المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 109 فهرس المحتويات 1- كلمة العدد: تحرير المجلة 2- جهود الملك عبد - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٤٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌العدد 109 فهرس المحتويات 1- كلمة العدد: تحرير المجلة 2- جهود الملك عبد

‌العدد 109

فهرس المحتويات

1-

كلمة العدد: تحرير المجلة

2-

جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة

تابع (1)

معالي الدكتور صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود

3-

الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد

تابع (1)

تابع (2)

د/ خالد محمد الصاعدي

4-

الإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز

تابع (1)

تابع (2)

د / عبد العزيز بن صالح الغامدي

5-

جهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية

تابع (1)

تابع (2)

صالح بن عبد الله البركات الغامدي

6-

التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية: د/ محمد بن يوسف أحمد عفيفي

7-

اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي

د/ أحمد بن سعيد علي الغامدي

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 253

كلمة العدد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد؛ فما تزال البلاد تحتفي بمرور مائة عام على قيام الدّولة السّعوديّة الحديثة؛ على يد بطل التّوحيد والبناء: الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الّذي سطّر بأحرف من نور على صفحات التّاريخ ملحمة رائعة؛ تعدّ - بحقّ - من أعظم الإنجازات في التاريخ.

لقد ظهر الملك عبد العزيز والجزيرة تئنّ وترزح تحت كثير من الويلات! فمظاهر الشّرك على رؤوس الأشهاد! والتّخلّف والجهل والفوضى أمور عمّت البلاد، والخوف والجوع هما حديث الحاضر والباد!.

فاستطاع - بتوفيق الله ثمّ بما حباه من حكمة وفطنة - مغالبة هذه الظروف، والوقوف أمامها والتّصدّي لها، والقضاء عليها، بإيمان قويّ، وصلابة رأي، وسداد فكر؛ فأقام هذا الكيان العظيم (المملكة العربيّة السّعوديّة) وحقّق الوحدة، وجمع الأمّة على كلمة سواء، وأرسى قواعد السّياسة الحكيمة لهذه البلاد؛ واضعاً نصب عينيه قول الله عز وجل:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .

في ظلّ هذه المناسبة يصدر هذا العدد الخاصّ (الثّاني) من مجلّة الجامعة الإسلاميّة؛ مشتملاً على أبحاث تناولت جوانب مشرقة من حياة هذا القائد العبقريّ الفذّ؛ فمن موضّح جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، ومن دارس للجانب الدّينيّ في حياته، وجهوده في نشر العلم والتعليم، وإقامته لنظام الحسبة، ومن مشيد بالإصلاحات العظيمة؛ الّتي عمّت أرجاء البلاد؛ فنعم في ظلّها القاصي والدّاني، والعاكف فيها والباد.

ص: 254

وما من باحث تناول سيرة الملك عبد العزيز؛ إلاّ ووجد ما يضيفه إلى من سبقه، فسيرته وأعماله مادّة خصبة للدّارسين، وشجرة وارفة الظلال للمستظلّين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ على هذه البلاد إيمانها وأمنها، ويوفّق قادتها لما يحبّه ويرضاه، وينصرهم بالدّين، وينصر الدّين بهم، ويجمع كلمة المسلمين على الحقّ؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(التحرير)

ص: 255

جهود الملك عبد العزيز

في نشر التعليم العام

بالمدينة النبوية

(دراسة تاريخية)

إعداد

صالح بن عبد الله البركات الغامدي

الأستاذ المساعد في كلية الدعوة وأصول الدين

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فتعدُّ المدينة النبوية مركزاً هاماً في تاريخ التربية والتعليم في العالم الإسلامي، كيف لا؟ وهي المدرسة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فأصبحت مركزاً للعلم تخرج فيه العلماء والفقهاء والقادة، حيث انتشروا رسلاً للعلم في بقاع المعمورة كافة فنوّروها بنشر رسالة التوحيد.

ولم يمض عصر إلا وقد كانت هذه البقعة معمورة بأهل العلم والتقوى.

وتعتبر الفترة منذ دخول المدينة النبوية العهد السعودي الزاهر سنة 1343هـ وحتى وفاة الملك عبد العزيز يرحمه الله سنة 1373هـ فترة مهمة للتطور الهائل الذي تحقق للتربية والتعليم في المدينة، بتوفر الإمكانات والوسائل نتيجة للاهتمام الكبير الذي تُوليه الدولة للعلم وطلابه، فهي مرحلة تستحق الدراسة لنتمكن من تتبع ذلك التطور التعليمي والمتغيرات التي لحقت به.

الهدف من البحث

ص: 256

لقد قام التعليم العام ـ النظامي أو الحكومي ـ خلال هذه الفترة بدور بارز في تطور حركة التعليم لأنه يمثل أسس النهضة التعليمية الحديثة في بلادنا. ولذا جاء هذا البحث محاولة متواضعة للتعريف باهتمام الملك المؤسس ـ يرحمه الله ـ بالعلم والتعليم، وإيضاح جهوده الخيرة في نشره من خلال الحديث عن وضع أصول التعليم الحكومي في المملكة الحجازية عامة وفي المدينة النبوية خاصة، وما لحق ذلك من وضع القواعد الأساسية لحركة التعليم في المملكة بعد توحيدها وذلك للاستفادة في إلقاء الضوء على بعض مظاهر النهضة التعليمية العامة في المدينة. والهدف من هذا البحث هو إبراز حالة التعليم العام الذي شهدته المدينة في تلك الفترة وذلك من خلال التتبع التاريخي لنشأة التعليم في المدينة حتى عام 1373هـ. مع مراعاة التسلسل الزمني للأحداث دون التركيز على الجانب التربوي، لأن ذلك خارج عن موضوع البحث.

حدود الدراسة

وحيث لا يتسع المجال لتشخيص كل ما يتعلق بالتعليم في المدينة في هذا العهد المبارك، فقد وضعت للبحث حدوداً زمانية وحدوداً مكانية؛ فاقتصر على الفترة المحددة من سنة 1343هـ إلى مطلع سنة 1373هـ. كما اقتصر على المدينة النبوية: مدينة، وليس محافظة أو منطقة تعليمية أو إدارية.

واقتصر على التعليم العام دون التعليم الخاص أو دور المسجد النبوي في الحركة الثقافية للمجتمع المدني، لأن كلاً منهما يستحق دراسة مستقلة.

وقد عُنيت بتراجم الأعلام الواردة في البحث، لاعتقادي أن ذكر علوم الرجال ومعالم حياتهم مدارس للأجيال، واستشعاراً للواجب تجاه هؤلاء العلماء بحفظ تاريخهم بالترجمة لهم خدمة لدينهم وإحياء لذكرهم.

وقد جعلته في مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة:

المبحث الأول: اهتمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالتعليم وحرصه على نشره.

المبحث الثاني: لمحة تاريخية عن نشأة مديرية المعارف في الحجاز وتطورها، وظهور نظام التعليم العام.

ص: 257

أولاً: نشأة مجلس المعارف وتطوره.

ثانياً: الهيئة الإدارية واختصاصها.

ثالثاً: هيئة التفتيش واختصاصها.

رابعاً: مكتب المعارف.

خامساً: نبذة عن نظام التعليم وتطوره في الحجاز في عهد الملك عبد العزيز.

المبحث الثالث: إنجازات مديرية المعارف في المدينة.

أولاً: معتمدية مديرية المعارف في المدينة.

ثانياً: مدارس المرحلة الابتدائية التابعة لمديرية المعارف:

أ/ المرحلة الأولى: التحضيرية: ومدارسها:

1) المدرسة التحضيرية الأولى

2) المدرسة التحضيرية الثانية

3) مدرسة قباء التحضيرية

4) مدرسة الجرف التحضيرية

5) مدرسة العوالي التحضيرية.

ب/ المرحلة الثانية: الابتدائية: ومدارسها:

1ـ المدرسة الناصرية.

2ـ المدرسة المنصورية.

3ـ مدرسة النجاح النموذجية.

4ـ مدرسة أبيّ بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم.

5ـ المدرسة السعودية الابتدائية بقباء.

6ـ المدرسة السعودية الابتدائية بالقبلتين.

7ـ المدرسة السعودية الابتدائية بذي الحليفة.

8ـ مدرسة الحسين بن علي.

9ـ مدرسة حمزة بن عبد المطلب.

10ـ مدرسة صقر الجزيرة.

11ـ المدرسة الفيصلية.

12ـ المدرسة المحمدية.

جـ/ المرحلة المتوسطة والثانوية:

1ـ مدرسة طيبة الثانوية.

2ـ المعهد العلمي السعودي بالمدينة المنورة.

الخاتمة.

ومن المعلوم أن يكون لكل بحث ظروف معينة، ويقابل الباحث عقبات ومشكلات معينة أيضاً، فالمشكلة الرئيسية التي واجهتني في هذا البحث هي عدم وجود مادة تاريخية لأكثر المدارس الأولى التي أسست في عهد مديرية المعارف في المدينة. وعدم وضوح التقسيم النوعي والكمي للمدارس التحضيرية والابتدائية والقروية بدرجة كافية، فضلاً عن أن جميع المصادر والمراجع لم تهتم بذلك التقسيم، وإنما قدمت إحصائيات لأعداد المدارس ونموها. وسيجد القارىء فجوات خلال البحث لم أستطع ملأها لندرة المادة العلمية التي تفي بالغرض، وأحسب أنني بذلت جهدي وقدمت عرضاً شاملاً لتاريخ التعليم العام في المدينة خلال فترة البحث.

ص: 258

ولا يسعني هنا إلا أن أقدم شكري إلى كل من تعاون معي في إخراج هذا البحث، وأخص بالذكر منهم: فضيلة عميد شئون المكتبات بالجامعة الإسلامية، وفضيلة مدير الإدارة بالعمادة، ومدراء المدارس الذين أفادوني في جمع شيء من مادة البحث. كما أشكر كل من ورد اسمه في هذا البحث وقدم لي فائدة علمية خطية أو شفهية.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ومنّ علينا بالتوفيق والسداد. والحمد لله رب العالمين.

المؤلف:

في 20/ 12/ 1418هـ.

المبحث الأول

اهتمام الملك عبد العزيز رحمه الله بالتعليم، وحرصه على نشره

كان الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على نهج سلفه في تبني العقيدة السلفية والذود عنها وحمايتها وتأييدها بالمال والرجال والنفس (1) .

(وكم كان ـ يرحمه الله ـ وهو في مقام القوة يشرح للرعية أنه على منهج السلف الصالح في العقيدة، وأنه يعتقد أن أصل الدين كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فهم السلف الصالح، ثم الأئمة الأربعة من بعدهم المقتدى بهم عند جميع المسلمين من أهل السنة حيث لا خلاف بينهم في أصل الدين من توحيد الله تعالى في ربوبيته وفي ألوهيته وأسمائه وصفاته، وما بينهم من اختلاف فهو في الفروع، وما ذاك إلا من حرصهم على التمسك بالكتاب والسنة واستخراج معانيها كل منهم على قدر ما آتاه الله من الفهم والعلم والفقه في الدين، وكلهم إن شاء الله على حق ومن حذا حذوهم وسلك طريقهم) .

(1) المغراوي: العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية (رسالة دكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية، 1406هـ) ص:895

ص: 259

وكان يدافع عنها في خطبه الارتجالية التي كان يلقيها، ومن ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قوله في حفلة مع العلماء (أشاع الترك الشيء الكثير عن عقائدنا، وشنّعوا عليها من قبل، وكذلك فعل من جاء بعدهم. وبلغني أنهم قالوا في جملة ما كذبوه عنا أننا لا نصلي على محمد صلى الله عليه وسلم وأننا نعد الصلاة عليه شركاً بالله، نعوذ بالله من ذلك! أو ليست الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة، وأنها لا تتم بغيرها؟ ..)

وقال في خطبة له بمكة (يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص. وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعاية الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. ونحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح)

بل كان داعية ومعلماً لهذه العقيدة فقال في خطبة له: (أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين. أما ما كان غير موجود فيها فأرجع فيها بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين)

ص: 260

وقد وصفه ابنه البار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بقوله: (إنه مربٍ كبير، ودائماً عندما نكون في حضرة الملك عبد العزيز يكون التركيز الأساسي هو كيف يوضح لنا مفهوم العقيدة الإسلامية.. فإن توجيهاته أو حديثه معنا كأبناء له ينصب على إيضاح مفهوم العقيدة الإسلامية إذا تمسك بها الإنسان أو تركها. وكان موجهاً عظيماً رحمه الله وحريصاً أن تؤدى الواجبات التي فرضها رب العزة والجلال علينا، لذلك أدى واجبه رحمة الله عليه من هذه الناحية وأوضح لنا الطرق والأساليب التي على أساسها يستطيع الإنسان أن يكيف نفسه ويكونها)(1) .

(1) من حديث لخادم الحرمين حفظه الله في اللقاء الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض يوم الأربعاء غرة شعبان 1404هـ. أبو راس: الملك عبد العزيز والتعليم ص:9.

ص: 261

وقال - يحفظه الله - في كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز موضحاً اهتمام الملك عبد العزيز بالتعليم: (إن تاريخ الملك عبد العزيز رحمه الله لم يكن تاريخ توحيد وتأسيس كيان كبير فحسب، بل كان تاريخ عطاء وبناء وتنمية على أسس علمية ومنهجية فنية تؤمن بالعلم، كما تؤمن بالإيمان، وتنطلق من الاهتمام بالإنسان والعناية به باعتباره العمود الفقري للتنمية والعطاء، فرغم ضآلة الدخل وضعف الاقتصاد العالمي وآثاره وانعكاساته على المملكة في ذلك الوقت، إلا أن التعليم كان في أول اهتمامات الملك عبد العزيز حيث جعله غاية واحدة تجسدت في الالتزام بتعاليم الشريعة سلوكاً ومنهاجاً، كما تجسدت في الاهتمام بالإنسان خُلُقياً ودنيوياً ابتغاء دفعه بطريقة واعية وحكيمة إلى تصور آثار التعليم وإيجابياته، ومن ثَمّ الإقبال الذاتي عليه. ومنذ ما يقرب من الستين سنة حضر رحمه الله تخرج دفعة من طلبة أحد المعاهد العلمية فخاطبهم بوجدان الأب وحنانه قائلاً: إنهم أول ثمرة من الغرس الذي غرسه وأن عليهم أن يعرفوا قدر ما تلقوه من العلم، وأن يعلموا أن العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وأنّ العلم كما يكون عوناً لصاحبه يكون عليه، وأن من عمل به يكون عوناً له ومن لم يعمل به يكن عوناً عليه، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وقليل من العلم يبارك فيه خير من كثير لا يبارك فيه، والبركة في العمل

ثم قال رحمه الله مخاطباً تلك الغرسة الصاعدة:

لقد بعث صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من العرب ونزل عليه أمين السماء في بلاد العرب بقرآن عربي غير ذي عوج، فليعرف قدر ذلك، وليحتفظ بديننا ولغتنا وبلادنا ونحبها حباً جماً..

لقد كانت هذه الكلمات وتلك الغرسات انطلاقة كبيرة، ومنهاجاً علمياً، وركيزة أساسية لمئات الألوف من أبنائنا وبناتنا الذين يتسابقون اليوم إلى عشرات الجامعات والكليات وآلاف المدارس والمعاهد الفنية في هذه البلاد.

ص: 262

ولما كانت العقيدة الصحيحة هي العلم الذي يُبتغى ويُبذل في طلبه كل نفيس ـ إضافة إلى علوم الشريعة الأخرى والعلوم المساعدة على مواكبة العصر ـ اهتم يرحمه الله بالعلم والتعليم، وأولاه عناية خاصة في وقت مبكر منذ أن استقر له الأمر في الرياض بعد فتحها. وكان يعتبره من الأولويات التي لا تقبل التأخير، حيث كان ذواقاً للعلم، طالباً للمعرفة، محباً لهما، مقدراً أهميتهما رغم مشاغله الكثيرة.

ولذا فقد اختار الشيخَ عبد الله بن حسن آل الشيخ مقرئاً في مجلسه ومفتياً وواعظاً وإماماً في الصلاة، لأنه أراد لمجلسه أن يكون مجلس علم ومعرفة، ثم اختاره رئيساً للجنة المشرفة على التدريس وتنظيمه في المسجد الحرام سنة 1347هـ حين استتب له الأمر في الحجاز.

كان – يرحمه الله – يحب العلماء ويحترمهم ويجلسهم على مائدته الخاصة تكريماً لهم وتعظيماً. (وكان يقدمهم على إخوانه وأبنائه وكبار جلسائه، ويصغي إلى آرائهم ويبالغ في إكرامهم، ولكبارهم هيبة في نفسه لا يصطنعها ولا يستعملها وهم يبادلونه هذه العاطفة النبيلة) . وكان يعلي من شأنهم، فقد سمح للمفتشين بمديرية المعارف بركوب السيارات، وكان هذا الأمر شيئاً عظيماً، لأن السيارات في تلك الأيام لم يكن يتحصل عليها إلا الأمراء.

ولم ينس - يرحمه الله - فضل أساتذته عليه، فقد علم أثناء زيارته للكويت عام 1354هـ (أن معلماً له كان يقرأ عليه القرآن في أيام طفولته موجود بها فاستدعاه، ولاطفه ومنحه ثلاثة آلاف روبية) .

وقد حظي علماء المدينة منه بكريم عنايتة ورعايته وفائق احترامه وتقديره، لما شرفوا به من علم واسع ونصح وورع وزهد وعفّة، وما اتصفوا به من تتبع المناقب والابتعاد عن المثالب، وما عرفوا به من حبهم لهذه البلاد وقادتها، وحبهم في بنائها والدفاع عنها. وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

ص: 263

1 ـ فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الجكني الذي نال تقدير وإعجاب أهل العلم والفضل في هذه البلاد وعلى رأسهم جلالة الملك عبد العزيز الذي أمر أن تمنح الجنسية السعودية لجميع من ينتمي إلى الشيخ إكراماً له وثقة به.

2ـ فضيلة الشيخ أبو بكر بن عمر الداغستاني قاضي بلدة ينبع البحر في عهد الملك عبد العزيز، وصاحب الثقة والمكانة المرموقة عند الحكومة وعند أهل المدينة على السواء، حتى إن أمير المدينة في ذلك العهد كان يرشحه للأعمال المهمة والنافعة للوطن

وكان يوفد من قبل أهل المدينة لمقابلة جلالة الملك عبد العزيز في الرياض وفي مكة.

3ـ فضيلة الشيخ عمار بن عبد الله بن طاهر الجزائري، الذي وصف احتفاء الملك عبد العزيز به وبتلاميذه عندما وصلوا إلى الحجاز، فقال:(وقد وجدت أنا ومن هاجر معي من التلاميذ من جلالة الملك المعظم إمام المسلمين الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، وأسكنه فراديس الجنان مع الصالحين الأبرار؛ وجدنا منه كل مساعدة وإكرام إلى أن وصلنا إلى المدينة المنورة في الخامس من ربيع الأول سنة 1354هـ) .

وبلغ حرصه على التعليم أنه كان يقوم بزيارات مفاجئة يتفقد فيها سير العمل بالمدارس، وفي إحدى زياراته لمدرسة الأمراء في الرياض اجتمع حوله التلاميذ، ولاحظ في ثوب أحدهم بقعة كبيرة من الحبر يحاول إخفاءها، فقال له: لا تخفها هذا عطر المتعلمين.

ص: 264

ومما يدل على مقدار اهتمامه بالتعليم ورغبته الجادة الصادقة في نشر العلم (أنه في الأيام الأولى من دخوله مكة تم عقد أول اجتماع تعليمي حينما دعا في جمادى الأولى من عام 1343هـ 1924م العلماء في مكة إلى اجتماع عام حثهم فيه على نشر العلم والتعليم وعلى تنظيم التوسع فيه) . ووجه – يرحمه الله - جهوده إلى بث الروح الدينية في النفوس وتثبيت العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص في قلوب النشء، وانشأ المدارس والمعاهد بمختلف مراحلها في المدن ومعظم القرى، واستقدم لها بعض الأساتذة الأكفاء من مصر، وأمر بتوفير الكتب الدينية وطباعتها على حسابه الخاص، وتوزيعها على طلاب العلم في جميع المناطق، ورتب المخصصات للعلماء والمدرسين والوعاظ والمرشدين، ومنح المكافآت لطلاب العلم تشجيعاً لهم على المثابرة على طلب العلم، وصار يبعث البعوث إلى الخارج وينفق عليهم بسخاء، وعمل على تعضيد بعض أهل العلم على تأسيس وإنهاض المدارس الأهلية بمختلف الوسائل، فانتشر العلم برعايته في طول البلاد وعرضها، وأخذت تتبوأ مركزها بين الأمم، وأدرك الناس ثمرة العلم فأصبح الشباب يتهافت على طلبه، ويبذل المساعي للالتحاق بالبعثات الخارجية بجد واجتهاد، بعد أن كان يساق إليه سوقاً.

وفي سنة 1344هـ زار بنفسه مدرسة الفلاح والمدرسة الفخرية بمكة، وتبرع لكل منهما بمعونة مالية، فكانت تلك التفاتة كريمة منه - يرحمه الله -شجعت المحسنين المتنورين في افتتاح مدارس أهلية أخرى في غير مكة من مدن المملكة مساهمة في نشر التعليم.

ص: 265

لقد أدرك ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بحقيقة الاختلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة، وعدم علمهم (أنه ليس أحد منهم يتعمد مخالفة رسول صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لأحد قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه، فهو إما أنه لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، أو أنه لا يعتقد إرادة تلك المسألة بذلك القول، أو أنه يعتقد أن ذلك الحكم منسوخ.

أما إذا ترك أحد منهم الحديث، فلا بدّمن وجود سبب في تركه، فهو إما أن الحديث لم يبلغه، أو أنه قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو أنه اعتقد ضعفه باجتهاد قد خالفه فيه غيره، أو أنه التزم شروطاً خاصة في الأخذ به يخالفه فيها غيره، أو أنه قد بلغه ولكن نسيه، أو عدم المعرفة بدلالته

) (1) .

ورأى ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بنزاهة مقصد هؤلاء الأئمة، وبخدمتهم لهذا الدين خدمة عظيمة؛ فقد بذلوا جهدهم وكل ما في وسعهم في استنباط الأحكام الشرعية، ولا هدف لهم إلا إصابة الحق وإرضاء الله جل شأنه، ونهوا الناس عن التقليد، ودعوهم إلى الأخذ بالدليل، وبما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤوا عن رأيهم إذا خالفه.

(1) ينظر ابن تيمية: رفع الملام (ص:3ـ27) بتصرف.

ص: 266

ورأى ما ترتب على هذا الجهل من تعصب وتقليد أعمى لمذهب بعينه في ما ارتآه صاحب المذهب وإن ضعف دليله، ومناوأة ما يعارضه وإن قوي دليله. فتركوا التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذهبت قدسية الحق وحُجب نوره، وتطور الأمر إلى الصراع بين أتباع المذاهب وأدى هذا إلى النيل من الأئمة مع أنهم معذورون، وتفرقت الأمة شيعاً، وانتهى بها إلى تعصب مقيت لم يعرفه سلفنا الصالح ولا الأئمة المجتهدون أنفسهم. ولذلك أمر ـ يرحمه الله ـ رجال التعليم في هذه البلاد أن يهتموا بتدريس الفقه المقارن دراسة تغوص وراء أدلة الفقهاء حتى يتبين الرأي الراجح بالدليل ليمكن الأخذ به، وقطع الجدل من حوله. مع التركيز على فقه الإمام أحمد، (لأنه يُعنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الأئمة) .

وقد ظهر هذا التوجه الصحيح للملك عبد العزيز - يرحمه الله - من خلال رده على طلب عبد الظاهر أبو السمح تأسيس مدرسة دار الحديث المكية سنة 1352هـ حيث جاء فيه قوله (

فإذا كان المدرسة التي تريدون فتحها أنه يُعَلَّم فيها الحديث والفقه وبالأخص فقه الإمام أحمد وعدم الإعابة على أحد من الأئمة فهذا نحن ممنونين فيه ونوافق عليه، فإن كان تخشى أن يصير اعتراض أو كلام يشوش الأمة كلها فهذا لا فائدة فيه، فأنت يجب عليك أن تتراجع مع الشيخ عبد الله بن حسن في ذلك وتنظرون في الأصلح وتقررون قراراً اعتمد عليه، فبهذا تفتح المدرسة ونحن نساعد في كل شيء، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والسداد في الأقوال والأفعال، هذا ما يلزم بيانه، والله يحفظكم، والسلام. في 1 صفر1352هـ) .

ص: 267

لقد حظيت المدينة النبوية باهتمام المؤسس الموحد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - منذ استلامها من الأشراف (يوم السبت التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1344هـ) ، وقد نبع هذا الاهتمام من المكانة الدينية والعلمية الرفيعة التي تحظى بها المدينة عند المسلمين على مرّ العصور والأزمان، فهي دار الهجرة وعاصمة الإسلام الأولى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد خلفائه الراشدين، وهي الجامعة الأولى التي تعلم بها الصحابة رضي الله عنهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما كانت العقيدة الصحيحة أصل العلم والتعليم في هذه البلاد، فقد عمل – يرحمه الله - مع أهل المدينة على إزالة البدع والخرافات التي كانت بها، حيث أصدر علماؤها ومنهم مفتو المذاهب الأربعة ـ أثناء زيارته الأولى لها سنة 1345هـ ـ فتوى لهدم القباب المقامة على الأضرحة، وهدم القبور العالية، وأصدروا فتوى حول آداب زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم تلغي البدع التي سادت من قبل، وتقرر آداب الزيارة وفق منهج السنة النبوية، وقد وقع في الفتاوى كل من الشيخ إبراهيم البري عن الحنفية، والشيخ زكي برزنجي عن الشافعية، والشيخ حميدة بن الطيب عن الحنبلية، والشيخ محمد صادق العقبي عن المالكية.

إن لهذا العمل سمة تربوية وتعليمية تحكي مقدار اهتمام الملك عبد العزيز – يرحمه الله – بأسس التربية والتعليم، ويبرز حقيقة مهمة وهي أن المنطلق الحقيقي لكل إصلاح وتقدم في هذه البلاد يعتمد أساساً على نشر العلم الشرعي على أسس إسلامية متينة، والقضاء على الجهل والأمية قضاء مبرماً، ومن هذا المنطلق جاءت السياسة التعليمية محققة للآمال والطموحات التي أرادها - يرحمه الله - لشعبه.

ص: 268

لقد أكد - يرحمه الله - حرصه الشديد على أن تكون مناهج التعليم في هذه البلاد منبثقة من الإسلام الذي تدين به هذه الأمة عقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة وحكماً ونظاماً متكاملاً للحياة، كما هو واضح في وثيقة تأسيس الإدارة العامة للمعارف في المملكة الحجازية والتي جاء فيها:(فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين الحنيف في كافة المملكة الحجازية) ولكنه في الوقت نفسه لم يهمل العلوم التجريبية والتطبيقية مثل الهندسة والجبر والكيمياء والفيزياء وغيرها، بل أكد عليها بصراحة ووضوح، وراعى التوازن بينها وبين العلوم النقلية الشرعية.

وكان أول منهج دراسي طبق في عهد الملك عبد العزيز سنة 1345هـ وأهم ما تميز به هذا المنهج الآتي:

1ـ العناية بالعلوم الدينية حتى يتخرج الطالب متمسكاً بتعاليم دينه الحنيف.

2ـ الحرص على أن يتعلم الطالب القدر الكافي من العلوم التي تمكنه من خدمة وطنه.

3ـ التأكيد على تنمية الروح العربية الإسلامية.

4ـ الحرص على العقيدة الإسلامية، والعناية بتنمية الاتجاهات الإيحابية وخاصة حب الوطن.

وارتبط هذا المنهج بالكتب الدراسية المقررة على الطلاب، فدرس طلاب المرحلة التحضيرية كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية بدلاً من السنوسية والجوهرة للباقلاني والرسالة لمحمد عبده، وكذا كتاب شروط الصلاة، ومختصر بلوغ المرام. ودرس طلاب السنة الثالثة الابتدائية كتاب كشف الشبهات بتمامه في عام 1349 وكان يعتمد على كتاب لمعة الاعتقاد في التوحيد وكتاب العمدة في الفقه في ظل منهاج عام 1355هـ. وهذا يدل على التعديل الكبير الذي أحدثه الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على المناهج المقررة في المدارس التي كانت موجودة في العهد الهاشمي وخاصة فيما يتعلق بدراسة التوحيد والعقيدة.

ص: 269

ثم سار على هذا المنهج القويم أبناؤه البررة من بعده وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - الذي كان أول وزير للمعارف سنة 1373هـ، وتجلى ذلك للعيان في وثيقة (سياسة التعليم في المملكة) الصادرة عام 1390هـ (والتي تضم 236 مادة تشمل الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في المملكة وغايته وأهدافه العامة، ومراحل التعليم والتخطيط لها، ووسائل التربية والتعليم والأجهزة القائمة على التعليم) .

فقد نصت المادة (232) على (أن التعليم بكافة أنواعه ومراحله وأجهزته ووسائله يعمل لتحقيق الأغراض الإسلامية، ويخضع لأحكام الإسلام ومقتضياته، ويسعى إلى إصلاح الفرد والنهوض بالمجتمع خلقياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً) .

كما تنص المادة (18) من سياسة التعليم على بيان غايته وهي: (فهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية، وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة، وتطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتهيئة الفرد ليكون عضواً نافعاً في بناء مجتمعه) .

المبحث الثاني

لمحة تاريخية عن نشأة مديرية المعارف في الحجاز وتطورها وظهور نظام التعليم العام

ص: 270

أدرك الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بثاقب بصيرته وصائب نظره أن عظمة الأمم لا تقاس بكثافة سكانها ولا باتساع رقعة أرضها أو بكثرة مواردها وثرواتها، ولكن تقاس بقدرها وما وصلت إليه من تقدم وعلم وتفوق تقني، وبقدر ما تقدم للبشرية من معطيات حضارية، وبالتالي فإن تقدم ونهضة هذه البلاد ومواكبتها للعصر مرهونة بتطور التربية والتعليم فيها. فأكرم أهلها بإصدار المرسوم الملكي الخاص بقيام مديرية المعارف العامة غرة شهر رمضان سنة 1344هـ وبالتحديد بعد عام واحد من دخوله مكة المكرمة وهو لم يزل ملك الحجاز وسلطان نجد فقط بحيث لم يستكمل توحيد معظم شبه الجزيرة تحت راية سلطانه.فكانت النواة الأولى لنظام التعليم الحديث في هذه البلاد فقد تقرر في صلاحيتها (الإشراف على جميع مدارس البلاد) وبدأ التدريس في مدارسها في غرة محرم سنة 1345هـ.

وكان إنشاء هذه المديرية قد سبق صدور التعليمات الأساسية التي صدرت في 21/2/1345هـ (1926م) وهي التعليمات التي وضعت نظام الحكم والإدارة. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الملك عبد العزيز - يرحمه الله - أراد أن يؤسس الدولة الحديثة على أساس علمي سليم، وتعليم وظيفي يتطلبه المجتمع السعودي الحديث. كما أن هذا يشير أيضاً إلى أن منهجه التربوي يقوم على أساس بناء القدرة المادية عن طريق القوة الفكرية المبنية على أساس علمي وتعليمي حديث.

ص: 271

وعندما صدرت هذه التعليمات قدمت في مادتها الثالثة والعشرين وثيقة تأسيس الإدارة العامة للمعارف في مملكة الحجاز وتنص على (نشر العلوم والمعارف والصنايع وافتتاح المكاتب والمدارس والمعاهد العلمية مع فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين في كافة المملكة الحجازية وترتبط بالنيابة العامة) . وهذا النص يظهر اهتمام الملك عبد العزيز بالعلوم النقلية الشرعية والعلوم التجريبية التطبيقية العقلية على حد سواء مع مراعاة التوازن بينها حتى لاتطغى ناحية على ناحية، وتحديد مسؤليات هذه الإدارة وربطها بجهة نائب الملك في الحجاز الذي كان في حينه الأمير فيصل بن عبد العزيز.

وعندما بدأ التدريس في مدارسها في غرة المحرم سنة 1345هـ لم يكن عدد مدارسها يزيد على اثنتي عشرة مدرسة أميرية وأهلية في العاصمة ـ مكة ـ وملحقاتها، ويبلغ عدد تلاميذها 700 طالب، وكانت موازنتها عند بدء تأسيسها عبارة عن 5665 جنيهاً أي 133300 ريال سعودي، ثم ارتفعت عام 1347هـ إلى 14791جنيهاً. وفي عام 1348هـ إلى 23140 (1) .

ووصلت ميزانيتها إلى أعلى رقم لها في آخر سنة لها 1373 في عهد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وهو عشرون مليون ريال سعودي، تقارب أربعة ملايين دولار ونصف المليون (2) .

ولما أعلن الملك عبد العزيز تأسيس المملكة العربية السعودية في 22/5/ 1351هـ ازداد توسع صلاحيات مديرية المعارف، (فلم تعد وظيفتها قاصرة على الإشراف على التعليم في الحجاز بل على جميع شؤون التعليم في المملكة جميعها، فيما عدا التعليم العسكري) . وهكذا أصبحت المديرية مسؤولة عن نشر التعليم والإشراف عليه وإدارته.

(1) فؤاد حمزة: البلاد العربية السعودية ص:227

(2)

الزركلي: شبه الجزيرة 1/ 646 بتصرف

ص: 272

واستمرت على ذلك حتى تحولت إلى وزارة بتاريخ 18 ربيع الثاني سنة 1373هـ حيث صدر مرسوم ملكي بتوقيع الملك سعود - يرحمه الله - يقضي بتأسيس وزارة المعارف في المملكة واختياره الأمير فهد بن عبد العزيز - خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله - وزيراً لها (لكي يتولى الشؤون المتعلقة بالمعارف والنهوض بالتعليم إلى المستوى اللائق بالبلاد) .

وقد تولى إدارة مديرية المعارف منذ تأسيسها عدد من أبناء هذه البلاد من ذوي الكفاءة والمعرفة، كان أولهم الشيخ صالح بن بكري شطا، إلا أنه لم يستمر فيها أكثر من سنة، ثم حل محله على التعاقب:

الشيخ محمد كامل القصاب من سنة 1345هـ حتى سنة 1346هـ

الشيخ محمد ماجد الكردي من سنة 1346هـ حتى سنة 1347هـ

ثم الشيخ حافظ وهبة من سنة 1347هـ حتى 1347هـ علاوة على وظيفته الأصلية كمستشار لجلالة الملك، وكان الشيخ محمد أمين فودة (1) معاوناً أول له ثم أصبح مديراً للمعارف من سنة 1347هـ حتى سنة 1352هـ حيث عُين رئيساً للقضاة.

ثم الشيخ إبراهيم الشورى من سنة 1352هـ حتى سنة 1354هـ

ثم الشيخ محمد طاهر بن مسعود الدباغ من سنة 1355هـ حتى سنة 1364هـ

ثم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع من سنة 1364هـ حتى سنة 1373هـ

أولاً: نشأة مجلس المعارف وتطوره

(1) محمد أمين فودة، ولد سنة 1307هـ اشتغل مدرساً بمدرسة الفلاح والمدرسة الرشيدية العثمانية بمكة، إذ كان يحسن اللغة التركية، تقلد في العهد السعودي وظائف إدارية وقضائية، توفي سنة 1365هـ. كتبي: الفودة رائد الحكمة ص:31، وعبد الجبار: سير وتراجم ص:278ـ 281

ص: 273

صدر الأمر الملكي الكريم رقم 7 في 27/1/1346هـ بالموافقة على نظام مجلس المعارف بتوصية من لجنة التفتيش والإصلاح التي شكلها الملك عبد العزيز - يرحمه الله - للنظر في أمور الجهاز الإداري والعمل على إصلاحها. واشتمل هذا النظام على تشكيل مجلس للمعارف مهمته الإشراف على شؤون التعليم ووضع الأنظمة الخاصة به، وأن يكون مؤلفاً من ثمانية أعضاء عدا الرئيس الذي هو مدير المعارف بحكم منصبه، يكون أربعة من كبار الموظفين بالإدارة، وأربعة من أهل العلم غير الموظفين، ويعين الجميع بأمر ملكي.

وتتلخص صلاحيات هذا المجلس في إقرار موازنة إدارة المعارف العمومية، والموافقة على تعيين المدرسين الذين يرشحهم المدير، والإشراف على المدارس وبرامج التعليم، ودراسة حالة الكتاتيب ووضع التقارير بخصوص إصلاحها، وانتخاب الكتب المدرسية للمدارس الحكومية.

وعين أول مجلس للمعارف برئاسة مدير المعارف الشيخ كامل القصاب في الثاني من شهر صفر سنة 1346هـ وعضوية كل من: الشيخ صالح شطا، والشيخ عبد الله حمدوه، والشيخ أمين فودة، والشيخ ناصر التركي، والدكتور عبد الغني، والشيخ محمد نور فطاني، والشيخ ماجد الكردي، والشيخ علي مالكي.

وقد كُلِّف هذا المجلس بالعمل على توحيد التعليم في الحجاز وجعل التعليم مجاناً وإجبارياً. ووضع نظام تعليمي يكون فيه التعليم من أربع مراحل هي: التحضيري، والابتدائي، والثانوي، والعالي.

وفي 19محرم عام 1347هـ انعقد مجلس المعارف للنظر في تطوير المدارس الابتدائية، وتلبية احتياجاتها من المعلمين والأدوات، وتخصيص معلميها في المواد التي يدرسونها، وتسهيل أمور البعثات العلمية، وإدخال اللغة الأجنبية، وتطوير المعهد العلمي.

ثانياً: الهيئة الإدارية واختصاصها

تشكلت هذه الهيئة من المفتش الأول والمفتش الثاني والمفتش الثالث، ورئيس مكتب المعارف، ومدير المعهد العلمي السعودي بمكة، ومدير مدرسة تحضير البعثات.

ص: 274

وتختص بوضع التقارير الخاصة بخطط المعارف، ووضع مشروع مناهج التعليم، وتوزيع المدرسين على المدارس، ووضع تقارير عن المدرسين المؤهلين، واقتراح منح مدارس جديدة.

ويترأس مدير المعارف اجتماعات هذه الهيئة مرتين كل أسبوع، وفي حالة تغيبه يرأسها المفتش الأول.

ثالثاً: هيئة التفتيش واختصاصها:

تتكون هذه الهيئة من المفتش الأول الذي يعتبر رئيساً لها، ويعاونه تسعة من المفتشين يكون عددهم قابلاً للزيادة أو النقص حسب اللزوم، ويعتبر المفتش الأول مسؤولاً أمام مدير المعارف عن تنفيذ واجبات هيئة التفتيش. (وتختص بالتفتيش على المدارس والنظر في بيانات دوام الأساتذة، ومتابعة تطبيق المناهج، والإشراف على أعمال الامتحانات، ومراقبة سير التعليم بالمدارس، والتحقيق فيما يحدث من مخالفات) .

رابعاً: مكتب المعارف:

يتولى إدارته رئيس الكتاب وهو الذي يقوم بجميع الأمور التي توكل إليه من قبل مدير المعارف العامة.. ويتولى أعمال المحاسبة للمديرية، وأمور شعبة البعثات وما يتعلق بحفظ جميع الأوراق والملافّ وتنظيمها وترتيبها بحيث تسهل مراجعتها (1) .

وقد ظل هذا النظام هو النظام الرسمي المعمول به حتى نهاية عهد مديرية المعارف وتأسيس وزارة المعارف. ولكننا نلاحظ مع ذلك أن السنوات بين 1357هـ وهي سنة صدور النظام وعام 1373هـ وهو عام تأسيس وزارة المعارف قد شهدت تغيرات لم تضمن في نظام جديد، ولكنها حدثت بالتدريج في أعمال مديرية المعارف وعلاقتها بالمجلس.

