول لبيد:

وقع الحوادث إلا الصارم الذَّكر

لو كان غيري سليمي الدهر غَيَّره

فإلا الصارم صفة لغيري.

وقد شرط ابن الحاجب في وقوع (إلا) صفة تعذر الاستثناء بها؛ لذا جعل من الشاذ قول الشاعر:

لعمر أبيك إلا الفرقدان

وكل أخ يفارقه أخوه

أي لجواز صحة الاستثناء بإلا.

قال أبو البقاء العكبري مشيرا إلى تقارض (إلا) و (غير) :

الأصل في (إلا) الاستثناء، وقد استعملت وصفا، والأصل في (غير) أن تكون صفة وقد استعملت في الاستثناء.

وما قاله أبو البقاء يفيد صحة التقارض لحمل إحداهما على الأخرى، (فغير) حين ضمنت معنى (إلا) حملت عليها في الاستثناء كما أن (إلا) قد تحمل على (غير) فتوصف بها لما بينهما من مشابهة؛ ولذا فهم يقولون:

ص: 186

(إن الأصل في (غير) أن تكون صفة مفيدة لمغايرة مجرورها لموصوفها ذاتا أو صفة، والأصل في (إلا) مغايرة ما بعدها لما قبلها نفيا أو إثباتا، فلما اجتمع ما بعد (إلا) وما بعد (غير) في معنى المغايرة حملت (إلا) على غير في الصفة فصار ما بعد إلا مغايرا لما قبلها نفيا أو إثباتا، وحملت (غير) على (إلا) في الاستثناء فصار ما بعدها مغايرا لما قبلها.. إلا أن حمل (غير) على (إلا) أكثر من محمل (إلا) على (غير) .

ومن هنا نفهم سرّ التقارض بين (غير) و (إلا) في بعض الأحكام المنوطة بكل منهما.

أنْ - ما

أ- (أنْ) تأتي في الأساليب على عدة أوجه: أشهرها أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع نحو قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (البقرة: 174)، وقوله تعالى:{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} (الحديد: 16) ، وليس دخولها قاصرا على الفعل المضارع فقط، بل تدخل على الفعل الماضي أيضا نحو قوله تعالى:{ولولا أن منّ الله علينا} (الإسراء: 74)، وتدخل أيضا على فعل الأمر كحكاية سيبويه: كتبت إليه بأن قمْ.

وإذا كان المشهور في (أن) نصبها للفعل المضارع فقد ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة واللحياني أن بعضهم يجزم بها وأنشدوا على ذلك قول امرئ القيس:

تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب

إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا

وقول جميل بثينة:

فتتركها ثقلا عليّ كما هيا

أحاذر أن تعلم بها فتردها

فيأتنا في البيت الأول مجزوم بأن، وكذلك تعلم في البيت الثاني.

وقد تهمل (أن) في الكلام، فلا تنصب ولا تجزم، ويكون فالفعل بعدها مرفوعا، فهي بهذا تقترض هذا الحكم من (ما)، ومثال (أن) المهملة قراءة ابن محيصن:{لمن أراد أن يتمُّ الرضاعة} (البقرة: 233) برفع الفعل المضارع (يتم) وقد اعترض على الاستدلال بالآية، بأن صله يتمون، فهو منصوب بحذف النون وحذفت الواو للساكنين، واستصحب ذلك خطا، والجمع باعتبار معنى من تكلف.

ومثال (أن) المهملة أيضا قول الشاعر:

ص: 187

منّي السلام وأن لا تشعرا أحدا

أن تقرآن على أسماء ويحكما

فتقرآن فعل مضارع مرفوع بثبوت النون على الرغم من تقدم (أن) عليه؛ لأنها هنا مهملة.

وقد اعترض الكوفيون على الاستدلال بهذا البيت، فزعموا أنّ (أنْ) في البيت مخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل.

غير أن الصواب أنها (أن) الناصبة أهملت، حملا لها على (ما) أختها في المصدرية؛ لأن (أن) المخففة من الثقيلة غالبا ما تقع بعد علم أو ظن، وهي في البيت لم تقع بعدهما فلا محل لاعتراضهم.

ب- أما (ما) فتأتي في الأساليب مهملة، أي لا تجزم ولا تنصب، هذا هو المشهور فيها حين تدخل على الفعل المضارع، غير أنها في بعض الأحيان قد تقترض من (أن) حكم النصب للفعل المضارع، فقد رأى بعضهم أن (ما) يجوز أن تنصب الفعل المضارع حملا لها على (أن) الناصبة كما روي من قوله عليه الصلاة والسلام:"كما تكونوا يولى عليكم"(1) ، على أحد الروايات، ذكر ذلك ابن الحاجب، (فتكونوا) فعل مضارع منصوب بحذف النون (بما) المتقدمة عليه، والمعروف في الرواية المشهورة:"كما تكونون"، وعلى هذا فلا شاهد فيه، وقد قال بعضهم معترضا على رواية النصب: ولا حاجة إلى جعل (ما) هنا ناصبة فإن ذلك إثبات حكم لم يثبت في غير هذا المحل، بل الفعل مرفوع ونون الرفع محذوفة.

وعلى كل حال فإن تقارضهما ثابت؛ لأن كلا منهما يجوز أن تحمل على الأخرى لذا قال ابن مالك:

ما أختها حيث استحقت عملا

وبعضهم أهمل (أن) حملا على

أي: يصح في (أن) الناصبة أن تهمل حملا لها على (ما) كما يجوز في (ما) أن تعمل النصب حملا لها على (أن) لما بينهما من مشابهة من حيث أن كلا منهما حرف مصدري، وكلا منهما حرف ثاني..

إنْ - لو

أ- (إنْ) بكسر الهمزة وتسكين النون المخففة: تأتي في الأساليب على وجوه عدة منها:

ص: 188

الأول: أن تكون نافية وتدخل حينئذ على الجملة الاسمية نحو قوله تعالى: {إن الكافرين إلا في غرور} (الملك: 20) وقوله تعالى: {إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم} (المجادلة: 2} .

الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين الاسمية والفعلية نحو قوله تعالى: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} (الزخرف:35)، وقوله تعالى:{وإن كل لما جميع لدنيا محضرون} (يس: 32)، وقوله تعالى:{وإن كانت لكبيرة} (البقرة: 143) .

الثالث: أن تكون شرطية فتجزم فعلين: الأول يسمى فعل الشرط، والثاني جواب الشرط نحو قوله تعالى:{وإن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} (الأنفال: 39) وقوله تعالى: {وإن تعودوا نعد} (الأنفال: 19) .

ويعد هذا الوجه أشهر استعمالاتها غير أنها قد تأتي في الأسلوب مفيدة معنى الشرط وهي غير جازمة مقترضة هذا الحكم من (لو) التي تفيد معنى الشرط وهي غير جازمة، ومثال (إنْ) غير الجازمة ما روي في الحديث:"فإلا تراه فإنه يراك"(1) .

ب- أما (لو) فهي تأتي في الأسلوب حرف شرط في المستقبل إلا أنها لا تجزم، هذا هو المشهور في استعمالها نحو قوله تعالى:{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله} (النساء: 9) .

ونحو قول الشاعر:

خُلُق الكرام ولو تكون عديما

لا يلفك الراجيك إلا مظهراً

وقالوا في تعليل عدم جزمها للفعل الذي تدخل عليه:

إن ذلك بسبب غلبة دخولها على الفعل الماضي، ولو أريد بها معنى إن الشرطية، غير أن بعض العلماء ذكر أن (لو) قد تقترض من (إنْ) الشرطية حكم الجزم فتجزم الفعل المضارع، وقد أجاز ذلك جماعة في الشعر دون غيره منهم ابن الشجري نحو قول الشاعر:

لاحق الآطال نهد ذو خُصَل

لو يشأ طار به ذو ميعة

وقول الشاعر:

إحدى النساء بني ذهل بن شيبابا

تامت فؤادك لو يَحزُنْك ما صنعت

فيشأ في البيت الأول ويحزنك في البيت الثاني مجزومان بلو على سبيل اقتراض حكم الجزم من إن الشرطية لما بينهما من أوجه المشابهة.

ص: 189

وربما خرّج بعضهم البيت الأول على أنه جاء على لغة من يقول: (شا - يشا) بالألف ثم أبدلت الألف همزة على حد قول بعضهم: العألم والخأتم - بالهمزة، ويؤيد هذا التخريج أنه يجوز مجيء إن الشرطية في هذا الوضع؛ لأنه إخبار عما مضى، فالمعنى: لو شاء، وهذا الخريج يقدح أيضا في الاستدلال بالحديث السابق ذكره.

وعلى الرغم من ذلك فإنه يصح تقارضهما، أي إنْ ولو، لأنّ إنْ قد تحمل على لوْ فتهمل ولا تجزم، كقراءة ابن طلحة {فإما تَرَيْن} (مريم: 26) ، بياء المخاطبة الساكنة ونون الرفع المفتوحة، وحملت كلاهما على الأخرى لأنهما يفيدان الشرط، ويتفقان في ثنائية اللفظ، لذا قال ابن مالك:

ذو حُجّة ضعَّفها من يدري

وجوز الجزم بها في الشعر

وقال ابن مالك: يحمل معنى التردد لذا وقع له كلامان في هذه المسألة:

أحدهما: يقتضي المنع مطلقا في النثر والشعر، والثاني: ظاهره موافقة ابن الشجري فيما ذهب إليه (1) .

إذا - متى

أ- من وجوه استعمال (إذا) في الأساليب ما يلي:

أولاً: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجملة الاسمية ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال نحو قوله تعالى:{فألقاها فإذا هي حية تسعى} (طه: 20) وقوله تعالى: {إذا لهم مكر في آياتنا} (يونس: 21) .

ثانياً: أن تكون لغير المفاجأة، أي تكون ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشرط، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية عكس الفجائية، وقد اجتمعت (إذا) الفجائية و (إذا) الشرطية في قوله تعالى:{ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} (الروم: 25) ، فإذا الأولى ظرفية وإذا الثانية فجائية.

ويكون الفعل بعد إذا الظرفية ماضيا كثيرا ومضارعا دون ذلك، وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب:

وإذا ترد إلى قليل تقنع

والنفس راغبة إذا رغبتها

ص: 190

والوجه الثاني أشهر ورودا في الأساليب، غير أنها في بعض الأحيان قد تجزم الفعل الذي يأتي بعدها، وذلك حملا لها على (متى) الجازمة، أي تقترض منها حكم الجزم، كقول عبد القيس:

وإذا تصبْك خصاصة فتحمل

استغن ما أغناك ربك بالغنى

فإذا في البيت جازمة للفعل (تصبك) .

وقد خص بعضهم الجزم بها في الشعر دون النثر، قال ابن مالك في الكافية:

متى وذا في النثر لم يستعملا

وشاع جزم بإذا حملا على

وقال في شرحها: وشاع في الشعر الجزم بإذا حملا على متى، وأنشد:

نارا خمدت نيرانهم لم تقد

ترفع لي خندف والله يرفع لي

لكنه جوز في التسهيل الجزم بها في النثر على قلة، وجعل منه قوله عليه الصلاة والسلام لعلي وفاطمة رضي الله عنهما:"إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين" الحديث.

ومن هنا نتبين أنه يجوز أن تأتي إذا جازمة في الشعر والنثر، وكلاهما قليل.

ب- أما (متى) فهو اسم الشيخ يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه، هذا هو المشهور في استعمالها، كقول سحيم بن وثيل:

متى أضع العمامة تعرفوني

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

فالفعل: أضع وتعرفوني مجزومان بمتى.

وقد تجيء (متى) في الأسلوب اسم شرط وهي مهملة أي غير جازمة، مقترضة هذا الحكم من (إذا) التي تتضمن معنى الشرط ولا تجزم، فهي في هذه الحالة يحكم بها بحكم إذا، كقول عائشة رضي الله عنها:(وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس) ، فالفعل يقوم غير مجزم بمتى، وكذلك لا يسمع.

وهكذا صح تقارضهما لأن كلا منهما قد تحمل على الأخرى، ولا التفات لما ذهب إليه أبو حيان الذي منع أن تهمل (متى) حملا لها على (إذا) .

لم - لن

أ- (لم) حرف يجزم الفعل المضارع وينفيه ويقلب زمنه إلى المضي، هذا هو الأصل في استعماله نحو قوله تعالى:{لم يلد ولم يولد} (الإخلاص: 3) .

ص: 191

غير أن هذا الحرف قد يترك عمل الجزم للفعل المضارع إلى عمل النصب فيه مقترنا هذا الحكم من (لن) لتشابههما في النفي، فقد حكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بلم، وقد وجدنا ابن مالك يقول في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة اغترارا بقراءة بعض السلف: {ألم نشرح لك صدرك} (الشرح: 1) بفتح الحاء، أي نصب الفعل المضارع (نشرح) بلم، وكقول الحارث بن منذر:

ايوم لم يقدر أو يوم قدر

في أيّ يومي من الموت أفرّ

بنصب الفعل يقدر بعد لم، فقد عملت (لم) النصب في الفعل بعدها.

ولم يزافق على هذا بعض العلماء فقد ذهبوا إلى أن النصب في الآية والبيت على أن الأصل: نَشرَحَن، ويقدرَن، ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وقد اعترض على هذا التوجيه بأن فيه شذوذين: توكيد المنفي بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين.

وخرج بعضهم الفتح في الآية والبيت على أنها اتباع للفتحة قبلها أو بعدها.

ب- (لن) حرف ينصب الفعل المضارع وينفيه ويمحضه للاستقبال نحو قوله تعالى: {فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم: 26) ، ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافا لمن زعم ذلك، وقد رُدّ هذا الادعاء بأنها لو كانت للتأبيد للزم التناقض بذكر اليوم في {فلن أكلم اليوم إنسيا} والتكرار أبدا في قوله تعالى:{ولن يتمونه أبدا} (البقرة: 95)، وأما التأبيد في {لن يخلقوا ذبابا} (الحج: 73) فلأمر خارجي لا من مقتضيات (لن) .

وتأتي (لن) للدعاء كما أتت (لا) وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور بدليل قول الأعشى:

ـت لكم خالدا خلود الجبال

لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ

وما تقدم هو الأصل في استعمالها، وقد تخرج (لن) عن نصب المضارع إلى جزمه مقترضة هذا الحكم من (لم) كقول كثير عزة:

فلن يحل للعينين بعدك منظر

أيادي سبايا عزَّ ما كنت بعدكم

وقول أعرابي يمدح الحسين بن علي:

حَرَّك للعينين بعدك منظر

لن يخِب الآن من رجائك من

ص: 192

فقد جزمت (لن) الفعل (يحل) في البيت الأول، وجزمت الفعل (يخب) في البيت الثاني.

وعلى الرغم من أن بعضهم وجّه الفعل في كل بيت على أنه محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة، فالتقارض بينهما مؤيد بالسماع؛ لوجود مشابهة بينهما، وهو النفي في كل منهما واختصاصهما بالفعل المضارع دون غيره.

ما - ليس

أ- من أوجه استعمال (ما) في الأساليب أن تكون حرفا نافيا داخلا على الجملة الاسمية، وهي في هذه الحالة تعمل عمل (ليس) على رأي الحجازيين والتهاميين والنجديين، وأهملها بنو تميم، وهو القياس؛ لعدم اختصاصها بالأسماء، ولإعمالها عند الحجازيين شروط فصلتها كتب النحو، فمثال (ما) العاملة عمل ليس نحو قوله تعالى:{ما هذا بشراً} (يوسف: 31) وقوله تعالى: {ما هن أمهاتهم} (المجادلة: 2) ، وقد عملت (ما) عمل ليس لحملها عليها لمشابهتها إياها في المعنى وهو النفي، وقد ذكروا أن المثبت لإعمالها عمل (ليس) هو الاستقراء، أما إذا دخلت (ما) النافية على الجملة الفعلية فإنها لا تعمل نحو قوله تعالى:{وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} (البقرة: 272) ، فما تقترض حكم ليس حين تدخل على الجملة الاسمية.

ب- أما (ليس) فهو فعل جامد لا يتصرف ناسخ من أخوات كان، ينفي الحال ويرفع المبتدأ وينصب الخبر نحو: ليس بكر عالما، هذا هو الأصل في عملها.

وقد تخرج (ليس) عن هذا الأصل فلا تعمل، أي تهمل؛ حملا لها على (ما) ، وذلك حين ينتقض خبرها بإلا بجامع المشابهة التي بينهما، فكذلك إذا انتقض خبر ليس بإلا فإنها لا تعمل، فقد اقترضت من (ما) هذا الحكم نحو قولهم: ليس الطيب إلا المسك، برفع المسك، قال ابن هشام في المثال المتقدم:

فإن بني تميم يرفعونه حملا لها على (ما) في الإهمال عند انتقاض النفي كما حمل أهل الحجاز (ما) على ليس في الإعمال عند استيفائه شروطها، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء.

عسى - لعلّ

ص: 193

أ- (عسى) فعل ماض يفيد معنى الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى:{وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرّ لكم} (البقرة: 216) .

والاسم الذي بعدها يكون مرفوعا على أنه اسم لها، ويأتي بعد ذلك الخبر المنصوب، نحو قول هدبة بن خشرم:

يكون وراءه فرج قريب

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

وقول رؤبة:

لا تكثرن إني عسيت صائما

أكثرت في اللوم ملحا دائما

وقوله في المثل: عسى الغوير أبؤسا.

وقد تخرج (عسى) عن عمل الرفع والنصب على الترتيب إلى عمل النصب والرفع، فيقال: عسايَ وعساك وعساه، وقد قيل في تخريج ذلك:

إن عسى اقترضت عمل النصب والرفع على الترتيب من لعلّ.

ب- (لعلّ) حرف يفيد معنى الترجي والطمع، وقرد يرد إشفاقا، نحو قوله تعالى:{فلعلك باخع نفسك على آثارهم} (الكهف: 6) ، ومعلوم أنه ينصب الاسم ويرفع الخبر كإنّ، هذا هو الأصل في عمل هذا الحرف، وقد ينصبهما على قلة، حكي عن بعض العرب: لعل أباك منطلقا، وخبر هذا الحرف الأصل فيه أن يجيء اسما صريحا كما تقدم في الآية الكريمة، وقد يخرج خبره عن كونه اسما صريحا فيجيء فعلا مضارعا مقترنا بأن، مقترضة هذا الحكم من (عسى)، نحو قول متمم بن نويرة:

عليك من اللائي يدعنك أجدعا

لعلك يوما أن تلم ملمة

ومنه الحديث: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض"(1) .

وهكذا رأينا في الأمثلة المتقدمة أن (عسى) أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت (لعل) مجرى (عسى) في اقتران خبرها بأن، قال صدر الأفاضل: أجري لعل بحيث أدخل على خبرها (أن) المصدرية مجرى عسى، كما تجرى عسى مجرى لعل، وهذا على طريق المقارضة.

عسى - كاد

ص: 194

أ- لقد عرفنا فيما تقدم أن الغالب في خبر (عسى) أن يقترن بأنْ المصدرية؛ لأنها من أفعال الترجي، وقد أوجب جمهور البصريين اقتران خبرها بأن، وقالوا: إن خبرها لا يجرد منها إلا لضرورة، وحينئذ يخرج خبرها من مجيئه مقترنا بأن إلى مجيئه مجردا من أن، مقترضا هذا الحكم من (كاد) التي يغلب على خبرها أن يكون مجردا من (أن)، قال هدبة بن خشرم:

يكون وراءه فرج قريب

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

ب- أما (كاد) فخبرها يأتي مجردا من أن؛ لأن المنقول عن فصحاء العرب إيقاع أن بعد عسى وإلغاؤها بعد كاد، والعلة فيه: أن كاد وضعت مقاربة الفعل ولهذا قالوا: كاد النعام يطير، لوجود جزء من الطيران فيه، وأن وضعت لتدل على تراخي الفعل ووقوعه في الزمان المستقبل، فإذا وقعت بعد كاد نافت معناها الدال على اقتراب الفعل، وحصل في الكلام ضرب من التناقض.

وليس كذلك (عسى) لأنها وضعت للتوقيع الذي يدل على وضع (أن) على مثله، فوقوع (أن) بعدها يفيد تأكيد المعنى ويزيده فضل تحقيق وقوة، وقد نطقت العرب بعدة أمثال جاء فيها خبر (كاد) مجردا من (أن) على الأصل فقالوا: كاد العروس يكون ملكا، وكاد المنتقل يكون راكبا، وكاد الحريص يكون عبدا، وكاد البيان يكون سحرا، وكاد النعام يكون طيرا، وكاد البخيل يكون كلبا، ومن القرآن الكريم قوله تعالى:{يكاد زيتها يضيء} (النور: 35) .

وقد يخرج خبر (كاد) عن الأصل فيأتي مقترنا بأن مقترضا هذا الحكم من (عسى)، ومن أمثلة هذا النوع:

قوله صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفرا"(1)، وقول عمر رضي الله عنه:) وما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب) ، وقول أنس رضي الله عنه:(فما كدنا أن نصل إلى منازلنا)، وقول جبير بن مطعم رضي الله عنه:(ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه) .

ومن النظم قول الشاعر:

لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السِّلّ

أبيتم قبول السِّلم منا فكدتم

ص: 195

وليس ذلك بضرورة؛ لتمكنه من أن يقول لدى الحرب مغنون السيوف عن السل، وهكذا فإن خبر (كاد) قد يقترن بأن كما أن خبر (عسى) قد يأتي مجردا من أن، وذلك على سبيل المقارضة بينهما.

الفاعل - المفعول

أ- الأصل في الفاعل أن يأتي مرفوعا نحو قوله تعالى: {وأضل فرعون قومه وما هدى} (طه: 79) ، وقد يخرج عن هذا الأصل إلى النصب، مقترضا هذا الحكم من المفعول به نحو قولهم:

خرق الثوبُ المسمارَ، وكسَر الزجاجُ الحجرَ؛ فالمسمار هو الفاعل وحقه أن يكون مرفوعا لكنه اقترض النصب من المفعول به فنصب، وكذلك الحجر.

ب- والأصل في المفعول به أن يكون منوصبا، وقد يخرج عن هذا الأصل فيصير مرفوعا؛ مقترضا هذا الحكم من الفاعل، نحو الأمثلة المتقدمة، فالثوب والزجاج مفعولان حقهما النصب ولكنهما رفعا على سبيل المقارضة، ومن أمثلة الاقتراض بينهما قول الأخطل يهجو جريرا:

نجوان أو بلغت سوءاتِهم هجرُ

مثل القنافد هداجون قد بلغت

فنجران وهجر مفعولان حقهما النصب لكنهما رفعا على سبيل الاقتراض، وسواءتهم في الأصل هي فاعل حقها الرفع لكنها نصبت على طريق التقارض أيضا، وسمع نصبهما - أي الفاعل والمفعول - نحو قول الشاعر:

الأفعوان الشجاع الشجعما

قد سالم الحياتِ منه القدما

في رواية من صب الحيات.

وسمع أيضا رفعهما - أي الفاعل والمفعول - نحو قول الشاعر:

كيف من صاد عقعقان وبومُ

إنّ من صاد عقعقا لمَشوم

الصفة المشبهة - اسم الفاعل

أ- الأفضل في مفعول الصفة المشبهة أن يكون مجرارا نحو: محمد ضامر البطنِ ومنطلق اللسانِ وحسن الخلقِ؛ لأن الصفة المشبهة تدل على الثبوت واللزوم، ولهذا أصبحت مع معمولها كالكلمة الواحدة؛ فالأحسن أن تضاف إلى معمولها لكنها قد تخرج عن هذا الحكم فتنصب معمولها مقترضة هذا الحكم من اسم الفاعل الذي يعد أقوى منها في العمل، فيجوز أن تقول: زيد الحسن الوجهَ، بنصب الوجه على سبيل الاقتراض منه.

ص: 196

ب- والأفضل في اسم الفاعل أن ينصب المفعول به، وذلك حين يستوفي شوط عمله إذا كان مجردا؛ لأنه يدل على التجدد والحدوث، ويناسبه أن يكون مفعولا منصوبا لأنه محمول على الفعل المضارع إلا أن اسم الفاعل قد يجر مفعوله مقترضا هذا الحكم من الصفة المشبهة التي تدل على الثبوت واللزوم.

ولذا قال ابن هشام: يجوز (إعطاء الحسن الوجه حكم الضارب الرجل في النصب، وإعطاء الضارب الرجل حكم الحسن الوجه في الجر) وذلك على سبيل الاقتراض.

اسم التفضيل - أفعل في التعجب

أ- الأصل في اسم التفضيل أن يرفع الاسم الظاهر لأنه مشتق والمشتقات ترفع الظاهر والمضمر، غير أن اسم التفضيل لا يرفع الظاهر لشبهه بأفعل التعجب وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة، فقد اقترض (اسم التفضيل) من أفعل التعجب هذا الحكم وهو عدم رفع الاسم الظاهر.

ب- والأصل في أفعل التعجب أن لا يصغر، لأن (أفعل التعجب) فعل والتصغير مختص بالأسماء، ومبنى والتصغير لا يدخل الأسماء المبنية إلا شذوذا غير أن أفعل التعجب قد يصغر مقترضا هذا الحكم من اسم التفضيل لأنهما متشابهان وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة. قال الشاعر:

من هؤليائكن الضال والسمر

ياما أمليح غزلانا شَدَنَّ لنا

قال الجوهري: ولم يسمع ذلك إلا في أحسن وأملح، قال ابن هشام: ولكن النحويين مع هذا قاسوه، ولم يحك ابن مالك اقتياسه إلا عن ابن كيسان وليس كذلك، قال أبو بكر بن الأنباري: ولا يقال إلا لمن صغر سنه.

النوع الثاني: التقارض بين اللفظين في الشكل والهيئة

الحال - التمييز

أ- يذهب جمهور النحاة إلى أن الأصل في الحال أن ترد في الأسلوب مشتقة من المصدر لتدل على متصف نحو: جاء بكر ضاحكا، وضربت اللص مكتوفا، وقد تجيء جامدة مقترضة هذا الجمود من التمميز لما بينهما من أوجه الشبه، ويكثر مجيئها جامدة في مواضع:

إن دلت على سعر نحو: بعه مدّا بدرهم، فمدا حال جامدة، أي بعه مُسعِّرا كل مد بدرهم.

ص: 197

وإن دلت على تفاعل نحو: بعته يدا بيد، أي مناجزة، أو دلت على تشبيه نحو: كرّ زيدٌ أسداً أي مشبها للأسد؛ فيدا واسدا جامدان، وصحّ وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق كما تقدم.

وتجيء الحال جامدة إن دلّت على ترتيب كقولك: ادخلوا الدار رجلا رجلا، وقولك سار الجند رجلين رجلين، تريد مرتين.

وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولاً ثم يفصل بذكر بعضه مكررا.

وتجيء الحال جامدة إن وصفت نحو قوله تعالى: {قرآنا عربيا} (يوسف الآية 3)، وقوله تعالى:{فتمثل لها بشرا سويا} (مريم الآية: 17)، وكذلك إن دلت على عدد نحو قوله تعالى:{فتم ميقات ربه أربعين ليلة} (الأعراف الآية 142)، وكذلك إذا كانت الحال نوعا من صاحبها كقولك: هذا مالك ذهبا، أو يكون الحال فرعا لصاحبها نحو: هذا حديدك خاتما، وكقوله تعالى:{وتنحتون الجبال بيوتا} (الشعراء الآية 149) .

ب- والأصل في التمييز أن يكون جامدا نحو: حَسُن محمد علما، وزرعت الأرض شجرا، وعندي قفيزٌ بُرّا، وقد يترك التمييز هذا الأصل فيجيء مشتقا مقترضا هذا الحال لما بينهما من مشابهة نحو: لله دره فارسا، وحسبك به كافلا، وكفى عالما.

قال الأشموني: إن حق الحال الاشتقاق، وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان، فتأتي الحال جامدة، كهذا مالك ذهبا، ويأتي التمييز مشتقا نحو: لله دره فارسا. أي يتعاكسان على سبيل الاقتراض فكل منهما يقترض هيئة الآخر لأوجه شبه بينهما.

الجمع - المثنى

أ- حق نون الجمع المذكر السالم وما لحق به في إعرابه أن تكون مفتوحة نحو قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} (المؤمنون الآية الأولى) ، ونحو {وبشِّر الصابرين} (البقرة الآية 153) ، وقد فتحت نون الجمع طلبا للخفة من ثقل الجمع، وفرقا بينه وبين نون المثنى، لكن نون جمع المذكر السالم قد تكسر مقترضة هذا من نون المثنى، كقول جرير بن عطية:

وأنكرنا زعانف آخرينِ

عرفنا جعفرا وبني أبيه

وقول سحيم بن وثيل الرياحي:

وقد جاوزتُ حدّ الأربعينِ

ص: 198

وماذا يبتغي الشعراء مني

بكسر نون (آخرين) في البيت الأول، وكذلك كسر نون (الأربعين) في البيت الثاني.

ب- وحق نون المثنى وما لحق به في الإعراب أن تكون مكسورة على الأصل في التقاء الساكنين، لكون نون المثنى قد تجيء مفتوحة مقترضة هذا من نون الجمع كقول حميد بن ثور الهلالي:

فما هي إلاّ لمحةٌ وتغيب

على أحوذيينَ استقلت عشيّة

وكقول رجل من ضَبّة:

ومنخرين أشبها ظبيانا

أعرف منها الجيد والعينانا

قال ابن مالك فيما تقدم:

فافتح وقلَّ من بكسره نَطَق

ونو مجموع وما به التحق

بعكس ذلك استعملوه فانتبه

ونون ما ثني والملحق به

---

(1)

رسائل ابن كمال باشا، ط أولى، الرياض.

(2)

راجع مغني اللبيب 915، 916، 917، ط بيروت.

(3)

القاموس المحيط: (قرضه) ط دار الفكر، بيروت.

(4)

أساس البلاغة (قرض) ط دار المعرفة، بيروت.

(5)

الصحاح (قرض) ط دار الحضارة العربية، بيروت.

(6)

المصباح المنير (قرضت) دار المعارف، القاهرة.

(7)

لسان العرب (قرض) ط الهيئة العامة للكتاب - مصر.

(8)

شرح المفصل: 2/88.

(9)

المفصل: 88 ط ثانية، بيروت، والأشباه والنظائر للسيوطي: 1/138 ط أولى - القاهرة.

(10)

الكتاب لسيبويه: 3/479 هارون.

(11)

راجع مغني اللبيب: 309، 310.

(12)

الديوان 173.

(13)

نفسه: 638.

(14)

الديوان: 62.

(15)

الأشباه والنظائر للسيوطي: 1/75، 179، وراجع كتاب سيبويه 2/331، 335 هارون.

(16)

راجع حاشية الصبان على الأشموني 2/155 ط الحلبي - القاهرة.

(17)

الديوان: 153.

(18)

الديوان: 234.

(19)

راجع مغني اللبيب: 41، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري: 2/563 ط رابعة - القاهرة، شرح الأشموني: 3/287.

(20)

قالوا إنه حديث ضعيف، وهو في مغني اللبيب: 915، وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني 2/126، وراجع المقاصد الحسنة للسخاوي 326.

(21)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان.

ص: 199

(1)

قيل إنه لامرأة حارثية، وهو في خزانة الأدب 4/521.

(2)

قاله لقيط بن زرارة، المغني 357، وخرج بعضهم البيت على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفا، الأشموني 4/43.

(3)

راجع المغني 915، 916، والأشموني وحاشية الصبان: 4، 13، 14، 43.

(4)

(5)

صحيح البخاري: كتاب الصلاة.

(6)

راجع مغني اللبيب 120، 121، 212، 916، وشرح الأشموني 4/13.

(7)

راجع مغني اللبيب: 365، وحاشية الصبان 4/8.

(8)

الديوان: 113.

(9)

الديوان 1/60.

(10)

راجع مغني اللبيب: 387-388 وحاشية الصبان 1/374.

(11)

مجمع الأمثال: 1/477.

(12)

راجع مغني اللبيب: 202.

(13)

شرح ابن الناظم: 62.

(14)

مغني اللبيب: 377-379، 917، 623.

(15)

صحيح البخاري: كتاب الأحكام.

(16)

راجع شروح سقط الزند 4/1852.

(17)

راجع رسائل ابن كمال باشا: 24، 25

(18)

الحديث أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء: 533، 109.

(19)

صحيح البخاري: 5/141، وصحيح مسلم: 1/ 438، والترمذي 1/337.

(20)

صحيح البخاري: 2/36.

(21)

سنن أبي داود 1/310.

(22)

راجع رسائل ابن كمال باشا: 25، وشرح ابن الناظم: 59، 60، 61، والأشموني 1/258 وما بعدها.

(23)

جرأهم على ذلك أمن اللبس ووضوح المعنى.

(24)

راجع مغني اللبيب: 917، 918.

(25)

مغني اللبيب: 918.

(26)

راجع مغني اللبيب 894-918.

(27)

راجع ابن عقيل: 1/627، 628، 629.

(28)

راجع الأشموني: 2/170-171.

(29)

راجع شرح الأشموني 1/88، 89، 90، وابن عقيل 1/66، 67، 68، 69.

ص: 200

مسلك القران الكريم في إثبات الوحدانية

د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

عميد شئون المكتبات بالجامعة

ج - تذكير المخاطبين بالنعم التي أنعم الله بها عليهم:

من الأساليب التي سلكها القران الكريم لرد الفطرة إلى طبيعتها التي فطر الله الناس عليها، تذكيرهم بالنعم التي اسداها إليهم والتي يدركون بالحس أنهم لم يحدثوا منها شيئاً، وإنما الله هو الذي تفضل بها عليهم.

ثم يعقب ذلك بعرض بعض قصص الأنبياء في دعوتهم لاممهم لمثل ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اخلاص العبادة لله وحده، وبيان ما حل بأولئك الذين لم يستجيبوا لدعوة أنبيائهم من العذاب، تحذيراً للمخاطبين أن ينزل بهم ما نزل بأولئك المكذبين وقد عرض القران الكريم كثيراً من ذلك في سور متعددة نذكر من ذلك نموذجين:

الأول: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} (المؤمنون: الاية 17-22)

ص: 201

وبعد أن عدد الله تبارك وتعالى هذه النعم، وهي في نفس الوقت آيات واضحات ودلالات على وحدانيته سبحانه وتعالى، اتبع ذلك بذكر الأنبياء مع أممهم وبيان ما حل بالمكذبين منهم قال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} (المؤمنون: الآية 31 - 3 2) .

إلى قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِين مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (المؤمنون: الآية 41-44) .

ص: 202

وهكذا يقص الله تبارك وتعالى على هذه الأمة ما حل بالأمم السابقة التي كذبت رسلها فأهلكهم الله جميعاً ف أصبحوا أحاديث وكأنهم لم يوجدوا {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر: الآية 41-43) .

النموذج الثاني: قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل: الآية 1- 2) .

ينزه الله تبارك وتعالى تفسه عن الشركاء فهو الواحد الأحد، ليس له شريك في الملك، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (الحج: الآية 31) .

ويقرر أمر النبوة، بأنزال الملائكة بالوحي من السماء، على من اختارهم واصطفاهم من عباده {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (الحج: الآية 75) لينذروا الناس ويبينوا لهم أن الإله المعبود هو الله، وحده وأن هذه الآلهة المزعومة والشركاء المدعوين من دونه لا يملكون لنفسهم ضراً ولا نفعاً. {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ

} .

ثم يتبع ذلك بالأدلة على من يستحق العبادة، تلك الأدلة التي تخاطب العقل والوجدان معاً. أدلة ملموسة محسوسة يعيشها المخاطبون يشاهدونها بأبصارهم، ويذكرونها بعقولهم منها:

1-

خلق السموات التي يدرجون تحنها.

2-

وخلق الرض التي يعيشون عليها.

3-

وخلق المخاطبين أنفسهم، فهم الدليل والمستدل عليه {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} .

ص: 203

4-

وخلق ما به استقامة حياتهم وصلاح معاشهم

يقول الله تعالى في ذلك: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (النحل: الآية 3-7) .

هكذا يبين الله تعالى الأدلة على وحدانيته فالموجد لجميع المخلوقات يجب أن يكون هو المعبود وحده {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

ويخبر عن النقلة الهائلة بين خلق افنسان من نطفة ضعيفة حقيرة مهينة لا تكاد تكون شيئاً مذكوراً، وبين أن يصبح خصيماً مبيناً، ومن يخاصم، يخاصم خالقه الذي أوجده من العدم:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: الآية 78) .

ثم يذكر الإنسان بأن من نعم الله عليه هذه المركوبات التي سخرها له، من الخيل والبغال والحمير، والني يتخذها زينة، ويشير إلى ما سيخلقه مما لا يعلمه المخاطبون في عصرهم من أنواع المركوبات، والحاملات للأثقال التي يشق عليهم حملها، والنواع المعدة للزينة {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}

ثم يتبع ذكر الآيات المحسوسة والمشاهدة التي هي جزء من حياة الإنسان: ويطلب منه أن يتفكر ويتعقل هذه الآيات، ثم يذكر لعله بذلك يشكر الله الذي أوجد له هذه النعم.

ص: 204

ويسرها له حتى يعبده وحده لأن الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، بخلاف الذي لا يستطيع الخلق والايجاد.

يقول الله تعالى في ذلك: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (النحل: الآية10-16)

ثم يلفت أنظار المخاطبين الغافلين عن التعقل والتبدر في هذه المشاهد، ويذكرهم بأن موجد هذه الأشياء وخالقها ومسخرها لهم هو المستحق للعبادة وحده، ويبقي سبحانه التسوية بين المعبود الحق، والمعبودات الباطلة التي لا تخلق شيئاً وذك في استفهام انكاري فيقول:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: الاية17-18) .

ص: 205

ويختم هذا العرض لهذه الآيات ببيان علمه الشامل لما تكنه الصدور أو تظهره إذ لا فرق عنده سبحانه بين ماتوسوس به النفس، وبين ما تظهره فهو يعلم السر وأخفى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} .

ويعقب ذلك ببيان حال الآلهة من دونه، وأنهم عاجزون لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون فكيف يسوغ دعاؤهم، ومنهم أموات لا يشعرون بالوقت الذي فيه يبعثون.

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النحل: الآية 20-21)

أما الإله الحق فهو واحد، لا تعدد فيه لأن الآلهة يحصل به الفساد في الكون ولا ينكر الوحدانية إلا المتكبرون الكافرون باليوم الآخر.

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} (النحل: الآية 22)

فمن أسباب الإعراض عن الحق الكبر، والكبر غمط الحق، وقد بين تعالى في آيات كثيرة أن جزاء المتكبرين النار.

وبعد هذا العرض الموجز لهذه النماذج التي سلكها القران الكريم لاثبات الوحدانية في الألوهية، تبين أن المشركين لم يدعوا لمعبوداتهم أنها تخلق أو ترزق أو تحي أو تميت، وإنما ذلك كله لله.

وكل الذين يطلبونه منها هو التوسط لهم عند الله، فهم يدعونها ويتقربون إليها بالنذور والقرابين لتقربهم إلى الله زلفى. {

مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: الآية 3)

فما عبادتهم تلك؟ أوضحت الايات السابقة أن من عبادتهم لها:

1-

دعاؤها

2-

حبها والخوف منها - الاستشفاع بها.

3-

والعبادة في الإسلام ليست محصورة في الصلاة والصوم وأركان الإسلام مثلاً؟ لأن الله يقول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: الآية 56) .

ص: 206

فهل يستطيع البشر أن يصلوا فلا يفتروا، وان يصوموا الدهر فلا يفطروا، ليس ذلك في استطاعتهم ولم يهيئوا لذلك. فالإنسان مركب من روح وبدن ولكل مطالبه.

وإنما معنى العبادة أوسع من ذلك وقد بينت الآية التالية شمولها وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: الآية 164-165) .

ومن هنا يتضح شمول العبادة لأنواع كثيرة من أفعال العباد يصرفها كثير من الناس لغير الله ظناً منهم أن ذلك من المور الجائزة وهي من صميم العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله ومن ذلك:

1-

الدعاء:

وقد نص الله تبارك وتعالى في كتابه أن الدعاء عبادة. قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: الآية 60) .

وقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً} مريم: (الآية 48-49) .

فقد بين الله في الآيتين أن الدعاء عبادة، ففي الآية الأولى، قال: ادعوني

إن الذين يستكبرون عن عبادتي، فالعبادة هي الدعاء.

وقول إبراهيم: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله

فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله. فدعاء غير الله عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله.

وفي الحديث الدعاء مخ العبادة.

ص: 207

ولذلك فإن المشركين كانوا يخلصون الدعاء لله في وقت الشدة، كما في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (يونس: الآية 22) .

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه عقيدة المسلم ص 64 تحت عنوان: توحيد العامة وما يعلوه من غبار. ينبغي لهذه الأمة أن تكون مثلاً عالياً في إسلام الوجه لله وإفراده بالنية والعمل. بيد أننا نلحظ - آسفين - أن هناك مسالك شائعة بين الجماهير الغفيرة من المسلمين، لها دلالتها على فساد التفكير، وضلال الاتجاه واضطراب المقصد. ولا نحب أن نوارب في الكشف عن هذه العلة، فإن أي خلل في دعائم التوحيد معناه الخبل الذي يدرك موطن القيادة الفكرية في هذا الدين الحنيف.

غذ التوحيد في الإسلام حقيقة وعنوان، وساحة وأركان، وباعث وهدف ومبدأ ونهاية.

قال: " ولسنا - كذلك - ممن يحب تصيد التهم للناس، ورميهم بالشرك جزافاً، واستباحة حقوقهم ظلماً وعدواناً.

ولكننا أمام تصرفات توجب علينا النظر الطويل، والنصح الخالص والمصارحة بتعاليم الكتاب والسنة كلما وجد عنها أدنى انحراف ".

ثم يضرب الأمثلة على هذا الانحراف من واقع الأمة في هذا العصر فيقول: " لقد اهتمت حكومة انجلترا - في سبيل مكافحة الشيوعية - بالحالة الدينية في مصر! فكان مما طمأنها على إيمان المصريي: " أن ثلاثة ملايين مسلم زاروا ضريح أحمد البدوي بطنطا هذا العام ".

ص: 208

قال: " والذين زاروا الضريح ليسوا مجهولين لدى، فطالما أوفدت رسميا لوعظهم، فكنت أشهد من أعمالهم ما يستدعي الجلد بالسياط لا ما يستدعي الزجر بالكلام. ثم يبين حالهم ولماذا جاءوا إلى صاحب الضريح، فيقول: جاءوا للوفاء بالنذور والابتهال بالدعاء. ولمن النذور؟ ولمن الدعاء؟ إنه أول الأمر للسيد ".

وأوضح بعد ذلك: ان من بدهيات الإسلام الأولى، أن الطلب ووسيلته جميعاً يجب أن يكون من الله

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: الآية 5)

" إذا سألت فاسأل الله "(رواه أحمد والترمذي) .

أقول: ما ذكره الشيخ محمد الغزالي عن حال أولئك الملايين عند ضريح السيد البدوي، هو حال أكثر العالم الإسلامي في شرق الأرض وغربها، وقد شاهدت بعيني وسمعت بأذني من يطلب السيد الإدريسي - وهو متمسك بالحلة الخضراء المكسي بها الضريح داخل المسجد - الولد والشفاء من المرض، وكل ما لا يطلب إلا من الله الواحد الأحد.

إن هؤلاء إذا قلت لهم: قولوا: لا إله إلا الله. امتدت بها حناجرهم وارتفعت بها أصواتهم وقالوها أكثر من سبعين مرة. وهم مع ذلك سادرون في هذا العمل لأنهم لا يعرفون معناها، وماذا تريد منهم أن يلتزموا به أمام خالقهم عبادة وحكماً وسلوكاً.

أما الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. فمن وفقه الله، قالها وعمل بمقتضاها فلم يدع غير الله ولم يتحاكم إلى سواه.

ومن لم يوفق قال: أجعل الألهة إلهاٍ واحداً. وسل سيفه فكان الأب يقتل ابنه والابن يقتل أباه. فهل إن ذلك لمجرد النطق بلفظ: لا إله إلا الله

! لا..

ص: 209

لأن من كان في آخر لحظة من حياته كأبي طالب حين طلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله ليحاج له بها عند الله، لم يقلها، فأبو جهل كان عنده يقول له: أترغب عن ملة بد المطلب فكان آخر كلامهأن قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فكان من أهل النار، وأنزل الله فيه قوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: الآية 56) .

ومن هنا نداءنا إلى الأساتذة الفضلاء، وهم من قادة الفكر الإسلامي المهتمينبتوجيه شباب الأمة الإسمية إلى الخير، الشباب الذي تعلق عليه آمال الأمة في قيادتها إلى ما فيه عزها وفلاحها في الدنيا والآخرة، أن يرجعوا أولاً لدراسة دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم في مكة وهي ثلاثة عشر عاماً قضاها رسول الله صلى الله من عمر الدعوة، إلى أي شيء كان يدعو الناس، وما طريقته وأسلوبه في مخاطبة الأمة الني بعث فيها.

الواقع أنه مكث تلك الفترة لاصلاح قلوب الناس وتخليصها من الشركاء المتشاكسين، دعاهم إلى كلمة التوحيد ((لا إله إلا الله)) ووعدهم بأنهم إن قالوها دانت لهم العرب والعجم، وكان المخاطبون يفهمون معناها، وما تضمنته من نفي واثبات.

وقد تحقق ذلك الوعد لمن قال تلك الكلمة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور، الآية 55) .

ص: 210

أولئك الذين رباهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم تلك التربية الفريدة في نوعها حتى عمرت قلوبهم بالإيمان، تلقوا الحكام عند نزولها بصدور رحبة وإيمان راسخ، فلبوا داعي الله قدموا نفوسهم رخيصة في سبيله، يرجون إحدى الحسنيين وإلا فما الذي حمل الصحابي الجليل أن يرمي التمرات من يده ويتقدم للقتال حين علم أن ليس بينه وبين الجنة إلا الشهادة في سبيل الله. وما الذي حمل الغامدية ان تقدم نفسها للعقوبة حين ارتكبت معصية الزناء.

أولئك طبقوا قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب: الآية 36) .

وقد استمر التمكين للمؤمنين حين بقوا على الشرط - يعبدونني لا إله إلا الله يشركون بي شيئا - إن تنصروا الله ينصركم.

أقول هذا لأدعو إلى كلمة قالها الشيخ الغزالي، عن حال هؤلاء الملايين من المسلمين الذين يتهافتون على زيارة الأضرحة مقدمين لها النذور والقرابين، يقول عن هؤلاء:((ولو دعوا لواجب ديني لفروا نافرين، وإن كانوا أسرع إلى الخرافة من الفراش إلى النار)) .

لماذا كانوا كذلك ونحن نرى أن الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دعوا للواجبات الدينية استجابوا لله ولرسوله، والناس هم الناس.

والجواب: إن قلوب أولئك نقيت من شوائب الشرك بالله فأصبحت خالصة له، لا إله إلا الله يوجد بها شركاء متشاكسون.

وفي الحديث: " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجس كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ".

فبصلاح القلوب ملكها، وفي المثل الشائع: الناس على دين ملوكهم.

ص: 211

وقد بين الشيخ الغزالي في كتابه عقيدة المسلم ص 66-67 بأن القول بأن هؤلاء الذين يهرعون إلى هذه الأضرحة يعرفون الله، ويعرفون أنه وحده مجيب كل سؤال، وباعث كل فضل، ومن دونه لا إله إلا الله يملكون من ذلك شيئاً، إت هذا الدفاع لا إله إلا الله يغني شيئاً، لأن هذه المعرفة لا إله إلا الله تصلح ولا تقبل إلا إذا صحبها إفراد الله بالدعاء والتوجه والإخلاص، فإن المشركين القدماء كانوا يعرفون الله كذلك.

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (يونس: الآية 31 – 32) .

ومع أنهم يقولون ((الله)) بصراحة وجلاء فلم يحسبوا بهذا القول مؤمنين، لأن الإيمان - إذا عرفت الله حقاً - ألا تعرف غيره فيما هو من شؤنه. ولذلك يستطرد القران في مخاطبة هؤلاء:

{. ..فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (يونس: الآية 31 - 32) .

إن العامة عندما يشدون الرحال إلى قبور تضم رفات بعض الناس. وعندما يهرعون بالنذور والحاجات والدعية إلى من يظنون أنهم أبواباً لله، إنما يرتكبون في حق الإسلام مآثم شنيعة. ومهما قلبنا عملهم هذا من جميع وجوهه فلن نجد فيه ما يطمئن إليه ضمير المؤمن أبداً. ومحبة الصالحين وبغض الفاسدين من شعائر الإسلام حقاً.

ص: 212

ثم قال: ومظاهر الحب والبغض معروفة .... وهي مصادقة للأحياء أو منافرة، واستغفار للموتى أو لعنة. وأين من عواطف الحب والبغض هذا الذي يصطنعه المسلمون اليوم؟؟ إن الواحد منهم يصادق أفسق الناس، وقد يقطع والديه - وهم أحياء - ثم تراه مشمراً مجداً في الذهاب إلى قبر من قبور الصالحين، لا ليدعوا له ويطلب من الله أن يرحم ساكن هذا القبر، بل ليسأل صاحب هذا القبر من حاجات الدنيا والآخرة ما هو مضطر إليه وذلك ضلال مبين. اهـ.

والإسلام بصفائه ونقائه، ومنهجه الذي سلكه في المحافظة على سلامة فكر وسلوك اتباعه قطع دابر كل وسيلة تصل الإنسان بالشرك، فالبناء على قبور الصالحين قباباً واتخاذ المساجد عليها الذي كان تقليداً قديماً قضى عليه الإسلام، إذ أن ذلك من مظاهر الوثنية، فقد؟ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يسوي بالأرض كل قبر مشرف، وأن يهدم كل صنم، فجعل الأضرحة العالية والأصنام المنصوبة سواء في إضلال الناس.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته عند وفاته مما صنعته الأمم السابقة: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا لا إله إلا الله تتخذوا القبور مساجد أني أنهاكم عن ذلك ".

وكان يرفع الخمرة عن وجهة في مرض الموت ويكرر هذا الدعاء: " اللهم لا تجعل قبري من بعدي وثناً يعبد ".

يقول الشيخ الغزالي بعد ذكر هذه الأحاديث التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتباع اليهود والنصارى: " ومع هذا التحذير كله ومع كثرة الدلائل التي انتصبت في الإسلام دون الوقوع في هذا المحظور فقد أقبل المسلمون على بناء المساجد فوق قبور الصالحين، وتنافسوا في تشييد الأضرحة حتى أصبحت تبن على أسماء لا مسميات لها بل قد بنيت على ألواح الخشب وجثث الحيوانات. ومع ذلك فهي مزارات مشهورة ومعمورة تقصد لتفريج الكرب وشفاء المرضى وتهوين الصعاب "(1) اهـ

2) أ- الحب القلبي:

ص: 213

حين نزل القران الكريم كان المخاطبون يتخذون انداداً من دون الله، حسية مثل الصنام المتخذة من الأحجار والأخشاب وغيرها، إذ كان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً. ومعنوية كالقلبية وغيرها من أوثان الجاهلية التي لا إله إلا الله يستطيع المرء الخروج عليها وان تأكد له خطا سلوكها، فقد قال قائلهم في التمسك بما عليه قبيلته ولو كان ظلماً وعدواناً.

وما أنا إلا من غزية إن غوت

غويت وإن ترشد غزية أرشد

هذه الأنداد يحبها المشركون حباً يجعلهم يقدمون محبتها على محبة الله. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ

} (البقرة: الآية 165) .

فتسويتهم محبتها بمحة الله شرك أكبر، فكيف إذا قدموا حبها على حبه.

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الأنعام: الآية 126) .

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال " أن تجعل لله نداً وهو خلقك ".

وقد أخبر الله عن حال كثير من الناس الذين يتخذون مع الله الأنداد، كيف تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إليها في العبادة. وغلى شريعته وحدها قانوناً في الحكم، وإلى منهج الله وحده نظاماً للحياة، أما إذا ذكرت المناهج الأرضية نظاماً للحياة وشريعة في الحكم فرحوا واستبشروا يقول تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر: الآية 45) .

ص: 214

أما المؤمنون بالله فقد وصفهم الله بأنهم أشد حباً لله {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} أي المؤمنون بالله أشد حباً له من حب المشركين لآلهتهم (1) . لذلك فهم يقدمون أنفسهم رخيصة في سبيله فقد باعوها له {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

} (التوبة: الآية 111) .

ب - محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صميم الدين، ولا يؤمن أحد حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين.

ومن علامات حب المؤمن للرسول الله صلى الله عليه وسلم نصر دينه بالقول والفعل والذب عن سنته، والتخلق بأخلاقه، وتقديم ما شرعه وأمر به على هوى النفس وشهواتها، وكذلك كثرة ذكره بالصلاة عليه فمن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا.

ثم أن محبة الرسول الله صلى الله عليه وسلم تستلزم طاعته واتباعه وبذلك يستحق العبد حب الله له.

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: الآية 31) .

فمن ادعى محبة الله وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتاب الله يكذبه.

والمطلوب من العبد ديناً أن يحبه الله ولا يحب الله عبده إلا إذا اتبع نبيه ظاهراً وباطناً، وصدقه خبراً، وأطاعه أمراً، وآثره طوعاً واختبارا.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

} (النساء: الآية 59) .

{

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

} (الحشر: الآية 7) .

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده ".

ص: 215

وفي رواية أنس رضي الله عنه: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "(1) .

وفي البخاري في كتاب الإيمان والنذور.. من حديث عبد الله بن هشام أن عمر عمر بن الخطاب قال: لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي. فقال: الآن يا عمر " (2) .

ولاشك أن حظ أصحابه الذين كانوا معه من هذا الحب كان أتم، ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة، وهم بقدره ومنزلته أعلم من غيرهم، والناس يتفاوتون في ذلك وقد عبر بعض الصحابة عن هذا الحب المكين بأقوالهم وأفعالهم.

يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: " وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أملأ عيني منه اجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه "(3) .

هكذا كانت محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحبونه أكثر من أنفسهم، يقتدون به ويطيعون أوامره يجتنبون ما نهى عنه.

وما نشأت البدع إلا من تقديم هوى النفس على متابعة الرسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته ولذلك سُمّي منتحلوها بأهل الأهواء.

{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص: الآية 50) .

ولا يعصم من الهوى الإ طاعة الله والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} .

يقول ابن القيم في النونية ص 579:

فهو المطاع وأمره العالي على

أمر الورى وأوامر السلطان

وهو المقدم في محبتنا علىالـ

أهلين والأزواج والولدان

وعلى العباد جميعهم حتى على

النفس التي قد ضمها الجنبان

ص: 216

فهل ما يعلمه كثي من الناس بدعوى المحبة للرسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور لم يعلمها الصحابة الذين عرفنا اجلالهم وتقديرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مديح وإطراء يكون محبة.

ففي حديث عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله "(1) .

ولكن ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم وخشيه على أمته وقع الناس فيه.

ففي نظم البوصيري قوله:

يا اكرم الخلق مالي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن في معادى آخذاً بيدي

فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم

وقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

فإذا كانت الدنيا وضرتها من جود الرسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن بع ض علومه علم اللوح والقلم لأن ((من)) للتبعيض، فماذا بقي للخالق جل وعلا، والله يقول لنبيه:{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ..} وقالت عائشة رضي الله عنها لمسروق كما في صحيح مسلم 1/159 ح / 781 " ومن قال إن محمد صلى الله عليه وسلم يعلم ما في غدٍ فقد أع ظم على الله الفرية، والله يقول {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} "(النمل / 65) .

فهذا الغلو والإطراء هو الذي حذر الرسول الله أمته صلى الله عليه وسلم منه. حيث قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم " وقد صار حظ أكثر هؤلاء منه صلى الله عليه وسلم مدحه بالأشعار والقصائد والغلو الزائد، مع عصيانهم له في كثير من أمره ونهيه (2) .

3 -

الشفعاء:

لقد سلك المشركون في اتصالهم بالله مسلك اتخاذ الوسطاء لهم عند الله.

ص: 217

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (يونس: الآية 18) .

تبين الآية الكريمة أن هؤلاء يعبدون آلهة لا تنفعهم ولا تضرهم في الدنيا حال عبادتهم إياها فقولهم عنها إنها تشفع لهم في المال عند الله جهل شنيع، ولذلك أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم خطاب المنكر عليهم.

{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْض} كما بين لهم أن هذا زعم باطل فالشفاعة لا تكون عند الله إلا بإذنه.

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} (البقرة: الآية 255) .

إن اتخاذ شفعاء يخافون ويرجون ويطلب منهم أن يشفعوا لهم عند الله شرك بالله، لأن الشفاعة لا تكون عند الله إلا بإذنه. والله لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً.

وقد اتخذ كثير من الناس هذا العمل المنافي لتوحيد الله وسيلة إلى الله وأسموه توسلا بالصالحين وقد لبس إبليس وأعوانه على كثير من الناس في هذا الباب وحرمهم من حق تمتع هو به فقد قال لهم: أ- إنكم عصاة والله إنما يتقبل من المتقين، فلو ذهب الإنسان ليدعو ربه وهو متلبس بالسيئات لم يجب الله سؤاله - لذا فلا بد من واسطة مقبولة ولا تكون تلك الواسطة إلا الولي الصالح.

ب- إن هذا العمل ليس شركاً لأن النية هي معيار الحكم على الأعمال، وأنتم لم تنووا شركا.

ج- ثم إن مثل هذا العمل جائز فقد كان العلماء يتوسلون إلى الله بالأنبياء وغيرهم من الصالحين.

هذه بعض الشبه التي تلقى ليتقبل الناس مثل هذه الأعمال.

ص: 218

ونرى أن نبدأ أولاً بذكر التوسل المشروع، ثم نبين بعد ذلك وجهة الرد على الشبهة التي سبق ذكرها والتي لبس بها على كثير من الناس فنقول: إن التوسل المشروع هو:

1-

التوسل بالإيمان بذات الله – {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} . فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله: " اللهم اني أسألك بأنك أنت الله الذي لاإله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواٍ أحد "(1) .

2-

التوسل بالعمل الصالح - كما في قصة الثلاثة الذين آواهم الغار، فانطبقت عليهم صخرة، فكل واحد منهم دعا الله بعمله الخالص الذي قدمه لله تعالى وطلب منه أن يفرج عنهم ما هم فيه وهكذا دعا الثلاثة حتى أزيحت الصخرة عنهم فخرجوا يمشون.

3-

دعاء المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب، ولا فرق في ذلك بين الفاضل والفضول فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب أن يدعو له، بل والمسلمون يدعون له ويطلبون له الوسيلة دائماً.

4-

إذا توسمت في شخص ما أنه من أهل الصلاح والتقوى، وأحببت أن يدعو لك جاز لك ذلك فتطلب منه أن يدعو الله وأنت تؤمن على دعائه.

هذه الأنواع هي الأنواع المعروفة في هذا الباب وعمل بها سلفنا الصالح. أما تلبيس إبليس وأعوانه على الناس بأنهم عصاة والله يتقبل من المتقين فلا بد من واسطة، وهم يقولون هذا عند التوجه إلى الأضرحة والطلب من أصحابها ما لا يقدر عليه إلا الله فهذه مغالطة:

فالمشركون دعوا الله مباشرة بدون واسطة واستجاب الله دعاءهم. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (يونس الآية 23،22) .

وأبليس نفسه دعا ربه مباشرة بدون واسطة جبريل أو غيره من الملائكة ممن لم يعص الله وأجيب.

ص: 219

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} (الحجر: الآية 36-38) .

فكيف يجوز هذا الحق للمشركين، ولإبليس وهو رئيس العصاة وقائد الكفار إلى النار، ولا يسوغ لجمهور المسلمين العصاة أن يلجؤا إلى ربهم والله يقول:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..} (غافر: الآية 60)

بل القر آن يدعو العصاة والذين ارتكبوا فواحش وظلموا أنفسهم أن يلجؤا إلى الله ويستغفروه مباشرة.

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ..} (آل عمران: الآية 135) .

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ

} (غافر: الآية 3) .

وأما كون النية هي معيار الحكم على الأعمال.

فالجواب: إن العمل الصالح المقبول يشترط فيه شرطان:

1-

النية الخالصة {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} " إنما الأعمال بالنيات ".

2-

أن يكون موافقاً لما أمر به الله ورسوله. ودعاء الأموات والتقرب إليهم ممنوع شرعاً بل هو شرك بالله. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ} (الأحقاف: الآية 5) .

والقول بأن العلماء كانوا يفعلون ذلك غي ر صحيح، فالعلماء ما كانوا يتوسلون بالموتى إ طلاقاً، فإن الصحابة رضوان الله عليهم في زمن عمر بن الخطاب حين اجدبوا طلبوا منه أن يستسقي لهم فلما فرغ من الصلاة قال: اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك فتسقنا والآن نستسقي بعم نبيك (1) قم يا عباس فادع الله لنا فقام ودعاء لهم والمسلمون يؤمنون على دعائه ومن دعائه: " اللهم لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ".

ص: 220

ولم يثبت عن الصحابة ولا التابعين ومن سلك منهجهم أنهم توسلوا بذوات الأ حياء، إنما كان توسلهم بدعائهم، كما في قصة عمر هذه مع العباس.

4 – النية والقصد:

الأعمال الصالحة المقبولة عند الله تعالى: هي ما كانت خالصة لوجهه تعالى، موافقة لشرعه.

قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

وفي الحديث: " إنما الأعمال بالنيات ".

وقد شاع عند الكثير من الناس القول بأن العمل لا ينظر إليه وإنما تعتبر النية المصاحبة له.

وهذا القول غير صحيح في الشريعة الإسلامية. وإنما العمل المقبول المثاب عليه عند الله يشترطه فيه شرطان:

1-

النية الصالحة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما العمال بالنيات ". وهذا معنى قوله: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} . فإذا خالط هذه النية أمراً آخر بأن يعمل هذا العمل من أجل أن ينال دنيا، أو يثني عليه من يشاهده كان مرائياً. وذلك يحبط عمله هذا الذي صار فيه الرياء.

2-

أن تكون صورته موافقة للشرع، وإلا كان مبتدعاً. وهذا معنى قول العلماء في العمل المقبول عند الله ((أن يكون خالصاً صواباً)) .

يقول الله تعالى في ذلك منبهاً إلى أن تكون أعمالهم التي يتقربون بها إليه تعالى خالصة له.

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (هود: الآية 15، 16) .

ص: 221

قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لايظلمون نقيرا، فكل من التمس الدنيا بعمل أهل الآخرة أوف ي الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله، وهكذا روى عن مجاهد والضحاك وغير واحد، وقيل إن الآ ية نزلت في اليهود والنصارى، ولكن حكمها عام لكل من اتصف بهذا الوصف.

5-

حق التشريع:

قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: تلآية 31) .

1-

الاحبار جمع حبر وهم علماء اليهود.

2-

الرهبان جمع راهب وهم علماء النصارى.

والرب هو الخالق المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء. وهو المشرع لهم فهو أعلم بما يصلح حال عباده في حالهم ومآلهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . وقد وصف الله من تصدى لذلك بأنه مفتر على الله كذاب في تشريعه لأن نص التحليل والتحريم لله وحده. {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} فهذا حق له تعالى لايجوز لمخلوق أن يتقدم بين يدي الله فيشرع لعباده من دونه، ان ذلك مشاركة الله فيما هو من خصائصه واليذن يتقبلون هذا التشريع وتطمئن نفوسه إليه ويعلمون به هم مشركون بالله.

ص: 222

فاتخاذ الأخبار والرهبان أرباباً هو في التشريع إذ الأحبار والرهبان مخلوقون لله كغيرهم من البشر، إلا أنهم شاركوا الله في تشريعهم لخلقه بالتحليل والتحريم الذي هو من خصائص الخالق سبحانه وتعالى، يفسر هذا الحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه الذي رواه الإمام احمد والترمذي وغيرهما حين جاء والرسول صلي الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. قال: قلت إ نهم لم يعبدوهم. فقال: " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال واحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم ".

وهكذا قال حذيفة بن اليمان وعبد الله تن عباس وغيرهما في تفسير {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} . إنهم اتبعوا فيما حللوا وحرموا. وقال السدي: " استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} أي الذي اذا حرم الشيء فهو الحرام وما حلله فهو الحلال وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ (لا إله إلا الله إله الا هو سبحانه عما يشركون "(1) .

يقول سيد قطب في ظلال القرآن ج4/203 بعد أن نقل كلام ابن كثير وغيره في تفسير الآية: " ومن النص القرآني الواضح الدلالة، ومن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو فصل الخطاب. ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين، تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار.

ص: 223

إن العبادة هي الاتباع في الشرائع بنص القر آن وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار وا لرهبان أرباباً بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم

ومع هذا فقد حكم الله - سبحانه عليهم بالشرك في هذه الآية - وبالكفر في آية تالية السياق - لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها

فهذا وحده - دون الاعتقاد والشعائر يكفي لاعتبار من يفعله مشركا بالله الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين.

إن النص القر آني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوهم، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقاداً وقدموا إليه الشعائر في العبادة. فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركا بالله، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين.

إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عبادة ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهية، ولا تقديم الشعائر التعبدية له ".

ويخلص بعد ذلك إلى القاعدة المعروفة عند المفسرين والأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب لأن القر آن تشريع عام للبشرية كلها في كل زمان ومكان.

فيقول: " إن دين الحق الذي لا يقبل الله من الناس كلهم دينا غيره هو (الإسلام) والإسلام لا يقوم إلا باتباع الله وحده في الشريعة - بعد الاعتقاد بألوهيته وحده وتقديم الشعائر التعبدية له وحده - فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة الله صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى من أنهم مشركون لا يؤمنون بالله - مهما كانت دعواهم في الإيمان - لأن الوصف يلحقهم بمجرد اتباعهم لتشريع العباد لهم من دون الله بغير إنكار منهم يثبت فيه أنهم لا يتبعون إلا عن إكراه واقع بهم لا طاقة لهم بدفعه وأ نهم لا يقرون هذا الافتئات على الله ".

---

(1)

عقيدة المسلم ص 68.

ص: 224

(1)

ابن جرير 2/66 ، طبعة ثانية 1373 هـ.

(2)

خ / الإيمان – فتح الباري 1/58 ح 14 - 15.

(3)

خ / الإيمان والنذور – فتح الباري ج /11/ 523 ح 632.

(4)

مسلم: كتاب الإيمان 1/112 ح192.

(5)

أخرجاه في الصحيحين.

(6)

تيسير العزيز الحميد ص 186-187.

(7)

حم 4/338 من حديث محجن بن الأذرع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وس /الدعاء 3 / 45 من حديث محجن.

(8)

متفق عليه. خ /. م كتاب الذكر والدعاء / باب قصة أصحاب الغار 4/99. ح 100.

(9)

خ/الاستسقاء \ باب سؤال لناس الإمام الاستسقاء إذغ قحطوا / فتح الباري2 / 494 ح1010.

(10)

ابن كثير ح2 /248 – 349.

ص: 225

سئل شيخ الإسلام

مفتي الأنام أوحد عصره فريد دهره: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله ورضي عنه - عن الرجل إذا قطع الطريق وسرق أو أكل الحرام ونحو ذلك، هل هو رزقه الذي ضمنه الله تعالى له أم لا؟

فأجاب: الحمد لله: ليس هذا هو الرزق الذي أباحه الله له، ولا يحب ذلك ولا يرضاه، ولا أمره أن ينفق منه، كقوله تعالى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وكقوله تعالى: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} ، ونحو ذلك لم يدخل فيه الحرام، بل من أنفق من الحرام فإن الله تعالى يذمه ويستحق بذلك العقاب في الدنيا والآخرة، وقد قال الله:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وهذا أكل المال بالباطل.

ولكن هذا الرزق الذي سبق به علم الله وقدره، كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد". فكما أن الله كتب ما يعلمه من خير وشر وهو يثيبه على الخير ويعاقبه على الشر، فكذلك كتب ما يرزقه من حلال وحرام، مع أنه يعاقبه على الرزق الحرام.

ص: 226

ولهذا كل ما في الوجود واقع بمشيئة الله وقدره، كما تقع سائر الأعمال لكن لا عذر لأحد بالقدر، بل القدر يؤمن به وليس لأحد أن يحتج على الله بالقدر، بل لله الحجة البالغة، ومن احتج بالقدر على ركوب المعاصي فحجته داحضة، ومن اعتذر به فعذره غير مقبول، كالذين قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} والذين قالوا: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} كما قال تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} .

وأما الرزق الذي ضمنه الله لعباده فهو قد ضمن لمن يتقيه أن يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأما من ليس من المتقين فضمن له ما يناسبه، بأن يمنحه ما يعيش به الدنيا، ثم يعاقبه في الآخرة، كما قال عن الخليل:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}

والله إنما أباح الرزق لمن يستعين به على طاعته، لم يبحه لمن يستعين به على معصيته، بل هؤلاء وإن أكلوا ما ضمنه لهم من الرزق فإنه يعاقبهم، كما قال:{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وقال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فإنما أباح الأنعام لمن يحرم عليه الصيد في الإحرام.

ص: 227

وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فكما أن كل حيوان يأكل ما قدر له من الرزق، فإنه يعاقب على أخذ ما لم يبح له، سواء كان محرم الجنس، أو كان مستعينا به على معصية الله، ولهذا كانت أموال الكفار غير مغصوبة بل مباحة للمؤمنين، وتسمى فيئا إذا عادت إلى المؤمنين؛ لأن الأموال إنما يستحقها من يطيع الله لا من يعصيه بها، فالمؤمنون يأخذونها بحكم الاستحقاق والكفار يعتدون في إنفاقها، كما أنهم يعتدون في أعمالهم، فإذا عادت إلى المؤمنين فقد فاءت إليهم كما يفيء المال إلى مستحقه.

وسئل:

(2)

عن الخمر والحرام: هل هو رزق الله للجهال؟ أم يأكلون ما قدر لهم؟

فأجاب: ان لفظ (الرزق) يراد به ما أباحه الله تعالى للعبد وملكه إياه، ويراد به ما يتغذى به العبد.

فالأول: كقوله: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم} {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، فهذا الرزق هو الحلال والمملوك لا يدخل فيه الخمر والحرام.

ص: 228

والثاني: كقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، والله تعالى يرزق البهائم، ولا توصف بأنها تملك، ولا أنه أباح الله ذلك لها إباحة شرعية، فإنه لا تكليف على البهائم - وكذلك الأطفال والمجانين - لكن ليس بمملوك لها وليس بمحرم عليها، وإنما المحرم (بعض) الذي يتغذى به العبد وهو من الرزق الذي علم الله أنه يتغذى به، وقدر ذلك (بخلاف) ما أباحه وملكه، كما في الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك فيؤمر بأربع كلمات فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، قال: فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".

والرزق الحرام مما قدره الله، وكتبته الملائكة، وهو مما دخل تحت مشيئة الله وخلقه، وهو مع ذلك قد حرمه ونهى عنه، فلفاعله من غضبه وعقوبته ما هو أهله - والله أعلم -.

من أين تؤتون؟

ص: 229

قد المنهزمون من الروم أمام المسلمين على (هرقل) وهو بإنطاكية، فدعا رجالا من عظمائهم فقال لهم: ويحكم ما هؤلاء الذين تقاتلونهم من العرب؟ أليسوا مثلكم؟ قالوا بلى! قال: أفأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن، قال: ويلكم فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيها الملك من أين تؤتون، قال: أخبرني، قال: إنهم إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا علينا صدقوا، وإنا نحمل عليهم فنكذب ويحملون علينا فلا نصبر، قال: ويلكم فما بالكم تصفون وهم كما تزعمون؟ قال: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال: من أين هو؟ قال: لأن القوم يصارعون بإيمان ويصاولون بروح لا تهزم، وإن من صميم عقيدتهم التمرن على الصبر؛ فهم يصومون بالنهار ويقومون بالليل، ثم إن جمعهم واحد ليس بينهم خلاف لأنهم يوفون بالعهد ويتناصحون بينهم لا يظلمون أحدا، أما نحن فإنا نشرب الخمر ونزني ونظلم ونغصب ونأمر بما يسخط الله وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض.

من كتاب سيرة (سيد ولد آدم)

ص: 230

رسائل لم تحملها البريد

الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية

أختي العزيزة (هل) :

هذه هي الرسالة التاسعة من رسائلي إليك، ضمنتها الصيغة الثامنة عشرة من هذه الصيغ التي أدخل فيها على لم النافية الجازمة للفعل المضارع، وصيغا أخرى سوف تقرئينها من بعد.

أما الصيغة الثامنة عشرة فهي: (أو لم يكف)، وقد وردت في آيتين اثنتين من آيات القرآن الكريم:

الآية الأولى في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .الآيتان (50-51) من سورة العنكبوت.

ومعنى همزة الاستفهام في هذه الصيغة: (أو لم يكفهم) الإنكار والتوبيخ.

ينكر الله سبحانه وتعالى على المشركين من قريش القائلين لولا أنزل على محمد آيات من ربه تكون حجة علينا كما جعلت الناقة لصالح والمائدة لعيسى، ينكر الله سبحانه وتعالى على هؤلاء المشركين ويوبخهم أن لم يكفهم آية أنه جل وعلا قد أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الخالد الصالح على مر الزمان وفي كل مكان، فلا يلحقه بلى ولا يدركه فناء، ولا يصيبه تبديل ولا تحريف، ثم هو يتلى عليهم في كل حين، فلو كانوا ينشدون الإيمان حقا ويتلمسون أسبابه مخلصين لوجدوا فيه - كما يجد المؤمنون به - رحمة ونعمة وموعظة وذكرى.

وإعراب {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِم} واضح وسهل، فالفعل المضارع في (يكفهم) مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهو الياء من آخره، و (هم) في محل نصب مفعول به.