خامساً: نبذة عن نظام التعليم وتطوره في المملكة الحجازية في عهد الملك عبد العزيز

(1) انظر تفاصيل النظام في جريدة أم القرى، العدد 693 الصادر يوم الجمعة في 17/ 1/ 1357هـ (الموافق 18 مارس سنة 1938م) ص:3. والملك عبد العزيز والتعليم ص: 263، 264. ويتكون من ثمانية فصول و43 مادة. الأنصاري: التعليم في المدينة ص:358

ص: 275

لما قامت مديرية المعارف عام 1344هـ أبقت على مرحلة الدراسة التحضيرية التي عرفها أهل الحجاز في العهد العثماني ثم في العهد الشريفي من بعده، وأبقت على مدارسها، وجعلتها مرحلة لازمة في سلم التعليم النظامي تسبق المرحلة الابتدائية، وجعلت الدراسة بها ثلاث سنوات.

وفي سنة 1346هـ صدر أمر الملك عبد العزيز بتأسيس مجلس للمعارف مهمته الأولى وضع نظام تعليمي موحد في الحجاز، والسعي لجعل التعليم الابتدائي إجبارياً ومجانياً، والنص على أن يتكون التعليم من أربع مراحل، وهي:

1/المرحلة التحضيرية؛ ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.

2/ المرحلة الابتدائية؛ ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.

3/ المرحلة الثانوية؛ والمقصود بها في ذلك الوقت مرحلة الدراسة بعد الابتدائي، وكانت مدة الدراسة بها أربع سنوات زيدت فيما بعد سنة أخرى توجيهية.

4/ المرحلة العليا أو الجامعية.

(وفي عام 1362هـ جرى تغيير في عدد سنوات المرحلة الابتدائية بحيث أصبحت ست سنوات، وذلك بدمج المرحلة التحضيرية مع المرحلة الابتدائية، وضم السنة الأخيرة منها إلى المرحلة الإعدادية (المتوسطة) وانقسمت المرحلة الثانوية إلى قسمين:إعدادي (متوسط) وثانوي كل منها ثلاث سنوات، وذلك بعد ضم السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية (المتوسطة) وفي العام نفسه كان هناك اختباران للشهادة الابتدائية؛ أحدهما للنظام القديم ـ ثلاث سنوات أربع سنوات ـ والآخر على نظام الابتدائية ست سنوات)

ص: 276

ومما يجدر ذكره أن العهد السعودي لم يرث أية مدرسة متوسطة أو ثانوية من العهود السابقة في بلاد الحجاز، ولذلك كان التعليم الثانوي الحكومي الذي ظهر في شبه الجزيرة العربية في القرن الرابع عشر الهجري هو من منجزات العهد السعودي بلا شك، وقد ظهر في وقت مبكر من قيام هذا العهد حيث تولته مديرية المعارف ابتداءً من سنة 1345 أي بعد عام واحد من قيامها، وكان ذلك بتأسيس المعهد العلمي السعودي بمكة.

كما أصدرت مديرية المعارف نظاماً للمدارس الأهلية سنة 1357هـ ونظاماً للمدارس القروية الابتدائية التي تقوم في القرى البعيدة من المدن سنة 1364هـ وتم إلغاء هذا النظام عام 1374هـ (1) وأصدرت نظاماً للدروس الخصوصية للمدارس الثانوية سنة 1371هـ.

ولمديرية المعارف تجارب أولى في افتتاح المدارس الليلية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، بل أسهمت في وضع اللبنات الأولى للتعليم العالي بإنشاء كلية الشريعة بمكة عام 1369هـ وكلية المعلمين بمكة التي بدأت الدراسة فيها عام 1372هـ (2) .

وفي أواخر عهد مديرية المعارف سنة 1372هـ حدث تعديل في السلم التعليمي في المملكة وأصبحت مراحل التعليم العام كما يلي:

أ/ مرحلة التعليم الابتدائي وتتفرع منها:

1/ مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.

2/ المدارس القروية، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.

3/ المدارس الابتدائية، ومدة الدراسة فيها ست سنوات.

ب/ التعليم الثانوي ـ والمقصود به في ذلك الوقت: الدراسة بعد المرحلة الابتدائية ـ وينقسم إلى قسمين:

1/ التعليم الثانوي العام؛ ومدة الدراسة فيه ست سنوات بعد إتمام الشهادة الابتدائية.

(1) انظر تفصيلات النظامين في كتاب الملك عبد العزيز والتعليم ص:279ـ 281

(2)

الحقيل: نظام وسياسة التعليم في المملكة ص: 18

ص: 277

2/ التعليم الثانوي الديني؛ ويتمثل في دار التوحيد بالطائف، ونوع من المعاهد الثانوية يعرف باسم المعاهد العلمية السعودية، يلتحق بها حملة الشهادة الابتدائية، ومدة الدراسة فيها خمس سنوات، وقد بلغ عدد هذه المعاهد عام 1372هـ ـ 1373هـ أربعة معاهد في مكة، والمدينة، وعنيزة، وشقراء.

جـ/ التعليم المهني المتوسط، ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات ويلتحق به حملة شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، وكان يتمثل في ذلك الوقت 1371هـ ـ 1372هـ في المدرسة الصناعية بجدة التي تأسست عام 1367هـ

د/ معاهد إعداد المعلمين، وكانت على مرحلتين:

1/ معاهد بعد إتمام الدراسة الابتدائية، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات

2/ معاهد بعد إتمام الدراسة الثانوية القسم الخاص بدراسة المعلمين الثانوي، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات

هـ/ التعليم العالي، ويتمثل حينذاك في التالي:

1/ كلية الشريعة بمكة، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.

2/ كلية المعلمين، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.

3/ البعثات التي ترسلها المملكة إلى الخارج، وكانت في ذلك الوقت مركزة على جامعات مصر، والجامعة الأمريكية ببيروت، وبعض البعثات إلى أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا.

المبحث الثالث

إنجازات مديرية المعارف في المدينة

لقد شيد الملك المؤسس نظام التعليم في هذه البلاد على أسس إسلامية نبيلة تنطلق من الاهتمام بالتوحيد الخالص والعلوم الإسلامية واللغة العربية والعلوم الأخرى المساعدة، وسار بهذا النظام قدماً، وأمدّ القائمين عليه بكل ما لديه من عون مادي ومعنوي حتى تحققت الأهداف المتوخاة منه. وبناء على هذا المنهج الواضح سارت مديرية المعارف وحققت - بتوفيق الله تعالى - في سنوات عمرها من 1344هـ إلى 1373هـ الكثير من الإنجازات التعليمية في المملكة على الرغم من إمكاناتها المحدودة وبخاصة في ظل أوضاع اقتصادية متواضعة. ومن أهم إنجازاتها في المدينة النبوية:

ص: 278

أولاً: إنشاء معتمدية المعارف بالمدينة:

كانت مديرية المعارف تشرف على التعليم وإدارته في الحجاز _ فقط _ منذ نشأتها سنة 1344هـ وحتى سنة 1356هـ عندما صدر نظامها الجديد الذي يقضي بتوسيع مسؤولياتها عن نشر التعليم وإدارته في المملكة العربية السعودية. وبهذا التوسع أصبحت الحاجة قائمة لأن يكون للمديرية فروع وممثليات ترتبط بها في المدن والمناطق التي وصلها التعليم الحكومي،ولذلك نص النظام الأساسي لمديرية المعارف العامة في المادة التاسعة والثلاثين منه على أن (يكون لمدير المعارف العامة في غير العاصمة ـ مكة ـ معتمدون يكون كل منهم مسؤولاً أمام مدير المعارف العامة عن إدارة شؤون المدارس والمؤسسات العلمية في منطقته ويشرف على سير التدريس بموجب المناهج المقررة ويراقب سلوك الموظفين والمعلمين ويعمل بموجب أنظمة المعارف والتعليمات الصادرة إليه ويعين له كاتب ومساعدون عند اللزوم) .

فشرعت مديرية المعارف في تأسيس عدة معتمديات، (يشرف على كل منها شخص من رجال التربية والتعليم يلقب بـ "معتمد المعارف " وهو مسؤول عن مختلف شئون التعليم في منطقته ومراقبة سير الدراسة، واتباع التعليمات والتوجيهات التي تبعث بها مديرية المعارف، ولكنه لا يتصرف في الأمور إلا بعد الاستئذان أو الرجوع إلى المديرية العامة، ولايسمح لمدارس المناطق المرتبطة بمعتمدي المعارف الاتصال بالإدارة العامة مباشرة إلا عن طريقهم) . ومعتمد المعارف يعمل على اطراد نمو مدارس منطقته وترقيتها، وهو يمثل حلقة وصل بين المديرية والمدارس، كما أنه بمثابة مدير المعارف في منطقته.

ص: 279

لقد كانت معتمدية المعارف بالمدينة من أوائل المعتمديات تأسيساً عام 1345هـ (1) وكان لها الإشراف على المدارس في داخل المدينة وعلى كتاتيبها ومدارس ينبع البحر. وقد ترأسها لفترة قصيرة القاضي الفاضل الشيخ أحمد كماخي ويساعده كل من الشيخ عثمان حافظ، والشيخ محمد عبد الجواد. ثم تولى أمرها عام 1346هـ الشيخ عبد القادر شلبي بأمر من مدير المعارف حينذاك الشيخ محمد كامل القصاب بالإضافة إلى إدارته للمدرسة الابتدائية الأميرية (الناصرية حالياً) . ثم أصبحت هذه المدرسة بمثابة معتمدية لمديرية المعارف في المدينة حتى عام 1360هـ حيث كانت المعتمدية أشبه ما تكون بوظيفة فخرية رغم أن لها مكافأة سنوية قدرها ثلاثمائة ريال.

واستمر الشيخ عبد القادر في مهمته حتى نهاية عام 1347هـ حيث استقال وجلس للتدريس في منزله إلى أن توفي (2) .

ثم أشرف عليها محمود الحمصي حتى عام 1350هـ ثم خلفه السيد أحمد صقر لمدة عشر سنوات وذلك حتى عام 1360هـ. وهو العام الذي استقلت فيه المعتمدية عن المدرسة الناصرية، وظلت مستقلة حتى أصبحت إدارة للتعليم عام 1374هـ.

(وفي 19/ 2/ 1361هـ صدرت الموافقة السامية رقم: (2463) بإسناد وظيفة معتمدية المعارف بالمدينة إلى الشيخ عثمان حافظ) .

وعندما عاد الشيخ محمد سعيد دفتردار إلى المدينة بعد حصوله على الشهادة العالية وإجازة التدريس من مصر، عينته مديرية المعارف بمكة معتمداً للمعارف بالمدينة عام 1362هـ بالدرجة الرابعة، وظلّ معتمداً حتى أواخر عام 1373هـ وهو أول من سمي بـ (معتمد المعارف بالمدينة المنورة) .

ثم تحولت من معتمدية إلى مديرية للتعليم، وكان أول مدير لها الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن علي الربيع - يرحمه الله - إلى عام 1402هـ.

(1) ابن دهيش: التعليم الحكومي، ص 40 بتصرف.

(2)

قارن وزارة المعارف: المدرسة الناصرية ص: 38 والأنصاري: التعليم في المدينة ص:397 وأحمد مرشد: طيبة وذكريات الأحبة 2/63

ص: 280

ثانياً: مدارس المرحلة الابتدائية بالمدينة التابعة لمديرية المعارف

يقصد بالتعليم الابتدائي في المصطلح التربوي المعاصر؛ ذلك التعليم الذي يعالج التلميذ بالتربية من سن السادسة إلى سن الثانية عشرة، أي في الست السنوات الأولى من حياته التعليمية المدرسية على أساس أن السنوات من سن السادسة إلى سن الثانية عشرة تكوّن مرحلة متميزة من مراحل نمو الطفل.

وقد حرصت مديرية المعارف أن يكون التعليم في هذه المرحلة مبنياً على أهداف إسلامية سامية لأنها القاعدة الأساسية للهرم التعليمي إذ يتزود منه مراحل التعليم التي تليه.

كان التعليم الابتدائي منذ قيام مديرية المعارف سنة1344هـ وحتى عام 1358هـ يشتمل على مرحلتين:

أ/ المرحلة الأولى: التحضيرية الأميرية (وهي التي تؤهل الطالب للالتحاق بالمرحلة الابتدائية) . وكانت هذه المرحلة معروفة في المدينة منذ العهد العثماني، فكان بها أربع مدارس تحضيرية يتكون كل منها من أربع فصول. كما عرفها أهل المدينة خلال العهد الشريفي، فكانت مدة الدراسة بها سنتان، ويدرّس فيها – باللغة العربية – مبادىء التجويد ومبادىء العلوم الدينية (الفقه والتوحيد) والإملاء العربي، والقراءة العربية، ومبادىء الحساب، والخط.

ولما قامت مديرية المعارف في هذا العهد الزاهر أبقت هذه المرحلة وعملت على تطويرها وتحسين مستوى التعليم فيها؛ فجعلت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات، وجعلتها مرحلة لازمة على الطالب تسبق مرحلة الدراسة الابتدائية، ويقبل فيها الطالب من سن السادسة، ويمكن في بعض الحالات قبول الطالب في سن الخامسة إذا كانت لديه مقدرة كافية على حفظ الدروس وفهمها.

وقد لقيت هذه المرحلة قبولاً في القرى والهجر البعيدة عن المدن، فكانت أكثر انتشاراً، وبذلك تحققت سياسة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - التي تهدف إلى محاربة الجهل المتفشي في القرى والهجر النائية أكثر منه في المدن.

ص: 281

وكانت الدولة - رعاها الله - تشجع طلاب هذه المرحلة وتتفقد أحوالهم، وتوزع على الفقراء منهم الأموال لمساعدتهم على تحصيلهم الدراسي. (ففي عام 1348هـ تم توزيع خمسة جنيهات إنجليزية ونصف على أحد عشر طالباً فقيراً بالمدرسة التحضيرية بالمدينة بواقع نصف جنيه إنجليزي لكل طالب، وطالبت مديرية المعارف في مكاتبتها عدد (821) وتاريخ 21/8/1348هـ بعمل جدول بتوزيع هذه المبالغ يوقع عليه كل طالب قرين اسمه بالاستلام كما يصادق عليه مدير المدرسة الابتدائية بالمدينة وهيئة المدرسة. وطلبت المديرية من مدير المدرسة بعد ذلك أن يشتري للتلاميذ بهذه المبالغ ما يلزمهم من الكسوة من ثوب وسروال وكوت وصُمادة وعقال وشطافة إن أمكن) .

وقد لقي هذا الاهتمام والتشجيع صداه عند أهل المدينة فأقبلوا على إلحاق أبنائهم بهذه المرحلة، وطلب بعض المعلمين في الكتاتيب أن ينضموا هم وكتاتيبهم إلى المرحلة التحضيرية، كما حدث للشيخ محمد بن سالم المعلم في أحد كتاتيب المدينة، ووافق مجلس المعارف على ضم كُتّابه بالمدرسة، وجعله معلماً فيها براتب خمسة جنيهات في الشهر اعتباراً من صفر سنة 1348هـ.

وكان بالمدينة عدد من مدارس هذه المرحلة التي استمر التدريس فيها حتى عام 1361هـ حيث تم دمجها في المرحلة الابتدائية ـ كما سبق إيضاحه ـ وهي:

1ـ المدرسة التحضيرية الأولى "المنصورية الابتدائية حالياً"أسست عام 1344هـ في غرف الحرم النبوي الشمالية، ثم انتقلت لتستقر في غُرف الدور السفلي من مبنى المدرسة الابتدائية الأميرية (الناصرية حالياً) بباب المجيدي. ويبدو لي أنها انتقلت إلى هذا المقر قبل عام 1349 بوقت قريب لأنها كانت (تعاني من ضيق هذا المقر وتكدس الطلاب في فصولها، حتى إن عدد تلاميذ الفصل الأول من السنة الأولى في هذا العام 1349هـ كان 54 تلميذاً، مما خشي منه مدير المدرسة الابتدائية على صحة التلاميذ، وعدم استفادتهم الفائدة التعليمية المطلوبة) .

ص: 282

وذكر الأستاذ أحمد علي أسد الله أنه زارها سنة 1353 وكان مديرها الأستاذ ماجد أنور عشقي فوجد فصولها مزدحمة بالطلاب، وعددهم حسب إفادة المدير (130) طالباً. كان الحاضر منهم (100) تلميذ.

وفي عام 1359هـ نقلت إلى بيت الشريف شاهين بحوش الأشراف، على شارع يفصل بينها وبين مبنى البلدية القديم وقد أزيلت هذه المباني في توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي، فكان جزء منها يطل على حوش الأشراف والجزء الآخر على سوق الصباغة.

(وفي عام 1360/1361هـ وفي مبنى حوش الأشراف تحول مسماها إلى المدرسة المنصورية الابتدائية ومديرها السيد ماجد عشقي يرحمه الله)(1) .

2ـ المدرسة التحضيرية الثانية التي كانت ضمن المدرسة الابتدائية، كان عدد طلابها في عام 1348هـ (158) طالباً وزاد عددهم إلى (165) طالباً في عام 1349هـ، وقيل:(172) ويظهر من كشوف صرف الرواتب لعام 1347هـ أن المعلم الأول بها هو الشريف محمد العربي وكان يتقاضى راتباً قدره (550) قرشاً أميرياً في الشهر، وأن المعلم الثاني بها هو الشيخ محمد الكتامي وكان يتقاضى راتباً قدره (440) قرشاً أميرياً في الشهر. وبقيت هذه المدرسة في مرحلتها هذه حتى دمجت في المرحلة الابتدائية عام 1361هـ وأطلق عليها اسم المدرسة الناصرية.

3ـ مدرسة قباء التحضيرية، كان المعلم بها سنة 1347هـ الشيخ عبد الكريم الكردي، يتقاضى راتباً شهرياً قدره (330) قرشاً أميرياً من مالية معتمدية المعارف بالمدينة، وكان بها بواب واحد يتقاضى عام 1346 جنيهاً واحداً في الشهر. وكان عدد طلابها في عام 1349هـ (21 طالباً) .

4ـ مدرسة الجرف التحضيرية الأميرية، كان المعلم بها سنة 1347هـ الشيخ محمد علي الكراني، يتقاضى راتباً شهرياً قدره (330) قرشاً أميرياً من مالية معتمدية المعارف بالمدينة. وكان بها بواب واحد يتقاضى عام 1346هـ جنيهاً واحداً في الشهر. وكان بها ستة طلاب في عام 1349هـ.

(1) مرشد: طيبة 1/148،214.

ص: 283

5ـ مدرسة العوالي التحضيرية، كان بها معلم واحد سنة 1346هـ يتقاضى راتباً شهرياً قدره أربعة جنيهات إنجليزية، وبواب واحد يتقاضى في العام نفسه جنيهاً واحداً في الشهر.

(واستجابة للإقبال المتزايد من التلاميذ على ذلك النوع من التعليم في المدينة، افتتح في عام 1352هـ فرعان للمدرسة التحضيرية في قباء، والباب الشامي في إحدى غرف الحرم النبوي العليا التابعة للمعارف، وذلك لتعليم الهجاء فقط. وكل من نجح من تلاميذها يرجع إلى المدرسة التحضيرية الأميرية الأصلية) .

وأشار الأستاذ أحمد أمين مرشد إلى تأسيس المدرسة التحضيرية الثانية في المقر الأول للمدرسة التحضيرية الأولى ـ المنصورية حالياً ـ في الجهة الشمالية من المسجد النبوي، ثم نُقِلت إلى المقر الثاني للمدرسة التحضيرية الأولى في الطابق السفلي للمدرسة الأميرية ـ الناصرية حالياً ـ بباب المجيدي بعد أن نقلت المدرسة التحضيرية الأولى إلى موضع آخر.

ب/ المرحلة الثانية الابتدائية: وهي أساس التعليم الذي يتزود الطالب من خلاله بالمعارف والخبرات والمهارات الأساسية التي يحتاج إليها في مجتمعه قبل أن يتحمل مسؤولياته الكاملة في مرحلة الرشد والنضج. وقد عرفت المدينة هذه المرحلة منذ العهد العثماني أيضاً، فكان بها ثلاث مدارس ابتدائية تشمل كل مدرسة ستة فصول.

ص: 284

كان أولها تأسيساً المدرسة (الرشدية) ، فكانت بمستوى المرحلة المتوسطة، وفي العهد الشريفي أسست المدرسة (الراقية) سنة 1340هـ، وهي مرحلة بعد التحضيرية، فالطلاب الذين يتخرجون من المدرسة التحضيرية يلتحقون بالمدرسة الراقية. وكلاهما في المدرسة الإعدادية التي سميت (الناصرية) في العهد السعودي وكانت (بين المسجد النبوي وباب المجيدي في المكان الذي كان يسمى بالمناصع) .وكانت مدة الدراسة فيها أربع سنوات، يدرس فيها باللغة العربية: القرآن الكريم، والتجويد، والتفسير، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والبلاغة، والأدب، والتمرن على الخطابة، والإملاء والقراءة، والتاريخ، والجغرافيا، والحساب، ومبادىء الهندسة، وأصول مسك الدفاتر، وحسن الخط، والرياضة.

وكانت أول وآخر دفعة تخرجت فيها سنة 1342هـ وعميدها حينذاك الشيخ عبد القادر الشلبي. وما كان التعليم في هذه المدرسة وغيرها من المدارس الحكومية في عهد الأشراف إلا قشوراً وسطحياً وضئيلاً، وكان مظهراً أكثر منه مخبراً، وكان الإنفاق عليه ضئيلاً. وقد ذكر الشيخ محمد بهجة البيطار في رحلته إلى نجد والحجاز سنة 1338هـ أنه زار المدينة والتقى الشيخ عبد القادر الشلبي الطرابلسي مدير المعارف حينذاك فدارت بينهما مذاكرات في شأن الدروس العربية وأهميتها ومكانتها، فذكر له من أمر المعارف ما ساءه أمره، ولم يسره ذكره. إلا أن من محاسنهم في هذا الجانب تعريب التعليم وجعله مجاناً.

ص: 285

وما أن دخلت المدينة في حكم الملك عبد العزيز حتى حظيت بنصيب وافر من إنشاء المدارس الابتدائية، بلغ عددها في عهد مديرية المعارف 1344ـ1373 ثنتي عشرة مدرسة،كان أكثرها ظهوراً في السنوات الست الأخيرة من عهد المديرية، وهو تطور ملفت للنظر يوضح إلى أي مدى بذلت الدولة جهوداً كبيرة في مجال التعليم عندما توفرت لها الأموال اللازمة نتيجة لتزايد عائدات البترول في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد شهد التعليم الابتدائي نقلة نوعية في مستواه استهدف تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب ورعايتهم بتربية إسلامية سليمة ومتكاملة في أخلاقهم وأبدانهم وعقولهم ولغتهم وانتمائهم إلى أمتهم الإسلامية.

ولا شك أن لنظرة أهل المدينة الواعية إلى أهمية العلم والتعليم ولاستعدادهم الذهني المسبق للإقبال عليه إسهام في تحقيق هذا المستوى من خلال مرافق التعليم المختلفة.

وسأحاول إلقاء الضوء على الجانب التاريخي والإداري لهذه المدارس حتى عام 1373هـ تاريخ انتهاء فترة البحث.

1ـ المدرسة الناصرية: بدأ التعليم النظامي في هذه المرحلة بالمدينة في هذا العهد الميمون بتأسيس أول مدرسة حكومية حديثة عام 1344هـ هي المدرسة الابتدائية الأميرية التي ساهمت بفعالية كبيرة في النهضة التعليمية الحديثة التي تعيشها بلادنا. أنجبت رجالاً أكفاء انتشروا في أرجاء الوطن فشغلوا مناصب هامة، وشاركوا بمجهوداتهم في جميع الميادين في سبيل الرفعة به في مصاف الدول المتقدمة.

أسست في مقرها الأول في الطابق العلوي من مبنى قديم يرجع إلى العهد العثماني، عبارة عن فناء تحيط به الحجرات من جهاته الثلاث، مبني بالحجر ومدخله مطرز بالحجارة بشكل جميل، مستكمل المرافق الأساسية، ويتوفر به الأثاث المدرسي والمقاعد.

ص: 286

يقع في الشمال الشرقي من المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية الأولى. ويعتقد الأستاذ أمين مرشد ـ وقد درّس بالمدرسة التحضيرية في هذا المقر سنة 1353هـ ـ أنه كان (جهة باب النساء الشرقي المؤدي إلى شارع الملك عبد العزيز سابقاً)(1) .

وهذا المقر هو نفسه الذي كانت به المدرسة الابتدائية النظامية التي كانت في أواخر العهد العثماني، ثم كانت به المدرسة (الراقية) في أواخر عهد الأشراف وبقيت في هذا المبنى حتى أُدخل في مشروع توسعة الحرم النبوي الأولى في هذا العهد عام 1372هـ. حيث نُقِلت إلى مقرها الثاني (في طرف الساحة الغربي بجانب عين الساحة)(2) .

لقد زارها في مقرها الأول بعض الأساتذة الأفاضل وسجلوا بعض مرئياتهم وانطباعاتهم التي خرجوا بها، ومنهم: الأستاذ أحمد علي أسد الله، الذي زارها في شهر جمادى الآخرة سنة 1353 ـ زيارة خاصة ـ أثناء رحلته إلى المدينة، ودخل القسم الابتدائي في الطابق الأعلى من المبنى فاستقبله مديرها الأستاذ أحمد صقر، وأطلعه بنفسه على فصولها الأربعة لكل سنة دراسية فصل واحد، وبها ثمانون تلميذاً.

(1) مرشد: طيبة 1/214.

(2)

مرشد: طيبة 1/214.

ص: 287

ثم دخل مكتبتها فوجدها تحوي كتباً قيمة جمعت بين الكتب العلمية القديمة والحديثة، وشاهد بها مجموعة كبيرة من الخرائط العلمية التي تستخدم في درس النبات والحيوان والعلوم، ونموذجاً من الجبس لصدر الإنسان مع بيان كل جزء من أجزاء الصدر في حجمه ولونه الطبيعيين، ورأى في إحدى خزانات المكتبة نموذجاً مجسماً للمجموعة الشمسية بما فيها الأرض والقمر وبقية الكواكب، وذلك لشرح حدوث الليل والنهار والفصول الأربعة والكسوف والخسوف. وربما لا توجد هذه الوسائل في مدارس كثيرة في ذلك الوقت، كما شاهد مع هذه الوسائل نماذج فنية جميلة في الرسم والتلوين والأشكال من صنع طلبة المدرسة في عهد الأتراك، وقد دلت هذه الموجودات الفنية على أن هذه المدرسة كانت في عهد الأتراك من أرقى المدارس الحديثة في الحجاز.

وذكر الأستاذ أحمد إبراهيم الذي زارها عام 1356هـ أنها تتكون من مدير وستة أساتذة وخادمين، ولها من المرتب الشهري مبلغ (5560) قرشاً أميرياً مع المتفرقة. وعدد تلاميذها (74) طالباً. ولاحظ قِدَم مبناها وأنه غير ملائم للدراسة.

وكانت بمثابة معتمدية للمعارف في المدينة منذ تأسيسها عام 1344هـ وحتى عام 1360هـ مديرها مسئول أمام مدير المعارف عن إدارة شئون المدارس والمؤسسات العلمية في منطقته، ويشرف على سير التدريس بموجب المناهج المقررة، ويراقب سلوك الموظفين والمعلمين ويعمل بموجب أنظمة المعارف العامة والتعليمات الصادرة إليه.

وكانت المدرسة ـ بحكم مركزها ـ تستقبل ضيوف إدارة المعارف عند وصولهم المدينة وتقدم لهم ما يحتاجونه حسب إمكاناتها المتاحة. ففي عام 1356 استقبلت بعثة الجامعة المصرية، والجامعة الأزهرية، وأنزلتهم مبنى المدرسة

ثم أقامت لهم حفلة وداع حضرها عدد من رجال التعليم بالمدينة، وتخللها كلمة لمديرها الأستاذ أحمد صقر، ثم قام بعده عدد من الخطباء فأجادوا في خطبهم إلقاءً وموضوعاً.

ص: 288

كان أول اختبار عقد للشهادة الابتدائية في هذه المدرسة عام 1348هـ وكان يسمى (الاختبار النهائي العام) ولما دمجت المدرسة التحضيرية الثانية بها عام 1361ـ1362 وأطلق عليها اسم المدرسة الابتدائية الناصرية وأصبحت مدة الدراسة فيها ست سنوات، كان هناك اختباران للشهادة الابتدائية: اختبار للسنة الرابعة الابتدائية (السابعة بالنسبة للمرحلة الابتدائية) والناجحون يلتحقون بالسنة الثانية الثانوية، واختبار للسنة السادسة الابتدائية، ويلتحق الناجحون بالسنة الأولى الثانوية والتي أسست في العام نفسه.

وقد تعاقب على إدارتها عدد من الأساتذة الأفاضل، أذكر منهم:

1ـ فضيلة الشيخ عبد القادر شلبي عين مديراً سنة 1344، ويوقع عنه الأستاذ محمد سالم الحجيلي. واستمر حتى عام 1347هـ حين أحيل إلى التقاعد بناءً على طلبه.

2ـ فضيلة الشيخ محمود الحمصي مديراً من عام 1347 إلى عام 1350هـ وقد ظهرت كفاءته العالية ومواهبه الحكيمة في إدارته للمدرسة وفي عهده كان أول اختبار للشهادة الابتدائية في المملكة.

3ـ فضيلة الشيخ السيد أحمد صقر مديراً من عام 1350 إلى عام 1360هـ.

4ـ فضيلة الشيخ محمد بن محمد عبد الكريم الأزهري، مديراً من عام 1361 إلى عام 1370هـ.

5 ـ فضيلة الشيخ عبد الفتاح خليل كردي، مديراً من عام 1370 إلى عام 1373هـ.

ص: 289

وبلغ عدد طلاب المدرسة (42) طالباً عند افتتاحها في عام 1344هـ يعلمهم (3) مدرسين، (وكانت الدولة تشجع طلابها وبخاصة الفقراء منهم، فقد وزعت مديرية المعارف في عام 1348هـ على خمسة طلاب فقراء بالمدرسة أموالاً بواقع نصف جنيه انكليزي لكل طالب منهم لشراء ما يلزم من كسوة

كما حدث مع زملائهم في المدرسة التحضيرية) (1) . ونتيجة للدعم والتشجيع من الدولة للتعليم في هذه المدرسة أقبل أهل المدينة عليه فصاروا يطلبونه لأبنائهم ويلحقونهم بها حتى زاد عدد طلابها في عام 1373هـ ليصبح (353) طالباً يعلمهم (11) مدرساً.

2 ـ المدرسة المنصورية: في العام الذي تأسست فيه المدرسة الناصرية عام 1344هـ أسست المدرسة المنصورية. وكانت ذات مرحلة تحضيرية في الست عشرة سنة الأولى، حملت خلالها اسم المدرسة التحضيرية الأولى.

وفي عام 1360هـ أضيف للمدرسة التحضيرية الأولى التي كانت الدراسة بها ثلاث سنوات سنة رابعة فأصبحت مرحلة ابتدائية، وأطلق عليها اسم المدرسة المنصورية الابتدائية نسبة إلى سمو الأمير منصور بن عبد العزيز - يرحمه الله -، الذي عرف عنه الاهتمام بتأسيس المدارس النظامية لنشر التعليم فهو أول من أنشأ مدرسة عامة منظمة بمدينة الرياض.

وأخذ تشكيلها في مساره وهي في مقرها الثالث ببيت الشريف شاهين بجوار مبنى البلدية الذي هدم في توسعة خادم الحرمين الشريفين لعمارة المسجد النبوي. (فزيد عدد فصولها من أربعة إلى خمسة فصول في عام 1361هـ وفي عام 1362هـ زيد فصل سادس، وتخرج منها في هذا العام الدفعة الأولى من المتخرجين) .

(1) الجوادي وعزت: تطور التعليم، التعليم الابتدائي ص:123.

ص: 290

نُقلت المدرسة من مقرها الثالث إلى منزل بسوق القماشة لامرأة تركية تسمى (زكية إسلام) جوار منزل بكر رضوان. ثم نُقِلت إلى دار الترجمان فوق دكان البغدادي بالعنبرية على مقربة من مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم إلى رباط بهرام آغا أمام دار السيد حمزة غوث على مقربة من المجمع الحكومي السابق، ثم إلى المبنى الحالي العائد لوقف المغاربة الكبير شمال مبنى ثانوية طيبة والذي لا زالت به متطلعة إلى مبنى حكومي تتوفر فيه جميع الإمكانيات والتجهيزات والوسائل المدرسية يريحها من عناء الترحال الذي انعكس سلباً على وثائقها وسجلاتها القديمة.

وقد تعاقب على إدارتهابعد الشيخ ماجد عشقي عدد من الأساتذة الأفاضل، أذكر منهم:

1) فضيلة الشيخ صالح الأخميمي مديراً من عام 1364هـ حتى عام 1369/ 1370هـ.

2) فضيلة الشيخ أمين مرشد، مديراً من عام 1370 حتى عام 1371/ 1372هـ.

3) فضيلة الشيخ عبد الحميد السناري مديراً من عام 1373حتى عام 1374هـ.

وبلغ عدد طلاب فصولها الستة سنة 1362هـ (72) طالباً يعلمهم (7) معلمين، وزاد إقبالهم عليها حتى وصلوا عام 1373إلى (342) طالباً يعلمهم (13) معلماً، وما حصلت تلك الزيادة التي فاقت أربعة أضعافها عن عام 1362هـ لولا الله ثم الدعم المستمر من قبل الحكومة الرشيدة للتعليم وطلابه في جميع مناطق المملكةعامة وفي المدينة خاصة.

3) مدرسة النجاح النموذجية:

ص: 291

أسسها الأستاذ عمر عادل في منتصف شعبان عام 1353 برخصة رسمية من مديرية المعارف العامة، وقد حظيت بالتشجيع والدعم من صاحب الجلالة الملك عبد العزيز، ومن أمير المدينة آنذاك الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم.. أما الهدف من تأسيسها فإنه (المساهمة في نشر العلم وخدمة القرآن الكريم وبث الثقافة الإسلامية بين ناشئتها) كما أنها مدرسة أهلية لأبناء بلدة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينشئها مؤسسها لجنسية مخصوصة ولا لخدمة طائفة معينة، وللكل الحق في الإشراف عليها ومؤازرتها وتعضيدها ومساعدتها وإرشادها حتى تقوى على النهوض في تحقيق غايتها.

وقد بدأت المدرسة بغرفة واحدة في الدور السفلي من منزل المؤسس الواقع بحي باب المجيدي وذلك لقلة الطلاب من جهة، ولقلة الدخل من جهة أخرى. ثم غرفتين، وبلغ عدد أوائل الطلبة وهي مرحلة تحضيرية خمسة عشر طالباً.وبعد ازدياد عدد الطلاب وقف بعض أهل الخير مع مؤسسها فاستأجروا منزل أسعد المطل على شارع العينية من الجهة الجنوبية، وعلى زقاق الطوال من الجهة الشمالية. ثم نُقلت إلى مبنى آخر في شارع العينية (وكان يطل مباشرة على الشارع نفسه، وخلال الفسحة يقضي الطلاب وقتهم فوق أسطح دكاكين العينية)(1) .

ثم نُقلت إلى منزل السيد حسن الصافي بالساحة، ثم إلى منزل السيد علي الذهبي جوار بستان الفيروزية بحي السحيمي. ولما تركها المؤسس عمر عادل عام 1359هـ وسلمها لمعتمد المعارف بمنطقة المدينة أصبحت تابعة لمديرية المعارف العامة كمدرسة حكومية استأجرت لها المديرية مبنى جوار مسجد السبق، وبقيت فيه ما يقرب من 37 سنة. وفي عام 1396هـ نُقلت إلى مبنى الشيخ عبد الله الفوزان في الداودية. وفي منتصف عام 1404هـ نُقلت إلى مبناها الحكومي الحديث الواقع في شارع أبي بكر الصديق (الخط النازل) وتتوفر فيه جميع الإمكانيات والوسائل والتجهيزات المدرسية.

(1) مرشد: طيبة 2/145، 3/210.

ص: 292

وكانت الدراسة فيها تتكون من قسمين: الأول منهما تحضيري ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات، والقسم الثاني الابتدائي ومدة الدراسة فيه أربع سنوات. وبالمدرسة شعبة تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم لأن ذلك من غاياتها الأصلية، وقد درس في هذه الشعبة منذ تأسيس المدرسة عام 1353هـ حتى عام 1357 (51) طالباً حفظ منهم القرآن الكريم (11) طالباً بنهاية عام 1357هـ، وبها شعبة للأشغال اليدوية النافعة يتمرن فيها الطلاب. وفي عام 1356هـ افتتحت المدرسة قسماً ليلياً يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية، بلغ عدد تلاميذه عند الافتتاح عشرين تلميذاً وتولى التدريس لهم (عمر علي عبد الله) خريج الجامعة المصرية وجامعة برستول بانجلترا. وذكر الأستاذ أحمد عيسى إبراهيم الذي زار المدرسة في ذلك العام أن مديرها حينذاك الأستاذ عمر عادل طلب منه أن يعطي التلاميذ درساً في اللغة الإنجليزية لغياب الأستاذ عمر علي عبد الله فحقق مطلبه.

ولاحظ ضعف مستوى طلاب السنة الرابعة في هذه المادة، وإقبال طلاب السنة الثانية على دراستها بشوق. وذكر أن المدرسة بحاجة إلى كفايات علمية ترفع مستوى التعليم فيها.

ص: 293

ولما كانت المدرسة من المشاريع الخيرية التي لا يمكن لمؤسسها أن يقوم بها بمفرده طلب من سكان المدينة تشكيل مجلس إداري ينظر في مصالح المدرسة ويشرف على سيرها ويقوم بمساعدة مؤسسها على النهوض بأعبائها، فلبوا طلبه وقام فريق منهم بتشكيل مجلس إدارة لها لا يقل عن سبعة أعضاء برئاسة الشيخ عبد العزيز الخريجي وذلك في شعبان سنة 1355هـ. فقام هذا المجلس بأجل الخدمات للمدرسة. وكان يشرف على النواحي المالية ويستقبل الدعم المادي والعيني من محبي الخير والإحسان من داخل المدينة وخارجها. وبلغ واردها في شهر رجب عام 1357هـ (3907) ريال، واستمر هذا المجلس في مهمته حتى تحولت إلى مدرسة حكومية. حين تسلمتها معتمدية المعارف بمنطقة المدينة في شوال عام 1359هـ ومن ذلك الوقت أصبحت تسمى مدرسة النجاح النموذجية.

وقد اتبعت المدرسة منذ تأسيسها منهج مديرية المعارف العامة في تدريس طلابها وفق الخطط الدراسية التي وضعت لطلاب المرحلة التحضيرية.

أما خطة الدراسة في المرحلة الابتدائية فكانت المدرسة تسير على المنهج الصادر عام 1349هـ ثم أخذت بالمنهج والخطة والمعدلة عام 1355هـ واستمرت مديرية المعارف في هذه الخطة حتى دمجت المرحلة التحضيرية مع الابتدائية عام 1361هـ حيث طبقت المديرية في مدرسة النجاح نظام المرحلة الابتدائية ـ وهي لاتزال تؤدي دورها ضمن مدارس منطقة المدينة ـ.

وقد تعاقب على الإشراف عليها وإدارتها بعد الأستاذ عمر عادل عدد من الأساتذة الأفاضل أذكر منهم:

1 ـ الأستاذ عثمان حلمي تولى الإشراف على المدرسة حين استقال الشيخ عمر عادل من إدارتها عام 1360هـ وحتى تكوّن مجلس للإشراف عليها، فأوكل المجلس أمر إدارتها إلى الشيخ عبد الغني مشرف.

ص: 294

تابع لجهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية

2 ـ ذكر الأستاذ أحمد بشناق (أنه عُيّن مديراً لمدرسة النجاح الابتدائية عام 1360هـ وكانت في مبناها في شارع العينية على يمين المتجه من باب السلام إلى المناخة) .

3 ـ الشيخ عبد الغني مشرف تولى إدارتها عام 1360هـ.

4 ـ الشيخ ضياء الدين رجب مديراً إلى عام 1360هـ.

5 ـ الشيخ ماجد أنور عشقي. مديراً من عام 1364هـ إلى عام 1378هـ. ثم تتابع على إدارتها عدد من المديرين الأفاضل قادوا المدرسة بكل حكمة وسداد رأي وأثروا تاريخها العريق بخبراتهم الواسعة.

وقد كان الإقبال شديداً من أهالي المدينة على تسجيل أبنائهم في هذه المدرسة لمستواها التعليمي الجيد، وللدعم والتشجيع الذي يلقاه الطلاب من المدرسة، ولمزاولتها النشاطات غير المنهجية مثل الحفلات الثقافية والرحلات، وقد بلغ عدد طلابها عام 1358هـ (250) طالباً وهو عدد كبير في تلك الفترة وفي مدرسة أهلية لم يتجاوز عمرها أربع سنوات.

وزارها في عام 1359هـ وفد جمعية الهداية الإسلامية بدمشق برئاسة محمود ياسين، فأقامت المدرسة احتفالاً كبيراً لهم يوم الاثنين 5 ربيع الثاني 1359هـ تخلله عدد من الفقرات كان آخرها كلمة رئيس الجمعية، ختمها بدعوة الحضور إلى التضامن مع المدرسة وتقديم المساعدات لها فأخذ القوم في التبرع وخرجوا مودعين بأكثر مما استقبلوا من حفاوة واحترام.

4 ـ مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم:

تعتبر هذه المدرسة امتداداً لمدرسة القراءات السعودية التي أسسها الشيخ أحمد ياسين الخياري عام 1367هـ كأول مدرسة تُعنى بكتاب الله الكريم.

ص: 295

وكانت بداية تأسيسها فصول ملحقة بثانوية طيبة بدار الخزينة جوار المسجد النبوي. ويبدو أنها نُقلت بعد ذلك إلى مقرها الثاني بحوش الجمال بالساحة، ثم نُقلت إلى جوار مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وظلت بمقرها هذا حتى عام 1377هـ حيث نُقلت إلى مبنى مستأجر بباب الشامي. كان المبنى كبيراً، وكانت مدرسة النجاح تقابل هذا المبنى وفيها ازدحام كبير، فتم نقل ستة فصول بمدرسيها إلى مدرسة القراءات، وسميت القسم الابتدائي وكان ذلك عام 1378هـ وتعتبر هذه الفصول نواة مدرسة عبد الله بن رواحة الابتدائية والتي انفصلت أخيراً في مبنى مستقل لها في عام 1388هـ، وأصبح طلابها يدرسون على نظام التعليم العام، وبقي الطلاب الذين يدرسون على نظام القراءات في مدرسة تأسست لهذا الغرض وهي مدرسة (أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم) والتي تعتبر امتداداً لمدرسة القراءات السعودية.

ثم نُقلت مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم إلى (بضاعة) وأصبحت في مقرها هذا تضم المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية. ثم إلى مبنى مستأجر في الحرة الشرقية، ثم إلى مبنى آخر في طريق المطار النازل جوار مؤسسة النقد العربي السعودي.

ولما زاد عدد الطلاب في كل مرحلة، تم فصل المرحلة الابتدائية ونقلت إلى مقر وقف المدرسة الكشميرية بحي النصر وذلك في عام 1408هـ. وفي عام 1413هـ نُقلت إلى مبناها الحكومي الحالي الواقع على طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه (العيون سابقاً) بحي النصر.

كان الشيخ أحمد ياسين الخياري أول مدير لها وقد استمر حتى عام 1380هـ خلفه عدد من المشايخ والأساتذة التربويين الذي بذلوا جهوداً موفقة في سبيل تحقيق أهدافها السامية، فارتقوا بها في درجات السمو والرفعة حتى وصلت إلى المستوى الذي يليق بمكانتها، وأضحت اليوم صرحاً من صروح العلم والمعرفة التي تُعنى بكتاب الله الكريم في هذه البلاد.

5 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بقباء:

ص: 296

أسست عام 1368هـ في مبنى تعود ملكيته للدولة، مساحته (400) متر مربع تقريباً ويتكون من (13) غرفة؛ عشر غرف للدراسة وثلاث غرف للإدارة، يقع جنوب مسجد قباء، وقد أزيل هذا المبنى في مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين لمسجد قباء عام 1405هـ فنُقلت المدرسة إلى مبنى مستأجر في حي العصبة وما زالت فيه إلى الآن.

وكانت الدراسة فيها حين افتتاحها وفق نظام ومنهج المدارس القروية الصادر عام 1364هـ الخاص بالقرى والمدن الصغيرة التي لا تحتوي على عدد كبير من الطلاب، لأن منطقة قباء حينذاك تعد ضاحية من ضواحي المدينة، أما الآن فإنها متصلة بالمدينة وتعد من أحيائها. وكانت تسمى (المدرسة القروية بقباء) ويبدو أن هذه المدرسة لم تستمر طويلاً على نظام المدارس القروية لأن المادة الثالثة منه نصت (على أنه إذا وصل عدد طلاب مدرسة قروية إلى ستين طالباً فأكثر تصبح هذه المدرسة ابتدائية ـ بدلاً من قروية ـ ويطبق عليها المنهج الابتدائي، ويكون معلموها بعدد فصولها)(1) . ثم إنه قد تم إلغاء هذا النظام عام 1374هـ ـ وهو عهد وزارة المعارف ـ لزوال دواعيه بعد أن تحسنت أحوال القرى والأرياف وتهيأ لها الكثير من وسائل الراحة، وأصبحت المدارس الابتدائية ابتداءً من العام المذكور خاضعة لمنهج دراسي موحد.

بلغ عدد تلاميذ المدرسة (34) طالباً عند افتتاحها في عام 1368هـ يعلمهم معلم واحد، وتزايد عدد الطلاب في عام 1373هـ ليصبح (134) طالباً في خمسة فصول يعلمهم (4) معلمين وطنيين. وكان مديرها في ذلك العام الأستاذ مصطفى الأماسي - يرحمه الله - ومن المعلمين الأستاذ عبد العزيز إدريس.

(1) السلوم: تاريخ الحركة التعليمية 3/ 75، وأبو راس: الملك عبد العزيز والتعليم ص:281.

ص: 297

6 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بالقبلتين: أسست عام 1368هـ. (وكانت مدرسة أهلية على حساب أهل الخير وفق نظام المدارس القروية، وذلك رغبة في تعليم أبناء ضاحية القبلتين. وبدأت الدراسة بعشرة طلاب في مسجد القبلتين، ثم نُقلت في غرفة واحدة بجوار المسجد. وتولى التدريس الأستاذ محمد عكاشة إبراهيم محرم، ويعاونه الأستاذ عبد الرحمن الينبعاوي، واستمر التدريس فيها على هذا النظام حتى عام 1375هـ حيث حُولت إلى نظام ابتدائي مدته ست سنوات دراسة) .

7 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بذي الحليفة: أسست عام 1368هـ.

8 ـ مدرسة الحسين بن علي بالعوالي: أسست عام 1369هـ (1) .

9 ـ مدرسة حمزة بن عبد المطلب: أسست عام 1372هـ في مبنى طينيّ قديم تحت مسمى (مدرسة العيون الابتدائية) ثم نُقلت إلى مبنى مستأجر مبني من الإسمنت بجوار مؤسسة الأورفلي حالياً بطريق سيد الشهداء، وسميت (مدرسة أحد الابتدائية بضواحي المدينة) وفي عام 1384 نُقلت إلى مبناها الحكومي الحالي الواقع غرب مقبرة شهداء أحد وأصبحت تحت مسمى (مدرسة حمزة بن عبد المطلب) .

وبلغ عدد طلابها عام 1373هـ (37) طالباً تزايد في عام 1416هـ ليصبح (542) طالباً، يعلمهم (24) معلماً.

وقد تعاقب على إدارتها عدد من الأساتذة الأفاضل أذكر منهم الأستاذ حسن ياسين محمد قادري الذي تولى إدارتها عام 1374هـ.

10ـ مدرسة صقر الجزيرة: أسست عام 1373هـ.

11ـ المدرسة الفيصلية: أسست عام 1373هـ.

(1) ناجي الأنصاري: التعليم في المدينة ص:463، ولم أجد أي مادة علمية مدونة عن المدرستين رغم محاولاتي الجادة للحصول على ذلك.

ص: 298

12ـ المدرسة المحمدية: أسست عام 1373هـ في الجزء الجنوبي من حوش منصور، وتولى إدارتها بعد افتتاحها الأستاذ الفاضل محمد الطيب إدريس، وظل مديراً لها حتى عام 1379هـ. نُقلت المدرسة من مقرها الأول إلى عمارة بين طريقي قباء الطالع والنازل، ثم نُقلت إلى مبنى مقابل لمقرها الأول على يمين طريق قباء النازل، واستقرت أخيراً في مبناها الحكومي في أرض البحر.

وقد بلغ عدد الطلبة الناجحين في الصف الأول الابتدائي عام 1373هـ (20) طالباً والناجحين في الصف الثاني (9) طلاب، والناجحين في الصف الثالث من العام نفسه (12) طالباً.

جـ/ المرحلة المتوسطة والثانوية:

(كان التعليم المتوسط للبنين حتى عام 1373هـ جزءاً من المرحلة الثانوية التي كانت مدة الدراسة بها ست سنوات، وكان الطلاب يحضرون امتحاناً عاماً لشهادة الكفاءة المتوسطة في نهاية السنة الثالثة، ثم يدرس الناجحون فيها لمدة ثلاث سنوات أخرى هي الرابعة والخامسة والسادسة، ويحصل الناجحون في نهاية السنة السادسة على الشهادة التوجيهية)(1) .

ويأتي هذا المستوى من التعليم حلقة اتصال بين التعليم الابتدائي والتعليم العالي. كما أنه في الوقت نفسه يمثل المصدر الرئيسي الذي يمد التعليم العالي بالطلاب من حملة شهادة المعاهد العلمية والمدارس الثانوية بقسميها العلمي والأدبي. ولذلك يمكن اعتبار التعليم المتوسط والثانوي هو القاعدة الرئيسية التي بُني عليها التعليم العالي المتخصص.

(ولذلك نجد أن جلالة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - يهتم بهذه المرحلة التعليمية لأنها امتداد للسلم التعليمي الذي أراد جلالته توفيره لأبناء شعبه، تحقيقاً لأهدافه السامية وهي محاربة الجهل والفقر والمرض) . ففتحت المدارس الثانوية والمعاهد، ووضعت الأنظمة التعليمية ذات الصبغة الإسلامية في ظل إشراف وتخطيط مديرية المعارف العامة.

(1) السلوم: تاريخ الحركة التعليمية 3/ 111.

ص: 299

وفي الصفحات التالية عرض موجز لتأريخ مؤسستين تعليميتين أقامتهما مديرية المعارف لمرحلة ما بعد الابتدائية، وهما: مدرسة طيبة الثانوية، والمعهد العلمي السعودي بالمدينة.

1ـ مدرسة طيبة الثانوية:

كانت مدرسة تحضير البعثات بمكة أول مدرسة ثانوية بالمملكة، وكان لافتتاحها أثره الكبير عند المواطنين في مختلف مناطق المملكة؛ لأن ذلك يعني بداية مرحلة جديدة، وفتح آفاق واسعة أمام خريجي المرحلة الابتدائية الذين يتطلعون إلى مواصلة تعليمهم وخدمة وطنهم وأمتهم.

وبدأ إقبال الطلاب عليها من مناطق المملكة، وكانت المدينة المنورة واحدة من المدن التي توفد خريجي مدارسها إلى مكة، وهم كثيرون إذا ما قورنوا ببقية مدن المملكة الكبيرة في ذلك الوقت، والطالب الملتحق بمدرسة تحضير البعثات عليه أن يتحمل وعثاء السفر ومتاعب ونفقات لا يستطيعها. لذلك بدت فكرة المطالبة بفتح مدرسة ثانوية بالمدينة المنورة، فتقدم بعض أعيان المدينة بموافقة من وكيل الإمارة الشيخ عبد الله السديري بطلب إلى جلالة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - لافتتاح مدرسة ثانوية في المدينة، فوافق - يرحمه الله - رغم كثرة الصعوبات وقلة الإمكانات، فكان ذلك برهاناً عملياً لاهتمامه بالعلم والمعرفة، وتهيئة أبناء البلاد للاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه نهضة بلادهم ورقيها وتقدمها، وإيمانه بما للعلم من قوة وتأثير في صقل مدارك الناس وتغير مفاهيمهم وتوسيع نظرتهم وتطلعاتهم.

وقد خص المدينة المنورة دون غيرها من مدن المملكة الأخرى بهذه المدرسة التي تعتبر الثانوية الأولى في المدينة والثانية على مستوى المملكة لقيمتها ومكانتها في نفسه، ولوجود رجال العلم والمعرفة الأكفاء فيها الذين يمكن الاعتماد عليهم في عملية تأسيس المدرسة وقيامها بواجبها حتى تكون في مستوى مسؤوليتها رغم قلة الإمكانات المادية.

ص: 300

وحين موافقته انتدبت مديرية المعارف الشيخ محمد صادق الكردي في 5 شوال 1362هـ لافتتاح المدرسة، واستأجر غرفتين في دار من دور السنبلية بخارج باب المجيدي بمبلغ قدره ستون ريالاً لأشهر شوال وذي القعدة وذي الحجة من عام 1362هـ، واستعار سبورتين من مدرسة النجاح الابتدائية، وكذلك بعض المقاعد، وانتدب المدرسين من المدرسة الأميرية ومدرسة النجاح كما أحضرت المكاتب والكراسي من المنازل.

وبدأت الدراسة يوم الثلاثاء 12/11/ 1362هـ بفصلين:

1 ـ إعدادي: قُبل به طلاب الشهادة الابتدائية على النظام الجديد. وكان عددهم (33) طالباً.

2 ـ سنة أولى: قُبل بها طلاب الشهادة الابتدائية على النظام القديم. وكان عددهم (18) طالباً.

كان المبنى الذي تشغله في أول سنواتها ضيقاً ولايستوعب الطلاب فجرى استئجار دار أخرى ملاصقة لها مع بداية العام الدراسي 1364هـ واستقرت بها إلى نهاية 1367هـ حيث نُقلت لضيق مبناها إلى جناح خاص من مبنى دار الخزينة الكبيرة التي عمرتها الأوقاف. ومن خلال هذا المبنى الواسع استطاعت المدرسة أن تحقق كثيراً من أهدافها وأن تثبت وجودها في تحقيق رسالتها لطلابها.

وفي شهر شعبان من عام 1371هـ نُقلت المدرسة إلى مبنى مستأجر بباب المجيدي، وكان مبنى ضيقاً لا يتسع لفصولها رغم أنه يحتوي على اثنتي عشرة غرفة، وبقيت بذلك المبنى حتى بداية عام 1375هـ حيث انتقلت إلى مقرها الحالي بباب العنبرية.

(تولى إدارتها عند تأسيسها فضيلة الأستاذ محمد سعيد دفتردار، وكان قد حصل على الشهادة العالية مع إجازة التدريس من الأزهر)(1) . وقد جمع بين إدارة المدرسة ومعتمدية المعارف، واستمر حتى عام 1369هـ حيث تم فصل المعتمدية عن المدرسة واستقل بإدارة المعتمدية، وتولى الأستاذ أحمد بوشناق إدارة المدرسة الثانوية منذ ذلك التاريخ حتى أحيل إلى التقاعد عام 1394هـ.

2ـ المعهد العلمي السعودي بالمدينة المنورة:

(1) ابن دهيش: التعليم الحكومي ص:85.

ص: 301

كان المعهد العلمي السعودي ثاني مؤسسة تعليمية في المدينة بعد المرحلة الابتدائية، أسس عام 1369هـ، وكان ملحقاً مع المدرسة الناصرية في باب المجيدي، وفي عام 1371هـ نُقل إلى مبناه في شارع السحيمي بجوار الفيروزية، ثم إلى مبنى مستأجر في الجنان بمنطقة باب المجيدي وذلك في عام 1378هـ وأخيراً نُقل إلى مبنى حكومي في شارع سيد الشهداء عام 1380هـ حيث جرى تصفيته في عام 1380هـ.

وقد أسس على غرار المعهد العلمي السعودي الذي أسس في مستهل عام 1345هـ في مكة المكرمة، وكان الهدف من تأسيسه هو رغبة الدولة في إعداد معلمين متخصصين للتدريس في المدارس الابتدائية التي تزايد عددها في المدن والقرى، وتزويد الدوائر الحكومية بالموظفين المؤهلين.

وكان يقبل بهذا المعهد كل من حصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية أو ما يعادلها. وتنقسم الدراسة فيه إلى مرحلتين:

1ـ المرحلة الأولى: وتشمل ثلاث سنوات، يدرس الطالب خلالها ألواناً من مواد الثقافة الدينية واللغة العربية والمواد الاجتماعية والرياضيات، وفي نهاية السنة الثالثة يمنح الطالب الناجح شهادة القسم التجهيزي، وسميت فيما بعد (شهادة الكفاءة للمعاهد العلمية) .

2ـ المرحلة الثانية: وتشمل السنتين الأخيرتين من المعهد، وتسمى قسم المعلمين الثانوي. يدرس فيها الطالب بجانب المواد المذكورة، التربية وعلم النفس، ومواد فنية أخرى، ويمنح الطالب (شهادة إتمام الدراسة الثانوية للمعاهد العلمية) . وكانت الدراسة في هذا المعهد مجانية، وتصرف الكتب والأدوات المدرسية للطلبة مجاناً، وعلاوة على ذلك فقد كان الطالب يمنح إعانة شهرية قدرها أربعون ريالاً للثلاث سنوات الأولى، وستون ريالاً للسنتين الأخيرتين. وأول دفعة تخرجت فيه عام 1374هـ وقد تولى إدارته منذ تأسيسه الشيخ محمد عبد الكريم السناري واستمر مديراً له حتى تصفيته عام 1381هـ، وكان يشمل أيضاً معهد المعلمين.

ص: 302

وكان المعهد العلمي آنذاك مضرب الأمثال في جميع نواحي النشاط والجمعيات المختلفة، تخرج منه العديد من أبناء طيبة الذين خدموا بلادهم ولازالوا في مختلف المجالات وفي أرفع المناصب. وقد كان المعهد يضم أيضاً طلاب علم من مختلف الدول الإسلامية الذين كانوا يبتعثون للدراسة فيه.

ولم يقتصر عمل معتمدية المعارف بالمدينة على الإشراف على المدارس الحكومية بل امتد إلى الإشراف والتوجيه الفني والإداري على الكتاتيب والمدارس الأهلية. واهتمت بتعليم أدلاء الحجاج (المزوِّرين) وإعدادهم لتوجيه الحجاج للزيارة الشرعية.

فكتب مدير المعارف إلى سمو النائب العام لجلالة الملك الأمير فيصل بن عبد العزيز بشأن افتتاح مدرسة أدلاء الحجاج (المزوِّرين) برقم 470 وتاريخ 22/4/1347هـ وبرقم 499 في 25/4/ 1347هـ فصدرت موافقة جلالة الملك عبد العزيز بإنشاء هذه المدرسة على غرار مدرسة المطوِّفين بمكة وذلك لرفع مستوى أدلاء الحجاج المعرفي والسلوكي. وبدأت الدراسة في مقر المدرسة بالمسجد النبوي، وكان وقت الدراسة صباحاً ومساءً طوال أيام الأسبوع ما عدا الخميس مساءً، واشتمل المنهج على دراسة الفقه والتوحيد والأخلاق، وتعليم الأدلاء آداب الزيارة الشرعية وتحذيرهم من البدع. ولكل مادة دراسية منها ثلاث ساعات أسبوعياً، ما عدا الأخلاق ساعتان أسبوعياً. وفي نهاية العام الدراسي يعقد للطلبة امتحان لتقييم مستواهم العلمي.

الخاتمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

ص: 303

فقد أوضح لنا البحث إدراك الملك عبد العزيز يرحمه الله أثر العلم في صياغة الأمة وقوتها وصمودها، وقيمته في رقيها وتقدمها، وآثار الجهل في تفرقها وتصدع بنيانها، فقدّر أهمية العلم واعتبر التعليم من الأولويات التي لا تقبل التأخير. ومنذ أن دخل الحجاز والتعليم يحتل قمة تفكيره، فوضع الأسس الإسلامية والأهداف النبيلة لحركة التعليم وبذل ما لديه من دعم مادي ومعنوي لتنفيذ ذلك. وتحقق في هذا المجال الكثير من آماله وطموحاته رغم قلة إمكاناته حينذاك وكثرة مشاغله الإصلاحية.

وحظيت المدينة النبوية بنصيب وافر من اهتمامه العلمي، فتحقق الكثير مما اختطه ورسمه لنخبة من رجال الفكر والمعرفة بها: ففتحت المدارس في مراحل التعليم التحضيري والابتدائي والثانوي.

بدأت المرحلة الابتدائية بمدرسة واحدة عام 1344هـ وصلت في عام 1373هـ إلى اثنتي عشرة مدرسة، وأسست أول مدرسة ثانوية بالمدينة عام 1362هـ والثانية على مستوى المملكة، وأصبح التعليم مجاناً، والكتب والأدوات المدرسية تقدم لجميع الطلاب وفي مختلف المراحل الدراسية بدون مقابل، وتقدم المكافآت المالية والعينية للطلاب وذلك لتشجيعهم على مواصلة دراستهم وخدمة وطنهم وأمتهم. كل ذلك حققه الملك عبد العزيز من أجل راحة المواطن، ولتسهيل الحياة عليه، وليتعلم ويصبح لبنة صالحة قوية في بناء هذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية.

ص: 304

لا يزال التعليم العام في المدينة في تلك الفترة بحاجة ماسة إلى جهود الباحثين لدراسة تاريخه والكشف عن بعض جوانبه الغامضة، ومن يجري مقارنة مع الدراسات التي تناولت تاريخ التعليم في مكة - مثلاً - يجد الاختلاف واضحاً من حيث كمية وحجم الدراسات التي أنجزت، وبدون شك سيلاحظ أن المدينة المنورة من أقل المناطق التي ركز عليها الباحثون، والأدهى من ذلك إذا حاولنا معرفة تاريخ التعليم لبعض المدارس ضمن منطقة المدينة كمدرسة ذي الحليفة أو مدرسة الحسين بن علي بالعوالي فالمشكلة ستكون أصعب وأكبر من التي قبلها حيث لا نجد دراسات موضوعية من هذا النوع، والسبب الرئيسي يعود إلى عدم توفر المادة العلمية التي توضح ما يراد معرفته وما يحب الباحث أو القارىء إدراكه عن أجزاء مختلفة من تاريخ التعليم في طيبة الطيبة.

وبهذه المناسبة أدعو إدارة التعليم بالمدينة المنورة إلى الاهتمام بهذه الفترة من تاريخ التعليم، وأن تسخر إمكانياتها لتدوينه وإيضاح جميع جوانبه، وأن تخصص قسماً في مكتبة الإدارة (لتاريخ التعليم في المدينة في عهد مديرية المعارف العامة) .

كما أن الباحثين والقراء يتطلعون بكل شوق إلى الموسوعة التعليمية التي تعتزم وزارة المعارف إصدارها بمناسبة الاحتفاء بمرور مائة عام على فتح مدينة الرياض.

وقد أخبرني بعض الأساتذة المكلفين بإعداد ما يخص التعليم في المدينة في هذه الموسوعة أن الموسوعة بصدد الطبع، وسوف تصدر إن شاء الله تعالى في مطلع العام القادم.

ص: 305

تابع لجهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية

فهرس المصادر

1) آل الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن حسن: لمحات عن التعليم وبداياته في المملكة العربية السعودية، ط1، شركة العبيكان، الرياض، 1412هـ.

2) ابن تيمية: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ط1، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة.

3) أبو الخير: عبد الله مرداد؛ المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، اختصار وترتيب: محمد سعيد العامودي، وأحمد علي، نادي الطائف الأدبي.

4) أبو راس: عبد الله سعيد، وبدر الدين الديب: الملك عبد العزيز والتعليم، ط1، شركة العبيكان، الرياض، 1407هـ.

5) أبو مازن: عبد الحميد بن محمد: نبذة تاريخية عن مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة (مخطوط لدى المؤلف) .

6) الأحمد: محمد بن عبد العزيز: نداء عام من علماء بلد الله الحرام، عني به: محمد عبد العزيز الأحمد، دار الوطن، الرياض.

7) أسد الله؛ أحمد علي: ذكريات، ط1، نادي الطائف الأدبي، 1397هـ.

8) الأنصاري: ناجي محمد حسن عبد القادر؛ التعليم في المدينة المنورة من العام الهجري الأول إلى 1412هـ، دراسة تاريخية وصفية تحليلية، ط1، دار المنار، القاهرة، 1414هـ 1993م.

9) إبراهيم محمد إبراهيم: التعليم النظامي وغير النظامي في المملكة العربية السعودية بين الماضي والحاضر، ط1، عالم المعرفة، جدة، 1405هـ ـ 1985م.

10) ابن دهيش: عبد اللطيف بن عبد الله: التعليم الحكومي المنظم في عهد الملك عبد العزيز نشأته وتطوره، ط1، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، 1407هـ 1987م.

11) بدر: عبد الباسط بدر: التاريخ الشامل للمدينة المنورة، ط1، 1414هـ 1993م.

12) البسام: عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح: علماء نجد خلال ستة قرون، ط1، مكتبة النهضة الحديثة، مكة، 1398هـ

ص: 306

13) بغدادي: عبد الله عبد المجيد: الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية، أصولها ـ جذورها ـ أولياتها، ط2، دار الشروق، جدة، 1406هـ.

14) البليهشي: محمد صالح: مدرسة طيبة الثانوية، ط1، الشركة السعودية للأبحاث والنشر 1415هـ.

15) البليهشي: محمد صالح: المدينة اليوم، ط1، 1402هـ، النادي الأدبي بالمدينة.

16) البيطار: محمد بهجة البيطار الدمشقي: الرحلة النجدية الحجازية، صور من حياة البادية 1338هـ ـ 1920م.

17) التركي: عبد الله بن عبد المحسن: الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية، المنهج القويم في الفكر والعمل، ط2، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1409هـ 1989م.

18) الجاسر: حمد الجاسر: تحقيق رسائل في تاريخ المدينة، ط1، دار اليمامة، الرياض، 1392هـ.

19) حافظ: عبد السلام هاشم حافظ: المدينة المنورة في التاريخ دراسة شاملة، ط3، نادي المدينة الأدبي، 1402هـ ـ 1982م.

20) حافظ: عثمان: صور وذكريات عن المدينة المنورة، ط1،مطابع الفرزدق، الرياض، 1403هـ1983م.

21) حسن الجوادي، وأحمد عزت عثمان: تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية، الجزء الأول: التعليم الابتدائي، الطبعة الأولى، 1406هـ.

22) الحافظ: محمد مطيع. ونزار أباظة: تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري، قدم له: الدكتور شكري فيصل، ط1، دار الفكر، دمشق، 1406هـ 1986م.

23) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، ط2، الرياض، 1414هـ.

24) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية، ط1،المؤلف، الرياض، 1410هـ.

25) الحيدري: دخيل الله عبد الله: التعليم الأهلي في المدينة المنورة من سنة 1344هـ إلى 1404هـ دراسة تاريخية وصفية، النادي الأدبي، المدينة المنورة، 1412هـ 1992م.

ص: 307

26) الخريصي: هشام بن عبد العزيز: شارع العنبرية، المؤلف، ط1، 1415هـ 1994م طبع بمطابع مؤسسة المدينة للصحافة (دار العلم) بجدة.

27) الخطيب: عدنان الخطيب: محمد بهجة البيطار حياته وآثاره، مطبعة الحجاز بدمشق، 1397هـ ـ 1976م.

28) الخياري: أحمد ياسين: أمراء المدينة وحكامها من عهد النبوة وحتى اليوم، ط1، 1382هـ.

29) الخياري: ياسين أحمد ياسين: صورة من الحياة الاجتماعية بالمدينة منذ بداية القرن الرابع عشر الهجري وحتى العقد الثامن منه. ط1/ دار العلم، جدة، 1413هـ.

30) الدائرة للإعلام المحدودة: الموسوعة الثقافية الشاملة للمملكة العربية السعودية، معجم الأدباء والكتاب، الجزء الأول، ط1، 1410هـ.

31) رضا: محيي الدين صالح: رحلتي إلى الحجاز في عام 1353هـ ـ 1935م، مطبعة المنار، مصر، 1354هـ.

32) الزاحم: عبد الله بن محمد: قضاة المدينة المنورة من عام 1363 إلى عام 1418هـ، ط1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1418هـ 1998م.

33) الزركلي: خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط3، دار العلم للملايين، بيروت، 1985.

34) الزركلي: خير الدين: الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط6، دار العلم للملايين، بيروت، 1984م.

35) الزليباني: عبد العزيز بن عبد الرحمن: مدرسة النجاح النموذجية وخمسة وستون عاماً من العطاء، من 1353هـ ـ إلى 1418هـ (مخطوط) لدى المؤلف.

36) الزليباني: عبد العزيز بن عبد الرحمن: مدرسة النجاح في سطور (مطوية)

37) الزيد: عبد محمد: من روادنا التربويين المعاصرين، ط1، المؤلف، جدة، 1404هـ 1984م.

38) زيدان: محمد حسين: ذكريات العهود الثلاثة، ط1، مطابع الفرزدق، الرياض، 1408هـ.

39) زيدان: محمد مصطفى: التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق، بدون تاريخ.

ص: 308

40) السلوم: أحمد بن إبراهيم: الإدارة التعليمية في المملكة العربية السعودية، ط1/ 1406هـ.

41) السلوم: أحمد بن إبراهيم: التعليم العام في المملكة العربية السعودية، ط2، مطابع انترناشنال كرافيكس، واشنطن الولايات المتحدة، 1411هـ 991م.

42) السنبل: عبد العزيز السنبل: نظام التعليم في المملكة، ط3، كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، 1412هـ

43) سِلم: أحمد سعيد: المدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري، بحوث تاريخية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وعادات وتقاليد،ط1، دار المنار، القاهرة، 1414هـ.

44) سِلم: أحمد سعيد، موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال ستين عاماً 1350ـ 1410هـ ط1، 1412هـ 1992م نادي المدينة الأدبي.

45) الشامخ: محمد عبد الرحمن: التعليم في مكة والمدينة آخر العهد العثماني، دار العلوم، الرياض، 1393هـ.

46) الشثري: محمد بن ناصر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، ط1/1417هـ.

47) شراب: محمد محمد حسن: المعالم الأثيرة، دار القلم والدار الشامية، دمشق وبيروت، ط1/1411هـ.

48) شلبي: علي محمد: تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية، ط1، دار القلم، الكويت، 1407هـ.

49) الشنقيطي: عبد الله محمد بابا: عقد الجمان من أضواء البيان، ط1، دار روضة الصغير، الرياض، 1413هـ.

50) عبد الجبار: عمر: سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة، ط3، الكتاب العربي السعودي، تهامة، جدة، 1403هـ 1982م.

51) عبد الرحمن صالح عبد الله: تاريخ التعليم في مكة المكرمة، ط1، دار الفكر، 1392هـ 1973م.

52) عبد الغني: عارف أحمد: تاريخ أمراء المدينة المنورة، دار كنان، دمشق.

53) عمر عادل: عادل حافظ إبراهيم: الإيضاح لملخص أعمال مدرسة النجاح، مكتبة ومطبعة الشيمي، الاسكندرية، 1357هـ.

54) عيسى: أحمد إبراهيم: الحجاز في عام 1356 هجرية، ط1، مطبعة الاعتماد بشارع حسن الأكبر بمصر، 1357هـ.

ص: 309

55) فؤاد حمزة: البلاد العربية السعودية، ط2، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، 1388هـ.

56) الفوزان: إبراهيم فوزان الفوزان: إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، ط1، مطابع الفرزدق، الرياض، 1408هـ 1981م.

57) القاضي: محمد بن عثمان بن صالح؛ روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين، ط1، مطبعة الحلبي الرياض،1400هـ

58) كتبي: أنس يعقوب إبراهيم، أعلام من أرض النبوة، المؤلف، ط1، 1414هـ 1993م المدينة المنورة

59) كتبي: زهير محمد: الفودة رائد الحكمة، ط2، مكة المكرمة، 1413هـ.

60) مجموعة من المعلمين بمدرسة حمزة بن عبد المطلب، تقرير عن مدرسة حمزة بن عبد المطلب (مخطوط)

61) المجذوب: محمد المجذوب: علماء ومفكرون عرفتهم، ط2، عالم المعرفة، جدة، 1403هـ.

62) مرشد: أحمد أمين صالح: طيبة وذكريات الأحبة، ط1، دار البلاد، جدة، 1413هـ.

63) المغامسي: وصل بن حامد: نبذة مختصرة حول المدرسة المنصورية بالمدينة المنورة، (مخطوط) .

64) المغراوي: العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية. رسالة دكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية، قسم المخطوطات.

65) مغربي: محمد علي: ملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، ط1، الكتاب العربي السعودي، جدة/ 1402هـ.

66) مغربي: محمد علي: أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، ط1، دار تهامة، جدة، 1401هـ 1981م.

67) وزارة المعارف: السجل العام لموظفي وطلاب ومباني المدرسة السعودية بقباء.

68) وزارة المعارف: معالم التطور في نظام التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية.

69) وزارة المعارف، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي: المدرسة الناصرية بالمدينة من 1344ـ 1394هـ، الرياض، 1394هـ.

70) ياسين: مأمون محمود: الرحلة إلى المدينة وطريق الحج، ط1، دار نعمة للطباعة، بيروت، 1407هـ 1987م

المجلات والدوريات والمؤتمرات والمحاضرات

ص: 310

71) التميمي: إبراهيم عبد الواحد: ابتدائية القبلتين.. قصة حياة مثيرة (جريدة المدينة – الاقتصادية – العدد 13101، الأربعاء 15 ذو الحجة 1419هـ) .

72) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: جوانب مضيئة لمسيرة التعليم في عهد الملك عبد العزيز (مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة، رجب 1406هـ) .

73) خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز: كلمة في حفل افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز (مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة، رجب، 1406هـ) .

74) الخطيب: عبد الحميد: تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية (مجلة المنهل، ذو القعدة، 1365هـ) .

75) الدفتردار: محمد سعيد: من أعلام المدينة المنورة؛ فضيلة الشيخ أبو بكر بن عمر الداغستاني (مجلة المنهل، جمادى الأولى، 1389هـ) .

76) الدفتردار: محمد سعيد: من أعلام المدينة المنورة؛ فضيلة الشيخ عمار بن عبد الهلالي (مجلة المنهل، شعبان، 1389هـ) .

77) سالم: عطية بن محمد: ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (في الجزء التاسع من أضواء البيان. وهي من محاضرة ألقيت في موسم ثقافات الجامعة الإسلامية.

78) صحيفة أم القرى (الأعداد: 1، 137، 138، 434،693) .

79) العبود: صالح بن عبد الله: الملك عبد العزيز؛ من صفاته القيادية العزم والإرادة (المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود في الفترة من 1ـ5 ديسمبر 1985م) .

80) عطار: مصطفى حسين: الملك عبد العزيز والتعليم (المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود في الفترة من 1ـ5 ديسمبر 1985م) .

81) فايد: محمود عبد الوهاب: الشريعة والاجتهاد وخطر العصبية المذهبية على وحدة المسلمين (المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه وإعداد الدعاة، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، في الفترة من 28 ـ30 ربيع الأول 1404هـ) .

ص: 311

82) مجلة المنهل: جـ 7، م 27، رجب 1386هـ ترجمة أحمد علي أسد الله.

83) النقشبندي: عبد الحق: الشيخ عبد القادر شلبي (مقال نشر بمجلة المنهل، السنة 48 ـ المجلد 44 ـ رمضان وشوال 1402هـ يوليه وأغسطس 1982م.

ص: 312

التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية

إعداد

د. محمد بن يوسف أحمد عفيفي

الأستاذ المساعد بقسم التربية

كلية الدعوة وأصول الدين

محتويات البحث

المقدمة 394

- المبحث الأول: ويشتمل على: 397

أولاً – الإطار العام للبحث:

موضوع البحث.

أهمية البحث.

مصطلحات البحث.

منهج البحث.

حدود البحث.

ثانياً – الدراسات السابقة.

- المبحث الثاني: (تاريخ التعليم الخاص في المملكة) ويشتمل على: ...... 400

بداية ظهور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.

تطور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.

نشأة إدارة التعليم الخاص.

المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص – نشأتها وتطوّرها.

- المبحث الثالث: ويشتمل على ما يلي: 407

أولاً - تعريف بمعاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.

معاهد النور.

معاهد الأمل.

معاهد التربية الفكرية.

ثانياً – أهم أوجه الرعاية التي تقدمها الدولة لطلاب التعليم الخاص.

النتائج. 417

التوصيات.

417

ـ الخاتمة. 419

ـ المراجع. 420

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: {لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيِضِ حَرَجٌ

} الآية (1) .

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – يرحمه الله – في تفسير هذه الآية: "ليس على هؤلاء جناح في ترك الأمور الواجبة التي تتوقف على واحد منها. وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة المريض".

(1) سورة النور: آية 61. وسورة الفتح: آية 17.

ص: 313

فالإسلام الدين السمح، راعى هذه الفئة من المجتمع مراعاة خاصة تتناسب وظروفهم الصحية، وما ابتلوا به من فقد لبعض الحواس، بل أوجب دفع كل ما يؤلمهم ويشعرهم بالنقص عن الأسوياء، قال الضحاك في تفسير الآية الكريمة السابقة:"كان الناس قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء – المبتلين بفقد بعض حواسهم – تقذراً وتعززاً ولئلا يتفضلوا عليهم فأنزل الله الآية السابقة". والآية الكريمة بهذا المعنى فيها توجيه تربوي هام وهو: احترام هذه الفئة وتقديرهم والعطف عليهم، وهذا جانب مشرق من جوانب ديننا الإسلامي الحنيف الذي يدين به جميع سكان المملكة العربية السعودية، بعكس ما هو معمول به في بعض الدول تماماً حيث ينظر إلى المريض الذي لا يرجى برؤه، والمصاب بإعاقة من أنواع الإعاقات على أنه عبء ثقيل على مجتمعه يرهقه مادياً ولا يستفيد منه في المقابل بأي شيء فقد تناولت الأوساط الطبية والتشريعية هذه الأيام قضية في غاية الأهمية وهي ما يسمى (قتل الرحمة) . فقد أصدر (هربرت هندن) وهو طبيب نفساني هولندي في أواخر عام 1996م كتاباً باسم (إغراء الموت) أشار فيه إلى أن الانتحار بمساعدة الطبيب أمر مصرح به قانوناً في هولندا منذ سنوات، وهو يري أن العلاج الهولندي القاضي بقتل المريض أو المعوُق الذي لا أمل في شفائه هو الحل الأمثل لتخليص مثل هؤلاء من آلامهم وللتخفيف من أعباء علاجهم، واستغلال الخدمات الطبية والرعاية المقدمة لهم في علاج المرضى المؤمل في شفائهم، ويذهب ضحية قتل الرحمة في هولندا حوالي (2300) شخص سنوياً.

ص: 314

وانطلاقاً مما جاءت به الشريعة الإسلامية من كفالة ورعاية جميع المواطنين فقد اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية برعاية وتعليم ذوى الحاجات الخاصة، فقدمت لهم المال، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والتعليم، وفرص العمل الكريم، وساعدتهم على الاندماج مع باقي أفراد المجتمع، لذا فإن اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية بالتعليم الخاص جديرٌ بأن يُكتب عنه، وأن يحتل مكانه اللائق به بين الإنجازات العملاقة التي حققتها المملكة في مجال التربية والتعليم، وتحقيق الرفاهية لسائر أبناء الوطن.