ص: 231

{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} أن (بفتح الهمزة) من أخوات إن (بكسر الهمزة) ، وهي حرف توكيد تنصب المبتدأ على أنه اسمها وترفع الخبر على أنه خبرها، وهي أيضا حرف مصدري تؤول هي وما بعدها بمصدر، و (نا) ضمير مبني على السكون في محل نصب اسمها، وجملة (أنزلنا عليك الكتاب) في محل رفع خبرها، والمصدر المؤول من أن المصدرية وخبرها مضافا إلى اسمها في محل رفع فاعل الفعل المضارع (يكفهم)، والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا عليك الكتاب.

{يُتْلَى عَلَيْهِم} (يتلى) فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره على الألف منع من ظهورها التعذر، وفي يتلى ضمير مستتر تقديره هو يعود على الكتاب وهو نائب الفاعل، و (عليهم) جار ومجرور يتعلقان بالفعل المضارع (يتلى) ، وجملة (يتلى عليهم) في محل نصب حال من الكتاب، وهي حال مقدرة أي تقع بعد إنزال الكتاب وليست مصاحبة له.

وجملة {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِم} جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الآية الثانية التي وردت فيها صيغة (أو لم يكف) هي قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} الآية (53) من سورة فصلت.

هذا الاستفهام {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} للإنكار والتوبيخ:

ص: 232

ينكر الله سبحانه وتعالى على المكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم ويوبخهم على عدم اكتفائهم بشهادته جل وعلا على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه، فهو جل وعلا شهيد على كل شيء من أفعال عباده، وقد شهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عن ربه تبارك وتعالى، فكان ينبغي لهؤلاء المكذبين أن تكون هذه الشهادة كافية للدلالة على صدقه لو كانوا يعقلون.

وإعراب {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سهل واضح، فالفعل المضارع (يكف) مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الياء من آخره، و (بربك) الباء حرف جر زائد للتوكيد، و (رب) مجرور بالباء لفظا مرفوع تقديرا على أنه فاعل (يكف) ، و {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (أنّ) من أخوات إن حرف توكيد تنصب المبتدأ على أنه اسمها وترفع الخبر على أنه خبرها، وهي أيضا حرف مصدري تؤول هي وخبرها بمصدر، والهاء من (أنه) ضمير يعود على (ربك) مبني على الضم في محل نصب اسم أن، (على كل شيء) الجار والمجرور يتعلقان بـ (شهيد) وشيء مضاف إليه، و (شهيد) خبر أن مرفوع، والمصدر المؤول من أن وخبرها مضافا إلى اسمها وتقديره: شهادته على كل شيء، هذا المصدر المؤول تابع للفظ ربك على أنه بدل منه، فيكون له محلان، فهو في محل جر بالنظر إلى لفظ (رب) المجرور، وهو في محل رفع بالنظر إلى الرفع المقدر للفظ (رب)، ونوع هذا البدل: بدل اشتمال، وقيل بدل كل من كل.

أختي: (هل) :

أريد الآن أن أحدثك عن صيغ الاستفهام التي دخلت فيها على لم النافية الجازمة لفعل مضارع لم يأت في القرآن الكريم مجزوما بلم التالية لهمزة الاستفهام أكثر من مرة واحدة.

هاأنا ذى أقدمها إليك مرتبة بحسب ورودها في القرآن الكريم:

ص: 233

الاستفهام الأول: (ألو لم تؤمن) في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الآية (260) من سورة البقرة.

الاستفهام في قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} استفهام تقرير، وقد تقدم في الرسالة الأولى من هذه الرسائل أن استفهام التقرير يأتي على معنيين: على معنى الإخبار كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، أو على معنى طلب الاعتراف بما تضمنه السؤال نفيا أو إثباتا كما في قوله تعالى: لعيسى بن مريم: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} .

وأرى أن الاستفهام هنا في قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} للتقرير بمعنى طلب الاعتراف، وجواب إبراهيم عليه السلام بقوله:(بلى) أي قد آمنت اعتراف بما تضمنه السؤال على وجه الإثبات والإيجاب.

قد تسألين وتقولين: الله سبحانه وتعالى يعلم أن إبراهيم عليه السلام أثبت الناس إيمانا وأقواهم يقينا، ويعلم أيضا جواب إبراهيم من قبل أن يجيب إبراهيم، فما الفائدة إذن من هذا السؤال؟

الفائدة من هذا السؤال حمل إبراهيم على أن يجيب بما أجاب به فيكون ذلك إقرارا بأن سؤال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ليس ناشئا من نقص في إيمانه أو شك في قدرته تعالى على إحياء الموتى، وإنما ليعلم السامعون أن غرضه من السؤال أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وأن يطمئن قلبه عيانا كما اطمأن قلبه برهانا، أو بعبارة أخرى ليضم إلى علمه الناشئ من البرهان والاستدلال علما آخر ناشئا من الحس والمشاهدة.

ص: 234

قد تقولين: فهمت من الآية أن إبراهيم قد آمن بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ولكنه سأل ربه كيفية الإحياء ليطمئن قلبه ويسكن، ترى ماذا كان في قلب إبراهيم قبل أن يطمئن ويسكن؟

لم يكن في قلبه شك ولا تردد كما يبدر إلى أذهان بعض الناس، ولكن كان في قلبه قلق واضطراب من جراء تطلعه الملحّ وتشوقه الشديد إلى مشاهدة كيفية الإحياء، فحين رآها اطمأن قلبه وسكن.

وهذا شيء قد فطرت عليه النفس البشرية، فإنها إذا تطلعت إلى شيء تطلعا ملحّا ورغبت فيه رغبة شديدة لت في قلق واضطراب حتى تنال ما تصبو إليه، فإذا نالته اطمأنت وسكنت.

أختي (هل) :

أحب أن أخبرك أن أبا حيان الأندلسي قد رأى في تفسيره البحر المحيط (ج2 ص298) : أن الاستفهام في قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} للتقرير بمعنى الإخبار على حد {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وعلى هذا يكون معنى {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قد آمنت.

ورأى أيضا أن (بلى) التي تقع جوابا للنفي لا جوابا للإثبات قد وقعت جوابا لهذا الاستفهام بالنظر إلى لفظه الدال على النفي لا بالنظر إلى معناه الدال على الإثبات.

وقال أيضا: إن هذا جائز قد تقرر في النحو، ويؤيده أن في كلام العرب ما يلحظ فيه اللفظ دون المعنى.

ورأي أن إجابة إبراهيم عليه السلام بقوله: (بلى) قرينة على أن هذا الاستفهام لطلب الاعتراف وليس للإخبار.

وقول أبي حيان إن (بلى) كانت جوابا للاستفهام باعتبار لفظه لا باعتبار معناه خلاف المتبادر وتكلف لا داعي إليه.

ص: 235

الاستفهام الثاني: (ألم نستحوذ عليكم) في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} الآية (141) من سورة النساء.

في هذه الآية الكريمة يقول المنافقون الذين كانوا يتربصون بالمؤمنين الخير أو الشر، وينتظرون بهم ما يتجدد من ظفر لهم أو ظفر بهم، يقولون للمؤمنين - إن كان للمؤمنين فتح من الله أي نصر على الكافرين وتأييد وظفر وغنيمة -: ألم نكن معكم؛ يتوددون إليهم بهذا القول.

فهذا الاستفهام: (ألم نكن معكم) يفيد التقرير والتودد على معنى كنا معكم مساندين مظاهرين، فنصركم الله على أعدائكم، وأفاء الله عليكم فيئا من المغانم، لقد أسدينا إليكم معروفا فأسهموا لنا في الغنيمة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.

وإن كان للكافرين نصيب من الغلبة على المؤمنين والإصابة منهم قال أولئك المنافقون أنفسهم لهؤلاء الكافرين متظاهرين لهم بالمحبة والود {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} ، وهذا استفهام تقرير وتودد أيضا، أي غلبنا عليكم وكان في مكنتنا أن نقتل منكم ونأسر، ولكننا أبقينا عليكم ومنعناكم من المؤمنين بتخذيلنا إياهم وتثبيطنا لهم، فانصرفوا دون أن يقدروا على إيذائكم، فأسهموا لنا فيما غنمتم مقابل ما أسدينا إليكم من معروف وإحسان، فنحن نواليكم فلا نؤذيكم ولا نترك أحداً يؤذيكم.

ص: 236

الاستفهام الثالث: (ألم أنهكما) في قوله تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} . الآيات (19-22) من سورة الأعراف.

هذا الاستفهام: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} معناه عتاب آدم وزوجه على ما صدر منهما والتنبيه على موضع ما غفلا عنه، فقد قال سبحانه وتعالى لهما:{وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} فخالفا النهي واقتربا منها وذاقا، وقال سبحانه وتعالى يحذرهما من الشيطان {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} ، فاغترا بقول الشيطان وقبلا ما عرض عليهما حين قاسمهما إني لكما لمن الناصحين.

ص: 237

والفعل المضارع في {أَلَمْ أَنْهَكُمَا} مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وهو الألف من آخره، وأصله قبل الحذف (أنهى) ، و (كما) ضمير المخاطب المثنى مبني على السكون في محل نصب مفعول به، ولك أن تقول الكاف وحدها ضمير المخاطب والميم حرف عماد، أي اعتمدت عليها الألف في دلالتها على التثنية والألف حرف دال على التثنية، والحق أن هذه الأحرف الثلاثة بمجموعها تدل على المثنى المخاطب، وأن أي حرف منها لا يدل بمفرده عليه؛ ولذلك كان اعتبار الأحرف الثلاثة مجتمعة كلمة واحدة تدل على ضمير المثنى المخاطب أحق وأولى.

{عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} عن حرف جر، و (تِ) اسم إشارة للمفردة المؤنثة، وأصله (تي) ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهما الياء من (تي) واللام الدالة على البعد، وتعرب (ت) اسم إشارة مبني على السكون على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل جر، واللام الواقعة بعد اسم الإشارة حرف يدل على بعد المشار إليه مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و (كما) حرف خطاب للمثنى مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و (الشجرة) نعت لاسم الإشارة مجرور، ويجوز أن تعرب عطف بيان.

الاستفهام الرابع: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب) في قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} الآيتان (168-169) من سورة الأعراف.

ص: 238

الآية الأولى من هاتين الآيتين الكريمتين تبين أن الله سبحانه وتعالى قد قطّع بني إسرائيل وفرقهم في بقاع الأرض، منهم الصالحون ومنهم الفاسقون الكافرون، وقد ابتلي هؤلاء الكافرين بالحسنات من صحة ورخاء، وبالسيئات من مرض وفقر وجدب، لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون عن المعصية.

والآية الثانية التي اشتملت على الاستفهام {أَلَمْ يُؤْخَذْ} تبين أنه جاء بعد أولئك اليهود المتقدم ذكرهم في الآية الأولى جيل سوء من نسلهم ورثوا التوراة من أسلافهم فبقيت في أيدهم يقرءونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحريم والتحليل ولا يعملون بها، ويأخذون الرشا والمكاسب الخبيثة ويقولون سيغفر لنا الله، ولن يؤاخذنا بذلك، وكان ينبغي إذ ورثوا الكتاب أن يعملوا بما جاء فيه وألا يجزموا بالمغفرة وهو مصرون على ارتكاب المعصية، وقد جاء إصرارهم هذا من أنهم كانوا إذا أمكنتهم الرشا والمكاسب الخبيثة أخذوها غير مكترثين بالوعيد والعقاب الشديد على ارتكاب المعاصي.

ويجيء الاستفهام في قوله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} يجيء مفيدا التقرير والتوبيخ: التقرير على معنى الإخبار أي قد أخذ عليهم في الكتاب - أي في التوراة - ميثاق أن لا يقولوا على الله إلا الحق والصدق، وقد كذبوا مع ذلك عليه سبحانه وتعالى، ومن تلك الأكاذيب دعواهم أن الله سيغفر لهم معاصيهم مع إصرارهم عليها، ومنها أنهم كانوا إذا جاءهم المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له به مدعين أنه كتاب الله.

وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ أيضا: يوبخهم الله سبحانه وتعالى على افترائهم وأكاذيبهم تلك التي كانوا يزعمون أنها في كتاب الله، على حين يعلمون أنها ليست فيه، فقد قرءوه كرة بعد كرة، ووقفوا على ما فيه مرة بعد مرة.

ص: 239

وأكتفي من إعراب هذه الصيغة {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ} بما يلي:

(ميثاق) نائب فاعل، و (الكتاب) مضاف إليه، و (أن) حرف مصدري ينصب الفعل المضارع و (لا) نافية، و (يقولوا) مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون، والواو ضمير الجماعة فاعل مبني على السكون في محل رفع، و (على الله) جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (إلا) أداة حصر حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و (الحق) مفعول به ليقولوا، والمصدر المؤول من (أن) المصدرية والفعل الذي دخلت عليه في محل رفع عطف بيان لميثاق، وقيل بدل منه، وقيل المصدر المؤول في محل نصب مفعول من أجله على معنى لئلا يقولوا إلا الحق، وجملة {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ} جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الاستفهام الخامس: (أفلم ييأس الذين آمنوا) في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} الآية 31 من الرعد.

ص: 240

هذا الاستفهام: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} يفيد الإنكار: ينكر الله سبحانه وتعالى على الذين آمنوا بالله ورسوله وبأن الله جل وعلا لو يشاء لهدى الناس جميعا ينكر عليهم أن لم يقنطوا من إيمان كفار قريش المعاندين لله ورسوله، ذلك أنه لما سأل هؤلاء الكفار المعاندين نزول آيات غير القرآن {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة} اشتاق المؤمنون إلى هذه الآيات، وأحبوا نزولها طمعا في إيمان هؤلاء الذين علم الله أنهم لا يؤمنون ولو نزلت هذه الآيات، فقال تعالى:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} .. الآية.

أختي (هل) :

ذهب كثير من المفسرين إلى أن (ييأس) في هذا الاستفهام بمعنى يعلم، وليس هناك - فيما يبدو لي - ما يدعو إلى إخراج هذه الكلمة عن بابها وهو القنوط، ولا إلى حملها على لغة بعض قبائل العرب وجعلها بمعنى يعلم، فاستعمالها بمعنى العلم قليل جدا، بل إن الكسائي والفراء قد أنكراه.

أما إعراب هذه الصيغة {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} فأكتفي منه بإعراب ما يلي:

ص: 241

{أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} (أنْ) مخففة من الثقيلة، وهي مصدرية تفيد التوكيد، تنصب المبتدأ على أنه اسمها وترفع الخبر على أنه خبرها، وهي حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، واسمها ضمير الشأن محذوف والتقدير أنه. و (لو) حرف يدل على انتفاء الجواب لانتفاء الشرط، والمعنى أنه تعالى لم يهد الناس جميعا لأنه لم يشأ ذلك، و (يشاء) فعل مضارع مرفوع ولفظ الجلالة (الله) فاعله، و (لهدى) اللام واقعة في جواب لو، و (هدى) فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر يعود على لفظ الجلالة (الله) ، و (الناس) مفعول به منصوب، و (جميعا) حال من الناس منصوب، وجملة {لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} جواب لولا محل لها من الإعراب، والجملة المؤلفة من لو وشرطها وجوابها في محل رفع خبر أنْ المخففة من الثقيلة، والمصدر المؤول من أن المخففة وجواب لو في محل جر بالباء المقدرة، والجار والمجرور يتعلقان بالفعل (آمنوا)، والتقدير: أفلم ييأس الذين آمنوا بهداية الله للناس جميعا لو يشاء، ويجوز أن يكون هذا المصدر المؤول في محل نصب على نزع الخافض، ومتعلق ييأس الذي هو مفعول به في المعنى محذوف لدلالة السياق عليه، والتقدير: أفلم ييأس الذين آمنوا بهداية الله للناس جميعا لو يشاء أفلم ييأسوا من إيمان هؤلاء الكافرين.

الاستفهام السادس: (أو لم ننهك عن العالمين) في قوله تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} الآيات (67-70) من سورة الحجر.

هذا الاستفهام: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} يفيد التقرير والإنكار.

ص: 242

التقرير على معنى الإخبار أي قد نهيناك من قبل عن تضييف أحد من الناس، ويفيد الإنكار على معنى ما كان ينبغي لك بعد هذا أن تصيف هؤلاء وتقول لنا لا تفضحوني ولا تخزوني، وأنت الذي تعرض نفسك للفضيحة والخزي من جراء مخالفتك ما قد نهيناك عنه، وإعراب الصيغة واضح.

الاستفهام السابع: (ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) في قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} الآيات (73-79) من سورة طه.

لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فعون إلى جانب الطور الأيمن حيث كان موعد أن يكلم الله جل وعلا موسى، رأى موسى أن يسارع وحده مبادرا إلى الطور، واستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، وطلب منهم أن يسيروا على أثره إلى جانب الطور.

ص: 243

ولما انتهى موسى عليه السلام من مناجاة ربه جل وعلا سأله سبحانه وتعالى عن سبب العجلة ومجيئه وحده دون أن يكون معه قومه، فأجاب موسى: هم أولاء على أثري، وعجلت إليك رب لترضى، فأخبره الله تبارك وتعالى بما كان من الفتنة من بعده في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا على ما صنعه قومه من بعده {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} .

وهذا الاستفهام: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} يفيد التقرير والتوبيخ.

التقرير على معنى الإخبار أي قد وعدكم الله تبارك وتعالى وعدا حسنا، أما التوبيخ فتوبيخ موسى لقومه على مخالفتهم ما يستوجبه هذا الوعد الحسن، وكانت هذه المخالفة بعبادتهم العجل وتصديق ما قاله السامري من أن هذا العجل هو إلههم وإله موسى على حين كان واجبا عليهم أن يقيموا على ما تركهم عليه موسى من الإيمان بالله تعالى وعبادته وحده لا شريك له.

وإعراب {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} :

(يعدكم)(يعد) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون على آخره، وهذا الفعل يأخذ مفعولين والضمير (كم) هو المفعول الأول مبني على السكون في محل نصب، أما المفعول الثاني فمحذوف، وقد اختلف العلماء في تقديره، فمنهم من قدره (أن يعطيكم التوراة) ومنهم من قدره (الوصول إلى جانب الطور اليمن) ومنهم من قدره (أن يسمعكم كلامه) ومنهم من قدره (المغفرة عمن تاب وعمل صالحا) .

(ربكم)(رب) فاعل مرفوع، و (كم) ضمير في محل جر بالإضافة، (وعدا حسنا)(وعدا) مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، و (حسنا) صفة لهذا المصدر، ويجوّز بعضهم أن يطلق الوعد ويراد به الموعود فيكون هو المفعول الثاني، وجملة {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} في محل نصب مفعول به لقال {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} .

ص: 244

الاستفهام الثامن: (أفلم يدبروا) في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} الآية (68) من سورة المؤمنون.

وهذا الاستفهام {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} للإنكار والتوبيخ.

ينكر الله سبحانه وتعالى على المشركين ويوبخهم أن لم يتفهموا القرآن العظيم، ولم يتفكروا فيما جاء به من العبر، فيعرفوا حجج الله التي احتج بها عليهم فيه، ويعلموا أنه المعجز الذي لا يمكن معارضته، فيصدقوا به وبمن جاء به.

وإعراب هذه الصيغة {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} واضح، وأصل يدبروا (يتدبروا) أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، وهذا الإبدال جائز، وقد جاءت التاء غير مبدلة في قوله تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} (82 السناء)(24 محمد) .

الاستفهام التاسع: (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) في قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} (الآيات16-22) من الشعراء.

ص: 245

حين أتى موسى وهارون عليهما السلام فرعون وقالا له إنا رسول رب العالمين عرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته و {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} ، وهذا الاستفهام يفيد التقرير والامتنان والتحقير والتوبيخ والتعجب على معنى: قد ربيناك فينا وبي بيتنا على فراشنا مذهب كنت رضيعا حتى بلغت مبلغ الرجال، أنعمنا عليك هذه السنين الطويلة، ولكنك قابلت إحساننا إليك بتلك الفعلة التي فعلتها، فقتلت منا رجلا وكفرت بنعمتنا عليك، لقد حدث هذا كله، ثم هاأنت ذا تدعي أنك رسول رب العالمين، فيا عجبا أنى لك هذه الرسالة؟! ومتى كان ذلك؟!.

ولقد أجاب موسى عليه السلام عما تضمنه سؤال فرعون فقال:

لقد قتلت ذلك الرجل وأنا من الجاهلين بأن تلك الوكزة ستقضى عليه، لقد كان قتلي إياه خطأ وليس بالعمد.

وأما هذا العجب من أكون رسولا فإن الله ربي هو الذي وهب لي حكما وجعلني من المرسلين بعد أن خفتكم وفررت منكم أنشد النجاة والأمن.

وأما تلك النعمة التي تمنها عليّ فما كانت بالنعمة، ولمن تكون ذات يوم، وكيف تراني أعدها نعمة وأعتدها إحسانا وأنا الذي كنت أرى وأنا أعيش في بيتك، أرى قومي بني إسرائيل يلاقون على يديك ضروب التعبيد والإذلال، لقد أهنت قومي، ومن أهين قومه فقد ذل.

وأما تربية موسى في بيت فرعون - من حيث إنها حادثة واقعة لا من حيث إنها نعمة يمن بها - فقد سكت موسى عن ذكرها، وسكوته إقرار واعتراف بها.

وإعراب هذه الصيغة: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} :

ص: 246

(نربك) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الياء من آخره، والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، (وليدا) حال من ضمير المخاطب قبله وهو الكاف، وجملة {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} في محل نصب مفعول به لقال.

{وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (من عمرك) الجار والمجرور يتعلقان بمحذوف حال مقدم من سنين أو هما في محل نصب على الحال، و (سنين) ظرف زمان متعلق بالفعل الماضي (لبث) ، وهو منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

وجملة {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} معطوفة على {نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} فتكون داخلة في حيز الاستفهام والنفي المتقدمين، على معنى: ألم نربك فينا وليدا، أو ما لبثت فينا من عمرك سنين؟ ويجوّز بعضهم أن تكون معطوفة على {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} باعتبار معناها الخبري، أي: قد ربيناك فينا وليدا ولبثت فيها من عمرك سنين.

{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (فعلتك)(فعلة) مفعول مطلق منصوب، والكاف في محل جر بالإضافة، (التي) اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لـ (فعلة) و (فعلت) فعل فاعل، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، الرابط الذي يربط الصلة بالموصول ضمير محذوف والتقدير: فعلتها، (وأنت من الكافرين) الواو حالية، (أنت) ضمير مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، (من الكافرين) جار ومجرور في محل رفع خبر، أو متعلقان بمحذوف هو الخبر.

وجملة {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} في محل نصب حال، وصاحب الحال ضمير المخاطب (تَ) في فعلت الثانية، ورابطة جملة الحال بصاحبها الواو والضمير (أنت) معا.

وجملة {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} معطوفة على ما عطفت عليه الجملة التي قبلها، وهي مثلها في محل نصب مفعول به لقال.

ص: 247

الاستفهام العاشر: (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} الآية (48) من سورة القصص.

هذا الاستفهام {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} يفيد التوبيخ والتقرير:

أما التقرير فعلى معنى الإخبار أي لقد كفر هؤلاء اليهود الذين أمروا قريشا أن يسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يؤتى مثل ما أوتي موسى؛ لقد كفروا هؤلاء اليهود بما أوتي موسى من قبل.

أما التوبيخ والتقريع فعلى معنى أن الله سبحانه وتعالى يوبخ هؤلاء اليهود ويقرعهم على أن يعلِّموا قريشا حجة هي أن يطلبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤتى مثل ما أوتي موسى، مع أنهم لم يؤمنوا بهذه الحجة وكفروا به من قبل، وقالوا عن التوراة والقرآن: سحران تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر وإنا بكل واحد منهما كافرون.

وإعراب هذه الصيغة: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} سهل واضح.

الاستفهام الحادي عشر: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) في قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الآية (57) من سورة القصص.

هذا استفهام معناه التقرير والتكذيب:

التقرير على معنى الإخبار، أي (قد وطأنا لهم بلدا حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء، وأمنا على أهله أن يصيبهم به غارة أو قتل أو سباء، ورزقناهم فيه، وجعلنا الثمرات من كل أرض تجبى إليهم) .

ص: 248

والتكذيب على معنى أن قولهم للرسول هو قول كاذب، وأن اعتذارهم عن اتباع الهدى هو اعتذار زائف غير قويم، قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم:"إننا نخشى إن اتبعنا الهدى معك أن يقصدنا العرب المشركون من حولنا بالأذى والحرب، وأن يتخطفونا من أرضنا".

وهذا قول مردود وادعاء باطل، فالله سبحانه وتعالى قد جعل لكم الحرم آمنا وأنتم على الكفر والشرك، فكيف يجعله غير آمن إذا اتبعتم الهدى والإسلام؟!.

ومن هذه الصيغة: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} أكتفي بإعراب ما يلي:

(رزقا) حال من ثمرات منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، (من لدنا) من حرف جر ظرف مكان مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف صفة لـ (رزقا) ولدن مضاف و (أنا) مضاف إليه ضمير مبني على السكون في محل جر.

وجملة {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} في محل نصب نعت ثان لـ (حرما) .

وجملة {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الاستفهام الثاني عشر: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} الآيتان (36-37) من فاطر.

ص: 249

هذا الاستفهام: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} معناه التقرير والتوبيخ:

التقرير على معنى الإخبار أي قد عمرناكم أيها الكافرون أعمارا تتمكنون فيها من التدبر واتابع الحق فالعمل الصالح لو أردتم ذلك ومنتم ممن تنفعه الذكرى، وما تركناكم لأنفسكم، بل جاء الأنبياء ينذرونكم لقاء يومكم هذا.

والتوبيخ لهم على أن لم ينتفعوا في حياتهم الدنيا بما ينجيهم من هذه النار التي يصطرخون فيها من هول العذاب، وعلى أن ضيعوا هذه الفرصة المواتية للإيمان بالرسل وللعمل الصالح، وجاءوا الآن بعد أن ذاقوا العذاب في الآخرة يطلبون الرجعى إلى دار الدنيا كي يؤمنوا بالله وحده لا شريك له، ويعملوا ما أمرهم به الأنبياء، ذلك رجع بعيد.

أما إعراب هذه الصيغة: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} فيكفيك منه ما يلي:

(ما يتذكر فيه من تذكر) : (ما) نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب ظرف زمان متعلق بالفعل المضارع قبله وهو (نعمر)، والتقدير: أو لم نعمركم وقتا يتذكر فيه من تذكر، (مَنْ) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل للفعل المضارع الذي قبله وهو يتذكر، و (تذكر) فعل ماضي وفاعله ضمير مستتر يعود على مَنْ، وهذا الضمير هو الرابط الذي يربط جملة الصلة بالموصول، وجملة {يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} في محل نصب نعت لـ (ما) ، وجملة {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

ص: 250

الاستفهام الثالث عشر: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} في قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} الآيات (54-61) من سورة ياسين.

بعد أن وصفت هذه الآيات الكريمة في يوم القيامة وما يجازى به المؤمنون من جنة ونعيم، وصفت حال الكافرين بأنهم يخاطبون بـ {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي تميزوا من المؤمنين وانفردوا أيها الكافرون بالله، فإنكم واردون غير موردهم وداخلون غير مدخلهم، ثم يقول الله سبحانه وتعالى لهم:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} ، وهذا استفهام معناه التقرير والتوبيخ والتقريع:

التقرير على معنى الإخبار أي قد أوصيتكم وأمرتكم في الدنيا ألا تطيعوا الشيطان فإنه لكم عدو مبين، وقد عهدت إليكم أيضا وأوصيتكم أن تعبدوني وحدي لا تشركون بي شيئاً، تفعلون ما آمركم به وتنتهون عما أنهاكم عنه، وهذا هو الدين الصحيح والصراط المستقيم.

ص: 251

ويفيد هذا الاستفهام التوبيخ والتقريع أيضا: توبيخ هؤلاء الكافرين وتقريعهم على مخالفتهم لما عهده الله جل وعلا إليهم، فقد أطاعوا الشيطان فأضلهم، وأشركوا به سبحانه وتعالى وعصوه فكانوا مجرمين.

ولن أطيل عليكم في إعراب هذه الصيغة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} ، سوف أكتفي بإعراب ما يلي:

{أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} (أن) حرف مصدري ناصب للفعل المضارع الذي بعده (لا) حرف نفي، (تعبدوا) فعل مضارع منصوب بأن المصدرية وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعل ضمير مبني على السكون في محل رفع، (الشيطان) مفعول به منصوب.

{وَأَنِ اعْبُدُونِي} الواو حرف عطف (أن) حرف مصدري، (اعبدوني) مؤلفة من فعل أمر مبني على حذف النون لا محل له من الإعراب، وواو الجماعة ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل، والنون نون الوقاية حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، والياء ياء المتكلم ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

و (أن) المصدرية وما دخلت عليه في كل من الموضعين المتقدمين في تأويل مصدر، وهذا المصدر في محل نصب على نزع الخافض، وتقدير هذين المصدرين: عدم عبادتكم للشيطان (بنصب عدم) وعبادتكم إياي (بنصب عبادتكم) .

وجملة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

ص: 252

الاستفهام الرابع عشر: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} الآية (16) من سورة الحديد.

هذا الاستفهام معناه الاستبطاء والعتاب والتحذير:

استبطأ الله سبحانه وتعالى من المؤمنين أن تخشع قلوبهم وتخضع وترق وتلين لذكر الله، وأن تسمع وتطيع وتنقاد لما ينزل من آيات كتاب الله، استبطأ ذلك منهم وعاتبهم عليه وحذرهم من أن يكونوا مثل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل أن يرسل محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، فطال عليهم الزمن بعد أنبيائهم، فقست قلوبهم وسكنت إلى المعاصي، وكان كثير من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب خارجين عن دينهم، رافضين لما جاء في كتابهم.

وإعراب هذا الاستفهام: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} :

(يأن) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الياء من آخره، وأصله قبل الجزم (يأني)(للذين آمنوا) اللام حرف جر، و (الذين) اسم موصول مبني على الفتح في محل جر، والجار والمجرور يتعلقان بالفعل المضارع (يأن) ، (آمنوا) فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة لا محل له من الإعراب، وواو الجماعة ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة من الفعل والفاعل صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والرابط الذي ربط جملة الصلة بالموصول هو واو الجماعة.

ص: 253

{أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (أن) حرف مصدري ناصب للفعل المضارع الذي بعده، (تخشع) فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر في محل رفع فاعل للفعل المضارع (يأن) والتقدير: ألم يأن للذين آمنوا خشوع قلوبهم، (قلوبهم) قلوب فاعل، وهم ضمير مبني على السكون في محل جر (لذكر الله) جار ومجرور ومضاف إليه، والجار والمجرور يتعلقان بالفعل (تخشع) ، (وما نزل من الحق) الواو عاطفة و (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل جر معطوف على ذكر، (ونزل) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم الموصول (ما) ، (من الحق) من حرف جر وهي بيانية، والحق مجرور بمن، والجار والمجرور في محل نصب حال من (ما) وجملة (نزل من الحق) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والرابط الضمير المستتر في نزل.

ص: 254

{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} الواو عاطفة، و (لا) نافية، (يكونوا) فعل مضارع معطوف على الفعل المضارع (تخشع) المنصوب بأن والمعطوف على المنصوب منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والواو ضمير جمع اسم يكون مبني على السكون في محل رفع، (كالذين) الكاف يجوز على رأي بعض النحاة أن تكون اسما بمعنى مثل، فهي مبنية على الفتح في محل نصب خبر يكون، والكاف مضاف والذين اسم موصول مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر، وأما على رأي جمهور النحاة فالكاف على أصلها حرف جر والذين اسم موصول مجرور بالكاف مبني على الفتح في حل جر، والجار والمجرور في محل نصب خبر يكون، (أوتوا الكتاب) أوتوا أصلها أوتيوا (بياء مضمومة قبل واو الجماعة)، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذف الضمة للثقل فسكنت الياء فالتقى ساكنان: الياء وواو الجماعة، فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ضمت التاء المسكورة لمناسبة واو الجماعة فصارت الكلمة أوتُوا، فهي فعل ماض مبني على الضم المقدر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين لا محل له من الإعراب، والواو ضمير الجماعة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل، ونائب الفاعل هذا كان في الأصل هو المفعول الأول فلما بني الفعل الماضي للمجهول صار نائبا عن الفاعل، و (الكتاب) مفعول به ثان منصوب، (من قبل) من حرف جر، وقبل ظرف زمان مبني على الضم في محل جر، والجار والمجرور يتعلقان بالفعل (أوتوا)، ويكون تقدير الكلام مع تأويل المصادر: ألم يأن للذين آمنوا خشوع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق عدمُ كونهم كالذين أوتوا الكتاب من قبل.

الاستفهام الخامس عشر: (ألم نهلك الأولين) في قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} الآيات: (16-19) من سورة المرسلات.

ص: 255

هذا الاستفهام {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ} معناه التقرير والتخويف والوعيد:

التقرير على معنى الإخبار أي قد أهلكنا الأولين الذين كانوا يكذبون بالرسل قبلكم إهلاك عذاب ونكال.

والتخويف والوعيد لكفار قريش بأن الله جل وعلا سوف يهلككم بتكذيبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أهلك المكذبين بالرسل قبلكم، سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا، والويل لمن يكذب بهذا الإهلاك ويجحد قدرة على ما يشاء.

وإعراب هذه الصيغة سهل واضح.

الاستفهام السادس عشر: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} الآيات (20-22) من سورة المرسلات.

هذا الاستفهام يفيد التقرير والتحقير والتخويف:

التقرير على معنى الإخبار، أي قد خلقناكم من ماء مهين.

والتحقير على معنى علام هذا التكبر والعناد والإعراض وقد خلقناكم من ماء ضعيف حقير؟!

والتخويف على معنى خلقناكم أول مرة ونحن قادرون على أن نعيد خلقكم مرة أخرى يوم القيامة، وويل يومئذ للمكذبين بهذه القدرة وللمنكرين هذه الإعادة.

وإعراب هذه الصيغة سهل واضح.

الاستفهام السابع عشر: (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى) في قوله تعالى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} الآيات (1-8) من سورة الضحى.

ص: 256

بعد أن وعد الله جل وعلا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم هذا الوعد الشامل الجليل {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ، وهذا الاستفهام يفيد التقرير والتذكير والامتنان.

يفيد التقرير على معنى الإخبار، أي قد وجدك يتيما قد مات أبوك وأنت حمل، ثم ماتت أمك وأنت طفل صغير؛ فجعل لك مأوى تأوي إليه عند جدك عبد المطلب، ثم عند عمك أبي طالب، ووجدك ضالا {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} فهداك الله تعالى إلى ما أنت عليه، ووجدك فقيرا ذا عيال فأغناك الله تعالى عمن سواه.

ويفيد التذكير تذكير رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه النعم الثلاث التي أنعمها الله جل وعلا عليه في حال نشأته، وكانت النعمة الأولى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} وكانت الثانية {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ، وكانت الثالثة:{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} .

ويفيد الامتنان الامتنان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه النعم الثلاث المتقدمة، ولكنه امتنان التكريم والتعظيم وليس امتنان التحقير والإزراء كامتنان فرعون على موسى عليه السلام، {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .

وإعراب هذه الصيغة سهل واضح، و (يجد) و (وجد) في هذه الصيغة بمعنى يعلم وعلم، فالفعل متعد إلى مفعولين: الكاف الضمير هو المفعول الأول، والاسم الظاهر بعده هو الاسم الثاني.

الاستفهام الثامن عشر: قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الآيات: (1-4) من سورة الشرح.

هذا الاستفهام كالاستفهام الذي تقدم في سورة الضحى يفيد التقرير والتذكير والامتنان:

ص: 257

التقرير على معنى الإخبار، أي قد شرحنا لك صدرك للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحق، وليّنا لك قلبك وجعلناه وعاء للحكمة، وغفرنا لك ما تقدم من ذنبك الذي أثقل ظهرك وجهدك، ورفعنا لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وذلك قول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .

أما التذكير فتذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعم ثلاث أنعمها الله تبارك وتعالى عليه: الأولى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} والثانية: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} والثالثة: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} .

أما الامتنان فامتنان الله جل وعلا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذه النعم الثلاث، وهو امتنان تكريم وتعظيم، وليس امتنان تحقير وتذميم.

وإعراب هذه الصيغة سهل واضح.

أختي العزيزة (هل) :

مع انتهاء هذه الرسالة تنتهي الكتابة عن همزة الاستفهام الداخلة على (لم) النافية الجازمة للفعل المضارع.

سوف أكتب إليك في الرسالة القادمة - إن شاء الله تعالى - عن همزة الاستفهام الداخلة على (لا) النافية لهذا الفعل.

أسأل الله - جل وعلا - أن يهب لي القدرة على أن أكتب، وأن يهب لي السداد فيما أقول.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أختك

همزة الاستفهام

مراجع هذه الرسالة:

1-

تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - الناشر: مكتبة ومطابع النصر الحديثة - الرياض:

1-

(ج7 ص43) 2- (ج7 ص298) 4- (ج4 ص280) 5- (ج4 ص416) -6 (ج5 ص391) 7- (ج5 ص492) 8- (ج6 ص268) 9- (ج6 ص413) 10- (ج7 ص123) 12- (ج7 ص126) 13- (ج7 ص316) 14- (ج7 ص343) 15- (ج8 ص222) 16- (ج8 ص405) 17- (ج8 ص486) 18- (ج487 ص) اهـ

2-

تفسير أبي السعود - الناشر: مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد - القاهرة:

ص: 258

1-

(ج7 ص43) 2- (ج8 ص19) 3- (ج1 ص256) 4- (ج3 ص221) 5- (ج3 ص288) 6- (ج5 ص22) 7- (ج5 ص85) 8- (ج6 ص35) 9- (ج6 ص143) 10- (ج6 ص238) 11- (ج7 ص17) 12- (ج7 ص19) 13- (ج7 ص154) 14- (ج7 ص157) 15- (ج8 ص208) 16- (ج9 ص170) 17- (ج9 ص172) اهـ

3-

الفتوحات الإلهية المعروفة بحاشية الجمل على الجلالين، الناشر: الحلبي بمصر:

1-

(ج3 ص380) 2- (ج4 ص50) 3- (ج1 ص358) 4- (ج2 ص206) 5- (ج2 ص506) 6- (ج2 ص551) 7- (ج3 ص197) 8- (ج3 ص274) 9- (ج3 ص354) 10- (ج3 ص497) 11- (ج3 ص521) 12- (ج4 ص291) 13- (ج4 ص466) 14- (ج4 ص551) 15- (ج4 ص554) اهـ

4-

تفسير الطبري، الناشر: الحلبي بمصر، الطبعة الثالثة:

1-

(ج21 ص6) 2- (ج25 ص5) 3- (ج3 ص50) 4- (ج9 ص107) 5- (ج13 ص151) 6- (ج14 ص43) 7- (ج16 ص196) 8- (ج18 ص41) 9- (ج19 ص65) 10- (ج3 ص43) 11- (ج20 ص93) 12- (ج22 ص140) 13- (ج23 ص17) 14- (ج27 ص277) 15- (ج30 ص232) اهـ

5-

تفسير ابن كثير: الناشر: الحلبي بمصر:

1-

(ج4 ص105) 2- (ج1 ص315) 3- (ج2 ص260) 4- (ج2 ص555) 5- (ج3 ص162) 6- (ج3 ص349) 7- (ج3 ص332) 8- (ج3 ص395) 9- (ج3 ص558) 10- (ج3 ص576) 11- (ج4 ص310) 12- (ج4 ص460) 13- (ج4 ص523) 14- (ج4 ص534) اهـ

6-

الكشاف للزمخشري - الناشر الحلبي بمصر:

1-

(ج3 ص209) 2- (ج2 ص73) 3- (ج2 ص128) 4- (ج2 ص360) 5- (ج2 ص395) 6- (ج3 ص108) 7- (ج4 ص64) 8- (ج4 ص203) 9- (ج4 ص264) 10- (ج4 ص266) اهـ

7-

تفسير القرطبي الطبعة الثالثة المصورة عن طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة:

1-

(ج15 ص375) 2- (ج3 ص300) 3- (ج9 ص319) 4- (ج13 ص03) 5- (ج19 ص159) 6- (ج20 ص96) 7- (ج20 ص104) اهـ

8-

تفسير الفخر الرازي - الناشر: دار الكتب العلمية بطهران - الطبعة الثانية:

1-

(ج7 ص40) 2- (ج19 ص53) 3- (ج24 ص124) 4- (ج29 ص226) 5- (ج30 ص272) 6- (ج31 ص213) اهـ

ص: 259

مفهوم الأسماء والصفات

خرافة يجب تكذيبها

مفهوم الأسماء والصفات

فضيلة الشيخ / سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية

يقول الله عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَأن اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

تشمل الآيات الكريمات على ستة عشر اسما من أسماء الله الحسنى، هي:

الله - العالم - الرحمن - الرحيم - الملك - القدوس - السلام - المؤمن - المهيمن - العزيز - الجبار - المتكبر - الخالق - البارئ - المصور - الحكيم.

وقد أسلفت الكتابة في حلقات سابقة بما يسر الله لي ون بعض أسمائه:

الله - العالم - الرحمن - الرحيم - الملك - العزيز - البارئ - الحكيم..

وأحاول بحول الله وقوته - أن اكتب في هذه الحلقة شيئاً مما ييسر الله تعالى لي فهمه من معأني باقي الأسماء في الآيات الشريفات المذكورات.

وقبل أن ادخل في هذا البحث أود أن أشير إلى أول كلمة في هذه الآيات وهي قوله تعالى: (هو) ذلك أن بعض الذين شرحوا أسماء الله الحسنى، ذكروا أن هذه الكلمة أنما هي اسم من أسماء الله الحسنى، وهذا مسلك عجبت له كثيرا، لهذا أردت أن أبين خطأ هذا الفهم لقيامه على غير دليل.

(هو) ليس اسماً من أسماء الله الحسنى:

من الذين قالوا أن (هو) اسم من أسماء الله الحسنى أبو القاسم عبد الكريم القشيري [1] في كتابه

ص: 260

(شرح أسماء الله الحسنى)[2] . وكأن نص ما قاله ما يأتي:

أعلم أن (هو) اسم موضوع للإشارة، وهو عند الصوفية إخبار عند نهاية التحقيق، وهو يحتاج عند أهل الظاهر [3] إلى صلة تعينه ليكون الكلام مفيداً، لأنك إذا قلت: هو ثم سكتَّ، فلا يكون الكلام مفيداً حتى تقول: هو قائم أو قاعد، أو هو حي أو هو ميت وما أشبه ذلك.

فأما عند القوم [4] فإذا قلت هو، فلا يسبق إلى قلوبهم غي ذكر الحق فيكتفون عن كل بيأن يتلونه لاستهلاكهم في حقائق القرب باستيلاء ذكر الله على أسرارهم وأنمحائهم عن شواهدهم فضلاً عن إحساسهم بمن سواه [5]، وكأن الإمام أبو بكر بن فروك رضي الله عنه يقول: هو حرفأن هاء وواو فالهاء تخرج من آخر الحلق وهو آخر المخارج والواو تخرج من الشفة وهو اول المخارج، فكأنه يشير إلى ابتداء كل حادث منه وأنتهاء كل حادث إليه وليس له ابتداء ولا أنتهاء، وهو معنى قوله سبحأنه (هو الأول والآخر)،فقوله:(هو الأول) : إخبار عن قدمه، وقوله (الآخر) إخبار عن استحالة عدمه ". [6]

ثم قال القشيري: " وقد حكى عن بعضهم أنه قال: رأيت بعض الوالهين، فقلت ما اسمك؟ فقال: هو، قلت من أنت؟ فقال: هو، قلت: من أين جئت؟ فقال: هو، قلت: من تعني بقولك: هو؟ فقال: هو، فما سألته عن شيء إلا قال: هو. فقلت: لعلك تريد الله، قال: فصاح وخرجت روحه [7] " ثم قال القشيري: " وقال أهل الإشارة [8] : أن الله تعالى كاشف الأسرار بقوله: هو، وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء، وقيل كاشف المحبين بقوله: هو، وكاشف المُتَيَّمينَ بقوله: الله، وكاشف العلماء بقوله: أحد، وكاشف العقلاء بقوله: الصمد، وكاشف العوام بقوله:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، وقيل: كاشف الخواص بإلهيته، وكاشف خاصة الخاصة بهويته

الخ " [9] .

هذا ما قاله القشيري في معنى (هو)[10] .

ص: 261

وأعجب مما كتبه القشيري، ما كتبه محقق وشارح كتابه في هامشه، إذ قال:

" هو: اسم من أسماء الله، له هيبة وجلال عند أرباب الطريق والمكاشفات وأهل المشاهدة [11] . ومخرجه من باطن القلب، وله حرارة تزكي الجسد والروح، ومعناه حاضر لا يغيب، لا يشتمل عليه زمأن، ولا يحويه مكأن، منزه عن مشابهة الحوادث، قريب من عبده في أي زمأن ومكأن، الإله هو ولا إله إلا هو، إلى أن قال: هو مصدر الجلال والجمال لأهل النور الذاتي والمعنوي [12]- ثم قال: هو هو، ولا مشهود غيره [13] . ثم قال: وهو الضمير الدال على اسم الله، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام "[14] .

وهكذا يبين لنا مما كتب أولئك الصوفية، أنهم يزعمون أن ضمير الغائب (هو) هو اسم من أسماء الله الحسنى، ولذلك ينادونه سبحأنه بقولهم:

(يا هو) كقول قائلهم: (فيا هو قل أنتَ أنا ويا أنا قل أنت هو)

كما تجد أولئك القوم يذكرون الله تعالى في أذكارهم وحضراتهم بهذا الضمير على أنه أحد أسمائه الحسنى سبحأنه، فنسمعهم يقولون:(هُو -هُو -هُو -هُو) ويرددون هذه الكلمة مئات المرات زاعمين أنهم يذكرون الله باسم من أسمائه الحسنى.

وقد كذبوا على الله تعالى، وسمَّوه بما لم يسمِّ به نفسه، وشرعوا له ما لم يشرعه سبحأنه، وقالوا عليه بغير علم، والله تعالى حرم ذلك فقال جل وعلا:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف آية 33) .

ص: 262

وأهل السنة يؤمنون بأسماء الله الحسنى التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة، فهي توقيفية يُوقَفُ عند ما نص عليه، وقد خلصت له الأسماء السنية، فكأنت واقعة في قديم الأزل بصدق الحقائق، لم يستحدث تعالى صفة كأن منها خليا، ولا اسماً كأن منه بريّاً، تبارك وتعالى [15] .

ومن ثم فليس لأحد - كائناً من كأن - أن يسمى الله تعالى بما لم يسمَّ به نفسه، أو يشرع غير ما شرع الله.

بعد أن أنتهت من هذا المبحث، أدخل الأن في إتمام عرض ما ييسر الله تعال لي من معأني باقي الأسماء في الآية التي صدرت بها هذه الحلقة، وذلك فيما يلي:

القُدُّس:

هو اسم من أسماء الله عز وجل. وهو بضم القاف (قُدُّس) على وزن (فُعُّل) وهو صيغة مبالغة من (القُدْس) وهو الطهارة. ولكن سيبويه كأن يرى أنه بالفتح (قَدُّس) على وزن (فَعُّل) لأنه ليس عنده في الكلام (فُعُّل) أصلاً. وقال ثعلب: كل اسم على (فُعُّل) فهو مفتوح الأول مثل سَفُّد وكَلُّب وسمُّ وشَبُّط وتَنُّور إلا السُّبُّح والقُدُّوس فغن الضم فيهما أكثر، وقد يُفتحأن [16] .

واسم (القُدُّس) سبحأنه متضمن لكمال طهارته من جميع صفات النقص والعيب.

· وقد ورد اسم (القُدُّس) جل وعلا في القرأن الكريم مرتين فقط [17] : مرة في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (الحشر آية23)،ومرة في قوله تعالى:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (الجمعة آية 1) .

وقد ذكر الإمام ابن كثير في معنى (القُدُّس) قوله: قال وهب بن منبه: الطاهر، وقال مجاهد وقتادة: المبارك، وقال ابن جريج: تُقَدِّسه الملائكة الكرام. [18]

وقال صاحب جامع البي ان في معنى (القُدُّوس) : الطاهر البليغ في النزاهة عن كل نقصأن [19] .

ص: 263

وقال الإمام الشوكأني في معنى (القُدُّوس) : الطاهر من كل عيب المنزه عن كل نقص.

والقُدُّوس بالتحريك في لغة أهل الحجاز السطل لأنه يتطهر به، ومنه القادوس لواحد الأوأني التي يُستخرج بها الماء، وقرأ الجمهور (القُدُّوس) بضم القاف، وقرأ، وقرأ أبو ذر وأبو السماك بفتحها، وكأن سيبويه يقول (سَبُّح قَدُّوس) بفتح أولهما. [20]

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في معنى (القُدُّوس) : المقدس من كل عيب ونقص المعظم الممجد، لأن (القُدُّوس) يدل على التنزيه من كل نقص والتعظيم لله في أوصافه وجلاله [21] .

· أقول: واسم (القُدُّوس) أفهم منه أنه من أسماء الله الحسنى الذي يدل على ابلغ الطهارة المطلقة من كافة صفات النقص لله عز وجل، إذ قد تنزه سبحأنه عن جميع النقائص ونفاها عن نفسه، فوجب على المؤمن أن ينزه خالقه جل وعلا عن كل عيب ونقص، ولا سبيل له إلى ذلك إلا بأن يثبت لله تعالى ما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى وصفات الكمال العليا، دون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن ينفي عن الله جل وعلا عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص، كما أثبت السلف الصالح رضوأن الله عليهم ونفوا إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، أنطلاقاً من قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى آية 11)

السُّبُوح:

وهو اسم من أسماء الله عز وجل على صيغة (فُعُّول) وهو صيغة مبالغة - ولم يرد ذكر هذا الاسم في القرأن الكريم، وأنما ورد في السنة المشرفة: فقد روى الإمام مسلم في صحيحه - بسنده - عن مُطرِّف بن عبد الله بن الشِخِّير أن عائشة رضي الله عنها نبأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ك ان يقول في ركوعه وسجوده " سُّبُوح قُدُّوس ربُّ الملائكةِ والرُّوح ".

ص: 264

وقد ذكر الإمام النووي أن قوله (سُّبُوح قُدُّوسٌ) بضم السين والقاف وبفتحهما والضم أفصح وأكثر، وأن المراد بالسُّبُوح القُدُّوس: المُسبُّح القُدُّس فكأنه قال: مُسَبَّح مُقَدَّسٌ رب الملائكة والروح، ومعنى سُّبُوح: المبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق، قُدُّوس: المُطهر من كل ما لا يليق بالخالق.

وقال القاضي عياض أنه قيل فيه: " سُّبُوحاً قُدُّوساً على تقدير أُسِبِّح سُبُّحاً، أو أذكر، أو أعظم، أو أعبد. وأن قوله: ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ قيل: الروح ملك عظيم، وقيل: يحتمل أن يكون جبريل عليه السلام وقيل: خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة والله سبحأن وتعالى أعلم "[22] .

· أقول واسم (السبوح) أفهم منه أن الله عز وجل هو المستحق وحده أن ينزه عن جميع النقائص والعيوب، إذ أنه تبارك وتعالى وحده صاحب صفات الكمال، ونعوت الجلال المطلقة التي لا حدود لها. وعلى المؤمن أن يؤمن بذلك إيمأناً كاملاً

ولو أن المؤمن آمن بأن الله سبح انه هو (السُّبُوح القُدُّوسٌ) واستقر ذلك الإيم ان خالصاً في قلبه، وبدا أثره على لس انه وجوارحه، لما فتر عن تسبيح خالقه وتنزيهه تنزيهاً كاملاً عن النقائص جميعاً، ولحرص على تطهير قلبه من الأرجاس والشركيات والدنايا، والتزم توحيد الله عز وجل، ولما صدر عن قلبه إلا العمل الخالص الطاهر، لن الأناء لا ينضح إلا بما فيه، ومن ثم يقبل الله عمله، ويدخله في رحمته ورضو انه.

السَّلَام:

هو اسم من أسماء الله تعالى، وهو وصدر كالسلامة من سَلمَ أي بريء من العيوب 0

· وقد ورد اسم (السَّلَام) في القرأن الكريم مرة واحدة، في قوله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (الحشر آية 23) .

وقد ذكر أبو إسحاق الزجاج في معنى (السَّلَام) : أنه هو الذي سلم من عذابه من لا يستحقه [23] .

ص: 265

وذكر الإمام ابن كثير في معنى (السَّلَام) : أي من جميع العيوب والنقائص لكمالها في ذاته وصفاته وأفعاله [24] .

وذكر صاحب جامع البيأن في معنى (السَّلَام) : أي ذو السلامة من كل نقص [25] .

وذكر الإمام الشوكأني في معنى (السَّلَام) : أي الذي سلم من كل نقص وعيب، وقيل المسِّلم على عباده في الجنة كما قال تعالى:{سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} ، وقيل: الذي سلم الخلق من ظلمه، وبه قال: المسلم لعباده. وهو مصدر وصف به للمبالغة [26] .

ص: 266

أقول واسم (السَّلَام) سبحأنه أفهم منه أنه جل وعلا سالم من جميع صفات النقص، ومتصف بجميع صفات الكمال - وقد سلَّم (السلام) عز وجل أولياءه من المرسلين وغيرهم من العيوب، فسلَّ المرسلين منها في قوله (وسلام على المرسلين) أي أنه سبحأنه سلَّم رسله في أقوالهم: فلا يقولون على الله إلا الحق، ولا يُبَلِّغون أممهم إلا بالحق، وسلَّمهم كذلك في أعمالهم: فلا يشكرون بالله شيئاً. وكذلك يسلِّم (السَّلَام) أولياءه غير المرسلين، فقال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ} . (النمل آية 59) ، فتسلم أقوالهم وأعمالهم من كل عيب وشرك، ولهذا وصف الرسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم بما يعني ذلك: فقد أخرج الإمام مسلم بسنده - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: " مَنْ سلم المسلمون من لسأنه ويده "[27] ، وسلامة اللسأن واليد آية على طهارة القلب، إذ أن القلب هو المحرم، وبصلاحه يصلح الجسد كله - كما أن (السَّلَام) سبحأنه يهدي عباده المؤمنين سبل السلام، فقال تعالى:{جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} (المائدة آية 16) ، ويجعل تحيتهم يوم لقائه، فقال تعالى:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} (الأحزاب آية 44) . ويدخلهم الجنة التي سماها دار السلام، فقال تعالى:{لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (الأنعام آية 127) ، ويجعل دخولهم فيها بسَلَام، فقال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} (الحجر آية 46) ، ويجعل تحيتهم فيها السَّلَام، فقال تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} (يونس آية 10) ، وطَيَّب لهم الإقامة فيها فلا يسمعون

ص: 267

فيها إلا السَّلام، فقال تعالى:{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} (الواقعة آية 26) .

ولا يبلغ أحد الجنة إلا إذا أسلم وجهه لله وحده، وأسلم قلبه لله دون غيره، واستمر على ذلك حتىيلقاه سبحأنه، ونجد معنى ذلك في قوله تعالى:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (لقمأن أية 22)، وقوله:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء آية 89)، وقوله:{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج آية 34) وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمرأن آية 102) .

وتحقيقاً لهذه السلامة - فوق ما تضمنته هذه الآيات الكريمات وغيرها - فقد جعلها الرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكره - المتضمن لطلبها من ربه سبحأنه - دبر كل صلاة - فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه - بسنده - عن ثوب ان قال: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: " اللهمَّ أنت السَّلَام ومنك السَّلَام تباركتَ ذا الجلال والإكرام " وفي رواية: (ياذا الجلال والإكرام) .

اسأل الله جل وعلا أن يخلص أعمالنا لوجهه، وأن يسلم قلوبنا إليه، وأن يُثَبِّتها على دينه، وأن يختم لنا بعقيدة التوحيد ختام الإيم ان.

(يتبع)

خرافة يجب تكذيبها

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 268

اطلعت على ما نشرته جريدة عكاظ في عددها (رقم: 5977) الصادر في يوم الاثنين الموافق 24/12/1402 هـ- ص (20) نقلا من صحيفة السياسة الكويتية عن الرجل المدعو محمد المصري الذي يزعم أنه أغ مي عليه يوم الأربعاء وظن أنه ميت ودفن يوم الأربعاء وأخرج من قبره يوم الجمعة وما أرى من العجائب والغرائب.. الخ.. ونظرا إلى كون هذه الحكاية قد تروج على بعض الناس صحتها رأيت التنبيه على بطل انها وأنها خرافة لا تروج على عاقل بل هي كذب بحت زورها من سمى نفسه محمد المصري أو غيره لأغراض خسيسة حملته على ذلك ومن المعلوم أن من يسمع كلام أهله وكلام الطبيب وكلام المشيعين لجنازته لا تخفى حياته لا على الطبيب ولا على غيره ممن ينظر إليه ويقلبه ثم كيف يكون مغمى عليه وهو يعي ويحفظ كل ما دار حوله ومن المعلوم أيضا أن سنة الله في عباده أن من جعل في محل مكتوم ضيق لا يعيش مثل هذه المدة من المعلوم شرعا أن ملكي القبر لا يأتي ان إلى الحي إذا وضع في القبر وإ نما يأتي ان إلى الميت والله سبح انه يعلم الأحياء والأموات وهو الذي يرسل الملكين إلى الميت لسؤاله ثم هذا الرجل الكذاب وصف الملكين بما يدل على أنهما رج لا ن لا ملك ان ثم الملك ان لا يخبر ان الميت لا بحسناته ولا بسيئاته وإ نما يس ألا نه عن ربه ودينه ونبيه ف إ ن أجاب جواباً صحيحاً فاز بالنعيم وإ ن أجاب بالشك عذب ثم ما ذكره بعد ذلك من ال م ناظر الغريبة إ نما قصد بذلك ترويج باطله وايهام الناس أنه من الناجين حتى يعطفوا عليه ويساعدوه بما طلب منهم أو يعطفوا عليه بدون طلب وقد يكون من قصده الشهرة بين الناس حتى يطلب في كل مك ان ليسأل عما رأى ويحصل له بعض ما يريد ومن جهله قوله (وتشاء الصدف أن ك ان أهلي قد جاؤا لزيارة قبري) ومثل هذا الكلام لا يجوز والصواب أن يقال (ويشاء الله) لأن الصدف لا مشيئة لها. والخلاصة أن هذه الحكاية موضوعة مكذوبة لا أساس لها من الصحة كما يتضح ذلك

ص: 269

من سياقها وواقعها ولا ينبغي لصحفنا ولا للصحف التي تحترم نفسها أن تنشر مثل هذه الخرافات ونسأل الله أن يطهر صحفنا وصحف المسلمين من كل باطل وأن يكبت الخداعين والماكرين ويفضحهم ويكفي المسلمين شرهم وأن يوفق جميع المسلمين للفقه في دينه والثبات علي هـ إ نه سبح انه خير مسؤول. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الملقب بجمال الدين. إمام التصوف في عصره المولود عام 376هـ والمتوفى عام 465هـ.

[2]

حققه وشرحه الأستاذ عبد المنعم عبد السلام الحلواني.

[3]

أقول يشير القشيري بقوله: أهل الظاهر: إلى عقيدة أهل التصوف الذين يقولون إن الإسلام له وجهان: وجه ظاهر، ووجه باطن: فالوجه الظاهر هو النصوص ويسمونه الشريعة، ويسمون الذين يتمسكون بالنصوص أهل الظاهر وأهل الشريعة، والوجه الباطن هو المعاني البعيدة الخفية للنصوص التي لا يعلمها أهل الظاهر، ويسمون هذا الباطن الحقيقة، ويسمون الذين يعرفونها أهل الحقيقة وهم في نظرهم الصوفية وهذا كلام باطل لأن الإسلام ليس له ظاهر وباطن، بل إن ظاهره كباطنه، يشير إلى هذا قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم:" تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ".

[4]

أقول: يقصد بالقوم: الصوفية.

[5]

أقول: يقصد أنهم يغيبون عن عالم الشهادة، وهذه هي عقيدة الفناء في الله، وهي من عقائد الصوفية الخبيثة الباطلة.

ص: 270

[6]

أقول: هذا كلام خبط لا سند له، فكم من الكلمات أولها يخرج من أقصى الحلق وآخرها يخرج من الشفتين ولا يشير إلى ابتداء ولا انتهاء مثل (هُبْ) ، و (هُفْ) وما شكل ذلك، فليس لمخارج الكلمات مُعَوَّل في المعنى، إضافة إلى ذلك فإن كلمة (هو) إنما هي ضمير يدل على الغائب، وليس اسماً، فضلاً عن أن يكون اسماً لله تعالى - ويجب أن يعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية يوقف فيها عندما ورد النص به ولا مجال للاجتهاد فيها - ولم يرد نص في الكتاب والسنة على أن (هو) اسم من أسماء الله تعالى، وإنما ذلك من تلبيسات إبليس الني أوحى بها إلى أعوانه فيما سول لهم وأملى لهم.

[7]

أقول: وهذه الحكاية فضلاً عن نسبتها إلى مجهولين بدون إسناد، فإنها نوع من خيال المبتدعة المبطلين الذين يعيشون مع الأوهام التي تنسجها لهم الشياطين.

[8]

أقول: يقصد بأهل الإشارة: الصوفية.

[9]

أقول: قوله كاشف بقوله (هو) ليس دليلا على أن اسمه سبحانه (هو) . بل إن (هو) ضمير يدل عليه سبحانه كما يقول تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} . فهل قال أحد بأن كلمة (أنا) اسم من أسماء الله تعالى؟ ما قال بذلك أحد، بل قال الجميع: إن هذه الكلمة ضمير يدل على المتكلم - فما الفرق إذن بين الضمير المتكلم (أنا) والضمير الغائب (هو) ؟ لا إله إلا الله إله إلا الله إله إلا الله فرق بينهما في كون كل منهما ضميراً، وليس واحد منهما اسماً من أسماء الله تعالى على الإطلاق. ودليلنا في هذا عدم ورود النص في الكتاب والسنة بشيء من ذلك. والله سبحانه أعلم.

[10]

شرح أسماء الله الحسنى للقشيري ص 121، 122، 123.

ص: 271

[11]

أقول: يقصد المحقق الشارح بأرباب الطريق والمكاشفات وأهل المشاهد: أهل الطرق الصوفية.

ذلك بأن عقيدة هؤلء الضالة الباطلة أن غاية التصوف: إنما هو الكشف والمشاهدة، بمعنى أن يكشف لأحدهم اللوح المحفظ فيقرأ فيه ما كان وما سيكون، وأن يشاهد الله تعالى فيراه رأي العين. ويقرر الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين جزء 2 ص166 أن المشاهدة تتم أثناء الخلوة إذ يقول:" الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم، فإن لم يكن له مكان مظلم، فيلف رأسه بجيبه أو يدثر بكساء أو ازار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال الحضرة الربوبية " - وعقيدة المشاهدة باطلة. والحق فيها ما اعتقده أهل السنة والجماعة من أن الله تعالى ادخر رؤيته سبحانه للمؤمنين في الجنة. فتكون هذه الرؤية لهم في وضوحها كما يرون القمر ليلة البدر. وتكون أعظم ما ينالون. بل أعظم من الجنة. وذلك في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس26) .والحسنى هي الجنة. والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل. ومن ثم فرؤية الله في الدنيا لم يمكن عباده منها بل ادخرها للمؤمنين في الجنة. ومن هذا يتضح بطلان عقيدة الصوفية في المشاهدة في الدنيا.

[12]

أقول: يقصد الشارع عقيدة المشاهدة الباطلة.

[13]

أقول: يشير الشارح إلى عقيدة أخرى من عقائد الصوفية الزائغة وهي عقيدة وحدة الوجود. ويعنون بها أن الله حل في كل شيء. فأصبحت الموجودات كلها لا حقيقة لوجودها غير الله فكل شيء هو الله. وذلك يظهر من قول قائل الصوفية:

فيا هو قل أنت أنا

ويا أنا قل أنت هو

ما في الوجود غيرنا

أنا وهو وهو وهو

وقوله:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه عينه

وقول الزنديق محيى الدين بن عربي:

الربٌ عبدٌ والعبد ربٌ

يا ليت شعري من المكلف؟

إن قلت عبدٌ فذاك ربٌ

ص: 272

أو قلت ربٌ أنَّي يكلف؟

وقوله كذلك:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا

وما الله إلا راهب في كنيسة

وهذا الهراء معناه أن الله جَلَّ في العبد، وفي الكلب، وفي الخنزير، وفي كل شيء، وصار كل شيء في الوجود هو الله

تعالى الله عما يقول أولئك المجرمون عُلُوّا كبيراً.

[14]

الرجع السابق ص 121، 122، 123.

[15]

الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 42.

[16]

مختار الصحاح في مادة (ق د س) .

[17]

المعجم المفهرس ص 538.

[18]

تفسير ابن كثير الجزء 4 ص 344.

[19]

جامع البيان الجزء 2 ص 350.

[20]

فتح القدير الجزء 5 ص 207.

[21]

تيسير الكلام الرحمن الجزء 8 ص 107.

[22]

صحيح مسلم بشرح النووي - الجزء 4 ص 203 - 205.

[23]

المعجم الفهرس ص 356.

[24]

تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص31.

[25]

تفسير ابن كثير - الجزء 4 ص 344.

[26]

جامع البيان - الجزء 2 ص 350.

[27]

صحيح مسلم.

ص: 273

مسابقة القرآن الكريم الدولية

شهدت مكة المكرمة في أوائل شهر جمادى الثانية عام 143هـ مسابقة القرآن الكريم الدولية الخامسة، وقد أقيمت هذه المسابقة تحت رعاية الملك فهد بن عبد العزيز حيث أناب جلالته صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز في افتتاحها في مهبط الوحي ومتنزل القرآن.

وألقى الأمير ماجد كلمة جاء فيها: "في بلد الله الحرام حيث أشرق ضياء القرآن على هذا العام فبدد الظلام، وأزال الجهل، وقضى على العصبيات التي تقوم على رابطة الدم والنسب، وكوّن القرآن من المجتمع الإسلامي إخوة متحابين روادا للبشرية في الطريق إلى الله".

وأشار سموه إلى أن بعثات المسلمين الأولى إلى شتى أنحاء العالم لم تقدم جديدا في الرقي المادي، ولا جديدا في فنون الصناعة والتجارة - ولكنها حملت (أعظم هدية وأرقى مدنية تليق بهذا الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض) .

نعم، إن الفاتحين المسلمين حملوا رسالة القرآن ومنهجه في صنع المجتمعات، وأخذوا بهذا المنهج يربون الأمم فأنقذوها مما (كنت) تعانيه من ضيق النفس والظلم وتعاسة الأيام وأعادوا لها حياة الاستقرار والكرامة والعزة.. وإذا بالمجتمعات الإسلامية يسودها الترابط والمحبة.

(ولنا.. في رسول الله أسوة حسنة وفي أصحابه قدوة، وإننا لن نستطيع أن نقدم سوى ما قدم هذا الرسول الكريم وأصحابه الأطهار.. ألا وهو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى نكون بحق خير أمة أخرجت للنا) .

وهذه المسابقة التي تقام مرة كل عام نبتت فكرتها في مهرجان تونس الذي انعقد قبل بضع سنين، وكان أن تقرر فيه إقامة مهرجان دولية ومسابقات لتلاوة كتاب الله.

وحقق (المملكة العربية السعودية) السبق في تبني هذه الفكرة في نطاق وزارة الحج والأوقاف، وأقيمت أربع مسابقات:

المسابقة الأولى عام 1399هـ (1979م)

المسابقة الثانية عام 1400هـ (1980م)

المسابقة الثالثة عام 1401هـ (1981م)

ص: 274

المسابقة الرابعة عام 1402هـ (1982م) .

وكان عدد المتسابقين في الأعوام الأربعة التي مصت كبيرا، وهذا العام بلغ عدد المتسابقين (134) متسابقا يمثلون (25) دولة و (31) جمعية.

وقد قسمت المسابقة إلى خمسة فروع بحيث تستوعب الحافظين والمجودين والمرتلين والمفسرين للقرآن، وهذه الفروع هي:

1-

فرع حفظ القرآن كاملا مع التجويد وتفسير الجزء الثاني، وتسابق فيه 10 أشخاص.

2-

فرع حفظ القرآن كاملا مع التجويد وبه 17 شخصا.

3-

فرع حفظ عشرين جزءا من القرآن مع التجويد وبه 17 شخصا.

4-

فرع حفظ عشرة أجزاء من القرآن وبه 31 شخصا.

5-

فرع ترتيل القرآن مع حسن الصوت وحفظ جزء واحد منه وبه 40 شخصا.

وهدفت المسابقة من هذا التوزيع شدّ الشباب للمشاركة في هذه الفروع حسب طاقة كل منهم وظروفه.

وبفضل الله تتوسع المسابقة عاما بعد عام ويزيد الإقبال عليها من كل مكان.

ووزارة الحج والأوقاف بالمملكة العربية السعودية معنية بهذا التوسع، ودعم المسابقة والقيام بكل ما يساعد على تحقيق غاياتها الخيرة.

والمأمول أن يأتي اليوم الذي يكون فيه مبنى الأمانة العامة للمسابقة حقيقة يشاهدها المسلمون كدليل جديد على رعاية حكومتنا الرشيدة لكل ما له صلة بالقرآن وتدارسه وحفظه.

والمأمول كذلك أن ينشأ قريبا معهد القراءات وعلوم القرآن رافدا من روافد المسابقة، يمدها بالمتسابقين المتدبرين لآيات الكتاب الحافظين له بحفظ الله.

ص: 275

النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

وعصر الخلافة الراشدة

للدكتور محمد عارف محمود حسن

المدرس في كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر

لا يستطيع أحد أن ينكر ما أحدثه الإسلام من ثورة شاملة في جميع نواحي الحياة وجوانبها: الدينية، والسياسية، والعقلية، والاجتماعية، والأخلاقية

وكانت الناحية العقلية - أو الفكرية - من الجوانب التي أثر فيها الإسلام تأثيرا بالغا، وهذا يعني أن اللغة العربية التي عبر بها الإسلام عن مبادئه ومعتقداته قد تأثرت تأثرا شديدا بهذا الدين الجديد، تأثرت به أسلوبا وموضوعا، أو لفظا ومعنى، وينسحب هذا التأثر على جميع الفنون والعلوم العربية، سواء أكانت شعرا، أم نثرا، أو لغة، أو نقدا

ويعنينا في هذا المقام أن نعرف الآثار التي أحدثها الإسلام في النقد الأدبي، وإلى أي مدى كان تأثر النقد به؟ وما الأسس والمقاييس التي سار عليها النقد في عصر صدر الإسلام؟.

الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي:

الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذا الدين الجديد، وحامل لواء الدعوة إليه، ولذا فمن المهم أن نتعرف على موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر، وعلى موقفه من النقد الأدبي، ودوره فيه، وأن نستعرض جوانب من نقداته صلى الله عليه وسلم، لنتعرف من خلالها على الأسس والأصول التي كان بمقتضاها ينقد الرسول صلى الله عليه وسلم الشعر ويحكم عليه.

ص: 276

على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل الشعر ولم يعلمه الله إياه، إلا أنه لم يكن يتحرج منه ويتألم بالقدر الذي يظنه كثير من الناس، بل كان يعجب له ويطرب له إعجاب وطرب العربي صاحب الذوق السليم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عربي، وقد وهبه الله من صفاء الذهن، وسلامة الذوق، والقدرة على تمييز الحسن من القبيح من الكلام - ما فاق العرب جميعا، وهو ذوو بصر بصناعة الكلام، فيعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بشعر النابغة الجعدي، ويقول له:"لا يفضُض الله فاك"، وبلغ من استحسانه لقصيدة (بانت سعاد) أن صفح عن كعب وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء واستزادها مما تقول، وتأثر تأثرا رقيقا لشعر قُتيلة بنت النضر.. [1] .

بل إن الأمر ليتعدى حد الإعجاب إلى الدعوة إليه؛ إذ دعا الرسول صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وإلى هجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، فالشعر ما زال سلاحا ماضيا من الأسلحة العربية التي لا يستغني عنها صاحب دعوة.

إننا نعلم من التاريخ الإسلامي أن معركة كلامية دارت بين المسلمين والمشركين بجانب المعركة الحربية، وأن شعراء المسلمين كانوا يقفون في صف واحد أمام شعراء المشركين، كي يردوا عليهم افتراءاتهم وأباطيلهم التي كانوا يرمون بها الإسلام والمسلمين، لا سيما وأن الدعوة الإسلامية كانت بحاجة إلى من يدافع عنها ويرد عنها أعداها؛ لذلك لا نعجب إذ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين من أمثال حسان بن ثابت [2] ، وكعب بن مالك [3] ، وعبد الله بن رواحة [4]- إلى الدفاع عن الإسلام، وإلى الدعوة إليه، والإشادة بذكره وبمبادئه، وهجاء الكفر والكفار، ولا عجب - لكل هذا - إذ رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن الشعر، ويستنشده أصحابه ويمدح به، ويثيب عليه، بل ينقده ويصلح منه.

ص: 277

أما دعوته صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وهجاء المشركين فيدل عليها ما روي أنه: لما كان عام الأحزاب، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من يحمي أعراض المسلمين؟ " فقال كعب بن مالك: أنا يا رسول الله! وقال عبد الله بن رواحة: أنا يا رسول الله! وقال حسان: أنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: "نعم اهجهم أنا (يعني حسانا) فإنه سيعينك روح القدس".

وروي أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسن بن ثابت فشفى واشتفى"[5] .

وأما نقد الرسول الكريم للشعر، وإصلاحه منه، فسوف نورد الأمثلة والشواهد ما يدل عليه، ولكن قبل أن نورد هذه الأمثلة وتلك الشواهد ينبغي أن نقرر الأساس الذي قام عليه نقد الرسول للشعر، ليسهل بعد ذلك تطبيق هذا الأساس على ما سنورده من الأمثلة.

المقاييس النقدية عند الرسول صلى الله عليه وسلم:

ص: 278

ينبغي أن نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو - قبل ذلك وبعده - إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وإذا لاحظنا ذلك علمنا أن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له - هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس هي أسس تتصل بالمعاني التي يجب يدور حولها الشعر، وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياسا وأساسا ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه - فإنه صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضا - أسلوبا ولفظا ونظما أساسا له ومنهاجا؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو.

ولا نعجب إذ رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعا، وأسلوبا ونظما، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم.. على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساسا لنظمهم ودعامة لبيانهم

ولعلنا نلاحظ - من خلال ما تقدم - أن هناك أساسين أو مقياسين كان على أساسهما يحكم الرسول على الشعر وينقده، هذان الأساسان أو المقياسان هما: المقياس الديني الإسلامي، والمقياس البياني.

- المقياس الديني الإسلامي:

ص: 279

حينما نستعرض نقدات الرسول الكريم التي وجهها إلى الشعر والشعراء، نلاحظ أن الجوانب الدينية والمعاني الإسلامية كانت المحور الأساسي، لنقد الرسول الكريم، ولعلنا نستطيع أن نرى هذا المقياس بوضوح في النقدات الآتية:

روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعر قول لبيد [6] : ألا كل ما خلا باطل".

ونلاحظ من هذا الحكم الذي حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم على قولة لبيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى فيها ما يتسق مع الروح الإسلامية، ويترجم عن وحي الإسلام.

وحينما ينشده النابغة الجَعدي [7] قصيدته التي مطلعها:

خليلَيّ عُوجا ساعة وتهجَّرا

ولُوما على ما أحدَث الدهر أو ذرا [8]

يُعجب الرسول هذا الشعر، وحينما يبلغ قوله:

بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا

وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا

يظهر الغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول للنابغة:"إلى أين أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة، فيقول الرسول - وقد اطمأن إلى أنه حين عبّر بمجد جدوده المتطاول قد انتهى إلى التطلع في ظل الإسلام إلى ما هو أعظم -:"نعم إن شاء الله".

ويمضي النابغة قائلا:

ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له

بوادرُ تحمي صَفوَه أن يُكدَّرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليمٌ إذا ما أورد الأمر أصدرا

فيزداد ارتياح الرسول الكريم إلى ما يسمع من وحي الروح الدينية، ومن التوجيه الخلقي الرشيد، ويقول له:"لا يَفضُض الله فاك"[9] .

ويطرب الرسول لشعر كعب بن زهير حين يمدحه بقصيدته التي مطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

وحين يبلغ كعب قوله:

إن الرسول لنور يستضاء به

مهند من سيوف الهند مسلول

مهند من سيوف الهند مسلول

يصلح له الرسول قوله هذا ويجعله:

................................

ص: 280

مهند من سيوف الله مسلول

ونلمح من خلال هذا النقد النبوي ما انطوى عليه من تعديل وجّه كعبا إليه، حيث الرأي الصائب والقول السديد، وهو أن سيوف الله هي التي لا تفل، ولا تنبو ظباتها، ولا تحيد عن مواطن الحق، أما غيرها من السيوف فهي تفل وتنبو وتتلثم، وهذا معنى إسلامي جميل.

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على كعب بن مالك، وهو ينشد، فلما رآه كعب بدا كأنه انقبض، فقال الرسول:"ما كنتم فيه؟ " قال: كنت أنشد، فقال له:"أنشد"، فأنشد حتى أتى على قوله:

مَجالِدنا عن جِذْمِنا [10] كل فخمة

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيصح أن تقول:

مَجالِدنا عن ديننا كل فخمة؟

قال: نعم، فقال له:"فهو أحسن".

وواضح من هذا التوجيه الذي أسداه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كعب أن الجلاد والقتال إنما ينبغي أن يكون عن الدين، لا عن الأصل والنسب.

2-

المقياس البياني:

ونعني به قياس النتاج الأدبي، وتقويمه على أساس ما ينبغي أن يكون عليه النظم أو الكلام من جمال الأسلوب وروعة الأداء، وحسن النظم، وهو ما نسميه بالبيان والبلاغة، ويتصل بهذا المقياس، سلامة القول وسلامة التعبير والتزام الصدق، والبعد عن التكلف.

وحينما نتصفح نقدات الرسول الآتية، نجدها قائمة على هذا الأساس واضحة خير ما يكون الوضوح.

ص: 281

روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر، فقال عمرو: مانع لحوزته مطاع في عشيرته، فقال الزبرقان: أما إنه قد علم أكثر مما قال، لكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق العَطَن، زَمِن المروءة، لئيم الخال، حديث الغِنى، فلما رأى الإنكار في عيني الرسول بعد أن خالف قوله الآخر قوله الأول، قال: يا رسول الله! رضيتُ فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمتُ، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان سحرا، وإن من الشعر لحكمة".

وقد انطلق حكم الرسول الكريم هذا على قول عمرو بن الأهتم لما يحويه هذا القول من أسلوب جميل وأداء رائع، يأسر النفس ويفعل بها فعل السحر، ولما فيه من حكمة ومعنى حسن.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله:

ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد [11]

وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في دية الجنين بغُرّة [12]، فقال أحدهم: يا رسول الله! أأدي [13] من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يُطل [14] ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جانبا، واتجه إلى المتكلم، فأنكر عليه أسلوبه ومنطقه، وقال له:"أسجعا كسجع الكهان"؟!.

وما أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول إلا لأن صاحبه آثر السجع المتكلف وابتعد عن سهولة الأسلوب وسلاسته، وانطلاقا من مبدأ السلامة في التعبير والسلاسة في القول، والبعد عن التكلف والغلو والتشدق، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون [15] ، المتشدقون [16] ، المتفيهقون [17] "، ويقول:"إياكم والتشادق"، ويقول:"إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها".

ص: 282

ولم يقف نفقد الرسول للشعر والنثر عند حدّ النقد العلمي الذي أوردناه منه آنفا بعض الأمثلة، بل كان الرسول كثيرا ما يتعدى ذلك إلى لون آخر من النقد، وهو النقد التوجيهي، الذي يتمثل في إرشاد الأدباء والشعراء وتوجيههم إلى ما يحسن به أدبهم، ويرتفع باتباعه شعرهم، من تلك الأقوال والنصائح، حتى يُعينهم اتباعها على تحسين أعمالهم، وبلوغها حدّ الكمال والجمال الأدبي، من ذلك ما أوردنا آنفا من نصائح، يضاف إليها قوله صلى الله عليه وسلم:"نضر الله وجه رجل أوجزَ في الكلام، واقتصر على حاجته".

وقوله صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي [18] : "يا جرير إذا قلت فأوجز، وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف".

ومنها قول صلى الله عليه وسلم: "لا تكّلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوهم أصلها فتظلموهم".

وفي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم السابقة - بما تحمل من توجيهات وإرشادات - نقدات أدبية غاية في الأهمية، فهي تدعو إلى الصدق في القول، وعدم التكلف والغلو فيه كما تدعو إلى ترك التظاهر بالبلاغة والتشادق بالفصاحة، وترك السجع المتكلف؛ لأن هذه الأمور الأخيرة المنهي عنها، قد تبهم المعنى، وتضيع الحقيقة، وقد تلبس الباطل ثوب الحق.

هذه النقدات الأدبية بشقيها: الفعلي والتوجيهي، التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعراء والأدباء، والتي وقفنا على طرف منها فيما أوردنا من أمثلة - هذه النقدات تمثل تطورا لتلك المحاولات النقدية التي بدأت منذ العصر الجاهلي، وهي محاولات تعتمد على الذوق والفطرة والطبع وصحة الفهم وسعة الرواية، والخبرة المستفادة من المعارف العامة، مستظلة بروح الدين وتعالميه وآدابه، متجهة إلى اللفظ والمعنى والأسلوب والغرض.

ص: 283

كما يلاحظ - أيضا - من نقد الرسول الكريم استعمال المصطلحات النقدية؛ فلأول مرة تستعمل في محيط النقد الأدبي ألفاظ تتصل بهذا الفن، لتدل على سير هذا الفن خطوات إلى الأمام، فاستعمل لأول مرة لفظ (البيان) في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان لسحرا"، ولفظ البلاغة مشتقا منه لفظ (البليغ) في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها"[19]، والرسول يعني بالبليغ: الذي يتقن الصنعة بقصد تزوير القول.

ونظرة إلى الأحكام النقدية التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعر والشعراء نرى أنها أحكام اتسمت بالعموم والإيجاز، كإعجابه بقول لبيد، وطربه لشعر النابغة الجعدي، واستحسانه لبيان عمرو بن الأهتم، وتعديله للمعاني التي أتى بها كل من كعب بن زهير، وكعب بن مالك، من تلك النقدات التي عرضناها من قبل.

كما يلاحظ القارئ أنها أحكام اتسمت بالجزئية، فنقده صلى الله عليه وسلم كان متجها إلى اللفظ أو المعنى دون غيرهما من الجوانب النقدية الأخرى، فإعجابه بقول لبيد كان متجها للمعنى، فالمعنى عند لبيد جميل وشريف لانسجامه مع الروح الإسلامية، وكذلك طربه لمعنى النابغة يجري مع غاية ما يطمح إليه المؤمن، حينما جعل نهاية مطمحه الجنة.

واستحسان الرسول لبيان عمرو بن الأهتم في قوله عن الزبرقان بن بدر راجع إلى ما يحويه من رائع اللفظ وحسن البيان، وتعديله لشعر كعب بن زهير وشعر كعب بن مالك منصرف إلى المعنى، حيث وجههما الرسول إلى ما ينبغي أن يكون عليه المعنى من تلاق مع الروح الإسلامية، فسيوف الله أكثر اتساقا مع روح الإسلام من سيوف الهند، والمجالدة عن الدين أحسن وأفضل من المجالدة عن الأصل والنسب.

ص: 284

كما أن استهجان الرسول لقول بعضهم وقد غلب عليه السجع المتكلف راجع إلى اللفظ، حيث وجهه الرسول إلى ما ينبغي أن يكون عليه النظم من سلاسة في التعبير، وسلامة في المنطق، بعيدا عن السجع المتكلف، والتشادق المقصود، وهكذا.

الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والنقد الأدبي:

إذا ما خطونا بالنقد الأدبي - أو بالمحاولات النقدية في عصر صدر الإسلام - إلى الأمام قليلا في عصر الخلفاء الراشدين نجد أن النقد قد سار على النهج الذي ارتضاه الرسول الكريم، وسنه في نظرته إلى الشعر، وإلى ما ينبغي أن يتضمنه من معان وقيم إسلامية، وما يجب أن يكون عليه الأسلوب من سلاسة وسلامة في التعبير، وصدق في القول، وبعد عن التكلف والإغراق.

يضاف إلى هذه الأسس ما تميز به كل ناقد من موهبة شخصية، ونزعة ذاتية، وذوق فني.

ولقد لمع في مجال النقد الأدبي من الخلفاء الراشدين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولذا سنقصر الحديث عليه -؛ فله في هذا المجال لمحات نقدية ونظرات أدبية ذوقية، تدل على حاسته الفنية الدقيقة، وعلى مدى فهمه للبيان العربي على أحسن ما يكون عليه الفهم، ولعلّ ما يدل على ذلك خير دلالة رأيه الذي أعلنه في الشعر والشعراء، يقول عمر:

"خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستميل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم"[20] .

ويقول رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري: "مرْ مَن قبلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب"[21] .

وكتب الأدب والنقد تزخر بصور وأمثلة لنقداته رضي الله عنه، تلك النقدات التي تدل على نظرة صادقة وفهم دقيق واعٍ للأدب العربي؛ ذلك لما أضافه رضي الله عنه إلى الأحكام النقدية من أسباب موضوعية مفصلة وعلل وأصول واضحة.

ص: 285

ومن نقدات الخليفة عمر رضي الله عنه الأدبية: ما روي أنه قال ليلة لابن عباس: "أنشدني لشاعر الشعراء: قال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: ابن أبي سلمة، قال: وبم صار كذلك؟ قال: لأنه لا يتبع حُوشيّ [22] الكلام، ولا يعاظل [23] في المنطق، ولا يقول إلا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلا بما يكون فيه، أليس هو الذي يقول:

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غايةَ

من المجد من يسبق إليها يسوَّد

سبقت إليها كل طلق مبرَّز

سبوق إلى الغايات غير مزنّد

ولو كان حمدٌ يخلد الناس لم يمت

ولكن حمد الناس ليس بمخْلِد" [24]

والناظر في هذا النقد الفني الذي حكم به عمر رضي الله عنه على زهير بن أبي سلمى من خلال تذوقه لشعره يجد أن أساس حكمه قائم على الأساس نفسه الذي توخاه الرسول الكريم في نقده للشعر، حينما دعا إلى ترك التشادق، والبعد عن التكلف، وإلى السلاسة في التعبير وإلى الاتزام الصدق في القول، وتلك هي الأمور التي انتهجها زهير في شعره، وعلى أساسها مدحه عمر، إلا أننا نلمح في نقد عمر شيئاً جديدا لم يعهد من قبل عمر، وهو اتباع الحكم النقدي بدواعيه وأسبابه، فعمر لم يحكم على زهير بأنه أشعر الشعراء فقط، بل أتبع هذا الحكم - كما قلت - بأسبابه وعلله، وهي علل وأسباب تصبح أساسا للأحكام النقدية، وقاعدة ومعيارا يقوّم الشعر والأدب به.

وهذا الحكم النقدي وما تبعه من أسباب وعلل، أقيم على جوانب ثلاثة: جانب الألفاظ، وجانب المعاني، وجانب المنهج الذي التزم به الشاعر؛ فمن ناحية الألفاظ وصف عمر رضي الله عنه ألفاظ زهير بالسماحة والألفة وأسلوبه بالوضوح والجمال والسلاسة، والخلو من التعقيد والتركيب والتوعر.

ومن ناحية المعاني فقد وصف عمر معانيه بالصحة والصدق.

ومن ناحية منهج الشاعر فقد وصف عمر زهيرا بالتزام الحق والصدق، والاعتدال والقصد، والتباعد من الإفراط والعلو.

ص: 286

ومن ذلك - أيضا - ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يكثر من ترديد بيت زهير:

فإن الحق مقطعه ثلاث

يمين أو نفار أو جلاء [25]

متعجبا من علمه بالحقوق، وتفصيله بينها، واستيفائه أقسامها، وكان يقول:"لو أدركت زهيرا لوليته القضاء لمعرفته"[26] ، وأية معرفة في دائرة الحق واقتضاء الحقوق أدق من التقاء فكر زهير في جاهليته مع ما ارتضاه الإسلام قاعدة بعد ذلك، وما قرره من مبدأ:"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"[27] .

واستحسان عمر لبيت زهير قائم على أساس ديني؛ لأنه - أي بيت زهير - يلتقي مع أصل من أصول التشريع الإسلامي.

وشبيه بهذا الاستحسان - في قيامه على أساس ديني - نقده لشعر سحيم عبد بني الحَسحاس حين أنشد عمر قصيدته التي مطلعها:

عُميرة ودّع إن تجهّزت غازيا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

- وذلك بقوله: (لو كنتَ قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك) .

وهنا يضع عمر في حكمه ما تقتضيه متطلبات الدين الجديد التي تفرض على الإنسان أن يقدم الدين على كل ما عداه.

ومثله - أيضا - نقده للحطيئة حين يقول:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجدْ خير نار عندها خير موقِد [28]

وذلك بقوله: "كذب، بل تلك نار موسى نبي الله صلى الله عليه وسلم"[29] .

فالشاعر هنا جانب الصدق، وزعم أن نار ممدوحه خير نار، وأنه خير موقد، وفي هذا مخالفة للحقيقة، والتزام الشاعر بالصدق في شعره مقياس نقدي سبق أن انتهجه زهير، وعلى أساسه فضله عمر على سائر الشعراء.

ومن نقدات عمر التي تدل على ذوقه وفهمه الدقيق لأساليب الشعر العربي، ما روي أن النجاشي [30] الشاعر قد هجا تميم [31] بن أبيّ بن مقبل وقومه بني العجلان، فاستعدوا عليه عمر بن الخطاب، فاستنشدهم ما قال فيهم، فقالوا: إنه يقول:

إذا الله عادى أهل لؤم ورقة

فعادي بني العجلان رهط ابن مقبل

ص: 287

فقال عمر: إنه دعا، فإن كان مظلوما استجيب له، وغن كان ظالما لم يستجب له، قالوا: إنه يقول:

قُبيّلة لا يغْدِرون بذمة

ولا يظلمون الناس حبة خردل

فقال عمر: ليت آل الخطاب كذلك! قالوا: وقد قال:

ولا يردون الماء إلا عشية

إذا صدر الوُرّاد عن كل منهل

قال عمر: ذلك أقل للِّكاك [32] ! قالوا: وقد قال أيضا:

تعافُ الكلابُ الضاريات لحومهم

وتأكل من كعب وعوف ونهشل

فقال عمر: أجَنّ القوم موتاهم، فلم يضيعوهم! قالوا: وقد قال:

وما سًمِي العجلان إلا لقيلهم

خذ القعب واحلبْ أيها العبد واعجل [33]

فقال عمر: خير القوم خادمهم، وكلنا عبيد الله! [34] .

ولعلّ في هذا الحوار الذي دار بين رهط بني العجلان وعمر، ما يدل على مدى قدرة عمر على فهم الشعر وتذوقه وإدراك معانيه وعلمه بمراميه.

وعلى الرغم من فقه عمر وفهمه للشعر وتذوقه له على النحو الذي ذكرنا، إلا أنه بعث إلى حسان بن ثابت والحطيئة - وكان محبوسا عنده - فسألهما عن شعر النجاشي في تميم بن مقبل ورهطه، فقال حسان مثل قوله في شعر الحطيئة الذي هجا به الزبرقان بن بدر، فهدد عمر النجاشي، وقال له: إن عدت قطعت لسانك! [35] .

وفي ندب عمر الخبراء من الشعراء ما يدل على مدى إيمانه بالتخصص؛ إذ لم يكن ذلك الندب لعجزه عن البت فيما عرض عليه بل كان سنا لقاعدة رشيدة، وهي الرجوع إلى أهل الذكر في كل فن من رجاله المنقطعين له قبل القضاء فيه؛ ليكون ذلك أصح للرأي، وآكد في صواب الحكم.

وعلى الرغم من أن أحكام عمر النقدية قد اتسمت بالجزئية فاتجهت إلى الصياغة، أو المعاني، ولم يتطرق إلى جوانب أخرى في النص الأدبي.. شأن الأحكام النقدية التي سبقته إلا أننا نجد في نقد عمر شيئاً جديدا لم يألفه القارئ من قبل عمر، وهو أن نقده كان موسوما بالتعليل، ومشفوعا بذكر الدواعي والأساليب في غالبيته.

ص: 288

(فعمر هو أول ناقد تعرض نصا للصياغة والمعاني، وحدد خصائص لهذه وتلك، وهو أول من أقام حكما في النقد على أصول متميزة.. فأسند رأيه في زهير إلى أمور محسّة، وأسباب قائمة)[36] .

خلاصة:

ونخلص من هذا إلى القول بأن النقد في عصر صدر الإسلام - عصر الرسول وعصر الخلافة الراشدة - قد خطا خطوات رشيدة، وترسم مناهج وطرقا أكثر تحديدا، وأوضح أحكاما من سابقتها في العصر الجاهلي، ونخلص - أيضا - إلى أن المقاييس والمعالم النقدية التي اتسم بها النقد الأدبي في هذا العصر، كانت تبدو في المقاييس والمعالم الآتية:

أولاً: مقياس الدين:

ونعني به - في إيجاز - قياس النتاج الأدبي، وميزانه وتقويمه على أساس من روح الدين وتعالميه التي جاء بها، وهذا يعني أن الناقد الأدبي كان يستحسن من النتاج الأدبي ما جاء متفقا مع الدين وروحه في بناء المجتمع الجديد، كما كان - بالطبع - يستهجن ما جاء مخالفا لهذا الدين ولروحه وآدابه.

وقد بدا هذا المقياس واضحا في نقد الرسول صلى الله عليه وسلم لشعر لبيد واستحسانه إياه، وفي إعجابه واستحسانه لشعر النابغة الجعدي، وفي تعديله لشعر كعب بن زهير، وكعب بن مالك، مما أوردناه آنفا.

كما اتضح أيضا في نقد عمر رضي الله عنه لشعر الحطيئة وسحيم وتوضيحه لما ينبغي أن يكون عليه الشعر من معنى صحيح أو شريف يلتقي مع الروح الإسلامية، ويبدو - أيضا - في استحسانه لشعر زهير ولبيته الذي بين فيه الحقوق؛ وذلك لالتقائه مع أصل من أصول التشريع الإسلامي.. إلى غير ذلك.

ثانياً: المقياس البياني:

ونعني به - أيضا - قياس النتاج الأدبي، وتقويمه على أساس ما ينبغي أن يكون عليه الأسلوب من سهولة في التعبير وسلاسة في الألفاظ، ووضوح في التركيب، وبعد عن التكلف والتصنع، على أساس أن التعبير المنطلق السلس أقرب إلى البلاعة والبيان من العمل المحكك المنمق.

ص: 289

وقد بدا هذا المقياس واضحا في استحسان الرسول لشعر طرفة، وإعجابه الشديد بقول عمرو بن الأهتم، كما بدا - أيضا - في استهجانه صلى الله عليه وسلم للسجع المتكلف الذي أنكره على قائله.

وظهر - كذلك - في توجيهاته صلى الله عليه وسلم التي تمثلت في ذم التكلف والغلو والتشادق والتفيهق، كما اتضح هذا المقياس على نحو محدد في نقد عمر حينما أبدى رأيه في زهير في شعره.

ثالثاً: تحديد الأسباب وذكر العلل:

اتسم النقد الأدبي في هذا العصر، باتجاهه نحو الدقة في إصدار الأحكام، والوضوح في ذكر الأسباب والتفصيل في تبيان العلل، التي بمقتضاها يتم الحكم على العمل الأدبي وتقويمه، وقد رأينا هذا واضحا جليا في نقدات عمر رضي الله عنه.

رابعاً: استعمال المصطلحات النقدية:

لأول مرة تستعمل في محيط النقد الأدبي ألفاظ تتصل بهذا الفن؛ لتدل على سير هذا الفن خطوات إلى الأمام فاستعمل لأول مرة لفظ (البيان) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا"، ولفظ (البلاغة) مشتقا منه لفظ البليغ في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال..".

خامساً: التوجهات النقدية:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يوجه الأدباء والشعراء إلى ما يحسن به أدبهم ويرتفع باتباعه شعرهم، من تلك التوجيهات النقدية، حتى يعينهم اتباعها على تحسين أعمالهم، وبلوغها حد الكمال الأدبي من تلك التوجيهات التي أوردنا طرفا منها آنفا.

سادسا: مقياس التخصص:

ص: 290

ويتضح هذا المقايس مما سبق أن ذكرناه من استعانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحسان بن ثابت في الحكم على شعر النجاشي حين هجا تميم بن مقبل وقومه من بني العجلان، وذلك على الرغم من فهم عمر للشعر وتذوقه له، إيمانا منه بمبدأ الرجوع إلى المتخصصين في هذا الفن، فعمر يأبى أن يصدر في حكومة حول الشعر برأيه، ويستدعي من يعدهم نقادا متخصصين ويأخذ برأيهم.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

راجع: تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص28 للدكتور طه أحمد إبراهيم، ط دار الحكمة بيروت.

[2]

هو: حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري، شاعر جاهلي إسلامي، اختص بعد الإسلام بمدح النبي والدفاع عنه، توفي عام 54هـ.

[3]

هو: كعب بن مالك الأنصاري، من الشعراء الذين كانوا ينافحون عن الإسلام والمسلمين، ويقفون أما شعراء المشركين ويهجونهم.

[4]

هو: عبد الله بن رواحة، صحابي جليل، وشاعر مخضرم، كان - مع حسان بن ثابت وكعب بن مالك - أحد المنافحين عن الإسلام والرسول والمسلمين، استشهد في غزوة مؤتة العام الثامن للهجرة.

[5]

حسان بن ثابت: 47، للدكتور سيد حنفي حسنين - (من سلسلة أعلام العرب) .

[6]

هو: لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام وأسلم مع وفد بلاده إلى الرسول، توفي في أول خلافة معاوية.

[7]

هو: عبد الله بن قيس، من جعدة بن كعب بن ربيعة، وكان يكنى أبا ليلى، وعمّر كثيرا، ومات وهو ابن مئتين وعشرين سنة.

[8]

جمهرة أشعار العرب: 275، ط بيروت.

[9]

الشعر والشعراء 1/295 تحقيق الأستاذ أحمد شاكر.

[10]

الجذم: الأصل.

[11]

يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينطق الشطر الأخير من البيت هكذا: ويأتيك من لم تزود بالأخبار.

[12]

الغرة: العبد أو الأمة.

ص: 291

[13]

أي: أدفع الدية.

[14]

يطل: يهدر ويبطل.

[15]

الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق.

[16]

المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط ولا احتراز، وقيل: إنهم المستهزئون بالناس يلوون أشداقهم بهم وعليهم.

[17]

المتفيهقون: وهم المتوسعون في الكلام والمتنطعون.

[18]

هو: جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر في رمضان، وبايعه وأسلم، توفي سنة 54هـ.

[19]

الباقرة: البقرة، والمعنى: أن الله يبغض البليغ الذي يفخم لسانه بالكلام ويلفه كما يلف البقرة الكلأ بلسانها لفا.

[20]

البيان والتبيين 2/99، تحقيق السندوبي.

[21]

العمدة: 1/10، تحقيق محيي الدين، ط بيروت.

[22]

حوشي الكلام: غريبه.

[23]

المعاظلة في الكلام: تصعيب الكلام وتعقيده، بأن يركب بعضه بعضا، ويتداخل حتى يثقل نطقه وسماعه.

[24]

طلق: سبّاق، المزند: البخيل.

[25]

يعني: يمينا، أو نفارا إلى حاكم يقطع البينات، وهو بيان وبرهان يجلو به الحق وتتضح الدعوى.

[26]

خزانة الأدب: 2/182.

[27]

في النقد الأدبي عند العرب: 84، للدكتور محمد طاهر درويش، ط دار المعارف - مصر.

[28]

تعشو: تقصد في الظلام.

[29]

الأغاني" 2/200، ط (دار الكتب المصرية) .

[30]

هو: قيس بن عمرو بن مالك، من بني الحرث بن كعب، كان شاعرا هجاء، كما كان فاسقا رقيق الإسلام.

[31]

هو تميم بن أبي مقبل، من بني العجلان، كان جاهليا إسلاميا، أدرك الإسلام فأسلم، وبلغ مئة وعشرين سنة.

[32]

اللكاك: الزحام.

[33]

القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي.

[34]

الشعر والشعراء: 1/337، 338.

[35]

الشعر والشعراء: 1/338.

[36]

تاريخ النقد العربي عند العرب: 31.

ص: 292

رخصة الفطر في سفر رمضان وما يترتب عليها من الآثار

انتهاء سريان الرخصة:

تنتهي رخصة الفطر بانقطاع صفة السفر عن المسافر ، وذلك بدخوله إلى المكان الذي يجمع الإقامة به مدة تقطع حكم السفر كما بيناها سابقا ، إذ كان دخوله إلى هذا المكان قبل طلوع الفجر ، فإذا تحقق هذان الشرطان - وهما: نية الإقامة والدخول قبل الفجر - وجب عليه انشاء نية الصوم لليوم الذي يشهد طلوع فجره مقيما وهذا باتفاق اهل العلم ، لأنه شهد بعضاً من الشهر صحيحاً مقيماً وقد قال تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .

فإن علم أنه سيدخل إلى محل الإقامة بعد الفجر فلا يجب عليه أن يبيت نية الصوم بل له أن يدخل إلى دار الإقامة بنية الفطر. وهذا أيضاً باتفاق أهل العلم..

لكن الخلاف بين العلماء فيمن وصل بالفعل إلى دار الإقامة قبل الزوال وكان على نية الفطر ، فالمالكية والشافعية ، يجيزون له الاستمرار على الفطر بدون كراهة عند المالكية وعلى الأصح عند الشافعية.

ووجه هذا القول: أنه كان وقت إنشاء النية - وهو طلوع الفجر - مسافراً ، وقد عمل بالرخصة التي تبيح له الفطر ، وما دام قد انتهى وقت إنشاء النية ، فمن حقه أن يستمر على فطره ، وله أن يفعل كل ما يفعله المفطر من أكل وجماع وغير ذلك ، إلا أن الشافعية استحبوا له ألا يظهر الفطر عند من يجهل عذره حتى لا يهتم ويعاقب

ورواية مرجوحة عند أحمد؟ يمنع مثل هذا الشخص من الجماع أثناء فطره هذا..

أما الحنيفية؟ فقد أوجبوا على من وصل إلى دار إقامته قبل الزوال: أن يمسك بقية يومه؟

ووجهتهم على هذا القول؟ أن هذا الشخص قد انقطعت عنه الرخصة بوصوله إلى دار إقامته في وقت يصح فيه إنشاء نية الصوم وهو ما قبل الزوال ، لذلك وجب عليه إنشاء نية الصوم [1] .

مبنى كل من الرأيين:

ص: 293

اعتبار علماء الحنفية أن وقت إنشاء نية الصوم لا ينتهي بطلوع الفجر بل يستمر إلى ما قبل الزوال؟ إنما يرجع لحديث عائشة رضي الله عنها " دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شيء فقلت: لا. قال: فإني صائم ، ثم أتانا يوماً آخر ، فقلت يا رسول الله أهدى لنا حيس ، فقال: " أرينه فلقد أصبحت صائما " فأكل "[2] .

لكن الفرق شايع بين إنشاء النية في صوم واجب كرمضان وبين إنشائها في صوم التطوع ، فإن النية في صيام رمضان يجب أن تكون من طلوع الفجر وتستمر إلى غروب الشمس قال تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (البقر: الآية 187) . فأوجب تعالى الإمساك للصوم من طلوع الفجر.

وبما أن صيام رمضان واجب فإن الإمساك من طلوع الفجر فيه واجب..

وهذا بخلاف صوم التطوع؟ فإنه مبني على المسامحة ، فقد سئل مجاهد عن المعنى المراد من حديث عائشة رضي الله عنها فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها رواه مسلم في صحيحه ، وقد جاء هذا القول مرفوعاً متصلا بحديث عائشة المتقدم عند النسائي عن طريق مجاهد أيضاً [3] ..

أما القول بأن النية في صيام رمضان لا بد أن تكون من طلوع الفجر فهو يتمشى مع صريح القران الكريم {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} - ومع ما جاء في الحديث الشريف من رواية حفصة رضي الله عنها " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "[4] قال صاحب التحفة: وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان وقال الحاكم في الأربعين: صحيح على شرط الشيخين ، وقال في المستدرك: صحيح على شرط البخاري ، وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات ، وصحح البخاري والنسائي وقفه على ابن عمر. [5]

ص: 294

لكن ما قاله صاحب التحفة عن موقف النسائي من هذا الحديث؟ يحتاج إل وقفة: فقد أورد النسائي أربع روايات متصلة مرفوعة عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أورد له ست روايات عن ابن عمر عن حفصة ، ثم رواية عن حفصة وعائشة برواية ابن شهاب عنهما ثم أورد له روايتين عن ابن عمر [6] فلا أدري لماذا اختار أن يعبر عن موقف النسائي من الحديث: بأنه اختار صحة الوقف على ابن عمر مع كل هذه الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حفصة؟

وقال الترمذي تعليقاً على الحديث السابق ، وإنما معنى هذا عند بعض أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان ، أو في صيام نذر ، إذا لم ينوه من الليل لم يجزه [7] .

لذلك كله أقول: إن المختار: هو رأي هذا الفريق الذي يرى ضرورة إجماع النية على الصيام من طلوع الفجر ، فإذا ما وصل المسافر بعد طلوع الفجر إلى دار الإقامة فلا يجب عليه الإمساك بقية يومه ، بل له ان يستمر مفطرا حنى انتهاء هذا اليوم الذي وصل فيه ، كما أن له إن يفطر على ما شاء مما أحله الله له والله أعلم.

بيان الآثار المترتبة على الأخذ بهذه الرخصة:

اتفق أهـ ل العلم على أن المسافر إذا اجتمعت لديه شروط الأخذ بالرخصة - حسب ما بيناه سابقا - وأفطر تبعا ، فإنه يجب عليه قضاء الأيام التي أفطر فيها ، إلا أنهم اختلفوا في عدد من المسائل المتعلقة بذلك

وفيما يلي بيان بأهم المسائل المختلف فيها وآرائهم حولها ومستند كل رأي ، بيان مدى قربه أو بعده من السنة المطهرة. ونعقد لذلك عدداً من المطالب نبدؤها بالمطلب الأول فنقول:

هل يجب التتابع في قضاء الأيام الني أفطرها في سفره:

اختلف أهل العلم في وجوب التتابع في قضاء الأيام التي أفطرها المسلم أثناء سفره عملا بالرخصة. على فريقين:

ص: 295

الفريق الأول: يرى وجوب التتابع في القضاء. وقد حكى هذا الرأي ، عن ابن عمر وعائشة والحسن البصري وعروة ابن الزبير والنخ عي وداود الظاهري..

وقد نقل عن داود قوله: هو - أي التتابع - واجب غير شرط ، بمعنى أن تاركه يأثم لكن مع ذلك يعتد بما صامه شرعا [8] ..

وأهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:

1-

عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه "[9] .

وقد نوقش هذا الاستدلال ، بما نقله البيهقي عن يحيى بن معين والنسائي والدارقطني من تضعيفهم لعبد الرحمن بن إبراهيم أحد رجال هذا الحديث [10] ..

وقد رد على هذه المناقشة بما نقل عن بعض أصحاب الحديث من توثيقهم لعبد الرحمن هذا ، فقد وثقه البخاري في تاريخه كما وثقه ابن معين. ونقل عن أحمد بن حنبل ، أنه قال: لا بأس به ، وقال أب وزرعة: لا بأس به أحاديث مستقيمة ، وع ن الدارقطني ، أنه وثقه في هذا الحديث وقال ابن عدي: لم يتبين في حديثه ورواياته حديث منكر فأذكره به ، وقال ابن القطان: هو مختلف فيه والحديث من روايته حسن [11] . وأخيراً قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة حافظ متقن [12] .

2-

عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: نزلت {فعدة من أيام أخر متتابعات} فسقطت متتابعات [13] ..

فهذا اللفظ (متتابعات) الذي نزل متعلقا بأيام أخر يوضح الحالة التي ينبغي أن يكون عليها قضاء هذه الأيام الأخر وهي: أن يكون القضاء متتابعا..

ولكن يناقش هذا الاستدلال بأن السند الذي روى به هذا القول عن عائشة رضي الله عنها ، وهو عبد الرزاق ، عن ابن جريح ، عن ابن شهاب ، وعن عروة ، روى به أيضا تأويل قولها " سقطت ": بأنها تريد: نسخت. لا يصح له تأويل وغير ذلك. [14]

ص: 296

ويرد على هذه المناقشة ، بأن النسخ قد يكون نسخا للتلاوة مع بقاء الحكم ، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم معا ، وليس في هذه الرواية ما يدل على إرادة أحد هذين الأمرين.

3-

ما روى من قول علي رضي الله عنه: من أن " قضاء رمضان متتابعا "[15] .

ويناقش هذا ، بأنه من رواية الحارث الأعور ، وهو ضعيف بل وروى عن طريقه أيضاً عن علي رضي الله عنه " أنه كان لا يرى به متفرقا بأسا "[16] .

4-

مشابهة القضاء للأداء: أي بما أن الأداء لا يصح الا متتابعا ، فالقضاء كذلك ، إذ لا فرق بين الأداء والقضاء ، كما هو في قضاء الصلاة..

ويناقش هذا الاستدلال ، بالفرق بين الأمر الصادر من المشروع بالأداء وبين الأمر الصادر بالقضاء ، حيث جاء الأمر بالأداء مقرونا ببيان تحديد الوقت الذي يجب فيه الصيام تحديدا واضحا. قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .

أما الأمر الصادر بالقضاء فقد جاء بصيغة النكرة الواقعة في سياق الإثبات قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وهذه الأيام الأخر مطلقة.فيجوز القضاء في أي وقت مفرقا أو متتابعا..

كما أنه يفارق الصلاة؟ لأن الصلاة ملاحظ فيها دائما ، في الأداء والقضاء قوله صلى الله عليه وسلم:" صلوا كما رأيتموني أصلي ".

كما أن الصلاة إذا تركها المرء عددا قليلا من الأوقات كخمس أوقات فأقل فكثير من الفقهاء يوجب الترتيب بينها ، أما أكثر من ذلك فلا ، وهذا موضع مختلف فيه بين الفقهاء.

الفريق الثاني:

ص: 297

نقل عدم وجود التتابع عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء ، منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأنس وأبة هريرة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور. [17]

أهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:

1-

قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

وقد أوضحنا وجه الدلالة من هذه الآية قريبا ويتخلص في: أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بقضاء أيام الفطر بسبب المرض والسفر في أيام أخر بعد انتهاء رمضان دون قيد..

ويرد على هذا الاستدلال ، بما جاء من قول عائشة رضي الله عنها السابق من أن هذه الاية كانت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقط لفظ متتابعات..

ويجاب ، بأن السقوط ، قد فسر بالنسخ ، والنسخ محتمل لنسخ الحكم والتلاوة معا ولنسخ التلاوة دون الحكم ، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق غليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

وعل ذلك فبقيت الآية محكمة ، وقد فهمها الصحابة على هذا النحو:

أ – فقد سئل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن قضاء رمضان ، فقال: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه فأحصى العدة واصنع ما شئت [18] ..

ب - وسئل معاذ بن جبل رضي الله عنه عن قضاء رمضان ، فقال: أحصي العدة وصم كيف شئت. وقد نقل مثل هذا القول وبهذا اللفظ عن ابن محيريز [19] ..

ج - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: يقضيه متفرقا ، فإن الله قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [20] .

د - وعن أنس بن مالك ، أنه كان لا يرى به بأسا ويقول: إنما قال الله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [21] ونقل مثل هذا القول عن ابن عباس [22] ..

ص: 298

قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} ..

حيث جاء أسلوب المطالبة بالأداء مغاير لأسلوب المطالبة بالقضاء ، فالداء قد حدد فيه زمن الصوم تحديدا كاملا ، أما في جانب القضاء ، فاكتفى في المر به بذكر المماثلة في العدد بين الأيام الي أفطر فيها والأيام التي سيقضيها بدلا عنها ، دون أن يحدد وقت معين لقضاء هذه الأيام..

قد يقال: أن أمر القضاء وان جاء مطلقا في الآية وفإن حديث أبي هريرة قد قيد هذا الاطلاق..

فيجاب بأن ما قيل في سند هذا الحديث حتى مع ترجيح جانب الصحة فيه يجعله غير صالح لتقييد مطلق الكتاب..

المختار: هو قول من يرى عدم وجوب التتابع ، لأن الأمر في الرخص مبني على التخفيف والمسامحة ، ةلأن فهم الصحابة للآية والذي اتضح من استدلالهم بها على عمومها ، أقوى من الاحتمالات الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها الا أن الأفضل هو التتابع - كما يقول الجمهور - للجمع بين الأدلة من جهة ، وللمسارعة في اسقاط الواجب وإبراء الذمة من جهة أخرى.

والله أعلم.

هل يجوز للمسافر الصوم في قضاء لرمضان سابق عليه؟

يرى ابن حزم للمسافر في شهر رمضان جواز الصيام أثناء سفره قضاء لأيام كانت عليه من رمضان السابق [23] ..

وجهة ابن حزم في الجواز:

يقول ابن حزم: إ ن الله سبحانه وتعالى: منع المسلم المسافر من صيام رمضان أثناء سفره ، ولكن لم يمنعه من أي صيام آخر غير هذا الشهر ، سواء كان هذا الصيام - الآخر - نذرا أو تطوعا أو قضاء لرمضان سابق عليه وهذا فلا مانع من صيا رمضان السابق ، للمسافر خلال رمضان الذي يسافر فيه ولقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهذه الأيام الأخر لم يحدد لها وقت فيجوز آداؤها في كل وقت [24] ..

من يرى عدم الجواز:

ص: 299

يرى أكثر الفقهاء عدم جواز قضاء رمضان السابق للمسافر خلال سفره في رمضان التالي له. وقد حكى ابن المنذر هذا الرأي عن سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، كما أنه رأى مالك والشافعي وجمهور الفقهاء [25] ..

ولم يذكر مستند لأصحاب هذا الرأي لكني وجدت أثرا منقولا عن عطاء ، في رجل أفطر رمضان ثم أقام ولم يقضه حتى ألقاه رمضان المقبل مسافرا ، أيفطر إن شاء ، قال نعم ، ثم يطعم ثلاثين مسكينا ثلاثين مدا [26] ..

لكن من الواضح: أن عطاء هنا ، أجاز الفطر ولكنه لم عن صيامه قضاء عن رمضان السابق ، كما يقول المجيز فليس فيه ما يفيد المنع..

إلا أننا حينما نلاحظ الحكمة من رخصة الفطر للمسافر ، وهي تخفيف المعاناة التي يجدها المسافر خلال سفره ، ثم نلاحظ أن الأخذ بهذه الرخصة ليس محتما - كما أوضحنا ذلك سابقا - كانت النتيجة: أن من كانت لديه قدرة على تحمل مشقة السفر ، أو كانت ظروف سفره تساعد على تخفيف هذه المشقة إلى قدر المحتمل عادة، كان الأولى به ، هو صيام الفرض الحاضر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقد ثبت مما تقدم أنهم كانوا يصومون خلال شهر رمضان وأن هذا الصيام كان عن رمضان الحاضر الذي يكونون فيه ، وأما الادعاء بأنهم كانوا يصومون تطوعا أو نذرا أو قضاء لرمضان سابق عليهم فهي دعوى جاءت على خلاف الأصل وعلى مدعيها إقامة الدليل على إثباتها..

ومجمل القول في هذه المسالة ، أن القول بجواز قضاء رمضان السابق للمسافر خلال شهر رمضان التالي له في أثناء سفره فيه ، هذا القول قد يتفق مع مذهب ابن حزم الذي يمنع المسافر من الصيام خلال سفره في شهر رمضان..

ص: 300

أما عند الجمهور الذين يجيزون الفطر والصوم للمسافر خلال شهر رمضان بل ويعتبرون الصيام أفضل لمن قوى عليه - لحديث أبي سعيد المتقدم وغيره مما أسلفنا - فهذا العمل فيه مخالفة عندهم لما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حيث لم يثبت ذلك عن أحد منهم بالرغم من كثرة أسفارهم. كما أن ابن حزم مع كثرة استيعابه وجمعه للسنن والآثار لم يستطع ايراد سنة واحدة أو أثر واحد يدلل به على ما ذهب إليه ، كل ما في المر أنه بنى على رأيه في هذه المسألة على الأصل الذي تثبت به من قبل وهو حرمة الصيام على المسافر

خلال شهر رمضان. ولما وجد كثرة النصوص التي تثبت صيام النبي صلى الله عليه وسلم وصيام أصحابه ، قام بثنى عنان كل هذه النصوص ،على أن الصيام الثابت فيها لم يكن عن رمضان الحاضر ، بل كان عن غيره ، من نذر أو تطوع أو قضائه لرمضان السابق وهكذا. غفر الله لنا وله..

هل يجب ال إ طعام على من فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر؟

أكثر أهل العلم على أن المسافر الذي أخذ بالرخصة فأفطر في سفره خلال شهر رمضان - كله أو بعضه - ثم استمر في سفره - أو شغل عنه بمرض ونحوه من الأعذار القاهرة - حتى أدركه رمضان الثاني ، ف إ نه لا يجب عليه ال إ طعام وإنما يلزمه بعد انتهاء سفره أو الشفاء من مرضه أن يقضي رمضان السابق ثم التالي له بالترتيب.

وقد نقل هذا الرأي عن طاوس والحسن البصري والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحمد وأبي حنيفة والمزني ودواد

وقد اختار هذا الرأي البيهقي واستدل له بقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [27] ..

وقد حكى عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة ، أن مثل هذا الشخص: يصوم رمضان الحاضر عن الحاضر ويفي عن الغائب ب إ طعام كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه [28] .

ص: 301

ولم أجد مستندا لهذا القول. وعموم قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يرد عليه: إ ذ عموم الآية يوجب القضاء في أيام أخر ولم يعين وقتاً لهذه الأيام الأخر فهي تشمل العمر كله

أما من أقام بعد انتهاء سفره ولم يقض الأيام التي أفطرها خلال سفره حتى أدركه رمضان الآخر ، فجمهور الفقهاء على أنه يجب عليه حينما يقضي هذه الأيام - من رمضان السابق - أن يطعم مع كل يوم مسكينا وقد قال بذلك: ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهري والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق إ لا أن الثوري: قال بوجوب مدين عن كل يوم. وقد نقلت بذلك نصوص كثيرة من الصحابة والتابعين في المصنف والسنن الكبرى [29] ..

والحكمة من قول وجوب الإطعام؟ أن مثل هذا الشخص يعتبر مفرطا في القضاء في الأيام التي يجب عليه القضاء فيها والتي تنتهي بنهاية شهر شعبان التالي له أو هي ما بين الرمضانين ، لذلك استحق أن يجازي بإطعام كل يوم مسكينا مع القضاء بالصيام

ويرى الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: أن عليه القضاء بالصيام فقط ولا فدية عليه [30] .. وقد نقل عن داود قوله في هذا الصدد: من أوجب الفدية على كل من أخر ليس معه حجة من كتاب ولا سنة ولا إجماع [31] .

وهو كما قال: إلا أنه يقال أيضاً: أن من نفى وجوب الفدية عليه ليس له مستند من كتاب أو سنة أو إجماع؟.

أما العموم المستفاد من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فهو يفيد جواز القضاء في أي أيام أخر قبل رمضان التالي أو بعده ليس إلا. أما الطعام فهو أمر زائد على القضاء فلا تثنيه الآية ولا تنفيه..

ص: 302

وإذا تساوى القولان من هذه الناحية؟ ف إ نه ينظر إلى الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم، إذ هم قريبو العهد بالتنزيل وأدرى بمواقع النصوص. فقد روى البيهقي بسنده إل ى ابن عباس رضي الله عنهما في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر؟ قال يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينا ويقضيه..

كما روى أيضا بسنده إلى أبي هريرة: أنه قال: في رجل تتابع عليه رمضانان ففرط فيما بينهما ، يصوم الذي حضر ويقضي الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا [32]

والواقع أن الموقف الذي اتخذه جمهور الفقهاء هنا بالتفرقة بين شخصين: أحدهما شغل عن القضاء بالسفر أو المرض حتى أدركه رمضان الآخر فجعلوه معذورا يكتفي منه بالقضاء فقط. والآخر الذي كانت لديه فسحة من الوقت ولم ينتهزها وفرط في القضاء ولم يهتم بالإسراع لأداء الواجب الذي شغلت به ذمته حتى وافاه رمضان الآخر ، فأوجبه عليه الإطعام مع القضاء لرمضان الأول. هذا الموقف يتفق مع النصوص الشرعية ولا يتعارض معها ، وهو وإن لم يكن فيه نص صريح في الموضوع لكن نصوص الشريعة متوافرة في التفرقة بين المحسن والمسىء وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن منع زكاة ماله: " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل

" الحديث [33] .

الحكم فيمن شغل عن القضاء حتى مات

من سافر وأخذ بالرخصة فأفطر ولم يقض ما عليه حنى مات: له حالتان:

الحالة الأول: من اتصل عذره بالموت:

المسافر الذي أخذ بالرخصة فأفطر واستمر في سفره حتى مات أو عاد من سفره ولكن لم تتح له الفرصة للقضاء فاستمر مشغولا بالمرض أو غيره حتى مات ، فيرى أهل العلم بما يشبه الاجماع ، أنه لا شئ عليه ولا يصام عنه ولا يطعم ، لقوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا َّ وُسْعَهَا} (البقرة: الآية 286) .

ص: 303

كما أنه شبيه بالحج ، فمن لم يستطع أداء الحج من وقت بلوغه حتى مات فلا ش يء عليه س [34] .وقد نقل عن طاوس وقتادة ، أنه يطعم عن كل يوم مسكين لأنه عاجز فأشبه الشيخ الهرم.

ولكن رد عليهما ، بأن الشيخ الهرم عامر الذمة بخلاف الميت الذي تنتهى ذمته بالموت عند أكثر الفقهاء ، كما أن الشيخ الهرم من أهل العبادات بخلاف الميت الذي تنقطع أهليته بالموت [35] .

الحالة الثانية: من فرط بترك القضاء حتى مات:

إذا عاد المسافر من سفره صحيحا واستمر كذلك ولم يحدث له مانع يمنعه من القضاء حتى أدركه الموت ، فقد قال عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء ، أنه يطعم عنه عن كل يوم مُدٌّ من طعام من غالب قوت البلد. وممن قال بذلك ، ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبو عبيد وابن علية والخزرجى ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري والليث والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه.

إلا أن الحنفية يشترطون أن يوصى بالإطعام عنه قبل موته ولم يشترط باقي الأئمة ذلك ، لأن الإطعام عنه يعتبر عبادة والعبادة لا بد فيها من النية ، ولذلك يخرج الإطعام عنه من ثلث ماله [36] .

أما بقية الفقهاء فيعتبرونه من اتلحقوق المالية المتعلقة بديون العباد فلذا جازت فيها النيابة.

وقد حكى ابن المنذر عن ابن عباس والثوري ، أنه يطعم عنه عن كل يوم مُدان [37] .

وقد احتج لهذا الفريق الذي يرى الإطعام على من فرط حتى مات بما يلي:

1-

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقض: قال: " يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر "[38] .

قال البيهقي - بعد سرده لهذا الحديث - هذا خطأ من وجهين:

أحدهما: رفعه الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول ابن عمر.

والآخر: قوله نصف صاع وإنما قال ابن عمر: مدا من حطة [39] .

ص: 304

وقد نقل النووي كلام البيهقي هذا واحتج به [40] .

لكن صاحب الجوهر النقي تعقب كلام في تضعيف هذا الحديث وقال: إ ن البيهقي فهم: أن محمدا ، الذي روى عنه أشعث هو ابن أبي ليلى. وكذا صرح به الترمذي. وقد أخرج ابن ماجه هذا الحديث في سننه بسند صحيح عن أشعث عن محمد بن سيرين عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. ثم قال: فإن صح هذا فقد تابع ابن سيرين ابن أبي ليلى ، فلقائل: أن يمنع الدعوى بوقف هذا الحديث على ابن عمر رضي الله عنهما [41] .

ورواية ابن ماجة التي أشار إليها صاحب الجوهر النقي ، جاءت بلفظ:" من مات وعليه شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين "[42] .

وقد نقل السندي تعليقا للمزي في الأطراف جاء فيه: قوله - يشير إلى ابن ماجه - عن محمد بن سيرين: وهم ، فإن الترمذي: رواه ولم ينسبه ثم قال الترمذي. وهو عندي محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى [43] .

ولا أدري هل المزي هو الواهم في نسبته ابن ماجه إلى الوهم ، حيث اعتمد على تصريح الترمذي ، بأن روايته للحديث عن طريق محمد بن عبد الرحمن ن فاعتبر أن كل طرقه تدور عليه وأن من روى خلاف ذلك ، يعتبر واهما.

وقد يكون الأمر على خلاف ذلك ، بأن يكون ابن ماجه رواه عن طريق محمد بن سيرين ، فيكون متابعا ، وقد قال ابن ماجه قد وهم في نسبته إلى محمد بن سيرين. والله أعلم بالصواب.

2-

عن عبادة بن نسى رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مرض في رمضان فلم يزل مريضا حتى مات لم يطعم عنه وان صح فلم يقضه حتى مات أطعم عنه "[44] .

هذا الحديث في سنده ابن أرطأة وهو مدلس ، فلا يصلح للاحتجاج به.

3-

عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند صحيح قال في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت ، قال: ليس عليه شىء فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة [45] .

ص: 305

4-

روى ال إ طعام بسند صحيح عن عمر بن الخطاب والزهري والحسن والنخعي وعطاء [46] .

أن الشخص المفرط في القضاء حتى مات مثله مثل الشيخ الفاني الذي عجز عن الصيام في آخر عمره فإنه يجب في حقه ال إ طعام ويسقط عنه الصوم وإنما جازت المماثلة هنا لأن قضاء الصيام عن التراخي باتفاق أكثر الفقهاء ما عدا داود. الا أن بعضهم يوجب الفدية في حالة التفريط وبعضهم لا يوجبها [47] .

مقدار الفدية:

الفدية عند أبي حنيفة والثوري - ونقل أيضا عن ابن عباس -: مدان من البر أو أربعة من الشعير أو التمر [48] .

أما الفدية عند أكثر الفقهاء ، فهي مد من الطعام من غالب قوت أهل البلد ، وسواء كان التأخير لعام أو لعامين ، وهناك وجه عند الشافعية ، أنه يجب دفع مُدَّيْنِ عن كل يوم، اذا كان قد مضى عليه رمضانان ، وصححه المتاخرون منهم [49] .

أما الفرق الثاني: فيرى: أن من فرط في قضاء الصيام ، فإنه يصام عنه سواء قام بذلك وليه عنه أو استأجر من يصوم عنه أو قام أجنبي بالصيام عنه من تلقاء نفسه.

وقد قال بذلك: طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور وداود ، وهو قول الشافعي في مذهبه القديم ، وهو أصح القولين عنه عند محققي الشافعية [50] .

وقد استدل لهذا الفريق بما يلي:

1-

حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه "[51] .

وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث بما روى عن عمارة بن عمير ع ن امرأة عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم ، قالت: يطعم عنها وروى عنها من وجه آخر عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم [52] .

وقد أجاب البيهقي ، بأن ما ذكر لا يوجب ضعفا في الحديث ، فمن يجوز الصيام عن الميت يجوز الإطعام عنه ، وفيما روى عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر [53] .

ص: 306

وقد عقب صاحب الجوهر على دعوى البيهقي في قوله: وفيما روى عنها في النهي عن الصوم عن الميت نظر ، فقال قد صح ذلك عنها ، ثم ذكر ما جاء عند أبي جعفر الطحاوي بسنده إلى عمرة بنت عبد الرحمن قالت: قلت لعائشة أن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها ، فقالت: لا ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك ، ثم قال: هذا سند صحيح [54] .

وقد قال بعض أهل العلم إذا أفتى الصحابي بغير ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعبرة بروايته لا بفتواه. وعلى ذلك فإرشاد عائشة رضي الله عنها إلى الإطعام بدلا عن الصيام أو نهيها عن الصيام وأمرها بالإطعام لا يؤثر على صحة الحديث. وعلى قوة الاحتجاج به.

2-

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ، فقال: " لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها. قال: نعم. قال: " فدين الله أحق أن يقضى "[55] .

وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال: " أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه؟ " قالت: نعم. قال: " فدين الله أحق بالقضاء " [56] .

وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث ، بما رواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد ويطعم عنه [57] .

وبما رواه البيهقي بسنده إلى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابن عباس في الإطعام عمن مات وعليه صيام شهر رمضان وصيام شهر نذر. وفي رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس ورواية أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في صيام شهر رمضان أطعم عنه وفي النذر قضى عنه وليه.

ثم قال البيهقي: وفي نسبة ذلك إلى ابن عباس نظر [58] .

ص: 307

وقد أجاب صاحب الجوهر ، على تشكك البيهقي حول نسبة الإطعام إلى ابن عباس بدلا من الصيام ، بما رواه النسائي في سننه.. عن عطاء عن ابن عباس قال: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة. ثم قال: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين خلا ابن عبد الأعلى فإنه على شرط مسلم [59] .

ومن جهة أخرى ، فإن الشافعي ، قد اعتذر عن العمل بحديث ابن عباس الوارد في القضاء بالصيام عن الميت ، وقال: إ نه أشبه ألا يكون محفوظا. وذلك لأن الزهري قد حدث عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: نذرا ولم يسمه [60] . مع حفظ الزهري وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس.فلما جاء غيره عن رجل عن ابن عباس يغير ما في حديث عبيد الله ، أشبه ألا يكون محفوظا ، فإن قيل أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس وقيل نعم [61] ..

فقد أجيب عن ذلك بأن الظاهر تعدد القصة ، أي أن القصة التي سئل فيها صلى الله عليه وسلم عن الصوم تصريحا ، غير قصة سعد بن عبادة التي سأل فيها عن المنذر مطلقا.ويتأيد ذلك بحديث عائشة في الصحيحين والذي أوردنا في صدر أدلة هذا الفريق.

3-

عن بريدة قال: بينا أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة ، فقالت: يا رسول الله: إني تصدقت على أبي بجارية ، وأنها ماتت. فقال: وجب أجرك وردها عليك بالميراث. قالت: يا رسول الله ، انه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال:" صومي عنها ". قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: " حجي عنها "[62] .

4-

عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن امرأة ركبت البحر فنذرت إ ن نجاها الله أن تصوم شهرا فنجاها الله سبحانه وتعالى ، فل تصم حتى ماتت ، فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تصوم عنها " ورجاله رجال الصحيح [63] .

ص: 308

أما الفريق الثالث: فيرى أن من مات وعليه صيام وقد فرط فيه ، فإنه يصام عنه النذر ويطعم عن صيام رمضان.

وقد قال بهذا الرأي: أحمد وإسحاق ونقل عن ابن عباس [64] .

ومن أهم الأدلة استند إليها هذا الفريق:

1-

ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعيه صيام صام عنه وليه " وقد أشرنا من قبل إلى أنه مروى في الصحيحين. إلا أن موضع الشاهد هنا: أن أبا داود بعد أن ذكر هذا الحديث في سننه عقبه بقوله: هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل [65] .

وهذا القول منه ، تخصيص لعموم الحديث حتى يتفق مدلوله مع الأدلة الأخرى التي نص فيها على أن الميت إ ن كان عليه صيام نذر صام عنه وليه والأصل في النصوص الشرعية العامة أنها تبق ى على عمومها حنى تقوم قرينة تفيد التخصيص.

2-

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ، فقال: " لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ " قال: نعم. قال: " فدين الله أحق أن يقضى " وقد أشرنا من قبل إلى أن هذه الرواية متفق عليها بين الشيخين بنفس اللفظ.

أما رواية ابن عباس الثانية " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إ ن أمي ماتت وعليها صوم شهر. فقال: " أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه؟ " قالت: نعم. قال: " فدين الله أحق بالقضاء ".

ص: 309

وهذه الرواية جاءت في صحيح مسلم بهذا اللفظ إلا أنها عند البخاري - تعليقا - إ ن أمي ماتت وعليها صوم نذر " [66] وفي السنن الكبرى للبيهقي: عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: أن أمي ماتت وعليها نذر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اقضه عنها " [67] . والشاهد هنا ، أن رواية البخاري ، جاءت مبينة لنوع الصوم الذي كان يسأل عنه: وقد أمر بقضائه ، وهو صوم النذر أي أن هذه الرواية بينت الإجمال الموجود في الرواية الأولى عند كل من البخاري ومسلم وأيضا الرواية عند مسلم.

3-

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصح " ولم يصم " أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء ، وإ ن نذر (وإ ن نذر نذرا)(وإ ن كان عليه نذر) قضى عنه وليه [68] وقد أشرنا من قبل إلى هذا القول المنسوب إلى ابن عباس وإلى أن هذا النقل صحيح عنه ، وأوضح أنه موقوف عليه.

ص: 310

المختار:هو رأي الفريق الثالث: الذي يرى ، أن من مات وعليه صيام من رمضان فإنه يطعم عنه. أما ان كان عليه صيام نذر فإنه يقضيه عنه وليه ، وذلك لأنه رواية البخاري التي نص فيها على النذر وكذلك الرواية التي أخرجها البيهقي في قصة سعد بن عبادة وهي صريحة في السؤال عن صيام النذر ، ثم ما روى ابن عباس وعائشة في هذا السبيل كل ذلك يعتبر مبينا للإجمال الموجود في حديث بريدة ، كما أنه بهذا الرأي يمكن الجمع بين كل الدلة الواردة في الموضوع ، والجمع بين الدلة والعمل بها كلها أولى من العمل ببعضها وإهدار بعضها الآخر. كما أنه بهذا القول ، يمكن تفادي ما يترتب على القول الثاني: من دخول النيابة في صيام شهر رمضان وهو عبادة بدنية محضة واجبة من الشارع بخلاف النذر فقد أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدين الذي استدانه والدين تدخله النيابة. ولهذا قال ابن القيم عن هذا الأي: وهذا أعدل القوال وعليه يدل كلام الصحابة وبهذا يزول الإشكال [69] . والله أعلم.

النتائج

1-

لكل مسافر حق الأخذ برخصة الفطر في السفر سواء شهد بداية الشهر مقيما أو حاضرا.

2-

مقدار المسافة التي تتحقق بها رخصة الفطر هي أربعة برد وتقدر الآن بأربعة وثمانين كيلو مترا.

3-

الفطر في السفر رخصة يجوز الأخذ بها ويجوز تركها والصيام عملا بالعزيمة.

4-

الأفضل الفطر لمن يشق عليه الصيام أما من لم يشق عليه فالأفضل في حقه الصيام.

5-

تتحقق رخصة الفطر في كل سفر إلا سفر المعصية ما لم يتب المسافر منها فإن تاب تحققت في حقه.

6-

يبدأ العمل بالرخصة متى تحقق وصف السفر بالشخص مريد السفر ، فمن حقه الفطر قبيل تحركه من دار إقامته إذا كان قد أخذ أهبته للسفر وان كان الأحوط أن يتم ذلك بعد مغادرة البيوت.

ص: 311

7-

من أجمع على إقامة عشرة أيام وجب عليه تبييت نية الصوم وإ ن كان الأحوط تبييت هذه النية لمن أجمع على إقامة أربعة أيام.

8-

من أخذ بالعزيمة وصام في سفره ، فله حق الفطر أخذ بالرخصة في أي وقت شاء.

9-

تنتهي الرخصة إذا وصل المسافر إلى دار إقامته قبيل طلوع الفجر حيث يجب عليه إنشاء نية الصوم فإن وصل بعد طلوع الفجر فإنه يستمر على فطره إلى نهاية اليوم.

10-

من أخذ بالرخصة وافطر فإنه يجب عليه القضاء فيما بين رمضان الذي سافر فيه إلى رمضان التالي سواء كان القضاء مفرقا أو متتابعا وان كان القضاء متتابعا أفضل.

11-

من أخذ بالرخصة وأفطر في سفره فلا يحق له الصيام بنية القضاء عن أيام سابقة عليه من رمضان الفائت.

12-

من شغل عن قضاء ما عليه من رمضان حتى وافاه رمضان التالي ، فإنه يقضيه بعد انتهاء رمضان الحاضر ولا فدية عليه أما من لم يشغل عن القضاء وفرط فيه حتى وافاه رمضان التالي له فإنه يلزم بالفدية مع كل يوم يقضيه عن رمضان السابق.

13-

من شغل عن القضاء حنى مات فإن اتصل عذره بالموت فلا شئ عليه ومن فرط في القضاء فإن كان عليه صيام نذر صام عنه وليه وان كان عن رمضان أطعم عنه عن كل يوم مد من طعام.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

فتح القدير ج2 ص 365 والمجموع ج ص 215 شرح الزرقاني على خليل ج ص 214.

[2]

صحيح مسلم ج 3 ص 16.

[3]

صحيح مسلم ج 3 ص 159 والنسائي ج 4 ص 193 طبعة احياء التراث ببيروت.

[4]

سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ج 3 ص 426.

[5]

تحفة الأحوذي ج 3 ص 426.

[6]

سنن النسائي ج 4 ص 196 ، 197 ، 189.

[7]

سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ج 3 ص 427.

[8]

السنن الكبرى ج 4 ص 259. المجموع ج 6 ص 158.

ص: 312

[9]

السنن الكبرى ج 4 ص 259.

[10]

السنن الكبرى ج 4 ص 259.

[11]

الجوهر النقي ج 4 ص 259 على هامش السنن الكبرى.

[12]

تقريب التهذيب ج 1 ص 471 دار المعرفة - بيروت.

[13]

السنن الكبرى ج 4 ص 258.

[14]

السنن الكبرى ج 4 ص 258.

[15]

السنن الكبرى ج 4 ص 259.

[16]

السنن الكبرى ج 4 ص 260.

[17]

المغني ج 3 ص 158 والزرقاني علي خليل ج 2 ص 215 وفتح القدير ج 2ص 354. والمجموع ج 6 ص 326.

[18]

السنن الكبرى ج 4 ص 258.

[19]

السنن الكبرى ج 4 ص 258 ج 4 ص 244.

[20]

السنن الكبرى ج 4 ص 258 والمصنف ج 4 ص 243.

[21]

السنن الكبرى ج 4 ص 258 والمصنف ج 4 ص 243.

[22]

صحيح البخاري ج 11 ص 53 مع عمدة القارىء.

[23]

المجموع ج 6 ص 260 المحلى ج 6 ص 391.

[24]

المحلى ج 6 ص 391.

[25]

المجموع ج 6 ص 337 ، شرح الرزقاني على مختصر خليل ج 2 ص 215.

[26]

المصنف ج 4 ص 241.

[27]

السنن الكبرى ج 4 ص 253. المجموع ج 6 ص 336 والمصنف ج 4 ص 234 ص 236. الزرقاني على مختصر خليل ج 2 ص 216.

[28]

المجموع ج 6 ص 336. والمصنف ج 4 ص 235.

[29]

المجموع ج 6 ص 336. الزرقاني عن خليل ج 2 ص 216. والمصنف ج 4 ص 234 ، 236 ، 237. والسنن الكبرى ج 4 ص 253.

[30]

صحيح البخاري ج 11 ص 54 مع عمدة القارىء. المجموع ج 6 ص 336. فتح القدير ج 2 ص 354. السنن الكبرى ج 4 ص 253.

[31]

الجوهر النقي مع السنن الكبرى ج 4 ص 252.

[32]

السنن الكبرى ج 4 ص 253.

[33]

سنن أبي داود مطبوعة مع شرحها عون المعبود ج 4 ص 453 والسنن الكبرى ج 4 ص 104..

[34]

المجموع ج 6 ص 341 ، 343 ، والزرقاني على مختصر خليل ج 2 ص 216.

[35]

المجموع ج 6 ص 343.

[36]

فتح القدير للكمال ج 2 ص 358.

ص: 313

[37]

المجموع ج 6 ص 343 ، والزرقاني على مختصر خليل ج 2 ص 216 ، والسنن الكبرى ج 4 ص 254.

[38]

السنن الكبرى ج 4 ص 204. وسنن الترمذي ، ولفظه عنده: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا ج 3 ص 405 مع شرحه تحفة الأحوذي.

[39]

السنن الكبرى ج 4 ص 254.

[40]

المجموع ج 4 ص 254.

[41]

الجوهر النقي على السنن الكبرى ج 4 ص 2654.

[42]

سنن ابن ماجه ج 1 ص 534.

[43]

حاشية السندي على ابن ماجة ج 1 ص 534. وسنن الترمذي ج 3 ص 407 مع شرحه تحفة الأحوذي.

[44]

المصنف ج 4 ص 237.

[45]

المصنف ج 4 ص 237.

[46]

المصنف ج 4 ص 237 ، 239

[47]

فتح القدير ج 2 ص 354.

[48]

فتح القدير ج 2 ص 357.

[49]

المجموع ج 6 ص 342.

[50]

المغني ج 3 ص 152. المجموع ج 6 ص 343. السنن الكبرى ج 4 ص 255. المصنف ج 4 ص 239.

[51]

صحيح مسلم ج 3 ص 155. صحيح البخاري ج 11 ص 58 مع شرحه عمدة القارىء.

[52]

السنن الكبرى ج 4 ص 257.

[53]

السنن الكبرى ج 4 ص 257.

[54]

الجوهر النقي ج 4 ص 257 على السنن الكبرى. ومشكل الآثار للطحاوي ج 3 ص 42 طبعة الهند

[55]

صحيح مسلم ج 3 ص 156. صحيح البخاري مع شرحه عمدة القارىء ج 11 ص 61.

[56]

صحيح مسلم ج 3 ص 155 وأشار إليه البخاري ج 11 ص 64 مع شرحه عمدة القرىء إلاأنه قد جاء في هده الرواية عند البخاري وفي السنن الكبر بلفظ " وعليها صوم نذر " السنن الكبرى ج 4 ص 256 والبخاري ج11 ص 64 مع شرحه عمدة القارىء.

[57]

السنن الكبرى ج 4 ص 257.

[58]

السنن الكبرى ج 4 ص 257.

[59]

الجوهر النقي ج 4 ص 257 على السنن الكبرى ج 4 ص 257 ، ومشكل الآثار للطحاوي ج 3 ص 141.

ص: 314

[60]

يشير بذلك إلى حديث ابن عباس " إ ن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إ ن أمي ماتت وعليها نذر. فقال: " اقضه عنها ". السنن الكبرى ج 4 ص 256.

[61]

السنن الكبرى ج 4 ص 256. الام ج 2 ص 90 طبعة الشعب.

[62]

صحيح مسلم ج 3 ص 156.

[63]

السنن الكبرى ج 4 ص 256 ، ومشكل الآثار للطحاوي ج 3 ص 140 طبعة الهند.

[64]

المغني ج 3 ص 152. والمجموع ج 6 ص 343. والسنن الكبرى ج 4 ص 255.

[65]

سنن أبي داود ج 7 ص 40 ، 41 مع شرحه عون المعبود.

[66]

صحيح البخاري ج 11 ص 64 مع شرحه عمدة القارىء.

[67]

السنن الكبرى ج 4 ص 256.

[68]

سنن أبي داود مع شرحها عون المعبود ج 7 ص 36.

[69]

من تعليقه على سنن أبي داود ج 7 ص 37 مع شرحها عون المعبود.

ص: 315

قل ولا تقل

للشيخ ضياء الدين الصابوني

الموجه التربوي للغة العربية بالجامعة الإسلامية

1-

سَقَط

سِقْط المتاع

السقَط: بفتحتين رديء المتاع.

والسَّقط أيضا الخطأ في الكتابة والحساب.

قال الشاعر قطري بن الفجاءة:

وما في الموت خير في حياة

إذا ما عُدّ من سقط المتاع

والسقط - بالتحريك -: ما أسقط من الشيء، وما لا خير فيه، ج أسقاط. اهـ القاموس 2 ص580.

2-

فُوَّهة:

فَوْهة

فُوّهة الوادي - فُوَّهة البركان.

وأفواه الأزقة والأنهار واحدتها: فوهة: بتشديد الواو.

يقال: اقعد على فوّهة الطريق.

3-

في الوقت نفسه

في نفس الوقت

كلمة نفس من التوكيد المعنوي تأتي بعد المؤكد، فمن الخطأ الشائع أن تقول: جاء في نفس الوقت، وإنما تقول: في الوقت نفسه.

4-

جاء الناس كافة

جاء الكافة، أو كافة الناس

كافة لا تستعمل إلا مجردة من أل والإضافة منصوبة على الحال.

قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة} .

ولا يقال: جاء الكافة لأنه لا يدخلها أل، ولا تضاف. اهـ قاموس 2/197.

وجاء الناس كافة: منصوب على الحال. اهـ مصباح 536.

5-

عَنان: بالفتح

عِنان السماء.

بلغ عنان السماء: أي ما ظهر منه إذا ما نظرت إليها.

والعنان كالسحاب: وزنا ومعنى، الواحدة (عنانة) بالهاء، وبالكسر: اللجام الذي تمسك به الدابة: جمع أعنة.

يقال: جاءنا نبأ من عِنانه: إذا قضى وطره.

"وهمت الفتنة أن تنطلق بغير عِنان في طريق لا تُعرف عقباه"عبقرية الصديق ص29.

6-

الأكْفَاء.

الأكِفاء.

الأكفاء: جمع كف، وهو المثيل والنظير.

تقول: فلان من الأكفاء النابهين، ومثله الأكفياء.

والمصدر الكفاءة: بالفتح والمد.

ص: 316

أما قولهم: الأكفّاء بالتشديد فجمع كفيف، وهو الفاقد البصر، وهذا خطأ شائع، تسمعه في الإذاعة والتلفاز (الرائي) كثيرا.

ومعهد النور يخرّج الأكفّاء الأكفياء.

7-

شَعاعا: بالفتح

نفسه شُعاعا.

شَعاع - بالفتح -: تفرق الدم وغيره، يقال: دم شعاع.

طارت نفسه شَعاعاً ذهبت متفرقة في كل وجهة.

قال قطري بن الفجاءة:

أقول لها وقد طارت شَعاعا

من الأبطال ويحك لن تُراعي

وذهبت نفسه أو قلبه شَعاعا: تفرقت هممها وآراؤها فلا تتجه لأمر جزم.

وذهبوا شَعاعا: متفرقين.

8-

أفاض في الحديث.

أفاض الحديث

هذا الفعل لا يستعمل متعديا، وإنما يقال: أفاض الناس من عرفات، وأفاضوا في الحديث: اندفعوا فيه، وفي القرآن الكريم:{إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} ، وفاض الخير يفيض (واستفاض) أي شاع، وهو حديث (مستفيض) أي منتشر بين الناس، ولا تقل (مستفاض) .

9-

المَصِيف

المَصْيَف.

المصيف: مكان الإقامة في الصيف، ج مصائف.