وقد اختار الباحث الكتابة في هذا الموضوع لأنه يخص تعليم فئة قليلة في المجتمع- ذوي الحاجات الخاصة - التي ربما لم يعرف الكثير من الناس بما حظيت به من اهتمام ورعاية وتعليم من قبل الدولة – أيَّدها الله – وقد قُسم البحث إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول – اشتمل على بيان بموضوع البحث، وأهميته، وتعريف بمصطلحاته ومنهجه، ثم عرضٍ لأهم الدراسات السابقة التي أفاد منها الباحث.

المبحث الثاني – تضمن عرضاً تاريخياً للتعليم الخاص في المملكة العربية السعودية منذ ظهوره حتى الآن.

المبحث الثالث – أُفرد للتعريف بمعاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية (معاهد النور- معاهد الأمل – معاهد التربية الفكرية) ، والتعريف بأهم أوجه الرعاية التي تقدمها الدولة للمعوقين.

تلا ذلك عرضاً لأهم النتائج والتوصيات.

وفي نهاية هذه المقدمة يتوجه الباحث بالشكر لله عز وجل ثم لسعادة المربي الفاضل الأستاذ/ صويلح بن عمران دهيثم مدير معهد التربية الفكرية بالمدينة المنورة على ما قدمه من تعاون، وما زود به الباحث من مراجع في مجال البحث فجزاه الله خير الجزاء، كما يشكر الزملاء بقسم التربية في كلية الدعوة وأصول الدين على ما قدموه من مراجع ونصائح أفادت الباحث كثيراً.

المبحث الأول

أولاً – الإطار العام للبحث.

* موضوع البحث:

ص: 315

يتناول البحث الحديث عن تاريخ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية، وما بذلته حكومة المملكة العربية السعودية من جهود من أجل رعاية وتعليم فئة معينة من المجتمع ابتليت بفقد بعض الحواس.

* أهمية البحث:

يُعرف بعض الباحثين ذوى الحاجات الخاصة بالحائرين، أو المحرومين؛ لأنهم حرموا من أشياء كثيرة بسبب الإعاقة، ومن الأشياء التي حرموا منها كثرة الكتابة عنهم والتعريف بتعليمهم بخلاف القضايا التربوية المختلفة في التعليم العام التي لا تكاد تخلو منها صحيفة من الصحف اليومية، فما يكتب عن التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية يُعد – من وجهة نظر الباحث – قليلاً رغم ما يحظى به هذا النوع من التعليم من اهتمام ورعاية ودعم من الدولة؛ لذا رغب الباحث في الكتابة عن هذا النوع من التعليم وتقديمه للقارئ.

* مصطلحات البحث:

1-

التربية الخاصة:

التربية الخاصة فرع من فروع التربية العامة وهي: (نمط من الخدمات، والبرامج التربوية تتضمن تعديلات خاصة سواء في المناهج، أو الوسائل، أو طرق التعليم، استجابة للحاجات الخاصة لمجموع الطلاب الذين لا يستطيعون مسايرة متطلبات برنامج التربية العادية. وعليه فإن خدمات التربية الخاصة تقدم لجميع فئات الطلاب الذين يواجهون صعوبات تؤثر سلبياً على قدراتهم على التعلم، كما أنها تتضمن ـ أيضاً ـ الطلاب ذوي القدرات والمواهب المتميزة. ويطلق اصطلاحاً على تلك الفئات مفهوم ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة) .

2 ـ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية:

هو فرع من فروع التعليم بوزارة المعارف، والرئاسة العامة لتعليم البنات، يختص بتربية وتعليم الأفراد من الجنسين الذين يعانون من إعاقات حسية، مثل كف البصر، أو الصمم، أو جسدية مثل: الشلل، أو عقلية: مثل التخلف العقلي، أو غير ذلك من الإعاقات الاجتماعية، أو العاطفية، أو النفسية التي تمنعه عن مسايرة أمثاله من الأصحاء.

ص: 316

ويقصد بالتعليم الخاص في هذا البحث تعليم المكفوفين المتمثل في معاهد النور، وتعليم الصم المتمثل في معاهد الأمل، وتعليم محدودي الذكاء المتمثل في معاهد التربية الفكرية.

3-

ذوو الحاجات الخاصة:

هم: كل من لديهم قصور جسمي، أو نفسي، أو عقلي، أو خِلقي يمثل عقبة في سبيل قيامهم بواجبهم في المجتمع ويجعلهم قاصرين عن الأفراد الأسوياء الذين يتمتعون بسلامة الأعضاء وصحة وظائفها. كما يندرج أيضاً تحت هذا المصطلح ذوي القدرات والمواهب المتميزة.

* منهج البحث:

استخدم الباحث المنهج التاريخي؛ لمناسبته للموضوع. فحاول تتبع تاريخ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية منذ نشأته إلى الآن وهو ما يعرف بوصف ظاهرة معينة في الواقع.

حدود البحث:

سوف يقتصر الحديث في هذا البحث على (التعليم الخاص) الذي تقدمه حكومة المملكة العربية السعودية للطلاب، وتشرف عليه وزارة المعارف.

ثانياً- الدراسات السابقة:

رجع الباحث إلى الكثير من الأبحاث للإفادة منها في كتابة هذا البحث، منها:

1-

أبحاث المؤتمر الأول للجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأطفال المعوقين في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض في الفترة من 12-16 جمادى الأولى لعام 1413هـ.

2-

بحوث وتقارير ووثائق المؤتمر العام الخامس للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1402هـ.

3-

إصدارات وزارة المعارف عن التعليم الخاص مثل:

أـ أربعون عاماً من عمر التعليم في وزارة المعارف 1373-1413هـ سمات وملامح.

ب ـ جهود وزارة المعارف في مجال المعوقين خلال عقد هيئة الأمم المتحدة لمشاركة العجزة والمعوقين في الحياة العملية 1982-1992م.

ت ـ تطور خطط تعليم البنين في المملكة العربية السعودية خلال خطط التنمية 1390- 1412هـ.

المبحث الثاني

* بداية ظهور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية:

ص: 317

إن نشأة التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية قديمة جداً بدأت بجهود مخلصة من المعاهد العلمية، ففي عام 1371هـ فتح المعهد العلمي بالرياض أبوابه واحتضن الطلبة المكفوفين في فصول خاصة أطلق عليها (التعليم الخاص) .

وكان الطالب الكفيف في هذه الفصول يُعفى من بعض المواد، مثل: الرياضيات، والجغرافيا ويقتصر على مواد التربية الإسلامية، واللغة العربية وبعض المواد النظرية الأخرى.

واستمر فتح الفصول الدراسية للمكفوفين في كل من دار التوحيد بالطائف، وكلية الشريعة بمكة المكرمة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

ثم في عام 1372هـ وأوائل 1373هـ بدأ ثلاثة من الأشخاص هم:

1.

محمد بن سعد بن حسين

2.

محمد بن عبد الرحمن المفدى

3.

علي السويد

بتعلم طريقة (برايل) ، وانضم إليهم فيما بعد (عبد الله الغانم) .

واستمرت هذه الجهود الفردية منحصرة في هؤلاء الأشخاص في تعلم وتعليم طريقة (برايل) حتى عام 1377هـ حيث سُمح لهم بفتح فصول مسائية ملحقة بكلية اللغة العربية بالرياض، والتحق بها بعض المكفوفين، والمبصرين من منسوبي المعاهد العلمية والكليات في ذلك الوقت.

ص: 318

واستمرت هذه الجهود تنمو وينتشر خبرها بين الأوساط في المجتمع، فجاءت الاستجابة السريعة من وزارة المعارف، وتمثلت هذه الاستجابة في منح هؤلاء الأشخاص مدرسة (جبرة) الابتدائية في الفترة المسائية لتكون مقراً لتعليم المكفوفين طريقة (برايل) ، وكان ذلك عام 1378هـ. ومنحت الوزارة المشرفين على تعليم المكفوفين في هذه المدرسة إعانات مالية، وكان مقدار الدفعة الأولى (7) آلاف ريال، وفي الدفعة الثانية تضاعف المبلغ إلى (14) ألف ريال؛ لتسهم هذه الإعانات المالية في تأمين بعض المستلزمات والوسائل التعليمية الخاصة بهذه الطريقة. وفي عام 1378هـ زار الملك سعود – يرحمه الله – هذه المدرسة للاطلاع عن كثب على هذه الطريقة، وقد سره ما شاهده من أساليب التعلم الجديدة فأصدر توجيهاته الكريمة بمنح مقر دائم لهذه المدرسة يقع في حي الظهيرة بالرياض.

* تطور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية

استمر الحال على ذلك حتى عام 1380هـ حيث أصبح لدى وزارة المعارف القناعة التامة بهذا النوع من التعليم. فعمدت إلى ضم المعهد إليها وتحولت الفصول المسائية إلى معهد نهاري سمي (معهد النور بالرياض) له ميزانية خاصة ضمن ميزانية وزارة المعارف، وتم افتتاحه رسمياً في أول جمادى الأولى عام 1380هـ التحق به في تلك السنة حوالي (110) طالباً.

ص: 319

وفي عام 1382هـ قررت وزارة المعارف تعميم الفائدة من هذه المعاهد في أنحاء المملكة جميعها فافتتحت معهدين جديدين أحدهما في مكة المكرمة، والآخر: في مدينة عنيزه. وكانت وزارة المعارف قد هيّأت ظروف افتتاح هذين المعهدين بإقامة دورة مسائية في (معهد النور بالرياض) لتدريب مدرسين سعوديين للعمل في هذه المعاهد سعياً وراء الاكتفاء الذاتي. حيث تخرَّج في هذه الدورة (25) مدرساً من الذين يحملون شهادة معاهد المعلمين، والذين عملوا في حقل التعليم لمدة ثلاث سنوات بعد تخرجهم. وقد تم تعيين هؤلاء جميعاً في هذه المعاهد بدرجات أعلى من درجاتهم العادية التي كانوا عليها وذلك تشجيعاً لهم للعمل في حقل التعليم الخاص.

ومنذ ذلك الحين زيد في رواتب معلمي التعليم الخاص كبدل طبيعة عمل لدعمهم، وتشجيعهم على الإخلاص والعطاء والصبر على تعليم هذه الفئة من أبناء وطننا الغالي.

* نشأة إدارة التعليم الخاص:

منذ ذلك الوقت أصبح التعليم الخاص محل اهتمام ورعاية الدولة، ففي عام 1382هـ أصدر وزير المعارف معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ – يرحمه الله – قراراً بإنشاء أول إدارة للتعليم الخاص لتتولى مسؤوليات التخطيط لبرامج التعليم الخاص والإشراف عليها ومتابعة تطورها.

وقد قامت هذه الإدارة بجهود متواصلة في مساعدة المعوقين وتقديم التعليم لهم، ففي عام 1383هـ تم افتتاح معهدٍ للمكفوفين في (الهفوف) ثم افتتح معهد الأمل للصم في (الرياض) عام 1384هـ، وفي العام نفسه افتتح معهد للكفيفات في (الرياض) وذلك تطبيقاً لمبدأ إتاحة فرص التعليم لجميع المواطنين الذكور والإناث على السواء، وفي عام 1387هـ تم افتتاح معهدين للمكفوفين أحدهما في (المدينة المنورة) والآخر في (القطيف) .

ولقد روعي في افتتاح هذه المعاهد تغطية حاجات المناطق التعليمية بناءً على الإحصائيات الواردة لإدارة التعليم الخاص.

* المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص نشأتها وتطورها:

ص: 320

في عام 1392هـ تطورت إدارة التعليم الخاص إلى مديرية عامة ذات أقسام متخصصة حيث أصبح اسمها (المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص) تضم ثلاثة أقسام هي:

1.

إدارة تعليم المكفوفين.

2.

إدارة تعليم الصم.

3.

إدارة التربية الفكرية.

تهدف هذه الإدارات إلى تحقيق أهداف التعليم الخاص بشكل عام على النحو التالي:

1.

تربية وتعليم المعوقين بوسائل تتناسب مع قدراتهم ومواهبهم واستعداداتهم ومع نوعية الإعاقة الموجودة لدى الفرد.

2.

تدريب الحواس المتبقية لدى المعوق تدريباً يجعله يعتمد عليها ويستفيد منها في اكتساب الخبرات المتنوعة والمعارف المختلفة.

3.

تقديم الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية المناسبة للمعوقين كي يتكيفوا مع المجتمع الذي يعيشون فيه تكيفاً يشعرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه هذا المجتمع.

4.

تعديل الاتجاهات الخاطئة لأسر هؤلاء الأطفال وذلك بالتعاون الدائم بين المنزل والمدرسة.

5.

تأهيل من لا يستطيع مواصلة الدراسة في الأقسام النظرية الأكاديمية تأهيلاً مهنياً بحيث يكتسب مهارة مهنية معينة تناسب قدرته على كسب عيشه مستقلاً معتمداً على نفسه.

وبعد إنشاء المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص بأقسامها الثلاثة، وتحديد الأهداف السالفة بدأ ينتظم التعليم الخاص بصورة أفضل ووضعت خطط للتطوير والتوسع في افتتاح معاهد التعليم الخاص بفروعها المختلفة حتى بلغ عدد معاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية (69) معهداً في مناطق المملكة الإدارية المختلفة والجدول في الصفحة التالية يوضح التوسع الكمي وانتشار معاهد التعليم الخاص في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة. ثم تطورت المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص وتغير اسمها إلى (الأمانة العامة للتعليم الخاص) ، وأخيراً عُدِّل هذا الاسم إلى (الأمانة العامة للتربية الخاصة) .

ص: 321

جدول يوضح انتشار التعليم الخاص في مناطق المملكة المختلفة في العام 1417-1418هـ

المناطق الإدارية

الإدارة التعليمية

عدد مدارس التربية الخاصة

عدد الفصول

عدد الطلاب

عدد المعلمين

الرياض

الرياض

11

166

1530

332

الخرج

2

16

122

29

الزلفي

1

2

22

5

وادي الدواسر

3

3

26

3

مكة المكرمة

مكة المكرمة

3

42

376

92

الطائف

3

32

295

60

جده

6

99

975

194

القنفذة

1

1

6

2

الليث

4

4

26

3

المدينة المنورة

المدينة المنورة

3

43

351

80

ينبع

1

1

16

4

القصيم

القصيم

3

38

293

72

الرس

1

3

30

4

عنيزه

1

5

42

9

الشرقية

الشرقية

4

46

390

92

الأحساء

5

68

544

128

حفر الباطن

2

11

80

20

عسير

عسير

3

48

443

91

حائل

حائل

2

9

73

19

تبوك

تبوك

2

23

199

42

الجوف

الجوف

2

9

47

17

القريات

2

5

39

8

جيزان

جيزان

2

20

171

38

نجران

نجران

2

9

70

15

المجموع

69

703

6166

1359

يبين الجدول السابق ما يلي:

1 ـ أن متوسط عدد الفصول في مدارس التعليم الخاص للبنين في المملكة (10) فصول تقريباً في كل مدرسة.

2 ـ متوسط عدد الطلاب في كل فصل (9) طلاب تقريباً.

3 ـ خصص لكل فصل عدد (2) من المعلمين.

وهذه الأرقام عبارة عن مؤشر إحصائي يؤكد ما يحظى به التعليم الخاص في المملكة من رعاية فقد وُفر له جميع الاحتياجات اللازمة: من عدد المدارس، والفصول، ووفرة في عدد المعلمين بحيث يحظى كل طالب بما يحتاجه من وقت المعلم خصوصاً وأن تعليم ذوى الحاجات الخاصة يحتاج إلى جهد وصبر ووقت طويل نظراً لإمكانيات وقدرات وظروف الطلاب الجسمية والنفسية.

المبحث الثالث

أولاً - معاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية

يُقدم التعليم الخاص في المملكة من خلال ثلاثة معاهد هي:

معاهد التعليم الخاص

معاهد النور

معاهد الأمل

معاهد التربية الفكرية

أ – معاهد النور:

ص: 322

تعليم المكفوفين هو نواة التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية – كما سبق – وقد حظي هذا النوع من التعليم الخاص برعاية فائقة من قبل المسؤولين يقيناً منهم بإمكانات وقدرات الكفيف الفذة التي منحه الله إياها، ولأن الحاجة إلى العقول المبصرة أشد من الحاجة إلى العيون المبصرة. قال تعالى:{أَفَلمْ يَسِيُرواْ في الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ أذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} (1)

قال ابن كثير – يرحمه الله – في تفسير هذه الآية أي: ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر، ولا تدري ما الخبر، ثم أورد قول الشاعر:

يامن يصيخ إلى داعي الشقاء وقد

نادى به الناعيان الشيب والكبر

إن كنت لاتسمع الذكرى ففيم ترى

في رأسك الواعيان السمع والبصر

ليس الأصم والأعمى سوى رجل

لم يهده الهاديان العين والأثر (2)

وخطط وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية طموحة جداً قد تجاوزت حد تعليم الإنسان الكفيف إلى مجال تثقيفه وبناء قدراته العقلية فأنشأت من أجله معاهد النور بمراحلها الثلاث: الابتدائية والمتوسطة والثانوية. والدراسة بهذه المدارس تعادل الدراسة في مراحل التعليم العام من حيث مراحلها، وعدد سنوات كل مرحلة، وشهاداتها معادلة لشهادات التعليم العام.

(1) سورة الحج: آية 46.

(2)

ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص238.

ص: 323

(تقدم هذه المعاهد البرامج التربوية، والتأهيلية، والثقافية للمكفوفين من البنين، والبنات إلى جانب الرعاية الصحية، والاجتماعية، والنفسية، وتسير معظم معاهد النور على نظام المدارس الداخلية حيث تضم المعاهد قسماً داخلياً يقيم فيه ويُفيد من خدماته الطلبة والطالبات الملتحقين بالمعهد من خارج المدينة التي هو فيها ويوفر للطلبة في السكن الداخلي: التغذية، والملابس إلى جانب الخدمات الترفيهية، والأنشطة المناسبة) .

وحالياً تطبق الوزارة أسلوب الدمج الكامل للطلاب المكفوفين في المرحلة الثانوية بالتعليم العام بعد أن أثبتت الدراسات التربوية نجاحه في تعليم المكفوفين.

وقد عملت الوزارة على تطوير تعليم المكفوفين والرقي به وذلك من خلال ما يلي:

1 ـ تطوير خطط ومناهج الدراسة بمعاهد النور بالمراحل التعليمية المختلفة، بحيث تضمنت إدخال مادة (فن التحرك وإدراك الاتجاهات) في المرحلة الابتدائية، وتدريس مادة (الآلة الكاتبة) بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، وإدخال مادة (الحاسب الآلي) في المرحلة الثانوية.

2 ـ قيام المكتبة المركزية الناطقة بتسجيل المقررات الدراسية الجديدة والمعدلة على أشرطة كاسيت وتزويد كافة معاهد النور بنسخة منها كي تكون في متناول المدرسين والطلاب.

3 ـ إنشاء مرحلة تحضيرية للأطفال المكفوفين من سن خمس سنوات بهدف تهيئة الطفل الكفيف تربوياً، ونفسياً، واجتماعياً، للتعليم بالمرحلة الابتدائية وتدريب حواسه، وحاسة اللمس لديه بوجه خاص، وإكسابه مهارات الحياة الاجتماعية اليومية.

ولم تكن هناك فرص عمل أمام الخريج من المرحلة الثانوية لمعاهد النور إلا العمل مدرساً لطلاب المرحلة الابتدائية في معاهد النور نفسها، ونادراً في المدارس الابتدائية في التعليم العام. وهذا غير كاف لدمج الكفيف في المجتمع، وتوظيف واستغلال باقي حواسه، وتحقيق الاستفادة القصوى من قدراته وإمكانياته التي منحها الله إياه.

ص: 324

إلى أن جاء قرار مجلس الوزراء الكريم رقم 15 وتاريخ 26/2/1400هـ الذي أتاح للحاصلين على المرحلة الثانوية من المكفوفين فرصة الالتحاق بالجامعات في إحدى التخصصات المناسبة لظروفهم في الكليات النظرية تشجيعاً لهم على إكمال دراستهم الجامعية؛ حتى تكون لهم فرص العمل ميسورة بشكل أوسع وأفضل.

وبالفعل كان هذا القرار حكيماً فقد حقق أكثر هؤلاء الدارسين تفوقاً كبيراً في دراستهم الجامعية. نتج عنه أن أُتيحت لهم فرص عمل كثيرة بعد تخرجهم من الجامعة على سبيل المثال: (التدريس في المرحلتين المتوسطة والثانوية في مدارس التعليم العام – القضاء – الإمامة والخطابة – الترجمة الفورية – الخدمة الاجتماعية) .

هذا ما يخص الكفيف، أو الكفيفة وهما في سن التعليم النظامي (6ـ18) سنة، أما من فاتهم سن التعليم فقد أنشأت من أجلهم (أقساماً مهنية سارت الدراسة فيها وفق منهج خاص يعلمهم القراءة والكتابة ودروساً ثقافية تهدف إلى دمجهم في المجتمع إلى جانب تدريبهم على الصناعات التقليدية للمكفوفين مثل أشغال الخيزران والنسيج ونحوها وبهذا يكونون أعضاء فاعلين في المجتمع.

ب – معاهد الأمل للصم:

يعرف الطفل الأصم بأنه من فقد السمع كلياً أو جزئياً ولا يتكلم. واهتمام الدولة برعاية وتعليم الطفل الأصم قديم (فقد أنشئت أول معهدين للأمل للبنين والبنات في الرياض عام 1384هـ تلا ذلك معهدا الأمل للبنين والبنات في جدة عام 1393هـ ثم معهد الأمل المتوسط المهني بالرياض عام 1393هـ ثم معهد الأمل بالأحساء عام 1395هـ تلاه معهدا الأمل للبنين والبنات بالمدينة المنوَّرة عام 1397هـ.)(1)

(1) النشرة السنوية لمعهد الأمل للبنات بالمدينة المنورة، 1397-1398هـ، مطابع التاج.

ص: 325

وتسير الدراسة في معاهد الأمل على أساس الأخذ بالاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم المعوقين؛ لذا فإن نظام التعليم في معاهد الأمل يبدأ بالمرحلة الابتدائية ومدة الدراسة فيها (8) سنوات وتعد السنتان الأولى والثانية مرحلة إعداد وتهيئة لتعليم اللغة والنطق مبكراً قبل أن يفقد جهاز النطق قدرته.

وتطبق في معاهد الأمل مناهج تساير مناهج التعليم العام مع مراعاة حالة الطفل من حيث النطق، وعند حصول الطالب على الشهادة الابتدائية ينتقل إلى المرحلة المتوسطة المهنية ومدة الدراسة بها (3) سنوات يدرس الطالب خلالها مناهج ثقافية ومهنية متطورة ذات تخصصات مختلفة تتناسب وطبيعة الدارس منها: الآلة الكاتبة، وأعمال الكهرباء بالنسبة للبنين، والتفصيل، والخياطة، والتريكو الآلي واليدوي، والتدبير المنزلي بالنسبة للبنات.

وتوفر وزارة المعارف لمعاهد الأمل أحدث الأجهزة الفنية، والوسائل المعينة المناسبة لمثل هؤلاء الطلاب.

وحيث إن من شروط القبول في معاهد الأمل أن لا يقل سن القبول في المرحلة التحضيرية عن أربع سنوات ولا يزيد عن ست سنوات. فإن الدولة لم تغفل كبار السن من الصم والبكم الذين لا تتوفر فيهم شرط القبول فأنشأت من أجلهم (قسم للتأهيل المهني لكبار السن من الصم والبكم ومدة التدريب به أربع سنوات ويشتمل على أقسام: النجارة، والتنجيد، والتفصيل، والخياطة، وصناعة الجلود والأحذية) .

ص: 326

وبهذا يندمج الأصم مع المجتمع، ويتفاعل معه ويشعر بأنه عنصر فعّال فيه يقدم خدمات لأفراده من خلال المهنة التي اكتسبها، وفي الوقت نفسه يتوفر له عمل شريف يحفظ له ماء وجهه ويوفر له من المال ما يسد احتياجه واحتياج أسرته، بدلاً من أن يُنظر إليه نظرة الشفقة والعطف من المجتمع. خصوصاً وأن الأصم يشعر بعزلة شديدة عن المجتمع لأنه فقد وسائل الاتصال بالمحيطين به: النطق والسمع معاً. فينشأ منذ الصغر في عزلة عن الأقران والرفاق مما يسبب له آثاراً نفسية سيئة تزيلها الأهداف السامية والجهود المخلصة لمعاهد الأمل للصم.

ج - معاهد التربية الفكرية:

معاهد التربية الفكرية في المملكة العربية السعودية هي النوع الثالث من معاهد التعليم الخاص ويلتحق بها فئة من الطلاب حالتهم أصعب من حالة الطلاب المكفوفين، والطلاب الصم؛ لأنهم ابتلوا بنقص في الذكاء، والإدراك الذي لا يجعلهم كالأطفال العاديين، وقد يكون هذا النقص شديداً مما يجعل تعليمهم فيه نوع من التحدي الذي يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد والصبر. وقد أخذت حكومة المملكة على عاتقها رعاية وتعليم المواطنين جميعهم فأنشأت من أجلهم معاهد التربية الفكرية التي تهدف إلى ما يلي:(1)

1 ـ تنمية قدرة الطفل من هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة على التعامل مع الآخرين عن طريق الاشتراك في المواقف والخبرات الاجتماعية المناسبة المتكررة بهدف تحقيق التوافق الاجتماعي، وذلك عن طريق برنامج نشاط اجتماعي، يعتمد على المشاركة والمساهمة في مواقف مشوقة.

2 ـ غرس القيم الدينية والخلقية الإسلامية السائدة في المجتمع.

(1) وزارة المعارف المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص مناهج مرحلة التهيئة (التحضيرية) والمرحلة الابتدائية لمعاهد التربية الفكرية (93/1394هـ) ص1.

ص: 327

3 ـ تحقيق التكيف والتوافق الانفعالي والشعور بالأمن وتنمية الثقة بالنفس والاستقلال الذاتي للطفل في الأسرة والمعهد، والاهتمام بالتوجيه والإرشاد النفسي لتحقيق الصحة النفسية للطفل.

4 ـ تنمية الوعي الصحي، واكتساب العادات الصحية السليمة، واكتساب المهارات اللازمة، لاتقاء وتجنب الحوادث، وطرق الوقاية والعلاج والإسعاف الأولي.

5 ـ اكتساب المهارات الأكاديمية الأساسية من قراءة وكتابة وحساب وغيرها.

6 ـ اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للقيام بالأعمال اليومية مثل استخدام المواصلات والتعامل بالأرقام.

7 ـ اكتساب القدرة على شغل وقت الفراغ عن طريق برامج النشاط الترفيهي.

8 ـ تنمية القدرة على الكلام والنطق الصحيح.

9 ـ تنمية القدرة البصرية والسمعية والحركية والعضلية والمهارات اليدوية.

10 ـ تعد معاهد التربية الفكرية مراكز توعية للمجتمع عامة ولأولياء الأمور خاصة بخصائص وقدرات الأطفال الدارسين في هذه المعاهد لتحقيق التعامل السليم معهم.

وبعد التحاق الطفل بمعهد التربية الفكرية يبدأ الدراسة بمرحلة التهيئة ومدتها سنتان، وهي بمثابة إعداد الطفل للدراسة والاندماج مع زملائه، يليها المرحلة الابتدائية، ومدة الدراسة بها ست سنوات، يتلقى الطلاب – كل حسب قدراته العقلية وظروفه الخاصة – بعض الخبرات من قراءة، وكتابة، ومعلومات عامة بجانب إكسابهم المهارات الأساسية، والاتجاهات السلوكية، والاجتماعية السليمة، وهناك منهج متكامل، وكتب مطبوعة، خاصة بطلاب معاهد التربية الفكرية ترسل من الأمانة العامة للتربية الخاصة.

وبعد هذه المرحلة يلتحق الطالب بالمرحلة المهنية، وتبلغ مدة الدراسة بها أربع سنوات، يدرب الطالب فيها على إحدى المهن المناسبة لقدراته واستعداداته وميوله.

ص: 328

ونظراً لكون الاختبارات- بمعناها المعروف- لا تناسب هذه الفئة من الطلاب؛ لذا فإنهم يخضعون لعملية تقويم مستمرة، على مدار السنة تشمل جوانب شخصية الطفل وتحصيله الدراسي، وفي نهاية العام الدراسي وبناء على التقارير الفنية للمدرسين والاخصائيين يحدد مدى نمو قدرات الطالب ودرجة تحصيله. فينقل إلى الصف التالي أو يعيد في الصف نفسه.

وقد تطور نظام الامتحانات مؤخراً في معاهد التربية الفكرية فأصبح هناك اختبارات شهرية وفصلية، لكنها مبسطة جداً في الكم والكيف حسب ما تسمح به قدرات الطلاب وإمكانياتهم الذهنية.

ثانياً - أهم أوجه الرعاية التي توفرها الدولة لطلاب التعليم الخاص:

بعد هذا التعريف بنظام الدراسة بمعاهد (التعليم الخاص) في المملكة العربية السعودية، وما بذلته الدولة في ذلك، بقي أن نتعرف على الخدمات الأخرى التي قدمتها الدولة لذوي الحاجات الخاصة؛ لتمكينهم من توسيع المشاركة والاندماج مع أقرانهم العاديين وهي على النحو التالي:

أ – أوجه الرعاية المختلفة:

1-

الرعاية الاجتماعية:

يؤدي المشرف الاجتماعي أو المرشد الطلابي دوراً مهماً في توجيه الخدمات التي يحتاجها الطالب المعوق بالتعاون مع المدرسين، والمسؤولين عن برامج الرعاية بالمعهد، ومن خلال الأقسام الداخلية الملحقة بمعاهد التعليم الخاص، فإن الدولة وفرت متطلبات الإقامة، والإعاشة الكاملة للطلبة مجاناً.

2-

الرعاية الطبية والصحية:

تُزود الوحدات الصحية الملحقة بمعاهد التعليم الخاص بالأجهزة، والأطباء، والفنيين المؤهلين لإجراء الفحوص، وصرف العلاج، والتحويل إلى المستشفيات التخصصية الحكومية لمن تتطلب حالته ذلك.

3 – الرعاية المالية:

تصرف الدولة لكل طالب منتظم بالدراسة بمعاهد التعليم الخاص مكافأة شهرية على مدار العام بما في ذلك شهور الإجازة الصيفية، وتختلف في مقدارها حسب المرحلة التعليمية وحسب إقامته بمفرده أو مع أسرته.

4-

الأنشطة غير الصفية:

ص: 329

وتشمل تنظيم المسابقات الثقافية، والرياضية، والفنية مع طلاب التعليم العام، وفي المنافسات التي تنظم خارج المملكة، كما تشمل المشاركة في المعارض الفنية وحضور الندوات وزيارة المعالم والمؤسسات العامة في المنطقة وتنظيم البرامج الحرة من خلال رحلات ترفيهية وتثقيفية لأهم معالم المملكة.

ب - الحقوق والامتيازات والتسهيلات التي تقدمها الدولة لذوي الحاجات الخاصة:

صدر الكثير من التشريعات والقرارات والتوصيات التي تهدف إلى تمكين المعوقين من المشاركة بما لديهم من قدرات واستعدادات في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ليعيشوا باستقلالية وباعتماد على الذات وعلى قدم المساواة مع إخوانهم من أفراد المجتمع.

ومن أبرز هذه الحقوق والامتيازات ما يلي:

1-

التعيين والتشغيل:

هيأت الدولة فرص التوظيف والتشغيل للمعوقين المؤهلين بمختلف مستويات التأهيل العلمي، والمهني في الوظائف الحكومية إضافة إلى تشغيل نسبة من المعوقين المؤهلين لاتقل عن 2% في المؤسسات الأهلية التي لايقل عدد العمال بها عن خمسين عاملاً، وتفريغ المدرسين المكفوفين للدراسة الجامعية مع احتفاظهم بوظائفهم.

2-

الإعانات والمنح:

أصدرت الدولة أكثر من قرار بشأن تخصيص إعانة مالية تقدر بـ (50) ألف ريال لكل شخص معوق، مؤهل مهنياً للقيام بمشروع فردي أو جماعي وتطبيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي أصدرت الدولة قراراً يقضي بصرف إعانة نقدية للمعوق الذي لا يستفيد من برامج التعليم أو التأهيل أو الذي لا يستطيع الحصول على دخل يكفي نفقات حياته، وتتراوح هذه الإعانة ما بين ستة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال سنوياً.

3 ـ في مجال النقل والمواصلات:

أصدرت الجهات المختصة في المملكة أكثر من قرار يقضي بتخفيض أجور السفر والانتقال على الطائرات، والبواخر، والقطارات، ووسائل النقل الجماعي الحكومية لأفراد هذه الفئة بواقع (50 %) .

ص: 330

هذا إلى جانب الكثير من القرارات التي تمكن المعوقين من الوصول إلى الجهات الحكومية وتسهل تحركاتهم داخلها بحرية وأمان وقضاء أمورهم بأنفسهم.

نتائج البحث:

أسفر البحث عن عدة نتائج أهمها:

1 ـ إن ظهور التعليم الخاص في المملكة قديم، وإن لم يكن يسمى بهذا الاسم.

2 ـ إن اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية برعاية وتعليم ذوي الحاجات الخاصة نابع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.

3 ـ حرص حكومة المملكة العربية السعودية على توفير التعليم لجميع المواطنين: الأسوياء وغيرهم.

4 ـ حرص حكومة المملكة العربية السعودية على توفير الحياة الكريمة لجميع المواطنين ويتمثل في توفير التعليم الفني لمن فاته التعليم النظامي من الأسوياء وغيرهم.

التوصيات:

في نهاية البحث يود الباحث أن يقدم للقارئ مجموعة من التوصيات أهمها ما يلي:

1 ـ أن يصبر والدا الطفل المبتلى بنقص في بعض حواسه على ما قدره الحكيم الخبير، وأن يعتقدا يقيناً بأن صبرهم على هذا الابتلاء جزاؤه الخير في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وليتذكرا دائماً الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في فضل الصبر وأجر الصابرين، ويعلمانها للطفل، لأن ذلك يساعده على الرضى والراحة النفسية فتهدأ نفسه ويبدأ يتكيف مع مجتمعه وقد أورد الإمام ابن القيم – يرحمه الله – عشر قواعد، ينشأ عن اتباعها الصبر على البلاء. (1)

2 ـ إذا كان تعاون الوالدين مع مدارس أبنائهم مهماً لنجاح الأبناء وتفوقهم، فإنه في حالة الطفل من ذوي الحاجات الخاصة أهم؛ لأن الوالدين يتعلمان من المعهد الطرق والوسائل التي تعين على تعليم الطفل والأخذ بيده حتى يتغلب على المشكلات النفسية والعضوية للإعاقة التي يعاني منها.

(1) انظر هذه القواعد في كتاب (طريق الهجرتين وباب السعادتين) لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ب ت ص 276-278.

ص: 331

3 ـ أن يخلص معلمو التعليم الخاص في عملهم، وأن يصبروا على تعليم هؤلاء الأطفال محتسبين الأجر والثواب من الله.

4 ـ الطفل من هذه الفئة جزء لا يتجزأ من المجتمع؛ لذا فإن المجتمع يتحمل جزءاً من مسؤولية علاجه وتعليمه؛ فيجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تبث الوعي اللازم بين أفراد المجتمع بأن هذا الطفل ليس مريضاً بل هو عضو فعال في المجتمع وسوف يسهم في دفع عجلة نمو المجتمع وتطوره بضرب أمثلة من العلماء والمفكرين الذين فقدوا بعض حواسهم وأجرى الله على أيديهم الخير الكثير، فتقبل المجتمع للطفل -لاشك - سيسهم في حل المشكلة.

5 ـ وفرت الدولة الكثير من الخدمات للمعوقين في مختلف المرافق العامة التي تعينه على ممارسة حياته بيسر وسهولة فيجب عليهم المحافظة عليها.

6 ـ يجب على الأسوياء المحافظة على ما أعدته الدولة من مرافق لذوي الحاجات الخاصة وعدم استخدامها.

الخاتمة

تناول البحث الحالي موضوع التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية نشأته، وتطوره، وما وصل إليه الآن من توسع وانتشار، وما بذلته حكومة المملكة العربية السعودية من دعم سخي لجميع أبناء هذا الوطن وما وفرته لهم من سبل العيش الكريم وفي مقدمة ذلك التعليم على الرغم من الصعوبات التي تحول دون توفير فرص التعليم للجميع كتعليم أبناء المناطق النائية جداً مثلاً، وتعليم ذوي الحاجات الخاصة ممن قدر الله وابتلوا بفقد البصر، أو السمع، أو بنقص الذكاء فهم بسبب هذه الإعاقة يحتاجون إلى تعليم خاص يشمل كافة جوانب العملية التعليمية: المباني، والمناهج الدراسية، والوسائل التعليمية المستخدمة، وطرق التدريس، وقبل كل ذلك يحتاجون إلى معلم من نوع خاص معد إعداداً تربوياً خاصاً يؤهله لتعليم هذه الفئة متلمساً نقاط القوة فيما تبقى لديهم من حواس ليركز عليها حتى يتعلم الطفل على يديه ما يفيده في أمور دينه أولاً ثم ما يساعده على التغلب على إعاقته، والتكيف مع باقي أفراد المجتمع.

ص: 332

وقد أثمرت الجهود المبذولة ـ ولله الحمد ـ وأصبح الإنسان المعوق يحظى بمكانه المناسب في المجتمع بعد ما قدمت الدولة له من تعليم ورعاية.

وفي الختام يتوجه الباحث بالدعاء لله عز وجل أن يبارك في المسؤولين في هذا الوطن الغالي، على رعايتهم واهتمامهم بجميع فئات المجتمع، وأن يوفق المخلصين الذين بذلوا وقتهم وجهدهم في مساعدة ذوى الحاجات الخاصة بتربيتهم وتعليمهم، وأن يمن بالشفاء على المبتلين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المراجع

ـ القرآن الكريم

ـ ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) دار المعرفة بيروت، ط1، 1406هـ.

ـ ابن القيم (طريق الهجرتين وباب السعادتي) دار الكتب العلمية، بيروت، ب ت.

ـ ابن منظور (لسان العرب) دار صادر، بيروت، 1412هـ.

ـ المكتب الإقليمي لشؤون المكفوفين، بحوث وتقارير ووثائق المؤتمر العام الخامس للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين، الرياض، 1402هـ.

ـ النشرة السنوية لمعهد الأمل للبنات في المدينة المنورة، مطابع التاج في المدينة المنورة، 1397-1398هـ.

ـ حمد السلوم (تاريخ الحركة التعليمية في المملكة العربية السعودية، تطور التعليم) ج3، ط3، مطابع فيرفاكس واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية، 1411هـ.

ـ عبد الرحمن سالم الخلف (تطور تعليم المكفوفين في المملكة) مجلة التوثيق التربوي، وزارة المعارف،العدد (28) ،عام 1407هـ.

ـ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) دار ابن الجوزي، الدمام، ط1،1415هـ.

ـ عبد المجيد عبد الرحيم، تنمية (الأطفال المعاقين) دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، ط1،ب ت.

ـ فاروق الروسان (سيكولوجية الأطفال غير العاديي) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط2، 1416هـ.

ـ مجلة عالم الإعاقة، تصدر عن مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، العدد الأول، السنة الأولى، ذو القعدة، 1418هـ – مارس 1988م.

ص: 333

ـ وزارة المعارف (التطوير التربوي، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي) خلاصة إحصائية عن تعليم البنين عام 1417-1418هـ.

ـ وزارة المعارف (تطور التعليم في المملكة العربية السعودية) تقرير وطني، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي، الرياض، 1417هـ.

ـ وزارة المعارف، المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص، مناهج مرحلة التهيئة (التحضيرية) والمرحلة الابتدائية لمعاهد التربية الفكرية. 1393-1394هـ،

ـ وزارة المعارف، دليل التعليم الخاص، المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص، 1401 هـ.

ـ وزارة المعارف، قصة التعليم الخاص، إدارة التعليم الخاص، ب ت.