والمصطاف: المصيف، مكان الاصطياف، المكان الذي تصيف فيه.

قال الصمة القشيري:

بنفس تلك الأرض ما أطيب الربا

وما أحسن المصطاف والتربّعا!

وقال الأمير عبد الله الفيصل:

أين المصيف وأيام به سلفت

وأين يا طير أحبابي وخلاني؟

والطائف: مصيف مكة، و (أبها) مصيف جميل.

لله أيام بأبها حلوة

موّت بنا كنسائم الأسحار

10-

طَوال

طيلة.

قل: طَوال الدهر: مدى الدهر وطوله، وفي القاموس: الطَّوال: كسحاب: مدى الدهر.

الطيلة - بالكسر - العمر، نقول: أطال طيلتك: أي عمرك.

قال الشاعر الأندلسي ابن خفاجة يصف جبلا:

وقور على ظهر الفلاة كأنه

طَوال الليالي مفْكِر في العواقب

11-

سِداد: بالكسر

سَداد ثغر.

سِداد القارورة والثَّغر: موضع المخافة بالكسر ليس غير.

ص: 317

كل موضع قريب من أرض الأرض يسمى (ثغرا) كأنه مأخوذ من الثُّغرة وهي الفرجة في الحائط (معجم البلدان) .

قال الشاعر العرجي:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسِداد ثغْر

والسَّداد: بالفتح: الصواب وزنا ومعنى.

وأما سِداد القارورة والثغر فبالكسر فقط، وسِداد من عوز وعيش: لما يسدّ به الخَلة. القاموس ج2 ص538.

قصة النضر مع المأمون:

حدّث النضر بن شُميل قال:

كنتُ أدخل على المأمون في سمره، فدخلت عليه في ليلة، فدار الحديث على ذكر النساء، فقال المأمون: حدّث هشام عن مجاهد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عوز"(فأورده بفتح السين)، قلت: صدق يا أمير المؤمنين هشا؛ حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن عليّ كرم الله وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سِداد من عوز". وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا وقال:

يا نضر كيف قلت: سِداد؟

فقلت: نعم؛ لأن السَّداد هنا لحن.

قال: أو تلحنني؟

قلت: إنما لحن هشام، وكان لحانا، فتبع أمير المؤمنين لفظه.

قال: فما الفرق بينهما؟

قلت: السداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، وبالكسر: البُلغة، وكل ما سددت به شيئاً فهو سِداد.

قال: أو تعرف العرب ذلك؟

قلت: نعم، هذا العرجي يقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسِداد ثغْر

قال المأمون: قبح الله من لا أدب له.

وأطرق مليا ثم قال: ما حالك يا نضر؟

قلت: أريضة لي بمرو وأتصابّها وأتمزرها (أشرب صبابتها) .

قال: أفلا أفيدك مالا معها؟

قلت: إني إلى ذلك لمحتاج.

قال: فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال:

كيف تقول في الأمر من أن يترب الكتاب؟ قلت: أتربْه.

قال: فمن الطين؟ قلت: طنْه.

ص: 318

قال: فما هو؟ قلت: مَطين [1] .

قال: هذه أحسن من الأولى.

ثم قال: يا غلام تبلّغ به إلى الفضل به سهل.

قال: فلما قرأ الفضل الكتاب، قال: يا نضر إن أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب؟ فأخبرته ولم أكذبه.

قال: لحّنتَ أمير المؤمنين، قلت: كلا! إنما لحن هشام.

ثم أمر لي الفضل من خاصة ماله بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألفاً بحرف استفيد مني.

فتأمل يا أخي عنايتهم باللغة وحرصهم عليها؛ لأنها لغة القرآن، وتصور أدب النضر الذي قال: إنما حلن هشام، ولم ينسب اللحن للخليفة، وهذا غاية في الذوق والأدب.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

طان كتابه: ختمه بالطين، فهو (مطين) اسم مفعول.

ص: 319

أصول المفاسد في الأرض

للشيخ أبي بكر الجزائري

رئيس قسم التفسير بالجامعة

قال تعالى:

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33) .

وبعد.

فإن أصول المفاسد في الأرض الستة المذكورة في هذه الآية الكريمة، وهي:

1-

2- الفواحش الظاهرة، والباطنة.

3-

الإثم.

4-

البغي بغير الحق.

5-

الشرك بالله.

6-

القول على الله تعالى بدون علم.

إن الفساد في الأرض عامته ناشئ عن هذه المفاسد الستة التي تضمنتها هذه الآية المباركة الكريمة، ومن هنا كان على المصلحين أن يبتدئوا دعوتهم الإصلاحية بمحاربة هذه المفاسد الستة والقضاء عليها؛ فإن هم نجحوا في ذلك فقد نجحوا فيما عداه، والله المستعان.

شرح الآية:

بين يدي تفسير هذه الآية ينبغي أن يُعلم أمران: الأول أن التشريع بمعنى وضع قوانين يكمل بها الإنسان ويسعد عليها في بدنه وروحه وفي كلتا حياته الأولى والآخرة؛ هذا التشريع خاص بالله تبارك وتعالى وحق له دون غيره؛ لأنه رب الإنسان والعليم بما يضره وما ينفعه، ويدخل ضمن التشريع التحليل والتحريم؛ فليس من حق أحد غير الله تعالى أن يحرم على الإنسان أو يحلل له؛ إذ هذا من شأن الرب المربي، ومن مقتضيات التربية الشاملة للروح والجسد.

ص: 320

ومن هنا أنكر الله تعالى على المشركين ما حللوا أو حرموا من الأنعام ركوبا وأكلا وانتفاعا، والزينة من اللباس وغيرها لبسا وتجملا، فقال تعالى منكرا عليهم:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} ؟ وهو الأمر الثاني، وقد تضمن سبب نزول هذه الآية فساعد على فهم معناها والحمد لله.

إنه لما أنكر تعالى على أهل الجاهلية ما حرموه بدون علم، وهو نافع غير ضار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم ما حرمه تعالى على عباده لما فيه من الضرر والشر والفساد، فقال:{إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ..} الخ لا ما حرمتموه أنتم بأهوائكم بدون علم.

وصيغة القصر الدال عليها حرف (إنما) لا تعني أن الله تعالى لم يحرم غير ما ذكر بعدها، وإنما تعني أن ما حرمه المشركون ليس حراما وإنما الحرام ما حرمه الله تعالى، كما أنه بالنظر إلى أن ما حرمه تعالى في هذه الآية يعتبر أصولا للمفاسد يدخل تحتها كل فساد وشر، كان كأنما المحرم كله محصور في هذه المحرمات الستة، فهذا وجه القصر في الآية.

شرح الكلمات:

- {حَرَّمَ} : يقال حرم الشيء يحرمه إذا حضره ومنعه فلم يأذن فيه.

- {الْفَوَاحِشَ} : جمع فاحشة، وهو الفعلة أو الخصلة الذميمة القبيحة التي اشتد فحشها وقبح، وأعظم الفواحش: فاحشة الزنا واللواط، وقريب منها البخل، وسؤال غير المحتاج للتكثر.

- {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} : أي فهي محرمة سواء ما فعل منها سرا أو جهرا، خفية أو علانية.

ص: 321

- {الإِثْمَ} : كل ضار فاسد من اعتقاد أو قول أو عمل، فمتى وجدت في الشيء صفة الضر أو الفساد فهو إثم، وقد يكون الشيء ضارا غير فاسد كالإسراف في الأكل والشرب، وقد يكون فاسدا غير ضار كالتبذير للمال، وقد يكون ضارا وفاسد في آن واحد كالغيبة والنميمة وكثير من المحرمات، كالسرقة والخيانة وخلف الوعد والغش والحسد والرياء والكبر مثلا.

- {الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} : الاعتداء على الغير، وذلك بمجاوزة المرء حقه إلى حق غيره، أو ما هو له إلى ما هو لغيره من سائر الحقوق والأمتعة والمنافع.

وهو بمعنى الظلم؛ إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه والبغي منه، إلا أن الظلم لا يقيد بلفظ (بغير الحق) كما قيد البغي به؛ إذ لا ظلم يكون بحق بخلاف الاعتداء فقد يكون بحق، كمن اعتدى على إنسان بأخذ ماله؛ فإن له أن يعتدي عليه بأخذ ما أخذ منه قال تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .

- {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ} : أي تجعلوا له شركاء من الخلق تعبدونهم معه أو دونه، وذلك بدعائهم والذبح والنذر لهم، وتعظيمهم بالحلف بهم، والرغبة فيهم والرهبة منهم، أو بطاعتهم بقبول ما يشرعون لكم من تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم.

- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} : السلطان الحجة والبرهان، التي يذعن لها الإنسان ويسلم بالحق من أجلها.

ص: 322

ولا يدل هذا القيد في تحريم الشرك أن الله تعالى قد يأذن في الشرك به أو يأمر به، فينزل بذلك قرآنا يتلى فيشرك به عندئذ، لا، لا! وإنما هذا من باب فرض المحال؛ لأن الشرك من أبطل الباطل وأمحل المحال، فكيف ينزل الله تعالى حجة تبيحه، أو سلطانا يجيزه به، وإنما هو من باب التنزل مع الخصم فقط، أي: لو كان الله تعالى قد أذن في الشرك لما عبنا عليكم شرككم ولما أنكرناه عليكم، وعلى سبيل المثال نقول: إنه لما أذن الله تعالى في تقبيل الحجر الأسود بالكعبة قبله الموحدون ولم ينكر عليهم؛ لأن الله تعالى أذن فيه، وهذا سر الإتيان بقيد: ما لم ينزل به سلطانا؛ إذ العبادات أغلبها غير معقولة المعنى، وإنما تفعل بأمر الله تعالى بها وإذنه فيها، فإذا كان هناك حجة من كتاب أو سنة على قول أو عمل صح قوله أو عمله وإن تصور بصورة الشرك لوجود الإذن فيه، وقيام الحجة عليه.

- {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} : القول على الله هو الكذب عليه عز وجل، بنسبة شيء إليه هو بريء منه، فكل من قال: قال الله تعالى كذا، أو حرم كذا، أو لله تعالى كذا، أو صفة الله تعالى كذا، أو كره الله كذا أو أحب كذا، والله عز وجل لم يقل ولم يحرم، ولم يكن له ذلك ولم تكن تلك صفته، ولم يكره ولم يحب ما نسب إليه كرهه أو محبته؛ فقد قال على الله تعالى ما لم يعلم، وكذب على الله عز وجل، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا؟

معنى الآية الكريمة:

ص: 323

لما ادعى المشركون تحريم بعض ما أحل الله عز وجل لعباده من الزينة، والطيبات من الرزق أنكر الله تعالى ذلك عليهم، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا لهم مبينا ما حرم الله تعالى على عباده من المعتقدات والأفعال والأقوال لضررها وفسادها، وهي سائر الفواحش: وهي كل ما قبح واشتد قبحه من اعتقاد الباطل وقوله وفعله كالكفر والكذب والزنا، وكل قبيح فاحش القبح، وسواء في ذلك ما أعلنه فاعله أو ستره وأخفاه، والإثم: وهو كل ما كان فاسدا ضارا من اعتقاد أو قول أو عمل فيندرج تحته كل ما حرم الله تعالى من المعتقدات الباطلة والأقوال السيئة والأعمال الفاسدة، والبغي: هو الاعتداء على الناس في أجسامهم أو أعراضهم أو أموالهم، بغير حق يسوغ ذلك الاعتداء ويجوزه.

والشرك بالله تعالى: وهو اعتقاد وجود من يكون مثل الله تعالى، أو يشبهه في ذاته أو صفاته أو أفعاله، كما هو - أي الشرك بالله تعالى - عبادة غير الله تعالى معه بأن يدعو من يعتقد أنه يجلب له نفعا أو يدفع عنه شرا، أو يستغيث به عند الشدة، أو يستعيذ به عند الخوف، أو يتقرب إليه بذبح أو نذر أو ركوع أو سجود، أو يعظمه بحلف أو بطاعة في غير طاعة الله تعالى بأن يحل له الحرام فيحله، أو يحرم عليه الحلال فيحرمه إلى غير ذلك من صرف العبادات له.

والقول على الله تعالى بدون علم بأن ينسب إلى الله تعالى ما نفاه عن نفسه من الزوجة والولد والشريك، أو ينسب إلى الله تعالى قولا لم يقله، أو عمل لم يعمله أو يصفه بصفة لم يكن تعالى متصفا بها، ومن ذلك أن ينسب إليه شرعا لم يشرعه، أو تحريم شيء لم يحرمه، أو تحليل شيء لم يحلله.

ص: 324

وكل هذا يدخل تحت الكذب على الله تعالى، ومن أكبر أنواع الظلم حتى إنه لا يوجد أظلم ممن يفتري الكذب على الله، قال تعالى في غير آية:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} ؟ والاستفهام هنا للإنكار والنفي معا، أي ينكر تعالى نافيا أن يكون هناك بين الناس من هو أشد ظلما ممن يكذب على الله عز وجل.

هداية الآية:

إن لكل آية من كتاب الله تعالى وإن قصرت هداية خاصة بها تحملها لأهل الإيمان والتقوى، وهداية هذه الآية المباركة الكريمة تتلخص فيما يلي:

1-

التحريم والتحليل ووضع الشرائع التي يكمل بها الإنسان ويسعد عليها من حق الله تعالى، وليس من حق أي أحد، والرسول وإن حرم أو حلل فإنما يحرم ويحلل بإذن ربه تعالى.

2-

بيان أصول المفاسد وأمهات الذنوب: هي الكذب على الله تعالى، والشرك به عز وجل، والبغي بغير الحق، والإثم وعلى رأسه الخمر وسائر المخدرات، والفواحش وعلى رأسها فاحشتي الزنا واللواط.

والدعوة إلى ترك هذه المفاسد ومقاومتها، وتطهير المجتمع الإسلامي والإنساني منها إذ لا فلاح معها ولا فوز في الدنيا ولا في الآخرة والعياذ بالله تعالى.

3-

الدعوة إلى أن تحل محل هذه المفاسد أصول الإصلاح المضادة لها، وهي التوحيد بعبادة الله تعالى وحده بحيث لا يبقى أي مظهر من مظاهر الشرك بين الناس فتتحد القلوب وتتحد الأعمال والغايات والأهداف، وتسير البشرية إلى كمالها التي خلقت مستعدة له، وإلى سعادتها التي ما برحت تنشدها طوال الحياة.

كما هي الاستقامة على طاعة الله ورسوله فعلا وتركا، أداء للواجبات والسنن واجتنابا للمحرمات والمكروهات، إلى جانب إقامة الحدود، ورفع علم الجهاد رفرافا عاليا، وغازية تخرج وأخرى تعود إلى أن يعبد الله وحده دون من سواه، ويتم تحرر الناس كل الناس من جور السلطان وعسف الطغيان وعبادة الشيطان، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله!!.

ص: 325

ما في الآية من أحكام:

لقد تضمنت الآية الكريمة حكما شرعيا واحدا، وهو تحريم الفواحش والإثم والبغي بغير الحق والشرك بالله تعالى والقول على الله بدون علم، وهي أصول المفاسد كلها.

هذا، وإن واجب المسلم - كي تتم استقامته على منهاج الله فيكمل ويسعد - أن يتعلم ويُعلّم ويدعو إلى ذلك بقوله وعمله، وهذا هو جهاد النفس، الذي هو فرض عين على كل فرد من أفراد أمة الإسلام، وليس في استطاعة الفرد المسلم أن يبلغ الكمال إلا عليه، كما ليس في إمكان أمة الإسلام أن تنهض من كبوتها وتتخلص من محنتها إلا بالتزام هذا المبدأ، مبدأ جهاد النفس بالعلم والتعلم والدعوة إلى ذلك.

وأنت أيها القارئ الكريم وقد عرفت ضرورة الالتزام بمبدأ العلم والتعليم والدعوة، فهل يراك ربك تعالى بعد علمك هذا ناهضا بهذا الواجب قائما بهذا الجهاد إزاء نفسك؟ اللهم حقق لي وله ذلك؛ إنك على كل شيء قدير.

ص: 326

وا إسلاماه..!

وصلت الرسالة التالية من سيدة يعمل زوجها في العاصمة الإندونيسية جاكارتا.

ونقدم الرسالة كما هي بعد حذف الفقرة الأولى وهي المتضمنة السلامات والتحيات:

التحقت بنتي بالمدرسة الباكستانية.. وهي المدرسة المسلمة الوحيدة هنا لتعليم الأجانب اللغة الإنجليزية؛ لأن الحكومة هنا لم تصرح بفتح مدارس إسلامية كثيرة، ولكنها أعطت تصريحا بفتح ألفي مدرسة تبشيرية للدمسيكو التابع للفاتيكان، رغما عن أن عدد سكان إندونيسيا حوالي 120 مليون نسمة، 95% منهم مسلمون، و5% ديانات أخرى منها البوذية وهي الأغلبية، ومنهم عبدة النار وحوالي 1% منهم مسيحيون.

ولا تتخيلي هنا شرطا من شروط إنشاء هذه المدارس هو أن تكون الإدارة وهيئة التدريس من المسيحيين التابعين للكنيسة، والصليب معلق فوق كل سبورة في كل فصل لتثبت صورة التبشير وبشدة.

وهنا - في جاكارتا - وبسهولة شديدة يشترون الناس إما بالأرز حيث ترتفع نسبة البطالة وخاصة أن الأمطار هذا العام لم تهطل..

وتمر إندونيسيا بموسم جفاف شديد، وهذا الأمر غير معتاد في هذا الوقت من السنة حيث كانت تهطل الأمطار مرتين أو ثلاثا في اليوم، ولمدد تصل في الغالب ما بين ساعتين وثلاث ساعات في المرة الواحدة.. والزرع يجف من قلة المطر وشدة حرارة الجو والشمس حارقة، يعني الناس يمرون بمحنة وحملات بلا رحمة لشراء النفوس.. تجدين الشخص مثلا منهم يحمل ورقة فيما يشبه بالبطاقة الشخصية ولكنها تصريح له للخروج من محافظته إلى المنطقة التي يرغب الانتقال إليها..

تجدين ديانته مدونة كالآتي (مسلم - مسيحي – كاثوليك) وهذا دليل على الضغط الذي يواجهه..

ص: 327

لا يوجد رزق في مقابل وعود بعمل في شركة للبترول ومال وفير أو أن يتغاضوا عن طفل من أطفالهم مقابل تعليمه وإعطائه الأرز الكافي لحياته، حيث هو عماد حياتهم هنا يأكلونه ثلاث مرات يوميا، وفي مقابل هذا العطاء والعلاج المجاني حيث هنا العلاج باهظ ولا تجد مستشفيات مجانية لغير القادرين، وطبعا القادرون هنا فقط الجنس الصيني أي الصينيون الذين استقروا هنا وأصبحوا من الثراء بحيث يمسكون بزمام البلاد في أيديهم وجميعهم مسيحيون، أما الإندونيسي فهو فقير مقهور حتى الذي يحظى بقدر من المال فهو مسكين أمام الأخطبوط الصيني الذي يستطيع أن يمحقه ويعلن تفليسه في دقائق؛ لأن زمام التجارة والاقتصاد هنا في يد الصينيين، نجدين الشخص منهم يمتلك ثلاثة قصور في أنحاء متفرقة وسيارات وخدما وحشما.. ويحولون أموالهم على الفور للخارج خشية ثورة الشعب عليهم.. ولا توجد هنا شغالة مسيحية كلهن مسلمات فقط، وتتفشى الأمراض الخليقة حيث يأمر صاحب المنزل الخادمة بأن تقيم في نفس غرفة الخادم أو السائق أو جميعهم في غرفة واحدة.. وإذا رفضت تطرد ويقفل أمامها باب الرزق.. وأما إغراء الهدايا والأموال التي تغدق في سبيل تنصيرهم يضعف إيمان البعض.. وأي ضعف.. فليغفر الله لهم ويرحمهم ويعز الإسلام والمسلمين.

ونحن هنا نحاول مقاومة هذا ببث روح الإسلام وإحيائه في نفوس الناس الذين نخالطهم، والله في عوننا جميعا

(الرياض)

تعليق:

هذه رسالة تحمل أخبارا تتقطع لها نياط القلوب أسى وحسرة، وإلى الله عز وجل وحده اللجأ والضراعة من خالص قلوبنا أن يجمع شتات المسلمين ويوحد شملهم ويربط على قلوبهم ليدحروا أعداء الله ويعلو كلمة الحق خفاقة في دروب العالمين.

(مجلة الجامعة الإسلامية)

ص: 328

أخبار الجامعة

إعداد إدارة العلاقات العامة بالجامعة

الندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة

استضافت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ندوة عمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة في اللقاء الرابع لأعمال هذه الندوة، وذلك في المدة من يوم الاثنين 26 ربيع الأول 1403هـ إلى يوم الخميس 29 ربيع الأول 1403هـ.

وجاءت ندوة عمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة التي بدأت أو لقاءاتها في جامعة الملك عبد العزيز بجدة في المدة من 28 إلى 30 من المحرم 1400هاستجابة طبيعية لإدراك أهمية الدور التربوي لعمادات شؤون الطلاب وأهميته في إعداد الطالب الجامعي، وتوالت أعمال هذه الندوة عبر السنوات فكان اللقاء الثاني في جامعة البترول والمعادن بالظهران في المدة من 15 إلى 17 صفر 1401هوكان اللقاء الثالث في جامعة الملك سعود بالرياض في الفترة من 22 إلى 26 ربيع الأول 1402هوكان اللقاء الرابع لهذه الندوة في الجامعة الإسلامية هذا العام من 26 إلى 29 ربيع الأول 1403هاستكمالا لما بدأته في أول لقاءاتها في جامعة الملك عبد العزيز.

وقائع الندوة الرابعة:

كان موضوع (الإسكان الطلابي: الواقع والتطلعات) هو الموضوع الذي حددته الندوة للبحث في اللقاء الرابع الذي تم في الجامعة الإسلامية.

حفل الافتتاح:

ص: 329

بحضور سعادة الدكتور محمود محمد سفر وكيل وزارة التعليم العالي نائبا عن معالي الوزير الشيخ حسن آل الشيخ، وتحت رعاية سعادة الشيخ سعد الناصر السديري وكيل إمارة المدينة المنورة أقيم حفل الافتتاح للندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة مساء يوم الخميس 26 ربيع الأول 1403هفي قاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة الإسلامية، وحضر الحفل معالي الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى، وفضيلة الدكتور عبد الله الصالح العبيد نائب رئيس الجامعة الإسلامية، ووفود من عمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة تضم العمداء ووكلاءهم وعددا من العاملين في عمادات شؤون الطلاب.

بدأ الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم بعدها ألقى الدكتور عبد الله الصالح العبيد نائب رئيس الجامعة الإسلامية الكلمة التالية:

كلمة الجامعة الإسلامية للدكتور عبد الله الصالح العبيد/ نائب رئيس الجامعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سعادة الشيخ سعد الناصر السديري وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة.

معالي الشيخ راشد الراجح مدير جامعة أم القرى.

سعادة الدكتور محمود سفر وكيل وزارة التعليم العالي.

الإخوة عمداء شؤون الطلاب بجامعات المملكة.

أيها الإخوة الحضور.

أرحب بكم في هذه الجامعة، وفي هذه الأرض الطبية، وأشكر لكم هذه المشاركة.. وإذا كان لي كلمة في هذه المناسبة فإنها لا تختلف عما سمعه الكثير منا في الندوات التي عقدت في كل من جامعة الملك عبد العزيز وجامعة البترول والمعادن وجامعة الملك سعود، إلا أن للمكان الذي نجتمع فيه وللمدينة التي نعيش في رحابها هذا اليوم شيئاً يستحق منا الوقفة والتعليق.

ص: 330

أيها الإخوة نعيش اليوم في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعود بنا الذكريات إلى تلك الأيام الأولى حينما احتضنت هذه المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقامت بعد ذلك بنشر دعوته.

في هذه الرحلة الذهنية نتذكر المجتمع الأول للمدينة فنتذكر الصُّفة وأهل الصفة الذين يمكن أن يكونوا أول مجتمع طلابي أو سكن جماعي في تاريخ التربية الإسلامية، من ذلك المكان انطلقت الدعوة الأولى، من ذلك المكان حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على أكتاف أولئك الرجال قامت دعوة الإسلام فانتشرت في أرجاء المعمورة أناس التقوا من كل حدب وصوب لينهلوا من المعرفة القرآنية، ومن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم أخذوا ما يسّر الله لهم فانطلقوا بذلك إلى أرجاء الأرض فمكن الله لهم، ونحن نعيش الآن على تلك الذكريات.

وفي هذا اللقاء نجتمع في الجامعة الإسلامية؛ هذه اليد البيضاء التي أسدتها المملكة العربية السعودية للعالم الإسلامي، فالتقى بها المسلمون من كل جانب لينهلوا من المعرفة، حيث العقيدة الصافية، والسلوك الإسلامي المستقيم، ليعودوا إلى قومهم - إن شاء الله - مبشرين بالخير، ومنذرين من الشر، ولا تختلف الجامعة الإسلامية عن غيرها من جامعات المملكة في التعامل مع الطلاب إلا أنها تعطي عناية أكثر نتيجة للخلفيات المتباينة التي يأتي منها هؤلاء الطلاب.

ونرجو أن يكون في هذه اللقاء ما يعيننا في هذه الجامعة على أن نسير بها السيرة المثلى، وأن تحقق - من خلالها - حكومتنا - وعلى رأسها جلالة الملك وفقه الله ورجال الدولة المخلصون - ما يصبون إليه من رفعة الإسلام وإعزاز المسلمين.

ص: 331

ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشكر لتلك الجامعات التي استضافت هذه الندوة في المرات السابقة، وأستميحكم العذر عن أي تقصير حصل أو يحصل في هذه الندوة إلا أن الجامعة تضع بين أيديكم ما توصلت إليه من برنامج يمكن أن يكون مسودّة عمل، وهو قابل للتعديل فيما ترون أنه يحتاج إلى تعديل.

أيها الإخوة: أشكركم، وأتمنى لكم التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة عميد شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود

ثم ألقى سعادة الدكتور محمد ناصر الوهيبي عميد شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود والأمين العام السابق للندوة الثالثة الكلمة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وبعد:

فإني أمقت الإطالة، ولكن لا بد مما ليس منه بد، فأنا كما قال أخي مقدم البرنامج (الأمين العام السابق) للندوة، وأحمد الله على أن الأمانة ستنتقل إلى أيد أمينة في رحاب طيبة الطيبة، وكما كان الشأن لنا مع ندوتين سابقتين - أولاهما في جامعة والثانية في جامعة البترول والمعادن - نجد من الضرورة أن نبين للإخوة أن هذه الندوات لم تأت من فراغ، بل إنها جاءت نتيجة لبذل في الجهد والوقت والمال؛ إذ كانت عمادات شؤون الطلاب قد أخذت على عاتقها النهوض بما من شأنه توفير الرعاية للطلاب والطالبات.

وقد تحقق لنا من خلال اللقاءات المتعددة أن نحدد الأهداف المرجوة من إقامة تلك الندوات نذكرها على سبيل الإيجاز:

1-

تبادل الأفكار والخبرات حول العمل في المجالات الطلابية.

2-

تحقيق التعاون في مجالات الأنشطة وتبادل الزيارات.

3-

التعرف على مشكلات العمل واقتراح الحلول المناسبة لمواجهتها.

4-

تعدد اللقاءات بين المسؤولين في المعمادات للوصول إلى منهج مشترك.

5-

الحرص على توحيد اللوائح والهياكل التنظيمية بين العمادات لنصل إلى ما نريده من خير للطلاب في ظل عقيدتنا الإسلامية.

ص: 332

وكما قلت فإن الندوة الثالثة التي تشرفت بأمانتها كانت امتدادا طبيعيا لندوتين رائدتين: الندوة الأولى ونظمتها جامعة الملك عبد العزيز، والندوة الثانية ونظمتها جامعة البترول والمعادن.

لقد تحقق الكير من الإنجازات ليس فقط في مجال التوصيات، وإنما أيضا في مجال الأنطشة المشتركة وتبادل الخبرات، ورفع مستوى الأداء وتحقيق الكثير في مجال الرعاية والخدمات، وقبل كل هذا وبعده فقد أخذت العمادات مكانتها الجديدة بها على كل المستويات.

وفي جامعة الملك سعود التي عقدت فيها الندوة الثالثة كانت هناك التوصية الخاصة بتوحيد الهياكل التنظيمية واللوائح، وبخصوص هذه التوصية:

فقد تم إنجاز مشروعات لوائح محددة منها:

أ- اللائحة الموحدة لعمادات شؤون الطلاب.

ب- لائحة الهيكل النتظيمي.

ج- لائحة الإسكان الطلابي.

د- لائحة تشغيل الطلاب.

هـ- لائحة تأديب الطلاب.

وبشأن التوصية الخاصة بالوضع الوظيفي والمعاملة المالية للعاملين بالعمادات، وتنفيذ برامج تدريبية لهم:

شكلت لجنة تضم سعادة وكيل وزارة التعليم العالي وعمداء شؤون الطلاب، ورفعت توصياتها لمعالي وزير التعليم العالي:

أ- توفير الإمكانات البشرية والمالية لقطاع الرعاية الطلابية، وإعطاؤه أولوية على باقي القطاعات.

ب- تعزيز البند 254 الخاص بالنشاط الثقافي والرياضي وتعميمه على جميع الجامعات.

ج- إصدار الإدارة العليا للجامعات توجيهاتها للكليات والمعاهد للتعاون مع عمادات شؤون الطلاب والمشاركة في أنشطتها لتحقيق رسالة الجامعة التربوية والتعليمية.

د- تقديم مكافأة مادية ومعنوية لكل عضو هيئة تدريس يشارك في النشاط الطلابي مع تخفيف العبء الأكاديمي عنه بما يناسب مع مسؤوليته في النشاط.

هـ- معاملة العاملين في الأنشطة والرعاية الطلابية في الجامعات معاملة زملائهم في الرئاسة العامة لرعاية الشباب من حيث البدلات.

ص: 333

و قيام تنسيق بين وزارة التعليم العالي وديوان الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة لتدريب العاملين مع إيجاد حواز لهم.

ز- قيام معالي وزير التعليم العالي باستصدار توجيه من المقام السامي إلى وزارة المالية يدعم ميزانيات عمادات شؤون الطلاب والتجاوب مع طلباتها.

- وفي مجال التوصيف الوظيفي للعاملين بعمادات شؤون الطلاب ويشمل مسميات الظائف والمراتب ووجبات كل وظيفة والشروط الواجب توافرها فيمن يشغل الوظيفة، ورفع هذا التوصيف إلى ديوان الخدمة المدينة والجهات المسؤولة لإقراره.

في مجال هذه التوصية الخاصة بالتوصيفك كلَّف الأمين العام للندوة لجنةً من الأساتذة المتخصصين في الإدارة العامة بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود بإعداد دراسة حول الموضوع، وقد قامت اللجنة بالدراسة المطلوبة وقدمت تقريرها إلى الأمين العام الذي رفعه بدوره إلى أصحاب السعادة عمداء شؤون الطلاب مع استمارة التوصيف المقترحة.

وفي حالة الموافقة على خطة العمل فإن الأمر يحتاج إلى قرابة العام، وإلى تعاون كل العمادات مع توفير الإمكانات لتوفير المطلوب.

وفي مجال الإعداد للندوة الرابعة فقد التقت كلمة الأمانة العامة على أن يكون الموضوع الرئيسي (الإسكان الطلابي: الواقع والتطلعات) تأكيدا لدور الرعاية الطلابية في تكوين شخصية الطالب الجامعي.

ويطيب لي باسم الأمانة العامة للندوة لعمادات شؤون الطلاب أن أشكر أصحاب المعالي مديري الجامعات، وأشكر لمعالي وزير التعليم العالي الذي أناب عن معاليه سعادة الدكتور محمود محمد سفر، وأتمنى أن يكون - كما عودنا - همزة وصل بيننا وبين معاليه، وأشكر أيضا أصحاب السعادة وكلاء الجامعات وعمداء شؤون الطلاب لرعاية كريمة قدموها، ولتعاون كريم أظهروه، كما يطيب لي أن أشكر إخواني العاملين بعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة، فقد كان لتعاونهم أثره الكريم في إنجازه ما تحقق.

ص: 334

ويطيب لي باسم الأمانة للندوة الثالثة أن أشكر الجامعة الإسلامية ممثلة في معالي الدكتور عبد الله الصالح العبيد نائب الرئيس على كريم تفضله بأن جعل الندوة حرية التصرف في البرنامج، فأكثر الله خيره، ونَعِده بأن نكون أمناء على هذا البرنامج، وأشكر لسعادة أخي عميد شؤون الطلاب والإخوة العاملين بالعمادة لاستضافتهم الكريمة للندوة الرابعة التي شرفها الله أن تكون في رحاب مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأتمنى أن نوفق دائما أبدا للوصول إلى الأمثل، ونعاهد الله أن نكون أمناء على ما استرعانا الله إياه.

هدية جامعة الملك سعود إلى الجامعة الإسلامية

وختم سعادته كلمته بتقديم هدية تذكارية للجامعة الإسلامية وقدمها بقوله:

إن جامعة الملك سعود احتفلت في العام بمرور خمسة وعشرين عاما على إنشائها، وقد اختارت معلما حضاريا من معالمها، وهو برج مدينة الرياض، ويسعد عمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود أن تقدم للجامعة الإسلامية ليشعرنا فقط بذكرى حضورنا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأشكر مرة أخرى جميع الحضور، وأتمنى أن نحظى بتأييدهم: سعادة الشيخ سعد السديري وكل الحضور، ونعلق الآمال على الله وعليهم أن لا يبخلوا علينا بالتوجيه وبالمؤازرة بالنسبة للسؤولين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة عمادة شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية لفضيلة الشيخ عرض الشهري عميد شؤون الطلاب بالجامعة

ألقى فضيلة الشيخ عوض الشهري عميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الكلمة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم.. سعادة وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة، أصحاب الفضيلة والسعادة، أيها الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

ص: 335

فإنها فرصة سعيدة تتاح لنا في الجامعة الإسلامية إذ نلتقي بالإخوة المربين القائمين على شؤون الطلاب في جامعاتنا السعودية، فأخلا وسهلا ومرحبا بكم جميعا، وحياكم الله في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم معهد النور ومأرز الإيمان، وأشكر الله سبحانه الذي يسر هذا الاجتماع الذي أرجو أن يجعل من ثماره كل خير ونفع لجامعاتنا وأبنائها الطلاب.

أيها الإخوة الأفاضل: لا يخفى عليكم أن البشرية اليوم تعاني من أزمات هذا العصر، والتي تزداد تعقيدا وإرهاقا يوما بعد يوم؛ لأن الكر الذي يشكل الإنسان المعاصر يقوم على حضارات تحمل في أسها عناصر التحطيم والفناء، والمنهج التربوي العالمي بمعطياته الجاهلية يعيش بإنسان هذا العصر في حلقة مفرغة، يذهب حياته وجهده في الضياع، ويدمر في كيانه أمنه الذاتي مما يجعل المسؤولية الملقاة على كواهل المربين وأهل الفكر في جامعاتنا مسؤولية جسيمة، إنها مسؤولية إعادة المركب الذي تقاذفته الرياح والأمواج إلى شاطئ الأمن والسلام.

أيها الإخوة: إن عملية الإشراف على الطلاب تتطلب أمرين لا يجوز التفريط في أحدهما:

الأمر الأول: العمل على توفير كل ما يريح الطالب، ويهيئ له الجو المناسب لتحصيله العلمي من سكن وغذاء ورعاية ونشاط، وأعتقد أن جامعاتنا خطت فيه خطوات إيجابية، والتفكير في تطويره واستمراره مستمر ومتواصل.

الأمر الثاني: وهو ما ينبغي أن يكون محل العناية الفائقة من الجامعات بصفة عامة، ومن عمادات شؤون الطلاب بصفة خاصة - وهو كذلك إن شاء الله - وهو الجانب التربوي والثقافي المتصل بالنواحي الروحية والعلمية، ووضع الخطط الناجحة والبرامج المعطاءة في سبيل إعداد الطالب إعداداً يجعله صاحب رسالة ورجل دعوة متبصرا بالنور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وتجعله في الوقت نفسه متطهر الفكر والضمير من كل ما يدنسه.

ص: 336

وهذا الأمر من الخطورة بمكان، وهو ما حدا بالإخوة في عمادات شؤون الطلاب أن يعملوا على الالتقاء في مثل هذا الاجتماع حتى توحد الجهود وتكرس في سبيل الوصول بشباب جامعاتنا إلى الأهداف المرجوة منهم إن شاء الله خاصة، وأن شباب هذه البلاد وشباب الجامعات مستهدفون من الشرق والغرب بفضل ما يحظون به ويلقونه من رعاية وتربية سليمة.

وكل الإخوة بفضل الله يدركون أن السبيل الوحيد إلى ذلك إنما هو التربية وفق شريعتنا الغراء التي تقوم على النور الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، ثم غرس هذا النور في نفوس هؤلاء الشباب حتى يعطى لحياتهم وسعيهم جدوى، وكدحهم في الطلب أملا ورغبة في الخير.

هذا وختاما أتوجه بالشكر لمقام وزارة التعليم العالي التي تشجع على إقامة مثل هذه الندوة، ولمديري الجامعات الذين يولون هذه الندوة كل عناية وتقدير، داعيا الله سبحانه أن يكلل جهود الجميع بالنجاح، وأن يجعلنا عند حسن ظنهم.

وأتقدم بأسمى آيات الشكر لسعادة وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة؛ فجزاه الله خيرا.

كما أتقدم بالشكر لكل من شارك في هذه الندوة أو أعد لها، وأخص بالذكر الإخوة الأفاضل عمداء ومسئولي شؤون الطلاب في جامعاتنا، والذين يبذلون جهودا مضنية لتوفير كل أسباب الرعاية والراحة لأبنائهم الطلاب، فجزى الله الجميع الخير وسدّد خطانا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة سعادة وكيل وزارة التعليم العالي

ثم ألقى سعادة وكيل وزارة التعليم العالي الدكتور محمود محمد سفر الكلمة التالية في حفل افتتاح الندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد العرب والعجم.

أيها الإخوة الأعزاء:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

ص: 337

إنه لمن دواعي سروري وغبطتي أن أكون بينكم في هذا اللقاء الذي كواحد من سلسلة لقاءات ممتدة أثمرت بحمد الله وسوف تثمر - بإذن الله - مزيدا من الإنجازات في مسيرة جامعاتنا الفتية، تلك الإنجازات التي تأتي متناسقة ومتكاملة مع الجهد البارز اللامحدود لحكومة جلالة الملك المعظم في سبيل العناية بالإنسان الذي هو أغلى وأعز ثرواتنا، والذي نبدأ به جميع خططنا ونصل به إلى طموحاتنا وإليه تنتهي تلك الخطط والطموحات.

وخصوصية عناية عمادات شؤون الطلاب برعاية الطالب خلال دراسته الجامعية - عقائديا وتربويا واجتماعيا وثقافيا، في المسكن والفصل والمكتبة إنما يضع عليها عبئا ضخما ومسؤولية كبيرة لا أشك أنكم كعمداء لهذا القطاع الهام تستشعرونها على القيام بها بكل ما تملكون من طاقة، وما يتوفر لكم من إمكانيات.. وهي مسؤولية كبيرة لأنها تتعلق برعاية وتنمية تلك الثروة البشرية اللامحدودة والتي إذا ما أحسن إعدادها وتعليمها ورعايتها فإنها ستكون بإذن الله وقوته زادا لمسيرة الخير والنماء وقوة دفع لها على طريق الحق والرشاد.

أيها الإخوة الزملاء عمداء شؤون الطلاب:

إن مسئوليتكم كبيرة لأنها تتولى رعاية النشء، والعناية به في أدق مراحل عمره، تلك المرحلة الحرجة التي تتبلور فيها شخصيته ويتم فيها تكوينه العلمي والثقافي والاجتماعي ليخرج لمجتمعه إنسانا مسلما ملتزما متخصصا ومؤهلا ليواجه الحياة ومعتركها بإيمان وعلم وعزم وتصميم.

من هنا أيضا كان المحتم والضروري أن تتكامل في تلك المرحلة كل من الأنشطة الصفية والأنشطة اللاصفية وأن يمتزج التكوين العلمي مع التكوين الاجتماعي والثقافي والرياضي لبناء إنسان متزن وملتزم مدعم بقيم الحق والخير ومسلح بسلاح العلم النافع والإيمان الصافي، ومؤهل لقيادة تطور مجتمعه وتطوير أمته التي تتطلع إليه بأمل وشوق.

أيها الإخوة الزملاء:

ص: 338

إن الموضوع الذي تجتمعون من أجله هو (الإسكان) وهو موضوع ذو أهمية خاصة وأبعاد كبيرة، فبعد نجاح تجربة الإسكان الجامعي في جامعاتنا اتسعت دائرته وتشعبت قضاياه وتكونت لدى المسؤولين عنه حصيلة كبيرة من الخبرة والممارسة، وطرحه بجميع أبعاده على طاولة البحث والنقاش بتخصيص هذه الندوة جاء في الوقت المناسب، وله دلالته الإيجابية بدون شك؛ لأن تبادل الخبرة بين الجامعات في أمر الإسكان الجامعي والتشاور في ما قد يعترضه من قضايا لهو بدارة جيدة تعبر عن طموحاتكم للوصول بهذه الخدمة إلى المستوى الذي نتطلع إليه لأن الفترة التي يقضيها الطلاب في الإسكان الجامعي خلال الدراسة تترك أثرها في حياتهم وتظل ملتصقة بأذهانهم بعد تخرجهم بما تحمله من ذكريات ومواقف.

إن اجتماعنا أيها الإخوة اليوم إنما هو تعبير صادق وأكيد عن مدى إصرار جامعاتنا المتنامي والمتجدد والنابغ من رغبة حكومة الملك المعظم على توفير الرعاية وأسباب الطمأنينة لشباب الجامعات بنوعيه، وهي فرصة مناسبة لمراجعة كافة التجارب والنظر فيما وصلنا إليه وما نطمح في الوصول إليه.

وإني لعلى ثقة ويقين من أن استمرار هذه اللقاءات وامتدادها كفيل بأن يصل بحول الله بالخدمات الطلابية إلى المستوى الذي تتطلعون إليه، وتحلمون به، ولن يتحقق ذلك إلا بالعزم والإخلاص والمثابرة التي وهبها الله لكم.

وإني إذ أدعو الله أن يتمم أعمال ندوتكم هذه بالنجاح والسؤدد، أسأله وهو العلي القدير لكم التوفيق والسداد في كافة ما تخططون له وتعلمون على تنفيذه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة

ثم كانت الكلمة التالية لسعادة الشيخ سعد الناصر السديري وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة ألقاها في حفل الافتتاح للندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة:

بسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله ومن والاه..

ص: 339

أيها الإخوة الأعزاء أرحب بكم أجمل ترحيب بالمدينة المنورة مثوى المصطفى صلى الله عليه وسلم.. أرحب بكم في رحاب الجامعة الإسلامية: هذه الجامعة التي نفتخر بها، وتعد من منارات العلم التي وفقت حكومتنا الرشيدة بإنشائها في هذا البلد الطاهر بالذات؛ لخدمة الدين الإسلامي، ولتكون منارا لأبناء الأمة الإسلامية، يعبون منها العلم النافع ويتفقهون في دينهم لينشروه في أصقاع المعمورة.

أيها الإخوة نحيي اجتماعكم هذا المبارك فأنتم تساهمون بإقامة وصقل القاعدة من الكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات التي يبنى عليها مستقبل بلادنا الزاهر، إن الجامعات السعودية خطت خطوات كبيرة وتساوت إن لم تكن قد تجاوزت بعض الجامعات العربية التي سبقتها، ومحل الفخر أن الكفاءات السعودية التي حصلت على الشهادات العليا أصبحت تشكل نسبة كبيرة في هيئة التدريس.

وهذا ناتج من التخطيط السليم؛ فقد بدأ هذا التخطيط منذ إنشاء أول وزارة للمعارف كان وزيرها جلالة الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، فقد بدأ يخطط لهذه النهضة العلمية الجبارة التي وصلت إليها بلادنا الغالية، وسوف تزداد نموا وشموخا في المستقبل.

أيها الإخوة على هممكم ونشاطكم ومثابرتكم يكون النهج المستقبلي للعلم النافع من إطار دستور هذه البلاد؛ الشريعة الإسلامية، ومن قيمنا المتوازنة التي سيكون نجاحنا مضمون ما دمنا نسير في مضمار ذلك، سدد الله خطاكم وجعل المولى التوفيق حليفكم، والله يرعاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعمال الندوة:

بعد الانتهاء من حفل الافتتاح في مساء اليوم الأول الاثنين والذي عرضنا وقائعه والكلمات التي قيلت فيه توجّه المشاركون في أعمال هذه الندوة لحضور حفل العشاء الذي أقامته الجامعة الإسلامية تكريما لهم.

ص: 340

وفي الأيام التالية تابعت الندوة أعمالها إذ كونت أربع لجان عمل تابعت أعمالها للبحث في الموضوع الذي خصص لها، وكان تشكيل اللجان على الوجه التالي:

1-

اللجنة الأولى لدراسة أهداف وأسس الإسكان الطلابي.

2-

اللجنة الثانية لدراسة واقع الإسكان الطلابي وتطلعاته

3-

اللجنة الثانية لدراسة أثر الإسكان في بناء شخصية الطالب.

4-

اللجنة الرابعة لدراسة إسكان المتزوجين.

وتابعت هذه اللجان أعمالها في جلسات صباحية ومسائية على امتداد يومي الثلاثاء والأربعاء.

واختتمت اللجان أعمالها في حفل ختامي تكريمي في تمام الساعة العاشرة من مساء يوم الأربعاء، سبقه اجتماع موسع للجنة الصياغة التي كتبت التوصيات التي أصدرتها الندوة الرابعة بعد مناقشتها وإقرارها.

وقد استهل حفل الاختتام بتلاوة آيات من الذكر الحكيم ثم أعقبها كلمة شكر وتقدير للمشاركين في أعمال هذه الندوة ألقاها فضيلة الشيخ عوض الشهري عميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية، ثم ألقى سعادة الدكتور محمد ناصر الوهيبي عميد شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود والأمين السابق للندوة كلمة المشاركين في هذه الندوة، ثم قرأ سعادة الدكتور خالد العجيمي عميد شؤون الطلاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ قرأ التوصيات التي انتهت إليها الندوة في لقائها الرابع.

ثم كانت كلمة ختامية للدكتور عبد الله الصالح العبيد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بهذه المناسبة، ذكر فيها العمداء الذين أسسوا لهذه الندوة والذين يمارسون هذه المهام ولوكلائهم وعمدائهم، وأكد على أهمية الدور الذي تقوم به عمادات شؤون الطلاب في مجال رعاية الطلاب وتربيتهم وتوجيههم التوجيه التربوي الإسلامي القويم.

ص: 341

ثم ألقى فضيلة الشيخ صالح بن سعود العلي مدير المعهد العالي للدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلمة بهذه المناسبة، أشاد فيها بالدور الهام الذي تقوم به عمادات شؤون الطلاب في جامعات المملكة، كما شكر الجامعة الإسلامية على ما لقيه المشاركون في الندوة من كرم الضيافة الذي لا يستطيع التعبير أن يوفيه حقه مستشهدا بقول المتنبي:

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

وفي الختام قدمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هدية ثقافية للجامعة الإسلامية، وهي عبارة عن مجموعة من مطبوعات جامعة الإمام.

توصيات الندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة

أعلنت الندوة الرابعة لعمادات شؤون الطلاب بجامعات المملكة التوصيات والقرارات بعد اجتماع اللجان الفرعية المختصة بالنظر في الموضوعات، وقد استملت هذه التوصيات على:

أ- توصيات عامة.

ب- وتوصيات اللجان الأربعة الفرعية على النحو التالي:

أولاً: التوصيات العامة:

1-

تشكيل مكتب دائم لمتابعة توصيات ندوات عمادات شؤون الطلاب والعمل على تنفيذها، وتضع له الأمانة العامة للندوة لائحته التنفيذية.

2-

الأخذ بعين الاعتبار ما انتهت إليه الأمانة العامة للندوة الثالثة من مشروعات لتوحيد اللوائح والهياكل التنظيمية في عمادات شؤون الطلاب.

3-

قيام الأمانة العامة بتشكيل لجنة لبحث الإسكان الطلابي في المدن الجامعية بجامعات المملكة؛ للتوصل إلى تحقيق أفضل السبل لتطبيق ما جاء في توصيات هذه اللقاء.

4-

قيام الأمانة العامة بترتيب برنامج لتبادل الزيارات والخبرات للمسؤولين والعاملين بعمادات شؤون الطلاب.

5-

قيام الأمانة العامة للندوة بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية ووزارة المالية لتصنيف كادر خصوصي موحد لمن يقومون بالإشراف على الوحدات السكنية مع توحيد المعاملة المالية لهم.

ص: 342

6-

توحيد جهاز التعليم الجامعي للطالبات والإشراف على رعايتهن في جهة موحدة توفر لها الطاقات والإمكانيات المناسبة، وذلك في ضوء معاينة عمادات شؤون الطلاب لمشكلات إسكان الطالبات.

7-

عقد لقاء خاص للأخوات المسؤولات عن شؤون الطالبات بجامعات المملكة، ذلك لدراسة شؤون الطالبات، ورفع توصياتهن للأمانة العامة للندوة لاتخاذ ما تراه بشأنها.

8-

التأكيد على الأمانة العامة بالاستمرار في تنفيذ توصيات اللقاءات الثلاثة السابقة وتذليل الصعوبات التي تعترض ذلك.

9-

توجيه الشكر لجامعة الملك سعود وعمادة شؤون الطلاب فيها للنهوض بأعباء الندوة الثالثة ومتابعة توصياتها.

10-

توجيه الشكر للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعمادة شؤون الطلاب فيها لاستضافتهم الكريمة، وحسن إعدادهم للندوة في رحاب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

11-

قبول الدعوة الموجهة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لاستضافة اللقاء الخامس بها، وتقديم الشكر على هذه المبادرة لمعالي مدير الجامعة وسعادة عميد شؤون طلابها.

12-

إسناد مهام الأمانة العامة للندوة لعمادة شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية، ويكون عميد شؤون الطلاب بها أمينا عاما لحين اللقاء الخامس، وتتمنى الندوة للأمانة العامة كل توفيق في مهمتها.

13-

رفع توصيات هذا اللقاء إلى معالي وزير التعليم العالي والرئيس الأعلى للجامعات وإلى أصحاب المعالي مديري الجامعات وإلى الجهات ذات العلاقة.

ثانياً: توصيات اللجان الفرعية

(توصيات اللجنة الأولى) : أهداف وأسس الإسكان الطلابي

أ- أهداف الإسكان:

1-

تحقيق مجتمع إسلامي متكامل لأبنائنا الطلاب، وترسخ فيه عقيدة الإسلام، وتسود فيه قيمه الرفيعة، وتذوب فيه الحواجز العرقية والإقليمية.

2-

بناء شخصية الطالب وتدريبه على تحمل المسؤولية والأعمال القيادية، وتعويده على الانضباط.

ص: 343

3-

تدريب الطلاب على المشاركة والاندماج في حياة اجتماعية سليمة تؤهلهم لخدمة دينهم ومجتمعهم.

4-

التعرف على مشكلات الطلاب والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.

5-

تأمين الإقامة المريحة للطلاب وتهيئة المناخ الملائم لهم لزيادة تحصيلهم العلمي.

6-

توفير الرعاية الصحية والنفسية للطلاب والعناية ببرامج الترويح الهادفة لهم.

ب- أسس الإسكان الطلابي:

1-

مباني الإسكان ومرافقه

أ) إنشاء مدن جامعية تتوفر فيها كافة الأسس السليمة التي تحقق أهداف الإسكان الطلابي.

ب) الاهتمام بتوفير المرافق الأساسية في المدن الجامعية (المساجد - الأندية الثقافية - الملاعب - مراكز الهوايات - السوق التجارية) .. فذ يعين على تحقيق دور الإسكان في بناء الشخصية المتكاملة للطالب.

2-

الإشراف والتوجيه:

أ) توفير العدد الكافي من المشرفين المتخصصين في مجالات الرعاية الطلابية.

ب) الاستعانة بالموجهين الأكفاء الذين يتوفر لديهم الاستعداد على توجيه الطلاب ومعايشتهم وبخاصة الطلاب الوافدين.

ج) إتاحة الفرصة لمشاركة الطلاب في أعمال الإشراف والإدارة.

3-

الرعاية الطلابية:

الاهتمام بتوفير الرعاية والأنشطة الطلابية اجتماعية، وثقافية، ورياضية، وترويحية؛ لتحقيق الأهداف التربوية وتنمية المواهب وتقويم السلوك.

(اللجنة الثانية) واقع الإسكان الطلابي وتطلعاته:

1-

مشاركة المسؤولين في العمادات في جميع مراحل التخطيط للمدن السكنية للطلاب.

2-

الإسراع في إقامة المدن الجامعية المتكاملة بجميع الجامعات تحقيقا لتوصيات الندوات السابقة.

3-

مراعاة ألا تزيد أدوار الوحدات السكنية عن ثلاثة أدوار، وألا يزيد ساكنوها عن مائة طالب، مع توفير عوامل السلامة والأمان.

ص: 344

4-

الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمدن الجامعية بتوفير المرافق الأساسية (المساجد- المكتبات- المطاعم- صالات الترويح- الأندية الثقافية- مركز الهوايات- مواقف السيارات- المراكز التجارية) .

5-

اتباع نظام الجناح أو الشقة في إسكان الطلاب، بحيث تضم الشقة ثلاث أو أربع أو خمس غرف تحقق الاستقلال في النوم مع الخدمات المشتركة (صالة للمذاكرة، المرافق) .

6-

مراعاة ألا يزيد عدد الطلاب الذين يشرف عليهم المشرف الاجتماعي بالوحدة السكنية أثناء مناوبته عن مائة طالب.

(اللجنة الثالثة) أثر الإسكان في بناء شخصية الطالب:

1-

الحرص على رسالة المسجد التربوية في المدن الجامعية، وارتباط الطلاب به بحسن اختيار الأئمة لإقامة الجمعة والجماعة والعناية بالقرآن الكريم (تلاوة، وتجويدا، وحفظا) ، والسنة المطهرة وسائر العلوم الإسلامية.

2-

تنظيم برامج تدريبية لتكوين القيادات الطلابية وتحقيق مشاركة الطلاب في إدارة مدنهم الجامعية ووحداتهم السكنية، مع إيجاد الحوافز عن طريق نظام تشغيل الطلاب.

3-

التأكيد على أهمية الدور التربوي الذي ينهض به المشرف في مجتمع الإسكان الجامعي باعتباره دورا مماثلا للدور الذي يجب أن تنهض به الأسرة، مع تهيئة الظروف المعينة للمشرف على تأدية رسالته.

4-

تنسيق الأنشطة بالإسكان الجامعي ضمن خطة النشاط العامة بما يتفق مع طبيعة الإقامة بالإسكان.

5-

تأكيد ما سبقت التوصية به من العناية باختيار المشرفين المؤهلين الذين تكون لديهم الخبرة والقدرة على التوجيه والعطاء من خلال الإدارة البصيرة والقدوة الحسنة، ومعالجة ما قد يظهر من سلبيات وسط التجمع الطلابي.

6-

وضع ضوابط سلوكية من خلال لوائح ونظم الإسكان ترعى السلوك القويم وتحافظ على سلامة المظهر العام، كما تتناول وسائل تأديبية لردع المخالفين.

(اللجنة الرابعة) إسكان المتزوجين:

ص: 345

1-

اعتبار إسكان الطلاب المتزوجين هدفا تسعى إليه العمادات تحقيقا للاستقرار النفسي للطلاب وتشجيعا لهم على الزواج المبكر.

2-

ضرورة اشتمال كل المخططات العامة للمدن الجامعية على مساكن للطلاب المتزوجين تضم المنشآت الضرورية (المسجد - المدرسة الابتدائية - العيادة الطبية) .

3-

توفير الإشراف والرعاية المتكاملة للطلاب وأسرهم.

4-

صرف بدل تغذية للطلاب المتزوجين لا يقل عن خمسمائة ريال شهريا.

5-

زيادة بدب السن للطالب المتزوج إلى 000ر18 ريال سنويا.

6-

تسهيل إجراءات استقدام زوجات طلاب المنح وتيسير إجراءات صرف إعانة السكن لهم.

قرار بالتشكيل الجديد للمجلس العلمي للجامعة الإسلامية وتعريف بصلاحياته وإنجازاته ومشروعاته المستقبلية

صدر مؤخرا قرار من فضيلة الدكتور عبد الله الصالح العبيد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالتشكيل الجديد للمجلس العلمي للجامعة، وقد أسندت رئاسة هذا المجلس إلى صاحب الفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، وهو أقدم أستاذ في الجامعة الإسلامية، وذو كفاءة علمية نادرة وخبرة واسعة في شؤون البحث العلمي في مختلف مجالات الدراسات الإسلامية والعربية، وتولى فضيلته منصب نائب رئيس الجامعة فترة من الزمن، وقد ضم المجلس في ظل هذا التشكيل الجديد كلاً من أصحاب الفضيلة:

1-

فضيلة الدكتور عبد العزيز القاري عميد كلية القرآن.

2-

فضيلة الدكتور أحمد عطية الغامدي عميد كلية الدعوة وأصول الدين.

3-

فضيلة الدكتور أكرم ضياء العمري الأستاذ بقسم الدراسات العليا.

4-

فضيلة الدكتور ربيع بن هادي مدخلي الأستاذ المساعد بكلية الحديث.

5-

فضيلة الدكتور عبد العظيم الشناوي الأستاذ بكلية اللغة العربية.

6-

فضيلة الدكتور عبد الله الغنيمان الأستاذ المشارك في الجامعة.

ص: 346

هذا المجلس العلمي أحد المجالس المتخصصة، وقد أنشئ بموجب نص المادة 30 من نظام الجامعة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/70 في 7/8/1395هـ.

وقد حددت اللائحة اختصاصاته فيما يلي:

1-

وضع السياسة التي يسير عليها المجلس في إعداد البحوث العلمية والتأليف والترجمة وتجميع التراث الإسلامي وتوفير العناية بحفظه وتحقيقه ونشره.

2-

تنظيم القيام بهذه الأعمال وتوجيهها بما يحقق أهداف الجامعة منها، والإشراف عليها ووضع قواعد تشجيعها وإعداد الخطط والبرامج لتنفيذها ومتابعتها وتيسير سيل التنفيذ.

3-

اقتراح إنشاء مراكز البحث العلمي والتنسيق بينها والإشراف عليها ومتابعة جهودها وتوجيهها.

4-

تنظيم الصلة مع مراكز البحوث المختلفة خارج الجامعة والتعاون معها في المجالات العلمية في إطار أهداف الجامعة.

5-

تحديد المكافآت التشجيعية والتقديرية على الأعمال العلمية.

6-

نشر ما يرى نشره من بحوث ومؤلفات وكتب مترجمة وإصدار المجلات التي تخدم أغراضه.

7-

التوصية بإنشاء الجمعيات العلمية ومتاحف التراث الإسلامي والتنسيق بينها.

8-

التوصية بأن تبتني الجامعة عقد مؤتمرات علمية محلية أو إقليمية أو عالمية، والمشاركة في تنظيمها وأعمالها.

9-

وضع القواعد المنظمة لاتصال أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ومن في حكمهم بالهيئات والمؤسسات العلمية لتشجيعهم على ذلك، ولتنظيم مشاركتهم في المؤتمرات والندوات العلمية داخل المملكة وخارجها.

10-

اقتراح الميزانية السنوية للمجلس.

11-

تقديم تقرير سنوي شامل عن أعمال المجلس إلى رئيس الجامعة في موعد لا يتجاوز الشهر الثاني من انتهاء العام الدراسي.

أعم إنجازات السابقة للمجلس العلمي:

بدأ المجلس أعماله بعد استكماله تشكيله وتحديد اختصاصاته منذ عام 1399/1400هوتمت له خلال المدة الوجيز الإنجازات الآتية:

ص: 347

- في مجال البحوث العلمية والتأليف بلغ عدد الكتب والرسائل التي نظر فيها المجلس نحوا من أربعين كتابا ورسالة ونشرة قدمها أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وغيرهم، وأجاز منها ما رآه موافقا للمستوى المطلوب في ضوء المقاييس العلمية الجامعية.

وقد تم طبع الكتب والرسائل العلمية الآتية:

1-

أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن الحسن بن زبالة، المتوفى عام 199هـ.

2-

الضعفاء، لأبي زرعة الرازي.

3-

البيهقي وموقفه من الإلهيات.

4-

كتاب الإيمان لابن مندة.

5-

مرويات غزوة بني المصطلق.

وقد أحال المجلس الكتب الآتية للطبع، وهي:

1-

كتاب الطبقات لابن سعد، قطعة كبيرة متعلقة بتراجم أهل المدينة تنشر لأول مرة.

2-

سؤالات الآجري لأبي داود السجستاني.

وهناك سبعة كتب أخرى تحت الطبع.

وقرر إحالة بعض ما وصله من كتب ومؤلفات لعدد من الخبراء المختصين لدراستها وكتابة تقارير عن صلاحيتها للنشر من حيث اتصافها بالأصالة والابتكار، وتحقيقها لأهداف الجامعة أو عد صلاحيتها.

ومن انجازات المجلس العلمي في دوراته السابقة دراسة التقويم القمري الموحد الذي أعدته لجنة انعقدت في استنبول.

كما أوصت باستخدام الحرف العربي في كتابة اللغات الإفريقية بناء على المذكرة الواردة إلى الجامعة الإسلامية من رابطة العالم الإسلامي، وكلف المجلس بتقديم دراسة حول هذا الموضوع.

كما قرر البدء في تحقيق مخطوط إتحاف المهرة بأطراف العشرة، للحافظ ابن حجر العسقلاني.

هذا، والمأمول من المجلس العلمي - بعون الله وتوفيقه - بعد صدور القرار بتشكيله الجيد أن يحقق كثيرا من الإنجازات في مجال البحث العلمي سواء في مجال التأليف أو التحقيق أو الترجمة مما يعمل على تزويد المكتبة العربية الإسلامية بروائع الذخائر في مختلف مجالات المعرفة التي تخدم رسالة الإسلام.

ص: 348

إنشاء شبكة تلفزيونية مغلقة في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية

يجري العمل حاليا في تركيب شبكة تلفزيونية حديثة مغلقة في قاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث من المتوقع أن تقوم هذه الشبكة بعد الانتهاء من تجهيزها بتسجيل جميع أوجه النشاط المختلفة والتي تتم داخل القاعة من عقد الندوات، وإلقاء المحاضرات، وإقامة المحاضرات ومناقشة الرسائل الجامعية للماجستير والدكتوراه.

ويمكن عن طريق هذه الشبكة إعادة عرض المواد المسجلة عن هذه النشاطات على طلبة الجامعة وزوارها.

هذا ويقوم المركز الدولي للإلكترونيات بتركيب أجهزة هذه الشبكة كما يقوم نفس المركز بأعمال الصيانة لإدارة هذه الشبكة لمدة عام تتم خلاله عملية وإعداد الفنيين اللازمين لإدارة وصيانة وتشغيل هذه الشبكة من داخل الجامعة.

نشاط علمي وثقافي

شهدت قاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة نشاطا علميا وثقافيا متعدد الجوانب في خدمة أهداف الجامعة وتحقيق رسالتها.

ففي مجال النشاط العلمي نوقشت خلال هذه الفترة مجموعة كبيرة من الرسائل العلمية من قسم الدراسات العليا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه ومن ذلك:

1-

رسالة ماجستير موضوعها: تأثير القرآن في دراسة اللغة العربية في القرون الثلاثة الأولى، قدمها الطالب السعودي الجنسية عبد الرحمن محمد سعد الحجيلي، ونوقشت يوم الاثنين 1/1/1403هـ.

2-

رسالة ماجستير موضوعها: منهج لتصنيف موسوعة حديثية، قدمها الطالب عبد القادر أحمد عبد القادر، مصري الجنسية، ونوقشت يوم 10/1/1403هـ.

3-

رسالة ماجستير موضوعها: فواتح السور في القرآن الكريم، قدمها الطالب فاروق حسين محمد أمين، مصري الجنسية، ونوقشت يوم 11/1 /1403هـ.

4-

رسالة ماجستير موضوعها: أحكام الغنيمة والفيء في الشريعة الإسلامية، قدمها الطالب عواض هلال العمري، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 13/1/1403هـ.

ص: 349

5-

رسالة ماجستير موضوعها: أحاديث الهجرة، جمع ودراسة وتحقيق، قدمها الطالب سليمان بن علي السعود، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 17/1/1403هـ.

6-

رسالة ماجستير موضوعها: سعيد بن جبير ومروياته في التفسير، قدمها الطالب محمد أيوب محمد يوسف، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 23/1/1403هـ.

7-

رسالة دكتوراه موضوعها: الحكم ذو الكفاية، قدمها الطالب عبد الله عمر محمد الأمين الشنقيطي، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 18/1/1403هـ.

8-

رسالة ماجستير موضوعها: المطلق والمقيد وأثرهما في اختلاف الأحكام، قدمها الطالب حمد حمدي الصاعدي، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 24/1/1403هـ.

9-

رسالة ماجستير موضوعها: أحكام العدة في الفقه الإسلامي، قدمها الطالب سامي محمد حسن ديولي، سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 27/1/1403هـ.

10-

رسالة ماجستير موضوعها: الإجماع حقيقته وحجيته وإمكانه، قدمها الطالب قواز بن فراغ المحمادي سعودي الجنسية، ونوقشت يوم 10/2/1403.

11-

رسالة ماجستير موضوعها: الدعوة الإسلامية في مواجهة التبشير في إندونيسيا، قدمها الطالب مسعدي سلطاني إندونيسي الجنسة، ونوقشت يوم 24/1403هـ.

12-

رسالة ماجستير موضوعها: (دور العلماء والدعوة الإسلامية في نيجيريا في العصر الحاضر) قدمها الطالب عبد الحفيظ أحمد قلورنشو، ونوقشت يوم 1/3/1403هـ.

680 منحة دراسية هذا العام

تم في هذا العام اعتماد وقبول 680 طالبا من جميع أقطار العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في بعض الدول غير الإسلامية في الجامعة الإسلامية للعام الجامعي 1402هـ/1403هـ.

ويأتي ذلك في إطار جهود الجامعة المستمرة لنشر الدعوة الإسلامية في جميع أقطار العالم وفتح المجال أمام أبناء المسلمين لتلقي تعاليم الإسلام.

صياغة الشيخ محمود محمد سالم

ص: 350

من تراثنا الشعري

قال حسان بن ثابت يرثي النبي صلى الله عليه وسلم

ما بال عيني لا تنام كأنما

كُحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعا على المهديّ أصبح ثاويا

يا خير من وطئ الحصى لا تبعد

جَنبي يقيك الترب لهفي ليتني

غيِّبت قبلك في بقيع الغرقد

أأقيك بعدك بالمدينة بينهم

يا لهف نفسي ليتني لم أولد

بأبي وأمي من شهدت وفاته

في يوم الاثنين النبي المهتدي

فظللت بعد وفاته متلدِّدا

يا ليتني صبِّحت سمّ الأسود

أو حل أمر الله فينا عاجلا

من يومنا في رَوحة أو في غد

فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا

محضا ضرائبه كريم المحتد

يا بِكر آمنة المبارك ذكره

ولدتك محصنة بسعد الأسعد

نورا أضاء على البرية كلها

من يهد للنور المبارك يعتد

يا رب فاجمعنا معا ونبينا

في جنة تنبي عيون الحُسّد

في جنة الفردوس واكتبها لنا

يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد

ص: 351

شاطئ الأحزان

الشاعر المهاجر

رتّل البحر للشواطي لحونه

فسرى الوجد هينمات حنونَه

والمويجات تحضن الرمل نوشى

ليس فيها مجانة أو رعونة

يسمعُ الليل خاشعا وشوشات

لم تكر سباته أو سكونه

والنجيمات خفقها كفؤادي

وهي للأرض والسموات زينه

والقُمير الخجول يغضي حياء

قدرة الله أبدعت عرجونه

إيه يا بحر أين أهلوك راحوا

لا شرع ملوح لا سفينه

غير سرب القطا يتهادى

من خدين مهاجرا أو خدينه

تتنادى وهدأة الليل فيها

يمرح الشوق والأماني الدفينه

أيها الطائر المغنّي سلاما

وادن مني وخذ حياتي رهينه

أبلغ الأهل شقوتي واغترابي

عن عذابي وعن دموعي السخينه

شردتنا إلى البلايا خئون

ذات غدر وأمّة ملعونه

أمة قد طغت وعاثت فسادا

أمعنت خسة وفاحت عفونه

أمة الغدر همها قتل شيخ

ذبح أم بطفلها مقرونه

والكعوب الغلاظ داست عليه

والنضال الحداد حزّت وتينه

منذ موسى ومنذ هارون كانت

يشهد الله والبرايا خئونه

أفرغت حقدها بظلم علينا

طائرات غدارة مجنونه

تنشر الرعب في قلوب الضحايا

تزرع السّهد في العيون الأمينه

رب طفل تناوشته الشظايا

أو كعاب مهيضة مكنونه

عرضها صادر للطواغيت نهبا

بعد أن كان الحَصان المصونه

أمتي لم تزل على القدس تبكي

مثل أنثى ضعيفة مسكينه

أمتي لم تزل على الشوك تحبو

وهي باللهو دائما مفتونه

تطلب العدل من قلوب شحاح

ملؤها الحقد والأذى والضغينه

(ريجنٌ)(بيجنٌ) ككل حقود

أي سلم لديهم يعطونه؟

يؤخذ القدس عنوة واقتدارا

مثلما الليث راح يحمي عرينه

ليس تجديه سابغات القوافي

أو شعار مجوّف يلقونه

أو مقال يُعربد الحرف فيه

من يراع شَبَاته مسنونه

خدروه بجفنة من وعود

ثم راحوا عشية يبكونه

ص: 352

والعدو اللئيم يبدي رضاه

(والحبيب) البغيض يبدي شجونه

ثم حاروا بدفنه في فلاة

قد كفيناك يا حبيب المئونه

تذرع الشرق تنشر العدل فيه

خطوات كريمة ميمونه

تأمر الشاة والسكاكين كثر

وبالتأني وبالتزام المرونه

أنت صُغت النشيد عذبا شجيا

ثم ابدعت في الدجى تلحينه

والعزيز العزيز منا مطيع

فلتبادر ولا تخف ما دونه

والطريق الطويل أمسى قصيرا

والتواقيع أصبحت مضمونه

ليس يجدي وقد سهرنا الليالي

مسجد القدس أن نعدّ أنينه

ليس بالدمع يدقع الظلم عنه

أو يعيد اللغو الغبي سنينه

بل بحرب نوحد الله فيها

ينصر الله في الملمات دينه

ص: 353

الخَبيثَةُ أمُّ الخبَائِثِ

للشيخ عبد الفتاح عشماوي

المدرس في كلية الحديث الشريف

مما لا شك فيه أن سعادة الإنسان مرتبطة بعقله. والعقل من الإنسان كالقطب من الرحى أو الشمس من الكون أو الروح من الجسد.

به يعرف الخير من الشر والضار من النافع والهدى من الضلال، وبه رفع الله شأن الإنسان. ففضله وكرمه على كثير من خلقه. خاطبه وكلفه واستخلفه في الأرض وجعله مسئولاً أمامه عما يأتي: وعما يذر.

وحفظاً لهذه النعمة الكبرى حرم الله عليه أن يندفع مع شهوته الفاسدة إلى تناول ما يفسد تلك النعمة أو يضعفها. فيحرم من آثار الطيبة وينزل عن المكانة السامية التي وضعه الله فيها.

ومن أجل ذلك حرم الله عليه الخمر.

التدرج في تحريمها:

وقد كان الناس يشربون الخمر حتى هاجر الرسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فكثر سؤال المسلمين عنها وعن لعب الميسر لما كانوا يرون من شرورهما ومفاسدهما. فأنزل الله عز وجل:

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} سورة البقرة آية 219.

أي أن في تعاطيهما ذنباً كبيرا. لما فيهما من الأضرار والمفاسد الجسدية والدينية. وأن فيهما كذلك منافع للناس. وهذه المنافع مادية وهي الربح بالاتجار في الخمر وكسب المال دون عناء في الميسر. ومع ذلك فإن الإثم أرجح من المنافع فيهما. وفي هذا ترجيح لجانب التحريم وليس تحريماً قاطعاً، وتسابق الكثير إلى تركها اكتفاء بترجيح المعنى للترك.

ثم نزل بعد ذلك التحريم القاطع أثناء الصلاة تدرجاً مع الناس الذين ألفوها وعدوه جزءاً من حياتهم قال الله سبحانه وتعالى :

ص: 354

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} سورة النساء آية 43.

وكان سبب نزول هذه الآية أن رجل صلى وهو سكران فقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ..} إلى آخر السورة بدون ذكر النفي. وكان ذلك تمهيداً للبت في أمرها، ثم نزل حكم الله بتحريمها نهائياً. قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} سورة المائدة: آية 90- 91.

فقال عمر رضي الله عنه: " انتهينا يا رب، فقد كان هو صاحب هذه الدعوة المجابة ".

وقد احتوت الآية على جملة من أساليب التحريم القوية القاطعة.

فأولاً: نظمت الخمر مع مظاهر الشرك في توحيد الله وعبادته وهي الأنصاب. والأزلام في سلك واحد.

{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ} .

ثانياً: وصفت الجميع بأنه (رجس) واستخدمت كلمة (إنما) الدالة على أنه لا صفة لها سوى الرجسية. وبتتبع كلمة (رجس) في القران الكريم لم نجدها إلا عنوانا على ما اشتد قبحه وعظم عند الله جُرمه.

قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَان} .

{فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} .

{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} .

{فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} .

ص: 355

{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} .

وهكذا اندرج شرب الخمر مع الكفر والكافرين وعبادة الأوثان تحت كلمة (رجس) .

ثالثاً: وصفت الآية الخمر بأنها من عمل الشيطان وهو كناية في اللسان العربي وفي الأسلوب القرآني على غاية الفحش ونهاية الشر.

رابعاً: أمرت الآية باجتنابه ومعناه أن تكون الخمر في جانب والمؤمن في جانب ناء منها بحيث لا يقربها فضلاً عن أن يتصل بها فضلاً عن أن يتناولها.

خامسا: علقت الآية على اجتنابه رجاء الفلاح. والفلاح يتضمن السلامة من الخسران والحصول على خيري الدنيا والآخرة وأرشد ذلك إلى أن الاقتراب من الخمر يوقع في الخسران العام المطلق.

سادساً: أرشدت الآية إلى أثره السيئ في علاقة الناس بعضهم مع بعض، بقطع الصلات. ويعد لسفك الدماء. وانتهاك الحرمات التي عظمها الله.

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} .

سابعاً: سجلت الآية أن من آثار الخمر بعد هذا الضرر الاجتماعي ضرراً آخر روحياً يقطع صلة الإنسان بربه. وينزع من نفسه تذكر عظمة الله عن طريق مراقبته بالصلاة الخاشعة. وتذكر جماله وجلاله، وذلك بما يترك في القلب من قسوة وفي النفس من دنس.

{وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} .

وأخيراً تختم الآية هذه الجهات كلها بهذا الاستفهام التقريعي الدال على غاية التهديد.

{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . أي انتهوا وإلا، فعقاب ماحِق لمن لم ينته.

تلك أساليب التحريم التي تضمنتها آية الخمر وأنه لفي الواحد منها ما يملأ قلب المؤمن بربه رهبة من غضبه إذا ما حدثته نفسه أن يقترب من الخمر بما يلوث من نتنه، وهذه الآية آخرها ما نزل في حكم الخمر وهي قاضية بتحريمها تحريماً مُرْهِباً.

وأخرج عبد الله بن حميد عن عطاء قال:

ص: 356

أول ما نزل من تحريم الخمر: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} .

فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها، وقال الآخرون: لا خير في شيء فيه إثم.

ثم نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .

فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين. فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فنهاهم فانتهوا. وكان هذا التحريم بعد غزوة الأحزاب.

وعن قتادة: " أن الله حرم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وكانت غزوة الأحزاب سنة أربع أو خمس هجرية ".

وذكر ابن إسحاق أن التحريم كان في غزوة بني النضير وكانت سنة أربع هجرية على الراجح.

تشديد الإسلام في تحريم الخمر:

وتحريم الخمر يتفق مع تعاليم الإسلام التي تستهدف إيجاد شخصية قوية في جسمها ونفسها وعقلها. وما من شك في أن أن الخمر تضعف الشخصية وتذهب بمقوماتها ولا سيما العقل.

وإذا ذهب العقل تحول المرء إلى حيوان شرير وصدر عنه من الشر والفساد ما لا حد له. فالقتل والعدوان والفحش وإفشاء الأسرار وخيانة الأوطان من آثاره.

وهذا الشر يصل إلى نفس الإنسان وإلى أصدقائه وجيرانه وإلى كل من يسوقه حظه التعس إلى الاقتراب منه.

ص: 357

فعن علي كرم الله وجهه: أنه كان مع عمه حمزة وكان له شارفان (ناقتان مسنتان) أراد أن يجمع عليهما الإذخِر. وهو نبات طيب الرائحة - مع صائغ يهودي ويبيعه للصواغين ليستعين بثمنه على وليمة فاطمة رضي الله عنها عند إرادة البناء بها -.

وكان عمه حمزة يشرب الخمر مع بعض الأنصار ومعه قينة تغنيه فأنشدت شعراً حثته به على نحر الناقتين. وأخذ أطايبهما ليأكل منها. فثار حمزة وقطع أسنمتها وأخذ من كبديهما فلما رأى علي ذلك تألم ولم يملك عينيه وشكا حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم. على حمزة ومعه علي وزيد بن حارثة. فتغيظ عليه

وطفق يلومه - وكان حمزة ثملا احمرت عيناه. فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ولمن معه: " وهل أنتم إلا عبيد لأبي ".

فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل. نكص على عقبيه القهقرى وخرج هو ومن معه.

هذه هي آثار الخمر حينما تلعب برأس شاربها وتفقده وعيه ولهذا أطلق عليها الشرع أم الخبائث.

ومما يروى من آثار الخمر. أن قيس بن عاصم المنقري كان شراباً لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه. وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران. وسب أبويه ورأى القمر فتكلم بشيء وأعطى الخمار كثيرا من ماله فلما أفاق أخبر بذلك وحرمها على نفسه وفيها يقول:

رأيت الخمر صالحة وفيها

خصال تفسد الرجل الحليما

فلا والله أشربها صحيحا

ولا أشفى بها أبداً سقيما

ولا أعطى بها ثمنا حياتي

ولا أدعو لها أبداً نديما

فإن الخمر تفضح شاربيها

وتجنبهم بها الأمر العظيما

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:

" الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر. ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته ".

- رواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو. وكذا من حديث ابن عباس بلفظ – " من شربها وقع على أمه ".

ص: 358

وكما جعلها أم الخبائث أكد حرمتها ولعن بتعاطيها وكل من له صلة واعتبره خارجاً عن الإيمان.

فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

" لعن في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشترى له " رواه ابن ماجة والترمذي. وقال حديث غريب.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ".

رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

وجعل جزاء من يتناولها في الدنيا أن يحرم منها في الآخرة لأنه استعجل سيئا فجوزي بالحرمان منه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة ".

السنة والإجماع في تحريم الخمر:

جاء في السنة النبوية تأكيد تحريم الخمر عينا بأحاديث عديدة ثابتة.

مثل قوله صلى الله عليه وسلم " حرّمت الخمر بعينها والسَّمرُ من كل شراب " ويروى " لعينها " ويروى " بعينها قليلها وكثيرها "[1]

وقوله عليه الصلاة والسلام: " من شرب الخمر فاجلدوه ".

ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر.

وأجمعت الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على تحريما. وبذلك استقرت الحرمة حكماً للخمر في الإسلام وصارت حرمتها من المعلوم من الدين بالضرورة. ومن لوازم ذلك أن من استحلها وأنكر حرمتها يكون خارجاً من الإسلام.

وإن من يتناولها طائعاً مختاراً مقراً بحرمتها يكون فاسقا عن أمر الله. خارجاً على حدوده عاصياً لأحكامه.

ولا خلاف في هذا لأحد من ذوي الفهم في النصوص والأحكام سةاء أخذت شرباً أو بطرق آخر.

ص: 359

وبعد هذا كله ما زلنا نجد بعض الناس يقولون بأنه لم يرد نص صريح في تحريم الخمر فلم يأت: حرمت عليكم الخمر. كما جاء في القران: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} .

ونقول لهؤلاء: إن تحريم الخمر في القران تحريم قاطع لا شك فيه ولا يصح الجدال حوله بل إن قول الله سبحانه {فَاجْتَنِبُوهُ} أقوى وأبلغ واشد تحريماً مما لو قال سبحانه وتعالى: حرمت عليكم الخمر، بل إنه حرم حملها والجلوس على مائدة يتناول فيها الخمر. والجلوس مع من يتناولها. والاقتراب منها بأي شكل كان.

يلاحظ مثلاً ومنذ بدء الخليقة أن الحق سبحانه حين قال لآدم كل من كل شيء في الجنة ولا تأكل من هذه الشجرة.

قال لآدم وحواء وهو يأمرهم بالامتناع عن الأكل من الشجرة المحرمة {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} لم يقل لهما: لا تأكلان من هذه الشجرة وإنما قال لا تقربا هذه الشجرة.

ما الفرق بين أن يقول سبحانه وتعالى لا تأكل من هذه الشجرة. وأن يقول لا تقربا هذه الشجرة؟

فكأن محارم الله يجب أن يبتعد عنها وعن نطاقها. لا تقترب أبداً لأن القرب منها قد يغري الإنسان بها قد تفتح باب الشيطان في الإنسان فيقع في المعصية.

إذن لا تقربا هذه الشجرة أبلغ وأشد في الإحتياط من لا تأكلا منها، لأنه، إذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال: لا تأكلا، لكان من الممكن أن يذهب الإنسان إلى الشجرة ويجلس بجوارها ويتغزل في محاسنها وينظر إلى ثمارها بحسرة ولكنه لا يأكل منها وحينئذ لا يكون مخالفاً لأمر الله، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجنب البشر ذلك الذي يقربهم من المعصية وتفتح في نفوسهم باب الشيطان.

ومن هنا حين قال لآدم وحواء لا تقربا هذه الشجرة كان يعني لا تقربا منها ابدأ - لأن القرب منها بداية المعصية وفتح الباب أمام هوى النفس وإغراء الشيطان، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

ص: 360

ولذلك يلاحظ في القران أن كل شيء محرم يقول الله سبحانه وتعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} لكن في المحللات يقول: {فَلا تَعْتَدُوهَا} تتجاوزوها.

ونقول لمن يردد أن الخمر لم يرد فيها نص تحريمي كما حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير نقول لهم: إنكم لم تفهموا مدلولات اللغة ولا مدلولات القران الكريم.

فالاجتناب أقوى من التحريم بدليل أن الاجتناب جاء في قمة العقيدة قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} فكلمة اجتناب هنا في ماذا؟.

في قمة الأيمان وقمة العقيدة. فهل معنى ذلك أن عبادة الشيطان غير محرمة بل مكروهة؟.

وأن عبادة الأصنام غير محرمة بل مكروهة؟.

إن الاجتناب أقوى من التحريم. وإلا لم يكن الله سبحانه وتعالى ليستخدم هذا اللفظ في قمة العبادات وفي قمة الايمان.

فقول الله تعالى: {فَاجْتَنِبُو هـ} معناه أنه ممنوع على المسلم أن يوجد مع الخمر في أي مكان أو مع أناس يشربونه أو يحمله لمن يشربه. أو يتاجر فيه ويتخذه وسيلة للرزق.

فالذين يقولون إن الخمر لم تحرم في كتاب الله. قوم يجهلون أساليب التحريم في كتاب الله وفي سنة رسوله. بل هناك من يحاول طمس الحقائق عن طريق الخداع وإلباس الحق بالباطل كيداً للمسلمين. وانتزاعاً لهم من دينهم وطمساً لشعائرهم وتحريضاً لهم على اقتحام محرمات الله باسم الفهم والرأي. وما مقصدهم في الحقيقة إلا الكيد للإسلام وإلا الخديعة للمسلمين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه " رواه أحمد وابن ماجه وقال تشرب مكان (تستحل) .

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها " رواه ابن ماجه: نيل الأوطار جـ 8 ص 203.

ص: 361

فهؤلاء الذين تكلم عنهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم يستحلون أو يشربون الخمر باسم غير اسم الخمر فكأنهم يتحايلون على تحريم الخمر بتسميتها باسم آخر.

ما هي الخمر: سأتعرض لتعريف الخمر في اللغة وتعريفها في الكيمياء وتعريفها في الفقه الإسلامي.

تعريفها اللغوي: الخمر في اللغة تذكر وتؤنث فيقال: هي الخمر وأنكر بعضهم التذكير. وقال إن الخمر مؤنثة فقط.

والخمر هو ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل والتخمير التغطية. يقال خمر وجهه. وخمر إناءه أي غطاها.

والمخامرة أيضاً المخالطة. وقال ابن الأعرابي: " وسميت الخمر خمراً لأنها تركت فاختمرت. واختمارها تغير ريحها ".

وقيل سميت بذلك لمخامرتها العقل. ويقال: خمرة وخمر وخمور. مثل: تمرة وتمر وتمور.

تعريف الخمر في الكيمياء [2] : الخمر هي الشربة التي بها كمية من الكحول - والكحول أو الوْل في أصل اللغة العربية هو ما ينشأ عنه بعد شرب الخمر صداع وسكر لأنه يغتال العقل.

وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن خمر الجنة هذه الصفة فقال تعالى {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} والغول (الكحول) هو اسم عام يطلق على جملة من المركبات الكيماوي لها خصائص متشابهة ومكونة من ذرات (الهيدروجين) و (الكربون)(الفحم) وآخرها مجموعة (هيدرو كسيلية) أي ذرتي (أوكسجين) و (هايدروجين) وهذه المركبات تدعى: ((الغولات – أو (الأغوال) جمع غَوْل. ومنها الكحول المثيلى.

ولما كان الكحول الأثيلي أكثرها شيوعاً واستعمالاً اصطلح العلماء على تخصيصه باسم الكحول. وهو روح الخمر. والأسبرتو الذي يستخدم للوقود يحتوي في العادة على الكحول المثيلي السام، إذ تضيفه الحكومات عمداً حتى لا يشرب، ولذا كان شرب السبرتو مميتاً في أغلب الحالات على الفور. بينما شرب الخمر مميت على المدى الطويل.

ص: 362

وتتكون الكحول في الخمر بواسطة (أنزيمات) خمائر – تقوم بتحويل المواد السكرية الموجودة في الفواكه مثل العنب والرطب والتين.

والمواد النشوية الموجودة في الشعير والذرة والحنطة إلى كحول أثيلي وذلك بعمليات بطيئة متتابعة.

وقد كانت هذه الطريقة تستعمل منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا للحصول على الخمور. وبهذه الطريقة يمكن الحصول على جميع أنواع المشروبات المخمرة بمفهومها القديم مثل (الجعّة) وغيرها.

أو بمفهومها الحديث مثل الشيلي والشامبانيا وغيرهما. وفي العصر الحاضر تزرع هذه الخميرة في المختبرات وتضاف إلى الفواكه بكميات ومقادير محسوبة وتوضعه في درجة حرارة ملائمة حتى تسرع عملية التخمر الذاتي.

وهكذا يتحول السكر إلى كحول أثيلي وثاني أكسيد كربون وماء.

تعريف الخمر في الفقه الإسلامي:

(هو كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو ومن غيره مطبوخاً أو غير مطبوخ) .

والمعلوم أن كل ما من شأنه أن يسكر يعتبر خمراً، ولا عبرة بالمادة التي أخذت منه فما كان مسكراً من أي نوع من الأنواع فهو خمر شرعاً. ويأخذ حكمه. يستوي في ذلك ما كان من العنب أو التمر أو العسل أو الحنطة أو الشعير أو ما كان من غير هذه الأشياء إذ أن ذلك كله خمر محرم لضرره الخاص والعام. ولصده عن ذكر الله وعن الصلاة ولا يقاعه العداوة والبغضاء بين الناس.

والشارع لا يفرق بين شرابين كلاهما مسكر ولو اختلف أصلهما، فيبيح القليل من صنف ويحرم القليل من صنف آخر، بل يسوى بينهما – وإذا كان قد حرم القليل من أحدهما فإنه كذلك قد حرم القليل من الآخر، وقد جاءت النصوص صريحة لا تحتمل التأويل.

فقد روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر. وكل خمر حرام ".

ص: 363

وروى البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أما بعد. أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل ".

هذا الذي قاله أمير المؤمنين. وهو القول الفصل لأنه أعرف باللغة وأعلم بالشرع. ولم ينقل أن أحداً من الصحابة خالفه فيما ذهب إليه.

وروى مسلم عن جابر: أن رجلاً من اليمن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له (المزر) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسكر هو؟ " قال نعم فقال صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر حرام

إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال ". قالوا يا رسول الله: وما طينة الخبال؟

قال: " عرق أهل النار " أو قال: " عصارة أهل النار ".

وروى أحمد والبخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال:

قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعها باليمن (البتع) وهو من العسل حين يشتد – (والمزر) وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتى جوامع الكلم بخواتيمه. قال: " كل مسكر حرام ".

هذا هو رأي جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين.

وهذه أنواع الخمور التي كانت توجد أساساً فهل يقتصر التحريم على هذه الأنواع الخمسة فقط أم أن هناك أنواعاً مستحدثة وأسماء جديدة؟ !!!.

أهم الأنواع التي استحدثت من الخمر: هناك مثلاً (البراندي)(والوسكي)(والروم)(والليكبر) ، وغيرها. وتبلغ نسبة الكحول فيها من 40 % إلى 60 % وتبلغ النسبة في (الجن) و (الهولاندي) و (الجنيفا) من 33 % إلى 40 % وهناك أيضاً أصنافاً أخرى مثل (البورت) و (الشرى) و (الماديرا) وتحتوي على 15 % إلى 25 %.

ص: 364

وتحتوي الخمور الخفيفة مثل (الكلارت) و (الهوك) و (الشامبانيا) و (البرجاندي) على 10 % إلى 15 %.

وأنواع البيرة الخفيفة على 2 % إلى 9 % مثل (الأيل) و (البورتر) و (الاستوت) و (الميونيخ) وغيرها.

كما أن هناك أصنافاً أخرى تحتوي على نفس النسب الأخيرة مثل (البوظة) والقصب المتخمر وغيرهما [3] .

سر تحريم الخمر: عندما قرر الإسلام حرمة الخمر وعقوبة شاربها لم ينظر إلى أنها سائل يشرب. وإنما نظر إلى الأثر الذي تحدثه في شاربها من زوال العقل الذي يفسد عليه إنسانيته ويسلبه مكانة التكريم التي منحه الله إياها. ويفسد عليه أيضاً ما يحب أن يكون بينه وبين الناس من صلات المحبة والصفاء ويطوع له مع هذا انتهاك الأعراض وقتل النفس ويعكر عليه صفو المعرفة بالله الناشئة عن مراقبته وتذكر عظمته.

وذلك عنوان أضرارها الروحية والاجتماعية التي حرمت لأجلها كما تضمنها وأشار إليها بأساليب التحريم المتعددة القوية قوله تعالى من سورة المائدة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

وقد كشف الوحي الإنساني في ضوء هذا الوحي الإلهي الكريم أن للخمر مع هذه الأضرار أضراراً أخرى أجمع عليها الأطباء المتخصصون في أمراض الكبد والمعدة والقلب وسائر الأجهزة.

وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية من باريس في شهر مايو 1956 م أن معهد الإحصاء الفرنسي أذاع في 25 من مايو سنة 1958 م أن الخمور بدأت من الفرنسيين أكثر مما لا يقتل مرض السل.

ص: 365

وقال المعهد أن 17،400 فرنسي ماتوا في العام الماضي من الخمر بينما لم يمت سوى 12،000 بالسل هذا التقرير رسمي عماده معهد الإحصاء القومي في فرنسا لضحايا كل من الخمر والسل.

وحسْب الذين يميلون إلى الخمر أو يحاولون خديعة الناس عن حكمها في الإسلام أن يعرفوا ذلك ليتبين لهم كيف يرحمهم الله الحكيم بتحريم الخمر وكيف يصورها لهم بأنها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} وأي رجس بعد هذا؟ !!!.

وهذا كله فوق ما يحدثه شربها من الأضرار الاقتصادية التي تذهب بأموال شاربها سفهاً بغير علم إلى خزائن الذين اصطنعوها وصدروها وتفننوا في سبيل الإعلان عنها والإغراء بها. وفوق ما تحدثه من الأضرار الأدبية في الذهاب بالحشيمة والوقار واحترام الأهل والأبناء والأصدقاء. وفوق التوارث لرجسيتها بين الآباء والأبناء والأحفاد. ولهذا كله حرم الإسلام الخمر.

وقد نشرت مجلة التمدن الإسلامي ملخصاً لأضرار الخمر بقلم الدكتور عبد الوهاب خليل. يتحدث فيه عن أضرار الخمر النفسية والبدنية والخليقة وما يترتب عليها من آثار سيئة.

فقالت

" وإذا سألنا جميع العلماء سواء علماء الدين أو الطب أو الأخلاق أو الاجتماع أو الاقتصاد وأخذنا رأيهم في تعاطي المسكرات لكان جواب الكل واحداً:

وهو منع تعاطيها منعاً باتاً لنها ضرراً فادحاً ".

فعلماء الدين يقولون: إنها محرمة وما حرمت إلا أنها أم الخبائث.

وعلماء الطب يقولون: إنها من أعظم الأخطار التي تهدد نوع البشر لا بما تورثه مباشرة من الأضرار السامة فحسب بل بعواقبها الوخيمة أيضاً.

إذ أنها تمهد السبيل لخطر لا يقل ضرراً عنها، ألا وهو السل.

والخمر توهن الجسم وتجعله أضعف مقاومة وجلداً في كثير من الأمراض مطلقاً. لأنها تؤثر في جميع أجهزة البدن وخاصة في الكبد.

ص: 366

وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية لذلك لا يستغرب أن تكون من أهم الأسباب الموجبة لكثير من الأمراض العصبية ومن أعظم دواعي الجنون والشقاوة والإجرام لا لمستعملها فقط بل وفي أعقابه من بعده.

فهي إذن علة الشقاء والبؤس. وهي جرثومة الإفلاس والمسكنة والمذلة. وما نزلت بقوم إلا أودت بهم مادة ومعنى بدناً وروحاً جسماً وعقلاً.

وعلماء الأخلاق يقولون: لكي يكون الإنسان محافظاً على الرزانة والعفة والشرف والنخوة والمروءة. يلزم عدم تناول شيء يضيع به هذه الصفات الحميدة.

وعلماء الاجتماع يقولون: لكي يكون المجتمع الإنساني على غاية من النظام والترتيب يلزم عدم تعكيره بأعمال تخل بهذا النظام وعندها تصبح الفوضى سائدة. والفوضى تخلق التفرقة. والتفرقة تفيد الأعداء المتربصين.

وعلماء الاقتصاد يقولون: إن كل درهم نصرفه لمنفعتنا فهو قوة لنا وللوطن وكل درهم نصرفه لمضرتنا فهو خسارة علينا وعلى وطننا. فكيف بهذه الملايين من الأموال التي تذهب سدى على شرب المسكرات على اختلاف أنواعها وتؤخرنا مالياً وتذهب بمروءتنا وتدمر مجتمعنا.

فعلى هذا الأساس نرى أن العقل يأمرنا بعدم تعاطي الخمر، لأن العقل يجب أن يعي الخير الذي يأمر الله به، وإذا أرادت الحكومة أي حكومة أخذ رأي العلماء الخبيرين في هذا المضمار فقد كفيناها مؤونة التعب في هذه السبيل وأتيناها بالجواب بدون أن تتكبد مشقة أو تصرف قرشاً واحداً. إذ جميع العقلاء متفقون على ضررها. والحكومات من الشعوب والشعوب تريد من حكوماتها رفع الضرر عنها والأذى فهي مسئولة عن رعيتها.

ويمنع المسكرات يغدوا أفراد الأمة أقوياء البنية صحيحي الجسم أقويا العزيمة ذوي عقل ناضج، وهذه من أهم الوسائل المؤدية إلى رفع المستوى الصحي في المجتمع كله، وكذلك هي الدعامة الأولى لصلابة البناء الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، فتنعدم أو تقل الجرائم وكل ما يثير الاضطرابات.

ص: 367

وبعدها تصبح السجون خالية تتحول إلى دور يستفاد منها بشتى الإصلاحات الاجتماعية.

هذه هي الحضارة والمدنية. وهذا هو الرقي والوعي وهذا هو المعيار والميزان لرقي الأمم. أن تشترك وتتعاون على رفع الضرر والأذى، وفتح باب العمل الجدي المنتج الواسع.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} .. انتهى.

هذه الأضرار الآنفة ثبتت ثبوتاً لا مجال فيه لشك أو ارتياب مما حمل كثيراً من الدول الواعية على محاربة تعاطي الخمر وغيرها من المسكرات وكان في مقدمة من حاول ذلك من الدول أريكا وروسيا أكبر دولتين ماديتين في العالم.

فقد نشر في كتاب: (تنقيحات) للسيد أبو الأعلى المودودي ما يلي:

" منعت حكومة أمريكا الخمر وطاردتها في بلادها واستعملت جميع وسائل المدنية الحاضرة. كالمجلات والمحاضرات والصور والسينما لتهجين شربها وبيان مضارها ومفاسدها وكذا روسيا ودولاً أخرى كثيرة ليست مسلمة.

ويقدرون ما أنفقت أمريكا في الدعاية ضد الخمر بما يزيد عن 60 مليون دولار وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على 10 بلايين صفحة زمت تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاماً لا يقل عن 250 مليون دولار.

وقد أعدم فيها 300 نفس وسجن 532‘335 نفس وبلغت الغرامات إلى 16 مليون جنيهاً وصادرت من الأملاك ما يبلغ 400 مليون وأربعة ملايين جنيهاً.

ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غراماً بالخمر وعناداً في تعاطيها حتى اضطرت الحكومة سنة 1933 م إلى سحب هذا القانون وإباحة الخمر في بلادها إباحة مطلقة " انتهى.

إن أمريكا قد عجزت عجزاً تاماً عن تحريم الخمر بالرغم من الجهود الضخمة التي بذلتها.

ص: 368

ولكن الإسلام الذي ربى الأمة على أساس من الدين وغرس في نفوس أفرادها غراس الإيمان الحق وأحيا ضميرها بالتعاليم الصالحة والأسوة الحسنة. لم يصنع شيئاً من ذلك ولم يتكلف مثل هذا الجهد ولكنها كلمة قيلت من الله سبحانه وتعالى استجابت لها النفوس استجابة مطلقة.

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

" ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ. إ ني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا: لا فقال: إن الخمر قد حرمت فقال: يا أنس أرق هذه القلال. قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل ". هكذا يصنع الإيمان بأهله.

تأثير الخمر على جسم الإنسان: إن صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة واعتبرها من صميم رسالته. ولن يكون الشخص راجحاً في ميزان الإسلام محترم الجانب إلا إذا حافظ على جسمه وعقله وصانه عن كل ما يفسده.

ويقظة العقل مرتبطة بسلامة الجسد، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم.

ولذلك نهانا الله سبحانه وتعالى عن الابتعاد عن كل ما فيه إفساد للجسم أو للعقل، قال تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ومما لاشك فيه أن الخمر تؤدي بشاربه إلى الهلاك المؤكد الذي أثبتته وقائع الأيام.

فمن المعلوم أن جميع السوائل المسكرة تحتوي على نسبة معينة من الكحول كما أسلفنا ترتفع وتنخفض بالنسبة لنوع السائل. فمثلاً كأس البيرة الواحد فيه من 3 – 8 % وكاس الوسكي يحتوي على نسبة 50 % من الكحول. وكأس الشمبانيا يحتوي على نسبة 20 % من الكحول. وكأس الشيرى أو اليورت يحتوي على نسبة 20 % من الكحول [4] .

ص: 369

ومن المعلوم كذلك أن نسبة الكحول كلما ارتفعت نسبتها في الشراب كلما كان تأثيره السيئ على الأجهزة التي يحتويها الجسم أكثر ضرراً وأشد فتكا.

ومن المعلوم كذلك أن الذي يؤثر في أجهزة جسم الإنسان هو الكحول لذا يسمى بروح الخمر، ولهذا كما سبق يسمى في اللغة العربية بالغول لأنه يغتال العقول بل ويفتك بها.

لذا فإن الله عز وجل لما ذكر عباده المخلصين الذين استثناهم من تذوق العذاب الأليم وصور لهم النعيم الذي سيلقونه في إعطائه في الدار الآخرة كان من ضمن ما يتنعمون أن يطاف عليهم بخمر لذة للشاربين لأنها منقادة من الغول المجلب للصداع المنغص المكدر حقيقة للنفوس. قال تعالى:

{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [5] .

ومن الدراسات الكيميائية اتضح أنه يفتك كذلك بكثير من أجهزة الجسم ولكن تأثيره المباشر والفوري يظهر أول ما يظهر على العقول.

ولما كان الكحول هو روح الخمر كما ذكر وقد أجريت دراسات علمية معملية على مدى تأثير الكحول على أجهزة جسم الإنسان. وثبت يقيناً أن للكحول وبالتالي للخمور آثار فتاكة بك أجزاء جسم الإنسان، وإن كان نسبة الضرر التي تصيب كل جزء تتفاوت عن غيرها.

ٍمن أجل هذا سأتحدث عن بعض الأضرار التي تلحق الإنسان من جراء تناوله هذه السموم.

تأثير الكحول على الجهاز العصبي للإنسان:

((أهم تأثير للكحول تخديره لخلايا المخ جميعاً. ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا القشرة وهي الخلايا المتحكمة في الإرادة أو ما نعبر عنه بكلمة العقل)) .

ص: 370

والعقل هو القوة التي خلقها الله للإنسان يستطيع بواسطتها أن يميز بين الأشياء لذا فإن الطفل تتكون عنده بالتدرج مجموعة من الموانع الأخلاقية بالتربية فالطفل يتبول، ويتغوط دون أي مانع. فإذا بلغ سن لا إله إلا التمييز ثم التكليف فإنه لا يمارس الأفعال التي كان يمارسها وهو صغير.

ووظيفة الكحول هي التأثير على هذه القوة فيصبح مرة أخرى لا يتحرج من فعل ما كان يفعله صغيراً أو ما يماثله. ويفقد الإنسان قوة التحكم فيما يأتي من أفعال. وحتى فيما ينطق به من كلمات. إذا سكر هذى وإذا هذى افترى.

ويفقد القدرة على الأعمال التي تحتاج إلى دقة كالطباعة أو قيادة السيارات بل وتختل الموازين الزمنية والمكانية. فلا يستطيع السائق المخمور أن يتحكم في السرعة وتفادى الحوادث. لذا فإن جميع الدول تحرم قيادة السيارات تحت تأثير الخمر وتشدد العقوبة حينئذ على المخمور.

وقد أثبتت الفحوص الكثيرة أن الكفاءة والمقدرة لدى الشخص المتعاطي تنخفض بمجرد شرب الكحول حتى ولو كان متعوداً عليها ولو كانت الكمية ضئيلة.

ويؤثر الكحول على دقة النظر والقدرة على السمع الجيد وعلى الشم والطعم وعلى توازن العضلات. وكذلك فإن الشخص المتعاطي لا يستطيع أن يتخذ القرار فضلاً عن القرار السريع والمناسب. ومهما كانت الكمية المتعاطاه ضئيلة [6] .

يقول الدكتور سيدني كاى. في كتابه (علم السموم)[7] .

" إن الخمر هي السبب المباشر وغير المباشر في المئة من مجموع حالات الوفاة التي يفحصها بمعمل الطب الشرعي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة ".

ص: 371

((وقد أقيمت في مدينة مانسشتر بانجلترا تجربة على أمر سائقي الاتوبيسات هناك وأعطى كل واحد منهم كمية قليلة من الخمر ثم سمح له بقيادة الاتوبيسات تحت الاختبار. ورغم الثقة الزائدة التي كانت تبدو على السائقين. إلا أن أخطاءهم كانت مروعة ومرعبة وستؤدي إلى كوارث خطيرة)) ولا يوجد شك في أن الخمر هي السبب الأ ول في حوادث السيارات والطائرات.

وما لا يقل عن خمسين في المائة من جميع حوادث السيارات. وللأسف فإن تقارير البوليس أقل من هذه النسبة وذلك لأن إثبات حالة السكر البين ليست يسيرة وبخاصة إذا كانت الكمية المتعاطاة قليلة فلا تظهر آثارها كاملة ولا ترتفع نسبة الدم إلى الحد الذي يمنعه القانون.

فالقوانين في أوربا وأمريكا تعاقب على شرب الخمر وقيادة السيارات إذا كانت النسبة مئة مليجراماً في كل مئة سنتي من الدم [8] .

الخمر والجلد:

يعتقد الناس المدمنين أن الخمر عامل من عوامل التدفئة وأنها كذلك تزيد من قوة الإنسان ونشاطه لذا فإن شارب الخمر تتورد خدوده ويكاد الدم المتدفق في وجهه أن يتدفق من وجنتيه ظل الناس على هذا الإعتقاد حنى الآن وكثير من الأطباء كذلك. أما القليل الذي يتابع الحركة العلمية للطب فقد زال عنه هذا الاعتقاد بناء على الاكتشافات الحديثة التي تقوم على التحاليل العلمية المعملية.

وقد ثبت أن الاحساس بالدفء إحساس كاذب حقيقة وذلك لأن تناول الكحول يسبب توسعاً في الأوعية الدموية للجلد نتيجة شلل مؤقت بالمركز الدموي الحركي في النخاع المستطيل.

وتزداد كمية الماء في الدم مما يترتب عليه احتقان وجه الشارب وتحمر وجناته وتحتقن الملتحمة في عينيه، فيحس الشخص بالدفء بعد تناول الكحول.

وفي حقيقة الأمر قد فقد جسمه حرارته لذا فإن الشارب قد يموت فعلاً من البرد وهو شاعر بالدفء.

ص: 372

((ورغم أن الكحول تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية التي في الجلد وفي الجسم عامة إلا أنها لا توسع الأوعية التاجية التي تغذي القلب)) .

وهذه حقيقة مجهولة كذلك حتى عند كثير من الأطباء إلى عهد قريب. ولكن منجزات الطب الحديثة قد كشفت عن زيف هذا الاعتقاد واتضح الآن أن الأطباء الذين يصفون الخمر لمرضى ضيق الشرايين التاجية على أمل أن يحسن ذلك من الدورة التاجية. مخطئون بل إن الطب الحديث أثبت عكس ذلك فقد أثبت أن الخمر تتسبب في تصلب الشرايين التاجية للقلب ويؤدي هذا إلى الذبحات الصدرية وكذلك إلى جلطة القلب)) [9] فالخمر حقيقة داء وليست بدواء.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} .

لذا فإن أهل اليمن حينما جاء وفد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستفتوه في شرب الخمر في الشتاء لشدة البرودة آنذاك فلم يفتهم بذلك.

وكذلك فقد روى أحمد عن ديلم الحميري رضي الله عنه قال:

" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض نعالج بها عملاً شديداً وإنا نتخذ شراباً من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا فقال عليه الصلاة والسلام: هل يسكر؟ قلت نعم، قال: فاجتنبوه. قالت: الناس غير تاركيه. فقال: فإن لم يتركوه فاقتلوهم "[10] .

فالرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوافق على شرب الخمر مع دعوى أن شربها يستعان به على العمل وعلى البرد. وإن الطب الحديث يثبت للناس كافة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بعد مضي ألف عام وأربع مئة عام. وهو صلى الله عليه وسلم الصادق حقاً المصدق من أتباعه منذ بداية رسالته وحتى قيام الساعة.

ص: 373

ولسنا نحن المسلمين. في حاجة إلى أن يكون الطب الحديث أو القديم موافقا أو مخالفا. ولكن نقول ذلك لمن ران على قلوبهم، أو علت أعينهم غشاوة فقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم متى صح عنه فهو الحق فإذا خالفه قول أو بحث في زمن من الأزمنة فهو الجهل، وإذا وافقه علم أو بحث صُدِّق البحث بقول الرسول بالبحث. وهذ قاعدة يسير عليها أهل العلم والإيمان.

الخمر والجنس:

يظن الكثير أن الخمر تزيد من القدرة الجنسية، وهذا ظن خاطئ، ولكن الخمر تخدر المناطق المخية العلياء. ولهذا فإن الحياء والأخلاق الكريمة تذهب مع ذهاب انضباط عقل السكران، وهي حقيقة تزيد الرغبة في الجنس وفي بداية الشرب نجعل الشارب يرتكب جرائم جنسية شاذة، فالوازع الأخلاقي غير موجود والتفكير في العواقب يصبح مشلولاً شللاً تاما ًبعد تناول الخمر.

((والاستمرار في شرب الخمر يؤدي إلى ضعف بل فقدان القدرة على الوظيفة الجنسية تماماً. بل إن الإكثار من شرب الخمر غالباً ما يؤدي إلى العمى الكامل، ويؤدي في كثير من الحالات التي لم يتمكن من إنقاذها إلى الموت الحقيقي. وتوجد كذلك في الخمور التي من نوع (الإبسنت) مادة تسبب الصرع والتشنجات وهذه المادة تسمى (الثوجون) وما أكثر ما تسبب هذه الخمور من أمراض عواقبها وخيمة)) .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "هي داء وليست بدواء".

الخمر والجنين:

أكد بحث الدكتور جيمس فرياس، من جامعة فلوريدا أذيع في اليوم التاسع من شهر مارس 1977م - أن إفراط السيدات في تناول الخمور أثناء الحمل يؤدي في 50% من الحالات إلى ولادة طفل متخلف عقليا، بينما يؤدي في 30% من الحالات إلى ولادة طفل مشوه.

وأكد الطبيب الأمريكي أن التجارب أثبتت أن هذه التشوهات تنجم عن عامل موجود في المشروبات الكحولية نفسها.

ص: 374

ومن ناحية أخرى أثبتت آخر الإحصائيات أن عدد النساء الأمريكيات اللاتي يدمن الخمر بلغ نصف عدد المدمنين عموما في الولايات المتحدة الذي يبلغ 10 ملايين شخص [11] .

وقد نشرت مجلة لواء الإسلام الصادر في القاهرة في شهر جمادى الأولى سنة 1367هـ 12 من مارس 1948م العدد التاسع:

يقول الدكتور محمد فخر الدين السبكي، صاحب البحث:

سأبدأ الآن بالتحدث عن أضرار الخمر الصحية وأقسمها إلى قسمين:

أولاً: تأثير جرعة واحدة.

وثانيا: تأثير الإدمان.

فأولا: ماذا يحصل لمن يشرب جرعة واحدة من الخمر؟

إن تأثير هذه الجرعة يختلف تبعا لعوامل كثيرة، منها سن الشخص ونوع الخمر، ودرجة نقاوتها من المراد الغريبة والكمية المشروبة، وكون المعدة خالية أو مملوءة بالطعام، وحالة الشخص الصحية، ودرجة حرارة الجو، وغير ذلك، كما أن التأثير أيضا يختلف تبعا لكون الشخص مدمنا أو غير مدمن.

فالتأثير يزداد كلما كان الشارب صغير السن، وتبعا لدرجة تركيز الكحول في الخمر؛ فجرعة من الويسكي الذي يحوي 35% من الكحول يكون لها تأثير أقوى بالطبع من نفس الجرعة من النبيذ الذي يحوي نحو 15% من الكحول.

ويختلف التأثير أيضا تبعا لما تحتويه الخمر من مواد غريبة، وأخصها الكحول المثيلي الذي قد تسبب جرعة واحدة منه فقد البصر بالكلية.

كما يزداد تأثير الخمر سرعة واحدة إذا كانت المعدة خالية من الطعام.

كما أن تأثيرها يكون أسوأ إذا كان الشخص مصابا بأمراض خاصة.

وكذا إذا كانت درجة حرارة الجو منخفضة، أو كان الشخص غير متعود على الشرب.

وأودّ أن أذكر هنا أن تأثير الخمر لا يتوقف على السُّكر؛ إذ أن هذا التأثير يبدأ بمجرد وصول عشرة جرامات من الكحول إلى الدم للشخص البالغ، وهذا القدر يوجد في كأس واحدة من (الويسكي) أو (الكنياك) .

ص: 375

وقد لا يصل بالشخص إلى درجة السكر، ولكن على كل حال له أثر ملموس في حالة الشخص الجسمية والعقلية.

ومما يذكر لهذه المناسبة أن الشخص إذا فحص في هذه الحالة نجد أن درجة إدراكه وتقديره قد تغيرت فعلا؛ فهو مثلا إذا كتب على الآلة الكاتبة زادت أخطاؤه عن المعتاد، وإذا قاد السيارة لم يتبع بالضبط قوانين المرور، ومع ذلك فهو نفسه لا يدرك أن حالته قد تغيرت، وهذا ليس غريبا بالنسبة له؛ فقلما نجد سكرانا يعترف أن عقله قد اختل، حتى وإن سار في الطريق عريانا أم الناس كما حدث كثيرا، بل إن السكيرين المدمنين قلما يعترفون أن عقلهم غاب مرة واحدة، حتى وإن كان غائبا ففلا وهو يقولون ذلك.

وعند وصول الخمر إلى المعدة تحدث عند غير المتعود عليها احتقانا فيها قد يسبب غثيانا أو قيئا، وإذا كانت الجرعة كبيرة سببت التهابا في المعدة وعسر هضم يمتد إلى بضعة أيام.

وبمجرد سريان الخمر في الجسم تسبب شعورا بالامتلاء في المخ مع شيء من الدوار أو الصداع، كما يسبب الكحول اتساعا في الأوعية الدموية التي بالجلد؛ فيجري فيه دم أكثر من المعتاد مما يسبب شعورا بالدفء، ولو أن درجة حرارة الشخص تكون في الواقع أقل من المعتاد.

والجرعة الواحدة من الخمر تحدث شيئاً من الارتفاع في ضغط الدم، وهذا الارتفاع وحده قد لا يكون له ضرر كبير، ولكن يتضاعف إذا كان الشخص مرتفع الضغط من نفسه، ثم إذا كانت كمية الخمر كافية لأن تحدث هيجانا يزيد في الضغط لدرجة ينفجر معها شريان في المخ يسبب شللا قد ينجو منه الشخص جزئيا أو لا ينجو كلية؛ إذ المعلوم أن الشخص الذي ضغطه الدموي مرتفع يجب أن يلتزم الهدوء في حياته؛ لأن أي هيجان يزيد في ارتفاع الضغط يعرضه لانفجار شرياني، والسكران لا يمكنه أن يضبط عواطفه وبالتالي لا يمكنه لنفسه هذا الهدوء.

ثانياً: تأثير الإدمان على الخمر:

ص: 376

من المعروف عن الخمر أن الذي يشرب كأسا واحدة منها يكون عنده ميل لشرب ثانية وثالثة، حتى إذا تعود عليها بعض الشيء أصبح لا يمكنه أن يفارقها طويلا؛ فيحصل له تسمم من الكحول مزمن تنتج عنه حالة مرضية في جميع أعضاء الجسم المهمة.

وإن من يبحث كتب الطب يتولاه العجب عندما يقرأ باب مسببات الأمراض المختلفة؛ إذ يجد للخمر نصيب الأسد في ذلك، ولا عجب إذا كان لها الأثر الأكبر في ارتكاب الجرائم وانتهاك الحرمات، وخراب البيوت وإفساد الأخلاق؛ فلماذا لا يكون لها الأثر أيضا في إفساد أعضاء الجسم المختلفة وإصابتها بأمراض أو تعريضها للإصابة بأخرى.

يكفي أن نقول إن الإدمان على الخمر من أكبر أسباب تصلب الشرايين.

نحن نعلم أن الشرايين هي التي يجري فيها الدم إلى خلايا الجسم المختلفة يحمل إليها عوامل الحياة.

فتصلب الشرايين أولاً يضيقها فيقل ما يجري فيها من الدم، ويقل تبعا لذلك ما يصل لأنسجة الجسم من غذاء، وتصبح الشرايين غير مطاطة كما يجب، فعند انقباض القبض أو عند زيادة الضغط الدموي لأي سبب - كانفعال نفسي أو إجهاد جسماني - لا تلين الشرايين المتصلبة أماكم الضغط المتزايد بل يقاوم، وكثيرا ما تؤدي هذه المقارنة إلى انفجار أحد الشرايين، وكثيرا ما يكون الشريان في المخ فيحدث شللا، إما أن يترك الشخص عليلا بعد ذلك، وإما أن ينقله إلى الدار الآخرة فورا.

ليشكو ظلم الإنسان لنفسه وكفرانه بأثمن نعم الله، وهما الدين والصحة.

وإذا كان تصلب الشرايين يؤثر في تغذية أعضاء الجسم المختلفة فإن أهم هذه الأعضاء هو القلب، وفساد أوعيته يعرضه للذبحة الصدرية التي كثيرا ما تكون سببا في تنغيص عيش صاحبها.

ص: 377

كما أن ضيق شرايين المخ يسبب ضعف الذاكرة، ويقلل من مقدرة الشخص على الإنتاج الذهني، ولا يقل كثيرا في الخطر عن تصلب الشرايين، تعرض خلايا الجسم المختلفة للتشحم، والتشحم هنا معناه تحول المادة الزلالية الحيوية للخلايا إلى نقط دهنية، وفي هذا فقدان لفائدتها الأصلية، وأهم الأعضاء التي تتأثر لذلك هو القلب أيضا.

ونحن نعلم أن القلب عبارة عن عضلة تشتغل كطلمبة كابسة ماصة؛ ينقبض فيخرج منه الدم، ثم يرتخي فيدخل فيه الدم، وهذا يستلزم قوة عضلاته ومتانتها.

فإذا تحولت الخلايا العضلية إلى دهن ضعف القلب وأصبح غير قابل لتحمل المجهود العادي، وعرضه للهبوط مع ما يتبع ذلك من شرح عام في الجسم، وجملة عوارض أخرى تنتهي بالشخص إلى الوفاة.

هناك عضو آخر ذو أهمية كبيرة وسريع التأثير بالكحول، وهو الكبد.

والكبد يقوم في الجسم بوظائف كثيرة.

فهو أولاً مخزن كبير تمر فيه الأوعية الدموية الآتية من الأمعاء، وتحمل الغذاء بعد هضمه وامتصاصه، فيأخذ منها الزائد عن استهلاك الجسم الوقتي من المواد النشوية ويخزنه ليخرج بعد ذلك تدريجيا وقت الحاجة.

كذلك يقوم الكبد بصنع الصفراء وإفرازها في الأمعاء لتساعد على الهضم.

وفي السكيرين يحصل عادة تليف في الكبد، أي تكاثر الأنسجة الليفية العديمة القيمة تكاثرا كبيرا على حساب خلايا الكبد المفيدة، وتكون نتيجة ذلك:

أولاً: فقدان جزء كبير من منافع الكبد.

ثانياً: ضغط الأنسجة الليفية على الأوردة القادمة من المعدة والأمعاء، وهذا يعوق سريان الدم فيها بسهولة إلى القلب، وينتج عن هذا بالتالي رشح مصل الدم في البطن وامتلاؤها بهذا السائل، فتكبر ويصبح الشخص كالمرأة الحامل، إلا أن هذه تحمل في بطنها جنينا من صنع الله، وذاك في بطنه أدرانا وأمراضا من صنع الشيطان.

ص: 378

كما يحدث من معاكسة جريان الدم في الكد أن أوردة المعدة والأمعاء تتمدد وقد تنفجر وينتج من ذلك نزيف له أثره وخطره، ولعلكم تعلمون أن تمدد الأوردة في الجزء الأخير من الأمعاء هو ما يسمى (بالبواسير) ، والبواسير هذه التي هي إحدى هدايا الإدمان في الخمر لها من الأثقال والآلام ما يجعلها غنية عن التعريف، ويكفي أن تسأل عنها مريضا بهذا ليحدثنا عنها حديث المجرب الخبير.

ويحدث تليف الكبد أعراضا أخرى كثيرة، كتضخم الطحال، وتجمع مائي في الصدر، والتهاب في الكليتين، وغير ذلك مما لا يتسع المجال للتحدث عنه بالتفصيل.

والآن فلننتقل إلى عضو آخر ذي أهمية كبرى، وهو: الكليتان.

وقبل أن نتحدث عن تأثير الخمر على الكليتين أودّ أن أذكر شيئاً عن وظيفة هذا العضو الثمين في الجسم.

ذلك أن الدم عندما يمر فيهما تعمل خلاياهما على فرزه بما أوتيت من دقة في الحساسية، فتأخذ منه المواد الضارة التي تخرج في البول، وتبقى فيه المواد المفيدة التي يحتاج إليها الجسم.

والإدمان على الخمر يسبب في الكليتين التهابا حادا أو مزمنا، وتكون نتيجته اختلال وظيفة الكلية، فينزل في البول زلال الدم، وهو مادة غذائية ثمينة يجهد الجسم نفسه في هضمها بالأمعاء ثم امتصاصها في الدم، وبدلا من أن ينتفع الجسم منها في بناء خلايا جديدة تنزل في البول فتضيع سدى، وفي الوقت نفسه تبقى في الدم بعض المواد الضارة وأخصها (البولينا) .

وهذه إذا كثرت تسبب تسمما بوليا وخيم العاقبة، هذا فضلا عما يسببه التهاب الكليتين أيضا من حدوث ورم عام بالجسم، وضعف في البصر وارتفاع في ضغط الدم مع ما ينتج عن هذه الأعراض نفسها من أخطاء.. انتهى.

هذه صورة جلية واضحة لبعض أضرار الخمر التي بينها لنا أحد رجال الطب العباقرة، الذي لمسها عن تجربة من الواقع العملي والتحليلي لصرعى أم الخبائث.

ص: 379

ويصر بعض الناس مع علمهم بحرمتها وأضرارها على تناولها؛ يقتلون أنفسهم بأيديهم، ويلقون بها في التهلكة دنيا وأخرى، دون خوف أو حياء من الذي يعلم السر وأخفى.

ويتضح لنا مما تقدم حكمة تحريم الخمر، وأن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئاً إلا لما يحتوي عليه من أضرار بالغة تؤدي بحياة الإنسان وكرامته.

حكم التداوي بالخمر:

أخرج مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا أن النبي r قال لرجلين: "أيكما أطَبّ؟ " قالا: يا رسول الله وفي الطب خير؟ قال: "أنزَلَنا الداء الذي أنزل الدواء"[12] .

وفي صحيح البخاري قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء".

ولمسلم عن جابر رفعه: "لكل داء د واء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى".

ولأبي داود من حديث أبي الدرداء رفعه: "إن الله جعل لكل داء دواء؛ فتداووا ولا تتداووا بحرام".

من جملة هذه الأحاديث يعلم أن التداوي مطلوب شرعا، وأن الداء والدواء من قدر الله عز وجل، وعلى حد سواء.

وإذا كان التداوي مطلوبا فهل هو مطلوب بكل ما يظن أنه دواء، وسواء أكان هذا الدواء حلالا أم حراما؟

أما كون التداوي مطلوبا بدواء هو حلال فهذا أمر لا مرية فيه بمقتضى هذه الأحاديث التي تقدمت.

أما التداوي بمحرم فهذا ما يحتاج الأمر فيه إلى تفصيل.

فعن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، قال:"إنه ليس بدواء ولكنه داء". رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه.

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء؛ فتتداووا ولا تتداووا بحرام". رواه أبو داود.

ص: 380

وقال ابن مسعود في المسكر: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ". ذكره البخاري.

وعن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث؛ يعني السم". رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي.

وهل الخمر إلا سم، كما أوضح الطب الحديث في التفصيل الذي أوردناه آنفا؟.

والناظر في هذه الأحاديث يجد التصريح بأن الخمر ليست بدواء، بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد ولكن جاوزه إلى التصريح كذلك بأنها داء.

إذن يحرم التداوي بها كما يحرم شربها، وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة.

وإلى هذا ذهب الجمهور الراسخ من أهل العلم.

ويقول الشيخ أبو زهرة في كتابه (العقوبة) ص185:

إن الخمر محرم لغيبته، فلا يباح ولو للتداوي؛ لأن الخمر لا تتعين طريقا للعلاج حيث غيرها من الدواء الطاهر يفي بالغرض، وما قال طبيب منذ نشأ الطب إلى اليوم أن في الخمر فائدة طبية لا توجد في غيرها.

وحقيقة فإن من يقرأ رأي الطب الحديث - الذي يقوم على البحث والاختبارات المعملية والاكتشافات العلمية - يرى أن محمداً صلى الله عليه وسلم قال فيها كلمة الحق؛ كيف لا وهو الذي ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

يقول الدكتور أوبرلوس، رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن، في أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني - مرجع برايس الطبي -: " إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يديه كل من يتصور أنه يهرب من مشاكله.

ولذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها، إن جرعة واحدة من الكحول تسبب التسمم وتؤدي إما إلى الهيجان أو الخمود، وقد تؤدي إلى الغيبوبة.

أما شاربو الخمر المدمنون فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون " [13] .

ص: 381

وقد كان يعتقد قديما وإلى عهد قريب أن الخمر لها منافع طبية، ولكن الاكتشافات العلمية بينت أن هذا الاعتقاد وهم لا نصيب له من الصحة، وصدقت هذه الاكتشافات أنها حقا داء وليست بدواء [14] ، وبما شهدت به الأعداء كما يقولون.

ومنافع الخمر كلها موهومة؛ لأن هذه المنافع إما مادية بالنسبة لمن يبيعها ويتجر فيها فردا كان أو شركة أو دولة؛ فإن ما يعود إلى المجتمع أفدح وأعظم بكثير من هذا الكسب المادي، فالخسارة المؤكدة هي الخراب السلوكي والصحي مما لا يمكن أن يعوضه مال مهما بلغ.

أو منافع طبية وصناعية، وكلها أمر موهوم؛ فالواقعون في أسرها يعتقدون أنها تفتح الشهية، وعلى هذا الاعتقاد الكاذب استعملت قديما وحديثا في أغلب بلاد العالم تحت تأثير هذا المعتقد، فهي تفتح الشهية أول الأمر لأنها تزيد من إفراز حامض المعدة (كلور الماء) .

ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة الذي يترتب عليه بالتجربة المؤكدة فقدان الشهية، وكثيرا ما يعقبه القيء المتكرر، وآخرها سرطان المريء [15] .

وبعد، فإن من يتتبع موضوع التداوي بالمحرم يجد أن المتفيهقين الذين أباحوه بحجة الاضطرار لم يفهموا مطلقا معنى الاضطرار الدافع لاستعمال المحرم، فالاضطرار هو التيقن من هلاك النفس بانعدام ما يؤكل أو يشرب، فيصبح إنقاذا وقتيا من الفناء أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، ولا يأثم بذلك، ولا حد يقام عليه عندئذ، وكذا إذا فعله جهلا أو بالشبهة التي تدرأ الحدود، إذاً فلا يجوز مطلقا التداوي بها؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"، ولقوله في الخمر كما أسلفنا:"إنه ليس بدواء ولكنه داء"، فهل بعد قول الرسول وما ثبت به قوله الشريف من تجارب الواقع مجال لتقول بإباحة التداوي بالخمر؟

ننتقل بعد هذا العرض إلى بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالخمر، والتي بينها الفقهاء، حتى يكون للناس حجة بعد هذا.

ص: 382

أولاً: حكم من أنكر تحريم الخمر:

معلوم أنه لا خلاف بين العلماء في أن المتخذ من عصير العنب النيئ إذا غلا واشتد يكون خمرا، أما المتخذ من غير ذلك من المسكرات فهو محل خلاف بينهم، وهذا الاختلاف له أثره في الحكم بتكفير مستحل الخمر المتخذ من عصير العنب النيئ إذا غلا واشتد وقذف بالزبد؛ لإجماعهم على تحريمه وتسميته خمرا حقيقة وشرعا، وثبوت تحريمها بالدليل القطعي.

أما غيرها فيما اختلف العلماء في تسميتها خمرا وإن اتفق على حرمته؛ فإنه لا يحكم بكفر مستحلها وإنما يحكم بفسقه، وإن كان يستحق العقاب بالشرب عندهم.

انظر إلى قول الشافعي في شرح المنهاج [16] : " وحقيقة الخمر المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد، وتحريم غيرها بنصوص دلت على ذلك، ولكن لا يكفر مستحل قدر لا يسكر من غيره للخلاف فيه، أي من حيث الجنس لحل قليله على قول الجماعة، أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا كما حكاه الحنفية فضلا عن غيرهم، بخلاف مستحله من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطره؛ لنه مجمع عليه ". انتهى.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها". رواه ابن ماجه [17] .

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه". رواه أحمد وابن ماجه وقال: "تشرب" مكان "تستحل".

ومن هذا يتضح أن من استحل الخمر بعد تحريمها الذي تعددت نصوصه من الكتاب والسنة والإجماع - مهما تنوعت طرقه وقويت أساليبه وانتشر أمره انتشارا فاحشا بما في ذلك بلاد الإسلام - فهو مرتد عن دينه؛ لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة.

ثانياً: تحريم بيع الخمر:

ص: 383

من سنة الإسلام في الأحكام أنه إذا حرم شيئاً حرم ما يكون ذريعة إليه، ومن هنا حرم الإسلام بيع الخمر والانتفاع بثمنها، كما يحرم تمليكها وتملكها بسائر أسباب الملك، ولو لم يكن هؤلاء جميعا من شاربيها.

وقد ذكر ذلك صريحا في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهو السنة الصحيحة التي بلغت بمجموعها حد التواتر، وانعقد عليه المصدر الثالث، وهو الإجماع، وبذلك كان بيع الخمر باطلا عند جميع الأئمة، ولا يترتب عليه ملكها للمشتري، ولا ملك ثمنها للبائع، وكان ثمنها أكلا للأموال بالباطل، أي: بوسيلة محرمة غير مشروعة في ديننا إطلاقا.

وقد روى ذلك مسلم في صحيحه بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله يبغض الخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا؛ فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به"، وما لبثوا إلا يسيرا حتى قال عليه الصلاة والسلام:"إن الله حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية - يريد {إِنَّمَا الْخَمْرُ..} وعنده منها شيء، فلا يشرب ولا يبع"، فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسكبوها.

وكذلك ما رواه أحمد والنسائي: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يوم الفتح - برواية ابن حجر - فقال له: "أما علمت أن الله حرمها؟ " فأقبل الرجل على غلامه وقال له: اذهب فبعها، وكأنّ الرجل فهم أن التحريم قاصر على شربها، فقال له الرسول صلوات الله عليه:"إن الذي حرم شربها حرم بيعها"، فأفرغت في البطحاء.

ثالثاً: تحريم إهدائها والانتفاع بذاتها:

وكما حرم الله بيعها على المسلم حرم عليه أيضا إهداءها إلى غير المسلم، وقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم من أحدهم بعد أن بين حرمة بيعها أفلا أكارم لها اليهود؟ فقال:"إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود".

ص: 384

ومن هذا الحكم - وهو حرمة بيعها والانتفاع بثمنها - تقررت حرمة الانتفاع بذاتها على أي نحو من أنحاء الانتفاع؛ من طريق الخلط بغيرها، أو عن طريق الاستغلال، فيحرم أن تدخل في الطعام بأي قدر كان، أو تصفيف الشعر بها كما تفعله بعض السيدات، ويحرم تقديمها على موائد المسلمين مجاملة لغير المسلم، أو بيعها في الفنادق للسياح، كما تفعل وزارت السياحة في معظم البلاد العربية والإسلامية، باسم ترويج السياحة وزيادة الدخل القومي مما حرم الله، وهو في الحقيقة نقص وخراب وليس زيادة، كما يحرم أيضا (الجمارك عليها) .

فكل ما يأتي عن طريق الخمر حرام لا مرية في حرمته، ولا يحل الانتفاع به في أي وجه من الوجوه، كالإعلان عنها على الجدران وفي الصحف كما في كثير من بلاد المسلمين أيضا مع بالغ الأسف، والأشد أسفا أن بعض الدول التي يدين أهلها بالإسلام وينتمون للعروبة، ويتكلمون العربية لغة القرآن الذي حرمت آياته الخمر، تتخذ من الخمر مصدرا من مصادر إنتاجها بمصانع الخمر عندها، وتقوم بتصديرها لشتى الدول، ومن عملائها دول مسلمة أيضا، وأصبح تبعا لذلك شرب الخمر مباحا للجميع، والقانون يحمي السكارى إذا تعرض لهم أحد غيور على دينه.

رابعاً: إهدار قيمتها:

ومن خلال حرمة بيعها وحرمة الانتفاع بها أيضا سقوط تقوّمها في حق المسلم، بمعنى أنها لا تضمن بالإتلاف.

ومما يجب معرفته هنا: أن حق إتلافها إنما أعطاه الإسلام للحاكم خاصة، ولم يعط شيئاً منه للأفراد، حسماً للخصومات ودفنا للفتن، وبذلك كان للحاكم حق تعزير الأفراد الذين يبيعونها، مهما بلغ التعزير، حتى إن عمر رضي الله عنه كان يحرق على الخمارين بيوتهم، قطعا لمادة الإفساد، ومحافظة على الشخصية الإسلامية التي أعز بها المجتمع المؤمن في عصره الزاهر العظيم.

عقوبة شارب الخمر:

ص: 385

وكما قرر الإسلام حق إتلاف الخمر وما يتصل به، قرر أيضا عقوبة شاربها، وقصرها على الحاكم كذلك، وقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على مشروعية العقاب لشارب الخمر، وعلى أنه حق واجب على الحاكم المسلم، وقد ثبت ذلك بالمصدر الثاني من مصادر التشريع، وهو السنة كما أسلفنا.

ومن ذلك ما روى مسلم وأبو داود وأحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أت ى برجل قد شرب الخمر، فجلد بجريدتين نحو الأربعين"، وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس بعد انتشار شربها بانتشار الفتح الإسلامي واختلاف المسلمين بغيرهم، فقيل له: أخف الحدود ثمانون في كتاب الله؛ إشارة إلى حد القذف، فجعل عمر الحد ثمانين، وكان صاحب هذا الرأي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ووافقت عليه الجماعة، وأصبح تشريعا منذ اليوم.

ومن ذلك ما روى أحمد والبخاري عن السائب بن زيد قال: كنا نؤتى بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إمْرة أبو بكر، وصدْر من إمارة عمر، فنتقدم إليه فنضربه بأيدينا ونعلنا وأرديتنا، حتى إذا عَقّوا فيها وفسدوا جلد عمر ثمانين.

بهذا أجمعت الأمة على تقرر عقوبة شارب الخمر، ولا نعلم خلافا في تقرر المبدأ، وإنما الخلاف في قدرها، وكيفيتها، وآلتها، وبذلك كانت نوعا من التعزير الذي يلزم به الحاكم.

وقد انتقل به عمر إلى الزيادة والمضاعفة نظرا لاختلاف أحوال الناس، وعملا على أن تؤتي العقوبة الغرض منها، وهي الردع والزجر، وتطهير المجتمع الإسلامي من مادة الدمار هذه.

وقد بلغ الاعتداد بعقوبة شرب الخمر أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يقف بها عند خصوص الشارب، بل أقام حدها على من شهد مجلس الشراب وإن لم يشرب.

ص: 386

وفي هذا يقول الإمام ابن تيمية: رفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوم يشربون الخمر، فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم فلانا، وقد كان صائما لله ولم يشرب معهم، فقال: به ابدءوا؛ أما سمعتم الله يقول: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} الآية 140 من سورة النساء.

وعلى هذا القياس يصبح كل حاكم ومحكوم في الرقعة العربية والإسلامية شريكا مع السكارى ولو لم يسكر معهم، ما داموا قد أباحوا ذلك أو ارتضوه أو سكتوا عنه، وإقامة الحد عليهم أولى وأبْدَأ، بنص الآية التي نفذها الحاكم الحازم عمر بن عبد العزيز، فلم يأخذوا أنفسهم ولم يأخذوا على يد الظالم.

ولئن كانت الحدود الإسلامية الآن عندهم معطلة، لمّا أوقفوا حكم الله الذي أحكم لعباده، وراحوا ينفذون حكم أعدائه، فلينتظروا قارعة تحيق بهم لا محالة، طال يومهم معها أو قصر، تكون نهاية لما هم فيه من شتات الأمر وشقاء الحكم.

وآخرتهم أدهى وأسوأ؛ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ} .

وقد فعلوا الثلاثة: نسيان الله، والإسراف في معصيته، وعدم تنفيذ آياته؛ فاستحقوا ما في هذه الآية من حكم الله عليهم، وعندئذ يعلمون أن الحرب التي أعلنوها على الله ورسوله في بلادهم المنسوبة كذبا إلى الإسلام، والخمر التي أباحوها صناعة وتجارة وشرابا هي من أعتى جوانب هذه الحرب، قد طحنتهم يوما برحاها وفي الآخرة يصطلون بلظاها.

ص: 387

ويبقى دين الله سامقا شامخا، يذل كل طاغوت كل عنيد، إن لم يفيقوا من سكرهم الذي طال مداه.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

اللفظ الأول رواه العقيلي عن على وأعله بمحمد بن الفرات. ورواه النسائي والبزار والطبراني والدارقطني وأبو نعيم عن ابن عباس موقوفاً: (مجمع الزوائد 5 / 53) .

[2]

كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 16.

[3]

نقل هذا من تقرير طبي عالمي.

[4]

كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 34.

[5]

الصافات 41 – 47.

[6]

كتاب الخمر بين الطب والفقه. ص 39 – 41.

[7]

نقلاً عن كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 42.

[8]

نفس المصدر.

[9]

كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 46.

[10]

السياسة الشرعية لابن تيمية ص 64: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص 117.

[11]

جريدة الأخبار المصرية، الخميس 10 مارس 1977 العدد 7716 السنة الخامسة والعشرون.

[12]

فتح الباري ج10 ص134، نيل الأوطار ج8 س225، زاد المعاد لابن القيم ص2.

[13]

كتاب الخمر بين الطب والفقه ص21.

[14]

نفس المرجع.

[15]

كتاب (الخمر بين الطب والفقه) ص22.

[16]

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج8/ص11، نيل الأوطار ج8 ص193، فتح الباري ج10 ص51.

[17]

نيل الأوطار ج10 ص51.

ص: 388

الرَّسَائِلُ الحَرْبيَّة في عصْر الّدوْلة الأيوبيَّة

ثلاث رسائل إلى الملك العادل عن انتصار الأسطول المصري في البحر الأحمر:

أرسل السلطان صلاح الدين رسالة بقلم القاضي الفاضل إلى أخيه الملك العادل أبي بكر ، بشأن انتصار الأطول المصري بقيادة أميره حسام الدين لؤلؤ على الأسطول الصليبي ، الذي جرؤ فعبر مياه البحر الأحمر ، قاصدا مهاجمة مدينتي مكة والمدينة ، وذلك في شوال سنة 578 هـ = فبراير 1183 م.

تبتدأ هذه الرسالة هكذا: "وصل كتابك المؤرخ بخامس ذي القعدة المسفر عن المسفر من الأخبار ، المتبسم عن المتبسم من الآثار ، وهي نعمة تضمنت نعما ، ونصرة جعلت الحرم حرما ، وكفاية ما كان الله ليؤخر معجزة نبيه _ صلى الله عليه وسلم _ بتأخيرها ، وعجيبة من عجائب البحر التي يتحدث عن تسييرها وتسخيرها "[1] .

وقد راعى القاضي الفاضل في هذه المقدمة الالتزام بالجناس والسجع كعادته.

ثم يقول: "وما كان لؤلؤ فيها إلا سهما أصاب وحمد مسدده ، وسيفا قطع وشكر مجرده

ركب السبيلين: براً وبحراً ، وامتطى السابقين: مركبا وظهرا ، وخطا فأوسع الخطو ، وغزا فأنجح الغزو [2] " وهو يبدى إعجابه بالبسالة الحربية والتضحية المالية التي بذلها المسلمون.

ثم يتحدث عما يفعله مع الأسارى في هذه المعركة ، فيقول:" وأما هؤلاء الأسارى فقد ظهروا على عورة الإسلام وكشفوها ، وتطرقوا بلاد القبلة وتطوفوها ، ولا بد من تطهير الأرض من أرجاسهم ، والهواء من انفاسهم ، بحيث لا يعود منهم مخبر يدل الكفار على عورات المسلمين"[3]

وفي هذه الرسالة يحذر المسلمين بعد هذا الانتصار الباهر من مكر الصليبيين وغدرهم ، وهنا يحل حديثنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ".. ويقول: "ان اللدغة الأولى تكفي لمن له في النظر تفقه ".

ص: 389

ثم يرسل إليه كتاباً ثانياً ، والذي بين أيدينا منه قطعة فيها تهنئة بالظفر ، ثم يأمره بالإسراع بقتل الأسارى ، ليتعظ غيرهم بما نالهم ، فليس في قتل هؤلاء الكفار مراجعة ، ولا للشرع في إبقائهم فسحة ، ولا في استبقاء واحد منهم مصلحة [4] . فالله قد أباح قتلهم لغدرهم ، أن الغرض من ذلك تهديد غيرهم ، فالجرم الذي اقترفوه كبير ، لولا لطف الله العلي القدير.

ويلحق هذا الكتاب بثالث ، ويستعجله فيه بضرورة القضاء عليهم ونصه "قد تكرر القول في معنى أسارى بحر الحجاز ، فلا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [5] ، ولا توردهم بعد ماء البحر إلا نارا ، فأقلهم إذا بقى جنى الأمر الأصعب ’، ومتى لم تعجل الراحة منهم ، وعدت العاقبة بالأشق الأتعب "[6]

وتنفيذ لأوامر السلطان صلاح الدين ، تولى الصوفية والفقهاء قتلهم [7] جميعا، وهذه الرسائل الثلاث في قصرها تشبه البرقيات في عصرنا الحالي ، كما أنها تدل على حنكة عسكرية من السلطان صلاح الدين القائد المظفر ، إذ يرى ضرورة القضاء على هؤلاء الأسارى ’ شارحا في إيجار الدواعي التي من أجلها يأمر بالقضاء عليهم ، وألا يستثنى من هذا الحكم أحدا منهم.

وقد اهتم المؤرخون بالاحتفاظ بالرسالة الأولى كاملة تقريباً ، أما الرسالتان التاليتان ، فقد احتفظوا بقطعتين منهما.

وكان لهذه السرعة وهذا الإيجار أثرهما في أسلوب هذه الرسائل ، فالمقدمة في الكتاب الأول قصيرة ، وأرجح أن مقدمة الكتابين التاليين كانت تنهج نفس السبيل ، ولم تسهب الرسالة الأولى في وصف سير المعركة ، وكذلك بالنسبة لوصف الأسارى والانتصار عليهم ، وطلب السلطان صلاح الدين القضاء عليهم.

ص: 390

وفي الكتابين التاليين في القطعتين الباقيتين عبارات قصيرة. تنصب كلها على الهدف المباشر وهو التخلص من الا ساري في كلمات قليلة واضحة. ولم تلجا القاضي الفاضل فيها إلى إستعارة أو كناية. فالوقت لا يسمح بذلك. هذا تخلاف ما سنجده في كتبه إلى الخليفة في هذا الموضوع.

كتابان إلى الخليفة في بغداد بشأن الموقعة السابقة:

في كتاب الروضتين قطعتان من رسالتين. أرسلهما السلطان صلاح الدين إلى الخليفة في بغداد. بشان انتصار الأسطول المصري في البحر الأحمر.سنة 578هـ=1183م. والذي قد سبق أن كاتب أخاه العادل عنه.

في القطعة الأولى: يذكر السلطان صلاح الدين للخليفة تفصيلات المعركة الحربية. ويكشف عن مخططات العدو الغادر. وما لحقه من هزيمة منكرة: (كان الفرنج قد ركبوا من الأمر تكراً، وافتضوا من البحر بكراً. وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز. واثخنوا وأوغلوا في البلاد)[8]

فقد قطع ارناط غابات إقليم الكرك وأكثر نخيل العريش. وحمله إلى حصن الكرك.

وعهد إلى دير الرهبان بصنع بعض المراكب [9] . كما عهد إلى صليبي عسقلان بصنع البعض الآخر، حتى توافر لديه خمس سفن حربية كبيرة. وعدد كبير من المراكب الخفيفة. ونقلها جميعها مفككة على جمال البدويين إلى الساحل بعد أن أغراهم بالمال [10] . ثم ركب المراكب ودهنها باللون الأسود وشحنها بالرجال وآلات القتال [11] وأقف منها مركبين على جزيرة قلعة أيلية، تمنع أهلها استقاء الماء ومضى الباقون في مراكبهم إلى عيذاب [12] . وفي لبر سير ارناط عسكره إلى تبوك ليحول دون وصول أي مدد عسكري يطلبه نائب القلعة من الشام أو مصر

واتخذ أرناط سبيله في البحر سلباً ونهباً حتى وصل إلى عيذاب. وربما وصلت حملته جنوباً إلى باب المندب حتى عدن [13] .

ص: 391

واشتدت مخافة المسلمين على مقدساتهم الدينية. خاصةً لما أحدثه الصليبيون في طريقهم من حوادث شنيعة.

فقد أحرق الصليبيون نحو ستة عشر مركباً للمسلمين. وأذوا عند عيذاب مركباً يأتي بالحجاج من جدة، ومركبين آخرين كانا مقبلين بتجار وبضائع من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ساحل عيذاب. كانت معدة لمسيرة مكة والمدينة، هذا فضلاً عن حوادث القتل والأسر والتنكيل والإرهاب التي ارتكبوها في البر والبحر [14] .

وكان الأخ سيف الدين بمصر، قد عمر مراكب، وفرقها على الفرقتين، وأمرها ان تطوى وراءهم الشقتين [15]

فقد بعث السلطان صلاح الدين إلى أخيه ونائبه بصر الملك العادل ابي بكر بن أيوب بتعمير الأسطول في مصر والإسكندرية. وقام العادل على تنفيذ تعليمات السلطان صلاح الدين خير مقام. فسافر إلى السويس بعد أن عهد إلى قائد الأسطول الشيخ حسام الدين لؤلؤ بحل المراكب مفككة على الجمال إلى تلك المدينة. وهناك أشرف على تركيبها في رمضان 578 هـ= يناير سنة1183 م وتعميرها بالرجال ذوي التجربة في شئون البحر وبخاصة المغاربة منهم.

ثم ي أتي وصف المعركة، فقد فرق لؤلؤ الأسطول إلى فرقتين. فصارت الأولى إلى قلعة أيلة’ واسولت على مراكب العدو برمتها، وقتلت اكثر مقاتلاتها إلا من تعلق بهضبة من الهضاب، أو دخل في شعب من الشعاب، وأولئك اقتفى العربان آثارهم، والتزموا إحضارهم، فلم ينج منهم الا القليل.

أما الفرقة الثانية فذهبت إلى عيذاب، وأطلقت المأسورين من المسلمين، وردت عليهم ما سلب منهم، ولم تجد الصليبيين هناك، ثم رجع لؤلؤ إلى رابغ، وأدرك بعض الصليبيين معتصمين بساحل الحوراء [16] ، وكان عددهم ثلاثمائة ونيف رجل ، انضم إليهم عدة من العربان ، وعندما لحقهم لؤلؤ فرت العربان خوفا من سطوته ، والتجأ الصليبيون إلى رأس جبل صعب المرتقى ، وركب عشرة من المسلمين ورائهم خيل العرب [17] ، يقتنصونهم أسرى وقتلى.

ص: 392

وما زال لؤلؤ وأتباعه يتبعونه ليل نهار ، حتى أدركهم بعد خمسة أيام على مسافة يوم من المدينة فأسلموا أنفسهم له ، وعاد بهم لؤلؤ إلى مصر وفي أرجلهم القيود [18] .

وتدور القطعة الثانية حول وصف سير المعركة الحربية ، وتنقلها من بلد إلى بلد ، وهي تتعقب الأسطول الصليبي ، موقعة به الهزيمة الواحدة تلو الأخرى.

تمتاز المكتبات إلى الخليفة بالطول بخلاف مكاتباته في هذا الشأن لأخيه الملك العادل ، فالقطعتان اللتان بين أيدينا يجنح فيهما القاضي الفاضل إلى تفصيل الأمور ، ويلجأ إلى المحسنات البديعية وعلى قمتها الاستعارة والكناية.

ويحلل كذلك الناحية النفسية للمسلمين تجاه هذه الحملة الغادرة ، فيقول:"واشتدت مخافة أهل تلك الجوانب بل أهل القبلة لما أومض إليهم من خلل العواقب ، وما ظن المسلمون إلا أنها الساعة ، وقد نشر مطوى منشور بساطها. وانتظر غضب الله لفناء بيته المحرم ، ومقام خليله الأكرم ، وتراث أنبيائه الأقدم ، وضريح نبيه الأعظم _ صلى الله عليه وسلم _ ورجو أن تشحذ البصائر آية كآية هذا البيت ، إذ قصده أصحاب الفيل ، ووكلوا إلى الله الأمر ، وكان حسبهم ونعم الوكيل "[19] .

وهو كما نرى يلجأ إلى القران الكريم وإلى الصور الدينية ليرسم لنا انتصار المسلمين بعون الله في معاركهم الحربية ، وهاهو يختم هذه الفقرة بقوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} (الزمر: آية 71) . يكنى بذلك عن قهر المسلمين لأعدائهم الصليبيين قتلا وأسراً.

رسالة تهنئة بفتح عسقلان [20] :

ص: 393

أرسل القاضي الفاضل هذه الرسالة إلى حسام الدين بن لاجين [21] ، وهو يستهل الرسالة بآية يشكر فيها ربه 0، على ما أنعم به من فتح هذه المدينة ، وعلى أنها خلت من مشركيها وكفارها ، الذين كانوا يحتلونها ، فقد نصبت أعلام الإسلام على أبراجها وأسوارها، وكبر المكبرون والمؤذنون في أقطار أرجائها ، وزالت سمة الصلبان عن جهاتها وأنحائها ، ورحل الناقوس عن فنائها ، وعوض جامعها منها بمنبره [22] .

فقد اجتمع السلطان صلاح الدين بأخيه الملك العادل وولده العزيز عثمان على عسقلان في 16 جمادى الآخرة 583 هـ = 1187 م ، وضرب عليها الحصار ، حتى سلمت يوم 25 جمادى الآخر = 7 سبتمبر ، وخرج أهلها بأموالهم سالمين إلى بيت المقدس ، بعد حصار دام أربعة عشر يوما [23] .

ويشبه القاضي الفاضل فتحها على يد السلطان صلاح الدين ، بفتحها على يد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، فإنه لما دنت منها جيوش الإسلام الناصرية ، فر الصليبيون فرار النمل خوفا وفزعا ، ولجأوا إلى الانحصار خلف الجدار ، فماذا حدث؟ ويقول: نصبنا عليهم حينئذ آلات القتال ، وأذقناهم من طعم الطعن الشديد الوبال ، وأنزلنا عليهم غاشية [24] من عذاب الله لا تسترك ولا تستقال. [25]

ثم أخذت جنود الملمين تثقب في عقبتها حتى هدمت وانمحت ، وخربت الأبراج ، واستباحت الحصن الذي كان حصينا ، وطالما أعجز الأيام والأنام قهره.

وهنا يلجأ الصليبيون إلى المصالحة وطلب الأمان ، ويقبل المسلمون الصلح صيانة للمدينة من تخريب الناهبين ، وحفظا لأبناء المسلمين.

وكعادة القاضي الفاضل في رسائله عن الانتصارات الحربية يمدح الإسلام والمسلمين المنتصرين ، ويذم الكفر والصليبيين المنهزمين ، ويجنح إلى الاستعارة كقوله:"فما زالت سهامها تركع ، وأحجارها تسجد "[26] .

ص: 394

كما أنه يلجأ إلى إثبات تواريخ تحرك الجيش والانتصارات التي يحرزها مثل قوله: "وجملة الأمر أن النزول عليها كان عشية الأحد السادس عشرة جمادى الآخرة.

ونصبت الآلات يوم الثلاثاء ثامن عشرة ، ووقوع نقوب الباشورة الكبرى يوم الأربعاء تاسع عشرة. وتسلم المدينة ونصب الأعلام عليها يوم السبت التاسع والعشرين [27] منها ".

وهذا يضيف إلى الرسالة أهمية تاريخية ، ونلاحظ أنه تخلى عن السجع ليثبت هذه التواريخ.

وبعد هذا يقول: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [28] . وهو يقتبس من القران الكريم ليضفي على رسالته قوة الإيمان وجمال الأسلوب.

الرسائل عن فتح القدس:

صدرت الرسائل عن فتح القدس ، سواء قبل الفتح أو بعده، إذ أن المعركة التي خاضها المسلمون لفتح القدس ، والتي تعرف بموقعة حطين المشهورة ، تعد الموقعة الفاصلة ، التي انتصر فيها السلطان صلاح الدين على الصليبيين.

وقد أرسل السلطان صلاح الدين إلى بعض إخوانه ، وهو يجمع الجموع ، ويحشد الحشود في سنة 582 هـ = 1187 م ، استعداد لهذه الموقعة ، جاء فيها:"كتبت هذه المكاتبة من جسر الخشب ظاهر دمشق ، وقد زود السلطان أعز الله أنصاره للغزاة إلى بلاد الكفر ، في عسكر فيه عساكر ، وفي جمع البادي فيه كأنه حاضر ، وفي حشد يتجاوز أن يحمله الناظر ، إلى أن يحمله الخاطر ، وقد نهضت به همة لا يرجى غير الله لانهاضها ، وحجبت به عزمة الله المسؤول في حسم عوارض اعتراضها ، وباع الله نفسا يستمتع أهل افسلم بصفتها ، ويذهب الله الشرك بهيبتها "[29] .

ص: 395

هذه الرسالة لم تصلنا كاملة ، وهذه القطعة التي بين أيدينا جاء في نهايتها دعاء للقاضي الفاضل بأن تكون موقعة القدس الفاصلة في المعارك الدائرة بين المسلمين والصليبيين ، وأن يستريح النفوس بهذا النصر.

ويرسل السلطان صلاح الدين في سنة 583 هـ = 1188 م رسالى إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله يبشره بهذا الانتصار الرائع.

وهذه الرسالة تعد أهم الرسائل الديوانية في عصر الدولة الأيوبية ، لأنها تحمل البشرى إلى الخليفة العباسي بفتح القدس ، الذي كان لفتحه رنة فرح في العالم الإسلامي كله.

ولفتت هذه الرسالة نظر الباحثين في العصر الحديث ، فاستشهدوا بها في كتاباتهم عن العصر الأيوبي ، وعن أساليب الكتابة فيه ، فمنهم الدكتور شوقي ضيف الذي يصف هذه الرسالة بأنها أروع أثر أدبي عنى القاضي الفاضل به وبتدبيجه [30] . ومنهم الدكتور عبد اللطيف حمزة الذي تناول موضوع الرسالة بالتفصيل وركز تحليله بأنها تشتمل على وصف الحرب وآلاته وخاصة المنجنيقات ، ثم ما ترتب عن هذه الموقعة من آثار ، كما أنه اهتم بإظهار الصور البلاغية فيها [31] ، وكذلك ركز الأستاذ أنيس المقدسي على شرح أسلوب القاضي الفاضل من الناحية البلاغية [32] .

يصف القاضي الفاضل العدو في هذه الرسالة بأنه في خوف وفزع ، وسلاحه أصبح بلا جدوى ، سيفه كالعصا ، وصرعت عدده وكان الأكثر عددا وحصى ، وكلت حملاته ، وعثرت قدمه ، والقاضي الفاضل يشخص ضعف أسلحته ، فالسيف قد نام جفنه ، والرماح جدعت أنوفها ، فتطهرت الأرض المقدسة من رجسهم ، وأصبحت بيوت المشركين متهدمة ، وأصبحت نيوبهم متكسرة ، وقد أجمعت جيوشهم على تسليم البلاد ، وأذعنوا لكل ما طمع المسلمون فيه من شروط ، فلم تنجهم سيوفهم ، ولا وسعتهم دورهم وأفنيتهم ، وضربت عليهم الذلة والمسكنة.

ص: 396

ويصف لقاء صلاح الدين الأعداء ونصر الله له ، فقد أمكنه من تقتيلهم وأسر بعضهم ، والاستيلاء على أسلحتهم ، ففي هذه المعركة أصابت سيوف المسلمين التفلق ، والرماح تكسرت ، وانطلقت السهام من أقواسها لتنهش فرسان المشركين وشجعانهم.

وأسر ملكهم ومعه صليب الصلبوت ، الذي كانوا يقاتلون تحته أصلب قتال وأصدقه ، ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه. وكذلك أسر المسلمون ساداتهم ، ولم يفلت منهم إلا القومص بحيلته ومكره ، ولكن أدركته المنية بعد أيام من هربه.

ثم يلي هذا اللقاء الذي انكسرت فيه شوكة الأعداء ، أن تسقط البلاد في يد السلطان صلاح الدين بلدا بلدا ، ويرتفع الراية العباسية خفاقة عالية ، وتبدل المذابح منائر والكنائس مساجد.

ويبقى القدس وقد اجتمع منهم وبعيد ، وظنوا أنها من الله مانعتهم ، وأن كنيستها إلى الله شافعتهم.

وبالرغم من استماتة الأعداء في القتال وتكاثرهم ، واتخاذهم الأسوار المنيعة والأبرجة المنيفة ، والودية العميقة ، والأماكن الوعرة الحصينة ، فقد نفذ السلطان برجاله إليهم ، وأحاط بهم ، فأخذوا يراسلونه بقصد مراوضته حتى تصلهم النجدة ، ولكنه كشف حيلتهم ، وأنزل الهزيمة الساحقة بهم ، إذ أخذت المنجنيقات تضرب في جوانب السور ، كما انطلقت سهامها تتخلل شرفاته كما يتخلل السواك ثنايا الفم ، وكان المنجنيق في أثناء ذلك كله يعلو في السماء حينا ، وينخفض إلى الأرض حينا كأنه النسر ، واستطاع المنجنيق كذلك أن يشق فتحات الأبراج التي تتخلل السوار جميعها من الناس ، كما خلا ميدان القتال نفسه من الجند ، أما النقابون فقد استطاعوا أن يكشفوا النقاب عن هذه الحرب الزبون ، يدكوا هذه الحصون حنى عادت سيرتها الأولى من الطوب والحجارة ، ثم عاد المنجنيق إلى تلك الصخور التي أمامه بمعوله طحنا ، وما زال يضربها ضربا حتى لم يعد لها أثر.

ص: 397

وسمعت الصخرة الشريف لتلك الصخور أنينها واستغاثتها وحنينها ، فرقت لها ، وعجبت لخرابها ، وعاد النقابون ففتحوا أبوابا أخرى في السور أيأست العدو من النجاة ، وصاح الكاتب عندها: واحسرتاه [33] .

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36

[2]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36

[3]

نفس المرجع السابق.

[4]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36.

[5]

سورة نوح آية 26.

[6]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 36 ، 37.

[7]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 35

[8]

أبو شامة: الروضتين جـ ص 37.

[9]

ابن فضل الله: التعريف ص 193. والمقريزي: السلوك جـ 2 ص 74.

Lane poole: Saladin. p. 175 ، Fuller: Deeisive Bettles. p. 2349

[10]

Lemb: The Flame of Islam. p. 59

[11]

Lemb: Op. cit. p. 59

[12]

[13]

المقريزي: السلوك جـ 1 ص 88.

[14]

المقريزى: الخطط جـ 4 ص 139. والسلوك جـ 1 ص 78.

[15]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 37.

[16]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 35. ابن خلدون: جـ 5 ص 219.

[17]

ابن ابيك: درر التيجان تحت أحداث سنة 578 هـ. والخطط المقريزية جـ 3 ص 118.

[18]

الخطط المقريزية جـ 3 ص 139.

[19]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 37.

[20]

عسقلان مدينة واقعة على ساحل فلسطين جنوبا (ياقوت: معجم البلدان جـ 2 ص 174) .

[21]

حسام الدين ابن لاجين: محمد بن عمر بن لاجين ، توفي سنة 587 هـ =1192 م ، والدته ست الشام بنت الأمير ناصر الدين محمد ، صاحب حمى (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة جـ 6 ص 246) .

[22]

من ترسل القاضي الفاضل اللوحة 70.

ص: 398

[23]

الحنبلي: شفاء القاضي ص 34. King: The KNIGHTS Hospitallenp. 130.

[24]

الغاشية: العقوبة.

[25]

من ترسل القاضي الفاضل اللوحة 91

[26]

من ترسل القاضي الفاضل اللوحة 91.

[27]

نفس المرجع السابق.

[28]

سورة النمل آية 40.

[29]

أبو شامة: الروضتين جـ 2 ص 75.

[30]

الفن ومذاهبه في النشر العربي ص 371.

[31]

الأدب المصري ص 181 ، 185.

[32]

تطور الأساليب النثرية ص 293 ، 294.

[33]

الدكتور عبد اللطيف حمزة _ الأدب المصري ص 184 ، 185.

ص: 399

تحْريفاتُ اليَسُوعيَّين لكتُب التراث

قد لا يخطر في البال أن يعمد إنسان عاقل ينتمي للدين والعلم إلى تشويه النصوص الأدبية والتاريخية، ولكن ذلك واقع بالفعل، ووقع كثيراً من ((الأدباء اليسوعيين)) في بيروت، وهم قساوسة من الطائفة الكاثوليكية، أسسوا جامعة ((القيس جوزيف)) ولهم مطبعة تسمى ((المطبعة الكاثوليكية)) . وقد طبعوا منذ قرن من الزمان طائفة من كتب التراث الإسلامي وأحدثوا فيها تحريفات غريبة وعجيبة. تذل على شدة تعصبهم وحقدهم على الإسلام، وفقدانهم نزاهة العلماء، وأمانتهم في النقل، وقد كشف عن بعض هذه التحريفات أفاضل الباحثين، وقد رأيت أن أنبه لذلك، وأذكر بعض نماذج من هذه التحريفات:

1.

فقه اللغة للإمام أبي منصور عبد الملك الثعالبي:

عندما طبع الآباء اليسوعيون هذا الكتاب استبدلوا عبارة المؤلف عند ذكر النصوص القرآنية (يقول القرآن) ! وهذا منتهى التعصب، فهم لا يريدون أن تمر أبصارهم أو تنطق ألسنتهم، وألسنة قرّاء مطبوعتهم بعبارة تتضمن حقيقة أن القرآن كلام الله، وأين هذا من تسامح علماء المسلمين الذين أدبهم القرآن الكريم على الأمانة في النقل والرواية لكلام المخالفين بنصه، مهما كان محتواه مخالفاً العقيدة الإسلامية، حتى صارت لديهم قاعدة مشهورة:((ناقل الكفر ليس بكافر)) .

2.

كتاب ابن عبد البر الذي جمع فيه شعر أبي العتاهية في الزهد والحكم:

ص: 400

يمتاز أبو اسحق إسماعيل بن القاسم المشهور بأبي العتاهية بغزارة شعره الذي أنشده في الزهد في الدنيا، وذكر الموت وما بعده من القبر والحساب في الآخرة والجزاء بالجنة أو النار، سوى ما نظمه في الأغراض الشعرية الأخرى. وقد اتهمه حساده بالزندقة، وحاولوا إثبات ذلك بإيراد روايات عن تهتكه في شبابه، وما كان بينه وبين أمثاله من شعراء العصر العباسي كأبي نواس وغيره. هذا ما حدا بالحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر بالعناية بجمع أشعاره الحكمية والدفاع عنه، وإثبات براءته مما وصم به، في كتابه: الابتهال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال [1] .

وكان القسيس الأب لويس شيخو اليسوعي قد طبع ديوان أبي العتاهية منذ ما يقرب من قرن في المطبعة اليسوعية في بيروت، وأعيد طبعها عدة مرات، وفيها تحريفات كثيرة، لفتت نظر الشيخ المحقق أحمد محمد شاكر رحمه الله، أثناء تحقيقه لكتاب: الشعر والشعراء لابن قتيبة. فعلق على ترجمة أبي العتاهية بقوله ((وديوانه معروف مطبوع، طبعة الآباء اليسوعيون.. وهم قوم لا يوثق بنقلهم لتلاعبهم وتعصبهم وتحريفهم، ولكن هذا الذي وجد بأيدي الناس)) .

ص: 401

وقد لفت نظري مقال للدكتور آدم بيلو ((حول الشعر التعليمي)) المنشور في العدد 52 من مجلة الجامعة الإسلامية، وفيه يقول: إن جامع ديوان أبي العتاهية لويس شيخو قد أورد من أرجوزة أبي العتاهية المعروفة بذات الأمثال ما يقارب من الخمسين بيتاً، وتذكر أن الدكتور شكري فيصل قد أورد منها ثلاثمائة وعشرين بيتاً، في كتابه:((أبو العتاهية: أخباره وأشعاره)) المطبوع بجامعة دمشق سنة 1384، وقد أماط مؤلف هذا الكتاب اللثام عن تحريفات الأب شيخو، وقام بجهد مشكور في توثيق شعر أبي العتاهية معتمداً على مخطوطتين إحداهما في الكتب الظاهرية بدمشق، والأخرى في مكتبة توبنجن بألمانيا، وهما نسختان مما جمعه ابن عبد البر، ولما كان ابن عبد البر لم يقصد إلى جمع شعر أبي العتاهية كله، فإن الدكتور شكري حرص على جمع أشعاره وأخباره من مختلف المصادر فجاء كتابه جامعا موثقاً فيه الأمانة في النقل، وإثبات الاختلاف في الرواية إن وجد.

وأما لويس شيخو فقد طمس عمل الحافظ ابن عبد البر، فكتب عنوان الكتاب هكذا:(الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية)، وكتب تحته:((نقلاً عن رواية النمري، وكتب مشاهير الدباء كالأصفهاني والمبرد وابن عبد ربه والمسعودي والماوردي والغزالي)) .

وحين شرع الدكتور شكري يقابل بين مخطوطة الظاهرية وبين ما في مطبوعة الأب شيخو استرعى نظره أمر خطير، يقول:" لفتني في شئ من عنف تحريفات غريبة وقعت عليها، فلما مضيت أستقصي، بدت لي هذه التحريفات وكأنها عمل مقصود "[2] .

وتبيّن للدكتور أن الأمر تجاوز التحريف إلى بتر بعض الأبيات ذوات العدد من بعض القصائد، يقول:" وذكرت حديث الشيخ شاكر رحمه الله وكنت أظن فيه بعض الحدة، فإذا حديثه دون أن ينهض لهذا التضليل الذي إليه طبعة الأب شيخو، والتي أرادت أن تسوق إليه الناس في شئ كثير من الاستخفاف بكل أمانة العلم وخلق العلماء "[3] .

ص: 402

نماذج من تحريفات الأب لويس شيخو:

ذكر الدكتور شكري فيصل عدة ملاحظات على مطبوعة شيخو: ((الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية)) ، ومنها:

1-

طمسه معالم عمل ابن عبد البر حين سكت عنه وأغفل التعريف به، ولم يشر إلى ما أفاد منه، وتعمد ألا يذكره بشهرته ابن عبد البر واكتفى بنسبته (النمري) . والقارئ لا يدري أي نمري هو! .

2-

سكوته عن وصل الروايات والمقابلات بمصادرها، مكتفياً بهذه المقالات الصماء: روي له، وفي رواية، ويروي، وفي مخطوطة من باريس

3-

طيّه شعر أبي العتاهية الغزلي حيناً، وتحريفه لبعضه حيناً آخر، حذف القطعة خبر منه لأنه يجعل (الحب)(ودّاً) ، والهوى نوى والجارية نديماً، والوجه رأياً في مثل البيت التالي:

عزة الحب أرته ذلتي

في هواه وله وجه حسن

فيصبره إلى:

عزة الود أرته ذلتي

في نواه وله رأي حسن

4-

ولكن أعظم من ذلك إنما كان في هذه التحريفات التي تعتمدها وهي تتنوع: فتتناول الكلمة حيناً والجملة حينا، والشطر أو البيت كله مرة والأبيات ذوات العدد في بعض الأحايين.

وهذه نماذج من كل نوع:

1-

في قول أبي العتاهية:

شهدنا لك اللهم أن لست والدا

ولكنك المولى ولست بمولود

فقد حرف (والداً) فجعلها (محدثا) .

2-

وقوله:

ليت شعري كيف حالك يا نفس

غداً بين سائق وشهيد

فقد حرف التعبير القرآني سائق وشهيد إلى سابق وشهيد.

3-

وقوله:

أسقام ثم موت نازل

ثم قبر ونشور وجلب

فقد حرف نشور إلى نزول.

4-

وقوله:

إن العقول عن الجنان

وحورهن لساهية

وقد حرف حورهن إلى دورهن.

5-

وقوله:

وإذا ذكرت محمدا ومصابه

فاذكر مصابك بالنبي محمد

فقد حرف البيت هكذا:

وإذا ذكرت العابدين وذلهم

فاجعل ملاذك بالإله الأوحد

فهو لا يطيق أن يرى لفظة (محمد) صلى الله عليه وسلم

6-

قوله:

ص: 403

الحمد لله الواحد الصمد

هو الذي لم يولد ولم يلد

فقد غير الشطر الثاني مع عقيدته القائلة بأن المسيح ابن الله _ إلى

فهو الذي به رجائي وسندي

7-

وإليك أيها القارئ الكريم تحريفاته في هذه القطعة:

يا بنى ادم صونوا دينكم

ينبغي للدين ألاّ يطرَح

واحمدوا الله الذي أكرمكم

بنبي قام فيكم فنصح

غير بنبي إلى بنذير

بنبي فتح الله به

كل خير نلتموه وشرح

غير بنبي إلى بخطيب

مرسل لو يوزن الناس به

في التقى والخير شالوا ورجح

غير مرسل إلى ابن من

فرسول الله أولى بالعلا

ورسول الله أولى بالمدح

غير البيت هكذا:

فنذير الخير أولى بالعلا

ونذير الخير أولى بالمدح [4]

8-

وعندما لا يستقيم للأب لويس شيخو تغيير البيت يعمد إلى إسقاطه وحذفه، ومما حذفه الأبيات التالية:

وهو الذي بعث النبيّ محمدا

صلى الإله على النبيّ المصطفى

الحمد لله لا شريك له

حاشا له أن يكون مشتركا

أين أين النبي ّ صلى عليه الله

من مهتد رشيد وهادى

بل هو يحذف الأبيات ذوات العدد، كصنيعة في حذف الأبيات السبعة الأولى من هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها 26 بيتاً:

ل ي بك رسول الله من كان باكيا

ولا تنس قبرا بالمدنية ثاويا

جزى الله عنا كل خير محمدا

فقد كان مهديا دليلا وهاديا

ولن تسرى الذكرى بما هو أهله

إذا منت للبرِّ المطهِّر ناسيا

أتنسى رسول الله أفضل من مشى

وآثاره بالمسجدين كما هيا

وكان أبّر الناس بالناس كلهم

وأكرمهم بيتاً وشعبا وواديا

تكدّر من بعد النبي محمد

عليه سلام الله ما كان صافيا

فلم من منار كان أوضحه لنا

ومن علمٍ أمسى وأصبح عافيا

وبعد هذه الأبيات التي حذفها:

ركنا إلى الدنيا الدنية ضلة

وكشّفت الأطماع منا المساويا

وإنا لنُرمى كل يومٍ بعبرة

ص: 404

نراها فما نزداد إلا تماديا

نُسرُ بدارٍ أورثتنا تضاغُنا

عليها ودارٍ أورثتنُّا تعاديا

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى

تقلب عريانا وان كان كاسيا

اخي كن على يأس من الناس كلهم

جميعاً وكن ما شئت لله راجياً

ألم تر أن الله يكفي عباده

فحسب عباد الله بالله كافيا

والقصيدة رائعة يختمها بقوله:

ألا أيها الباني لغير بلاغة [5]

ألا لخراب الدهر أصبحت بانيا

ألا لزوال العمر أصبحت بانيا

وأصبحت مختالا فخوراً مباهيا

كأنك قد ولّيْتَ عن كل ما ترى

وخلفت من خلفته عنك ساليا [6]

أجل، فالإنسان المغرور الغافل، يدركه الموت ويترك ماله لوارثه الذي سرعان ما ينساه ويسلو عنه.

وأكتفي بهذه الأمثلة على تحريفات الأب لويس شيخو، وهي نموذج لما يفعله متعصبو الصليبيين بالتراث للإسلامي.

3.

المنجد في اللغة:

للأب يوسف معلوف وهو معجم مشهور متداول بين الناشئة، طبع للمرة الأولى سنة 1326 (1908م) في 737 ص بمطبعة الآباء اليسوعيين [7] ثم تتابعه طبعاته، وقد طبعت الطبعة السابعة عشر سنة 1376 (1956م) بعنوان:(المنجد في اللغة والأدب والعلوم) ، وذكر في مقدمة هذه الطبعة ما أدخل عليه من التحسينات مثل طبع الكلمة (الأم) باللون الأحمر، وإضافة المنجد في الأدب والعلوم للاب فرد يناند تونل. وفي الطبعة الثالثة والعشرين سنة 1398 (1978م) عنون له:(المنجد في اللغة والأعلام) ، ومنذ الطبعة السابعة عشرة كان يراجعه عدد من الأساتذة منهم كرم البستاني، والأب بولس موتراد، وأنطون نعمة وغيرهم.

وقد بلغت صفحات الطبعة الثالثة والعشرين للمنجد اللغوي 966 صفحة ومع (فرائد الأدب) تبلغ 1014 صفحة (والمنجد في الأعلام) 800 صفحة مع 132 لوحة بالألوان و 68 خريطة جغرافية و 39 خريطة بالألوان، و 32 جدولاً و 1320 رسماً.

ص: 405

وتضمن المنجد في العلام 600ر10 مادة، منها 5940 عن العالم الإسلامي.

هذا هو (المنجد) المعجم الخطير بسبب حسن إخراجه وسهولة المراجعة فيه، وما اتصف به من المزايا التي ذكرناها، مما جعله يروج رواجاً عظيماً بين الدارسين من أبناء الأمة الإسلامية.

وترجع خطورته إلى ما تضمنته من أخطاء علمية وتاريخية معتمدة في كثير من الأحيان، وفيه تحريفات ومطاعن في تاريخنا قد تخفى على الناشئة، وقد تنبه لهذه الأخطاء طائفة من العلماء والباحثين.

أ) فنشر العلامة عبد الله كنون الأمين العام لرابطة علماء المغرب سلسلة من المقالات في مجلة (دعوة الحق) المغربية انتقد فيها 672 مادة.

ب) وصدرت ثلاث مقالات للأستاذ منير العمادي في مجلة (مجمع اللغة العربية) و (مجلة المعرفة) بدمشق في نقده.

ج) وفي سنة 1389 صدر تقرير عن أضرار (المنجد الأبجدي) للأستاذ سعيد الأفغاني رئيس قسم اللغة العربية بدمشق قدمه إلى رئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر وكيل بجامعة دمشق، بيّن فيه بعض عوراته ومثالبه بأسلوب واضح وكلام مركز مبين.

د) ونشر الأستاذ عبد الستار فرج السيد مقالين في مجلة (العربي) بيّن فيهما بعض نواقص المنجد وما فيه من عورات ومثالب، وأورد أمثلة عديدة لما وقع فيه من تحريف للسماء وتشويه للحقائق التاريخية، وأخطاء بسبب الترجمة السيئة، وعدم الرجوع إلى المصادر العربية، وإهمال الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية، ومما قاله: ((والمنجد في الأعلام المطبوع عام 1969 ما هو إلا صورة للمنجد في الأدب والعلوم، ولكنها صورة فيها أحياناً بتر وقبح، أو مسخ كريه، أو صياغات أدت إلى خلل واضطراب.

هـ) وتتبع العلامة الشيخ إبراهيم القطان في كتابه النفيس (عثرات المنجد) تحريفاته وأغليطه حتى بلغت صفحات هذا الكتاب نيّفاً وخمسين وستمائة صفحة، وسار فيه على الخطة التالية:

ص: 406

ينقل نص (المنجد) أو يشير إليه مع ذكر رقم الصفحة ثم يذكر تعليقه عليه وإذا صُحح الموضوع، أو غُيّر أو صُحح بعضه في الطبعة الثانية من منجد الأعلام، فإنه ينبه إلى ذلك، وإذا بقي على خطئه لا يشير إليه إلا نادراً.

وكثيراً ما يشير في تصحيح الألفاظ اللغوية إلى (المنجد) حتى يعلم القارئ أن المصنف لم يراجع الكتب العربية مطلقا بما في ذلك (المنجد اللغوي) .

وهذه نماذج من أخطاء المنجد وعثراته، في الطبعة الثانية التي أشرف عليها عدد من الأساتذة:

1_

قالوا في صفحة 395 ((الفضل بن الربيع عهد إليه الرشيد في بعض صلاحيات الوزارة بعد وفاة أمه. وزير للمأمون)) .

فما هم المقصود بقولهم بعد وفاة أمه؟ فهل كانت أمه تلي الوزارة، وعاد هو بعدها؟ واغرب من هذا وأعجب قولهم إنه للمأمون، والمعروف بدون شك أن الفضل كان من أشد خصوم المأمون، وقد كان وزير للأمين، ولما استقر الملك للمأمون بعد مقتل الأمين استتر الفضل مدة، حتى عفا عنه المامون وبقي مهملا إلى أن مات.

2 _

تسمية الكتاب في الطبعتين الأوليتين (المنجد في الأدب والعلوم) تسمية خاطئة، لأن الكتاب معجم لبعض الأعلام والأماكن والكتب وليس فيه ذكر للأدب إلا عرضا، وبعضها ذكر مشوها، كما عرّف علم الكلام بأنه (علم القواعد الشريعة المكتسبة عن الأدلة) وعرف علم الفقه بأنه (علم تطبيق الأحكام الشريعة المستخرجة بالاجتهاد من القرآن والحديث على الأعمال البشرية والدنيوية) ، إلى غير ذلك من التشويه والتخليط دون الرجوع إلى المصادر الموثوق بها والنقل منها. لذلك عدل المشرفون على الطبعة الجديدة عن هذه التسمية وسموه المنجد في الأعلام) .

3 _

وبالإضافة إلى الأخطاء والتحريف وتشويه الحقائق فإن في لغة المنجد عجمة ظاهرة أحياناً. وفيه عامية ولحن واضح في بعض المواد لا يقه فيها من كانت له أدنى معرفة باللغة العربية.

ص: 407

4 _

في الصفحة 256 من حرف السين الطبعة الأولى ((سفيان (أبو) ابن أمية القرشي، تاجر عادى النبي وحاربه في بدر وأحد، وقاد جناحا من الجيش الكبير الذي ذهب لحصار المدينة في وقعة مؤته، ثم اعتزل الحرب، وصالح محمداً في معاهدة الحديبية وسلمه مكة. توفي نحو 652)) .

ويعلق مؤلف عثرات المنجد على هذه العبارة القليلة الأسطر مبينا فيها الأخطاء التالية:

أ) إن أهم صفة تميز أبا سفيان أنه شيخ قريش وزعيمها في وقته لا أنه تاجر فقط.

ب) ومن المعروف بداهة أن أبا سفيان لم يشهد معركة بدر لأنه كان يقود العبر التي جاءت من الشام ونجا بها إلى مكة.

جـ) عندما جاء أبو سفيان لحصار المدينة كان هو قائد الجيش العام وكان ذلك في

غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة. وهي غير غزوة مؤتة التي كانت سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وشتان بين الخندق ومؤتة في الزمان والمكان.

د) لم يعتز أبو سفيان الحرب مطلقاً، وبقي معادياً للمسلمين إلى يوم فتح مكة حين أسلم

هـ) وفي صلح الحديبية لم يُذكر أبو سفيان مطلقا، وكانت المفاوضة بين سهيل بن عمرو العامري عن المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

5 – ونختم هذه النماذج للتحريفات بما جاء في أول (منجد الأعلام) الطبعة التاسعة (الثالثة والعشرين) المنجد اللغة:

((آدم: الإنسان الأول وأبو الجنس البشري، وعصى آدم وحواء أوامر الله فطردا من جنة الفردوس، ولكنهما وعدا بمخلص هو المسيح)) . ويعلق مؤلف (عثرات المنجد) بما يلي:

ص: 408

يجب أن يقال: هذا حسب اعتقاد المسيحيين، وأما عند المسلمين فالأمر يختلف، وذلك كما جاء في القرآن الكريم:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 35 _ 37) . فإن الخطيئة في اعتقاد المسلمين لا تورث، وكل إنسان مسؤول عن عمله {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} النجم 39. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فاطر 18، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر 38. صدق الله العظيم.

هذا لا يجوز أن يقتنى (المنجد) إلا ومعه (عثرات المنجد) حتى يتبين من يرجع إلى المنجد ما فيه من السموم والأخطاء.

وأخيراً فإني أهيب بأهل العلم ودارسي الدب أن يقوموا بتمحيص الكتب التي وضعها أعداء الإسلام من اليسوعيين وأشباههم. مثل جورجي زيدان، وخاصة الكتب التي تتناول بالبحث لغة القرآن، وأدب العربية، والتاريخ الإسلامي، وتراجم أعلام المسلمين، وينقدوها ويستخرجوا ما دسّه فيها مؤلفوها من سموم.

ومما يحزّ في النفس أن ُيختار كتاب (تاريخ الأدب العربية) لجورجي زيدان الحاقد على الإسلام والمسلمين، وكل آثاره شواهد على ذلك وخاصة سلسلة روايات تاريخ الإسلام، يختار كتابه وويترك كتاب (تاريخ آداب العرب) في ثلاثة أجزاء للأديب المسلم النابغة مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وقد خصص الجزء الثاني لإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وكفانا انخداعاً بتملق بعض الأدباء والكتاب من النصارى، فإن العربية أبت أن تتنصر كما قال العلامة الأديب محمد إسعاف النشاشيبي المقدسي _ رحمه الله _.

--------------------------------------------------------------------------------

ص: 409

[1]

منه نسخة مخطوطة جيدة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة. قمت بتصويرها سنة 1390. وفي نيتي نشرها محققة إن شاء الله.

[2]

بل هي مقصودة ، وجريمة تزوير صحيحة.

[3]

أبو العتاهية: أخباره وأشعاره ص 7.

[4]

انظر ص 100 من كتاب (أبو العتاهية أخباره وأشعاره) وقابلها بصحيفة 67 من الطبعة المنحرفة بعنوان (شرح ديوان أبو العتاهية) طبعة دار التراث بيروت وهي طبق الأصل من الأنوار الزاهية.

[5]

أي حاجة كأنه ينظر لقوله صلى الله عليه وسلم (عش في الدنيا كأنك غريب) .

[6]

انظر القصيدة كاملة في (أبو العتاهية أشعاره وأخباره) ص 433 _ 435 وقابل ذلك بـ (شرح ديوان أبي العتاهية) طبعة دار التراث ببيروت بدون تاريخ وبلا ذكر المؤلف أو الشارح. وهي موافقة لطبعات (الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية) الذي مسخه وحرفه الأب لويس شيخو. وقد راج في لبنان في هذا العصر سرقة الطبعات بالتصوير ، دون استئذان أصحاب الحق في الطبع والنشر والتأليف.

[7]

المعجمات العربية تأليف وجدي رزق غالي.

ص: 410

ثغرَاتٌ فِي المنْهَج الثّانَوِيِّ

لتدريس القران الكريم والحديث الشريف والأدب العربي

1-

القرآن الكريم:

إن دراسة القران الكريم والحديث الشريف في هذه المرحلة يجب أن تستهدف ناحيتين هامتين:

أ – أثرهما في توحيد الفكر العربي والسمو إلى الآفاق العليا من حيث النظر إلى الكون وانتهاج سبل البحث العلمي ، ثمأثر ذلك في بعث القوى النفسية والعقلية لبناء المجتمع الصالح ، وبالتالي أثره في انبثاق العلوم المختلفة بدافع من التطور الشامل.

ب – أثرهما في توجيه الأدب العربي وتركيز اللغة العربية على أصول ثابتة ، ثم في بروز علوم البلاغة ، وبخاصةٍ أثر هذه في بناء النقد الأدبي ن وبذلك يتاح للطالب أن يدرك معنى (الأدب الإسلامي) الذي هو الصورة الجديدة لكل أدب عربي صحيح منذ البعثة النبوية حتى اليوم.

ص: 411

قضية جمع القران: لابد عند الحديث عن القران العظيم من إعطاء القول الفصل في قضية جمعه ، ليكون الطالب على بصيرة من سلامة القران من كل زيادة أو نقصان ، على حين أن كل ما تستوعبه كتب الأدب المقررة لا ينطوي على الكلمة النهائية في الموضوع ، بل يفسح المجال للشك الخبيث في هذه الناحية. فالطالب لا يخرج فقط دون فهم صحيح لسبب الإقتصار على نسخة عثمان ، بل يزوده المؤلفون بأغاليط مشوشة ، وبخاصة ما يذكرونه من إحراق عثمان لمجموعة أبي بكر عقب جمع مصحفه ، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغادر الدنيا إلا بعد أن كان القران محفوظاً كله في صدور الألوف الذين يستحيل نواطؤهم ، وفي صحف تؤلف مجموعات كاملة لدى عدد من الصحابة ، وإنما كتبت نسخة أبي بكر خوفاً من فقدان الحُفَّاظ لكثرة ما قتل منهم في الحروب ، وقد كتبت هذه في (قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب) بيد زيد بن ثابت كاتب الوحي ، والحافظ الذي عرض مجموعه على رسول الله آخر حياته صلى الله عليه وسلم ’ فلما كان عهد عثمان تباعدت منازل القوم فاختلفوا على القراآت باختلاف لهجاتهم ، وحصل عن ذلك جدال ولجاج بين الناس ، كل يؤيد قراءته ، الأمر الذي حفز عثمان ومعه الصحابة رضوان الله عليهم أن يجعلوا الناس على مصحف أبي بكر وحده منعاً للخلاف على القراآت. وهكذا كتب مصحف عثمان في نسخ وزعت على الأمصار ، بعد الاستيثاق من ضبطه على صحف الصديق ومحفوظات الصحابة تماماً ، وقد اعيدت صحف الخليفة الأول إلى أم المؤمنين حفصة سالمة ، وحرقت الصحف الأخرى التي كانت في حوزة بعض الصحابة تجنبا لاختلاف القراآت ، وهكذا اتفقت جميع النسخ مع المحفوظ في سلامة الضبط ولم يكن فيها من اختلاف قط إلا في ترتيب السور ، فقد كانت في بعضها مرتبة حسب النزول، فاختير ترتيب زيد لأنه صاحب العرضة الأخيرة على الرسول ، أما ترتيب الآيات في السور فهو تقيف عن الرسول عن جبريل ولا خلاف فيه.

ص: 412

وهذا الخبر هو الذي أجمع عليه الثقات ، ومنه يتبين أن لو أمكن عرض هذه الحقائق على الطلاب لأدركوا بالبداهة سلامة الكتاب من كل اضطراب ، وإنما دخل الوهم على مؤلفي كتب الأدب من اعتمادهم كلام ذوي الأغراض المنحرفة من المستشرقين وأتباعهم ، وكان أحرى بهم أن يرجعوا إلى مصادر علماء الإسلام الذين استوعبوا تفصيل كل ذلك كالسيوطي في (الاتقان..) والرزرقاني في (مناهل العرفان..) وشكيب أرسلان في (حاضر العالم الإسلامي

)

مشكلة التقطع: تحتل هذه المشكلة حيزاً هاماً _ على صغره _ في الكتاب المقرر للسنة الأولى ، فقد أخذ المؤلف برأي المستشرقين في هذا الموضوع دون محاكمة.. والتقطع في تعريفهم هو الانتقال من غرض إلى غرض في السورة الواحدة دون مناسبة.. وإذا ذكرنا أن مثل هذا الاستطراد بنظر المؤلف نفسه يعد عيبا في الشعر الجاهلي مثلا حيث تقوم الوحدة على البيت دون القصيدة ، أدركنا سوء النتيجة التي تنبع في ذهن الطالب عن بلاغة القران ، والواقع إن هذا الذي يسمونه تقطعاً إنما هو ميزة قرآنية لا علاقة لها بطريقة الجاهلين ذات الوحدات المتعددة. ذلك أن السورة الواحدة تدور دائماً حول محاور ذات وحدة موضوعية هذا فضلاً عن أن لتلك الاستطرادات _ إذا صح وجودها _ أثراً فعالاً في ايقاظ ضمير القرىء للغايات العليا من أغراض السورة ، وبخاصة إذا ذكرنا فرق ما بين القرآن بكونه نظام تربية وتوجيه إلهي ، وبين المؤلفات الأخرى ذات الاختصاص الجزئي

ص: 413

المكي والمدني: لا خلاف على التمايز بين المكي والمدني في أسلوب القرآن. ولكن طريقة المؤلفين في عرض هذا الموضوع تلقي في خلد الطالب أن ذلك تابع للآثار المكاني والاجتماعي في نفس الرسول ، كالفرق بين أسلوب حسان الجاهلي والإسلامي. وهذا باب جديد للشك في وحي القران يمكن إغلاقه بإيضاح الحكمة الإلهية في هذا الاختلاف ، الذي يعود إلى مراعاة حال المخاطب لا المتكلم ، ومعلوم ما بين وسطي مكة والمدينة من فروق اجتماعية ، تتطلب لكل منهما أسلوباً بلاغيا مطابقا لمقتضى الحال. ويظهر ان المؤلفين اكتفوا هنا أيضاً بتردد آراء المستشرقين مثل (نولدكه) ومن لف لفه ، فراحوا يعرضون ترهاتهم كمسلّمات دون مناقشة.

ولو صحت نواياهم حقاً لم يفتهم أن يدركوا طوايا أولئك المرجفين ، الذين حملوا كل أحقاد الصليبية الأولى على إخوان وأحفاد صلاح الدين ، واحتضنوا كل ضغائن اليهودية التي ما تنفك في حربها للإسلام منذ قريظة والنضير وقينقاع ، فشهادتهم في كل ما يتصل بالإسلام مردودة ، لأنها تحمل بنفسها طابع تزويدها.. وإلا فكيف تجاهل هؤلاء المرددون لأقاويل أعدائهم طوابع كل من المرحلتين المكية والمدنية!! ..

ص: 414

ألم يكن بوسعهم أن يتذكروا مسيرة الدعوة في عهدها الأول ، حيث كان الخطاب موجها للفئة التي آمنت فعرّضت نفسها لضروب البلاء وأفانين الرزاء ، فهم أحوج ما يكونون إلى التثبيت بذكر ما أعد الله للصابرين من ألولن النعيم المقيم في جنة عرضها السموات والأرض.. ثم لأولئك الطواغيت من المشركين واعوانهم ، الذين رفضوا تغيير واقعهم الموروث وأصروا على مواجهة الدعوة الربانية بكل ما يملكون من أسباب الدفع والمنع ، ولو أدى ذلك إلى القضاء على كل مخالف لهم بالقتل والتعذيب والحرمان.. فكان من تمام البلاغة المعجزة أن تعرض هذه الوقائع في قرآن يطمئن القلوب المؤمنة إلى حسن المصير من جانب ، ويهز الأسماع والأفئدة بقوارع التحذير والوعيد في الجانب الآخر.

ولو هم قد فتحوا عقولهم لهذه البينات لما فاتهم أن يدركوا كذلك ملامح العهد المدني ، الذي تميز ببروز القوى الإسلامية في دولتها ، التي علت فيها كلمة الله فوق كل نزعة مباينة ، فجاءت هذه الملامح قرأنا توافرت خلاله كل عناصر الواقع الجديد ، فرقّت لهجته في خطاب المؤمنين ، وتلَّونت عبارته في نقاش الكتابيين والمنافقين ، وطالت فقراته كي تتسع لأحكام التشريع الخالد ، الذي وضع الأسس الراسخة لحلول المشكلات التي تعتري حياة الإنسان. وذلك وهذا من ألوان الوقائع في كلا قسمي القرآن العظيم بارزة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الحديث الشريف: لعلوم الحديث رواية ونقدا أثرها البعيد في توجيه الآداب وإقامة قواعد النقد ، وهي ناحية لم تعرها المؤلفات المدرسية ما تستحق من عناية ، وبهذا الخصوص نلفت النظر إلى كتال (افلماع في طريق السماع) نشر أسد رستم ، للانتفاع من مقدمته في تبين أثر الحديث عند الكلام عن الحديث الشريف ، وهناك دراسات أخرى في مؤلفات أسد رستم نفسه ، تنطوي على إيضاح وافٍ لتأثير علم الحديث في طرق النقد الأدبي يمكن الانتفاع بها في هذه الناحية.

ص: 415

الأدب والنصوص:

إذا كان أدب الأمة صورة عقلها ونفسها ومخطط شخصيتها ، فطبيعي أن تنصب مقدمات الأدب العربي على إيضاح هذه الصورة ، ومن هنا كان لزاماً على المؤلف أن يقصد إلى تبين خصائص النفس العربية جاهلية وإسلامية من خلال أدبها ، وهذا يقتضي أمرين:

أ – دراسة الدب العربي على ضوء هذه الخصائص التي تعين مُثلها العليا من الفضائل النفسية المكونة للشخصية العربية والإسلامية ، ثم تبين مقومات الذكاء العربي وحساسيته الدقيقة في قدرة التعبير وطواعية اللغة.

ب-عرض مقارن بين الأدب العربي وغيره مركوزاً على هذا الأساس ، بحيث يظهر الفرق بينهما فرقا بين نفس ونفس ، ومُثل ومُثل ، وبذلك وهذا يسلم المدرس والطالب من لوثة الوهم بنقص الأدب الغربي ، ويتاح للطالب أن يرفع رأسه اعتزازا بأدب هذا اللسان الذي لايزال _ على الرغم من كل عوامل التقهقر _ يحتل المرتبة العليا بين لغات العالم جميعاً ، شاء المتنكرون له أو أبوا.

ويحسن هنا أن نذكر أن الروح المسيطرة على مقدمات الأدب في المؤلفات المدرسية لا توفر للطالب شيئاً من خذا الاعتزاز ، بل إنها لتبعثه على الشك في قيمة أدب أمته والإيمان بتفوق غيره. ومثل هذا التوجيه من شأنه أن يرسخ في نفسه شعور الضعة بازاء الآخرين ، ومن ثم شعور التبعية للآخرين ، وهذا شر ما تمنى به أمة من ضروب الاستعمار.

ص: 416

2-

في الشعر الجاهلي ألوان مختلفة باختلاف مؤثراته الطبيعية والاجتماعية ، بعضها يمثل وضعا خاصا ، وبعضها يمثل روحا عاما ، وإذا كان للقارئ المثقف الحق في دراسة هذا وذاك ، فللطالب ظروفه الخاصة التي تتطلب دراسة فكرية موجهة ترتكز على روح أمته العامة ، بصرف النظر عن كل شذوذ عارض. وعلى هذا يكون من الشطط طرح هاتيك النماذج الإباحية من شعر طرفة وامرئ القيس على عوانها بين أيدي الطلاب ، على حين أن الواجب يقتضي الاقتصار على النواحي النبيلة من شعرهما ، تلك النواحي التي هي أشد تماساً بحياة العرب وتمثيلاً لروحهم.

وفي كتاب السنة الأولى أشياء من تلك التوافه بالدنيا عن أن تكون (سيكارة وكاس) ولا جرم أن الجماعة العربية أحوج ما تكون إلى الإيمان بأن في الحياة مُثُلا أسمى من هذه السخائف. إن هناك العزة والحرية والوفاء والإيثار و

و

ومثل هذه المُثُل هي نقاط الانطلاق حتى في نفس طرفة وامرئ القيس ، فلينصبّ التوجيه على هذا الروح الأصل الجميل.

3-

مثل هذا تماماً يقال في ابن أبي ربيعة ، فمن الجريمة في حق هذه الأمة أن يُعد شعره الفاجر صورة حقة لحياو مكة ومدن الحجاز الأخرى في صدر الإسلام ، صورة تجعل من بيت الله الحرام مباءة للداعرين والماجنين ، وتجعل من فتيات المسلمين كرقيعات هوليود وباريس ، وهن اللواتي يقول فيهن الشاعر:

بيض كواعب ما هممن بريبة

كظباء مكة صيدهن حرام

وإذا كان ضروريا دراسة بعض شعره لإعطاء مثل عن تطور أساليب الغزل فليكن ذلك في مختارات أقرب إلى الذوق وإلى الحق وإلى الغاية العليا ، وإلا فليطرد هذا الفاجر من المناهج الثانوي كما طرد أبو نواس من قبله ، وليس ابن أبي ربيعة خيراً من أبي نواس.

ص: 417

4-

في كتاب السنة الأولى أيضاً نماذج من خطب الإمام علي بينها واحد لم يُرَدْ به إلى الخير ، وأعني به الخطبة الشقشقية ، فهي فضلاً عن كونها موضع نظر عند المحققين ، من حيث نسبتها إلى أمير المؤمنين ، لا تخرج عن كونها إثارة خفية لفتنة نائمة. وأمام المؤلفين متسع في كلام الإمام ، يجدون عنده الفضل والفائدة ، فما بالهم يعرضون عن ((القاصعة)) مثلاً وهي خير كلها ونموذج أعلى من البلاغة ، ليأخذوا (الشقشقية) وليس لها من أثر نافع! .. لعمري إن القوم لكأولئك الذين يجدون في القرآن الكريم المحكم والمتشابه ، فيعرضون عن المحكم ويأخذون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة

5-

وأخيراً فإن هناك ألواناً من روائع الأدب العربي لا يجوز للمناهج الثانوي أن يهملها ، وأعني بها أدب الصعاليك سواء في الجاهلية أو الإسلام.. ففي شعر عروة بن الورد، وسليك والشنفرى ، ثم مالك بن الريب واضرابهم صور من أدب البطولة ، لا غنى عن روحه لهذا الجيل المائع من شباب اليوم. إن هذا الأدب حرية العربي وسخاءه وشجاعته، وفيه عزة المؤمن وشرفه وكرامته ، وفيه أخيراً الثورة النبيلة بالظلم والفقر والهوان ، فمن حق المناهج المدرسي أن يحفل بأدب هؤلاء الفرسان الأعزة ، وأن يحسن تحليل نفسياتهم التي كانت نموذجاً للطاقة العربية التي وجدت مجالها الصحيح في قيادة الإسلام فجعل منها القوة البناءة في حياة العرب والإنسانية ، ولعل من الخير كل الخير لو استبدل هؤلاء الصعاليك الأباة بأصحاب النقائض السفهاء!

السنة الثانية:

لعل مناهج هذا الفصل أقل مآخذ من سابقه ، ذلك لأن منهاج الأول لا يعدو أن يكون مقدمة تأسيسه لهذا ، فعليه يقوم الكثير من عمل التوجيه الأدبي ، ولذلك سأقصر ملاحظاتي على ثلاثة من أدباء هذا الفصل كنموذج تحسن مراعاته في كل تعديل قد يطرأ على نصوص غيرهم من أدباء المناهج..

ص: 418

1-

المتنبي: لهذا الشاعر العبقري جوانب نفسية متعددة تتراءى في شعره جميعاً فهناك الطموح الغالب ، وهناك القوة الأصيلة ، وهناك الضعف الطارئ ، وهناك التعالي المنبثق عن الشعور بالعزة ، وهناك الاتضاع المصنوع من الحاجة ، ثم هناك الأمل القوي الجارف إلى جانب التشاؤم المظلم اليائس.. ثم هناك مُثُل الإسلام العليا من جهاد للباغين وغيرة على المسلمين أن يذلوا للظالمين ، إلى جانب نزوات من عبادة الذات يجعل نفسه غاية الغايات ، وتدفعه في غير وعي إلى الاستحقاق بالنبيين أو اصطناع أساليب الباطنيين في تجسيم رب العالمين والعياذ بالله.

فالمتنبي والحالة هذه عالم رحب الآفاق تتعذر الإحاطة به إلا على ذوي الاختصاص العالي ، ففيم نقحم الطالب المسكين في غمار أمواجه المضطربة دون تخير لما يناسب طاقته العقلية والنفسية! .. فالتشاؤم المفرط ، والفردية المغرقة ، والخروج على مقاييس الدين الصحيح ، وما إلى ذلك من أمراض نفسية تنصب على الرجل من مختلف الينابيع القاهرة لإرادته ، أمور يجب إرجاء بحثها إلى الوسط الجامعي ، وحسبنا من المتنبي في هذا القسم بقية الجوانب التي تساعدنا على إحياء المناقب المثلى ، وتظهرنا على قدرة العقلية والذكاء العربيين.

2-

المعري: وأمر المعري في هذا المناهج أمرُّ من أمر صاحبه أبي الطيب ، فالمناهج يفرض دراسة نماذج من رثائه وحكمته ونقده ونثره ، أما المؤلفون فكأنهم ملزمون أن لا يدعوا شيئاً من كفريات الرجل وضلالاته دون عرض وتوسيع ، وما أدري أي الفوائد يمكن لطالب عادي أن يجنيها من تناقضات أبي العلاء وهي التي تحير في أمرها أساطين الباحثين من القدامى والمحدثين! .. اللهم إلا إذا كان المقصود إليه من ذلك هو التمكين لهذه الحيرة في أذهان هذا النشء المسكين ، وهو في السن التي فتحتها الأقدار لهذه الأكدار! ..

ص: 419

وخلاصة القول أن في المعري كسابقه جوانب أخرى فيها الكثير من الخير المحض البناء ، فمن الشطط لا الغلط أن نكب على استخراج المعاول الهادمَة من أدب هذا القلِقِ لنضعها في أيدي المراهقين من طلابنا المساكين! .

3-

أحمد شوقي: كثيراً ما يتيه المؤلفون في الحديث عن هذا الشاعر المعاصر ،وبخاصة عندما يتناولون شعره القومي والسياسي.. أهو شاعر عربي؟ أهو شاعر مصري؟ أهو شاعر إسلامي؟! .. ومرد ذلك كله إلى النزعة القومية المتطرفة التي تستحوذ على ذهن المؤلف ، فهو مدفوع بهذه النزعة إلى اعتبار القومية العربية _ منفصلة عن الإسلام _ هي المقياس الخلقي والفكري الذي به تحدد شخصية الرجل. والأفضل من ذلك والأصح أن تدرس الفكرة القومية على أنها شذوذ عن طبيعة الروح الإسلامي ، الذي كان مسيطراً على توجيه الشعور الاجتماعي في سائر أنحاء الوطن المسلم حتى أواخر أيام شوقي ، وكما هي الحال الآن إذا انبعثت الروح الإسلامية من جديد تكافح لاستعادة سلطانها بعد إخفاق الفكرات القومية الغالية ، فعادت تطبع الأدب المعاصر في كثير من مظاهره البارزة.

ومن العبث الفصل في الدراسة بين شوقي المسلم وشوقي المصري وشوقي العربي ،فشوقي شاعر الإسلام لا شاعر القومية ، وشاعر المسلمين جميعاً لا شاعر العروبيين وحدهم ، وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن تفسير كل هذه التطورات التي تفضي ألوانها على شعر شوقي ، بما في ذلك اللون الشرقي الذي يكثر ذكره في تضاعيف إنتاجيه ، فليس الشرق في نظر شوقي إلاّ وطن الإسلام ، فإذا هو قال:

نصحت ونحن مختلفون داراً

ولكن كلنا في الهم شرق

وإذا قال: كان شعري الغناء في فرح الشرق ، وكان العزاء في أحزانه

فهو لا يريد بهذا الشرق سوى وطن الإسلام

ص: 420

وبعد فهذه ملاحظات سريعة استخلصها من اختبارات طويلة في التربية والتعليم ، وهي في معظمها تتناول أدباء المناهج.. على أن هناك ملاحظات أخرى لست أقل بها أيماناً ، وهي تتناول أدباء آخرين من حقهم أن يحتلوا مكانهم في المناهج الإعدادي ، أذكر منهم: الشاعر الأبيوردي _ من شعراء العصر الصليبي _ وأحمد محرم وشكيب أرسلان ورشيد رضاء وإبراهيم طوقان _ من أدباء العصر الحديث ، ففي أدب كل من هؤلاء نقاط انطلاق لا تزال تعمل عملها في مسيرة الأدب العربي..

والغريب أن شاعراً كالأبيوردي _ وهو يكاد يكون الوحيد بين شعراء عصره الذي صور كفاح الإسلام بوجه الصليبية _ يظل نائماً في ديوانه حتى الآن لا يكاد يعرفه أحد ، وهو العبقري الذي يحفظ لعصره أجمل ما عرفه من بلاغة العرب وشعر النضال.

أما شكيب ورشيد ومحرم فحسبهم مجداً أنهم في طليعة القادة الفكريين للجيل الإسلامي خلال القرن الرابع عشر _ الهجري _ ومن كإبراهيم طوقان يسجل كفاح فلسطين السليبة التي أوشكت مأساتها أن تنسى بعد أن جعلها الاستعمار والاستهتار مشكلة لاجئين!

ص: 421

نظامُ الإثبات في الفِقهِ الإسلامي

القضاء من ال أمور المعروفة والمقدرة عند الأمم. مهما تفاوتت هذه الأمم في درجات الحضارة رقياً وانحطاط. ذلك لن الخصومة من لوازم الطبيعة البشرية ، فلو لم يكن هناك رادع للقوي عن الضعيف لاختل النظام وعمت الفوضى ، وإلى هذا أشار المولى عز وجل في الآية الكريمة:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} (الحج:40)، وفي قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض} (البقرة:251) ، فلا غرابة إذن أن تحترم الشريعة الإسلامية القضاء ، وتعنى به وترسى قواعده منذ أول نشأتها.

فبع الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة ، ومع بداية إرساء قواعد الدولة الإسلامية ، وتأسيس أجهزتها وسلطاتها ، أخذ القضاء مكانه في صدارة الأجهزة عنى الرسول الله صلى الله عليه وسلم بتأسيسها ، فجاء في الحلف الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين وأهل المدينة من المسلمين وغيرهم ، (وأنه كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده ، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم [1] فكان هذا صريحاً في أن كل خصومة أو نزاع يرد إلى القاضي الأول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

على أن بساطة ذلك المجتمع الناشىء لم تكن تستدعي في المدينة نفسها كثيراً من القضاة ، حيث لم تكن هماك خصومات كثيرة. ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم ينيب عنه بعض أصحابه حين يرسل بعضهم واليا إلى ناحية أعلنت خضوعها لحكومة الإسلام الأولى. فكان هؤلاء يحكمون بما علموه منه _ صلى الله عليه وسلم _ وبما استفادوه من صحبته.

ص: 422

فلا غرابة إذن إذا نبغ في القضاء عدد من الصحابة رضوان الله عليهم ، أمثال عليّ رضي الله عنه ، الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن قائلاً:"إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال عليّ: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعد "[2] .

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي جمعت رسالته إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أحدث النظريات في النظم القضائية [3] . ومنهم عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ، وغير هؤلاء كثيرون.

فجاء بذلك الفقه الإسلامي منذ فجره حاوياً لنظامه القضائي الذي يتسق مع عدله وشموله ، ومن يرجع إلى كتب الفقه الإسلامي يجد بحوث الفقهاء القيمة في مختلف فروعالقضاء ، في ضبط الدعوى وشروطها ، ونظام قبولها وردها. وفي مراتب القضاء المطلق منه والمقيد كالحسبة وولاية المظالم ، وفي أدب القاضي وما يجب ان يتصف به ، وإمكان تخصيصه بالزمان والمكان والدعوى ، وفي علاقة القاضي بالحاكم ، وغيره من علوم القضاء.

ولعل أهم هذه العلوم ذلك الذي يتعلق بالإثبات. والإثبات كما يعرفه رجال القانون الوضعي هو: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يجدها القانون على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة وينكرها الطرف الآخر " [4] أو هو ما عرف عند فقهاء الشريعة الإسلامية بطرق القضاء.

ص: 423

وترجع أهمية الإثبات إلى أنه الأداة الضرورية التي يعول عليها القاضي في التحقيق من الوقائع المطروحة في الدعوى ، والوسيلة العملية التي يعتمد عليها الأفراد في صيانة حقوقهم المترتبة على تلك الوقائع ، حتى أنه ليصح القول بأن كل تنظيم قضائي يقتضي حتما ً وجود نظام للإثبات. والواقع أن الغالبية العظمى من النظم القضائية نزلت على حكم هذه الضرورة وعنيت بالإثبات ، إلا أنها لم تلتزم في ذلك مذهباً معينا. وبالاستقراء والنظر في هذه النظم نجدها قد سلكت ثلاثة مذاهب في الإثبات:

الأول: مذهب الإثبات المطلق ، ويرمى هذا المذهب إلى عدم تقييد القاضي بطرق معينه وبل يترك للقاضي الحرية الكاملة في اتخاذ الدليل الذي يطمئن إليه ، فله أن يستكمل ما نقص من الأدلة التي عجز عنها الخصم ، وله أن يحكم بعلمه الشخصي ، وله استدراج الخصوم ومباغتهم لانتزاع الحقيقة من أقوالهم. وإلى هذا المذهب تميل القوانين الوضعية الجنائية الحديثة بحجة تطور الجريمة وأساليبها وصعوبة إثباتها بالطرق المحددة.

غي أن هذا المذهب منتقد من حيث أنه يمنح القاضي سلطة واسعة قد تؤدى إلى اعتسافه وانحرافه عن جادة الصواب. فيتحكم في تعيين طرق الإثبات وتحديد قيمتها بما يهوي دون رقابة ، كما يؤدى إلى اضطراب العدالة ، وفقدان الثقة بالقضاء لاختلف التقدير من قاض لآخر ، كما يشجع الظالمين المماطلين على المنازعة في الحق الثابت أملا في الإفادة من اختلاف القضاة في التقدير.

الثاني: مذهب الاثبات المقيد ، ويقوم هذا المذهب بالحد من السلطة المطلقة الممنوحة للقاضي في المذهب السابق ، وذلك بتحديد طرق معينة للإثبات ، فلا يستطيع الخصوم إثبات دعواهم من خلالها ، ولا يستطيع القاضي تكوين عقيدته إلا بهذا الدليل الذي حدده القانون ، فلا يحكم بعلمه الشخصي ، ولا يجعل للدليل قيمة أكثر مما هو محدد له بالقانون.

ص: 424

وعيب هذا المذهب _ بالرغم مما يكلفه للقضاء من ثقة واستقرار _ أنه يجعل دور القاضي سلبياً ، ووظيفته آلية ، مما يؤدي إلى يصدر القاضي حكما بغير ما ارتاح له ضميره ، إذا نمى إلى اعتقاده أن الحقيقة الواقعة ظاهرة بدليل من غير الطرق التي حددها القانون.

الثالث:مذهب الاثبات المختلط: هو المذهب الذي يجمع بين المذهبين السابقين ، فيحاول الجمع بين مميزاتها ، والتخفيف من مضارها ، فهو مع تحديده لطرق الإثبات إلا أنه يمنح القاضي سلطة في تقدير الأدلة ، فمثلا: له أن يقضي بما أجمع عليه الشهود ، أو أن يقضي بعكسه ، وله سلطة تقدير القرائن. وهذا المذهب هو ما تأخذ به أغلب القوانين الوضعية المعاصرة ، فتبلغ حدها الأقصى في المواد الجنائية من جهة حرية القاضي في تقدير الأدلة ، وحدها الأدنى في المواد المدنية حيث تكون سلطة القاضي في تقدير الأدلة أقل كثيرا من سلطنه في المواد الجنائية [5] .

فإلى أى هذه المذاهب يتجه الفقه الإسلامي في منهجه للإثبات؟

يميل بعض الفقهاء وأبرزهم ابن القيم الجوزية إلى مذهب الإثبات المطلق الذي يعطي القاضي الحرية المطلقة في تكوين عقيدته من أي دليل يعرض عليه وولا يتقيد بطريق إثبات معين ، ويتضح ميل ابن القيم إلى مذهب إطلاق الإثبات مما يأتي:

أولاً: تفسيره للبينة حيث يجعلها كل ما يبين من الحق ، ولا يقصرها على شهادة الشهود كما قال غيره من الفقهاء. فيقول:" فالبينة اسم لكل ما يبين من الحق ، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه "[6] .

ثانياً: إجازته للقاضي أن يتوصل للحق بالتحايل على الخصم استدلالاً بما كان يفعله إياس بن معاوية وشريح [7] .

ص: 425

ثالثاً: إجازته للقاضي أن يقضي بالفراسة بالرغم من استتار خطوات الاستنتاج فيها ، وأن الدليل المأخوذ منها غير معروف لغير القاضي. وستعرض رأي ابن القيم في الحكم بالفراسة بشىء من التفصيل إن شاء الله.

رابعاً: يقول في اعلام الموقعين: "فإذا ظهرت أمارات الحق ، وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره. والله تعالى لم يحضر طرق العدل وأدلته وأمارته في نوع واحد وأبطل غيره. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها ، وانما المراد غاياتها التي هي المقاصد "[8] .

فأنت ترى صراحة نصه على عدم التقيد بطريق محدد للإثبات ، فأي سبيل يبين به وجه الحق يكون دليلاً معتبراً مادام قد كشف للقاضي وجه الدعوى.

وبناء على هذا القول الذي يقضي بعدم حصر أدلة الثبوت عنده ، فقد ذكر في كتابه الطرق الحكيمة كثيرا من طرق القضاء التي يخالفه فيها كثير من الفقهاء كالقرعة ، وشهادة الكفار ، والفراسة ، وغيرها

مذهب جمهور الفقهاء:

أما بالنسبة لجمهور الفقهاء وما اتجهت إليه أنظارهم في الإثبات ، فيرى بعض فقهاء القانون المصرى أنهم أخذوا بمذهب الإثبات المقيد نظراً لما رآه منهم في تحديد الشهادة تحديداً دقيقاً ، وجعلها مراتب مترتبة ، والتزامهم بهذا التحديد [9] .

وفي نظري أن هذا القول ليس بصحيح ، فالفقهاء لم يأخذوا بمذهب تقييد افثبات على ما هو عليه عند أصحابه ، إنما القول بأنهم أقرب إلى المذهب المختلط هو الصواب عندي ، علما بأن نظرة الفقه الإسلامي للإثبات نظرة متميزة لم يكن همها أن تكون ضمن أي من المذاهب المذكورة.

ونرى ان الفقه الإسلامي كان قريباً من المذهب المختلط للأسباب الآتية:

ص: 426

أولاً: إنهم حددوا طرق الإثبات وجعلوها في أدلة معينة ، ولكنهم لم يجدوا من سلطة القاضي في تقدير الأدلة كما فعل أنصار المذهب المقيد. وبذلك لم يجعل الفقهاء وظيفة القاضي آلية لا أثر لها في تقدير الأدلة، فللقاضي عند جمهور الفقهاء أن يقضي بغير ما أجمع عليه الشهود إذا ظهر الحق من طريق غيرهم ، ومن ذلك قالوا: لا تحد المرأة إذا شهد عليها أربعة بالزنا وظهر أنها بكر [10] .

ثانياً: إنهم أعطوا القاضي سلطة تقدير القرائن. هذه السلطة وإن كانت تضيق في مجال الحدود ، إلا أنها تتسع في غيرها من الدعاوى الجنائية ، كما تتسع في دعاوى المعاملات المالية. وسيتضح هذا القول عند كلامنا عن القرائن إن شاء الله. وسلطة تقدير القرائن هو ما نميز به المذهب المختلط.

ثالثاً: إنهم لم يجيزوا للقاضي ان يقضي يعلمه الشخصي ، وهذا ما تميز به المذهب المختلط.

رابعاً: قالوا: إنه لا يلزم الأمر باستشهاد رجلين أو رجل وامرأتين في الديون وقت التحمل ألا يحكم القاضي بذلك الدين. فإن ثبت من طريق آخر كالنكول ، أو شاهد ويمين المدعى قضى به [11] .

ولا شك أن هذا مزج بين تحديد الأدلة وحرية القاضي في تقديرها ، كما أنه تخفيف لمضار تقييد الإثبات ، وهو ما لجأ إليه أنصار المذهب المختلط.

خامساً: إنهم جعلوا الشهادة حجة فيما قامت عليه مهما كان المدعى به، ولم يقيدوها بقدر معين كما فعل بعض القانونيين من أنصار المذهب المختلط [12] .

وهذا يدل على أن بعض القوانين التي أخذت بالمذهب المختلط أشد تضييقا من الفقه الإسلامي ، لأن القاضي في هذه القوانين لا يحكم بشهادة الشهود إذا جاوز الحق المدعى به القدر الذي حدده القانون ، ولو اعتقد القاضي صحتها وصدقها فيما قامت عليه.

ص: 427

كل هذه الأسباب جعلت نظرة جمهور الفقهاء أقرب إلى المذهب المختلط الذي يجمع بين مزايا المذهبين الآخرين المقيد والمطلق ، ويخفف من مضارها ، فهو يحدد أدلة الإثبات ولا يحد من سلطة القاضي في تقدير هذه الدلة ، كما لا يطلق للقاضي الحرية ليتخذ دليله في الدعوى من أي دليل يراه أو يطمئن إليه ، حتى لا يتعسف القضاة فتتمكن تهمة استغلالهم لسلطة وظيفتهم ، فكان أن حدد الفقه الإسلامي طرقا للإثبات لا يتجاوزها القاضي ‘ وليس للخصوم أن يثبتوا دعواهم بغيرها.

وبالرغم من قولنا أن الفقه الإسلامي كان قريبا من مذهب الإثبات المختلط ، إلا أنه قد حوى نظاماً لفثبات تفرد به وميزه عن القوانين التي أخذت بالمذهب المختلط ، ذلك لأنه لم يكن متأثراً بمذهب معين ، إنما هو تشريع من لدن حكيم خبير.

فإذا كان مذهب الإثبات المختلط قد ترك للقاضي الحرية في استخلاص حكمه من أي دليل يعرض عليه في الدعوى الجنائية ، فإن الفقه الإسلامي قد قصم الدعاوى الجنائية إلى ثلاث طوائف ، قيد الأدلة في طائفتين ، وهما الحدود والقصاص ، وترك له الحرية في طائفة التعزير ، وسنرى إيضاحاً أكثر لهذا القول عند كلامنا عن القرائن إن شاء الله.

كما أن القواينين التي أخذت بالمذهب المختلط قد سعت إلى تقييد الإثبات في الدعوى المديمية بقدر كبير ، فلم تأخذ بشهادة الشهود مثلاً إذا جاوز الحق المدعى به قدراً معيناً ، كما لم تقبل إثبات بعص الحقوق المدنية إلا بالكتابة ، بينما لا نجد هذه القيود في الفقه الإسلامي ، فالشريعة الإسلامية بما تغرسه في الفرد من إصلاح وتهذيب ، وبما تحثه عليه من مراقبة الله عز وجل تبعده عن تهمة الكذب والتزوير ، فهي بذلك تفترض أمانة الشخص.

ص: 428

وصدقه فيما شهد به ، ولذلك كانت هذه الشهادة حجة فيما قامت به ، وللقاضي أن يستند عليها في حكمه مهما كان القدر المدعى به ، وهذا لا يمنعه من مساءلة الشهود ومعرفة مدى صدقهم ومعرفتهم للواقعة المطروحة.

كما أن مبدأ الإثبات بالكتابة مع وجوده واحترام الفقه الإسلامي له وحثه عليه ، إلا أن الفقهاء لم يجعلوه شرطا لا يجوز الإثبات إلاّ به.

الآن ، وبعد أن بينا تفرد الفقه الإسلامي في نظامه للإثبات ، وتميزه عن نظم الإثبات الوضعية ، بقي لنا أن نتناول سمات أدلة الإثبات في الفقه الإسلامي ، وأقسامه ، وما تميز به كل دليل منها ، ومصدره الأصولي ، وليكن ذلك حديثنا في مقال قادم عن شاء الله تعالى.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

سيرة ابن هشام ج 1 ص 504 ط البابي الحلبي سنة 1375 هـ

[2]

سنن أبي داود ج 3 ص 328 ط هندية حديثة.

[3]

كتاب عمر إلى أبي موسى في القضاء أخرجه الدارقطني في سننه ج 4 ص 206 ط دار المحاسن للطّباعة سنة 1386 هـ وفي التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب العظيم أبادي قال: أخرجه البيهقي في المعرفة.

[4]

الدكتور عبد الودود يحيى: دروس في قانون الاثبات ص3. الدكتور أحمد أبو الوفاء: التعليق على نصوص قانون الاثبات ص 222

[5]

محمد عبد اللطيف: قانون الإثبات في المواد المدنية ص 6. الدكتور سليمان مرقص: اصول الإثبات في المواد المدنية ص 7.

[6]

الطرق الحكيمة ص 29 ط مطبعة مصر سنة 1960 م.

ص: 429

[7]

إياس بن معاوية بن قرة المزني، قاضي البصرة ومضرب المثل في الفطنة والذكاء والفراسة توفي سنة 122 هـ. الاعلام ج 1 ص 376 ط مصورة بيروت. وشريح بن الحارث الكندي من أشهر القضاء في صدر الإسلام ، ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية. توفي سنة 78 هـ. الاعلام ج 3 ص 236.