ـ وزارة المعارف، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق، مجلة التوثيق التربوي العدد (13) عام 1397هـ.

ـ يوسف القريوتي وآخرون (المدخل إلى التربية الخاصة) دار القلم، دبي، ط1،1416هـ.

ص: 334

اهتمام المملكة العربية السعودية

بمنهج علوم التربية الإسلامية

في مرحلة التعليم الإبتدائي

إعداد

د/ أحمد بن سعيد علي الغامدي

الأستاذ المشارك بقسم التربية بكلية الدعوة وأصول الدين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فالمملكة العربية السعودية، مهبط الوحي، ومنبع الرسالة المحمدية، شرفها الله تعالى بوجود الحرمين الشريفين فيها - مكة المكرمة والمدينة المنورة - تعمل على حفظ دعوة الإسلام، وصيانة دولته التي ارتبط كيانها بإعلاء كلمة الله تعالى والعمل بشريعته، وقد أولت بالغ اهتمامها بمناهج التربية والتعليم من أجل تربية جيل مسلم يفهم الإسلام فهماً صحيحاً عقيدة وشريعة.

ويعتبر التعليم الإبتدائي فيها القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها التعليم في جميع مراحله اللاحقة، وهو الحد الأدنى من المعلومات والمهارات والخبرات التي يجب على الطالب أن يحصل عليها ليكون فرداً صالحاً قادراً على أن يضطلع بمسؤولياته الفردية والإجتماعية.

وهذه دراسة حول موضوع (اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي) تم تقسيم خطة الدراسة فيها إلى الموضوعات التالية:

ـ أهمية البحث وأهدافه.

ـ منهج البحث.

ـ حدود الدراسة.

ـ المصطلحات المستخدمة.

ـ الدراسات السابقة.

ـ الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها نظام التعليم في المملكة العربية السعودية.

ـ أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية في المملكة العربية السعودية.

ـ أهمية دراسة علوم التربية الإسلامية.

ـ مكانة منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي.

ـ عرض وتحليل خطة الدراسة لمرحلة التعليم الإبتدائي ويشمل:

1 ـ المواد وأهميتها والزمن المقرر لها.

2 ـ تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية.

ص: 335

3 ـ مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادىء التنظيمية التربوية الهامة.

ـ النتائج والتوصيات.

أهمية البحث وأهدافه:

موضوع هذا البحث هو التعرف على منهج علوم التربية الإسلامية الذي يدرسه الطلاب في مرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية بعرضه وتحليله، حيث يدرس الطالب العديد من المواد الشرعية التي تؤهله إلى فهم دينه والتفقه فيه ومعرفة دوره في الحياة، وخصوصاً أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس والبناء وهي تشكل القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها إعداد الطلاب للمراحل الدراسية التي بعدها.

وتتضح أهمية هذا البحث وأهدافه الرئيسة في النواحي التالية:

1-

يعد التعليم الإبتدائي من المراحل التعليمية ذات الأثر الكبير في توجيه الطالب في مرحلة الطفولة وهي تشتمل على مرحلتين:

أ- مرحلة الطفولة الوسطى والتي يقضي فيها الولد عمره من سن السادسة حتى سن الثامنة.

ب- مرحلة الطفولة المتأخرة والتي يقضي فيها الولد عمره من سن التاسعة حتى سن الثانية عشرة.

ولذا عمل كافة المربين على العناية بكافة مظاهر النمو لديه الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية واللغوية والحركية والانفعالية فهي مرحلة هامة لغرس القيم والأخلاق والتدريب على الممارسات السلوكية والعملية والتزود بالمهارات والقدرات الأساسية.

2-

إن كل أمة من الأمم تحرص على أن يكون للتربية قواعد وأسس تقوم عليها فإذا كانت أسس التربية في بعض المجتمعات تقوم - مثلاً - على الإيمان بالماديات ونفي الروحيات وعدم الإيمان بالغيب بقطع صلة الطالب بربه تعالى فإن أسس التربية في بعض المجتمعات الأخرى ترتكز على الانحلال والحرية والاستغلال الرأسمالي والتطلع إلى مطالب الحياة الدنيا الفانية والاستغراق في الملذات والشهوات.

ص: 336

3-

ومن الأهداف الرئيسة لهذه الدراسة بيان اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية لما لهذه العلوم من مكانة عظيمة في إعداد النشء وتربيته التربية الصالحة وما للمناهج التربوية في التعليم الإبتدائي من دور عظيم في تنمية قدرات الطلاب وإبراز مواهبهم واستعداداتهم وتلبية حاجتهم.

منهج البحث:

استخدم الباحث المنهج الوصفي في عرض منهج علوم التربية الإسلامية لمرحلة التعليم الإبتدائي ووصف خطة الدراسة المتبعة في هذه المرحلة بعد جمع المعلومات وتنظيمها كما استخدم المنهج التحليلي لتفسير المعلومات وتحليلها والمقارنة بينها وتقديمها بصورة مترابطة تحقق غرض الدراسة وهدفها مع الاستعانة ببعض الجداول والعمليات الإحصائية المبسطة.

حدود الدراسة:

تعتمد هذه الدراسة على حدود معينة تبرز في النواحي التالية:

أولاً: الحد الموضوعي:

ويمثله منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي والخطة الدراسية المطبقة حالياً والتي تشمل مقررات متعددة لمواد التربية الإسلامية.

ثانياً: الحد النوعي والمكاني:

ويمثله التعليم الإبتدائي للبنين دون البنات في المملكة العربية السعودية.

ثالثاً: الحد العمري:

يمثله المرحلة التعليمية الأساسية في حياة الطالب وهي مرحلة التعليم الإبتدائي والتي تمتد من مرحلة الطفولة الوسطى (من سن السادسة إلى سن الثامنة) حتى مرحلة الطفولة المتأخرة (من سن التاسعة إلى سن الثانية عشرة) .

المصطلحات المستخدمة:

استخدم الباحث عدة مصطلحات في هذا البحث يمكن بيان معانيها على النحو التالي:

المنهج:

ص: 337

المنهج والمنهاج والنهج هو الطريق الواضح البين قال تعالى {

لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا

} (1) ويأتي المنهج بمعنى السبيل أيضاً وهو الطريق على الأصح قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ

} (2) .

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله هو الطريق الواضح السهل والسنن والطرائق.

ومن ذلك قول الشاعر:

ونهج سبيلي واضح لمن أهتدى

ولكنها الأهواء عمت فأعمت

وفي المجال التربوي يقصد «بالمنهج» الطريق أو السبيل الواضح الذي يسلكه المربي مع من يربيهم لتنمية معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم وتعديل سلوكهم على أساس الدين الإسلامي الحنيف.

المنهج الدراسي:

يمكن التفريق بين مفهوم المنهج في معناه الضيق ومفهوم المنهج في معناه الواسع الشامل.

فالأول يعني: مجموعة المواد الدراسية التي يؤديها المعلم قاصرة على المعلومات والمعارف ضمن خطة الدراسة عبر السنوات المختلفة.

والثاني يعني: مجموعة الخبرات والنشاطات التي تقدمها المؤسسة التربوية تحت إشرافها للطلاب بقصد احتكاكهم بها وتفاعلهم معها مؤدياً ذلك إلى تحقيق النمو الشامل لديهم.

فالأول يفرق المعارف والمعلومات التي يتضمنها إلى مواد دراسية منفصلة لا يرتبط بعضها ببعض مع عدم اهتمامه بالنشاطات والخبرات، وعدم تلبيته لميول المتعلم وحاجاته، وتلبية متطلبات المجتمع، والآخر يراعي هذه الأمور مع ضروريات أخرى.

التربية الإسلامية:

بناء وتنشئة المُربَّى في جميع جوانبه الجسمية والعقلية والروحية على أساس الدين الإسلامي الحنيف ليحقق العبودية الكاملة لله تعالى.

علوم التربية الإسلامية:

المقررات الدراسية التي تقدم للطالب في الصفوف الدراسية خلال مرحلة التعليم الإبتدائي وهي:

(1) سورة المائدة، الآية (48) .

(2)

سورة الأنعام، الآية (153) .

ص: 338

1-

القرآن الكريم وتجويده.

... 2- التفسير.

3-

التوحيد.

...

...

4 - الحديث.

5-

الفقه.

...

...

6- السلوك والتهذيب.

السلم التعليمي للتعليم العام في المملكة العربية السعودية:

يقصد بالسلم التعليمي في الإصطلاح التربوي: معرفة عدد السنوات التي يقضيها الطالب من عمره في التعليم وهي أن يمر الطالب بالمراحل التالية:

أ- ست سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم الإبتدائي بعد أن يكمل السادسة من عمره.

ب- ثلاث سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادي) .

ج- ثلاث سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم الثانوي.

وقد تتبع بعض الدول سلماً تعليمياً مختلفاً في عدد سنوات الدراسة حيث يقضي

الطالب من عمره في التعلم مدة أربع سنوات في مرحلة التعليم الإبتدائي.

الدراسات السابقة:

رجع الباحث إلى الدراسات والبحوث التالية للاستفادة منها في هذا البحث والتي تتناول مناهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي على الرغم من قلتها.

أولاً: مناهج علوم التربية الإسلامية في التعليم الإبتدائي والمتوسط رسالة دكتوراه عام 1409هـ من شعبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للباحث عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن الأنصاري.

ثانياً: الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية -الكتاب السنوي الثالث- التعليم الإبتدائي ودوره في تنمية المهارات الأساسية لدى التلاميذ (مجموعة من البحوث العلمية المتنوعة المتعلقة بالتعليم الإبتدائي) جامعة الملك سعود عام 1411هـ-1991م.

ثالثاً: فتحي يونس تقويم منهج التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة -الناشر/ دار وليد للطباعة- 1982م القاهرة.

ص: 339

رابعاً: أميرة ذيب فياض -تقويم منهج التربية الإسلامية في الصف الرابع الإبتدائي للبنات- بحث مكمل لمتطلبات درجة الماجستير في المناهج وطرق التدريس -جامعة أم القرى- كلية التربية -قسم المناهج وطرق التدريس- العام الجامعي 1402هـ-1403هـ.

الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها نظام التعليم في المملكة العربية السعودية

أصدرت اللجنة العليا لسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية في عام 1390هـ - 1970م وثيقة سياسة التعليم كإعلان رسمي من الدولة يفصل هذه الأسس والمبادئ، وقد جاءت في سبعة وعشرين أساساً يشير الباحث إلى بعضها على سبيل الاستشهاد وليس الحصر مما له علاقة وارتباط بموضوع البحث.

الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم:

1-

الإيمان بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.

2-

التصور الإسلامي الكامل للكون والإنسان والحياة، وإن الوجود كله خاضع لما سنّهُ الله تعالى، ليقوم كل مخلوق بوظيفته دون خلل أو اضطراب.

3-

الحياة الدنيا مرحلة انتاج وعمل، يستمد فيها المسلم طاقاته عن إيمان وهدى للحياة الأبدية الخالدة في الدار الآخرة، فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.

4-

الرسالة المحمدية هى المنهج الأقوم للحياة الفاضلة التي تحقق السعادة لبني الإنسان

وتنقذ البشرية مما تردت فيه من فساد أو شقاء.

5-

المُثل العُليا التي جاء بها الإسلام لقيام حضارة إنسانية رشيدة بنّاءة تهتدي برسالة

محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيق العزة في الدنيا، والسعادة في الدار الآخرة.

6-

الإيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القرآن الكريم وأناط بها القيام بأمانة الله في الأرض، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (1) .

(1) سورة الإسراء، الآية (70) .

ص: 340

7-

فرص النمو مهيأة أمام الطالب للمساهمة في تنمية المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم الإفادة من هذه التنمية التي شارك فيها.

8-

طلب العلم فرض على كل فرد بحكم الإسلام؛ ونشره وتيسيره في المراحل المختلفة واجب على الدولة بقدر وسعها وإمكانياتها.

9-

العلوم الدينية أساسية في جميع سنوات التعليم الإبتدائي والمتوسط والثانوي بفروعه، والثقافة الإسلامية مادة أساسية في جميع سنوات التعليم العالي.

10-

توجيه العلوم والمعارف بمختلف أنواعها وموادها منهجاً وتأليفاً وتدريساً وجهةً إسلاميةً في معالجة قضاياها والحكم على نظرياتها وطرق استثمارها حتى تكون منبثقة من الإسلام متناسقة مع التفكير الإسلامي السديد.

11-

الاستفادة من جميع أنواع المعارف الإنسانية النافعة على ضوء الإسلام للنهوض بالأمة ورفع مستوى حياتها «فالحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أولى الناس بها» .

12-

الثقة الكاملة بمقومات الأمة الإسلامية وأنها خير أمة أُخرجت للناس والإيمان بوحدتها على اختلاف أجناسها وألوانها وتباين ديارها قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (1) .

13-

الارتباط الوثيق بتاريخ أمتنا وحضارة ديننا الإسلامي والإفادة من سير أسلافنا.

14-

التضامن الإسلامي في سبيل جمع كلمة المسلمين وتعاونهم ودرء الأخطار عنهم.

15-

احترام الحقوق العامة التي كفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظاً على الأمن وتحقيقاً لاستقرار المجتمع المسلم في الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال.

16-

شخصية المملكة العربية السعودية متميزة بما خصها الله به من حراسة مقدسات الإسلام وحفاظها على مهبط الوحي واتخاذها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ودستور حياة، واستشعار مسؤوليتها العظيمة في قيادة البشرية بالإسلام وهدايتها إلى الخير.

(1) سورة الأنبياء، الآية (92) .

ص: 341

17-

الدعوة إلى الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بالحكمة والموعظة الحسنة من واجبات الدولة والأفراد وذلك هداية للعالمين وإخراجاً لهم من الظلمات إلى النور.

18-

القوة في أسمى صورها وأشمل معانيها قوة العقيدة وقوة الخلق وقوة الجسم "فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".

ومن خلال هذه الوثيقة نرى أن هذه الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في المملكة العربية السعودية مستمدة من شريعة الإسلام الدين الحق الذي لايقبل الله تعالى ديناً سواه كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ

} (1) وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) حيث يقرر سبحانه وتعالى في الآية الثانية أن كل دين غير الإسلام باطل، وإن من يطلب ديناً غيره لن يقبل منه بحال ويخسر في الآخرة خسراناً كبيراً.

أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية في المملكة العربية السعودية:

حددت وثيقة التعليم الصادرة من اللجنة العليا لسياسة التعليم أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية.

ومن خلال تصنيف هذه الأهداف يتبين اهتمامها بالمعرفة الشرعية واكتساب الفضائل والأخلاق الحميدة وهي على النحو التالي:

1-

تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل ورعايته بتربية إسلامية متكاملة في خلقه وجسمه وعقله ولغته وانتمائه إلى أمة الإسلام.

2-

تدريبه على إقامة الصلاة وأخذه بآداب السلوك والفضائل.

3-

تنمية المهارات الأساسية المختلفة وخاصة المهارة اللغوية والمهارة العددية والمهارة الحركية.

4-

تزويده بالقدر المناسب من المعلومات في مختلف الموضوعات.

5-

تعريفه بنعم الله عليه في نفسه وفي بيئته الاجتماعية والجغرافية ليحسن استخدام النعم وينفع نفسه وبيئته.

(1) سورة آل عمران، الآية (19) .

(2)

سورة آل عمران، الآية (85) .

ص: 342

6-

تربية ذوقه البديعي وتعهد نشاطه الابتكاري، وتنمية تقدير العمل اليدوي لديه.

7-

تنمية وعيه ليدرك ماعليه من واجبات وما له من حقوق في حدود سنه وخصائص المرحلة التي يمر بها وغرس حبه لوطنه والإخلاص لولاة أمره.

8-

توليد الرغبة لديه في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح وتدريبه على الاستفادة من وقت فراغه.

9-

إعداد الطالب لمايلى هذه المرحلة من مراحل حياته.

أهمية دراسة علوم التربية الإسلامية:

1-

توجه علوم التربية الإسلامية الطالب نحو معرفة دين الإسلام فهو الشريعة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لخلقه فإن عملوا بها واتبعوا ماجاء فيها نالوا السعادة الدنيوية والأخروية وإن تركوها وراء ظهورهم ولم يعملوا بها أدركهم الشقاء في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) .

2-

تغرس علوم التربية الإسلامية في الطالب العقائد الصحيحة فيعلم أن الله تعالى خالقه ورازقه ومنعم عليه ويؤمن بأن الرب سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والملك والتدبير، ويؤمن بأن الله تعالى هو المعبود المستحق للعبادة قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

} (2) ويؤمن بكل ما ورد في القرآن الكريم والحديث الصحيح من صفات الله تعالى التي وصف نفسه بها ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ويؤمن بأركان الإيمان وهي: الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

(1) سورة الأنعام، الآية (153) .

(2)

سورة البينة، الآية (5) .

ص: 343

3-

تصون علوم التربية الإسلامية فطرة الولد من الزيغ والانحراف حيث يولد على الفطرة النقية الصافية فطرة الإسلام قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (1) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"(2) . وهذه الفطرة التي زودها الله تعالى لخلقه هي براءة المولود وسلامته واستعداده للتوحيد والإسلام ومعرفة الله تعالى مؤهلاً لقبول الحق. ولولا المحرفين لهذه الفطرة لما عاند مخلوق ربه فيما أرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام.

وقد أشار إلى هذه المعاني ابن تيمية رحمه الله في كتبه.

وقال ابن الأثير رحمه الله: "إن الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها وإنما يعدل عنه من يعدل بالآفة من آفات البشر والتقليد".

4-

تكسب علوم التربية الإسلامية الطالب الأخلاق الحميدة، والسجايا الرفيعة، والفضائل الكريمة، التي تمكنه من إقامة العلاقات الحسنة مع كافة الناس، وبالأخلاق الحسنة تقوى صلة الطالب بربه تعالى، وقد ذكر العلماء مبادئ حسن الخلق في معاملة الخالق والخلق وأجملوها في الأمور التالية:

حسن الخلق في معاملة الخالق: تجمع في ثلاثة أمور:

أ- تلقي أخبار الله بالتصديق.

ب- تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.

ج- تلقي أقداره بالصبر والرضا.

وحسن الخلق مع الخلق: تجمعها هذه الأمور الثلاثة.

وهي قول للإمام الحسن البصري رحمه الله: "كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه".

(1) سورة الروم، الآية (30) .

(2)

رواه البخاري- كتاب الجنائز ج (1) /1292/456 واللفظ له، ورواه مسلم- كتاب القدر ج (4) /2658/2047.

ص: 344

5-

يرى علماء الإسلام أهمية تدريس علوم التربية الإسلامية للناشيء وضرورتها وفرضيتها لأنها العلم العيني - الفرضي - الذي يجب على المسلم معرفته والتفقه فيه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"(1) فبدونها يصبح ميتاً لاحياة فيه كالإنسان بلا روح. وقد ذكر العلماء من ضمن قواعدهم قولهم: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وعلى هذا الأساس تعليم علوم التربية الإسلامية واجب عظيم ومسؤولية هامة لأنها الوسيلة لتطبيق الواجبات والفرائض الدينية على علم وبصيرة وتعويد الناشىء المسلم على أداء كافة العبادات منذ نعومة أظفاره.

6-

تزيل علوم التربية الإسلامية عن الطالب الجهل عن نفسه لأن الأصل فيه الجهل وعدم العلم لقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) فإذا تعلم هذه العلوم الدينية رفع الجهل عن نفسه ونال خشية الله عز وجل.

قال الإمام أحمد رحمه الله: "العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته"قالوا: كيف ذلك؟ قال: "ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره".

وينبغي له أن يُعلِّم نفسه أولاً، ثم يعمل بعلمه ثانيا، ثم يُعلِّم غيره فتتعدى منفعته ليس على نفسه فقط بل على مجتمعه وأمته وينال بفعله هذا أجراً عظيماً ويصبح من العلماء المجاهدين الربانيين وإذا نظرنا إلى مناهج علوم التربية الإسلامية نرى أنها ليست كبقية المناهج الأخرى تبدأ عند فترة زمنية معينة ثم تنتهي في فترة أخرى لأنها من العلم الذي يلازم الإنسان طوال حياته منذ صباه حتى وفاته.

(1) رواه البخاري- كتاب العلم ج (1) - 71/39، ورواه مسلم- كتاب الزكاة ج (2) -1037/718.

(2)

سورة النحل، الآية (78) .

ص: 345

7-

تكوين الوازع الديني أو الضمير الخلقي والمسئولية الربانية في نفس الطالب فيكون ذا بصيرة عقلية وعلمية للتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح وتحفيزه إلى المسارعة في فعل الخيرات والعمل الصالح.

مكانة منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي:

إن منزلة ومكانة علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي تتضح من الرجوع إلى الخطة الدراسية المعمول بها حالياً حيث تهتم وزارة المعارف وهى الجهة المشرفة على التعليم العام في المملكة العربية السعودية بعلوم التربية الإسلامية اهتماماً كبيراً ولم يكن توزيع هذه المواد ووضع أهدافها وتوجيهاتها في الخطة الدراسية يسير بطريقة تلقائية عفوية وبصورة اجتهادية لاتقوم على أسس تربوية نظامية بل إن الحقيقة على خلاف ذلك.

عرض وتحليل خطة الدراسة لمرحلة التعليم الإبتدائي:

في عام 1345هـ الموافق 1926م جرى إعداد أول منهج دراسي للمدرسة الإبتدائية قبل تأسيس المملكة العربية السعودية وكان من أهم خصائصه عنايته بالعلوم الدينية فقد صمم ليخرج طلاباً متمسكين بتعاليم دينهم الحنيف.

ص: 346

وفي عام 1349هـ صدر منهج جديد وخطة جديدة للمدارس الإبتدائية وقد أدخلت إلى هذه الخطة مواد ومقررات جديدة وأضيفت إليها تعديلات كثيرة عبر مرور سنوات عديدة حتى قيام وزارة المعارف السعودية في عام 1373هـ-1953م ثم رأت الوزارة تعديل الخطة الدراسية في المرحلة الإبتدائية والبدء بتأليف كتب دراسية لها وذلك عام 1375هـ الموافق 1955م وقد استمرت هذه الخطة مطبقة حتى عام 1377هـ حيث جرى تعديلها بعد ذلك بإدخال مواد جديدة وحذف أخرى ثم جرى وضع منهج جديد للمرحلة الإبتدائية في عام 88/1389هـ-1969م ثم صدر قرار اللجنة العليا لسياسة التعليم بتطبيق خطة دراسية جديدة للمرحلة الإبتدائية ابتداء من العام الدراسي 1399هـ الموافق 1979م حتى استقرت أخيراً الخطة الدراسية لمرحلة التعليم الإبتدائي كما يوضحها الجدول الآتي:

الخطة الدراسية للمرحلة الابتدائية في التعليم العام للبنين في المملكة العربية السعودية

المواد

الفرع

الصفوف الدراسية

العلوم الدينية

الأول

الثاني

الثالث

الرابع

الخامس

السادس

الفصل الأول*

الفصل الثاني

القرآن

7

7

7

7

7

3

3

التجويد

-

-

-

-

-

1

1

التوحيد

-

1

1

1

1

2

2

الفقه

-

1

1

1

1

2

2

الحديث

-

-

-

-

-

1

1

السلوك والتهذيب

2

-

-

-

-

-

-

المجموع

9

9

9

9

9

9

9

علوم اللغة العربية

الهجاء والكتابة

-

-

7

-

-

-

-

القراءة والمطالعة

12

11

-

3

3

2

2

الأناشيد والمحفوظات

-

-

2

2

1

1

1

الإملاء

-

-

-

2

2

1

1

الخط

-

-

-

1

1

1

1

التعبير والإنشاء

-

-

-

1

1

1

1

القواعد

-

-

-

-

1

2

2

المجموع

12

11

9

9

9

8

8

الاجتماعيات

جغرافيا

-

-

-

-

1

1

1

التاريخ

-

-

-

-

1

1

1

المجموع

-

-

-

-

2

2

2

الرياضيات

2

4

4

4

5

5

5

العلوم والتربية الصحية

-

1

2

2

2

3

3

الرسم والأشغال

2

1

2

2

1

1

1

التربية الرياضية

3

2

2

2

2

2

2

المجموع الكلي

28

28

28

28

30

30

30

ص: 347

* وفق الخطة المعدلة والتي تم تعميمها على جميع طلاب الصف الأول الإبتدائي إعتباراً من العام الدراسي 1416/1417هـ

وسوف يتم تناول دراسة خطة الدراسة لعلوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي في الجوانب التالية:

أولاً: المواد وأهميتها والزمن المقرر لها.

ثانياً: تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية.

ثالثاً: مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادئ التنظيمية التربوية الهامة.

أولاً: المواد وأهميتها والزمن المقرر لها:

1-

مواد علوم التربية الإسلامية التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي:

الصف الدراسي

مواد علوم التربية الإسلامية التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي

الزمن

الأول

القرآن الكريم – التوحيد – الفقه – السلوك والتهذيب

9 حصص

الثاني

القرآن الكريم – التوحيد – الفقه

9 حصص

الثالث

القرآن الكريم – التوحيد – الفقه

9 حصص

الرابع

القرآن الكريم – التوحيد – الفقه

9 حصص

الخامس

القرآن الكريم – التجويد – التوحيد – الفقه - الحديث

9 حصص

السادس

القرآن الكريم – التجويد – التوحيد – الفقه - الحديث

9 حصص

المجموع

54 حصة

2-

أن ماخصص لدراسة علوم التربية الإسلامية يبلغ أربع وخمسون (54) حصة.

وذلك من جملة مايدرسه الطالب في جميع السنوات الست التي يقضيها في المرحلة الإبتدائية وقد بلغ مايدرسه من الساعات (الحصص) في جميع المواد الدراسية ماعدا علوم التربية الإسلامية مائة واثنتين وعشرين (122) حصة.

وخصص لكل سنة دراسية لدراسة علوم التربية الإسلامية تسع حصص، ابتداءً من السنة الأولى حتى السنة السادسة.

3-

أن نسبة مايدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية من عدد الحصص الكلية لبقية المواد يتضح في الجدول الآتي:

جدول رقم (1)(ما يدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية)

عدد الساعات (الحصص)

النسبة

عدد (الحصص) لمواد علوم التربية الإسلامية في جميع السنوات.

54 حصة

30.

7

ص: 348

عدد (الحصص) لبقية المواد التي يدرسها الطالب في جميع السنوات.

122 (حصة)

69.

3

المجموع

176حصة

100%

وهذه النسبة التي تشكل 30.7% تدلنا على أن ثلث مايقدم للطالب تقريباً في هذه المرحلة من مواد يدرسها هى لمواد علوم التربية الإسلامية وهذا يتمشى مع السياسة التعليمية للمملكة العربية السعودية ومع أهدافها لمرحلة التعليم الإبتدائي.

4-

أن عدد (حصص) علوم اللغة العربية تعادل مايدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية تقريباً حيث يدرس الطالب (55) حصة أو (54) حصة.

وهذا يعني أن نسبتها في الخطة الدراسية يعادل 30.7% فإذا أضفنا ذلك إلى نسبة مايتعلمه الطالب من مواد علوم التربية الإسلامية فإن النسبة تصل إلى 61.4% وهذا يتعدى نصف الخطة الدراسية لمنهج المرحلة الإبتدائية في المملكة أي نصف المقرر الدراسي الذي يقدم للطالب خلال رحلته الدراسية التي تستمر ست سنوات من عمره ومن المعلوم أن اللغة العربية ليست مادة دراسية مستقلة لوحدها وإنما هى وسيلة لتمكين الطالب من فهم كافة المواد والعلوم الأخرى ومن أهمها علوم الشريعة الإسلامية فيعرف الطالب من خلالها الأحكام وأدلتها وفهم الموضوعات والحقائق الشرعية ودلالاتها ومقاصدها، وتأدية المعاني على الوجه الصحيح المقبول وليتدبر القرآن الكريم ويفهم معانيه قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (1) .

ولا يمكن أن نتصور انفصال تعلم اللغة العربية عن تعلم علوم التربية الإسلامية فإن العلم بالتعلم، والتعلم باللغة، وهذا يؤكد ويرسخ العناية الشاملة من الاهتمام والربط بين اللغة العربية وبين علوم التربية الإسلامية حيث أخذت النصيب الأكبر من الخطة الدراسية كما يتضح في الجدول التالي:

جدول رقم (2)

عدد الساعات (الحصص)

(1) سورة الشعراء، الآيات (من 192 إلى 195) .

ص: 349

النسبة المئوية

عدد (الحصص) لمواد علوم التربية الإسلامية في جميع السنوات.

54 (حصة)

30.

7

عدد (الحصص) لمواد علوم اللغة العربية في جميع السنوات.

54 (حصة)

7، 30

المجموع

108 (حصة)

61.

4

عدد (الحصص) لبقية المواد التي يدرسها الطالب في جميع السنوات.

68 (حصة)

38.

6

5-

يظهر من خلال استعراض الخطة الدراسية لمواد علوم التربية الإسلامية أنها مواد دراسية أساسية في جميع السنوات يدرسها الطلاب ويقدمون فيها اختباراً في نهاية كل فصل دراسي يترتب عليه نجاحهم أو رسوبهم وتحسب درجات اختبارهم في هذه المواد ضمن مجموع درجاتهم للمواد الأخرى التي يدرسونها على خلاف ما يوجد في بعض الدول التي تدرس العلوم الإسلامية تحت مسمى مادة واحدة يطلق عليها «الثقافة الإسلامية» أو «التربية الإسلامية» وليست لها أهمية في مجموع درجات الطالب.

6-

خلت الخطة الدراسية لمرحلة التعليم الإبتدائي من الزمن المخصص للنشاطات الصفية واللاصفية، ومن هنا لابد أن يطبق الطالب عمليا مادرسه من موضوعات دينية ويمارسها في سلوكه اليومي ويظهر أثرها في علاقته مع معلميه ومع زملائه من الطلاب.

ثانياً: تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية:

إن دراسة محتوى ومضمون مواد علوم التربية الإسلامية لابد أن يرتبط بدراسة موضوعات الكتاب المدرسي الذي يدرسه الطالب، وهذا ما سوف يتم دراسته في هذا البحث والتركيز عليه ويعتبر من أهم عناصر المنهج، أما ماذكره أصحاب الخبرة والإختصاص من التربويين من ارتباط عناصر المنهج الأخرى ببعض كالطرق والأساليب المتبعة في التدريس والتقويم والأسس والأهداف التربوية فلن يتم دراستها في هذا البحث إلا بالقدر اليسير الضروري وهو ليس من أغراض هذه الدراسة.

الموضوعات التي يدرسها الطلاب في جميع مواد علوم التربية الإسلامية

جدول رقم (3) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة القرآن الكريم)

السنة الدراسية

الموضوعات التي يدرسها الطالب

الأولى

ص: 350

الحفظ/ يحفظ الطلاب من سورة الناس إلى آخر سورة الزلزلة مع حفظ سورة الفاتحة.

التلاوة/ يتلو الطلاب من سورة البينة إلى آخر سورة الفجر.

الثانية

الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة البينة إلى آخر سورة الفجر.

التلاوة/ يتلو الطلاب من أول سورة الغاشية إلى آخر سورة النبأ.

الثالثة

الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة الغاشية إلىنهاية سورة البروج.

التلاوة/ يتلو الطلاب الجزأين التاسع والعشرين والثامن والعشرين.

الرابعة

الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة الإنشقاق إلى نهاية سورة المطففين.

التلاوة/ يتلو الطلاب الأجزاء التالية: السابع والعشرين، والسادس والعشرين، والخامس والعشرين.

الخامسة

الحفظ/ يحفظ الطلاب سورتي الإنفطار والتكوير.

التلاوة/ يتلو الطالب الأجزاء التالية: الرابع والعشرين، والثالث والعشرين، والثاني والعشرين.

السادسة

الحفظ/ يحفظ الطلاب سورتي عبس والنازعات.

التلاوة/ يتلو الطلاب الأجزاء التالية: الحادي والعشرين، والعشرين، والتاسع عشر.

جدول رقم (4) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة التجويد)

السنة الدراسية

الموضوعات التي يدرسها الطالب

الرابعة

أحكام النُّون الساكنة والتنَّوين (الإظهار، الإدغام، الإقلاب، الإخفاء، حكم النون والميم المشدَّدتين، أحكام اللامات والسواكن.

الخامسة

دراسة الموضوعات السابقة، أحكام الميم الساكنة، الإخفاء وحروفه، الإدغام وحروفه، الإظهار وحروفه، المد وأقسامه.

السادسة

المد وأقسامه (المد الطبيعي، المد المتصل، المد المنفصل، مد البدل، المد العارض للسكون، مد اللين، المد اللازم الكلمي، المد اللازم الحرفي) اللامات السواكن.

من العرض السابق لمنهج مادتي القرآن الكريم والتجويد في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:

ص: 351

1-

اعتنت المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة المعارف بتدريس القرآن الكريم لأنه منبع كل خير، وأساس كل بر، يربى العقول، ويطهر النفوس فهو كتاب الله تعالى المصدر الأول للعقيدة والتشريع وقد دأب المسلمون منذ فجر الإسلام على تدريسه أولادهم منذ الصغر.

2-

يحفظ الطالب من القرآن الكريم في مرحلة التعليم الإبتدائي مايقارب الجزء الواحد من سورة الناس إلى نهاية سورة النازعات.

3-

يتلو الطالب من القرآن الكريم في مرحلة التعليم الإبتدائي اثني عشر جزءاً من سورة الناس حتى سورة الفرقان أي أكثر من ثلث القرآن الكريم.

4-

إذا تمت مقارنة بين مايدرسه الطالب في المرحلة الإبتدائية من القرآن الكريم وبين مايدرسه الطالب في مدارس تحفيظ القرآن الإبتدائية لوجدنا أن هناك فرقاً شاسعاً في المقررين فالطالب في مدارس تحفيظ القرآن يحفظ ويتلو من سورة الناس إلى نهاية سورة الكهف أي خمسة عشر جزءاً، مع العلم أنه يدرس بجانب ذلك جميع المواد الدراسية الأخرى التي يدرسها زميله في المدارس الإبتدائية في التعليم العام.

5-

تمكين الطالب منذ الصغر من معرفة أحكام التجويد الرئيسة والتدريب عليها التزاماً بقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (1) ليتلو تلاوة متأنية يتمثل فيها حسن الأداء، وإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة، ودقة الضبط، ومراعاة مواضع الوقف لإبراز المعنى.

(1) سورة المزمل، الآية (4) .

ص: 352

6-

من الآثار التربوية التي تعود على الطالب من خلال دراسته للقرآن الكريم وتجويده لينبت نباتاً حسناً، ترسيخ المعتقدات والمفاهيم الإسلامية لهذا الدين الحنيف، وسعة العلم والتفوق على الأقران، والسمت الحسن والسلوك القويم، وشحذ الذاكرة والذهن وسرعة البديهه، وتنمية بعض المهارات كالقراءة الصحيحة، والقدرة على الحفظ والتذكر، وتعويده الفصاحة التي تعد من أهم المهارات في هذه المرحلة، فينشأ الطالب نطقه صحيحاً سليماً مجيداً لمخارج الحروف، بعيداً عن الانحرافات النطقية التي تنشأ من البيئة التي يعيش فيها، وقد دلت الأبحاث على أن الطالب في هذه المرحلة العمرية يكون عاجزاً عن الأداء الصحيح لعدم تكيف تجاويف الفم وعضلاته وعضلات اللسان مع اللغة ولهذا فإن دراسة القرآن الكريم وتجويده تعود عليه بفوائد عظيمة في صحة النطق والفصاحة (1) .

جدول رقم (5) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة التوحيد)

السنة الدراسية

الموضوعات التي يدرسها الطالب

الأولى

معرفة الرب سبحانه وتعالى، معرفة دين الإسلام، معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.

الثانية

رسالة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: الأصول الثلاثة، العبادة، مراتب الدين، الإسلام وأركانه، معنى الشهادتين، الإيمان، الإحسان.

الثالثة

(1) انظر: دراسة د/ سعيد بن فالح المغامسي- دور القرآن الكريم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ المرحلة الإبتدائية، ودراسة د/ محمد رواس قلعة جي- دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لتلاميذ المرحلة الإبتدائية- الكتاب السنوي الثالث- الجمعية السعودية للعلوم والتربية النفسية ص233 وص395.

ص: 353

رسالة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: معرفة الرب بآياته ومخلوقاته، معنى الله، معنى العبادة، الكفر بالطاغوت، العروة الوثقى، معنى لا إله إلا الله، معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، الدين أصله وقاعدته، أركان الإسلام، أركان الإيمان، الإحسان.

الرابعة

رسالتان للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: تعريف التوحيد وأقسامه الثلاثة، الإسلام وأركانه ومعنى الشهادتين، أركان الإيمان، الإحسان، أنواع العبادة، الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، معنى الرشد والغي.

الخامسة

الأصول الثلاثة وأدلتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (مسائل في العلم والعمل) المسائل الثلاث التي يجب معرفتها والعمل بها، معنى الحنيفية، أنواع العبادة وأدلتها، البعث والحساب، إرسال الرسل عليهم السلام.

السادسة

دراسة ثلاث رسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

الرسالة الأولى تشمل موضوعات عديدة منها: الحكمة من خلق الخلق، العبادة، أقسام التوحيد، الشرك وأنواعه، الكفر وأنواعه، النفاق وأنواعه.

الرسالة الثانية تشمل الموضوعات التالية: القواعد الأربع في بعض المسائل العقدية المتعلقة بالكفار، الشفاعة وأنواعها.

الرسالة الثالثة تتعلق موضوعاتها بنواقض الإسلام العشرة.

من العرض السابق لمنهج مادة التوحيد في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:

1-

أن مايدرسه الطالب من موضوعات لهذه المادة يتمشى مع السياسة التعليمية للمملكة التي نصت على التالي (غاية التعليم في هذا البلد الكريم فهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا) .

ص: 354

ويتمشى مع أهداف التعليم الإبتدائي للمملكة فقد جاء الهدف الأول منها على النحو التالي: (تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل ورعايته بتربية إسلامية متكاملة في خلقه وجسمه وعقله ولغته وانتمائه إلى أمة الإسلام) .

2-

أن موضوعات هذا المنهج تدور حول ترسيخ وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الطلاب؛ هذه العقيدة التي تقوم على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح والفرقة الناجية والتي عليها مدار الدين والنجاة.

3-

جاء عرض الموضوعات العلمية لمادة التوحيد للسنة الأولى بطريقة مشوقة عن طريق الحوار - السؤال والجواب -.

أما في السنة الثانية فقد جاءت عناصر الموضوع في جمل قصيرة سهلة المضمون يسهل حفظها.

أما في السنة الثالثة فقد اعتمدت الطريقة التي اتبعت في السنة الأولى وهى طريقة -السؤال والجواب-.

أما في السنة الرابعة فقد اعتمدت طريقة الشرح والتفصيل نوعاً ما، وهذا ما يناسب خصائص النمو لدى الولد في هذه المرحلة من القدرة على القراءة الجيدة والحفظ وسعة الخيال وفهم المعاني المجردة والأمور الغيبية.

أما في السنتين الخامسة والسادسة فقد حشدت موضوعات المادة بالأدلة لكل موضوع من القرآن والسنة تبعاً لطريقة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تأليف رسائله وإذا نظرنا إلى المنهج في جميع السنوات الست فإننا نجده خالياً من التمرينات والتطبيقات التي تعين التلميذ على حفظ المادة وفهمها على خلاف مادتي الفقه والتجويد مثلاً.

جدول رقم (6) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة الفقه)

السنة الدراسية

الموضوعات التي يدرسها الطالب

الأولى

الوضوء، كيفية الوضوء، الصلاة، التشهد الأول، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، التشهد الأخير، الصلوات المفروضة وعدد ركعاتها، مبطلات الصلاة.

الثانية

ص: 355

الاستنجاء والاستجمار، صفة الوضوء، نواقض الوضوء، الصلوات المفروضة وكيفيتها، دعاء الاستفتاح، التشهد والصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم، مبطلات الصلاة.

الثالثة

آداب قضاء الحاجة، الاستنجاء والاستجمار، شروط الوضوء، فروض الوضوء، أوقات الصلاة، شروط الصلاة، أركان الصلاة، واجبات الصلاة.

الرابعة

الوضوء وشروطه ونواقضه، شروط الصلاة، الأذان والإقامة، أركان الصلاة وأدلتها، تفسير سورة الفاتحة، التشهد والصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم.

الخامسة

أقسام المياه، المسح على الخفين، التيمم، أداب المشي إلى الصلاة، صفة الصلاة، الأشياء المكروهة في الصلاة، مسنونات الصلاة، سجود السهو، صلاة الجماعة، أحكام الإمامة، من يعذر في ترك الجمعة والجماعة، صلاة أهل الأعذار، السنن والرواتب، أوقات النهي عن الصلاة.

السادسة

باب صلاة الجمعة، صلاة العيدين، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة الجنائز، باب الزكاة، باب الصوم، باب الحج، أركان الحج، أركان العمرة.

من العرض السابق لمنهج مادة الفقه في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:

1-

أن ما يدرسه الطالب من موضوعات لهذه المادة يتمشى مع أهداف التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية وقد دلت بعض الأهداف على تحقيق المطالب التالية: (تدريب الطالب على إقامة الصلاة وأخذه بآداب السلوك والفضائل، توليد الرغبة لديه في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح، تنمية وعيه ليدرك ما عليه من واجبات وما له من الحقوق في حدود سنّه) .

ص: 356

2-

إن الناظر لمنهج مادة الفقه عبر السنوات الست التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي يلاحظ التركيز على موضوعات الطهارة، والوضوء، وأداء الصلاة، التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهذا من أجل تعويد الطالب منذ الصغر على أداء الفرائض والواجبات الدينية، وإذا كانت الصلاة لا تلزم الصغير لعدم تكليفه بها فإن منهج التربية في الإسلام يوجب على كل من يتولى رعاية الطفل والإشراف عليه أن يدربه على أداء الصلاة ويعوده ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع".

وهذا التعويد المبكر لإقامة الصلاة الذي يتناسب مع هذه المرحلة التعليمية يكسب الطالب العديد من الخصال الخيرة، والصفات الحسنة كالطاعة والنظام، والعفة والطهارة، والطمأنينة والسكينة، والحيوية والنشاط، واستحضار عظمة الله عز وجل ودوام الصلة به، والشعور بحلاوة الإيمان، فتتأصل في نفسه هذه العبادة العظيمة وتضيء له من نورها في طريق حياته ومستقبله.

3-

عرضت المسائل العلمية لمادة الفقه وفق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله دون الرجوع إلى رأي المذاهب الأخرى فالطالب في هذه المرحلة لا يُمكِّنه سِنّه من عرض الموضوع ومناقشته على ضوء المذاهب الفقهية الأخرى والتعرض للآراء المتعددة في المسألة الواحدة والترجيح بينها، والتي قد تشوش فهمه للمادة، وقد رجع مؤلفوا منهج المادة إلى عدة مراجع هامة في المذهب كزاد المستقنع لموسى الحجاوي، والروض المربع لمنصور البهوتي، والمغني لابن قدامة.

ص: 357

4-

كما جاء عرض موضوعات الكتاب في السنة الأولى بطريقة مشوقة عن طريق الحوار -السؤال والجواب- حيث وضعت العناوين باللون الأخضر وكتبت الأسئلة باللون الأزرق والإجابة باللون الأسود وهذا الإخراج الفني بتعدد الألوان ماهو إلا وسيلة تعليمية جذابة تساعد الطالب على الحفظ والاستذكار والفهم وتعينه على الانتباه والتركيز.

أما في السنة الثانية فقد اتبعت نفس الطريقة وهى طريقة الحوار في تقديم المحتوى، وفي السنوات الأخرى من السنة الثالثة حتى السنة السادسة اختلفت الطريقة من أسلوب الحوار إلى طريقة أخرى تتضح في الفقرة التالية.

5-

عرض المعلومات في جمل قصيرة أو طويلة واضحة المعنى بعيدة عن التعقيد مع شرح للمصطلحات الفقهية وربطها بالواقع المعاصر والاستعانة بالوسائل التعليمية.

وهذه بعض الأمثلة التي تدل على ذلك:

أ- دخول الوقت: لكل صلاة من الصلوات الخمس وقت معين من الليل والنهار ولكل وقت بداية ونهاية حسب الترتيب التالي:

الصلوات

... أول الوقت

...

... آخره

الظهر

من زوال الشمس عن وسط السماء

إلىأن يصيرظل كل شيء مثله

ورُسم في الكتاب وسيلة إيضاحية عبارة عن شجرة وشمس مشرقة وأرض فضاء ثم ظل هذه الشجرة وقد كتب على هذه اللوحة مايلي: (طول الشجرة 1.5سم والظل 1.5سم) .

ب- عرضت وسيلة إيضاحية لبيان موقف الإمام والمأمومين اثناء الصلاة في عدة أشكال توضيحية الأولى منها تبين موقف الإمام في جماعة من الرجال، والثانية تبين موقف الإمام إذا كان المأموم واحداً والثالثة تبين موقف الإمام إذا صلى برجل وامرأة والرابعة تبين موقف الإمام والمأمومين في مسجد يضم الرجال والنساء.

ج- توضيح معاني بعض المصطلحات مثل:

الاستنجاء والاستجمار- الحاقن والحاقب - فرض الكفاية وفرض العين- المسبوق (صلوا في رحالكم) . القلتان = 5 قرب =15 تنكة = 270 لتراً = 0.25 طن.

ص: 358

.. نصاب الذهب أحد عشر جنيها سعوديا وثلاثة أسباع الجنية ويساوي 85 جراماً ونصاب الفضة مائتا درهم وتساوي (56) ريالاً سعودياً.

6-

أما من ناحية التدريبات والتطبيقات للمقرر فقد خلا منها منهج مادة الفقه في الثلاث السنوات «الأولى والثانية والثالثة» أما في السنوات الثلاث الأخرى «الرابعة والخامسة والسادسة» فقد ضمت بعض التدريبات والتمارين المفيدة لموضوعات المقرر والتي تعين الطالب على حفظ المادة وفهمها واستذكارها.

جدول رقم (7) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة الحديث)

السنة الدراسية

الموضوعات التي يدرسها الطالب

الخامسة

يدرس الطالب عشرين حديثاً تدور حول أركان الإسلام وأحكامه وآدابه.

الفصل الدراسي الأول يضم من الأحاديث:

الحديث الأول بعنوان «الإخلاص في العمل» إلى الحديث العاشر بعنوان «فضل زيارة المريض» .

أما الفصل الدراسي الثاني فيضم من الأحاديث:

الحديث الحادي عشر بعنوان «النظافة في الإسلام» إلى الحديث العشرين بعنوان «فضل الغَرْسِ والزرع» .

السادسة

يدرس الطالب عشرين حديثاً تدور حول العقيدة الإسلامية والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.

الفصل الدراسي الأول يضم من الأحاديث:

الحديث الأول بعنوان «الإيمان والإستقامة» إلى الحديث العاشر بعنوان «فضل تعلم القرآن وتعليمه» .

أما الفصل الدراسي الثاني فيضم من الأحاديث:

الحديث الحادي عشر بعنوان «تأثير الأصدقاء على الإنسان» إلى الحديث العشرين بعنوان «وجوب محبة المسلم لأخيه» .

من العرض السابق لمادة الحديث في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:

ص: 359

1-

أن مايدرسه الطالب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد مايدعو إليه المقرر الدراسي من أهداف وتوجيهات لبيان أهمية السنة النبوية كمصدر هام من مصادر التشريع الإسلامي فقد جاء في البند الحادي عشر ما يلي «أن يدرك التلاميذ أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني في التشريع الإسلامي» فليست أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا لبيان ماجاء في القرآن الكريم وبيان التفاصيل التي لم ترد فيه قال تعالى: {

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) .

وقد وردت الأدلة الكثيرة على حجيتها فهى المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية يستمد من فيضها العقيدة، ومن نبعها الأحكام والتشريعات، ويستقي منها أسس التربية وأصول الفضائل والأخلاق الحميدة، قال تعالى: {

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

} (2) .

2-

اشتمل محتوى المادة على الكثير من آداب السلوك الإسلامي وفضائله ولاشك أن تحلى الطالب في هذه المرحلة بتلك الآداب والفضائل يزيد في جمال سلوكه، ويعزز من محاسنه ويحبب شخصيته ويدنيه من القلوب والنفوس كما أرشد إلى ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضي الله عنهم فقال لهم:"إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يُحب الفُحشَ ولا التفحَّش"(3) .

وهذه بعض الأمثلة على سبيل الاستشهاد وليس الحصر لتلك الآداب التي يدرسها الطلاب في هذا المقرر:

(1) سورة النحل، الآية (44) .

(2)

سورة الحشر، الآية (7) .

(3)

رواه أبو داود –كتاب اللباس- ج (4) - 4089/348-350.

ص: 360

آداب قضاء الحاجة، النهي عن المسألة، حق الجار على الجار، التحذير من الغضب، بر الوالدين وتحريم عقوقهما، من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، فضل زيارة المريض، النظافة في الإسلام، الكلمة الطيبة صدقة، النهي عن تعذيب الحيوان، من آداب الأكل، من أداب العطاس، الترغيب في الصدق والتحذير من الكذب، تحريم الغيبة، فضل السلام والأمر بإفشائه، فضل الغَرْس والزَّرْع، الإيمان والاستقامة، الحياء مفتاح كل خير، فضل الذكر، حسن الخلق، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، العفو والتسامح، تحريم الهجر في الإسلام، فضل تعلم القرآن وتعليمه، تأثير الأصدقاء على الإنسان، حفظ اللسان واليد من التعدي، وجوب طلب العلم، حق الطريق، آداب الاستئذان، الرحمة بالناس.

3-

إن طريقة عرض الدروس صارت في الكتاب المقرر على وتيرة واحدة وهي تمثل الخطوات التالية:

أ- قراءة نص الحديث.

ب- التعريف براوي الحديث.

ج- بيان معاني الكلمات الواردة في الحديث.

د- ذكر التوجيهات والفوائد المستنبطة من الحديث.

وقد خلت من المعنى الإجمالي للحديث وهى خطوة هامة عند تعرض المعلم لشرح الحديث شرحاً إجمالياً لطلابه وعند تحضيره لدرسه في كراسة التحضير واتباعه الخطوات التالية في التحضير (التمهيد-المقدمة-العرض-الاستنباط والملخص-التقويم) .

4-

يحتاج معلم المادة إلى توضيح بعض الطرق العملية وتزويده بها حتى يستعين بها عند شرحه للدروس مثل:

أ- أن يطلب من الطلاب بيان معاني الكلمات من قبلهم وأن يضعوها في جمل مفيدة حيث أن هذا الأسلوب يؤدي إلى رسوخ معناها في أذهانهم.

ب- أن يعطي المعلم الفرصه للتلاميذ للتوصل بأنفسهم إلى الأحكام والآداب والفضائل والسلوكيات التي يشتمل عليها الحديث لتنمية مهارة استنباط الأحكام الشرعية العملية لديهم من الأحاديث النبوية الشريفة.

ج- أن يربط المعلم تلك الآداب والأحكام بواقع الحياة لكي يتمثلها ويطبقها التلاميذ في حياتهم العامة والخاصة.

ص: 361

ثالثاً: مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادئ التنظيمية التربوية الهامة:

إذا نظرنا لمحتوى مواد علوم التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية فإننا نستطيع أن ندرك مراعاته لبعض الأسس والمبادئ التربوية التنظيمية التي توافق وتناسب هذه المرحلة التعليمية، وقبل البحث عن هذه المبادئ التربوية لابد أن نتطرق إلى تعريف المحتوى فقد ذكر الخبراء بأنه القدر من المعارف والمعلومات والخبرات والمهارات والقيم التي يقع عليها الأختيار من قبل المختصين والتي تحقق النمو الشامل للمربّي والتي تم ترتيبها وفق تنظيم معين.

وهناك تنظيمان رئيسان لترتيب المعارف والخبرات داخل المحتوى هما:

أ- التنظيم المنطقي:

ويقصد به الترتيب للخبرات والمعلومات التي يضمها المحتوى وفق المادة نفسها بحيث يبين بعضها بعضاً بصوره استنباطية أو وفق أساس معين يتمثل في التتابع الزمني كأن تسير هذه المعلومات من القديم إلى الحديث، أو من السهل إلى الصعب، أو من البسيط إلى المعقد، أو غيره من أسس الترتيب.

وقد راعى منهج علوم التربية الإسلامية لمرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة هذا التنظيم مراعاة جيدة ففي مادة التوحيد مثلاً للصف الأول يترقى تعليم الطفل من معلومات مبسطة سهلة تأتي بطريق الحوار على النحو التالي:

س1) من ربك؟ ج1) ربّي الله، س2) ما دينك؟ ج2) ديني الإسلام، س3) من الرسول الذي أرسله الله إلينا؟ ج3) الرسول هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

إلى معلومات عالية المستوى والدقة وتحتاج إلى فهم عميق في الصفين الخامس والسادس ومثال ذلك:

توحيد الألوهية هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد كالدعاء، والنذر، والنحر، والرجاء، والخوف، والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة.

ص: 362

توحيد الأسماء والصفات هو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة وعدم التعرض لها بشيء من التكييف أو التعطيل واعتقاد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وهناك مثال آخر لمادة الفقه حيث يُراعى هذا الترتيب المنطقي في تقديم موضوعات المادة فيدرس الطالب أولاً موضوعات الطهارة وأداب قضاء الحاجة، ثم يلي ذلك معرفة الوضوء وشروطه وفروضه، ثم يلي ذلك معرفة الصلاة وشروطها وأركانها وواجباتها، وذلك في الأربع السنوات الأولى من هذه المرحلة حتى إذا أتمها يأخذ في السنتين الأخيرتين الخامسة والسادسة بعض الموضوعات الفقهية بصورة موسعة لصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء وموضوعات الزكاة والصوم والحج والعمرة، كما يُعنى عند تدريس الوضوء أن يسبقه دراسة أحكام الطهارة وعند تدريس الصلاة لابد أن يسبقها أحكام الطهارة والوضوء وهكذا.

ونلاحظ من خلال استعراض المحتوى الدراسي لمنهج علوم التربية الإسلامية أنه راعى مايلي:

أ- الأصول العقدية في الإسلام التي يجب أن يعتنقها التلاميذ.

ب- المواقف التعبدية التي تؤدي بالولد أن يمارس عباداته بصورة صحيحة.

ج- الخبرات التعليمية والتطبيقية التي تؤدي بالتلاميذ إلى تغيير وتعديل في سلوكهم وإكسابهم العادات والمهارات والقيم النافعة والأخلاق الإسلامية.

ب -

التنظيم النفسي:

التنظيم السابق يراعي محتوى المادة العلمية وترتيبها منطقياً أما التنظيم النفسي فإنه يراعى حاجات المتعلم وميوله واهتماماته وهو يهتم بكل ما يتصل بالطفل ويؤدي إلى تكوينه السليم.

ص: 363

وعند بناء محتوى المنهاج فإنه يؤخذ في الاعتبار الاستعانة بهذين النوعين على الرغم من اختلافهما فيذكر أحد الخبراء والمختصين في المناهج أنه لاتبني المقررات الدراسية على مجرد التنظيم المنطقي للمادة الدراسية بل يراعى التنظيم النفسي (السيكولوجي) للتلميذ.

ويذكر أحدهم أن كثيراً من النقد الذي يوجه إلى مناهج المادة الدراسية يتسم بالمبالغة ذلك أن أحداً من دعاة المناهج لم يناد بسلبية التلاميذ أو إهمال الأهداف التربوية وعدم العناية بالنواحي العملية والتطبيقات السلوكية بل إن مراعاة هذه المبادىء جميعاً يمكن أن يتم في إطار مناهج المادة.

ويقارن بعض المختصين في المناهج الدراسية بين التنظيمين فيذكرون: أنه يحدث أحياناً تعارض بين المادة وبين الاعتبارات النفسية حين تتطلب هذه الاعتبارات نظاماً معيناً يرفضه منطق المادة، ويؤكدون على أن هذا التعارض غير موجود أصلاً أو أنه نادر جداً إذا كان موجوداً حسب قولهم، وذلك أن منطق المادة ومبادىء التنظيم النفسي قائمان على نفس الأساس وهو تسهيل الفهم على الدارس.

ومراعاة منهج علوم التربية الإسلامية للتعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية لجانب التنظيم النفسي نجده واضحاً من خلال تعليمات المنهج وتوجيهاته العامة للمواد وعلى ضوء الخبرات التعليمية المتضمنة في الكتب الدراسية.

فقد تضمن المحتوى الدراسي تشجيع الرغبات والميول والهوايات والأنشطة اللاصفية كما يتم إشباع ذلك عن طريق تكوين جماعات الأنشطة المدرسية: كجماعة البر والإحسان، وجماعة المكتبة الدينية، وجماعة نشر الدعوة الإسلامية، وجماعة الإذاعة المدرسية.

ص: 364

ومن الحقائق المعلومة أن معلم التربية الإسلامية له دور كبير في توجيه سلوك التلاميذ وإكسابهم الحقائق والمعلومات الصحيحة وتدعيم القيم الدينية والاتجاهات وطرق التفكير عن طريق النشاطات السابقة، وعن طريق أخذ الطلاب إلى خارج المدرسة لمشاهدة آيات الله وقدرته في هذا الكون من أجل ترسيخ الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى وعن طريق دروس الفقه بتطبيق بعض الدروس عملياً في موضوعات الوضوء والتيمم والصلاة، والبيع والشراء واستخدام القصص الدينية لغرس المثل والفضائل.

ومن المراعاة النفسية أن غرس محتوى علوم التربية الإسلامية ينمي في نفوس التلاميذ الشعور الديني والعواطف الدينية كعاطفة الحب في الله، وعاطفة الخوف من الله تعالى إذ أنهما من أكبر الدوافع والحوافز اللتان يمكن استخدامهما في فعل الطاعات وتنفيذ المأمورات وترك المنهيات دون اللجوء إلى سلطة أو سطوة أو حاجة إلى عقاب لتنفيذ الأوامر والنواهي والتزام النظام والقانون.

ومن الأمور الهامة التي راعاها المحتوى الدراسي لعلوم التربية الإسلامية مراعاته للحاجات النفسية للطالب كالحاجة إلى المحبة والرضا، والحاجة إلى التقدير والمكانة الإجتماعية، والحاجة إلى النجاح والإنجاز، والحاجة إلى الاستقلال والحاجة إلى الفهم والمعرفة.

ولا شك إن من أهم الحاجات النفسية التي يجب اشباعها مايسمى (بالحاجة إلى الأمن) فليس هناك أقدر من إشباع هذه الحاجة وتحقيق الاستقرار النفسي والصحة النفسية للطالب من تدريس وتعليم علوم التربية الإسلامية وقد قال الله تعالى: {

أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1) .

وقد ذكر علماء النفس أن الولد منذ الصغر يحتاج إلى الرعاية والكفالة من قبل والديه وممن حوله من الإخوة والأقارب خصوصاً في مرحلة التعليم الأولى فإن لم يتحقق له ذلك فقد شعوره بالأمن واكتنفه الخوف فكان ذلك من أقوى العوامل للإصابة بالأمراض النفسية.

(1) سورة الرعد، الآية (28) .

ص: 365

ومن المبادئ التربوية التي روعيت في محتوى منهج علوم التربية الإسلامية للمملكة العربية السعودية المبادئ التالية:

أ - الاستمرار:

وهو يعني تكرار عناصر المنهاج الدراسي خلال سنوات الدراسة المختلفة بحيث تزداد صعوبة المادة كلما انتقل التلميذ من مرحلة إلى أخرى (أي من سنة دراسية إلى سنة دراسية أخرى) والأمثلة على ذلك واضحة كما ظهر في الجداول السابقة والتي تبين ترتيب موضوعات الكتاب المقرر الذي يدرسه الطالب في كل مرحلة.

ب -

التتابع:

وهو أن تكون الخبرة الحالية التي اكتسبها التلاميذ مبنية على ماسبقها من خبرات وأن تكون هذه الخبرة أساساً لخبرات لاحقة، وإذا نظرنا إلى منهج علوم التربية الإسلامية في المملكة نرى أن مبدأ التتابع يتمثل تمثلاً واضحاً في الموضوعات التي يدرسها الطالب في الكتاب المقرر وعلى سبيل المثال موضوعات مادة التوحيد.

نرى الطالب يدرس في الصف الأول: معرفة الرب سبحانه وتعالى، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه المعرفة القائمة في الصف الأول تعتمد على مبدأ السهولة وتزداد صعوبة وعمقاً في المراحل الأخرى كما يظهر في الجدول السابق الذي يبين ترتيب موضوعات الدراسة التي يدرسها الطالب في الكتاب المقرر.

ج - التكامل:

ص: 366

ويقصد به أن ترتبط الخبرات والمعارف بعضها ببعض وتقوى العلاقات بين المواد الدراسية «وحدة المعرفة» فالموضوعات التي يدرسها الطالب في مادة القرآن الكريم يجب أن تساند موضوعات مادة التوحيد، والموضوعات التي يدرسها الطالب في مادة الحديث يجب أن تساند موضوعات مادة الفقه، فيمكن لنا أن نشرك كل خبرات المنهج ومعارفه في تنمية معرفة الطالب بأحكام الصلاة وآدابها والمحافظة على أدائها عن طريق دراستها من خلال جميع مواد وعلوم التربية الإسلامية في وحدة واحدة فيدرس الطالب في القرآن الكريم الآيات التي تحث على الصلاة وتبين حكمها وفضلها، ويدرس في الحديث النبوي أحكام الصلاة وأوقاتها وآدابها، ويدرس في الفقه آراء الفقهاء في واجباتها وسننها، وهكذا في جميع الموضوعات.

وهذا المبدأ لم يطبق تطبيقاً شاملاً في منهج المرحلة الإبتدائية في المملكة نظراً لتبويب المنهج في صورة مواد مستقلة على خلاف التنظيم المنهجي المسمى «منهج الوحدات» وقد أُخذ هذا الأمر في الاعتبار في توصيات الدراسة.

والله ولي التوفيق.

النتائج

من خلال ما تقدم يتضح بعد عرض وتحليل قضايا وعناصر البحث النتائج والتوصيات التالية:

1-

حرص المملكة العربية السعودية واهتمامها بتعليم علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي، فهي تنظر إليه بأنه تكليف رباني تتشرف بحمله وتبليغه، فالرسالة في التعليم الإسلامي تؤكد على تلازم العلم والعمل به.

2-

إدراك المملكة العربية السعودية أهمية العلم في بناء الأمة وقوتها، وقيمته في رقيها وتقدمها، وهو من أولى الأوليات في خطتها التنموية وفي نهضتها، وأن الجهل له آثار كبيرة وخطيرة في الفرقة والخلاف والتأخر الحضاري.

ص: 367

3-

أن علوم التربية الإسلامية في المنهج الدراسي لمرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية، تشكل جزءاً كبيراً لا يستهان به ضمن منهج الدراسة للطالب وهي نسبة 30.7% من كامل المنهج الدراسي الذي يقدم له في هذه المرحلة.

التوصيات

1-

العناية ببعض القضايا المعاصرة وإدخالها ضمن منهج علوم التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية، والتي تهدف إلى تأكيد وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وتقوية الروابط بينها، وإيقاظ الشعور الإسلامي لديها، ووضع الحلول والمعالجة لمشكلات المجتمع المسلم.

2-

إدخال بعض التحسينات على منهج علوم التربية الإسلامية والتي تتعلق بالآتي: تخصيص وقت للنشاط، استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة، الاهتمام بالتطبيقات التربوية عن طريق المشاهدة والرحلات، استخدام أساليب متنوعة في التقويم.

3-

إتباع منهج الوحدات فهو من أفضل التنظيمات المنهجية لعلوم التربية الإسلامية ففيه يختار الخبراء موضوعاً معيناً يُتخذ أساساً لوحدة مترابطة يدرسها الطلاب تشمل مواد التربية الإسلامية مجتمعة - القرآن الكريم والتوحيد والتفسير والحديث والفقه - وهذا ما دعا إليه جهاز التطوير التربوي في الإدارة العامة للمناهج حيث جاء ما نصه "ونود أن نلفت النظر إلى تبويب مناهج المرحلة الإبتدائية في صورة مواد مستقلة لا يعني انفصال بعضها عن بعض وإنما يقصد به بيان الحد الأدنى الذي ينبغي أن يحصل عليه التلميذ من المعرفة في مختلف مجالات الدراسة في هذه المرحلة من التعليم".

ص: 368

4-

العناية التامة بتدريس مادة تفسير القرآن الكريم فإن المتتبع لخطة الدراسة في مرحلة التعليم الإبتدائي لايجد لهذه المادة ساعات مخصصة مستقلة لها ولذا يستحسن إضافة المادة إلى خطة الدراسة ضمن منهج الوحدات الذي سبق الإشارة إليه مع الاهتمام بأن تكون هذه الموضوعات سهلة ميسرة لتفسير آيات القرآن الكريم وقد حثت توصيات المؤتمرات التعليمية الإسلامية على ذلك وجاء فيها مايلي: (العناية التامة بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وفهماً باعتبار ذلك اللبنة الأولى لتكوين عقيدة المسلم وأخلاقه وأفكاره وتصوراته) .

5-

العناية التامة بتدريس مادة السيرة النبوية وضمها إلى وحدة علوم التربية الإسلامية بدلاً من وحدة العلوم الإجتماعية للأسباب الآتية:

أ- دراسة السيرة النبوية من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.

ب- قدرة معلمي علوم التربية الإسلامية على تدريس المادة من حيث إعدادهم المهني والتخصصي الذي أكسبهم قدراً عالياً ومعرفة واسعة بالعلوم الإسلامية.

ج- إن دراسة السيرة النبوية من قبل معلمي العلوم الإجتماعية قد يؤدي إلى عرض موضوعات المادة بصورة تاريخية خالية من العبر والمواعظ والتوجيه والتهذيب.

6-

ضرورة إعادة النظر في خطط الدراسة ومناهجها التعليمية من قبل الجهات المشرفة على التعليم في العالم الإسلامي بإقامتها وبنائها على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية والاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية لتدريس علوم التربية الإسلامية.

7-

التأكيد على جميع المتخصصين في التوجيه، والإشراف التربوي، والتعليم من خبراء ومعلمين على أن قدرة الطالب العلمية لاتقاس بكثرة معلوماته وإنما بآثارها في سلوكه وعباداته ومعاملاته وتفاعله مع مجتمعه.

بحوث مقترحة

يمكن للباحثين في العلوم التربوية استكمالاً للدراسة الحالية إجراء البحوث التالية:

ص: 369

1) دراسة تتبعية تحليلية للأهداف العامة والخاصة التربوية للتعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.

2) دراسة تتبعية تحليلية للطرق وأساليب التدريس واستخدام الوسائل التعليمية في التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.

3) دراسة تتبعية وتحليلية لأساليب التقويم وأدواته في التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.

والله الموفق،،،

المراجع

أولاً: القرآن الكريم وتفسيره.

-

ابن كثير:

تفسير القرآن العظيم- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الحديث- عام 1408هـ-1988م القاهرة.

ثانياً: كتب السنة وشروحها:

-

ابن الأثير:

النهاية في غريب الحديث- تحقيق/ طاهر أحمد الزواوي ومحمود الطناحي- الناشر/ دار الفكر للنشر والتوزيع- بيروت.

-

أبو داود:

سنن أبي داود ومعالم السنن للخطابي- إعداد/ عزت عبيد دعاس وعادل السيد- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الحديث 1388هـ-1969م حمص.

-

البخاري:

صحيح البخاري- إشراف/ مصطفى ديب البغا- الطبعة الأولى- الناشر/ دار القلم- عام1401هـ-1981م بيروت.

-

مسلم:

صحيح مسلم- تحقيق/ محمد فؤاد عبد الباقي- الناشر/ دار إحياء التراث العربي عام 1374هـ-1954م القاهرة.

ثالثاً: مراجع عامة:

- إبراهيم محمد الشافعي – راشد حمد الكثيري – سر الختم عثمان علي:

المنهج المدرسي من منظور جديد – الطبعة الأولى – الناشر / مكتبة العبيكان – عام 1417هـ – 1996م – الرياض.

-

ابن عثيمين:

كتاب العلم- إعداد/ فهد بن ناصر السليمان- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الثريا للنشر 1417هـ-1996م الرياض.

-

أحمد سعيد الغامدي:

دراسات في التربية الإسلامية- الطبعة الأولى- الناشر / دار العلوم والحكم- عام 1415هـ-1995م المدينة المنورة.

-

أحمد عزت راجح:

أصول علم النفس- الطبعة الثانية عشرة- الناشر/ دار المعارف- عام 1979م القاهرة.

- حامد عبد السلام زهران:

ص: 370

علم النفس النمو –الطبعة الرابعة– الناشر/ عالم الكتب –1977م– القاهرة.

- حمد بن إبراهيم السلوم:

التعليم العام في المملكة العربية السعودية - الطبعة الثانية – عام 1411هـ-1991م واشنطن.

- خليفة على السويدي – خليل يوسف الخليلي:

المنهاج (مفهومه وتصميمه وتنفيذه وصيانته) الطبعة الأولى –الناشر/ دار القلم، عام 1417هـ –1977م- دبي.

- الدمرداش عبد المجيد سرحان:

المناهج المعاصرة –الطبعة الخامسة- الناشر/ مكتبة الفلاح – عام 1405هـ –1985م – الكويت.

- سعيد بامشموس، نور الدين عبد الجواد:

التعليم الإبتدائي- دراسة منهجية- الناشر/ دار البلاد- بدون تاريخ- جدة.

-

سليمان بن عبد الرحمن الحقيل:

التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- الناشر/ دار الشبل للنشر والتوزيع- عام 1414هـ-1993م الرياض.

-

عبد الرحمن النحلاوي:

أعلام التربية في تاريخ الإسلام «ابن تيمية» الطبعة الأولى- الناشر/ دار الفكر للطباعة والنشر- عام 1406هـ-1986م دمشق.

- عبد اللطيف فؤاد إبراهيم:

المناهج أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها –الطبعة السادسة- الناشر/مكتبة مصر- 1984م- القاهرة.

- علي إبراهيم الزهراني – عبد الحي عمر فلاته:

النمو الإنساني ومراحله في المنهج الإسلامي –الطبعة الأولى- الناشر/دار الخضيري للنشر والتوزيع –عام 1419هـ المدينة المنورة.

- فوزي طه إبراهيم ورجب أحمد الكلزة:

المناهج المعاصرة- الطبعة الأولى- الناشر/ مطابع الفن- عام 1983م

القاهرة.

-

محمد صلاح الدين مجاور، فتحي عبد المقصود الديب:

المنهج المدرسي أسسه وتطبيقاته التربوية- الطبعة الخامسة- الناشر/ دار القلم- عام 1401هـ- 1981م الكويت.

-

محمد عبد العليم مرسي:

المعلم والمناهج وطرق التدريس- الطبعة الأولى- الناشر / دار عالم الكتب للنشر والتوزيع- عام 1405هـ-1985م الرياض.

-

محمد عزت عبد الموجود وآخرون:

ص: 371

.. أسياسيات المنهج وتنظيماته- الناشر/ دار الثقافة للطباعة والنشر- عام 1978هـ-1979م.

-

محمد مصطفى زيدان:

التعليم الإبتدائي بالمملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- الناشر/ دار الشروق- عام 1405هـ-1985م جدة.

- محمود أحمد شوق:

أساسيات المنهج المدرسي ومهماته – الطبعة الأولى- الناشر/ دار عالم الكتب – 1416هـ –1995م – الرياض.

- مقداد بالجن:

توجيه المتعلم إلى معالم طرق تعليم العلوم الإسلامية- الطبعة الأولى- الناشر/ دار عالم الكتب- عام 1413هـ-1992م الرياض.

رابعاً: الوثائق الرسمية والكتب المدرسية:

-

وزارة التعليم العالي:

توصيات المؤتمرات التعليمية الإسلامية العالمية الأربع- المركز العالمي للتعليم الإسلامي- جامعة أم القرى- الطبعة الأولى 1403هـ-1983م مكة المكرمة.

-

وزارة المعارف:

تطور التعليم في المملكة العربية السعودية- إعداد مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي- عام 1417هـ-1996م الرياض.

-

وزارة المعارف:

سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- عام 1394هـ-1974م، الرياض.

-

وزارة المعارف:

منهج التعليم الإبتدائي لمدارس البنين- الطبعة الثانية- الناشر/ شركة العبيكان للطباعة والنشر- عام 1408هـ-1988م الرياض.

-

وزارة المعارف:

أ- كتاب الطالب للصف الأول الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.

ب- كتاب الطالب للصف الثاني الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.

ج- كتاب الطالب للصف الثالث الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.

د- كتاب الطالب للصف الرابع الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1416هـ-1995م.

ص: 372

هـ -

كتاب الطالب للصف الخامس الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- الحديث- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1416هـ-1995م.

و كتاب الطالب للصف السادس الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- الحديث- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.

- الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية:

الكتاب السنوي الثالث – التعليم الإبتدائي ودوره في تنمية المهارات الأساسية لدى التلاميذ – جامعة الملك سعود – كلية التربية – عام 1411هـ – 1991م – الرياض.

- مجلة التربية:

مركز البحوث التربوية والمناهج بوزارة التربية – الكويت – العدد الثامن والعشرون – السنة التاسعة – يناير عام 1999م.

ص: 373

جهود الملك عبد العزيز رحمه الله

في تحقيق مفهوم الجماعة

إعداد

معالي الدكتور

صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والرسل، لا نبي بعده ولا رسول، بعثه الله إلى الناس كافة، ينذرهم من الشرك ووسائله وأسبابه، ويحذرهم من البدعة والفرقة، والمشاقة والتنازع، ويدعوهم إلى التوحيد وتحقيقه، واتباع السنة، والسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، ثم توفاه الله إليه، وأبقى دينه، وافترض طاعته على الجن والإنس، إلى يوم القيامة، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الباعث وأسباب اختيار الموضوع:

أما بعد: ـ

ص: 374

فإن الباعث لهذا البحث، هو مناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، فلقد مرت مائة عام على عود الله بعائدته الجميلة على أهل التوحيد، والسنة والجماعة، فأضاء التاريخ السعودي بالملك عبد العزيز، تاريخ العلم والإيمان، والعدل والأمان، تاريخ النور والتوحيد، بعد انطفاء حلت معه ظلمات الجهل والفرقة، والشرك والبدعة، فعاد الله بعائدته الكريمة على أهل الإسلام، في أرض الحرمين وما جاورهما، باسترداد عبد العزيز عام 1319هـ رياض التوحيد، أرضه وأرض آبائه وأجداده، أنصار توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، فقام لله تعالى إماماً حنيفاً، وللدين سلطانا نصيراً، وللمسلمين قدوة وعزاً، يسير على منهج سلفه الصالح، من أهل السنة والجماعة، في العمل على توحيد كلمة المسلمين، وتوثيق تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى، والأخذ بأسباب حياتهم السعيدة، ومصالحهم الأكيدة في الدنيا والدين، مع المحافظة على صفاء العقيدة الإسلامية، وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والخرافة والوهم، وسائر المعوقات الجاهلية، وأسباب الفرقة، حتى وصل بالمملكة العربية السعودية، على هذا المنهج القويم، والصراط المستقيم، إلى مرسى الأمن والإيمان، ومعقل السمع والطاعة، ومأرز السنة والجماعة، فلله الحمد والمنة.

إنها لنعمة من الله تعالى عظمى، تستوجب الحمد لله تعالى والشكر، والتأمل الطويل لتذكير أنفسنا، وتذكير أجيالنا الناشئة واللاحقة، بأسباب هذه النعمة العظمى ليستديموها بعدم التفريط بأسبابها، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ص: 375

وقد نشأ جيل جديد، وجد نفسه في نعمة هذه الوحدة والجماعة، ولم يكن قد عرف ضدها، وأخشى أن يلهو ويغتر، وينسى سبب نعمته، فتنتقض عليه عروتها الوثقى، وتنقطع به أسباب أمنه وهدايته، وتحل عليه بديلاتها، من عوامل الفرقة والخوف، وأسباب الرعب والدمار، ومروجات الكذب وتكذيب الحق والشر، مما يغزوه به الشياطين، عبر الأقمار الصناعية وغيرها من عقائد الكفار وأفكارهم.. (1) .

ولقد بلينا في هذا الزمن على الخصوص، بغزو ماكر، بمناهج دعوية، تتزيا بلباس الدعوة الإسلامية، وهي دخيلة عليها، لأنها تخلط الحق بالباطل، والسنة بالبدعة وتستمرئ عداوة أهل التوحيد وأنصاره، وموالاة أهل الشرك وأعوانه، ومن ذلك: أنها تدعو إلى اعتقاد أنه ليس للمسلمين الآن جماعة، ذات ولاية وبيعة شرعية (2) ويبنون ذلك المعتقد الفاسد، على ما يؤصلونه من الباطل في مفهوم الجماعة، من أنها إنما تطلق في النصوص الشرعية إطلاقين لاغير:

إطلاق من حيث البناء والكيان، وإطلاق من حيث المنهج والطريقة.

فمن حيث البناء والكيان: "فالجماعة هي التي اتفقت الآراء فيها على إمام واحد بعقد بيعة،

فهذه هي التي يحرم الخروج عليها، وهي التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لحذيفة رضي الله عنه:"تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " الخ "

(1) ينظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي، ط المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، ص15.

(2)

ينظر: كتاب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، دراسات حول الجماعة والجماعات، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ، 15-19. نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة.

ص: 376

ويترتب على ذلك التأصيل المخترع: اعتقاد فاسد، وعمل باطل خطير، خلاصته: أن الجماعة غير موجودة الآن! لأن الآراء منذ قرون عديدة لم تتفق على إمام واحد بعقد بيعة، وأنه "يجب على المسلمين السعي لإيجاد هذه الجماعة، وتنصيب الإمام المتفق على بيعته، إذ أن تنصيب الإمام، الذي هو رأس بناء الجماعة، أمر مجمع على وجوبه (1) .

أي: وفي سبيل ذلك الواجب، لا يحرم الخروج على حكومة المملكة العربية السعودية، لأن الآراء لم تتفق كلها على إمامها بعقد بيعة!.

ولكن قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة الإسلامية ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها هي الجماعة، فدل ذلك على أن الافتراق واقع لا محالة، كما دل على استمرار وجود الجماعة مع وقوع الافتراق، ووجود وحدة المملكة العربية السعودية وإمامها، هو وجود الجماعة التي هي على الحق قائمة ظاهرة منصورة - ولله الحمد والمنة - لا يجوز الخروج عليها، ولا منازعتها في سلطانها، ولا تفريق جماعتها، لأن ذلك بغي وظلم، بل مروق من الدين، والعياذ بالله.

ويترتب على هذا التأصيل المخترع الباطل، ما تسميه بعض الجمعيات الدعوية ضابطاً لشرعية عمل أي جماعة دعوية أخرى، وهو: أن يكون عملهم "مما يؤيد الإمام العام، ويكون عونا له، في الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه، من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله ".

(1) ينظر: المرجع السابق.

ص: 377

ولكن هذا الإمام العام غير موجود، إلا في الذهن، ولا ينبغي أن يشتبه علينا وجود الذهن بوجود العين، فنظنهما واحداً، إذ وجود الذهن، لا حقيقة له فيما خرج عن الذهن، كوجود الإمام العام، فإنما وجوده في الذهن فقط، أمنية، نسأل الله تعالى تحقيقها، لكن لا يصح تحقيقها بأن يكون عمل جمعية الدعوة إلى الله تعالى لتأييد إمام معدوم العين، وتعتقد أن الله تعالى ألقى على عاتق هذا المعدوم واجبات، من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله، فالله تعالى لا يلقي واجباً على عاتق معدوم، فكيف نعتقد ذلك ونعمل له؟!، هذا هو ما تعمله الرافضة وتعتقده في الإمام المعصوم تماماً، وذلك عقيدة فاسدة، وعمل باطل.