[8]

اعلام الموقعين ج 4 ص 373 ط دار الجيل بيروت.

[9]

انظر: أصول الإثبات في المواد المدنية السابق ذكره. هامش ص 4.

[10]

تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي الشافعي ج 9 ص 114 ط البابي الحلبي سنة 1215 هـ. المغني لابن قدامة الحنبلي ج 8 ص 207 ط دار المنار سنة 1367هـ. البحر الزخار فقه زيدي جـ 5 ص 180 ويقول بذلك الدسوقي المالكي وإن كان المذهب على خلاف هذا القول.

انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي جـ 4 ص 319 ط مطبعة السعادة مصر سنة 1329 هـ.

[11]

بداية المجتهد جـ 2 ص 469 ط البابي الحلبي سنة 1379 هـ. الطرق الحكيمة ص 14. طرق القضاء في الشريعة الإسلامية: لأحمد إبراهيم ص 13.

[12]

يقيد القانون المصري الشهادة في الحقوق المدنية فلا يحكم بها إذا جاوز الحق المدعى به عشري جنيها. مجموعة الأعمال التحضيرية جـ 3 ص 396.

ص: 430

الرُّواة الذين كُنُّوا (بأبي زرعة)

للدكتور سَعدي الهاشمي

أستاذ مساعد بالدراسات العليا

المقدمة:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:

فقد صنف أئمة الحديث وحفاظه في علوم الحديث المختلفة، ولم يتركوا فنا من فنونه، ولا نوعا من أنواعه إلا وأبدعوا في تصنيفهم فيه وأكثروا، ومن هذه الأنواع والفنون التي صنفوا فيها، هو معرفة الكنى والأسماء، وذلك لأهميته.

قال أبو عبد الله الحاكم (ت405هـ) عن تصنيف الحفاظ في الكنى: (وقد صنف المحدثون فيه كتبا كثيرة، وربما يشذ عنهم الشيء بعد الشيء) .

ونوه بأهميته ابن الصلاح (ت643هـ) فقال: (وهذا فن مطلوب لم يزل أهل العلم بالحديث يعنون به ويتحفظونه، ويتطارحونه فيما بينهم، وينتقصون من جهله) .

وبين الحافظ العراقي (ت806هـ) سبب معرفتهم لهذا الفن وضرب لذلك الأمثال فقال: (من فنون أصحاب الحديث معرفة أسماء ذوي الكنى ومعرفة كنى ذوي الأسماء، وتنبغي العناية بذلك، فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه؛ فيظنها من لا معرفة له بذلك رجلين، وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا؛ فتوهمه بعضهم رجلين، كالحديث الذي رواه الحاكم من رواية ابن يوسف، عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر مرفوعا:"من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة".

قال الحاكم: عبد الله بن شداد هو بنفسه أبو الوليد، بينه علي بن المديني، قال الحاكم: ومن تهاون بمعرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهم.

ص: 431

ولقد رغبت قبل سنوات أن أجمع الرواة الذين كنوا بـ (أبي زرعة) فتتبعت كتب الكنى المطبوعة والمخطوطة، فكان حصيلة ذلك التتبع مجموعة كبيرة من الرواة، تفوق في عدها أضعاف أضعاف ما ذكره صاحب كل كتاب على حدة، ومهدت لهذا البحث بفوائد تتعلق به، منها أنواع الكنى، وأهم المصنفات في الكنى، وتمييز بعض المحدثين بين أشهر من تكنى بـ (أبي زرعة) ، وهما الراوي والدمشقي، مساهمة بسيطة مني، وخدمة لرجال السنة النبوية وحملة الآثار، أرجو أن ينال استحسان المشتغلين بالسنة النبوية.

(كتب الكنى)

1-

الكنى لهشام بن محمد بن السائب بن بشر (ابن الكلبي ت204هـ) .

2-

كنى الأشراف للهيثم بن عدي (ت207هـ) .

3-

الأسماء والكنى - ليحيى بن معين (ت233هـ) .

4-

الكنى - لعلي بن المديني (ت234هـ) .

5-

الأسماء والكنى - لأبي بكر بن أبي شيبة (ت235هـ9.

6-

الأسماء والكنى - لشباب العصفري خليفة بن خياط (ت240هـ) .

7-

الأسماء والكنى - لأحمد بن حنبل (ت241هـ) .

8-

الكنى - لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، وهو جزء من التاريخ الكبير، ومعظمه فيمن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه، وقد رتب الكنى على حروف المعجم.

9-

الكنى والأسماء - لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) ، ومعظمه فيمن عرف كنيته واسمه، ويرى أبو أحمد الكرابيسي (ت378هـ9 أنه منقول من كتاب الكنى للبخاري.

10-

الكنى - أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) .

11-

الأسماء والكنى - لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت279هـ) .

12-

أسماء المحدثين وكناهم - لأبي عبد الله محمد بن أحمد المقدمي (ت301هـ) .

13-

الكنى - لجعفر بن محمد بن الحسن الفريابي (ت301هـ) .

14-

الكنى - لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ) .

15-

الكنى - لأبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي الحافظ (ت317هـ) .

16-

الأسامي والكنى - لأبي عروبة الحسين بن محمد الحراني (ت318هـ) .

ص: 432

17-

الأسماء والكنى - لأبي محمد بن عبد الله بن علي بن الجارود (ت320هـ) في ستة عشر جزءا.

18-

الكنى والأسماء - لأبي بشر الدولابي محمد بن أحمد بن حماد الرازي (ت310هوقيل: 320هـ) ، وقد رتبه على حروف المعجم، وفصل الصحابة عن التابعين.

19-

الكنى - لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت327هـ) .

20-

الكنى - للحافظ أبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي (ت353هـ) .

21-

أسامي من يعرف بالكنى - لأبي حاتم محمد بن حيان البستي (ت354هـ) ويقع في ثلاثة أجزاء.

22-

كنى من يعرف بالأسماء - قال ابن الصلاح في معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى: وبلغنا أن لأبي حبان البستي فيه كتابا.

23-

الكنى - لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت360هـ) .

24-

من وفقت كنيته كنية زوجته من الصحابة - لأبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة (ت366هـ) ، ويقع في 19 ورقة، ويذكر كنية الصحابي، ويعرف باسمه، ثم يخرج من طريقه حديثا بإسناده إليه، ثم يذكر كنية زوجته، ويعرف باسمها، ويخرج من طريقها حديثا، وربما اكتفى بالتعريف باسمها دون تخريج حديث عنها.

25-

الكنى - لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الكرابيسي (ت378هـ) .]

قال عنه الحافظ العراقي، وكتاب أبي أحمد أجل تصانيف هذا النوع، فإنه يذكر فيه من عرف اسمه ولم يعرف، وكتاب مسلم، والنسائي لم يذكر فيه إلا من عرف اسمه.

وقال حاجي خليفة: إنه من أحسنها ترتيبا - أي كتب الكنى - ويقع كتابه في أربعة عشر سفرا، حرر فيه وأجاد وزاد على غيره وأفاد، ولم يرتبه على المعجم، فرتبه.

26-

الحافظ الذهبي (ت748هـ) واختصره، وزاد عليه - جزءا في كنى النساء - وسماه المقتنى في سرد الكنى.

27-

الأسماء والكنى - لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني (ت396هـ) .

28-

الكنى والألقاب - لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت404هـ) .

ص: 433

29-

الألقاب والكنى - لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الفارسي الشيرازي (ت411هـ) وهو في مجلد مفيد، كثير النفع، بل هو أجل كتاب ألف في هذا الباب قبل ظهور تأليف ابن حجر، واختصره - أي كتاب الشيرازي - أبو الفضل بن طاهر.

30-

الكنى - لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصفهاني (ت430هـ) .

31-

من وافقت كنيته اسم أبيه مما لا يؤمن وقوع الخطأ فيه - لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) وهو في ثلاثة أجزاء.

32-

الاستغناء في أسماء المشهورين من حملة العلم بالكنى - لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (ت463هـ) ، وهو كتاب ضخم، وله أيضا:

33-

من عرف من الصحابة بالكنية ولم يوقف له على اسم أو اختلف فيه.

34-

أسماء المعروفين بالكنية من التابعين ومن بعدهم (1) .

35-

من لم يوقف له منهم على اسم ولا عرف بغير كنيته (2) .

36-

فتح الباب في الكنى والألقاب - لأبي القاسم عبد الرحمن بن مندة (ت470هـ)(3) .

37-

الكنى - لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر.

38-

الأسماء والكنى - لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الأزهر الصريفيني الحنبلي (ت641هـ) .

39-

المرتجل في الكنى - للحافظ الذهبي (ت741هـ)، وله أيضا:

40-

ذكر من اشتهر بكنيته من الأعيان.

41-

الأسماء والكنى - لأبي عبد الله بن مخلد.

42-

تجريد الأسماء والكنى - لأبي القاسم بن الفراء.

43-

الكنى - لثابت بن الحسن بن علي الخمي بن الصيرفي.

44-

الكنى - لإبراهيم بن عبد الله بالخزاعي.

45-

الكنى - لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) .

46-

كتاب أسماء المكنين من رجال الصحيحين لمحمد بن هارون المغربي.

أنواع الكنى:

1-

أن يكون الاسم هو الكنية، ولا كنية له غيره:

ص: 434

مثاله: أبو بلال الأشعري، من ولد أبي موسى الأشعري، وهو أبو بلال بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، روى عن شريك وغيره، وعنه أبو حاتم الرازي وخلق، قال لأبي حاتم: ليس اسم، اسمي وكنيتي واحد.

2-

أن يكون الاسم هو الكنية، وله كنية أخرى:

مثاله: (ع) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، قيل: اسمه محمد، وقيل: المغيرة، وقيل: أبو بكر اسمه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: اسمه كنيته، ثقة فقيه عابد، من الثالثة، توفي سنة أربع وتسعين ومائة.

3-

أن تكون له كنية معروفة بين الناس ولا يدرون أهي اسمه أم لم اسم سواها:

مثاله: أبو أناس - بضم الهمزة وتخفيف النون - ابن زنيم الكناني، ويقال: الدئلي.

4-

أن تتعدد الكنى، اثنان أو أكثر:

مثاله: (ع) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولهم المكي، يكنى بأبي الوليد، أبي خالد، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، توفي 150هـ.

5-

أن تكون الكنية بحسب الظاهر لقبا في الحقيقة، وأن تكون له كنية أخرى:

مثاله: (ع) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، استشهد في رمضان سنة أربعين، يلقب أبا تراب، وهو في الظاهر كنية، وكنيته أب الحسن.

6-

من اختلف العلماء في كنيته بعد اتفاقهم على اسمه:

مثاله: (ع) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، الصحابي المشهور، اختلفوا في كنيته؛ فقيل: أبو زيد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو خارجة، توفي سنة أربع وخمسين.

7-

أن تكون له كنية متفق عليها بين العلماء، وكلنهم اختلفوا في اسمه:

مثاله: (ع) أبو هريرة الدوسي، الصحابي الجليل، حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين أو أربعين وجها، توفي سنة تسع وخمسين.

8-

أن تكون كنيته واسمه جميعا موضع خلاف:

ص: 435

مثاله: (م ع) سفينة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لقب لقبه به النبي، وقد اختلفوا في اسمه؛ فقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البحتري، وقيل غير ذلك.

9-

أن تكون له كنية معروفة واسم معروف، واشتهر بهما جميعا، ولم يختلفوا في واحد منهما:

مثاله: (ع) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي، أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق الأكبر، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث عشر.

10-

أن يكون له اسم وكنية معروفان، ولا خلاف في أحدهما، ولكن شهرته بالكنية دون الاسم:

مثاله: (ع) أبو إدريس، عائذ الله- بتحتانية ومعجمة - ابن عبد الله الخولاني، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع كبار الصحابة، توفي سنة ثمانين.

11-

أن يكون له اسم وكنية معروفان، ولا خلاف في أحدهما، ولكن شهرته بالكنية دون الاسم:

مثاله: (ع) أبو عبد الله عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث القرشي الزهري، أحد العشرة، أسلم قديما، ومناقبه شهيرة، توفي سنة اثنتين وثلاثين.

12-

أن تكون للراوي كنية معروفة، واسم معروف، وكنيته موافقة لاسمه:

مثاله: أبو القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن الطيلسان الأوسي، حافظ الأندلس، واسمه القاسم.

13-

أن تكون للراوي كنية واسم معروفان، وتكون كنيته موافقة لاسم أبيه:

مثاله: (بخ م ع) أبو مسلم الأغر بن مسلم المديني، نزيل الكوفة، ثقة من الثالثة.

14-

أن يكون للراوي اسم معروف، ولأبيه كنية، واسمه يوافق كنية أبيه:

مثاله: (خ م ت س) سنان بن أبي سنان يزيد بن أبي أمية، ويقال: ربيعة، الديلي المدني، ثقة من الثالثة، توفي سنة خمس ومائة.

15-

أن تكون للراوي كنية، ولزوجته كنية، وتوافق كنيته كنية زوجته:

مثاله: (ع) أبو ذر الغفاري، الصحابي المشهور، اسمه جندب بن جنادة على الأصح، تقدم إسلامه، وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرا، ومناقبه كثيرة جدا، توفي سنة اثنتين وثلاثين.

ص: 436

وزوجته (أم ذر) أسلمت مع أبي ذر في أول الإسلام.

سبب تكني عبيد الله بن عبد الكريم الرازي بكنية أبي زرعة:

لقد غطت كنية أبي زرعة لعبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت264هـ9 على غيره، فإذا ذكرت مجردة من غير نسبة، فالمقصود بها هو.

ولقد حصل أبو زرعة كنيته عن طريق الرازيين الذين زاروا دمشق، والتقوا بأبي زرعة الدمشقي، فكنوه بنفس الكنية تيمنا، ذكر ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق، حيث روى بإسناده إلى أبي زرعة الدمشقي أنه قال:(وبكنيتي كني أبا زرعة الرازي، وذلك أن جماعة من أهل الري قدموا علينا بدمشق قديما منهم أبو يحيى مزحويه، فلما انصرفوا إلى الري فيما أخبرني غير واحد، منهم أبو حاتم، رأوا هذا الفتى قد كانوا يعنون أبا زرعة الرازي فقالوا له: نكنيك بكنية أبي زرعة الدمشقي، ثم لقيني أبو زرعة الرازي فجالسني بدمشق، وكان يذكر لي هذا الحديث، وقال لي: تكنيت بكنيتك) .

تمييز الأئمة والحفاظ بين أبي زرعة الرازي والدمشقي:

اشترك أبو زرعة الرازي مع أبي زرعة الدمشقي في الكنية والرواية عن بعض الشيوخ، وهما ومن الأقران؛ لهذه الأسباب احتاط أئمة الحديث والمصنفون فميزوا بينهما، وضبطوا أسماء الشيوخ لكل منهما، وذلك تجنبا لوقوع اللبس والوهم.

فقد تنبه عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) لهذا الأمر فميز في كتابه (الجرح والتعديل) بين أبي زرعة الرازي والدمشقي.

فهو لا يصرح بنسبة أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم قريب أبيه الذي لا تكاد تخلو صفحة من صفحات كتابه - الجرح والتعديل - من ذكره، وكذا بقية كتبه؛ لأنه لا لبس في أمره.

أما إذا لم يؤمن اللبس فينسبه، فمثلا عبد الحميد بن بكار الدمشقي، حينما ذكر الرواة عنه ذكر أبا زرعة الرازي بنسبته، وكذلك إذا روى عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، أو يذكره ضمن شيوخ أو تلاميذ أحد الرواة.

ص: 437

وكذلك إذا اشترك أبو زرعة الرازي والدمشقي في الرواية عن أحد من الشيوخ، فمثلا صرح ابن أبي حاتم في ترجمة أبيه، حيث ذكر طائفة من الرواة عنه، وذكر منهم أبا زرعة الرازي، والدمشقي.

ولقد تنبه لذلك أيضا الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان (ت254هـ) فإذا ذكر أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، أو إذا روى عنه رأيا أو قولا فإنه ينسبه بالرازي كي يميزه عن أبي زرعة الدمشقي.

هذا في معظم المواضع من كتاب (المجروحين) ؛ لأنه ينقل أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة.

وإذا أمن اللبس فيذكره من غير أن ينسبه، فقد ذكره في حادثة لقاء أبي زرعة الرازي، ومحمد بن مسلم بن وارة، وهو رازي أيضا، مشهور مع الإمام أحمد بن حنبل، وتحذيرهما له من الرواية عن محمد بن حميد الرازي.

إلا أنه ذكر في موضع واحد في ترجمة معلى بن هلال الطحان من طريق أبي نعيم - الفضل بن دكين (ت219هـ) - وقد روى عنه كل من أبي زرعة الرازي والدمشقي، وهو يريد في الغالب فيه أبا زرعة الدمشقي، فقد ذكر ابن حجر هذا الخبر وصرح بنسبته أبي زرعة راوي الخبر عن ابن عيينة.

وروى ابن حبان في موضع آخر قولا عن أبي مسهر - عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي (ت218هـ) - وهو شيخ لأبي زرعة الدمشقي، ولقد أخطأ محقق كتاب المجروحين، حيث كتب في الحاشية ترجمة لأبي زرعة الرازي، ظنا منه أن هذا هو الرازي، وهو في الحقيقة الدمشقي.

أسماء الرواة الذين كنوا بأبي زرعة:

(1)

أبو زرعة: أحمد بن بندار بن محمد بن عبد الله بن مهران العبسي القاضي (ت382هـ) .

روى عن حفص بن عمر الملقب نزيلة الحافظ بأردبيل.

روى عن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي (كنيته أبو زرعة)(ت بعد 340هـ) .

وإسحاق بن إبراهيم بن بوكود الاستراباذي أبو القاسم، يعرف بأخي محمد كاالبيرايات.

الفضل بن نعيم الاستراباذي أبو العباس يعرف بفضلان.

(2)

أبو زرعة: أحمد بن حميد الصيدلاني الجرجاني، مات بمكة.

ص: 438

قال عنه حمزة السهمي: كان حافظا، يعرف علل الحديث.

روى عنه محمد بن عبد الأعلى، ويحيى بن سعيد القطان، وعمرو بن علي، روى عنه موسى بن هارون الحمال، والحسن بن أحمد الصنعاني.

قال أبو عمران بن هانئ: كان أبو زرعة الجرجاني أحفظ من أبي زرعة الرازي، قد صحب يحيى بن سعيد القطان، وسلم يحيى بن سعيد ابنه إليه ليفيده في الحديث.

قال إبراهيم بن محمد بن عيسى: كان موسى بن هارون يأخذ علل الحديث عن أبي زرعة الجرجاني ويدخلها في كتابه.

(3)

أبو زرعة: محمد بن الحسن بن حمدان المذكر الاستراباذي.

روى عن محمد بن يزدان بن سالم الاستراباذي، وهميم بن همام.

(4)

أبو زرعة: أحمد بن محمد بن هارون الاستراباذي، ابن أخي هارون بن أحمد.

انتقل إلى مكة وتأهل بها، ثم خرج من مكة على طريق البصرة قبل الثمانين والثلاثمائة.

روى عن أبي نعيم، وجعفر بن شريك.

(5)

أبو زرعة: أحمد بن محمد بن موسى الفارسي القاضي، مات باستراباذ بعد الأربعين وثلاثمائة.

روى عن عمران بن موسى السختياني، ومعروف بن محمد بن زياد، ومحمد بن حشمرد الجرجانيين، وغيرهم.

روى عنه أبو زرعة أحمد بن بندار العيشي.

وعنه أبو نعيم عبد الملك بن أحمد بن نعيم بن عبد الملك الاستراباذي.

(6)

أبو زرعة: الرازي الصغير: أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله (ت375هـ) .

روى عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن خربان الخرباني البغدادي.

سمع محمد بن إبراهيم بن مورد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وعلي بن إبراهيم القطان القزويني، وعبد الله بن محمد الحارثي (شيخ البخاري) ، وبكر بن عبد الله بن المحتسب البخاري، والحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري.

ومن شيوخه محمد بن أحيد بن عيسى، أبو حرب البلخي الحافظ، وسمع من أبي حامد بن بلال، وعلي بن أحمد الفارسي، نزيل بلخ، وأبي عباس الأصم، وأبي الفوارس السندي المصري، وأبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي والد تمام.

ص: 439

وحامد بن حماد بن المبارك بنصيبين.

روى عنه أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي.

وعنه تمام الرازي، والحسين بن محمد الفلاكي، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وحمزة بن يوسف السهمي، وأبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي، وعلي بن المحسن التنوخي، وأبو الطيب أحمد بن علي الجعفري.

قال الخطيب: حدث ببغداد، ثنا عنه القاضيان أبو علي الواسطي وأبو القاسم التنوخي، وأبو زرعة روح بن محمد الرازي.

قال عنه الخطيب: كان حافظا متقنا ثقة، رحل في الحديث، وسافر الكثير، وجالس الحفاظ، وجمع التراجم والأبواب.

قال الخطيب: أخبرنا علي بن المحسن قال: سألنا أبا زرعة الرازي عن مولده؟ فقال: لست أحفظه، ولكني خرجت إلى العراق أول دفعة لطلب الحديث سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكان إذ ذاك أربع عشرة سنة أو نحوها.

(فقد في طريق مكة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة) .

قال عنه الذهبي: له تصانيف كثيرة، يروي فيها المناكير كغيره من الحفاظ، ولا يبين حالها، وذلك مما يزري بالحافظ.

وقد سأله حمزة السهمي عن أحوال الرواة.

وقال عنه الذهبي: من علماء الحديث والراحلين في علوه.

(7)

أبو زرعة بن عبد الله بن عدي، أبو محمد الحافظ.

(8)

أبو زرعة: عمر بن القاسم بن محمد بن بندار السباك الجرجاني.

روى عن الربيع بن سليمان المرادي.

وعنه إبراهيم بن موسى، جد حمزة السهمي.

(9)

أبو زرعة المؤذن المعلم، يعرف باليمني، نسبة إلى اليمن، محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن بندار بن سهل بن إسحاق بن سعيد بن عبد الواحد الاستراباذي، توفي باستراباذ.

قيل له ذلك لأنه أقام باليمن وتزوج وولد بها ابنه إبراهيم.

ويقال له العطاري؛ لأنه جاور محمد بن بندار العطار.

كتب الكثير، ورحل إلى خراسان والشام والجزيرة، وسمع الكثير من أبي العباس السراج، وأبي الحسن بن جوصا الدمشقي، وأبي عروبة الحراني، وأبي بكر بن أبي داود وغيرهم.

ص: 440

كتب بالشام عن أبي جوصا، وبالجزيرة عن أبي عروبة، وبمصر والعراقين عن البغوي، وابن أبي دود، وابن صاعد، وعن عبد الكريم التمار، وبفارس عن علي بن الحسين بن معدان، مات باستراباذ.

روى عن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الملك الشيباني الكاتب الاستراباذي أبو أحمد.

وروى عن محمد بن أحمد بن بندار، أبو الحسين البزار الاستراباذي.

وروى عنه أبو الحسن علي بن الحسين الابريمي، توفي باستراباذ سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

روى عنه أبو الحسن محمد بن عبد الملك بن أحمد بن نعيم بن عبد الملك النعيمي الاستراباذي الفقيه.

روت عنه تميمة بنت أبي شجاع، محمد بن إبراهيم الاستراباذية أم أبي حاجب محمد بن إسماعيل بن محمد الاستراباذي.

روى عن شهريار بن يزداد.

(10)

أبو زرعة: محمد بن الحداد، توفي باستراباذ سنة 412هـ.

روى عن ابن شاهين، ومن في طبقته.

(11)

أبو زرعة: محمد بن عبد الله بن إدريس بن الحسن السوراني الاستراباذي (ت342هـ) .

روى عن هميم بن همام وغيره.

روى عنه ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد والد أبي سعد الإدريسي، توفي بسمرقند سنة 377هـ.

وأبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس صاحب (تاريخ سمرقند) ، توفي سلخ ذي الحجة سنة خمس وأربعمائة بسمرقند.

(12)

أبو زرعة: محمد بن عبد الوهاب بن هشام بن الوليد الأنصاري الحافظ الششي الجرجاني.

قال السهمي: سكن باب الخندق في سكة شش، ومسجده معروف به الششي سكة بجرجان.

روى عن عبد الله بن محمد بن مسعود الزهري.

روى عنه أبو بكر الإسماعيلي، ونعيم بن عبد الملك، وأبو أحمد بن عدي، وإسماعيل بن سعيد، وابن أبي عمران الجرجاني، وأبو جعفر محمد بن أحمد القاضي، وأبو إسحاق إبر بن موسى بن إبراهيم بن أحمد السهمي الجرجاني.

قال عنه ختنه أبو بكر الإسماعيلي: كان فقيها حافظا.

وقال عنه أبو سعد السمعاني: كان فقيها إماما فاضلا عارفا بالفقه والحديث.

ص: 441

توفي في ذي الحجة سنة أربع وثلاثمائة.

(13)

أبو زرعة: محمد بن محمد بن أحمد الاستراباذي، ختن أبي عبد الله بن السري على ابنته.

روى عن يوسف بن أحمد بن عبد الرحيم.

روى عنه محمد بن عبد الله بن يحيى المذكر.

(14)

أبو زرعة: محمد بن محمد بن سهل بن عبد الرحمن بن أحمد الاستراباذي العنابي، توفي بسمرقند قبل 360هأيام الطبراني.

سكن سمرقند وحدث بها إلى أن مات قبل الستين والثلاثمائة.

روى عن أبي عمرو زيد بن محمد المصري.

روى عنه أبو سعيد الإدريسي.

(15)

أبو زرعة: محمد بن محمد بن الحسين الاستراباذي، يعرف بابن أبي الخطيب.

سكن سمرقند سنين كثيرة، وخرج منها قبل 380هـ.

روى عن علي بن محمد بن مهرويه القزويني، ومعبد بن جمعة الروياني، ومحمد بن الحسن بن علي الخياطي الجرجاني.

روى عنه أبو سعيد الإدريسي وغيره.

(16)

أبو زرعة: محمد بن يوسف بن محمد بن الجنيد بن عبد العزيز الكشي الجرجاني (ت390هـ) ، كان صدوقا حافظا.

سمع بجرجان من أبي نعيم الاستراباذي، وموسى بن العباس الأزاذياري، وعبد الله بن محمد بن مسلم، ختن بديل، وجماعة، ثم رحل إلى خراسان، وكتب بخراسان عن أبي حاتم مكي بن عبدان، والشرقي، وبسرخس عن الدغولي، وبالري عن ابن أبي حاتم، ومن في طبقته، وبهمذان وبغداد وبمكة عن جماعة، وجمع الأبواب والمشايخ، وكان يفهم ويحفظ، روى بجرجان شيئاً يسيرا بعد الجهد، ثم دخل بغداد وحدث بها، ثم دخل البصرة وأملى في جامع البصرة، ثم انتقل إلى مكة وحدث بها سنين إلى أن توفي بها سنة تسعين وثلاثمائة.

حدث بالبصرة في شعبان 374هن وحدث بمكة سنة 385هـ.

روى عن أحمد بن عبد الله بن زكريا بن عبد الكريم الفقيه الجرجاني.

روى عنه حماد بن زيدك الجرجاني.

قال في أحمد بن محمد بن رميح النسوي الجوال: ضعيف.

روى عن عبد الله بن السري أبو محمد الاستراباذي (ت325هـ) .

قال أبو زرعة محمد بن يوسف: خرج ابن خراش مثالب الشيخين، وكان رافضيا.

ص: 442

قال أبو زرعة الكشي في أحمد بن الحسن الجرجاني أبي الحسين: ليس بشيء.

روى عن حماد بن زيدك الجرجاني.

ومن نقده لبعض رواة الآثار ما نقله الذهبي، عن حمزة السهمي عنه في ترجمة جعفر بن علي بن سهل الحافظ أبو محمد الدوري الدقاق، قال حمزة السهمي: سمعت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجاني يقول: ليس بمرضي في الحديث ولا في دينه، كان فاسقا كذابا.

ونقل السهمي عنه أيضا في ترجمة جعفر بن محمد بن الفضل الدقاق (387هـ) (جعفر الدقاق الحافظ ليس بمرضي في الحديث ولا في دينه، كان فاسقا كذابا.

قال الخطيب: قدم بغداد حاجا، وكان صدوقا حافظا.

وقال عنه الذهبي: الحافظ الإمام.

روى عن أبي العباس محمد بن عبد الله الدغولي، ومكي بن عبدان النيسابوري، وأبي نعيم بن عدي، ومحمد بن عبدك الشعراني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم.

رحل إلى العراق والحرمين.

روى عنه القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، وأبو القاسم الأزهري وعبد العزيز بن علي الأزجي، وعبد الغني بن سعيد الحافظ.

نقل الذهبي عن حمزة بن يوسف السهمي أنه قال عنه: جمع أبو زرعة هذه الأبواب والمشايخ، وكان يحفظ ويفهم، أملى علينا بالبصرة، ثم إنه جاور بمكة إلى أن توفي بها في سنة تسعين وثلاثمائة.

روى عنه أبو معمر الفضل بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الإمام.

روى عنه أبو عمران موسى بن العباس الأزاذبادي (ت324هـ) .

روى عن محمد بن أحمد بن محمد بن علي الاستراباذي.

قال أبو زرعة الكشي في أبي شافع اسمه واسم أبيه واسم جده غير ما ذكر هو حاميهم، وكان ثقة في الحديث إلا أنه كان يشرب المسكر.

روى عن يوسف بن يعقوب بن حماد الاستراباذي (323هـ) .

ص: 443

قال الخطيب: حدثني الأزهري، قال: مضيت إلى أبي زرعة الجرجاني لما قدم بغداد، فسألته أن يحدثني عن الدغولي حديث الثوري عن زائدة، فأبى فألححت عليه المسألة، فحلف بالطلاق أن لا يحدثني به ببغداد، فانتظرته حتى كان اليوم الذي رحل فيه الحجاج، فخرجت معه ولم أفارقه حتى خرج من البلد، فلما صار وراء مقبرة باب الكناس قال لي: قد عزمت أن أحدثك حديث الدغولي، ثم قال: حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الله الدغولي بعد جهد جهيد، قال: روى لنا محمد بن مشكان قال: حدثنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا سفيان الثوري حدثنا زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد.

قال الخطيب: ثنا أبو بكر البرقاني قال: قال الدارقطني: لم يحدث به إلا ابن مشكان عن العدني.

وحدثنا البرقاني، ثنا الحسين بن علي التميمي، ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، ثنا أبو زكريا يحيى بن زكريا الأعرج، ثنا محمد بن مشكان، ثنا يزيد بن أبي حكيم العدني، ثنا سفيان عن زائدة بنحوه.

قال البرقاني: كان أصحابنا يقولون: تفرد به الدغولي حتى ظهر لنا هذا.

ورواه الذهبي في تذكرة الحافظ، من طريق عبد الغني بن سعيد الحافظ قال - أي عبد الغني -: حدثني أبو زرعة محمد بن يوسف الجرجاني بمكة بعد جهد وعناء، وذكر الحديث، ثم قال الذهبي: غريب، والمشهور حديث الثوري عن أبي يعفور العبدي، عن ابن أبي أولى، وأما حديثه عن زائدة ففرد.

ورواه الذهبي من طريق شعبة عن أبي يعفور.

(17)

أبو زرعة الرازي الأصغر: روح بن محمد البديحي القاضي الفقيه الشافعي (ت423هـ) - سبط الحافظ أبي بكر بن السني - ولي قضاء أصبهان مدة، وسمع الحديث ورواه، كتب عنه الخطيب أبو بكر البغدادي.

قال عنه السمعاني: سمع الحديث ورواه، كتب عنه الخطيب أبو بكر البغدادي.

ص: 444

(سمع أبا زرعة أحمد بن محمد بن جمان، وأبا الفضل العباس بن الحسين الصغار، وجعفر بن عبد الله بن يعقوب بن الفناكي، وأحمد بن فارس اللغوي، وعلي بن محمد بن القصار الرازي، وأبا زرعة أحمد بن الحسين الرازي، والحسين بن علي التميمي النيسابوري، وإسحاق بن سعد بن الحسين بن سفيان النسوي، وأبا الهيثم أحمد بن عمر بن شبويه المروزي، وأبا حامد بن الحسين المروزي، وأبا منصور محمد بن أحمد بن شبويه الأبيوري) .

قال عنه الخطيب: قدم علينا بغداد حاجا، وحدث بها فكتبنا عنه في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ولقيته بالكرج في سنة إحدى وعشرين فكتبت عنه هناك، وكان صدوقا فهما أديبا يتفقه على مذهب الشافعي، وولي قضاء أصبهان، وبلغني أنه مات بالكرج في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

سمع السلفي من أصحابه.

(18)

أبو زرعة: الدمشقي الصغير، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي دجانة، عمرو بن عبد الله بن صغران النصري، وهو ابن أخي أبي زرعة الدمشقي (ت قبل 360هـ) .

حدث عن الحسين بن محمد بن جمعة، وإبراهيم بن دحيم وطائفة.

روى عنه تمام الرازي، وأبو علي بن مهنا.

(19)

أبو زرعة المصري الفقيه الزاهد، شيخ الديار المصرية، حيوة بن شريح بن صفوان بن مالك التجيبي (ت158هـ) .

روى عنه الليث، وابن المبارك.

(20)

(خ4) أبو زرعة: المغيرة الثقفي مولهم الكوفي، وهو والد المحدث عثمان بن المغيرة، الأعشى الذي قال عنه أحمد بن حنبل: عثمان بن المغيرة هو عثمان بن أبي زرعة، وهو عثمان الأعشى، وهو عثمان الثقفي الكوفي، ثقة ليس أحد أروى عنه من شريك.

(21)

أبو زرعة: عقبة بن يزيد بن سعيد بن قتادة بن جبلة بن نمر بن نمير بن الحارث النسائي، منسوب إلى بني نسي، وهو بطن من الصدف، وهو مصري (ت294هـ)، وفي الأنساب قال: توفي في ذي الحجة 274هـ.

(22)

أبو زرعة: محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة، من موالي ثقيف (ت302هـ) قاض رفيع القدر من أهل دمشق، ولي قضاء مصر سنة 284هـ.

ص: 445

(23)

القاضي أبو زرعة، غير الذي مر ذكره، وهو في عصره.

(24)

أبو زرعة الطبري المقرئ، ولده أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة المحدث الفقيه الحنبلي، من أهل آمل طبرستان (ت528هـ) .

(25)

أبو زرعة: وهب الله بن راشد المصري، مؤذن الفسطاط.

روى عن يونس الأيلي، وحيوة بن شريح.

روى عن يونس الأيلي، وحيوة بن شريح.

روى عنه عبد الرحمن، ومحمد وسعد بنو عبد الله بن عبد الحكم وربيع بن سليمان الجيزي المصري.

غمزه سعيد بن أبي مريم وغيره.

قال أبو حاتم: محله الصدق، وفضل ابن وارة عليه عنبسة بن خالد.

وقال عنه أبو زرعة الرازي - وقد سأله ابن أبي حاتم -: ليس لي به علم؛ لأني لم أكتب عن أحد عنه.

(26)

أبو زرعة: عبد الأحد بن الليث (أبو زرارة) بن عاصم بن كليب القتباني.

روى عن عثمان بن الحكم الجذامي المصري من بني نضرة.

وروى عن حيوة بن شريح، ومالك بن أنس، ويحيى بن أيوب وغيرهم.

وسمع من جده، وهو صدوق في الحديث.

توفي سنة 228هـ.

(27)

أبو زرعة السنجي، صاحب تاريخ مروالزو القنجي.

(28)

أبو زرعة أبو زرعة: عبد الرحمن مولى المقداد بن الأسود، سمع منه أبو هلال.

روى عنه أبو هلال مرسل - قاله البخاري.

(29)

أبو زرعة إبراهيم، وكان من مسلمة أهل الكتاب.

روى عنه إسماعيل بن عبيد الله.

(30)

أبو زرعة: عبد الله بن أبي زكريا الشامي، واسم أبي زكريا الشامي: إياس بن يزيد بن خزاعة الدمشقي.

(31)

أبو زرعة: عبيد الله بن أبي بكر اللفتواني.

قال ابن النجار في تاريخه: كتب إلي أبو زرعة عبيد الله بن أبي بكر اللفتواني، أنبأنا أبو الخير شعبة بن أبي شكر بن عمر الصباغ.

اللفتواني: نسبة إلى لفتوان، إحدى قرى أصبهان.

(32)

قال ابن الجوزي: حدثنا أبو زرعة أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعيد قال: حدثني جدي لأبي سعيد بن الحسن بن جعفر.

(33)

أبو زرعة: أحمد بن نفيس المصيصي، كتب عنه أبو بكر الأبهري بحلب.

حدث عن محمد بن عمرو بن حنان.

ص: 446

روى عنه أبو بكر الأبهري، وقال: سمعت منه بحلب وهو ثقة.

المصيصي: نسبة إلى المصيصة، مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

(34)

أبو زرعة المقدسي: أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن علي بن سماقة الأسعردي (ت613هـ) .

حدث بمصر بمسند الشافعي عن أبي زرعة المقدسي.

(35)

أبو زرعة: محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي زرعة القزويني، ولد 324-298هـ.

سمع ابن صالح، ومحمد بن الحسن بن الفتح، وأقرانهما من شيوخ قزوين، وبالعراق الدارقطني، وابن هشام وأقرانهما، وبالأهواز ابن عبدان الحافظ، سمع منه تاريخ البخاري، واستشهد في سنة ثمان وأربعمائة، وقد انقطع نسله.

(36)

أبو زرعة: عبد الله بن الحسين بن أحمد.

ذكره القزويني في ترجمة أخيه أحمد بن الحسين بن أحمد أبو علي، الفقيه المتوفى سنة 382هـ.

(37)

أحمد بن الحسين بن علي الرازي الصوفي، سمع بقزوين من أبي داود سليمان بن يزيد الفامي.

الفامي - بفتح الفاء وسكون الألف، وفي آخرها ميم -: نسبة إلى بيع الفواكه اليابسة، أو نسبة إلى قرية من قرى واسط من ناحية فم الصلح.

(38)

أبو زرعة: الحسن بن عبد الكريم بن الحسن بن علي الكرجي، قتله الملاحدة بأبهر سنة 529هـ.

الحسن بن عبد الكريم بن الحسن بن عبد الكريم أبو زرعة الكرجي، سبط الأول، قتل 559هـ.

(39)

أبو زرعة الماكي - ذكره في ترجمة ابنه: أبو الطيب بن أبي زرعة الماكي.

سمع عبد الرزاق بن همام، من أبي عبد الله أبي طاهر بن فضلان بن حامد الكرجي، سمع الأستاذ أبا إسحاق السماذي بقزوين سنة 529هـ، وسمع أبا منصور عبد الكريم بن محمد بن حامد الخيام في داره سنة 527هـ.

(40)

عبد الكريم بن أبي زرعة الحداد، سمع الخليل بن عبد الله الحافظ سنة 443هـ.

(41)

أبو زرعة: عبد الكريم بن إسحاق بن سهلويه (أجاز لعبد الله بن أحمد بن حسنويه بن حاجي أبو بكر الزبيري من أقران الرافعي) .

سمع من السيد أبي حرب الهمداني سنة 583هـ.

ص: 447

(42)

أبو زرعة: عبيد الله بن الحسين، سمع أبا لحسن القطان، علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني (254-345هـ) .

(43)

أبو زرعة: عبيد الله بن ميسرة بن علي بن الحسن بن إدريس (ت379هـ) .

(44)

أبو زرعة بن مالك، ذكره في ترجمة عثمان بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الكسائي أو الكيساني (أخو أبي زرعة بن مالك) .

(45)

أبو زرعة الماكي: عبد الله بن الحسين بن أحمد الفقه، كبير، فقيه مفت، حافظ، كثير السنن والسماع (ت406هـ) .

سمع بقزوين، وببغداد والبصرة ونيسابور، واسفراين، وجرجان والدينور.

وسمع ببغداد أحمد بن جعفر القطيعي، وعبد الله بن ماس وبالبصرة الفاروق بن عبد الكريم الخطابي، ويوسف بن يعقوب الخيرصي، وبجرجان عبد الله بن عدي الحافظ، وأبا بكر الإسماعلي.

وبيسابور إسماعيل بن نجيد، وباسفراين شافع بن أبي عوانة (ت406هـ) .

(46)

أبو زرعة بن متويه: محمد بن أحمد بن محمد بن الفرج بن فروخ أبو زرعة بن أبي بكر، يعرف بابن متويه القزويني، من المشهورين المكثرين.

قال الخليل الحافظ: كان عالما بهذا الشأن، وارتحل إلى أبي خليفة سنة ثلاثمائة، وسمع بقزوين علي بن أبي طاهر، ومحمد بن مسعود، وغيرهما، ودخل الشام ومصر سنة ثلاثين، فمات عند رجوعه بقوميسين، وهو في حد الكهولة.

قال الخليل: أبو زرعة محمد بن أحمد بن الفرج بن متويه، ثقة عارف بهذا الشأن، سمع بقزوين محمد بن مسعود الأسدي، ويوسف بن حمدان، وبالعراق أبا خليفة، وزكريا الساجي، ثم ارتحل في ثمان وعشرين إلى الشام، وكتب الكثير، فمات عند رجوعه في الطريق قريبا من قوميسين سنة ثلاثين وثلاثمائة وهو كهل.

روى عنه ابن لال الهمذاني - أحمد بن علي بن أحمد (ت398هـ) وغيره، وحدثنا عنه ابنه بحديثين.

(47)

الجنيد بن أبي زرعة، أبو القاسم، سمع ابن خالويه الدربندي في خانقاه سهر هيزة سنة 493هـ.

(48)

حيدر بن أبي زرعة، أبو القاسم، سمع من أبي القاسم علي بن الحسن بن بلكونة سنة 391هـ، لعلها 491هـ.

ص: 448

(49)

أبو زرعة: طلحة بن محمد بن العباس، روى عن أبي محمد بن سعيد بن محمد بن نوح.

قال عنه الخطيب البغدادي: (أحسبه من أهل خراسان) .

روى عنه محمد بن المظفر.

(50)

أبو زرعة: عبيد الله بن عثمان بن علي بن محمد أبو زرعة البناء الصيدلاني.

سمع القاضي المحاملي، وعثمان بن جعفر بن اللبان، يوسف ين يعقوب بن إسحاق بن البهلول، وأبا القاسم بن داود الكاتب.

قال الخطيب: حدثنا عنه الأزهري، والخلال، والعتيقي، وأبو الفرج الطناجيري، وغيرهم (1) .

وروى عنه أيضا أحمد بن علي بن يحيى بن العباس، أبو منصور الاسداباذي (366-461هـ) .

قال الأزهري: ثقة.

قال العتيقي: ثقة مأمون.

ولد أبو زرعة سنة سبع عشرة وثلاثمائة.

ومات في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة (2) .

(51)

أبو زرعة: روى عن أبي إدريس، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه لعن الراشي".

روى عنه أبو الخطاب.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه فقلت: من أبو زرعة هذا؟ فقال: مجهول.

(52)

أبو زرعة الافريقي: حدث عن بكر بن سواد، عداده في أهل مصر، قاله لي أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس.

(53)

زرعة بن أبي زرعة العقيلي، روى عن ربيعة بن زكار - الذي روى عن أبيه، عن علي رضي الله عنه.

(54)

أبو زرعة: أحمد بن محمد بن جمان، ذكره الخطيب البغدادي ضمن شيوخ أبي زرعة روح بن محمد بن أحمد الرازي، الذي توفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

(55)

أبو زرعة: أحمد بن علي بن الحسين الرازي، روى عن جماعة، وعنه جماعة، ومن مروياته ما رواه متصلا إلى ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، وإنما كان بينهما قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا.

(56)

أبو زرعة الصيرفي: محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن الحارث، سمع أبا القاسم البغوي، حدث عنه أبو بكر البرقاني، والقاضي أبو العلاء - الواسطي.

ص: 449

روى عنه عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدث في جامع المدينة ببغداد.

(57)

أحمد بن شبيب، أبو زرعة الصوري، حدث عن أحمد بن خليد الحلبي.

روى عنه عبد الله بن عدي الجرجاني.

(58)

أبو زرعة المكي: أحمد بن موسى بن يونس بن حرب بن شبيب بن زيد بن إبراهيم التميمي، روى عن أحمد بن أبي روح، والحسن بن أبي سعيد الشيباني.

روى عنه أبو الطيب محمد بن جعفر بن عيسى بن الكدوش الوراق، وعبد الله بن محمد بن السقا الواسطي، وأبو بكر بن المقرئ الأصبهاني.

(59)

أبو زرعة المكي، كان مقيما بالشام بصور، حدث عنه أبو حاتم - أحسبه الرازي.

(60)

أبو زرعة الحراني، ذكره عبد الرحمن بن عائشة الحضرمي.

(61)

أبو زرعة الجرجاني، وبالأصل (الجرجكاني) ، كان بمكة، حدث عن البغداديين والبصريين، روى عنه موسى بن هارون البغدادي.

(62)

أبو زرعة عمر بن أبي زرعة بن عبد العزيز، أبو حفص الأملي الشجاعي.

(63)

أبو زرعة مولى المقداد بن الأسود.

قال أبو عمر: اسمه عبد الرحمن، وهو تابعي، وحديثه مرسل.

قال البخاري: حديثه منقطع.

روى عنه أبو هلال الراسبي الذي يروي عن قتادة وطبقته.

(64)

أبو زرعة: بلال بن سعد التجيبي البرْنيلي، وهو مولى بني سوم بن عدي، حدث وروى عنه إبراهيم بن نشيط، قيل: إنه قتل في فتنة القراء بمصر سنة سبع عشرة ومائتين.

(65)

أبو زرعة (قد ت ق) الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب، ويقال: عزرم الأشعري أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو زرعة الأردني الطبراني.

روى عن أبيه، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وعنه عبد الله بن علي بن زيد، وعيسى بن سنان، ومكحول، والزبير بن سليم، وعبد الله بن نعيم الأردني، وأبو طلحة الخولاني، والأوزاعي.

قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.

قال أبو مسهر: كان ولي دمشق مرتين، وكان عمر بن عبد العزيز مات وهو والي عليها.

قال خليفة في الطبقات: مات سنة خمس ومائة.

ص: 450

(66)

أبو زرعة: طاهر بن طاهر بن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي الهمذاني، انتقل به أبوه إلى همذان فاستوطنها إلى أن مات.

أسمعه أبوه بالري من محمد بن الحسن المقومي، وبالرون من عبد الرحمن بن محمد الروني كتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي، وبالكرج مسند الإمام أبي عبد الله الشافعي، وسمع سنن ابن ماجه من أبي منصور المقومي، ورواها عنه الكثير من المحدثين.

ولد بالري سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتوفي بهمذان يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر من سنة ست وستين وخمسمائة.

(67)

أبو زرعة: سليمان بن إبراهيم القيرواني.

روى عن عبد الرحمن بن أشرس، وروى عنه يحيى بن محمد بن خشيش - أظنه مغربيا صاحب مناكير - روى عن أهل القيروان.

(68)

أبو زرعة النوشجاني الشيرازي الخطيب بكازرون أحمد بن محمد.

قرأ كتاب الكامل للهذلي في القراءات على أبي الحسن علي بن جعفر السعيدي.

وقرأ أبو القاسم الهذلي نفس الكتاب عليه - أي على أبي زرعة.

(69)

أبو زرعة الموصلي: شريك بن منّاس بن يعقوب.

من شيوخه: يوسف بن زريق الموصلي.

وهو - أي أبو زرعة شريك - أحد شيوخ أبي نعيم الأصفهاني.

(70)

أبو زرعة: عبيد الله بن محمد بن أحمد بن راشد (ت بعد 340هـ) .

حدث عن أبيه، وأبي بكر بن النعمان.

حدث عنه أحمد بن موسى قال: ثنا أبو زرعة عبيد الله بن محمد بن أحمد سنة اثنين وأربعين وثلاثمائة.

(71)

أبو زرعة، ويقال له: أبو بكر: محمد بن علي بن عبد الله.

وقيل: أبو العباس الخطيب مقرئ مقبول، توفي سبع وثلاثمائة.

روى القراءة عرضا عن إسماعيل القاضي والبزي والحلواني وداود بن أبي طيبة، والشموني.

روى عنه القراءة عرضا أبو العباس المطوعي، قرأ عليه بصعيد مصر.

(72)

(د) عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري، أبو زرعة الدمشقي، شيخ الشام في وقته.

روى عن محمد بن المبارك الصوري، وسليمان بن عبد الرحمن، وأبي نعيم وأحمد بن حنبل، وغيرهم.

ص: 451

وعنه أبو داود، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي حاتم، وأبو العباس الأصم، وغيرهم.

قال ابن أبي حاتم: كان رفيق أبي، وكتب عنه، وكان صدوقا ثقة، سئل أبي عنه فقال: صدوق.

قال الخليلي: كان من الحفاظ الأثبات.

قال الهروي وغيره: مات في جمادى الآخرة سنة 281هـ.

من آثاره:

1-

التاريخ - يتضمن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الخلفاء الراشدين.

2-

الأحاديث والحكايات والعلل والسؤالات.

وله مؤلفات عديدة في علوم الحديث المختلفة، وخاصة في علم الرجال.

(73)

أبو زرعة: روح بن زنباع بن روح بن سلامة الجذامي.

قال ابن حجر: ذكره بعضهم في الصحابة، ولا يصح له صحبة، بل يجوز أن يكون ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن لأبيه صحبة ورواية، كما سيأتي، ووقع في الكنى لمسلم له صحبة، وقال أبو أحمد الحاكم: يقال له صحبة، وما أراه يصح، وقال ابن منده: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكره محمد بن أيوب في الصحابة، ولا يصح له صحبة.

وكذا حكم بصحبته أبو عروبة، وحسين القباني.

وقال أبو عمر - ابن عبد البر - وأبو نعيم، وابن مندة: لا يصح له صحبة.

وقال ابن أبي خيثمة: وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روح بن زنباع.

وذكره أبو زرعة الدمشقي، وابن سميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام.

وقال أبو سعد السمعاني: من أهل فلسطين، من خيار التابعين، كان عابدا غزاء.

وكان عبد الملك بن مروان يقول: جمع روح طاعة أهل الشام، ودهاء أهل العراق، وفقه أهل الحجاز.

قال أبو سليمان بن زبر: مات سنة أربع وثمانين بالأدرن.

(74)

أبو زرعة: معبد بن خالد الجهني، توفي سنة اثنتين وسبعين، وهو ابن بضع وثمانين سنة.

أسلم قديما، وكان أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم فتح مكة، وكان يلزم البادية.

قال ابن أبي حاتم، وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان، والعسكري: له صحبة، وله رواية عن أبي بكر وعمر.

ص: 452

(75)

أبو زرعة الفقيه الاستراباذي: إبراهيم بن محمد، قدم بغداد، وحدث بها عن نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني، وعنه القاضي أبو عبد الله الصيرفي.

(76)

أبو زرعة بن عبد الحكم الافريقي، روى عنه بكر بن سوادة بن ثمامة الجذامي، ويكنى أبا ثمامة - فقيها كبيرا من التابعين.

وعداده في أهل مصر - كذا قاله عنه أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس.

(77)

أبو زرعة: عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة - من علماء القرن الرابع -.

حضر قراءة كتاب (الصاحبي) في فقه اللغة على مؤلفه أحمد بن فارس في المحمدية بمدينة الري سنة 382هـ.

له: حجة القراءات.

شرف القراء في الوقف والابتداء.

مجلس أملاها على طلابه.

(78)

أبو زرعة القاضي المعروف بابن أبي عصمة محمد بن محمد بن عبد الوهاب بن عصام بن الحكم بن عيسى بن زياد بن عبد الرحمن، من أهل عكبرا.

حدث عن أبي القاسم البغوي، ومحمد بن عثمان العسكري، وجعفر بن محمد بن العباس البزار، ومحمد مخلد الدوري.

(79)

(ع) أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله بن جابر، وهو السليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر، وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عمرو - قاله النسائي -، وقيل: جرير - قاله الواقدي -.

قال البخاري في تاريخه: هرم أبو زرعة، سمع ثابت بن قيس، وقال في الأوسط (أي تاريخه) كلام قال علي بن عبد الله: هرم أبو زرعة هذا، ليس هو عمر بن جرير، إنما هو أبو زرعة آخر.

قال بعضهم: إنه غلابي.

وقال ابن عساكر: فرق ابن المديني بين أبي زرعة بن جرير، وبين هرم أبي زرعة صاحب أبي قيس.

قال ابن حجر: وذكر ابن حبان في الثقات أبا زرعة بن عمرو بن جرير فيمن اسمه هرم، ثم قال: ويقال: اسمه كنيته (قلت) : وبالرجوع للثقات لابن حبان تبين أنه ذكره فيمن اسمه (هذيل) .

ص: 453

رأى عليا، وروى عن جده، وأبي هريرة، ومعاوية، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وثابت بن قيس النخعي، وغيرهم.

وجرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي كان علماء التابعين، وهو ثقة.

وروى عنه جرير بن أيوب البجلي.

(80)

(ت) أبو زرعة عن أبي إدريس الخولاني، قيل: هو ابن عمرو بن جرير.

(81)

أبو زرعة هرم، سمع ثابت بن قيس، وروى عن الحسن بن عبيد الله.

قال البخاري: ليس هذا هو ابن جرير، هذا آخر.

(82)

أبو زرعة: عبد الرحمن بن عمرو بن جرير، كوفي روى عن أبي هريرة وجرير بن عبد الله.

روى عنه عمارة بن عمير، وإبراهيم النجعي، وعمارة بن القعقاع، والحسن بن عبيد الله، وأبو فروة، وجرير، ويحيى أبناء أيوب البجلي، وشمر بن عبد الرحمن، وسلم بن عبد الرحمن، وعبد الله بن يزيد، ويزيد بن زاذي.

قال عنه يحيى بن معين: ثقة.

(83)

(بخ د س ق) أبو زرعة: يحيى بن أبي عمرو السيباني - بفتح المهملة وسكون التحتانية، - الحمصي، ابن عم الأوزاعي، عداده في أهل الشام.

روى عن أبيه، وأبي مريم، والوليد بن سفيان، وروح بن زنباع، وعبد الله بن الديلمي، وعبد الله بن بجير، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعمرو بن عبد الله السيباني، وغيرهم.

وروى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وابن عمه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن شعيب وغيرهم (1) .

قال أحمد بن حنبل: شيخ ثقة ثقة.

وقال دحيم والعجلي ويعقوب بن سفيان: ثقة.

وقال ابن خراش: صدوق (2) .

وقال أبو علي النيسابوري: أحد الثقات: يجمع حديثه.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: لم يسمع من ذي مخبر بينهما عمرو بن عبد الله الحضرمي.

شهد غزاة القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك، وبقي بعد الخمسين ومائة.

وقال ابن زبر وضمرة بن ربيعة: مات سنة ثمان وأربعين ومائة.

ص: 454

(84)

عبد الحميد بن عبد الكريم بن عبد الحميد بن علي بن أبي الفتح بن إسماعيل، أبو شكر الحنفي، ويقال: أبو زرعة، كان أحد فقهاء أصحاب الرأي.

(85)

أبو زرعة بن سليمان السولوي القزويني: ذكره في ترجمة محمد بن محمود ابن أبي زرعة السولوي القزويني الذي تفقه على والد الرافعي، صاحب التدوين.

(86)

أبو زرعة أحمد بن عيسى بن حرب بن شيبة التميمي المكي، أحد شيوخ أبي بكر محمد بن إبراهيم المقرئ الأصبهاني المتوفى سنة 381هـ.

(87)

أبو زرعة: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي الرازياني المصري الشافعي الحافظ (762-826هـ) .

أول ما طعن في الثالثة من عمره، رحل به أبوه إلى دمشق (سنة خمس وستين) فأحضره الكثير على الجم الغفير من أصحاب الفخر بن البخاري، وابن عساكر وغيرهما، ثم عاد إلى القاهرة فأكثر عن مشايخ عصره، ورحل ثانياً إلى دمشق بعد موت الطبقة الأولى، ورحل إلى بيت المقدس والمدينة المنورة، ومكة المكرمة، وسمع الكثير من شيوخ عصره.

ظهرت نجابته، واشتهرت نباهته، وأجيز وهو شاب بالإفتاء والتدريس، وصار يزداد فضلا مع ذكائه وتواضعه وحسن شكله وشرف نفسه وسلامة باطنه، فأقبل عليه الناس، وساد بجميع ذلك في حياة والده واشتهر بالفضل مع الدين المتين.

صنف الكثير في الحديث وغيره، ومن كتبه الحديثية:

1-

(البيان والتوضيح لمن خرج في الصحيح، وقد مس بضرب من التجريح) ، وهو أول ما صنف.

2-

المستفاد من مبهمات المتن والإسناد.

3-

تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل.

4-

ذيل الكاشف - أضاف إليه رجال مسند الإمام أحمد.

5-

الأطراف بأوهام الأطراف.

6-

ترتيب المسانيد وتقريب الأسانيد.

7-

كشف المدلسين.

8-

شرح الصدر بذكر ليلة القدر.

9-

الأربعون الجهادية.

10-

جمع طرق المهدي.

وهذا آخر من وقفنا عليه تكنى بـ (أبي زرعة) .

المصادر

أولاً: المخطوطات:

ص: 455

1-

تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم: لابن زبر محمد بن عبد الله الربعي الدمشقي (ت379هـ) نسخة المتحف البريطاني.

2-

تاريخ دمشق: لعلي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي (ابن عساكر)(ت571هـ) النسخة المصورة في معهد المخطوطات في القاهرة.

3-

التدوين في أخبار قزوين: لأبي القاسم إمام الدين عبد الكريم بن محمد القزويني (ت623هـ) نسخة تركيا - وقف سلطان سليم خان.

4-

التقييد لرواة السنن والأسانيد: لأبي بكر محمد بن عبد الغني البغدادي (ت629هـ) نسخة المتحف البريطاني رقم 4586 شرقي.

5-

سير أعلام النبلاء: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ) نسخة مكتبة السلطان أحمد الثالث استنبول رقم 2910/10.

6-

فتح الباب في الكنى والألقاب: لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة الأصفهاني (ت395هـ) نسخة مكتبة برلين رقم 9917.

7-

كتاب التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم: لأبي بكر محمد بن أحمد بن محمد القاضي المقدمي (ت301هـ) نسخة المتحف البريطاني رقم 3619 شرقية.

8-

الكنى والأسماء: لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) نسخة دار الكتب الظاهرية - ضمن مجموع رقم 1.

9-

المنتخب من كتاب الإرشاد إلى علماء البلاد: لأبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي (ت446هـ) بانتخاب الحافظ السلفي، نسخة تركيا - أيا صوفيا رقم 2951.

ثانياً: المطبوعات:

10-

اللباب في تهذيب الأنساب: لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري (ت630هـ) 3 أجزاء - نشر مكتبة القدس - مصر 1357هـ.

11-

الأنساب: لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت562هـ) طبعة دار المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن.

12-

الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف: لابن ماكولا أبي نصر علي بن هبة الله (ت475هـ) طبعة دائرة المعارف العثمانية.

13-

الإصابة في تمييز الصحابة: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) .

ص: 456

14-

إمام الكلام مع حاشية غيث الغمام: لعبد الحي اللكنوي، ط إدارة إحياء السن - باكستان.

15-

اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، نشر الكتبة التجارية - القاهرة.

16-

البداية والنهاية: لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ) ، طبعة دار الفكر - بيروت 1974م.

17-

بحوث في تاريخ السنة المشرفة: للدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله، ط الثالثة 1975م، بيروت - مؤسسة الرسالة.

18-

تاريخ جرجان: لأبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم (ت427هـ) ، طبعة دائرة المعارف العثمانية 1369هـ.

19-

تاريخ أبي زرعة الدمشقي: للحافظ عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله النصري (ت281هـ) نشر مجمع اللغة العربية بدمشق 1980م.

20-

التاريخ الكبير: لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) طبعة المكتبة الإسلامية - ديار بكر - مصورة على طبعة حيدر آباد الهند.

21-

تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي: (ت280هـ) عن يحيى بن معين، طبعة دار المأمون للتراث - سوريا.

22-

تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (ت463هـ) مطبعة السعادة بمصر 1349هـ.

23-

تاريخ التراث العربي: لفؤاد سركيس - طبعة الهيئة المصرية - القاهرة 1977م.

24-

تذكرة الحفاظ: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) طبعة دائرة المعارف العثمانية 1955م.

25-

تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) طبعة القاهرة 1964م.

26-

التقييد والإيضاح - شرح مقدمة ابن الصلاح: للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت806هـ) طبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

27-

تقريب التهذيب: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) طبعة دار المعرفة - بيروت 1395هـ.

28-

تهذيب تاريخ دمشق: لعبد القادر بن بدران الدمشقي - مطبعة الترقي - دمشق (1329هـ/1332هـ) .

ص: 457

29-

تهذيب التهذيب: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) .

30-

توضيح الأفكار لمعاني الآثار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت1182هـ) مطبعة الخانجي - مصر 1366هـ.

31-

الثقات: لمحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت354هـ) طبعة حيدر آباد الدكن.

32-

الجرح والتعديل: لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) طبعة حيدر آباد 1952-1956م.

33-

حجة القراءات: لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة - مؤسسة الرسالة - ط 1399 بيروت.

34-

الدراية على تخريج أحاديث الهداية: لشهاب الدين الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ط الفجالة الجديدة - مصر.

35-

الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام: للدكتور بشار عواد ط عيسى الحلبي - القاهرة.

36-

ذيل تذكرة الحفاظ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) طبعة حسام القدسي في القاهرة.

37-

ذيل تاريخ بغداد: للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود ابن النجار (ت643هـ) طبعة حيدر آباد 1398هـ.

38-

ذكر أخبار أصبهان: لأحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت430هـ) طبعة ليدن 1931م.

39-

الرسالة المستطرفة في مشهور كتب السنة المشرفة: للسيد محمد بن جعفر الكناني (ت1345هـ) الطبعة الثالثة 1383هـ.

40-

شرح ألفية الحديث: لزين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت806هـ) طبعة فاس 1354هـ.

41-

شرح علل الترمذي: لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت795هـ) طبعة دار الملاح للطباعة والنشر 1398هـ.

42-

شرح معاني الآثار: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ) مطبعة الأنوار - مصر.

43-

شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي (ت1138هـ) طبعة القدسي - مصر.

44-

الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع: لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) مصر.

45-

طبقات الشافعية: لعبد الوهاب بن علي السبكي (ت771هـ) طبعة عيسى البابي الحلبي 1967م.

ص: 458

46-

الطبقات: لأبي عمرو خليفة بن خياط شباب العصفري (ت240هـ) نشر دار طيبة 1402هـ.

47-

عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب أبي حنيفة: لمحمد مرتضى الزبيدي 1205هط القاهرة.

48-

غاية النهاية في طبقات القراء: لشمس الدين أبي الخير محمد بن محمد الجزري (ت833هـ) ط القاهرة 1932م.

49-

فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) الطبعة السلفية مصر.

50-

فهرست ما رواه عن شيوخه: لأبي بكر محمد بن خير بن عمر الإشبيلي (ت575هـ) دار الآفاق الجديدة - بيروت.

51-

الكفاية في علم الرواية: لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ) طبعة دار الكتب الحديثة - مصر.

52-

الكنى والأسماء: لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي (ت320هـ) حيدر آباد الدكن 1322هـ.

53-

كتاب القراءة خلف الإمام: لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت458هـ) طبعة إدارة إحياء السنة - باكستان.

54-

المراسيل: لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) طبعة مؤسسة الرسالة 1397هـ.

55-

مسند الإمام أبي حنيفة: لأبي حنيفة النعمان بن ثابت (ت150هـ) طبعة حلب.

56-

المعرفة والتاريخ: ليعقوب بن سفيان (ت277هـ) طبعة مؤسسة الرسالة 1401هـ.

57-

معرفة علوم الحديث: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) طبعة محمد بن سلطان النمنكاني.

58-

معجم البلدان: لشهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي (ت628هـ) طبعة دار إحياء الراث العربي - بيروت.

59-

ميزان الاعتدال في نقد الرجال: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) طبعة دار إحياء الكتب العربية 1382هـ.

60-

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت597هـ) طبعة حيدر آباد 1357-1359هـ.

61-

موارد ابن حجر العسقلاني في الإصابة: للدكتور شاكر محمود عبد المنعم، رسالة الدكتوراه التي تقدم بها لجامعة بغداد.

ص: 459

62-

نصب الراية لأحاديث الهداية: لجمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت762هـ) طبعة المكتب الإسلامي بيروت 1393هـ.

63-

معجم الشيوخ: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ (ت381هـ) - مخطوط - نسخة دار الكتب المصرية، مصطلح 27م.

ص: 460

خَلِّص عِبادَك رَبَّنا

للدكتور إبراهيم حسن عبد الرحمن

رباه قد علت المدافع فوق أصوات الضمائر

رباه ما ذنب الصغير، أو الكبير، أو الخفائر

رباه تبصر ما نراه وما يدق عن النواظر

أيدي سبا ذهبت قلوب المسلمين وأنت قادر

نُكست عقولهموا وضلّ الفكر منهم والبصائر

عادوا لعمياء الجهالة بين موتور وواتر

رباه إن شماتة الأعداء أنكى من خناجر

هم يسخرون ويضحكون، وهزؤهم طاغ وسافر

بعينونهم حقط تسعّر جمرة سود السرائر

قد أشعلوها بيننا حربا تذل لها المناخر

حرب الجهالة حين مسخ يعتلي عرش الأكاسر

حرب التجارة بالشعوب.. فويلنا من كل تاجر

حرب الفجور سلاحها طبل هنا.. وهنام زامر

حربا يدون أوارها ما دام بين القوم ثائر

حربا ضروسا لا تبقي من أصاغر أو أكابر

رباه قد بلغت قلوب المؤمنين ذرا الحناجر

رباه هذي فتنة ما إن لها بسواك حاسر

خلص عبادك - ربنا - من كل طاغوت وجائر

من كل باغ بالعدواة للكتاب ولا يحاذر

من كل جاحد سنة غراء تهدي كل حائر

من كل من نشر الفساد وشعبه حر يصابر

من كل زنديق يناصر ملحدا وبه يفاخر

واجمع قلوب المسلمين على الهداة فأنت قادر

ص: 461

خَلِّص عِبادَك رَبَّنا

للشيخ عبد الله أحمد قادري

يا لله للمسلمين:

وفي طريقنا في المدينة كان الأخ الأستاذ سلامة يلفت نظرنا إلى مؤسسات النصارى ونشاطهم، فكلما مررنا بمنى واسع جميل قال: هذا مركز ثقافي، هذه كنيسة، هذا مستشفى، هذا ملجأ، وأغلب هذه المرافق على الشوارع العامة، فأزعجني ذلك إذ يوجد في شعب هو أكثر الشعوب الإسلامية عددا.

فسألته: هل يوجد أثر لهذا النشاط في شباب المسلمين؟ قال: نعم؛ لأنهم يتعلمون في مدارسهم وجامعاتهم، ويدخلون مستشفياتهم للعلاج، ويربون في ملاجئهم وهم صغار وأيتام ومعوقون، ويساعدونهم إذا كانوا فقراء، ويعلمونهم ما تميل إليه نفوسهم من الفنون كالموسيقى والرقص وما أشبه ذلك.

قلت: وهل يدخل أحد من شباب المسلمين في النصرانية ويترك دينه؟ قال: نعم.

قلت: بنسبة كم مثلا ممن يدرسون في مدارسهم؟ قال: قد يصل إلى عشرة في كل مائة.

قلت: ماذا يكون موقف أسرة المسلم الذي يتنصر؟ قال: يطردونه ويعادونه، ولكنه لا يبالي لأنه يجد رعاية كاملة من النصارى.

وأخذ الأخ سلامة يشرح هذا الخطر في هذه المنطقة بالذات، فرسم لي مثلثا على ورقة في كل زاوية فيه تقع مدينة قرر النصارى أن يسيطروا على المثلث على الرغم من قلتهم وكثرة المسلمين خلال مدة قصيرة، قال: ومن أهم خططهم لهذه السيطرة أنهم يقيمون على الشوارع العامة التي تربط بين هذه المدن الثلاث مؤسسات وموافق تبشيرية تشمل المدارس والجامعات والكنائس والنوادي ودور السينما وقاعات المحاضرات والملاجئ وغيرها من الشؤون الاجتماعية التي يغزون بها الأسرة الفقيرة والشاب الضائع أو المحتاج، ويقصدون الأسر في منازلهم ويقدمون لها العون والمساعدات، وهذا هو رسم المثلث وأسماء المدن.

الجمعية المحمدية:

وفي الساعة العاشرة كنا في مستشفى الجمعية المحمدية حيث كان في استقبالنا: رئيس الجمعية الأخ عبد الرزاق محمد فخر الدين، والأمين العام للجمعية جرتاوى وبعض الأعضاء.

ص: 462

اجتمعنا في قاعة المستشفى، وشرح لنا أمين عام الجمعية نشاطات الجمعية ومؤسساتها التي أقامتها وفروعها.

فذكر أن عدد مستشفياتهم في أنحاء إندونيسيا عشرة مستشفيات، وأن مدارسهم - ابتدائية وثانوية - اثنا عشر ألف مدرسة، وأن الملاجئ التي تم إنشاؤها للأيتام والمعوقين وغيرهم بلغت سبعين ملجأ، وذكر فروعا كثيرة للجمعية.

ثم أطلعونا على أقسام المستشفى الذي أسس عام (1923م) ، وهو ثلاث درجات حسب أحوال المرضى؛ الدرجة الأولى للموسرين من المسلمين، والثانية للمتوسطين، والثالثة للفقراء، وفي كل الأحوال فيه تيسير وإعانة.

وأبدوا رغبتهم في معادلة شهاداتهم في الجامعة الإسلامية، وتخصيص منح دراسية لطلبتهم، ومساعدتهم بمدرسين للغة العربية، ومراجع علمية لمجلس الترجيح الذي يبحث في بعض المسائل العلية في الشريعة الإسلامية.

معهد بندارانج:

ثم ذهبنا لزيارة المعهد الإسلامي لتحفيظ القرآن الكريم ويسمى بندارانج، ويدرس فيه بنين وبنات، ويتبع نهضة العلماء، ويسرف عليه الأستاذ مفيد مسعود، وعدد الطلبة والطلبات فيه ثلاثمائة، وقد تخرج فيه في السنوات الماضية عدد من الطلاب بمعدل خمسة عشر طالبا كل سنة، حافظين القرآن الكريم حفظا كاملا مجودا، وطلب المسؤولين منا إبلاغ الحكومة السعودية رغبتهم في مد يد العون لهم لبناء ما بقي من أرضه فصلا دراسية، ومساكن للطلبة، وشكوا من إحاطة مؤسسات التبشير بالمعهد من كل جهة بإمكاناتها الضخمة ودعاياتها الشديدة، وقد رأينا الأرض الفضاء التابعة للمعهد والتي يريدون بناءها.

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون:

ص: 463

وكنا قبل أن نصل إلى هذا المعهد المذكور زرنا المسجد المسمى بمسجد الجهاد، وهو على الشارع العام، وبجانبه مركز تبشير على مساحات واسعة من الأرض أمام المسجد، وخلفه وعن يمينه وعن يساره، وقد كان هذا المسجد متهدما والمسيحيون يحاولون من الأهالي شراء أرضه ليلحقوها بمركزهم ويرتاحوا من رفع كلمة الله بجانبهم، ومركزهم يحيط من كل جانب، وكان المسلمون يصلون فيه مفترشين التراب (وليس في هذا منقصة؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسجد في مسجده بجبهته الشريفة على الماء والطين، ولكن وجود مركز تبشيري بمباني براقة ومرافق ودعايات لجلب شباب المسلمين إلى ذلك المركز بجانب مسجد هذه صفاته ليس لائقا) .

وعندما زار المسجد فضيلة الشيخ عبد الله النوري من الكويت ورآه بهذه الهيئة بجانب هذا المركز التبشيري، وسمع أن النصارى يساومون على شراء أرضه بأغلى ثمن؛ تبرع - جزاه الله خيرا - ببنائه بناء ممتازا، وقد كان قريب التمام عندما زرناه، جزى الله النوري خيرا {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} .

وبعد الفراغ من المعهد المذكور رجعنا إلى الفندق لأخذ الراحة

{كُلُوا وَاشْرَبُوا} :

بقينا في الفندق إلى الساعة الخامسة، جاءنا بعدها الإخوة قائد السيارة، وسلامة ومحمد حافظ لنذهب إلى الأخ الأستاذ محمد صالح هارون الذي كنا على موعد معه لتناول طعام الإفطار والعشاء عنده، وهو عبارة عن الرز الأبيض الصافي الذي لم يختلط بغير الماء، والدجاج المقلي والسلطة والشاي والقهوة، ونحن قد ألفنا أن يكون أول ما نتناول للإفطار هو التمر أو الماء حسب السنة، فطلبنا الماء البارد فلم نجد، وعندما علم مضيفنا بأنا نطلب الماء جاء إلينا قائلا: الله تعالى يقول: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} ، فبدأ بالأكل، قلت مختصرا النقاش: السنة أن يبدأ بالتمر أو الماء للإفطار، فذهب، وبعد أن انتصف السير في الأكل رزقنا الله بقليل من الماء؛ فشربنا وحمدنا الله.