وإنما يصح تحقيق تلك الأمنية عن طريق العمل الصالح، المبني على العقيدة الصحيحة، المطابقة للواقع، بتأييد إمام موجود، وجود عين، وإن لم يكن عاماً، فسيكون عاماً بسلوك هذا الطريق،كما لو تم ذلك بتأييد ولي الأمر في المملكة العربية السعودية، الإمام السعودي، وإعانته على الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه، من إقامة شرع الله، وحج بيت الله الحرام، والجهاد في سبيله.

وأما الإطلاق الثاني على زعم هؤلاء: فهو إطلاق الجماعة من حيث المنهج والطريقة، قالوا: وهذه لا يمكن حصرها في واحدة من الجماعات الإسلامية القائمة الآن، المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها (1) ، يعني كالإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وحزب التحرير، وغيرها، لأنها كلها ليست إلا وسائل للدعوة جائزة وعلى هذا قالوا: إنه لا يضير المسلم، أن يختار من هذه الجماعات ـ التي ليست إلا وسيلة للدعوة ـ جماعةً، يراها أقرب إلى الحق والصواب (2) !.

(1) ينظر: كتاب الغلو في الدين، تأليف عبد الرحمن اللويحق ط4/ عام 1417هـ، ص205-210.

(2)

ينظر: المرجع السابق.

ص: 378

والدعوة إلى هذا دعوة إلى التفرق من غير شك، لأنها دعوة إلى جماعات متعددة متباينة، فيها الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية، والصوفية والخوارج والمرجئة، ولفظ خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يرد ذلك، فإن قوله:"واحدة"ينافي التعدد، فتعين أن تكون الجماعة واحدة، لا جماعات، هم أهل السنة والجماعة (1) .

لكن مع الأسف ينطلق هؤلاء الدعاة في دعوتهم إلى الله بزعمهم، من ذلك المنطلق الفاسد، فيأتون إلى الناس من دعوتهم بجهالة وبغي، وبدعة وضلالة، ويسلكون مسلك الخوارج، المارقة من الدين، يبغضون أهل الإسلام ويقاتلونهم، ويدعون أهل الأوثان ويسالمونهم.

فيلزم التصحيح، وأرجو أن يوفقنا الله بهذا البحث لشيء من التصحيح.

ومن دواعي البحث: اعتقاد بعض الناس، من ذلك المنطلق الفاسد، أننا في زمان الواجب فيه الاعتزال، وأخذاً من قوله في حديث حذيفة قال:"قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال صلى الله عليه وسلم: "فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " (2) .

(1) ينظر: التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد، ط2/ص13.

(2)

انظر: البخاري مع الفتح13/35

ص: 379

فأحب أن أنبه بهذا البحث على أن ذلك لم يأت زمنه بعد، ولا يعلم متى يأتي زمانه إلا الله تعالى، وأنه من المعلوم قطعا، أن زماننا هذا، لا ينطبق عليه حكم الاعتزال، كما يروجه دعاة الضلال، لأن المسلمين اليوم لهم جماعة وإمام، هي: المملكة العربية السعودية وإمامها، التي ترفع راية التوحيد، ولا يعبد تحت تلك الراية، وداخل سلطانها، إلا الله، وحده لا شريك له، ويحكم أهلها بشريعة الله، ولا تستحل فيها الحرمات والمحرمات، ولا تزال قائمة على هذا، بالحق ظاهرة منصورة ولله الحمد والمنة، لا يجوز لمسلم أن يدعو أحدا من رعاياها إلى اعتزالها، بشبهة أننا في زمان ليس فيه للمسلمين جماعة ولا إمام.

ومن دواعي هذا البحث أيضا أننا بحاجة ماسة، لتسليط ضوء العقيدة الإسلامية في مفهوم الجماعة، على وحدة المملكة العربية السعودية، بالبحث العلمي، والتوضيح والبيان، كما أخذ الله ميثاق الذين أوتوا العلم، ليبينُنَّهُ للناس ولا يكتمونه، ولئلا يُنطلق في الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية، من فراغ في العقيدة، وجحد للحق وبطر، وغمط لجهود الملك عبد العزيز رحمه الله الخيرة، في تحقيق مفهوم الجماعة.

هذا ولم أر فيما كتب عن الملك عبد العزيز رحمه الله على كثرته، من كتب عن جهوده في تحقيق المفهوم الشرعي للجماعة، بهذا الشكل والمضمون.

فلأجل ذلك اتجهت للبحث في جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة، وأسأل الله تعالى ذا الجلال والإكرام، الذي لا إله غيره، أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، مقبولا لديه يوم الدين، وأن يعين بمنه وكرمه على إتمامه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..

الخطة

ص: 380

بما أن مفهوم الجماعة في حد ذاته مختلف فيه، بين كثير من المعاصرين، كما أشرت إليه في المقدمة، أصبح من ضروريات بيان جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة البدء ببيان مفهوم الجماعة على ضوء الكتاب والسنة، لنجعل ذلك أصلاً يرجع إليه في تقدير تلك الجهود وتقييمها، لذا بدأت به، ولأن جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة مرتبطة ببيان موقع الدول السعودية من صفة الجماعة ومفهومها ارتباطاً لا يمكن فصله، فبيان جهود الملك عبد العزيز لا يتم بغيره، لذا أعقبت بيان مفهوم الجماعة، ببيان موقع الدول السعودية من صفة الجماعة ومفهومها، ثم حسن بيان جهود الملك عبد العزيز، في تحقيق مفهوم الجماعة، المراد شرعا، فتألفت الخطة من:

المقدمة السابقة التي تضمنت ذكر الباعث لهذا البحث وأسباب اختياره. وثلاثة فصول:

الفصل الأول: في بيان مفهوم الجماعة، على ضوء الكتاب والسنة.

والفصل الثاني: في بيان موقع الدول السعودية، من صفة الجماعة.

والفصل الثالث: في بيان جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة.

والخاتمة، وثبت المراجع وفهرس.

الفصل الأول

مفهوم الجماعة

تعريفها لغة، واصطلاحا، والمراد بها، استمرار بقاء وجودها، ضرورة تعيينها.

تعريف الجماعة:

في اللغة:

ص: 381

الجماعة لغة: هي الاجتماع، وضدها الفرقة، ولفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين (1) ، من جمع المتفرق، قال الفراء: فإذا أردت جمع المتفرق، قلت: جمعت القوم فهم مجموعون، قال الله تعالى:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} هود:103 والأمة هي الجماعة، قال الأخفش: هي في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع وتقول: جمعت الشيء، إذا جئت به من هاهنا وهاهنا، وأجمعتُه، إذا صيرته جميعا، وأجمع أمره أي جعله جميعا، بعد ما كان متفرقا، والإجماع هو الإحكام والإعداد والعزيمة على الأمر، قال الله تعالى:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} يونس: 71.

أي أجمعوا أمركم مع شركائكم (2) .

وفي الاصطلاح: هم المجتمعون على الاستمساك بالكتاب والسنة، الذين يؤثرون كلام الله تعالى، على كلام كل أحد، ويقدمون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على هدي كل أحد، فالتمسك بالكتاب والسنة، وعقد الاجتماع والعهد على ذلك، والوفاء به، وعدم نقضه، يفيد الاجتماع والائتلاف، واكتمال القوة واستحكامها، فلا تتناقض، فالجماعة هنا هم المجتمعون على الحق، وإن كانوا قليلا، وكان المخالف لهم كثيرا، فإن يد الله معهم، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم، قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل: 120.

قال أهل التفسير: الأمة، هو: من كان مؤمناً وحده، هو الإمام الذي يقتدى به (3) .

(1) ينظر: العقيدة الواسطية، ص34 ط5، 1347هـ، القاهرة، عنيت بنشره المطبعة السلفية ومكتبتها، لصاحبيها محب الدين الخطيب، وعبد الفتاح قتلان

(2)

ينظر: تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، 282-370هـ

(3)

ينظر: مجموعة التوحيد النجدية، ص25-26، ط/السلفية 1375هـ.

ص: 382

وفي حديث حذيفة بن اليمان قوله: "قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (1) يعني: فإنك باعتزال تلك الفرق، حيث لم يكن لهم جماعة ولا إمام، تكون أنت على ما كانت عليه الجماعة، وإن كنت وحدك، قال ميمون بن مهران: قال ابن مسعود رضي الله عنه:"الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ".

وقال نعيم بن حماد:" إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ "ذكره البيهقي وغيره. (2)

وقد أخطأ من عرف الجماعة أنها أهل الحديث والأشعرية والماتريدية، فإن لفظ الحديث فيما رواه أبو داود (3) بسنده إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة "، يرد ذلك، فإن قوله:"واحدة" ينافي التعدد، فتعين أن تكون الجماعة هم أهل الحديث، قال أحمد:"إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم "قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد، أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.

والجماعة، هي: حبل الله، قال ابن مسعود:"أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة " وقال عبد الله بن المبارك:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا

منه بعروته الوثقى لمن دانا

(1) انظر: البخاري مع الفتح13/35

(2)

سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، الحديث رقم (4597) .

(3)

سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، الحديث رقم (4597) .

ص: 383

وأساس الجماعة وأصلها، هو: الاعتصام بحبل الله تعالى، كما قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} آل عمران: 103-107.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال ابن عباس: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة " "ولهذا كان أبو أمامة الباهلي وغيره يتأولها في الخوارج.

فالله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعا، ولا يتفرقوا، وقد فسر حبله بكتابه وبدينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأمره وبعهده وبطاعته، وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وكلها صحيحة فإن القرآن يأمر بدين الإسلام وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله ".

ص: 385

وأخرج مسلم وأحمد ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال "(1) .

ففي هذا الحديث النبوي الشريف، البدء بأساس الجماعة وأصله، "أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً"، والاعتصام بحبل الله، الذي هو الجماعة، وعدم التفرق، ومناصحة ولي الأمر، وهذه الثلاث قد نص عليها في حديث رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه،ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث خصال لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم

" الحديث. وجاء هذا الحديث بأسانيد بعضها صحيحة، وبعضها حسنة، وبعضها معلولة، عن جماعة من الصحابة، فهو متواتر (2) ، وقد جمعت هذه الخصال الثلاث، ما يقوم به دين الناس ودنياهم، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: "ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها ".

وفي غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة كثير، يدل قطعا على أن أصل الجماعة وأساسه، هو: الإخلاص لله تعالى واتباع السنة، ومناصحة ولي الأمر، والاعتصام بحبل الله جميعاً، وعدم التفرق.

(1) صحيح مسلم 2/1340، رقم 10/1715.، الموطأ 2/990، رقم 20.

(2)

ينظر: رسالة، دراسة حديث: نضر الله امرءاً

، للشيخ عبد المحسن العباد، الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم، للشيخ عبد السلام بن برجس، ط1/1418هـ، ص16-28.

ص: 386

وبما قدمنا يتضح معنى الجماعة ومفهومها في الاصطلاح الشرعي، وبقي أن نبين المراد الشرعي بالجماعة، فإلى ذلك في المبحث الآتي:

المراد الشرعي بالجماعة:

قال ابن جرير الطبري: "والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة "، وذكره الإمام الشاطبي؛ في كتابه الاعتصام عن الإمام ابن جرير الطبري أنه قال:

"الجماعة: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير "، قال: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه، ونهى عن فراقه، فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين:

ص: 387

إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم، والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين. وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد، ونقض عهد بعد وجوبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من جاء أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان "، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما"، وقال صلى الله عليه وسلم:"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"، وفي رواية أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان "وفي رواية: "فاقتلوه"(1)، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما "(2) . قال الطبري: "فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة. قال: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضا بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم. قال الطبري: وقد بين ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فروي عن عمرو بن ميمون الأودى قال: قال عمر - حين طعن - لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثا، وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء، فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف، فإن بايع خمسة ونكص

(1) ينظر: في صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 2/1479،1480، رقم 59،60/1852، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في قتل الخوارج رقم الحديث 4762.

(2)

صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب إذا بويع لخليفتين، 2/1480 رقم 61/1853.

ص: 388

واحد فاجلد رأسه بالسيف، وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رؤوسهما حتى يستوثقوا على رجل. قال: فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها، نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم.

قال: وأما معنى الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما أنابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه، وذلك لا يكون في الأمة"انتهى.

قال الشاطبي:"هذا تمام كلامه ـ يعني الطبري ـ وهو منقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ، وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة، خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم ".

وهذا الأثر عن عمر الذي فيه، أنه قال:"فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف "الخ، رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك، ورواه غيره بألفاظ أخرى صحيحة الإسناد، تدل على ما أراده الطبري، من الاستدلال بهذا الخبر، لما قرره من الأصح لمعنى الجماعة، منها:

رواية ابن سعد بسنده عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، وذكر قصة قتل عمر، وفيها أن عمر قال أمهلوا، فإن حدث بي حدث "فليصل لكم صهيب ثلاث ليال، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه"، وصحح إسنادها الحافظ ابن حجر في موضعين من الفتح.

ص: 389

ورواية ابن سعد الأخرى بسنده عن عمرو بن ميمون، وفيها قول عمر لصهيب:"صل بالناس ثلاثا، وليخل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه "، وكلتاهما رواهما ابن سعد في الطبقات ورواها الحارث في مسنده عن يحيى بن أبي بكير ثنا إسرائيل، وروى نحوها ابن أبي شيبة، عن وكيع عن إسرائيل وذكر الحافظ ابن حجر هذا الأثر في الفتح، وأن لهذه الرواية شاهدا من حديث ابن عمر، قال:"أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح "، كما ذكر أيضا ما يختص برواية جويرية بن أسماء بن عبيد لخبر قتل عمر رضي الله عنه، وفيه قول عمر:"ويتبع الأقل الأكثر، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه"

وننقل توضيحاً لشيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة لأهميته، في معرض تفنيده قول الرافضي في عمر رضي الله عنه أنه:" أمر بقتل من خالف الأربعة، وأمر بقتل من خالف الثلاثة، منهم: عبد الرحمن "، قال: فيقال: هذا من الكذب المفترى، ولو قدر أنه فعل ذلك، لم يكن عمر قد خالف الدين، بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من جاءكم وأمركم على رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان"(1)

والمعروف عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن المسلمين ببيعة بلا مشاورة لأجل هذا الحديث، وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة، فلم يأمر عمر بقتل مثل هذا، ولا يجوز قتل مثل هذا". .

(1) المسند، ط الحلبي،5/341، وانظر: صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 3/1479،1480، سنن أبي داود 4/334، كتاب السنة، باب في قتل الخوارج.

ص: 390

وقال شارح العقيدة الطحاوية (1) : "وقد ساق البخاري رحمه الله قصة قتل عمر رضي الله عنه وأمر الشورى والمبايعة لعثمان في صحيحه، فأحببت أن أسردها كما رواها بسنده عن عمرو بن ميمون، فسردها، وفيها أن عمر قال: "ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط.. "فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن، يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة "إلى قوله: "فلما فرغ من دفنه، اجتمع هؤلاء الرهط، فقال: عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، قال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فبالله عليك لئن أمرتك لتعدلن؟ ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن؟ ثم خلا بالآخر، فقال: له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، وبايع له علي، وولج أهل الدار، فبايعوه"

وذكر شارح الطحاوية رواية البخاري الأخرى عن حميد بن عبد الرحمن عن المسور بن مخرمة، وفيها قوله:"فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس إلى عبد الرحمن، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط "

وفيها أن عبد الرحمن قال:"أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ".

(1) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله، ص712-720

ص: 391

قال في فتح الباري: "ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الإمامة في أشخاص بأعيانهم

ففي رضا الجميع بما أمرهم به، دليل على أن الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف، من وجدت فيه استحقها، وإدراكها يقع بالاجتهاد، وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم، إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد، لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد، إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع، لقال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا، دل ذلك على صحة ما قلناه". وذكر ابن العربي المالكي بأنه:"لو عقده بعضهم لجاز، ولم يحل لأحد أن يعارض ".

ذكر ابن حجر من زيادة المدايني أن عمر: " قال لأبي طلحة: إن الله قد نصر بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلا من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم "، وذكر ذلك السيوطي عن أنس قال:"أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بساعة، فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم". وقال ابن حجر: "وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور، يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم، بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر" وقال ابن المنير: "في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد".

ففي القصة نرى أن عمر رضي الله عنه بين مفهوم الجماعة ومعناه، والتزمت الأمة به، حتى صار عبد الرحمن وحده هو الجماعة، فقال لعلي:"فلا تجعلن على نفسك سبيلا "قال ابن حجر: "أي من الملامة، إذا لم توافق الجماعة". .

ص: 392

وبيان عمر رضي الله عنه لمفهوم الجماعة ومعناها، وهو الخليفة الراشد، الذي أمرنا بالاقتداء به، كما في حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللَّذين من بعدي: أبي بكر وعمر " رواه أهل السنن، يفيد العلم الضروري والاعتقاد الصحيح، بأنه المراد شرعاً كما قرره الإمام الطبري.

ونذكر موقفا لعبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يؤكد معنى الجماعة المراد شرعاً، الذي بينه عمر رضي الله عنه، وقرره ابن جرير الطبري، رحمه الله، فيما رواه مسلم عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع (بن الأسود العدوي القرشي) حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية"(1) .

وعبد الله بن مطيع كان ممن خلع يزيد وخرج عليه، وكان يوم الحرة قائد قريش، كما كان قائد الأنصار عبد الله بن حنظلة الأنصاري، إذ خرج أهل المدينة لقتال الجيش الذي بعثه يزيد لقتالهم وأخذ البيعة له، فظفر أهل الشام بأهل المدينة، وكان ما كان من أمر الحرة، من الفتن والمفاسد، بسبب خلعهم أيديهم من طاعة يزيد وعدم بيعتهم له، وقد انعقدت له الإمامة، بوصية الإمام قبله أمير المؤمنين معاوية، وبايعه من بايعه لذلك، وأصبح الذين في طاعته هم الجماعة.

(1) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، 2/1478، رقم الحديث 58/1851.

ص: 393

والخلاصة: أن المراد الشرعي بالجماعة، في كل وقت وزمان: هم جماعة من المسلمين موثوق بديانتهم، تم اجتماعهم على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة، وعقدوا له البيعة على ذلك، ولم يسبقوا بجماعة أخرى، فعقدهم صحيح، ولو لم يجتمع عليه الجميع، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، وهذا هو ما قرره الإمام ابن جرير الطبري فيما تقدم من قوله:"فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقاً لها، نظير الجماعة، التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم ".

وحيث يتضح المراد الشرعي بالجماعة مما تقدم، بقي أن نبين ضرورة تعيين الجماعة، فإلى ذلك في المبحث الآتي:

ضرورة تعيين الجماعة:

حيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وإمامهم، والسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال، أمرا يدل على الوجوب، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهيا يدل على التحريم، وقد بوب الإمام النووي لأحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم، تدل على هذا دلالة قاطعة، فقال:"باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة "، كما وردت أدلة أخرى تفيد العلم اليقيني بهذا الحكم في الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وحيث لا يمكن القيام بفعل هذا الواجب، وترك هذا المحرم إلا بتعيين الجماعة، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

إذاً: فلابد من تعيين الجماعة ومعرفتها، ليتحقق القيام بواجب لزومها، ولزوم إمامها، والاقتداء بها والاعتصام بذلك من تركها وفراقها المحرم.

ص: 394

قيل لعبد الله بن المبارك: "من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم"؟ قال: "أبو بكر وعمر"- فلم يزل يحسب حتى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد ـ فقيل: "هؤلاء ماتوا: فمن الأحياء؟ ، قال: "أبو حمزة السكري".

ومحمد بن ثابت، والحسين بن واقد، وأبو حمزة السكري، كل منهم فرد في زمانه، وليسوا من المبشرين بالجنة، لكن يقتدى بهم، فتوفر مفهوم الجماعة في كل واحد منهم، فعين الإمام ابن المبارك كل واحد منهم بصفة الجماعة، التي يقتدى بها كل في زمانه، مما يدل على استمرار وجود الجماعة باستمرار وجود المسلمين، وأنه لابد من تعيين الجماعة ليتسنى لزومها وعدم مفارقتها.

وعن إسحاق بن راهويه نحو مما قال ابن المبارك ".

ولا يعني هذا التعيين حصر الحق والهدى والنجاة لفرد معين من هؤلاء، أو الحكم لكل واحد منهم بعينه بالجنة أو النار، كما يظنه بعض من ساء فهمه أو ساء قصده، ولم يعترض أحد من الأئمة على هذا التعيين، لأنه هو المتعين ولابد منه، فبدونه كيف تعرف الجماعة؟ وكيف يؤدى الواجب من ملازمتها، ويجتنب الحرام من مفارقتها، والخروج على طاعة إمامها؟ إنه بدون تعيين الجماعة، ينطلق المسلمون والدعاة إلى الله تعالى، من فراغ في الاعتقاد الإسلامي، ويأتون إلى الناس بجهالة وبدعة وضلالة، كما هو رأي الخوارج ومسلكهم.

إذاً: فتعيين الجماعة من ضروريات الدين، ومن أصول العقيدة، وحيث لابد من إتمامه ببيان استمرار وجودها، فإلى ذلك في المبحث الآتي.

استمرار وجود الجماعة:

ص: 395

لقد بعث الله تعالى رسوله العربي محمدا صلى الله عليه وسلم، من هذه الجزيرة العربية، إلى الناس كافة، إلى الثقلين، الجن والإنس عموما، ينذرهم عن الشرك ويدعوهم إلى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، على حين فترة من الرسل، وعلى حين تفرق بين الناس، خصوصا العرب، فقد كانوا في تفرق شديد، وفي ضلال مبين، كما وصفهم الله عز وجل بقوله:{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} آل عمران:164، وفي قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الجمعة: 2.

فأنعم الله بفضله ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أنعم على المستجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم، القائلين بكلمة التوحيد من العرب، على الخصوص بالإلفة والاجتماع، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم وتألفت بالتوحيد على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

كما قال تعالى يخاطبه: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنفال:63.

ص: 396

وقوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، أي الله وحده لا شريك له، يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين.

فكانوا مؤتلفين ومجتمعين بتأليف الله بينهم بالتوحيد، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم بذلك، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتملت لهم القوة في العلم والعمل، ودانت لهم العرب بهذه الكلمة، وملكوا بها العجم، كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا سادة العالم، في مشرقه ومغربه، سادوه بكلمة التوحيد، قروناً من الزمان، حتى حدث النقص في تحقيق كلمة التوحيد، في الأجيال التي جاءت بعدهم، بسبب اتباع من اتبع منهم الأهواء المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سبب المحدثات في الدين، التي يتعبد بها أصحابها، فحصل الاختلاف والتفرق والتقاتل والضعف بسبب ذلك.

كما روى ابن أبي عاصم من طرق متعددة، وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه، قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر:"إن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ألا وإنه يخرج في أمتي قوم، يهوون هوى، يتجارى بهم ذلك الهوى، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقا، ولا مفصلا إلا دخله "(1) . وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر "أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".

(1) انظر: السنة لابن أبي عاصم ج1ص7-9، ص32-36.

ص: 397

فوقع بسبب اتباع الأهواء كثير من أنواع الشرك في المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج:"يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدر كتهم لأقتلنهم قتل عاد"، رواه البخاري في مواضع من صحيحه، ورواه غيره، وفي صحيح البخاري أيضا في كتاب الفتن:"باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان "وفيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"، وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية.

وبسبب وقوع هذه الأهواء الشركية في هذه الأمة، حصل تفرقهم في الدين، فصار فيهم الفشل وذهاب الريح والضعف، كما يشهد بذلك الواقع طبقا لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم ومن الأمثلة التاريخية، لما وقع في الأمة من الشرك، مثل الذي ذكره الشيخ قاسم من أئمة الحنفية، في شرح درر البحار، من النذر لغير الله، وأنه كفر، ومثل ما ذكره الأذرعي، من أئمة الشافعية، في:"قوت المحتاج شرح المنهاج"، وما ذكره أبو شامة، من أئمة الشافعية أيضا، وما ذكره الطرطوشي من أئمة المالكية، وما ذكره أبو الوفاء ابن عقيل، وابن القيم، من أئمة الحنابلة، وغير هؤلاء العلماء، كثير، كلهم صرحوا بأن الأعمال الشركية قد عمت بها البلوى، وشاعت في كثير من البلاد الإسلامية، وأن المشاهد والأبنية على القبور قد كثرت، وكثر الشرك عندها وبها، حتى صار كثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها (1) .

(1) ينظر: الدرر السنية، 1/308-314.

ص: 398

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في قرة عيون الموحدين: "وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك الذي هو أعظم المحرمات، كما وقع في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، عبدوا القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والطواغيت والجن، كما عبد أولئك اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام والأوثان، واتخذوا هذا الشرك دينا، ونفروا إذا دعوا إلى التوحيد أشد نفرة، واشتد غضبهم لمعبوداتهم، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر:45، إلى أن قال الشيخ ابن حسن: "وقد وقع ما أخبربه النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرون الثلاثة يعني من غربة الإسلام وافتراق الأمة فلهذا عم الجهل بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام، فإن أصله أن لا يعبد إلا الله، وأن لايعبد إلا بما شرع، وقد ترك هذا وصارت عبادة الأكثرين مشوبة بالشرك والبدع "

ثم قال رحمه الله: "لكن الله تعالى وله الحمد لم يخل الأرض من قائم له بحجته، وداع إليه على بصيرة، لكي لا تبطل حجج الله وبيناته التي أنزلها على أنبيائه ورسله، فله الحمد والشكر على ذلك "ويعني بذلك الفرقة الناجية، الذين هم الجماعة، الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "وهذا الحديث قد صح من طرق، كما ذكره العماد ابن كثير وغيره من الحفاظ، وهو في السنن وغيرها، ورواه محمد بن نصر في كتاب الاعتصام ".

ص: 399

وهؤلاء الجماعة الباقية على القيام لله بحجته الرسالية، التي بعث بها محمدا ز، هم الذين يلتزمون وصية رسول الله عليه وسلم، بالاعتصام بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، ويتبعونها ظاهرا وباطنا، عند حدوث الاختلافات الكثيرة، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا:يا رسول الله! كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال:"أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وكما في حديث حذيفة فيما أخرجه البخاري ومسلم، في صحيحيهما، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال:"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت يا رسول الله: صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت فماذا تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك "(1)

وفي هذا الحديث دلالة على استمرار وجود الجماعة وإمامهم، رغم غلبة الشر.

(1) انظر: البخاري مع الفتح13/35

ص: 400

نعم: إنه بفضل الله ورحمته لا تزال هذه الجماعة باقية إلى قيام الساعة، كما روى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"(1) وكما روى مسلم في صحيحه: " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة "(2) . فلله الحمد والمنة.

وقد قيض الله لدين محمد صلى الله عليه وسلم، من يبعثه على رأس كل مائة سنة، مجددا لما اندرس من معالم الدين،كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"(3) .

قال الشيخ ابن باز: "هذا الحديث إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي، والعلامة السخاوي وآخرون ".

ومعنى تجديد الدين، هو أن الدين يخلق في النفوس، وينسى في القلوب، ويندرس في مجتمعات الناس، فيأتي من يدعوهم إلى العودة إلى أصول دينهم، بما يظهر ويبين لهم من معالم الدين التي نسوها، والسنن التي أماتوها في نفوسهم، فإذا أراد الله بهم خيرا قبلوا دعوته، ونصروها وعملوا بها، ففي المستدرك للحاكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم، كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " قال الحاكم: حديث لم يخرج في الصحيحين، رواته مصريون ثقاة، وأقره الذهبي في التلخيص، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، في باب تجديد الإيمان (4) ، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

(1) صحيح البخاري مع فتح الباري: 6/632، وصحيح مسلم، ص1524.

(2)

صحيح مسلم: ج1/ص128.

(3)

سنن أبي داود ج2/كتاب الملاحم باب1ص424

(4)

مجمع الزوائد 1/52، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4/113، ح1585.

ص: 401

قال العراقي في أماليه: "حديث حسن من طريقيه (1) .

فليس معنى تجديد الدين، أن يؤتى بدين جديد، فإن الدين عند الله هو الإسلام، الذي أنزل الله فيه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يوم عرفة في حجة الوداع قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} فقد أكمله وأتم به نعمته، فلا يزيده ولا ينقصه أبدا، ورضيه فلا يسخطه أبدا.

إذا: هذه الجماعة لا يزال وجودها مستمرا، ما وجد المسلمون، وإن تفرقوا إلى فرق، فإن ذلك لا يعني عدم وجود الواحدة، المستثناة، التي هي الجماعة، فلا يزال وجود الجماعة مستمراً، إلى قيام الساعة، أي ساعة المؤمنين، بقبض أرواحهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا تجتمع على ضلالة، فلا تجتمع على التفرق في الأهواء الشركية أو البدعية، بل لابد أن تكون منها جماعة على التوحيد والسنة، كلما مضت خلفتها جماعة أخرى على هذا المنهج الحق، إلى قيام الساعة كما تقدم إيضاحه. وبهذا نكون قد أنهينا مباحث الفصل الأول، في مفهوم الجماعة، فإلى الفصل الثاني في موقع الدول السعودية من صفة الجماعة.

الفصل الثاني

موقع الدول السعودية من صفة الجماعة

إذا تقرر العلم باستمرار وجود جماعة المسلمين، في كل زمان إلى قيام الساعة، كلما مضت جماعة خلفتها أخرى، فمن ذلك وجود الجماعة السعودية، وأئمتها المجددين، القائلين بكلمة التوحيد، القائمين على تطبيق مقتضاها من شريعة الله، بعون الله وتوفيقه، المتبعين لمنهج أهل السنة والجماعة، فالجماعة السعودية، في دولها المتعاقبة، عرفت منذ إشراقة تاريخها، بتحقيق التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، وبتجديد ما اندرس من معالمه، وبعقد الجماعة عليه، وعلى ذلك قامت دولهم، وعرفت كل دولة منها في العالم كله، بأنها دولة التوحيد.

(1) فيض القدير 2/323/1957.

ص: 402

وكان آل سعود قبل قيامهم بنصرة التوحيد، لا يختلفون عن كثير من الأسر النجدية الأخرى، كآل معمر في العيينة، وآل دواس في الرياض، وغيرهم.

فلما أنعم الله بقيامهم بنصرة التوحيد أشرق نور تاريخ حكمهم القوي الصالح وبفضل الله تعالى تمكنوا ـ في أقل من عشرين سنة ـ من أن يجددوا ما اندرس من معالم الجماعة، وأن يمدوا سلطان دولة التوحيد السعودية، من الشام والعراق شمالاً، حتى اليمن جنوباً، ومن البحر الأحمر غرباً، حتى الخليج العربي شرقا، ووصل نفوذ دولتهم وأثرها الطيب خارج جزيرة العرب، وصارت القبائل العربية تدفع إليها الزكاة، وقد كانت أوائلها تمتنع من دفعها لأبي بكر، ولكن جعل الله لهم الإمامة في الدين، والاستخلاف في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم، رغم كثرة الخصوم وشراستهم، من الملوك والأمراء وعلماء السوء، وأهلك الله هؤلاء الخصوم وأزال ملكهم وورثه أنصار التوحيد من آل سعود.

فكأن ذلك العهد العظيم، الذي جرى بين الأمير محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، بأن يكون الدم بالدم، والهدم بالهدم، من أجل إظهار دين الله ونصرته، هو ترجمان هذا الالتحام المصيري القدري، للأسرة السعودية المباركة بعقيدة السلف الصالح، التحاماً أصبح مرتكز دولتها، ومبدأ حكومتها، ومعقد الجماعة عليها.

ولذا فإن المسلمين على الحقيقة، لا ينسون لهذه الأسرة السعودية تاريخها المجيد ولا يرتابون في صدق وفائها للإسلام والمسلمين، ولا يمكن أن تطمئن نفوسهم بذلك لغيرهم، نلمس ذلك من شهادة الأحداث التاريخية، والوقائع الكونية، شهدوا مراراً غياب هذه الأسرة عن الحكم، فرأوا ضعف العقيدة الإسلامية، والغدر لمنهج الشريعة، والتفرق وعدم الأمن والاستقرار، وذاقوا ذل العسف الجائر، وطغيان الظلم المظلم.

موقع الدولة السعودية الأولى من صفة الجماعة:

ص: 403

بدأت الدولة السعودية الأولى تتصف بصفة الجماعة، منذ أن استقبل الأمير محمد بن سعود، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في الدرعية سنة (1158هـ) وأحسن استقباله حيث سار إليه برجله في مكانه في بيت ابن سويلم، وأظهر تعظيمه والاحتفال به؛ فسلم عليه ورحب به، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يناصره ويمنعه من عدوه بما يمنع نساءه وأولاده، وقال له أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، على حين أن الشيخ جاء إلى الدرعية مخذولاً غير مرغوب فيه من الأمراء وملك الأحساء، صاحب النفوذ، ومن سائر الحكام في وقته، لأن ما يدعو إليه من تجديد الدين ينافي ما هم عليه من سيادة الطاغوت القائمة على البغي والجهل بل إن أول من نزل إليه الشيخ في الدرعية تبرم به خوفاً من الأمير محمد بن سعود، فانتقل الشيخ إلى تلميذه أحمد بن سويلم في الدرعية أيضا، وذلك أن الشيخ لما كان في العيينة قد ساعده أميرها عثمان بن معمر في أول الأمر، فأمر الشيخ بهدم القباب والمساجد المبنية في الجبيلة على قبور الصحابة رضي الله عنهم، وقطع الأشجار التي تنتابها الخلق في كل ساعة، فبادر عثمان بذلك وخرج الشيخ معه وجماعتهم، فهدموا تلك المساجد المبنية عليها، وأزالوا تلك المشاهد المصروفة إليها العبادة، ومحق ما في العارض من المعبودات من دون الله تعالى، ولم يزل رحمه الله مقيما في بلد العيينة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم ويقيم الحدود حتى أمر برجم الزانية فرجمت، فشاع ذلك واستبان، فاستنكرته قلوب الطغاة، وعجوا مطبقين بأنه ساحر كذاب، وحكموا بكفره ومن معه من الأصحاب، وجدوا في التحريش عليه، وأرسلوا بذلك إلى الحرمين الشريفين والبصرة وغيرهما، وكثر القيل والقال من أهل البدع والضلال، وشكوا شيخهم رئيس بني خالد، فكتب إلى عثمان يأمره بقتله، أو إجلائه.

ص: 404

فخرج الشيخ متوجهاً إلى الدرعية غير مرغوب فيه، ومع هذا أحسن الأمير الراشد محمد بن سعود استقباله، كما تقدم ذكره، ومشى إليه برجله، بخلاف ما تقتضيه سياسة الإمارة، لكنه آثر إحياء السنة السلفية، والسياسة الشرعية، في تعظيم العلماء لوجه تعالى فأحيا الله قلبه وشرح صدره لدعوة الشيخ، وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، فثبت الله إمارته، وأرسى له ولأولاده من بعده دعائم الإمامة والملك، قال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك) فقال له الأمير الراشد:(يا شيخ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لاشك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد) ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين:

الأولى: نحن إذا قمنا في نصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.

الثانية: إن لي على أهل الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول: لا تأخذ شيئا.

فقال الشيخ: أما الأولى: فابسط يدك، الدم بالدم والهدم بالهدم.

وأما الثانية: فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها، وتبايعا على ذلك في قصة تاريخية معروفة.

وكانت لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب جهود علمية، في ترسيخ مفهوم الجماعة، فمن ذلك قوله:

ص: 405

"اختلفوا في الجماعة والافتراق، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها، وأن الإسلام لا يتم إلا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة، ففصل الكتاب بينهم، بقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} الآية، آل عمران:103.

وقال أيضا: "الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم ".

وقال أيضا "من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به ".

وقال بلسان العامة: "وبعد يجيئنا من العلوم، أنه يقع بين أهل الدين والأمير بعض الحرشة تحرشات وهذا شيء ما يستقيم عليه دين، والدين هو الحب في الله والبغض فيه، فإن كان الأمير ما يجعل بطانته أهل الدين، صار بطانته أهل الشر، وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم، والتغاضي عن زلته، وهذا أمر لابد منه من أهل الدين، يتغاضون عن أميرهم، وكذلك الأمير يتغاضى عنهم، ويجعلهم مشورته وأهل مجلسه، ولا يسمع فيهم كلام العدوان، وترى الكل من أهل الدين والأمير، ما يعبد الله أحد منهم إلا برفيقه، فأنتم توكلوا على الله، واستعينوا بالله على الائتلاف والمحبة واجتماع الكلمة، فإن العدو يفرح إذا رأى أن الكل ناقل على رفيقه، والسبب: يرجو عود الباطل".

ص: 406

وكان هذا المعنى قد فقهه الأئمة من آل سعود، فقد سئل الإمام عبد العزيز ابن محمد بن سعود:"هل تصح الإمامة في غير قريش "؟، فأجاب:"الذي عليه أكثر العلماء، أنها لا تصح في غير قريش إذا أمكن ذلك، وأما إذا لم يمكن ذلك واتفقت الأمة على مبايعة الإمام، أو اتفق أهل الحل والعقد عليه، صحت إمامته ووجبت مبايعته، ولم يصح الخروج عليه، وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي

" (1) .

ومن يتأمل مواقف الأمير الإمام محمد بن سعود، تدله دلالة قاطعة، على رجاحة عقله وبعد نظره، وقوة إيمانه وتوكله على الله، وأن الله بفضله قد اختاره وأولاده لنصرة هذا الدين، والإمامة فيه، والتفاف الجماعة عليه، فكم ناوأه الأمراء والملوك، وجيوش الأعداء الكثيرة، وتكالبوا عليه بعد إيوائه الشيخ ونصرته دعوته، ورموه عن قوس واحدة من قريب وبعيد، فصبر على الجهاد في سبيل الله، وبذل نفسه وإمارته، وأولاده، وقتل من قتل من أولاده ورجاله، ولا يزال صابرا وفاء بالعهد وإيمانا واحتسابا لما عند الله في الدار الآخرة، خلافا لما يشيعه أعداء العقيدة الإسلامية، كذبا وزورا، من أنه ضعيف الشخصية، وأنه لا يتخذ القرار الحاسم بنفسه، أو أنه ذو أطماع سياسية، يريد الملك والاستيلاء والسيطرة، كما هو شأن أمراء العرب في عهده، ولكن الحقيقة أنه أمير راشد، وإمام فذ، ذو شخصية قوية بالله ورأي مستقل، يتمتع بمواهب سياسية وإدارية فائقة متميزة.

(1) الدرر السنية، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7.

ص: 407

ونعود إلى قصة ذلك اللقاء المبارك بين الشيخ والأمير، فنقول: لما تم ذلك الوفاق التاريخي القدري، بين العالم الرباني والأمير الراشد على نصرة التوحيد، اكتمل عقد القوة العلمية والعملية لجماعة المسلمين، وقامت الدولة السعودية الأولى على ذلك، بإمامة الأمير الراشد محمد بن سعود، وجد واجتهد في القيام بنصرة التوحيد والقضاء على الشرك والبدع والخرافات، والسير على منهج أهل السنة والجماعة حتى توفاه الله تعالى سنة 1179هـ رحمه الله تعالى.