ص: 464

الشيء العجيب في إندونيسيا أن الشاي يقدم باردا مثل شراب الليمون والمنقا والبيبسي عندنا، في قوارير، أما الماء فيتعذر وجوده باردا في غير الفنادق، بل إذا قدم يقدم حارا، وتكرر هذا كثيرا وكنا في أول الأمر نلح في طلب الماء البارد، فلما تأكد لنا الحال صبرنا محمّرين - أي مطبقين المثل اليمني القديم (من دخل بلادنا حمر) - وبعد الفراغ من تناول الطعام صلينا المغرب

في معهد مفتاح الصالحين:

هذا المعهد يقع في قرية تسمى: (وونوتساري) وراء جبل مشهور عندهم يسمى: كيدول، ويقع هذا الجبل جنوب شرق يوك جاكرتا، وهو ذو طريق متعرج شبيه بطريق الهدى عندنا، إلا أنه أشد خطرا لأمرين:

الأول: أن الطريق في هذا الجبل ضيق جدا تكاد السيارات يلتقي بعضها مع بعض بسبب ضيقه.

الثاني: أن الصعود فيه يغلب عليه أنه في خط مستقيم، بخلاف الهدى.

وهو - كغيره - مكسو بالغابات التي كنا طول الوقت نسير في وسطها وتكتنفنا أشجار الجاتي، وهو شجر ذو أخشاب قوية جدا، وأشجار التمر الهندي التي زينت أصولها بطلاء أبيض تتبين بها حدود الشارع، بدلا من المعالم المصطنعة، وهذا الطلاء في أصول هذه الأشجار شبيه بإزار الفتاة الإندونيسية في قصره، إلا أنه في غاية الجمال بالنسبة للأشجار وفي غاية القبح بالنسبة للفتاة العاملة المسلمة المكلفة.

ص: 465

وقد نصحت الفتيات من هذه الحال في عدة مناسبات، وظهرت في يوك جاكرتا بالذات بعض النتائج التي تدل أن الاستجابة قد تحصل بنسبة طيبة لو طرق هذا الباب بكثرة وربط بحب الله ورسوله وخوف الله والطمع في ثوابه، وهكذا كل حكم من أحكام الإسلام التي أهملها كثير من الناس، بل أكثرهم، وكان المقرر أن ندرك صلاة العشاء في مسجد أو معهد، وأن يؤم المصلين الشيخ عبد القوي في صلاة التراويح، ولكنا تأخرنا فوصلنا وهم في آخر صلاة التراويح، وبعد أن أتم الإمام الصلاة أخذ يرفع الذكر بلا إله إلا الله بصوت مرتفع، والناس يتابعونه كلهم، وصدى أصواتهم يتردد في تلك الجبال والكون ينصب لما ينطق به حاله في كل وقت من الأوقات.

والذكر الجماعي بصوت مرتفع كرهه بعض العلماء؛ لعدم وروده بهذه الهيئة عن الرسول صلى لله عليه وسلم وأصحابه، ورأى آخرون أنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"، قيل: وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس الذكر"، والذي يظهر لي أن كون المساجد مجلس ذكر لا يدل على الذكر الجماعي بهذه الصفة، وإنما يشمل الذكر في الجملة وحلقات العلم وما أشبه ذلك بدون التزام هيئة معينة.

ولكني أرى أنه لا ينبغي إثارة هذه الأمور بين قوم يجهلون أصول دينهم في العقيدة والعبادة والشريعة، وأنه يجب أن يهتم الداعية أولاً بغرس الإيمان في نفوس الناس، وأركان الإسلام وصفات العبادات؛ لأن الدخول في هذه الجزئيات التي لو صح أن بعضها بدعة لكانت بدعة إضافية يمكن أن يهتم بها بعد تهيئة النفوس بالتسليم لله ورسوله، والاحتكام إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء الناس عندما نناقشهم في هذه الأمور قبل ربطهم ربطا كاملا بالمعنى السابق ينفرون، وقد ينقسمون على أنفسهم؛ فيكون في ذلك ما فيه من الفرقة والخلاف اللذين لا يرضاهما الله ورسوله.

ص: 466

نعم عندما يكون الأمر يتعلق بالعقيدة كالشرك أو تحريم حلال أو تحليل حرام لا بد من الاهتمام به، ولكن يبدأ أيضا بالأهم فالمهم وهكذا

قعدنا في قاعة الاجتماعات، وبعد أن فرغ المصلون من الصلاة والذكر جاءوا إلينا مستبشرين، فرحبوا بنا، وبدأت فقرات الحفل، فطلبوا من الشيخ عبد القوي أن يقرأ، وكاد يعتذر لأنه كان متبعا، وكنت أخشى أن يكون أصيب بفقر الدم لعدم تناول الغذاء الكافي؛ لأن الطعام ما كان مناسبا حسب العادة، ولكني شجعته فقرأ قراءة قصيرة على غير عادته في الانسجام مع آي القرآن الكريم حتى يكاد ينسى أنه يقرأ.

ثم تقدم رئيس المعهد ويدعى محمد صالح أيضا فشرح ما يقوم به المعهد وأنه في هذه الليلة يبدأ فيه معهد رمضان لتدريس الطلبة الذين يدرسون في المدارس الحكومية أمور دينهم، وسيبدأون بالطالبات، وكن حاضرات صلين معهم العشاء والتراويح، ثم قام الأخ محمد صالح هارون فرحب بنا وافتتح معهد رمضان، وطلب مني أن ألقي كلمة وتساءل عن إمكان إعطائهم منهجا لتدريس اللغة العربي لغير العرب، وقال: إننا في شوق أن نسمع منك يا ابن العرب التحدث باللغة العربية.

وكانت الكلمة متضمنة واجبنا في التعليم والتعلم والدعوة وفهم العقيدة الإسلامية على وجهها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبنية على القاعدة الأولى: قاعدة الألوهية المطلقة لله، والقاعدة الثانية وهي قاعدة الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، وهما مضمون الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ص: 467

وأشرت لهم أن تعلم اللغة العربية يحتاج إلى إرادة قوية من المعلمين والمتعلمين مع معرفة أن تعلمها ليس كتعلم غيرها؛ لأنها لغة ديننا وكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذكرت لهم أن منهج معهد كونتور يناسب الاستعانة به في المعاهد الأخرى، كما أن المعهد العربي السعودي لتعليم اللغة العربية في جاكرتا يمكن أن يستفاد منه، ووعدناهم أن نبعث لهم منهج شعبة اللغة العربية بالجامعة وبعض كتبها، وحلمت طلبة الجامعة الإسلامية من الإندونيسيين مسؤولية قيامهم بتعليم إخوانهم في بلادهم.

صرخة هل تسمع؟

والحقيقة أن من أفضل الوسائل لنشر اللغة العربية هو تدريس أبناء العالم الإسلامي كما هو الحال في الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلا أن تدريسهم ينبغي أن تطور وسائله وأن تؤلف كتب خاصة بتعليم اللغة العربية لغير العرب، وأن تنشر هذه الكتب بطرق مختلفة: عن طريق النشر والتوزيع لهذه الكتب، وعن طريق تسجيلها في أشرطة، وعن طريق الإذاعة والتلفزيون، وحبذا لو أن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سعت في إيجاد برامج لذلك في الإذاعة توجه إلى جميع أنحاء العالم، وفي التلفزيون بالنسبة للمملكة، ويمكن تسجيلها في أشرطة فيديو وتوزيعها في العالم، ترى هل يأتي اليوم الذي تكون الجامعة قد خطت هذه الخطوة ونحن أحياء؟ إلا أنها إن فعلت ذلك في القوت القريب أو البعيد فإنها قد سطرت في صحف التاريخ مأثرة من مآثر الخير لها وللمملكة العربية السعودية رائدة التضامن الإسلامي الذي من أهم وسائله انتشار اللغة العربية التي يتوقف عليها فهم الإسلام سليما في أنحاء العالم الإسلامي.

ص: 468

وينبغي أن تسعى الجامعة الإسلامية وجامعة محمد بن سعود الإسلامية سعيا حثيثا في توزيع المنح الدراسية على مؤسسات المسلمين في البلدان بحيث لا تكون بعض المؤسسات متخمة بالمنح وبعض المؤسسات لا يوجد لها في الجامعة كطالب واحد، صحيح أن المؤسسات التي تهتم وتلح لها الحق في ذلك ولكن الدعوة الإسلامية يجب أن يعم وينبغي أن تحصر الجامعات الإسلامية المؤسسات الإسلامية كلها، وكثير منها مجهول.

وفي الزوايا خبايا وتبادر هذه الجامعات لدراسة مناهج تلك المؤسسات ومعادلتها ورصد منح دراسية لها كما أنه ينبغي أن تمنح المؤسسات التي لا توجد بها أحد من متخرجي الجامعة الإسلامية وأمثالها بعض المدرسين حتى يساعدوا على الربط بينهما وبين هذه الجامعات، وقد تكون بعض المؤسسات أو الجامعات عندها تقصير في مناهجها أو عندها بعض الانحرافات، وهذا لا ينبغي أن يمنع من منحها مقاعد لبعض طلابها أو منحها بعض المدرسين؛ لأن الهدف هو تعليم الجاهل وتصحيح الأفكار، وهذا لا يحصل إلا بالاتصال بتلك المؤسسات.

أنا فهمت لما تسبح؟

رجعنا من معهد مفتاح الصالحين إلى يوك جاكرتا وعندما وصلنا إلى الفندق توضأنا لنصلي، وكنت نسيت أنا صلينا المغرب، فصلى بنا الشيخ عبد القوي - ناويا العشاء - وصليت معه أنا ناويا المغرب، وعندما سلم من الركعتين، قلت: سبحان الله، وكررتها، وأخذ هو يفكر مليا في هذا التسبيح وسببه، ثم قال: أنا ما فهمت لماذا التسبيح، فسلمت وقلت له: المغرب ثلاث ركعات وأنت صليت ركعتين، فأخذ يضحك، ففهمت أني أخطأت، بل نسيت، فقمت وصليت العشاء، لأني لم أنوه بتلك الصلاة، وإنما الأعمال بالنيات.

وهذه إحدى النكات التي كانت كثيرة مع الشيخ عبد القوي.

8/9/1400 هـ في معهد بابيلان الإسلامي:

ص: 469

في الساعة التاسعة صباحا ذهبنا إلى معهد بابيلان الإسلامي، وهو يقع شمال غرب يوك جاكرتا على بعد خمسة وثلاثين كيلومترا، وهو فرع لمعهد كنتور، ليس رسميا وإنما أسلوبه نفس الأسلوب، ومؤسس هذا المعهد شاب نشيط متحمس لنشر الدين الإسلامي وتعليم اللغة العربية، يساعده مدرسون من زملائه وتلامذته متحمسون مثله، يشعرون جميعا بخطر التبشير المسحي الجاد في إخراج شباب المسلمين من دينهم في إندونيسيا بأكملها.

أسس المعهد في 1965، ومساحته خمسة هكتارات، عدد طلبته 9710 منهم 402 من الطالبات والباقون طلاب، عدد مدرسيه من الرجال 48 مدرسا، ومن النساء 12 مدرسة، وهو يشتمل على فصول دراسية ومساكن للطلبة ومسجد ومرافق عامة كثيرة، وهي كلها موقوفة على المعهد، قال مديره: فهو ليس لنا وإنما للمسلمين.

ولهم برنامج يومي مستمر، وهو كما يلي:

1-

الساعة الرابعة صباحا القيام من النوم والاستعداد لصلاة الفجر.

2-

بعد صلاة الفجر الرياضة البدنية.

3-

قراءة القرآن الكريم في حلقات على أيدي المدرسين.

4-

تناول طعام الإفطار.

5-

بدء الدراسة من الساعة السابعة، وانتهاؤها في الثانية بعد الظهر.

6-

دروس إضافية في اللغة العربية واللغة الإنجليزية.

7-

رياضة بدنية من الساعة الرابعة إلى الساعة الخامسة مساء.

8-

صلاة المغرب.

9-

قراءة القرآن في المساكن.

10-

صلاة العشاء.

11-

مطالعة الدروس من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة والنصف، ثم النوم إلى الساعة الرابعة صباحا.

وتقام محاضرات وندوات ثقافية في كل ليلة اثنين وجمعة.

وفي كل يوم خميس تنظيف عام يقوم به الجميع من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الساعة الواحدة بعد الظهر، ومن الساعة الثانية بعد الظهر تدريب كشفي إلى الساعة الرابعة.

ص: 470

مررنا قبل الوصول إلى هذا المعهد بقرية مونتيلان، وكانت أول مركز للتبشير في إندونيسيا، ودفن بها أول بابا اختير للتبشير، وهو إندونيسي، وهذه القرية مزدحمة بمؤسسات المبشرين من كنائس ومدارس وملاجئ وغيرها، ويقع المعهد شمال غرب هذه القرية على بعد مسافة ثلاثة كيلومترات.

ومدير المعهد اسمه همام، قال لنا إن هذا المعهد كان في القرن السادس عشر الميلادي، والذي بناه أحد أجدادي، وقد أغلق واندثر خلال الحروب مع الهولنديين، ونحن الآن جددناه وسيستمر بإذن الله في حلوق الأعداء.

وكان على يميننا ونحن نسير إلى المعهد قبل القرية (مونيتيلان) جبل عال يرى من بعد يقال إن ارتفاعه يبغ كيلومترين، وهو بركان ميرامي الذي وصلت قذائفه من الصخور إلى جنوب منتيلان والمسافة طويلة جدا.

وأقيم احتفال كالعادة تبودلت فيه الكلمات.

وبعد انتهاء الحفل مررنا بموافق المعهد، ثم اصطحبونا إلى معبد بوذا الذي يقع شمال غرب المعهد على هضبة مرتفعة، وهو أكبر معابد البوذيين في العالم، يؤمه السائحون من كل مكان، ويحج إليه البوذيون في كل سنة مرة في شهر مايو، واسم المعبد (بوروبودور) وأسس في القرن السابع الميلادي، وعندما سقطت بعض حجارته تبرعت هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وأهل الغرب بمليارات الروبيات الإندونيسية لتجديده، وكنت أظن أن فيه كهنة مقيمين يمكن أن ندعوهم إلى التوحيد والدخول في الإسلام، ولكن تبين عند وصولنا في السوق المجاور له أنه لا يوجد به إلا السائحون، فقلت للإخوة: لا يليق بنا أن ننزل ونصعد إلى هذا المعبد فيرانا الناس نزوره ونحن مسلمون، فيظنون أننا نعترف بهذه الأوثان.

ووجدنا في السوق المجاور له بعض المصنوعات الجلدية وغيرها من الصناعات المحلية، تجولنا قليلا في هذا السوق الذي أصبح السائحون فيه يتمتعون بهيئتنا العربية التي قد لا يكون كثير منهم رآها إلا في التلفزيون أو في غيره مما يماثله.

ص: 471

وفي طريقنا إلى مدينة يوك جاكرتا، قبل الوصول إلى قرية منتيلان مررنا بمعبدين بوذيين آخرين أحدهما يسمى مندود والآخر يسمى باون، والأول أكبر من الثاني، ورافقنا الأخ همام مدير المعهد وبعض الأساتذة إلى قرية مونتيلان وعرفونا بمؤسسات المسيحيين من الكنائس والمدارس والجامعات، وهو يتحرقون من الإمكانات الضخة الموجودة مع هؤلاء النصارى التي تمكنوا بها من إغراء الشباب المسلم بترك دينه، وأشاروا إلى مباني قريبة من مؤسسات النصارى كانت للنصارى أنفسهم، ولكن رئيس البلدة اضطرهم عندما عزم على الحج أن يبيعوها للمسلمين واشتراها هو من ماله وأوقفها، وهي تستعمل مسجدا الآن، وقد بذلوا محاولات شديدة لاسترداد هذه الأرض وهذه المباني فلم يقدروا على ذلك.

وفي وسط هذه المؤسسات النصرانية الكثيرة توجد مدرسة صغيرة للجمعية المحمدية تؤدي واجبها على قلة إمكاناتها، وترفع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ ليؤمها الشباب المسلم على رغم أنف أعداء الإسلام.

ولقد رأينا روحا عالية عند الأخ همام وعند زملائه، وأملا كبيرا في انتصارهم على أعداء الإسلام، وقد عرض علينا خريطة الجزر الإندونيسية محددة بها المناطق التي وفد الطلبة منها إلى هذا المعهد المبارك، فإذا غالب المناطق يوجد منها من يدرس في المعهد.

وقال الأخ همام: إن بعض أبناء النصارى كتبوا إلينا عارضين رغبتهم في الدخول في الإسلام والالتحاق بالمعهد، وأنهم سيصلون قريبا.

والجدير بالذكر أن مباني المعهد كلها من صنع الطلبة، وكذلك خزانات المياه والمرافق الأخرى والمزارع التابعة للمعهد.

ولأساتذة المعهد مزارع قريبة منه ينفقون على أنفسهم منها، أما ما يحصل المعهد من أموال من أوقافه أو من تبرعات أهل الخير أو من الطلبة فإنه يدخل في ميزانية المعهد ولا يأخذ الأساتذة ولا المدير شيئاً منها.

ص: 472

وهذا يدل على نفوس كبيرة وهمم عالية، وعلى تضحية وإخلاص - إن شاء الله - في هؤلاء الأساتذة جزاهم الله خيرا.

ومن الأعضاء البارزين ذوي الحماس الدافق والفكر الجيد الأستاذ محمد حبيب أحد مدرسي المعهد.

وفي هذا اليوم أخبرنا أن المؤتمر المسيحي البروتستانتي الدولي بدأ في بلدة منادو بجزيرة سولاويس في الشمال الشرقي، وأن رئيس الجمهورية وزوجته افتتحا هذا المؤتمر رسميا، وأن الرئيس قال في كلمته:

إن مسابقة القرآن الكريم انعقدت هنا، وهذا المؤتمر ينعقد هنا، وهذا دليل على التسامح الديني بين المسلمين وبين المسيحيين في إندونيسيا، وأن أهل الأديان أحرار في الدعوة إلى أديانهم، كل صاحب دين له الحق في الدعوة إلى دينه.

وعلق بعض الغيورين على هذا الكلام فقال: لقد أعطى المسيحيون بهذا التصريح قانونا صادرا من أعلى مستوى في الدولة بأن يدعو المسلمين إلى الدين المسيحي، وهذا يخالف ما أصدره وزير الشؤون الدينية سابقا من أنه لا تسمح لأي صاحب دين أن يدعو الآخرين للدخول في دينه، وإن كان فيه إجحاف بالإسلام الذي لا دين سواه؛ فإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ودعنا الإخوة مدير المعهد والمدرسين، ورجعنا إلى يوك جاكرتا.

في مسجد العمود الواحد:

وفي الساعة السابعة مساء زرنا مسجدا تابعا للجمعية المحمدية، وهو مركز لمؤسسة تربية الأطفال في هذه المدينة، ويعنى بتربية الأطفال.

ولهذه المؤسسة ثلاثمائة وخمسون فرعا في نواحي يوك جاكرتا، ويشرف على هذه المؤسسة الدكتور محمد ناصر، ويسمى المسجد مسجد العمود الواحد؛ لأنه لا يوجد به إلا عمود واحد في وسطه، والمسجد ليس كبيرا.

وصلنا إلى المسجد وقد صلى الناس العشاء، فصلينا العشاء، ثم صلى بنا الشيخ عبد القوي التراويح بعد أن ألقيت كلمة في تربية الأطفال، ثم اجتمعنا بأعضاء هذا المركز وتذاكرنا بعض شؤون الدعوة الإسلامية، ورجعنا إلى الفندق.

9/9 في العائشية:

ص: 473

في الساعة التاسعة صباحا زرنا ملجأ الأيتام التابع للجمعية المحمدية، وهو خاص بالبنات اليتيمات ويسمى (العائشية) نسبة إلى أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو أيضا تابع للجمعية المحمدية، وتشرف عليه امرأة كبيرة السن، وتساعدها أخرى مثلها، شرحت لنا المشرفة ما يقوم به هذا الملجأ فذكرت أنه أسس سنة 1930م ونقل إلى المبنى الذي هو فيه الآن سنة 1956م، وأن الموجودات فيه الآن خمسون فتاة، وأنهن يتلقين تدريبات مهنية مختلفة حسب هوايتهن، ويدرسن في المدارس ويقمن بعد ذلك بالتدريس أو التمريض أو الخياطة أو غيرها، وإن المصروفات التي يحتاج إليها المركز شهريا ثلاثمائة وخمسون ألف روبية (350000) وهو يعادل أربعة آلاف ريال (4000) سعودي.

وإن هذا الملجأ وأمثاله وإن كان لا يقوم بالتربية الإسلامية كما يجب أن تكون فإنه يعتبر من الحصون المنيعة التي تحول بين أعداء الله وبين أبناء المسلمين، ويجب على أغنياء المسلمين في الشعوب الإسلامية أن يمدوا هذه المؤسسات بما يمكنها من القيام بواجبها نحو أبناء هذه الشعوب.

وهذا المبلغ أربعة آلاف ريال سعودي يستطيع أن يقول به بعض التجار الصغار في بعض البلدان العربية.

بين الشكر والغرور:

ص: 474

في الساعة السابعة مساء زرنا مسجد جامعة التربية والتعليم، وهي تقع في حارة كارانح مالانح، وكان المسجد غاصا بالشباب، فصلينا العشاء وراء إمام المسجد، ثم صلى الشيخ عبد القوي التراويح، ألقيت بعد ذلك محاضرة موضوعها.. غرور الأوربيين بالعلم وإلحادهم..، وأن سبب ذلك ما جرته الكنيسة على أهل أوروبا من محن ووقوفها ضد العلوم التجريبية والعقلية، وأن العلوم الأوربية الحضارية الحالية مبنية على أصول الحضارة الإسلامية، وأن المسلمين عندما يتقدمون في هذه العلوم يعتبرونها منحة من الله تعالى، لأنه لا يوجد في دينهم ما يصادم هذه العلوم الصحيحة، بل إن الإسلام يحثهم عليها، وأنه يجب على المسلمين أن يستعيدوا مجدهم بالتمسك بالدين وبالتقدم في العلوم الذي يعتبر جزءا من الدين وعبادة يثابون عليها، وكان تأثر الشباب بهذه المحاضرة عاليا جدا، دل عليه كثرة تكبيرهم الذي كان يرتج المسجد.

مع زعماء الجمعيات الإسلامية في يوك جاكرتا:

بعد الفراغ من مسجد جامعة التربية والتعليم ذهبنا إلى مؤسسة تونس ملاتي، وهي تعنى بالمعوقين والمكفوفين، وكان مقرها مجالا لكثير من اللقاءات منها هذا اللقاء الذي تم فيه الاجتماع مع المدرسين وزعماء الجمعيات الإسلامية في هذه المدينة، وقد تضمن البرنامج أمرين:

الأمر الأول: إلقاء محاضرة اشتملت على موضوعين:

الموضوع الأول: الحث على اجتماع الكلمة والبعد عن التفرق، وما يترتب على الأول من مصالح وما يترتب على التفرق من مفاسد، مع ذكر عوامل الائتلاف وأسباب التفرق.

ص: 475

الموضوع الثاني: وجوب الخروج على أي تقليد أو عادة تخالف الإسلام؛ لأن العادات المخالفة للإسلام إذا استمر عليها جيل من الناس ورثها الأجيال مستقبلا كأنها من الدين، ويتحمل إثمها من سنها - وكان هذا الموضوع الأخير ناتجا عن رؤيا منامية في نفس هذا اليوم طلب مني بعض مشايخي الصالحين أن أتحدث عنه، وكان في مكة - لأن كثيرا من العادات التي شاهدناها تخالف الإسلام، ولكن كثيرا من المسلمين لا يعلمون ذلك.

الأمر الثاني: فتح باب الأسئلة والمناقشة، وكان من أهم الأسئلة: استغراب المسلمين في إندونيسيا كون المسلمين العرب الذين يدعون الإسلام والتمسك بالكتاب والسنة لا يدعمون المؤسسات الإسلامية المحتاجة الدعم الكافي، مع أن النصارى لهم مؤسسات مدعومة من المسيحيين في كل أنحاء العالم، ولذلك يوجد من أبناء المسلمين من يدخل في الدين المسيحي أو يترك دينه - وإن لم يدخل في الدين النصراني - لعدم ثقته في المسلمين حيث يرى منهم عدم اهتمامهم بإخوانهم.

وذكرنا لهم أن هناك في المملكة العربية السعودية اهتماما من الدولة ومن الشعب والمؤسسات الإسلامية، ولكنه يحتاج إلى المزيد، وأنه لو اهتمت كل دولة عندها إمكانات لحصل الخير الكثير.

وطلب منا الإخوة إبلاغ الحكومة السعودية والمؤسسات الإسلامية - كالجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورابطة العالم الإسلامية وإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - عليها أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بواجبها نحو أبناء المسلمين في إندونيسيا.

وألحوا في طلب إنشاء مركز للطلبة المسلمين في هذه المدينة التي تعتبر مدينة طلابية، وهذا المركز يشمل قاعة محاضرات ومسجدا ومكتبة ومرافق أخرى مفيدة.

ص: 476

وأرى أن إنشاء قاعة محاضرات عامة واسعة تتسع لكثير من الأعداد الطلابية الهائلة من المسلمين في هذه المدينة ومسجد جامع كبير ومكتبة تزود بالمراجع الإسلامية وغيرها من المرافق التي تعين المسلمين المهتمين بالدعوة الإسلامية وتربية الشباب وتحصينه من الوقوع في أحضان الكفرة أرى أن ذلك أمر واجب على المؤسسات الإسلامية القادرة؛ لأنه من الجهاد في سبيل الله، وأخص بالذكر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والأمانة العامة للدعوة الإسلامية التي يقف على قمتها سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي عرف بالمباردة في أفعال الخير ولا سيما ما يتعلق بالدعوة الإسلامية، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد التي حظيت بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الذي عرف القاصي والداني داعيا إلى الله بالقول والعمل وإعانة كل من تصدر للدعوة إلى الله سبحانه، والجمعية الخيرية التي دفع بها سمو الأمير سلمان إلى الأمام في فترة قصيرة من الزمن، ورابطة العالم الإسلامي التي يلهج المسلمين بها آملين منها المساعدة في كل مكان، ثم أهيب بتجار المسلمين في كل مكان لإقامة مثل هذا المشروع الضروري، ولا أنسى أن أنبه وزارة الأوقاف الكويتية التي لها جهود لمسناها في كثير من الأماكن التي زرناها، ومؤسسة الملك فيصل الإسلامية، أما كيف يتم ذلك ومن يتولاه فجواب هذا عند الجامعة الإسلامية التي كانت السبب في معرفتنا هذه الحقائق، وعندها طلب خاص يتعلق بهذا الموضوع، وأنا أدعو الجميع أن يطبقوا قول الله سبحانه وتعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ، وهذا من أعظم البر والتقوى.

10/9 في معهد المنور الإسلامي:

ص: 477

كان المقرر لنا في هذا اليوم مغادرة يوك جاكرتا دون زيارة لأي مؤسسة أخرى، ولكن بعض طلبة الجامعة الإسلامية ألحوا علينا طالبين زيارة معهدهم الذي تخرجوا فيه، والتحقوا بعد تخرجهم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فلم نجد وقتا نحقق فيه رغبتهم إلا بعد صلاة الفجر من هذا اليوم، واتفقنا على أن نضع أثاثنا في صندوق السيارة التي استأجرناها من نفس الفندق الذي كنا نازلين فيه، ونحاسب مدير الفندق ونزور هذا المعهد، ثم ننطلق منه إلى معهد كنتور في طريقنا إلى سور بايا، وكان ذلك.

وعندما وصلنا إلى مقر المعهد وجدنا حشدا كبيرا من الطلبة والأساتذة في استقبالنا يتقدمهم فضيلة مدير المعهد، وكان ذلك في الساعة السادسة والنصف صباحا.

ومدير المعهد حاليا هو الحاج علي معصوم، ومؤسسه الأول هو الحاج منور في سنة 1911م، وهو يشتمل على المتوسطة والعالية، وعدد طلابه ألف تقريبا، وفيه قسم لتحفيظ القرآن الكريم، وتدرس فيه مع العلوم الشرعية العلوم الكونية.

تقدم مدير المعهد بكلمة الترحيب وبين أسباب إنشاء هذا المعهد التي منها كثرة أبناء المسلمين الذين يلتحقون بالمدارس الكاثوليكية والأحمدية (القاديانية) وغيرها من مدارس أعداء الإسلام، ثم شيوع المذاهب الباطنية والخرافات، ثم مناهج التربية والتعليم الحكومية البعيدة عن الصبغة الإسلامية، طلب مني فضيلته إلقاء كلمة، قبلت الطلب، وكانت تتضمن بيان أهداف التربية والتعليم.

إلى لقاء آخر يا مدينة الطلاب:

ص: 478

كان معهد منور الإسلامي هو آخر المؤسسات التي التقينا فيها بأبناء مدينة الطلاب: (يوك جاكرتا) ، وبوداعه ووداع مديره وأساتذته وطلابه الذين احتشدوا في صفوف طويلة لوداعنا، وصغارهم ينشدون أناشيد الوداع الحزينة، بهذا الوداع ودعنا مدينة يوك جاكرتا ونحن نشعر بأنها أكثر فائدة من غيرها، ولذلك نقول لأبنائها إلى اللقاء يا أبناء يوك جاكرتا، وعسى أن يكون لقاؤنا في وقت حقق الله لكن فيه مطالبكم العالية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى معهد كنتور:

غادرنا يوك جاكرتا - عن طريق البر - في الساعة الثامنة والنصف، وكان وصولنا إلى معهد كنتور الساعة الثانية عشرة، وكان في استقبالنا بعض الأساتذة، ونزلنا في مقر المعهد في مبنى ضيافتهم، والمسافة بين مدينة يوك جاكرتا وهذا المعهد مائتا كيلومتر.

استرحنا إلى قبيل المغرب حيث دعانا فضيلة مدير المعهد الحاج إمام زركشي لتناول طعام الإفطار والعشاء في منزله، وهو في مقر المعهد أيضا، وبعد أن صلينا المغرب وتناولنا طعام العشاء عدنا للراحة وذهبنا إلى المسجد فصلى بنا إمام المسجد صلاة العشاء، وصلى بنا الشيخ عبد القوي صلاة التراويح.

ثم دعينا إلى قاعة المحاضرات، وكان البرنامج ما يأتي:

1-

تلاوة القرآن الكريم - الشيخ عبد القوي.

2-

الترحيب وبيان أهداف المعهد - مدير المعهد.

3-

كلمة ترحيب أخرى - للشيخ سوتاجي تاج الدين، وهو من الذين تخرجوا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ونال شهادة الماجستير من الأزهر بالقاهرة.

4-

محاضرة دعيت لإلقائها، وكانت بعنوان: الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.

وارتفعت الأصوات مدوية بكلمة التوحيد:

كنت قبل الحضور إلى القاعة طلبت من الابن عبد البر أن يقف على المنبر قبل إلقاء كلمتي ليقول كلمة التوحيد بصوت عال ويردد الحاضرون وراءه ذلك.

وعندما دعيت لإلقاء المحاضرة طلبت من الحاضرين أن يرددوا وراء الابن الكلمة التي سيسمعونها منه، فصعد المنير وقال:

ص: 479

لا إله إلا الله.. نوالي من والاها.. ونعادي من عاداها.

وهم يرددونها بعده ثلاث مرات، ثم صعدت أنا المنبر وبينت معنى الولاء والمعادة، ومن نوالي ومن نعادي، وأن أعداء الله جادون في تغيير هذا الولاء بغيره من التراب أو اللغة أو المذهب أو اللون.

وإنه يجب الحذر منهم؛ لأن تغيير هذا الولاء فيه القضاء على الأمة الإسلامية وتحطيم راية الإسلام، وان القوميات التي نشأت في كثير من بلدان المسلمين إنما كان مخططا لها من قبل أعداء الله في الدول الأوربية ولا سيما القومية العربية التي شتت الله بها شمل العرب عندما أقامها بعض المجرمين مقام دين الله.

ولما كان معهد كنتور هذا قد حاز قصب السبق في تدريس اللغة العربية والاهتمام بها حتى إن أساتذته وطلبته لا يحتاجون إلى من يترجم لهم المحاضرة التي تلقى باللغة العربية، لما كان هذا المعهد كذلك حصل لبس عند فضيلة مدير المعهد من كلامي عن القومية العربية فظن أن اهتمام المعهد باللغة العربية قد يظن منه التعصب للعرب، فعلق بكلمة مختصرة وضح فيها أن المعهد إنما يهتم باللغة العربية لأنها لغة الإسلام وبها نزل القرآن، فذكرت له أن من أهم الأسباب التي جعلتني أذكر القومية العربية وأن الولاء الحق هو للإسلام لا للجنس أنكم تهتمون بلغة العرب أكثر منهم، ولو كان الولاء للقوميات لكانت اللغة الإندونيسية أولى بكم ففهم المراد، وطلب فضيلة مدير المعهد من الطلبة أن يقوموا احتراما لنا عند الخروج فقاموا جميعا فصعدت المنبر وذكرت لهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره القيام لنفسه من صحابته الذين تركوا القيام له مع شدة محبتهم له، وأن لنا في ذلك أسوة، وأن القيام إنما يحصل من الأعاجم لملوكهم، وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلبت منهم أن يقعدوا جميعا، واعتذرت لفضيلة المدير فقعدوا وخرجنا وهم على مقاعدهم.

ص: 480

ورافقنا بعض المدرسين إلى مقر نزلنا حيث تبادلنا الأحاديث في شؤون الدعوة والتعليم، ثم تركونا لنلتقي غدا في المسجد لصلاة الفجر، ثم كلمة الصبح.

كلية الصبح:

ومن النشاطات التي يقوم بها المسؤولون في هذا المعهد كلية الصبح، وهي تطلق على محاضرة ثابتة كل يوم بعد صلاة الفجر، وقد طلبوا مني أن أتولاها في هذا اليوم، وتضمنت: المسلم بين تزكية نفسه وتزكية غيره وموقعه موقع الأستاذ بالنسبة لغيره، والذين يدعوهم إلى الله ينقسمون إلى قسمين: قسم السادة المكابرين، وقسم الأتباع الأذلين، وكلهم في حاجة إلى صير ومصابرة حتى يحقق الله على يديه رفع راية الإسلام.

والداعي كما أنه لا يذل إلا لله فإنه لا يتكبر على خلق الله.

نبذة موجزة عن معهد كنتور:

لا بد من التعريف بهذا المعهد الذي يندر له نظير في إندونيسيا، ولا أدري عن غيرها، وقد بدأ بعض الطلبة الذين أتموا دراستهم فيه يحاولون إنشاء معاهد على غراره.

ولا أقصد من نفي النظير أن المعهد أكبر من غيره من المؤسسات الإسلامية، كما لا أريد أنه أقدم المعاهد الإسلامية، ولا أن طلبته أكثر من طلبة غيره، ولا أن مناهجه فاقت المناهج الأخرى.

ولكن الذي أقصده أن المعهد قام على البذل والتضحية من قبل المؤسسين، ثم من قبلهم ومن قبل المعاونين لهم في الشؤون الإدارية والمدرسين والطلبة على السواء.

فقد قام بتأسيس المعهد الحاج أحمد سهل رحمه الله، حيث أوقف قطعة أرض بني عليها مبنى للدارسة وآخر مثله مصلى، كل واحد منها مثل الفصل الدراسي المتوسط، وكان ذلك في 12 ربيع الأول سنة 1345هـ، وساعده أخواه فضيلة الحاج زين الدين فناني وفضيلة الشيخ الحاج إمام زركشي.

ص: 481

ثم أخذوا يجمعون له التبرعات ويتوسعون في البناء: بناء الفصول الدراسية والمباني السكنية والموافق العامة الأخرى، حتى أصبح الآن شبه مدينة جامعية، فأصبحت أرضه الموقوفة عليه والتي يستعان بريعها على تسييره مائتين وخمسين هكتارا، ومساحة حرمه ستة هكتارات.

والأمر الغريب فيه - وما كان ينبغي أن يكون غريبا عند المسلمين - هو أن موظفيه وأساتذته وطلابه يقومون ببناء ما يحتاجون من الفصول والمساكن بأيديهم، ويدير موظفوه إدارته، ويدرس الأساتذة مواد، ويشارك الطلاب في نشاطاته المادية التي تعود إليه بالفائدة دون مقابل، فهو من هذه الناحية شبيه بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأنفسهم، وكان الصحابة يقولون وهم يرونه يتقدمهم في البناء وحمل الأخشاب والحجارة والطين:

لئن قعدنا والنبي يعمل

لذاك منا العمل المضلل

ولا يتفقون مع المقاولين في البناء إلا فيما يحتاج إلى آلات أو تأسيس لا يتدربون عليه، مثل المسجد المكون من طوابق ومئذنته الكبيرة، والذي أسهم في بنائه جلالة الملك فيصل رحمه الله بمائة ألف ريال سعودي.

وقد سألت بعض أساتذة المعهد إذا كنتم لا تأخذون أجرا مقابل تفرغكم للتدريس في المعهد والقيام بنشاطات متعددة، فمن أين يأتيكم المال الذي تنفقون منه على أنفسكم وأسركم؟ فأجابوا بأنهم اشتروا لهم بعض المزارع القريبة وأن خيراتها تكفيهم لسد حاجاتهم.

وعدد طلبة المعهد حاليا (1600 طالب) وكلهم ذكور، وهم ينتمون إلى جميع مقاطعات الجزر الإندونيسية وبعض الدول المجاورة كاستراليا وماليزيا وتايلاند وصباح واليابان.. وبلغ عدد المدرسين به مائة وخمسة وعشرين مدرسا يحملون مؤهلات من بعض جامعات إندونيسيا ومن بعض الجامعات العربية والبريطانية، وبعضهم من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منهم ابن المؤسس الشيخ حسن سهل.

وهو يشتمل على مرحلتين:

ص: 482

1-

المرحلة الثانوية للمعلمين، وتشتهر بكلية المعلمين الإسلامية.

ومدة الدراسة بها ست سنوات.

2-

جامعة دار السلام، وبها كليتان: كلية التربية، وكلية أصول الدين.

ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات.

ويدرس المعهد باللغات الثلاث: العربية وتدرس بها العلوم الإسلامية والعربية، واللغة الإنجليزية: وتدرس بها العلوم الإنجليزية، واللغة الإندونيسية ويدرس بها العلوم الأخرى.

والتخاطب في داخل المعهد يجب أن يكون باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية - والفضل للأولى - والذي لا يلتزم يعزز بعقاب عندهم قد يكون منه حلق الرأس.

وقد أجمل بيانهم الموجز عن المعهد طريقة التدريس فيه في الجملة التالية:

(وقصارى القول أن نظام التربية والتعليم في هذا المعهد هو السير على الجانب النظري والجانب العملي للتربية الحديثة) .

القسم الداخلي:

يسكن الطلبة كلهم في مساكن المعهد الداخلية، ويعيشون - كما في البيان الموجز - (بنظام صارم لما فيه من مصلحة عظيمة تعود عليهم) .

والمقصود بالنظام الصارم: الالتزام الكامل بأنظمة المعهد الشبيه بالنظام العسكري، من أجل تعويدهم على حياة بعيدة عن الميوعة والتسيب.

ويقوم الطلبة بإدارة كل شؤونهم في المعهد تحت إشراف الأساتذة ويشتركون كلهم في الحركة الكشفية التي تعتبر فتوة جهادية.

وينقسمون إلى جمعيات تعاونية: مثل الجمعية التعاونية الاستهلاكية، ومقصف الطلبة، ومطعم الطلبة، وربح هذه الجمعيات كلها يعود لمصالح المعهد.

أثر المعهد في المجتمع:

أنقل هذه الجمل التي توضح أثر المعهد في المجتمع عن البيان الموجز:

ص: 483

(انتشر المتخرجون من هذا المعهد (كنتور) في جميع أنحاء المقاطعات الإندونيسية) وبعض الدول الأخرى، يجاهدون في بناء المجتمع، ويكافحون في معركة الحياة، ويحتلون في المجتمع مناصب اجتماعية متباينة، ويلعبون فيه أدوارا مختلفة منها الوزير، وعضو مجلس النواب، ورئيس القرية، ورئيس المكتب، والموظف الكبير في الحكومة، والمزارع أو الفلاح، والتاجر، والمدرس وما إلى ذلك، وكلهم على اختلاف مراكزهم ومناصبهم يكادون يتفقون في كونهم دعاة للإسلام) .

هذا وفي ختام الكلام عن هذا المعهد المبارك فإنا ندعو الله أن يوفق قادته ومدرسيه وطلابه للسير به قدما ليكون - على مر الزمن - قلعة إسلامية تنطلق منها جحافل العلم والدعوة والجهاد إلى كل أنحاء إندونيسيا وغيرها من البلدان المجاورة، كما ندعو الهيئات الإسلامية في إندونيسيا أن تحذو حذو هذا المعهد في الاهتمام باللغة العربية؛ لغة القرآن والسنة والدين الإسلامي الحنيف، وندعو كذلك المؤسسات الإسلامية في بلادنا وغيرها أن يبذلوا العون لهذا المعهد وأمثاله ليكون قادرا على استيعاب الأعداد الهائلة التي تؤمه ويرغب في الالتحاق به فلا يقدر إلا على تلبية رغبات القليل منهم، وعلى أغنياء الأمة الإسلامية أن يودعوا ما يريدون ثوابه عند الله في صندوق هذا المعهد وفي صناديق معاهد أخرى قريبة منه؛ لإنقاذ أبناء المسلمين من فخ أعداء الله من النصارى وغيرهم.

زيارة معهد التربية الإسلامية (والي صاعانج) 11/9:

كان الأستاذ الحاج إبراهيم الطيب قد زارنا ليلة أمس في الليل بعد صلاة التراويح، وطلب منه أن نزور المعهد المذكور الذي أسسه سنة 1961هـ.

ص: 484

والحاج إبراهيم الطيب متخرج في معهد كونتور، فلبينا رغبته ومررنا به ونحن مسافرون إلى سورايابا، وهذا المعهد يحاول مؤسسه أن يسير به على غرار معهده الذي تخرج فيه، ويقع في قرية عابر فونوروقو، وفيه قسم خاص بتعليم الفتيات، والحاج إبراهيم هو الذي أوقف أرضه على هذا المعهد وأنشأه فيها.

وعدد طلابه تسعمائة تقريبا، وقد تحصل على مساعدات من المملكة العربية السعودية، وقد كان برنامج الزيارة قراءة ما تيسر من القرآن الكريم، وكلمة من المؤسس رحب بنا فيها، وشكر المملكة على المساعدة، ثم كلمة توجيهية مني.

زيارة معهد المعلمين:

ثم مررنا بمعهد المعلمين الذي أسسه الحاج صائمان لقمان الحكيم، وهو متخرج في معهد كونتور أيضا، وأحد المدرسين فيه، وأخبرنا أن جلالة الملك فيصل قد أسهم في بناء هذا المعهد بمبلغ ثلاثين مليون ومائتان واثنتين وأربعين ألف روبية إندونيسية.

وهذا المعهد والمعهد الذي قبله قريبان من معهد كونتور، وهذا تابع للجمعية المحمدية يقع في قرية جنيس.

ص: 485

السلطان الغازي - أبو الفتح محمد الثاني

للدكتور محمد حرب

أستاذ زائر بكلية الدعوة وأصول الدين

هو السلطان الفاتح نسبة إلى فتحه مدينة القسطنطينية، وهي استنبول الحالية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشّر بهذا الفتح وأنثى على أميرها أوثانك في الحديث الشريف:"لتفتحن القسطنطينية؛ فلنعلم الأمير أميرها، ولنعلم الجيش ذلك الجيش".

ما أن السلطان محمد الثاني قد نال من ثناء المؤرخين العرب ومن شعرائهم الكثير.

فمن المؤرخين العرب نجد السخاوي - وهو مثال من أمثلة كثيرة - يقول في مؤلفه المشهور (الضوء اللامع) : إن السلطان محمد الفاتح كان ملكا عظيما اقتفى أثر أبيه في المثابرة على دفع الفرنج بحيث فاقه، مع وصفه بمزاحمة العلماء ورغبته في لقائهم وتعظيم من يرد عليه منهم.

ومن أمثلة الشعراء العرب الذين امتدحوا الفاتح نجد الشاعر أحمد خيري الذي يقول عن الفاتح:

حق يزين عهده ويرصع

أعظم بسلطان يوطد حكمه

لكن بحبل الله إذ لا يقطع

لا يستغز بعزوة تركية

أما في الجانب التركي فنجد المؤرخ الورع علي همت بركي يصف الفاتح بقوله: (كم كان عظيما، وكم كان عادلا رحيما، فيه رقة وشفقة) .

أما المؤرخ التركي المشهور أحمد رفيق فيقول عن السلطان الفتح وعن العثمانيين: (كانت الغاية المنشودة لسلاطيننا - ويعني سلاطين آل عثمان الأول خاصة - أن يخدموا الإسلام بسيوفهم، وقد كانت الأحاديث النبوية الواردة في فضل الجهاد، والمثوبة الموعود بها المجاهدون، حفّزتهم إلى الجهاد، وكانوا في غزواتهم وحروبهم يرعون دين عدوهم ويصونون أزواجهم وأموالهم وأعراضهم، وللسلطان محمد الفاتح قصب السبق في هذا المضمار) .

ص: 486

صحيح أن بعض المؤرخين المحدثين - مثل المؤرخ الأستاذ محمد بن عبد الله عنان - لم تتح له الفرصة للاطلاع على المصادر التركية للفتح الإسلامي للقسطنطينية، ولم يعتمد في تاريخه للفتح إلا على المصادر المعادية للعثمانيين، وهي مصادر أوربية على رأسها رواية فرانتشز، وهذا عدو شخصي للفاتح؛ لأنه - أي فرانتشز - كان من رجال القصر البيزنطي، وحارب في الجيش البيزنطي ضد جيوش المسلمين وعلى رأسها الفاتح، ثم استطاع فرانتشز هذا أن يهرب ويكتب تاريخا للفتح به حقد كبير على العثمانيين؛ لذلك السبب نصّب المؤرخ عنان نفسه مدافعا عن الحضارة الرومانية البيزنطية، مستنكرا الفتح العثماني للقسطنطينية، إلا أن تعصب بعض مؤرخينا ضد الفتح سيزول عندما تترجم المصادر العثمانية إلى اللغة العربية.

كانت حياة السلطان محمد الفتح زاخرة بالعلم وبالحرب، فمن الناحية العلمية كان الفاتح يجيد عدة لغات بجانب لغته التركية؛ فقد كان يجيد العربية والفارسية واليونانية واللاتينية بجانب اللغة العبرية.

قام الفاتح بتوسيع فكرة المدرسة العثمانية فأنشأ المدارس الكبيرة وأدخل فيها العلوم العملية بجانب العلوم الدينية، وبفضل الفتح أصبحت الدولة العثمانية في عهده الدولة الأولى في العالم في بناء السفن والمواد الحربية.

وعرف عن الفاتح حب العلماء واستقدامهم من البلاد الأخرى، ومن أبرز علماء عصره آق شمس الدين المولى الكوراني والمولى خسرو وعلي قوشجي وخواجه زاده ومصلح الدين أفندي.

وفي عهد الفاتح بدأ ضرب النقود الذهبية، ومن دلالات هذا غنى الدولة العمثانية، وتسامح هذا السلطان تجاه رجال الدين الأجانب مثال بالغ الدلالة على المفهوم الإسلامي الحقيقي في النظر إلى الأقليات الدينية التي تعيش في كنف المسلمين، وكان هذا التسامح في وقت اشتد فيه الصراع المذهبي في أوربا مما كان يدفع الأوربي للإضرار بمن يؤمن بدينه ويختلف عنه في المذهب.

ص: 487

والمؤرخون المهتمون بعهد الفاتح يعرفون أن كل حروب الفاتح - وهي كثيرة - لم تكن تحمل إلا مفهوم الجهاد الإسلامي، ولقد كان فتح القسطنطينية (استنبول) فتحا عظيما إلا أنه لم يكن هو الوحيد، بل كان للفاتح سلسلة من الفتوح، ولقد لقبته المصادر الإسلامية لقلب أبي الفتح؛ من كثرتها التي بلغت في عددها أن الأراضي التي فتحها كانت تابعة لسبعة عشر دولة.

حاصر السلطان محمد القسطنطينية بجيش مكون من 000ر20 فرد، كما توجه الأسطول العثماني حيث وقف أمام مدخل الخليج، أمر السلطان في ثاني أيام الحصار بإنزال الجيش العثماني إلى الخليج عن طريق البر على أرض منطقة غالاطة، بعد أن وضعت الأخشاب على الأرض ودهنت بالزيوت لسهولة تحريك السفن عليها، وكان البيزنطيون قد أغلقوا الخليج بسلسلة حديدية ضخمة؛ لذلك لم يكن الأسطوال الإسلامي بمستطيع دخول الخليج، وبالتالي لم يكن يستطيع محاصرة المدينة؛ لذلك كان قرار الفاتح بأن تنقل المراكب والسفن على البر، كان من أجل تفادي هذه السلسلة الحديدية، وبهذه الوسيلة تمكن العثمانيون من نقل السبعين سفينة في ليلة واحدة حتى أصبح الصباح إذا بالمحصورين وقد أيقنوا بانتصار العثمانيين عليهم.

وفي 15 من جمادى الأولى من عام 857هالموافق 24 مايو 1453م، أرسل السلطان محمد الفاتح إلى الإمبراطور قسطنطين يخبره أنه لم سلم المدينة دون إراقة دماء يتعهد له السلطان بعدم المساس بحرية الأهالي وأملاكهم، وأن يعطيه جزيرة الموره، فلم يقبل قسطنطين ذلك، فأمر الفاتح بالهجوم.

فتح العثمانيون القسطنطينية وأسموها إسلام بول، وتعنى مدينة الإسلام، وإن لم يكن تاريخ أو إطلاق لهذه الكلمة بعد الفتح معلوما بعد.

ص: 488

ولقد حوصرت القسطنطينية إسلاميا من قبل الفتح العثماني إحدى عشرة مرة، ومن ضمن هذه المرات حصار معاوية بن أبي سفيان لها عام 34هـ الموافق 654م، في خلافة علي بن أبي طالب، وحاصرها يزيد بن معاوية عام 47هـ الموافق 667م في خلافة علي أيضا، كما حاصرها سفيان بن أوس عام 52هـ الموافق 672م في خلافة معاوية، وحوصرت القسطنطينية في عهد كل من عمر بن عبد العزيز وهشام وهارون الرشيد.

ودخل الفاتح المدينة فأمر باستتباب الأمن، ثم زار كنيسة أيا صوفيا، وأمر بأن يؤذن فيها للصلاة إعلانا بجعلها مسجدا جامعا للمسلمين، ثم أعلن في كافة الجهات بأنه لا يعارض في إقامة شعائر المسيحيين، بل إنه ضمن لهم حريتهم الدينية، وحفظ عليهم أموالهم وأملاكهم، فرجع بعض من هاجر من النصارى في الحصار، وأعطاهم نصف الكنائس، وجعل النصف الآخر جوامع للمسلمين، ثم جمع أئمة دينهم لينتخبوا بطريقا لهم، فاختاروا جورج سكولاريوس، واعتمد السلطان الفاتح هذا الانتخاب وجعله رئيسا لطائفة الأروام وأعطاه حرسا من الانكشارية، ومنحه حق الحكم في القضايا المدنية والجنائية بكافة أنواعها المختصة بالأروام، وعين معه في ذلك مجلسا مشكلا من أكبر موظفي الكنيسة، وأعطى هذا الحق في الولايات العثمانية للمطارنة والقسس.

وبفتح مدينة القسطنطينية أسدل الستار على العصور الوسطى، ويؤرخ المؤرخون الأوربيون بدء العصر الحديث في التاريخ بيوم 25 مارس 1453، بمعنى اليوم الذي يسّر الله الفتح للفاتح.

ص: 489

لم يكد السلطان محمد الفاتح يفتح القسطنطينية وينظم أمورها حتى شرع بجيوشه لفتح بلاد الموره، وكان الأميران دمتريوس وتوماس يحكمان هذه البلاد، وما أن شرع الفاتح في زحفه حتى أسرع هذان بإخباره قبولهما دفع الجزية سنوية للدولة العثمانية، فوافق الفاتح، ولم يرجع بل وجه جيشه إلى بلاد الصرب بيوغوسلافيا الحالية، حيث اضطر أميرها إلى عرض الصلح على الدولة العثمانية وإن لم يصدق أمير الصرب في عهده هذا.

وبعد سنتين من الفتح، اضطر الفاتح إلى إعادة الكرة على بلاد الصرب، ووصل هذه المرة إلى مدينة بلغراد عاصمة يوغوسلافيا الآن، وحاصر الفاتح هذه المدينة برا وبحرا، وإن لم يكن استطاع فتحها لكنه كسب أكثر من هذا، كان في القلعة القائد المجري المعروف جون هونياد، وكان هذا القائد المجري عقبة كؤود في سبيل تقدم العثمانيين، وقد جرح هذا القائد هونياد أثناء الحصار العثماني لبلغراد، جراحا تسببت في موته، ثم أرسل الفاتح صدره الأعظم محمود باشا لإتمام فتح بلاد الصرب ففتحها في سنتين، وبذلك فقدت الصرب استقلالها نهائيا.

وفي عام 1460م اضطر الفاتح لإصدار الأمر بفتح إقليم الموره نتيجة لثورة أميره ومحاربته للأتراك العثمانيين.

ثم فتحت الدولة العثمانية جزائر تاسوس وانبروس وغيرها في بحر إيجه.

ص: 490

وحدث أن اعتدى أمير الأفلاق (والأفلاق تقع في رومانيا حاليا) ، وكان اسمه فلاد، اعتدى على التجار العثمانيين النازلين هناك، فسار الفاتح إليه، خاف فلاد وأرسل إلى الفاتح وفدا يعرض عليه دفع جزية سنوية، وعاد الفاتح، إلا أنها كانت إحدى الحيل الأوربية ضد الدولة العثمانية، لم يكن الأمير فلاد يرغب إلا في أخذ فسحة من الوقت ليتمكن من الاتحاد مع ملك المجر ومحاربة العثمانيين، ولما علم الفاتح بهذا أراد التيقن والتبين، فأرسل مندوبين إلى أمير الأفلاق ليسألاه عن الحقيقة، فإذا بالأمير يقبض على الرسولين ويقتلهما ويمثل بهما؛ إذ وضعهما على عمود مدبب من الخشبب - وهو ما يمسى بالخازوق - ثم أغار هذا الأمير فلاد على بلغاريا وكانت تابعة للدولة العثمانية، أرسل الفاتح يدعوه إلى الطاعة فجاء رسول الفاتح أمام الأمير فإذا ذبه يأمر بخلع عمامة هذا الرسول وأن يخلع من معه عمائمهم أيضا إظهارا لاحترام الأمير، فلما خالفوه أمر فلاد ذا بأن تسمر عمائم رسل الفاتح على رؤوسهم بمسامير من حديد.

تحرك الفاتح بمجرد سماعه هذا الخبر لمحاربة الأمير فلاد، وضم بلاده - أي بلاد الأفلاق - إلى الدولة العثمانية.

وعندما أراد متياس كرفن - ملك المجر - استخلاص البوسنة (وهي في يوغوسلافيا حاليا) من العثمانيين، كانت النتيجة أن هزمه العثمانيون وقتلوا معظم جيشه، وكانت عاقبة هذا ضم بلاد البوسنة لتصبح ولاية كاملة التبعية للدولة العثمانية، ودخل في جيش الانكشارية العثماني 000ر30 من شبان البوسنة، وأسلم أغلب أشرافها.

وكان أن أرادت أوربا أن توقف وحف هذا الفاتح العثماني، فقام البابا بيوس الثاني ينادي بمحاربة المسلمين حربا دينية، وفي عام 1470م قامت الخرب بين العثمانيين والبنادقة، فاستولى العثمانيون على جزيرة اجريبوس مركز مستعمرات البندقية.

ص: 491

وبعد أن ساد الأمن العثماني أنحاء أوربا وجه الفاتح اهتمامه نحو استتباب الأمن داخل الأناضول، فضم إمارة القرمان وكانت مصدر إزعاج للعثمانيين.

وأرسل ليحاري أوزون حسن في طرابزون، ويذكر في المصادر العربية باسم حسن الطويل، وهو أحد خلفاء تيمورلنك، وتمت هزيمة حسن الطويل عام 1471م، ثم سار السلطان بنفسه ليجهز على بقية قوة حسن الطويل، وتم له ذلك.

استعانت البندقية بالبابا في روما وبأمير نابولي لمساعدتها في استرجاع ما أخذه منها العثمانيون، لكن هذا الأمر انتهى بانتصار العثمانيين، ولم يستطع البنادقة استرجاع شيء، واضطرب البندقية لإبرام الصلح مع السلطان تنازل البنادقة بموجبه عن كثير من الأماكن الهامة التابعة لهم، منها مدينة اشقودره (في ألبانيا حاليا) ، وهذا أم رهام في التاريخ الأوربي؛ ذلك أن جمهورية البندقية حينذاك كانت تعتبر هي وجمهورية جنوه أهمّ دولتين في أوربا.

وفي عام 1480م تم فتح جزائر اليونان الواقعة بين بلاد اليونان وإيطاليا، بعد ذلك سار القبطان الثعماني كدك أحمد باشا بأسطوله وفتح مدينة أوترانتو بإيطاليا.

لكن جزيرة رودوس استعصت على الأسطول العثماني في حصار دام ثلاثة أشهر وكانت رودوس مركز رهبنة القديس يوحنا الأورشليمي، وكانت الحرب بين فرسانها برئاسة بييردوبوسون وبين الدولة المملوكية في مصر قائمة، كما كان هناك نزاع بين هؤلاء الفرسان وبين باي تونس، فهادن الفرسان كلا من مصر وتونس حتى يتفرغوا لصد هجمات العثمانيين، والمعروف أن جزيرة رودوس كانت محصنة تحصينا منيعا.

ص: 492

بدأ العثمانيون في حصار رودوس في 3 من ربيع الأول سنة 885هـ الموافق 22 مايو عام 1480م، إلا أن أهم قلاع الجزيرة - وهي قلعة القديس نيقولا - استعصت على العثمانيين، إلا أن هؤلاء اضطروا لفك الحصار والعودة بعد ثلاثة أشهر من بدء هذا الحصار، ولم يستطع العثمانيون فتح جزيرة رودوس إلا في عهد السلطان سليمان القانوني، وهو ابن سليم الأول فاتح بلاد الشام ومصر.

وفي الرابع من ربيع الأول عام 886هالموافق 3 مايو عام 1481م توفي أبو الفتح محمد الثاني عن ثلاث وخمسين عاما، حكم فيها ثلاثين عاما وحوالي الشهرين ونصف الشهر، وترك دولة تبلغ مساحتها 000ر214ر2 كيلو مترا، منها في الأناضول 000ر511 كليو مترا، والباقي يقع في أوربا، وكانت حدود دولته الشمالية تبدأ من جنوب موسكو، وكان البحر الأسود في عهد عبارة عن بحيرة عثمانية، وكان ينوي - كما يقو بعض المؤرخين - أن يفتح روما، وكانت استعدادته البحرية توحي بذلك.

مات الفاتح ودفن في المسجد الذي كان أمر ببنائه، ويقول بعض المؤرخين إنه بناه فوق مقبرة أباطرة الدولة الرومانية، وكانت مقبرة لها مكانتها في العالم المسيحي في ذلك الوقت.

أهم المراجع التركية:

علي رشاد، تاريخ عثماني، استنبول.

شهاب الدين تكين داغ، دروس في الدولة العثمانية، جامعة استنبول 1979.

يلماز أوزطونة، عثمانلي أمبراطور لغي، أنقرة 1977.

علي همت بركي، أبو الفتح وحياته العدلية، ترجمه إلى العربية محمد إحسان، القاهرة.

أهم المراجع العربية:

محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، القاهرة 1913.

محمد حرب، محاضرات في تاريخ الدولة العثمانية، محاضرات بكلية الآداب جامعة عين شمس سنة 1981.

محمد حرب، دفاع عن السلطان محمد الفاتح، مجلة العربي 1979.

ص: 493

السمع من آيات الله في أنفسنا

للدكتور فوزي أحمد سلام

أخصائي الأذن والأنف والحنجرة بالجامعة

يقول رب العزة والجلال:

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 7-9) .

يقف الإنسان عاجزا أمام خلق الله عندما يرى الآيات الواضحات في داخله عجيبة تجعله يعض على دينه بالنواجذ.

واسمع في الإنسان جعله الله له المصدر الأول للمعرفة الإدراكية في حياته الأولى، هذه النعمة المنوحة لنا خصها الله بالعناية في القرآن الكريم، فأغلب السور يحتل فيها السمع موقعا؛ ذلك لأنه من الحواس التي بها يسترشد الإنسان، هذه المهمة الملقاة على السمع.. جعلته في موقف المسائلة يوم الحساب العظيم:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36) .

والقرآن نزل مسموعا من روح القدس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقل منه إلى الصحابة رضوان الله عنهم مسموعا، بل إن تاريخ البشرية أجمع وتواتر نقله مسموعا قبل أن يُدوّن ويحفظ.

تعالوا معي نتجول داخل هذه الآية الربانية؛ لنرى الجهاز السمعي بمكوناته التشريحية الدقيقة المتناسقة، التي يتحدث عنها قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (التغابن:3) .

نظرة تشريحية وظيفية للجهاز السمعي:

يتكون الجهاز السمعي من الأذن التي تنقسم إلى:

(1)

الأذن الخارجية.

(2)

الأذن الوسطى.

(3)

الأذن الداخلية.

ص: 494

(1)

الأذن الخارجية:

تتكون من (أ) صيوان الأذن، (ب) القناة السمعية الخارجية، (ج) غشاء طبلة الأذن.

- وصيوان الأذن الذي تحسه على جانبي الرأس مركب من غضاريف مكسورة بجلد رقيق، وتختلف من إنسان وتعتبر أيضا مقياسا من مقاييس الجمال.

- أما القناة السمعية الخارجية.. فيبلغ طولها 24 مليمترا، الثلث الخارجي منها غضروفي يحتوي على غدد عرقية وصملاخية، وكذلك بصيلات شعر، وهذه المجموعة تخدم هذه القناة والأذن بأسرها بإفراز مادة الصملاخ لونها أصفر، التي تمنع الأتربة والميكروبات من دخول الأذن.

والباقي من القناة السمعية عظمي التكوين أملس، ومن روعة صنع الخالق ودقته أن كل جزء يتجه باتجاه مخالف للجزء الآخر حماية لغشاء الطبلة الرقيق من مفاجآت الصوت والهواء الشديد الداخل للأذن.

- وأما غشاء الطلبة فإنه أبيض اللون بيضاوي الشكل رقيق، طوله 9 مليمترات وعرضه 8 مليمترات وسمكه لا يتعدى النصب مليمتر، ويتكون معظمه من ثلاث طبقات من الأنسجة، وتلتصق به من الخلف عظمة المطرقة.

وسبحان القائل: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذريات:21) .

ولأهمية هذا الغشاء الرقيق يغذيه المولى سبحانه وتعالى بثلاثة أعصاب مخية: العصب الخامس، والعصب العاشر (الحائر) من الخارج، والعصب التاسع من الداخل.

وهناك ملاحظة دقيقة لدنا عليها علم التشريح، وهي أنه توجد الصلة بين المسموع ووصوله لأعماق القلب، فإنه توجد صلة بين الأذن والقلب؛ إذ يغذيهما معا العصب العاشر، فالعلاقة بينهما روحية تشريحية.

أضف إلى ذلك أنه إذا ضُرب إنسان على أذنه فإنه يسقط مغشيا عليه، والسبب في ذلك أنه عندما يستثار الغضب فإنه يسبب هبوطا في القلب فيسقط الإنسان مغشيا عليه.

ويلاحظ أن غشاء الطبلة أخذت منه فكرة الأجهزة السلكية واللاسلكية.

(2)

الأذن الوسطى:

ص: 495

تتكون من ثلاثة أجزاء: أذن متوسطة، وقناة استاكيوس، ونتوء حلمي.

- أما عن الأذن المتوسطة: فتشبه علبة الثقاب تماما، وتقع بين غشاء الطبلة وبين الأذن الداخلية، وتحتوي هذه العلبة الدقيقة على ثلاثة أجزاء رغم أنها يبلغ طولها 15 مليمترا وعرضها 13 مليمترا وارتفاعها 4 مليمترا.. هذه المساحة الضيقة تشمل:

1-

ثلاث عظيمات: هي المطرقة والسندان والركاب.

2-

الجزء الخاص بالتذوق من العصب السابع (الوجهي) .

3-

عضلتين قابضتين باسطتين لحماية الأذن من الأصوات المرتفعة.

- وأما قناة استاكيوس فهي قناة تصل بين تجويف الأذن المتوسطة والبلعوم الأنفي وطولها 36 مليمترا، وفائدتها الرئيسية حفظ التوازن الضغطي داخل الأذن المتوسطة، والضغط الجوي، وكذلك التهوية، وهنا فائدة عظيمة تطبيقية تجدر الإشارة إليها.. وهي أنه عند ركب الطائرة وعند الهبوط بالذات يستحسن أن نحرك الفك لأسفل وأعلى مرات ومرات حتى لا تصاب طبلة الأذن نتيجة التغير في الضغط.

(3)

الأذن الداخلية:

وتتكون من هيكل عظمي خارجي بداخله جهاز غشائي، وهذا للأهمية القصوى لوظيفتها حيث السمع والتوازن في هذه المنقطة؛ لذا اختار الله لها أقوى عظام الجسم صلابة ووضعه فيها.

فالهيكل العظمي ثلاثة أقسام:

(أ) قسم أمامي: ويسمى بالقوقعة، وبها جسم (كورتي) ، وهو الجزء الخاص بالسمع.

(ب) قسم خلفي: وهو عبارة عن ثلاث قنوات هلالية الشكل، وهو الجزء الخاص بالتوزان.

(ج) قسم متوسط: ويصل بين القسم الأمامي والخلفي، ويسمى بالدهليز.

أضف إلى ذلك القناة السمعية الداخلية، وهي التي تبلغ من الطول سنتمترا واحدا، وتحمل بداخلها العصب (السمعي التوازني) الثامن، والعصب والوجهي (السابع) ، ولاشريان الأذني الداخلي، وهي الممر الوحيد بين الأذن والمخ.

ص: 496

سبحان ربي أحسن الخالقين: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (الحشر: من الآية24) .

- كيف يسمع الإنسان؟

قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل:78) .

إن رحلة الصوت، التي تسير موجاته في الهواء، إلى صيوان الأذن - للقوقعة التي بها جسم (كورتي) الخاص بالسمع، ثم إلى المخ - رحلة طويلة علميا، حيث كُتب فيها أكثر من مرجع برغم أنها تستغرق جزاء من الثانية.

فهيا معي للرحلة المعقدة لنرى الآية الكامنة على جانبي الرأس:

تستقبل القناة السمعية الخارجية الصوت مهذبا مجموعا بواسطة صيوان الأذن، حيث تسقط هذه الموجات الصوتية على غشاء الطبلة الرقيق الذي يهتز لها اهتزازا دقيقا يتناسب مع قومتها.

وبتحرك الطبلة فإن المطرقة والسندان يتحركان معا حركة شبه دائرية على مفصل بينهما.. وكذلك كي تنتقل الحركة تبعا إلى عظمة الركاب التي تتحرك للداخل والخارج على شباك بيضاوي هو الصلة بين الأذن الوسطى والداخلية مع مثيل له دائري.

هذه الحركة الميكانيكية للغشاء والعظيمات تُحرك الغشاء الذي يسد الطريق بين الأذنين، فيتحرك السائل اللمفاوي الداخلي ليلامس أطراف الخلايا السمعية الموجودة في القوقعة المكونة لجسم (كورتي) ، هنا تتحول الطاعة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية، حيث تصل الذبذبة للعصب السمعي التي تتجمع نهايات الخلايا السمعية لتكونه، ليسير في القناة السمعية إلى المخ، ثم تصل الإشارة إلى مراكز السمع في المخ، وهي مرقمة عدديا.

هناك مراكز أشبه بالكومبيوتر تماما يحول الذبذبة الواصلة إلى مراكز الفهم حيث يحدث ما يلي:

وصول الذبذبة وسمع، لفهم ومتابعة، تصل وترتكز لمراكز الفهم.

ص: 497

وصول الذبذبة وسمع، ورد بالكتابة، تصل الإشارة لمركز الكلام (وهذا المركز يوجد على الناحية اليسرى (الفص الأيسر) للمخ للذي يكتب باليمين، ويوجد على الناحية اليمنى (الفص الأيمن) للمخ للذي يكتب باليسار، تصل الإشارة للأعصاب المغذية للسان والحنجرة والفك؛ ليكون الرد كلاما إلى سمع، ورؤية تصل الإشارة لعصب العين وعضلاتها لترى ما سمعت.

وفي حقيقة الأمر تدور الأبحاث حول هذا المركز الذي يقوم بعمل الكمبيوتر في المخ.

وكما علمنا كيف نسمع، فإنه يدر بنا أن نقيس سلامة هذا الجهاز؛ فإن سلامة وصلاحية كل جهاز تقاس بمدى مقدرته على القيام بوظيفته إلى جانب مقدرته على التفاعل الملطوب بأقصى طاقة ممكنة، لذا فإنه يجب علينا كلما سمعنا السمع أن نذكر كلمة (الصمم) .

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} (يونس: من الآية42) .

وعليه فإنه قبل أن نتكلم عن الناحية الروحية، علينا أن نلقي الضوء على نقيض السمع وهو (الصمم) .

- الصمم:

تعريفه طبيا: هو عدم المقدرة على السمع بالوضوح التام لشخص يتكلم في معدل ومكان محدد بصوت قوته 500 إلى 2000 سيكل/ الثانية.

والإنسان الطبيعي يميز ويسمع الصوت العادي على بعد 12 مترا، ويسمع الكلام الهامس من على بعد 6 أمتار.

والصمم ثلاث أنواع: صمم انسدادي، صمم عصبي، صمم مختلط.

أسباب الصمم الانسدادي:

1-

تجمع الصملاخ وتجميده بالقناة السمعية الخارجية.

2-

وجود جسم غريب بالأذن - كحبة فول أو جسم معدني.

3-

وجود فطر (عش الغراب) داخل الأذن.

4-

التهابات الأذن الوسطى الحادة والمزمنة.

5-

تليس عظمة الركاب.

6-

انخلاع عظيمات الأذن الوسطى.

أسباب الصمم العصبي:

1-

أسباب وراثية (كزواج الأقارب) .

2-

إصابة الأم الحامل بالحصبة الألمانية.

3-

إصابة الجنين أثناء الولادة.

ص: 498

4-

مرض الطفل أثناء حضانته بالحميات مثل: التهاب الغدة النكفية، الأنفلونزا المتكررة، الحصبة، الالتهاب السحائي، مرض السل.

5-

تعاطي بعض المرضى لبعض الأدوية لمدد طويلة، وبكميات كثيرة، مثل: الاستربتوميسين، النيوميسين، الكينين، السالسلات.

6-

الإصابة بأمراض الكبد والكلى.

7-

انسداد الشريان الأذني الداخلي بجلطة أو نزيف.

8-

مرض مانييز Meniere.

9-

الأورام الخبيثة بالمخ والعصب السمعي.

أما العلاج من الصمم الانسدادي فقد أصبح سهلا وميسرا، حيث تشخص الحالة ويجرى لها ما يناسبها من علاج طبي أو جراحي.

أما عن الصمم العصبي فإن الوقاية من مسبباته أسهل وأيسر من علاجه، حيث إن أغلبها لا يجدي، وعلى المريض أن يستعين بسماعة طبية.

رحلة روحية مع السمع:

من صفات الله سبحانه وتعالى صفة (السمع) ، ومن أسمائه الحسنى (السميع) .

وهو تعالى له سمع يسمع به حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته.

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: من الآية11) .

ومعنى السميع أي الذي لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي فيسمع سبحانه (دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء) .

وقد أحاط سمعه بجميع المسموعات سرها وعلنها، وقريبا وبعيدها، فلا تختلط عليه الأصوات على اختلاف اللغات وعلى تفنن الحاجات، وكأنها لديه صوت واحد، وسمعه تعالى نوعان:

- سمع جميع الأصوات.

- سمع إجابة منه للسائلين والداعين والعابدين، ومنه قوله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (إبراهيم: من الآية39) .

وقال ابن القيم:

وهو السميع يرى ويسمع ما

في الكون من سر ومن إعلان

ولكل صوت منه سمع حاضر

فالسر والإعلان مستويان

والسمع منه واسع الأصوات

لا تخفى عليه بعيدها والداني

ص: 499

والوليد يفد للدنيا لا يعلم شيئاً، ولكنه مستعد للتعلم بما وهبه الله من حواس يستطيع أن ينمي بها مداركه، فالسمع من الحواس التي تعتبر مصدرا أوليا للطفل على النمو والتعلم، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل:78) .

هكذا ينمو الوليد ليصير شابا يافعا يستقي العلم سمعا ورؤية، وهنا يعلب الدور الرئيسي في إيمان الرجال وإسلامهم.

ففريق يسمع، ويعقل ما يسمع، ويستفيد مما سمع فيسلك الطريق القويم، طريق الحق والهدى والإيمان، كما أشار تعالى بقوله:

{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} (آل عمران: من الآية193) .

وقوله: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: من الآية285) .

وقوله: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} (الجن: من الآية13) .

فالفائز في هذه الدنيا الذي يسمع الحق - فيؤمن به، ويطيع؛ فيكون السمع نعمة عليه.

- وهناك من يسمع ولكنه يصم أذنيه عن داعي الحق، ويحيد عنه بعصيانه، كما أشار تعالى بقوله:{قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (البقرة: من الآية93) .

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} (يونس:42)

فريق يسمع ولكنه يُصر على عدم الإجابة، بل على تحريف كلام الله.. كما أشار تعالى بقوله:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: من الآية14) .

ص: 500