وقد تولى الإمامة بعد وفاته ابنه الإمام عبد العزيز، وكان أشهر من أبيه، فقد استتب له الأمر تسعة وثلاثين عاما، وأدخل جميع نجد في طاعته، والأحساء والقطيف وعمان، والحرمان الشريفان بقيادة ابنه سعود، ووصلت غزواته مشارف الشام، وكربلاء في العراق، واليمن، وكان عالما عادلا ورعا، وشجاعا مقداما، قتله رافضي من أهل النجف في العراق، جاء متنكرا باسم عثمان، بدسيسة من والي بغداد، قتله غدرا وهو قائم يصلي العصر بالناس، في مسجد الطريف في الدرعية، سنة 1218هـ رحمة الله عليه.

وبويع بالإمامة ابنه سعود، وكان قائدا عظيما، وعالما جليلا، ذكيا يحسن الخط والقراءة، فصيحا إذا تكلم أنصت له الكل، وفارسا مغوارا وحاكما عادلا، لا تأخذه في الله لومة لائم، تولى ملك أهل السنة والجماعة، وجند جنودا تزيد على أربعمائة ألف ما بين فارس وراجل، حتى خضعت له جميع أنحاء الجزيرة العربية، واستتب الأمن في جميع ربوعها، وحاول مناهضة ملوك الدنيا في سبيل إعلاء كلمة الله وإخضاع ممالكها للسنة والجماعة، وبارزته السلطنة العثمانية بالعداء والقتال، وجيشت الجيوش الكثيرة ضده فهزمها هزيمة شنيعة، وكان مدة حياته لم تهزم له راية، وعليه من الأبهة والهيبة والجلال ما يبهر العقول، ثم توفي رحمه الله سنة 1229هـ وكانت ولايته إحدى عشرة سنة.

ص: 408

ثم خلف الإمام سعود ابنه الإمام عبد الله، "فسار سيرة والده، إلا أن اخوته لا يوافقونه على إرادته، وكان لا يخالفهم، ونازعه أخوه فيصل بن سعود، فكان يأمر وفيصل يأمر، فتفرقت كلمتهم، وضعفت شوكتهم، ونفر منهم فئام من العرب، واتسع الخرق في قوتهم، فحاربتهم الدولة المصرية، وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام "، وبسبب الذنوب، وضعف تحقيق التوحيد والسنة والجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفرق أنصار التوحيد فيما بينهم، ضعفت القوة بعد أن كانت مجتمعة موحدة، فطمع الأعداء وتوالت الحملات المصرية التركية في زحفها على أهل التوحيد والسنة والجماعة إلى أن وصلت تلك الجيوش الظالمة الدرعية وبعد حصار وقتال استمر سنة كاملة، استسلم الإمام عبد الله، عام 1233هـ، وقتل في تركيا شنقاً رحمه الله تعالى، ولم تطل مدة حكمه أكثر من أربعة أعوام، كما قتل في الدرعية الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمه الله، صاحب تيسير العزيز الحميد، شرح كتاب التوحيد، وقتلوا من قتلوا، وأسروا من أسروا، حقدا على العلماء، وأهل السنة والجماعة.

قال الشيخ عبد العزيز بن معمر شعرا:

وكم قتلوا من عصبة الحق فتية

هداة وضاة ساجدين وركعا

وكم دمروا من مربع كان آهلاً

فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا

إلى أن قال:

عسى وعسى أن ينصر الله ديننا

ويجبر منا اليوم ماقد تصدعا

إلى قوله:

إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا

رؤوفا رحيما مستجيبا لنا الدعا (1)

وقد استجاب الله الدعاء، وحقق الرجاء، كما سنبينه فيما يأتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(1) عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر: 2/34،35، وفي ط المعارف ص43-45.

ص: 409

وفي الختام: أنقل ملخصا تاريخيا لهذا الدور وموقعه من الجماعة، عن عالم جليل هو الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالة له إلى بعض المشايخ الكرام بعد أن ذكَّر بنعمة الله بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد، قال عن مناصرة محمد بن سعود وأبنائه للشيخ في دعوته ما نصه: "ووازره (أي آزره) على ذلك من سبقت له من الله سابقة السعادة، فأقبل على معرفة ما عنده من العلم وارده، من أسلاف آل مقرن الماضين، وآبائهم المتقدمين، رحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عن الإسلام خيرا، فما زالوا من ذلك على آثار حميدة، ونعم عديدة، يصنع لهم تعالى من عظيم صنعه، وخفي لطفه ما هداهم به إلى دينه، الذي ارتضاه لنفسه، واختص به من شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة والصولة ما ظهروا به على كافة العرب، وغدت لهم الرياسة والإمامة رتبة تدرس بمجرد السابقة والعادة، لا تزاحمهم فيها العرب العرباء، ولا يتطاول إليها بنو ماء السماء، وصالحهم يرجو فوق ذلك مظهرا، وجاهلهم يرتع في ثياب مجد لا يعرف من حاكها ولا درى، فلم يزل الأمر في مزيد

".

والخلاصة: أن صفة الجماعة المرادة شرعا، قد تحققت في هذا الدور، الدولة السعودية الأولى. وإلى بيان موقع الدولة السعودية الثانية من صفة الجماعة فيما يلي:

موقع الدولة السعودية الثانية من صفة الجماعة

ص: 410

لقد استجاب الله الدعاء، وحقق الرجاء، وعاد الله الكريم بعائدته على أهل السنة والجماعة، فقامت الدولة السعودية الثانية أيضا بصفة الجماعة، بإمامة الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، سنة 1238هـ، حين أقبل من بلد الحلوة واحتل عرقة، وفي سنة 1240هـ هجم على الحامية التركية في الرياض، واستولى على الرياض، وواصل جهاده حتى استولى على جميع أنحاء نجد، والأحساء والقطيف وعمان، ودخلت تحت طاعته، ودانت له بالإمامة، حبا وكرامة، فقد كان عادلا في الرعية، حكيما شجاعا مقداما سخيا كريما، كثير الخوف من الله، وقدم عليه من مصر ابنه فيصل بن تركي، وشيخ الإسلام في وقته الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، وغيرهم، واستمر حكمه خمس عشرة سنة، وكان قد خرج من الدرعية على إثر تخريب غزاة الترك لها بغير حق، وما نقموا من أهلها آل سعود إلا أن يقولوا ربُّنا الله، وأراد أعداء التوحيد، أن لا تقوم دولتهم، جماعة للمسلمين مرة أخرى، بل أقسموا على ذلك، كما قال احمد بن مشرف في قصيدة له:

وأقسم قوم أنها دولة مضت

وليس لما قد فات عود ولا رد

وقلنا لهم نصر الإله لحزبه

به جاء في القرآن والسنة الوعد

فعادت كما كانت بفضل ورحمة

من الله مولانا له الشكر والحمد

فهذا إمام المسلمي مؤيدا له

النصر والإقبال والحل والعقد

ص: 411

ثم قتله ابن عمه مشاري طمعا في الإمارة، وخلفه على الإمامة من بعده ابنه الإمام فيصل بعد أن قتل قاتل أبيه، عام 1249هـ واستتب له الأمر أربع سنوات بعد مقتل أبيه، غير أن الدولة العثمانية، ما كانت لتترك نصيراً للتوحيد كفيصل هذا، إلا أنها أدركت ثقة المسلمين بآل سعود فأرادت خديعتهم، وأوعزت لوالي مصر أن يوجه إسماعيل باشا بعساكر كثيرة، مصحوبا بخالد بن سعود، ممن حمل بعد كارثة الدرعية، إلى مصر وهو صغير، وترعرع في كنف محمد علي، وتمصر.. فجيء به، وجعل أميرا على نجد، من قبل الأتراك، وذلك في عام 1253هـ. غير أن أصحاب العقيدة السلفية لم ينخدعوا، فلم يستتب له الأمر، وكانت نهايته أن داخله الخوف، فخرج قاصدا الأحساء، ثم خرج منها هاربا إلى الدمام، ثم إلى الكويت فالقصيم، ومن ثم إلى مكة حيث مات فيها، واستتب الأمر للإمام فيصل مرة أخرى، مدة ثلاث وعشرين سنة، لم ينازعه فيه منازع، وكان ذا أخلاق شريفة، ومكارم حميدة، عادلا في رعيته، حليما حكيما، محبا للعلم وطلابه، موقرا للعلماء، كثير الخوف من الله، أحبته الرعية لعفته ودينه وشجاعته وعدله وإنصافه، وكانت الجماعة سعيدة في حكمه، لما من الله عليهم به من أمن ورخاء، بلا فتن ولا قلق ولا اضطراب إلى أن توفاه الله عام 1282هـ. وهو جد الملك عبد العزيز رحمهم الله.

قال الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالته إلى بعض المشايخ الكرام ما نصه:"ثم إن الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته، جمع المسلمين على إمام واحد، وحصل لهم من الأمن، والراحة والعافية، وكف أيدي الظلمة، ما لا يخفى ".

ص: 412

ثم بعد وفاة الإمام فيصل، بايع الناس ابنه عبد الله وهو أكبر أبنائه بالإمامة، ولكن لم يمض عام واحد، حتى حصل بينه وبين أخيه سعود اختلاف، فخرج سعود من الرياض غاضبا منازعاً لأخيه الإمام الأمر، فبعث الإمام عبد الله على أثره اثنين من العلماء يسترضونه، كما كتب له الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وغيره من مشايخ الدعوة، ينصحونه بالعودة، وترك الشقاق والفتن، ولكنه أبى وأصر على المنازعة، فاستغل أعداء السنة والجماعة هذا النزاع، وانقسم الناس، وحصلت الفرقة في الجماعة، وزاد الأمر سوءا، أن تدخلت العساكر التركية من قبل والي بغداد مدحت باشا، بسبب استنجاد الإمام عبد الله بهم على قتال أخيه، فتدخلت لغير مصلحة الطرفين، وضد مصلحة أهل التوحيد، فاحتلوا الأحساء ودعوا إليها الإمام عبد الله، فلبى الدعوة وحضر ومعه أخوه عبد الرحمن وابنه تركي، فأكرموهم في الظاهر، وهم يضمرون لهم عكس ذلك، وجاء مدحت باشا إلى الأحساء، عام1289هـ، وهم بالقبض على الإمام عبد الله ومن معه، وتسفيرهم للخارج، فهربوا إلى الرياض بحيلة، وتكالب الأعداء، وطمع ابن رشيد، فاستولى على الرياض في نهاية الأمر، تحت سيادة الأتراك، وهكذا حصل الفشل وذهاب الريح ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

موقع الدولة السعودية الثالثة من صفة الجماعة

لقد أراد الأتراك أن يذلوا الإمام عبد الرحمن بن فيصل، حتى يساعدوه على خصمه ابن رشيد، وينصبوه أميرا على الرياض، تحت ولاية الحكومة العثمانية، ويدفع لهم ضريبة الخضوع، ستة آلاف ريال سنويا، فرفض ذلك بإباء وشمم، ورأى أن من الهوان: الرضا ببقاء نفوذ هم في بلاد التوحيد، فخرج بأسرته وفيها ابنه عبد العزيز، من الرياض، عام 1308هـ تقريبا، خرجوا لأنهم قوتلوا وأخرجوا من دولتهم وحكمهم في ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربُّنا الله.

ص: 413

ثم عاد الله عليهم وعلى أسرة التوحيد بعائدته، عاد الله عليهم بعودة عبد العزيز لاستنقاذ الرياض، عام 1319هـ

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الحج: 38-41.

لقد دافع الله عنهم إذ قوتلوا، وأُذن لهم بأنهم ظلموا، فنصرهم الله عز وجل وألف قلوب أهل التوحيد عليهم، وجمع أهل السنة بهم، وأهلك الخونة من أعدائهم، قُتِل ابن رشيد وطُرد الأتراك، ودُحر أعداء التوحيد والطاعة، ومفارقو السنة والجماعة، ومكن الله لهم في الأرض، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، وقامت على ذلك، جماعة المسلمين، دولة التوحيد، (المملكة العربية السعودية) ، بتأسيس الملك العادل، الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، أسسها على التوحيد راسخة البنيان، دائمة البقاء إن شاء الله تعالى. وسيأتي تفصيل بيان جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

ص: 414

قال الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالته إلى بعض المشايخ الكرام، بعد أن ذكر وقوع تلك المحنة، التي وصفها ـ بصدق ـ بأنها فتنة عم شرها وطار شررها، وتفرق الناس فيها أحزابا وشيعا، ما بين ناكث لعهده، خالع لبيعة إمامه، بغير حجة ولا برهان، بغضا للجماعة، ومحبة للفرقة والشناعة، وبين مجتهد لما رأى إمامه صدر مكاتبة للدولة، وبين واقف عند حده، يلوح بين عينيه "إلا أن تروا كفرا بواحا"، والرابع ضعيف العنان، خوار الجنان، مع هؤلاء تارة، ومع الآخرين تارة يتبع طمعه قال:"وكل فرقة من هذه الفرق، تضلل الأخرى، أو تفسقها، أو تكفرها، بل وتنتسب إلى طالب علم تأتم به وتقلده، وتحتج بقوله عياذا بالله من ذلك والمعصوم من عصمه الله، وحساب الجميع على الله وهو أعلم بسرائرهم، وسيحكم بينهم سبحانه بعلمه "، ثم بين أن الله أذهب ذلك بالعود إلى الجماعة، يعني بقيام الملك عبد العزيز، وهذا نص مقاله: "ثم أذهب الله ذلك بقيام الجماعة، وتجديد الأخوة الإسلامية، وذهاب الشحناء، وعاد الأمر إلى ما كان عليه من ثبوت الإمامة، والدعوة إلى الجماعة، وتجديد العهود والمواثيق على ذلك، فحمدنا الله تعالى وسألناه المزيد من فضله ورحمته، وكنا مغتبطين، وأذهب الله عنا هباء الشبهات، وأطفأ نار تلك الضلالات

".

وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بعد أن ساقوا الأدلة على وجوب السمع والطاعة في غير معصية:

ص: 415

"إذا تقرر ذلك فليعلم أن الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، قد ثبتت بيعته وإمامته، ووجبت طاعته على رعيته، فيما أوجب الله من الحقوق، فمن ذلك: أمر الجهاد، ومحاربة الكفار ومصالحتهم، وعقد الذمة معهم، فإن هذه الأمور من حقوق الولاية، وليس لآحاد الرعية الافتيات أو الاعتراض عليه في ذلك، فإن مبنى هذه الأمور على النظر في مصالح المسلمين العامة والخاصة، وهذا الاجتهاد والنظر موكول إلى ولي الأمر ".

هذا حق، وإن الذي نعتقده في قلوبنا، وندين به لربنا، وهو معلوم من دين الإسلام بالضرورة، "أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة " كما ورد في حديث موقوف له حكم الرفع، رواه الدارمي بسند يحتج به، عن تميم الداري قال:"تطاول الناس في البناء في زمن عمر، فقال عمر:"يا معشر العُريب الأرض، الأرض، إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم ".

فإذا علم هذا، وعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، فلا قوام للإسلام، ولجماعة المسلمين، ولأمرهم إلا بهذا.

وعلمنا أننا في المملكة العربية السعودية، ننعم بتلك الثلاثة المتلازمة، ننعم بالإسلام، وبجماعة المسلمين، تحت ولاية إسلامية، بصفة لا نظير لها في أي بلد آخر ـ ولله الحمد والمنة ـ علمنا أن مفهوم الجماعة المراد من النصوص الشرعية، ينطبق تماما على الدول السعودية، وعلى المملكة العربية السعودية خصوصا، فإن أهل الحل والعقد من علماء المسلمين، وأمرائهم وأعيانهم، بايعوا عبد العزيز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أميرا وسلطانا وملكاً وإماماً، ليس فوق سلطانه إلا سلطان الله تعالى، وكذلك تمت البيعة لمن بعده، للملك سعود، ثم للملك فيصل، ثم للملك خالد، رحمهم الله.

ص: 416

ثم لخادم الحرمين الشريفين، الملك فهد، أطال الله عمره، وأعانه على العمل الصالح، وأيده بنصره وتوفيقه، وشد أزره بولي عهده الأمين، الأمير عبد الله، وبالنائب الثاني الأمير سلطان، وبإخوانهم وأبنائهم ورعيتهم، وألف بين قلوبهم على التوحيد، وجمع كلمتهم على الهدى والسنة، وأعزهم بالإسلام، وأعز الإسلام بهم، وأعاذهم من التفرق والاختلاف، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الخلاصة: ومن خلال ما قدمنا ندرك أن أئمة التوحيد من آل سعود، هم امتداد لاستمرار وجود الجماعة بالمفهوم المراد شرعا وقدراً، على مر تاريخ الإسلام والمسلمين، ولا يعني هذا حصر الإسلام في السعودية فقط، وإنما المقصود بيان أنه لا توجد جماعة بإمام يقودها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبويع على ذلك في غير هذه البلاد السعودية التي يحكم قادتها بكتاب الله تعالى متبعين في ذلك منهج السلف الصالح، أما الطائفة الناجية المنصورة فلا يخلو منها بلد من بلدان المسلمين، ولله الحمد والمنة، فكل بلد فيها جماعة على المنهج الذي وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم الطائفة الناجية، ولكن ليس لهم إمام يقوم فيهم بتطبيق شرع الله تعالى كما هو واقع الحال ما عدا هذه البلاد السعودية، فهي الجماعة التي لها إمام يقودها بالكتاب والسنة، وانعقدت له البيعة شرعية قدرية بذلك، وانطبق عليها المعنى المراد من بيان عمر رضي الله عنه، لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وقدمنا تخريجه في الصفحة السابقة، ولله الحمد والمنة.

ص: 417

تابع لجهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة

الفصل الثالث

جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة

إذا تحققنا فيما مضى من البحث، مفهوم الجماعة، والمراد الشرعي بالجماعة، وأنها الاجتماع على التمسك بالكتاب والسنة، وأن من استمسك بذلك فهو المراد بالجماعة، وإن كان وحده، وتحققنا اتصاف الدول السعودية بصفة الجماعة، ندرك أن جميع جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تأسيس المملكة العربية السعودية هي تحقيق لمفهوم الجماعة، المراد شرعاً وقدراً.

وإننا لنرى ثمرة جهوده ماثلة للعيان، نراها في واقع وحدة المملكة العربية السعودية، ونرى إمامته الجامعة ماثلة في الحياة في خادم الحرمين الشريفين، وفي ولي عهده، وفي النائب الثاني،وفي أبنائه وأحفاده، وكل حسب موقعه من المسئولية، نرى فيه شخص عبد العزيز، ونرى في مجلسه مجلس عبد العزيز الإمام الجامع المجدد لما اندرس من معالم الجماعة، ونراه واقعاً ماثلاً في وحدة أبنائه وأحفاده واجتماعهم على منهجه، زادهم الله توفيقاً وائتلافاً ومحبة، وأعزهم بالإسلام، وأعز الإسلام بهم، ومشاهدة الواقع الحي، أبلغ من الحديث والكتابة عنه، فليس الخبر كالمعاينة.

ص: 418

ولو أراد باحث أن يستقصي الحديث عن تلك الجهود العظيمة، فإنه لا يمكنه ذلك، في مثل هذا البحث، كما أن استقصاء الحديث عنها سرداً، قد يكون مملاً ولن يكون مفيداً، بقدر ما تفيده المعاينة والمشاهدة والتأمل الواعي المنصف، لواقع المملكة العربية السعودية، على ضوء مفهوم الجماعة المراد شرعا وقدراً، فلذا: لم يكن مجرد سرد الحديث عن تلك الجهود واستقصائه مقصوداً بهذا البحث، ولكن المقصود هو أن نتبين ببحثنا هذا ارتباط مرتكزات تأسيس المملكة العربية السعودية، بالمفهوم المراد شرعا وقدرا للجماعة، وانطباق ذلك المفهوم على وحدة المملكة العربية السعودية ليكون دليلاً بيناً، على صدق جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تحقيق مفهوم الجماعة، وتصحيحاً لمفاهيم خاطئة، طالما عانى منها أبناء الأمة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به.

لذا جعلت هذا الفصل يدور على العناصر والمرتكزات التالية:

1-

فضل الله تعالى وتوفيقه.

2-

الحاجة إلى تحقيق مفهوم الجماعة.

3-

الاستجابة للحاجة في تحقيق مفهوم الجماعة.

وإلى تفاصيل ذلك:

1-

فضل الله وتوفيقه:

ص: 419

فضل الله علينا وتوفيقه بأن خلقنا ورزقنا، ولم يتركنا هملاً، لا نؤمر ولا ننهى، بل أرسل إلينا رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم، أرسله الله بالهدى ودين الحق، وأن الله تعالى لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب عنده، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما من سائر المخلوقات، فإذا لم يرض بأن يُعبد من كان قريبا منه كالملائكة، ومن كان نبيا مرسلا وهم أفضل الخلق فغيرهم بطريق الأولى، لأن العبادة لا تصلح إلا لله وحده، فكما أنه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير، فهو المستحق للعبادة وحده دون من سواه، وجعل الله طاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم طاعة له ومعصيته معصية له، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} المزمل:15-16.

وعلى هذا الأصل ينبني الولاء للجماعة أهل التوحيد والسنة، والبراء من مخالفيها ومعاديها، أهل الشرك والبدعة والفرقة، لأنهم يحادون الله ورسوله، أي أنهم في حدِّ إبليس وجنوده، والجماعة في حدِّ الله ورسوله، قال الله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة: آخرها.

ص: 420

ومن فضل الله علينا ورحمته، استمرار حفظه لهذا الدين بوجود هذه الجماعة وإمامهم، إلى قيام الساعة، رغم غلبة الشر والفرقة أحيانا، فلا تزال هذه الجماعة باقية إلى قيام الساعة، قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9. وكما روى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" [1] وكما روى مسلم في صحيحه: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة " [2] . فلله الحمد والمنة.

وقد قيض الله لدين محمد صلى الله عليه وسلم، من يبعثه على رأس كل مائة سنة، مجدداً لما اندرس من معالم الدين،كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"[3]

ص: 421

وعبد العزيز رحمه الله من هؤلاء المجددين للإسلام، المقيمين لجماعته، فكان فضل الله تعالى وتوفيقه لعبد العزيز، أن امتن عليه ووفقه للقيام بخدمة الكتاب والسنة، وخدمة المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ مقدسات المسلمين التي لا نظير لها في الوجود في جلب الخير ودفع الشر، وفي تأليف الجماعة والبعد عن الفرقة، فالقرآن العظيم كلام الله تعالى المبين، سواء كان محفوظاً في الصدور أو في المصاحف، أو متلواً بالألسن وبالاتباع العملي، رصيد مضمون لا مثيل له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه لا نظير له في الأشخاص ولا نبي بعده، وقبره بالمدينة، ودينه باق إلى يوم القيامة، وسنته محفوظة موجودة في الحياة العملية، وهديه صلى الله عليه وسلم معلوم، وهو خير الهدي، وبيت الله الحرام، لا نظير له في بيوت الله في الأرض، لا يتولاه إلا المتقون، قال تعالى:{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَاّ الْمُتَّقُونَ} الأنفال:34، المتقون: الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، ولا يخشون إلا الله.

والله تعالى بفضله قد أعطى عبد العزيز بسطة في الجسم وفي العلم وفي العقل والذكاء وفي قوة الإرادة والوفاء، وفي صدق القول والصراحة، وفي التواضع بعظمة والسماحة بنبل ورفعة، يقول:"لست ملكا بمشيئة أجنبية، بل أنا ملك بمشيئة الله ثم بمشيئة العرب الذين اختاروني وبايعوني، على أنها ألقاب وأسماء، فما أنا إلا عبد العزيز، قال العرب إنني ملك، فرضيت قولهم وشكرت ثقتهم، وفي اليوم الذي لا يريدونني زعيما لهم، أعود إلى الصف وأحارب معهم بسيفي، كأصغر واحد فيهم دون أن ينال نفسي شيء من الغضاضة "[4] هذه هي سيرة أبطال الصحابة، وروح خالد بن الوليد لما انثنى بعد عزله من قيادة المسلمين، جنديا عاديا يقاتل معهم العدو، دون أي غضاضة، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

ص: 422

يقول رئيس جماعة أنصار السنة محمد حامد الفقي في صفته الشخصية: "فهو أفخم من رأيت من الرجال، قامة مديدة، وأكتاف عريضة، وصدر رحب، وجسم كله قوة، وكله نشاط وحركة، وعقل قوي، وجنان ذكي، وفكر متوقد، وبديهة حاضرة، وقلب يسع كل الرجال والحوادث فلا يتزلزل، ولا يهن ولا يضعف بشيء منها، فهو كالجبل الراسي، ولسان فصيح ومنطق قوي، وقول يصيب المحز، وحكم رائعة، وبلاغة تفحم السامع، وتقوده بخيط من حرير، فإذا هو طوع هذا الخطيب العظيم، ويد سخية، لا تعرف للمال قيمة إلا ادخار المثوبة عند الله، ثم امتلاك أعناق الرجال وقلوبهم، فهو لا يعرف "لا "ولا يخطر في باله أن يقولها لأي سائل، ولا أن يرد بها على أي مسترفد فضله، أو مجتد من كرمه، اللهم إلا فيما ينال من كرامة دينه "إلى أن يقول: "سجايا فطر الله عليها عبد العزيز

والعدل الذي فتح بابه لكل مظلوم

والصراحة في الحق لا يخشى فيه أحدا، ويحبه من كل أحد، ولا يدخر في نصره وسعا، وقوة الذاكرة التي تعي الحوادث والمسائل العلمية، مفصلة فلا يند منها شيء، فيجمع شتاتها، ويقرنها ببعضها، ويستخلص منها التجارب: يرسم بها خطط عمله، وأساليب حكمه، ونظم مملكته، ورحمة وحنان على الضعيف والصغير يحس معه رحمة الأبوة، وحنان المؤمن الذي قلبه مرآة ينطبع فيها شعور كل إخوانه وإحساساتهم، فيفرح بما يفرحون، ويتألم مما يتألمون

" [5]

ص: 423

وقد امتن الله عليه بأن شرح صدره للإسلام، وأكرم به المسلمين عموما وآل سعود خصوصا، ليرد اعتبار الجماعة وليقيم به الحجة، ووفقه الله بأن جرت أحداثُ قدَرِه سبحانه وفق مراده رحمه الله، لتحقيق مفهوم الجماعة، في الوقت والمكان المناسبين، وكان عبد العزيز حظ السعوديين وعزهم، فقد "كانوا ضلالاً فهداهم الله به،وكانوا جهالاً فعلمهم الله به، وكانوا متفرقين فجمعهم الله به، وكانوا ضعافا فقواهم الله به، وكانوا فقراء فأغناهم الله به، وكانوا أذلة مقهورين فأعزهم الله به، ومنحهم استقلالهم "[6]، ويقول الشاعر محمد بن عثيمين:

خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها

وللمهيمن في تأخيرها شان

ودعوة وجبت للمسلمين به

أما ترى عمهم أمن وإيمان [7]

وفق الله عبد العزيز رحمه الله لأن يقوم لله تعالى ويأخذ بحظه ونصيبه في أداء حقوق هذه الخصوصيات التي تفضل الله بها عليه وعلى أمته السعودية.

وأنجح الله جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، وكان توفيق الله للسعوديين بالملك عبد العزيز وجهوده، وبورثته من أبنائه البررة وجهودهم بالمحافظة على بناء الجماعة، وترسيخ دعائمها أمام الأحداث المتجددة.

ولقد كان عبد العزيز يدرك توفيق الله تعالى له، فيلهج بشكر الله دائما، وهذا أيضا من التوفيق.

قال رحمه الله: "الشريعة كلها خير، وإن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل ووضع فيها ما أمرهم به وما نهاهم عنه..

والأمر لا يتم إلا بمسألتين:

الأولى: التوفيق.. والتوفيق لا يكون إلا بالله. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ} هود:88 والإنسان بلا توفيق لا يستطيع أن يعمل شيئا.

والثانية: الاجتماع والائتلاف.. وهذان هما أساس كل شيء

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103. [8]

ص: 424

وكان من توفيق الله له، أن يدرك حاجة الأمة لإقامة الجماعة بالمفهوم المراد شرعاً، وقد وفقه الله قدراً وكوناً، بتأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها على توحيد الله بالعبادة، وتشييد بنائها بالعمل الصالح، ولقد من الله تعالى على أهل هذه المملكة العربية السعودية، ملكاً وشعباً، بذلك على الخصوص.

ومن توفيق الله تعالى أن شملت وحدة المملكة العربية السعودية ما يزيد على أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية، من مناطق متباعدة، وقبائل متفرقة، وشعوب مختلفة، وأجناس متعددة، فتتمثل في وحدة المملكة العربية السعودية، تركيبة العالم الإسلامي كله، مع ارتكازها على الأصول الأربعة، رغم أن العرب والأعراب:"أصعب الأمم انقيادا، بعضهم لبعض، للغلظة فيهم والأنفة، وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، ولا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية، من نبوة أو ولاية، أو أثر عظيم من الدين على الجملة، فإذا كان الدين، بالنبوة أو الولاية، كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، فسهل انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدين، المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس، فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، يذهب عنهم مذمومات الأخلاق، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، تم اجتماعهم، وحصل لهم الملك والتغلب"[9] وكم عانى منهم المصلحون ما عانوا، فمن توفيق الله تعالى لهم، أن هيأ عبد العزيز رحمه الله للقيام فيهم مقام الولي، الذي يجمعهم بجهوده الموفقة، على القيام بأمر الله، وتحقيق توحيده، الذي هو حقه على عبيده، ويذهب عنهم بتربيته مذمومات الأخلاق، وأسباب التفرق والتنازع، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، فتم توطينهم من البداوة والحفاء، وتم توحيدهم بوحدة المملكة العربية السعودية، وحصل اجتماعهم على استقلالها عن أي نفوذ أجنبي،

ص: 425

فأصبح الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، وتلاشى التعالي والتكبر بوجود الإمام المرجع القوي للجميع، فسهل انقيادهم، وتوافقت أهواؤهم، على إمامة عبد العزيز، بما أقام فيهم من حدود شرع الله تعالى، وجدد لهم من معالم دينه، المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس، فحصل له ولأبنائه توحيد العرب على ولايتهم الدينية، وإمامتهم الراشدة.

وأصبحت وحدة المملكة العربية السعودية النموذج الفريد، من تركيبة العالم الإسلامي، والنواة الوحيدة للوحدة الإسلامية الكبرى، والفئة الثابتة للمجاهدين، والجماعة الأم للجامعة الإسلامية العظمى، كيف لا؟ وقد ضمت مهبط وحي الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، ومنطلق دعوته صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله الذي هو حقه على عبيده، ضمت مكة المكرمة، والمسجد الحرام، قبلة المسلمين، ومناط حجهم، الركن الخامس من أركان الإسلام، وضمت المدينة المنورة، المنورة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجده وحرمه الشريف، ومثوى جثمانه الطاهر صلى الله عليه وسلم.

ضمت مهد الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي جاء بتمام الرسالات النبوية وكمالها، بالوحي الإلهي العظيم المبين، بقسميه الكتاب والسنة، وبيت الله الحرام، بيت التوحيد، وقبلة المسلمين، ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، آخر مسجد بناه نبي، وهما المسجدان، اللذان يأرز إليهما الإيمان، كما تأرز الحية إلى جحرها.

ص: 426

وقد وظفت وحدة المملكة العربية السعودية، لخدمة الكتاب والسنة، كتاب الله الذي هو كلامه، وكلامه خير الكلام، وأحسن الحديث، والسنة هدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي، هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخدمة المسجد الحرام، أول بيت للتوحيد وضع للناس، لا قبلة للمصلين غيره، ومهوى أفئدة المسلمين، والمسجد النبوي الشريف، في دار الهجرة والنصرة، ومأرز السنة والإيمان والسكينة، معالم لا نظير لها كما قدمنا في جلب الخير ودفع الشر، وتحقيق مفهوم الجماعة، والبعد عن الفرقة، وقد خدمتها جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية بذلك المناط التعبدي للحج العظيم، والمهوى الصحيح للأفئدة والقلوب السليمة، والمعقل الأمين للجماعة المنصورة، توفيق من الله تعالى لا نظير له، فله الحمد والمنة.

ومن توفيق الله أنها جغرافياًّ تقع في القلب العالمي، تقع على البحر الأحمر غربا، وعلى الخليج العربي شرقا، اللذين يربطان بين البحر الأبيض المتوسط، وبين البحر العربي، المتصل بالمحيط الهندي والهادي الباسفيك فأصبح موقعُها وسطاً، وملتقى لجميعِ الطرق العالمية، ومساحتُها أكبر من أوربا الغربية، بالإضافة إلى بريطانيا، بمقدار الضعفِ تقريبا.

وقد حباها الله على يد عبد العزيز بالموارد الاقتصادية الضخمة من أرضها، وأهمها البترول، ذو الأثر الفاعل في الاقتصاد العالمي، والمعادن الأخرى، والزراعة، والمواشي والأسماك، وغيرها، مما أغناها الله سبحانه وتعالى به عن غيرها.

تركيبة فريدة، وموقع فريد، وكنز ثمين، وثروة عالية، وآية على ميراث النبوة بينة، وعلامة واضحة على توفيق الله تعالى، بتحقيق الملك عبد العزيز مفهوم الجماعة بالتوحيد، اقتداء بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كرامة من كرامات أولياء الله جرت على يد عبد العزيز، وامتداد لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 427

ومن توفيق الله تعالى وقبوله، أن تمر مائة عام على عود الله بعائدته الجميلة على أهل التوحيد، والسنة والجماعة، وإضاءة التاريخ السعودي بالملك عبد العزيز، بعد انطفاء حلت معه ظلمات الجهل والفرقة، فعاد الله بعائدته الكريمة على أهل الإسلام في أرض الحرمين وما جاورهما، باسترداد عبد العزيز عام 1319هـ رياض التوحيد، أرضه وأرض آبائه وأجداده أنصار توحيد الله عز وجل، وقيامه لله تعالى إماما للمتقين راشداً، وسلطانا للدين نصيراً، وقدوة للمسلمين وعزاً، يسير على منهج سلفه الصالح أهل السنة والجماعة، في العمل على توحيد كلمة المسلمين، وتوثيق تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتحقيق مفهوم الجماعة، والأخذ بأسباب حياتهم السعيدة، ومصالحهم الأكيدة في الدنيا والدين، مع المحافظة على صفاء العقيدة الإسلامية، وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والخرافة والوهم، وسائر المعوقات الجاهلية.

حتى وصل بالمملكة العربية السعودية إلى مرسى الأمن والإيمان، راسخة في التوحيد، ثابتة في البناء، على هدي الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، يتعاقب فيها على منهجه ورثته، ولله الحمد والمنة.

تمر مائة عام، وتحقيق التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، لا يزال رباط وحدة المملكة، وآخِيَّةُ [10] اجتماعها، ولن يزال كذلك إن شاء الله تعالى.

يمضي قرن من الزمان والمملكة العربية السعودية تحتل المكانة الدينية في العالم الإسلامي مكان القلب من الجسد، سواء في البناء وتوحيد الكيان، أو في التربية والتعليم، أو في الحكم والإدارة، أوفي التنفيذ والتطبيق منذ نشأة بنائها إلى استكماله وتطويره، من لدن المؤسس الملك عبد العزيز، ثم أبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله، إلى عهد باني نهضتها خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى فهد بن عبد العزيز حفظه الله وأمده بعونه وتوفيقه.

ص: 428

تمر مائة عام والمملكة العربية السعودية، تعتبر بحق، المثال الواقعي للتضامن الإسلامي الشامل، والنواة الموجودة، لوحدة المسلمين العظمى، والمعقل ذا الوجود العيني الآمن لجماعتهم الكبرى.

إن مرور مائة عام على هذا لهو من توفيق الله للحق، وشاهد كوني على الصدق، وإن توفيق الله تعالى لعبد العزيز وللسعوديين عموما، ولمن جاء بعده، في تحقيق مفهوم الجماعة، وترسيخها وبنائها، بوحدة المملكة العربية السعودية، قضية متفق عليها.

2 -

الحاجة إلى تحقيق مفهوم الجماعة

ص: 429

كل إنسان هو محتاج بذاته، فقير بذاته، إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ومن ذلك حاجته للجماعة في دينه ودنياه، لكن قد لا يشعر بالحاجة إلى جماعة المسلمين، إلا المسلم الذي يرفع الجهل عن نفسه بالعلم الشرعي ويلزم نفسه بالهدي النبوي، وقد يشعر المسلم بحاجته وفقره، ولكن لا يستطيع دفع ذلك، إلا أنه يوحد احتياجه وافتقاره لله رب العالمين، الأحد الصمد، الحي القيوم، الغني الحميد، فيجمع الله شمله ويسد حاجته ويغنيه، أما غير المسلم فلجهله وظلمه، فإنه يدين لدنياه، ويكفيه من المجتمع ما يؤمن له دنياه، ويشرك باحتياجه إلى غير الله تعالى، ويمزق همه، ويفرق دينه، فلا يحصل على جمع ولا غنى، وبيان ذلك أن كل ما سوى الله من حي وغيره ليس له من نفسه وجود ولا عدم، بل هو مخلوق، وكل مخلوق فقير محتاج بذاته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، والمنفعة للحي من جنس النعيم واللذة، والمضرة هي من جنس الألم والعذاب، فلا بد من مقصود محبوب ينتفع ويلتذ به، مطلوب وجوده، ولابد من مكروه مبغض، يضر وجوده ويؤلم ويعذب، مطلوب عدمه، ولابد من الوسيلة إلى حصول المحبوب، ودفع المكروه، وهذه أمور ضرورية للعبد بل ولكل حي، لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها، ويجب أن يكون الله تعالى دون ما سواه هو المقصود المعبود المدعو المطلوب، وأن يكون الله تعالى دون ما سواه، هو المستعان على المطلوب وعلى دفع المكروه، كما أرشد الله إلى ذلك في الفاتحة:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فيجب أن يكون الله تعالى دون ما سواه هو المعبود المستعان، حيث إن ما سوى الله تعالى فقير محتاج بذاته، ليس بيده لنفسه فضلا عن غيره نفع ولا ضر، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ

ص: 430

الْخَبِيرُ} الأنعام:17-18 وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يونس:107.

وفقر العبد وحاجته إلى الإسلام، إلى أن يعبد الله وحده، ويستعين به وحده، لا يشرك به شيئا، علماً وعملاً، فقر عظيم وحاجة شديدة، وليس لحاجته وفقره نظير يقاس به، ولكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، غير أن الحاجة إلى الإسلام أعظم وأشد، فإنه لو فقد الطعام والشراب قد لا يفقد إلا حياته الدنيا فقط، وقد تكون حياة شقية، أما لو فقد الإسلام فإنه يفقد سعادته في حياته الدنيا والأخرى، وحيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، فالحاجة إلى الجماعة بالمفهوم المراد شرعا هي نفس الحاجة إلى الإسلام.

ومما يؤكد الحاجة إلى الجماعة، أن الشارع الحكيم أوجب على العبد أن يصبر على ما يراه من الأمير مكروها من معصية الله، لزوما للجماعة واعتصاما بها من التهلكة، وبعدا عن ميتة الجاهلية، كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية"[11] .

والحاجة إلى عصمة الدم لا تخفى، وهي في لزوم الجماعة متحققة، كما روى مسلم بسنده عن عبد الله قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر التارك الإسلام المفارق للجماعة، والثيب الزاني، والنفس بالنفس "[12] .

ص: 431

ومما يؤكد الحاجة إلى الجماعة، هو أن يد الله على الجماعة، ومن فارقها فالشيطان معه، كما روى النسائي بسند جيد عن عرفجة بن شريح الأشجعي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس فقال:"إنه سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض"[13] .

فالجماعة نجاة، والفرقة هلكة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، قال ابن مسعود رضي الله عنه في خطبته:"أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة " أخرجه الحاكم في المستدرك وابن جرير في تفسيره، والآجري في الشريعة [14] .

وقال ابن المبارك رحمه الله:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا

منه بعروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان معضلة

عن ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل

وكان أضعفنا نهبا لأقوانا [15]

وفي لزوم الجماعة وإمامها سعادة الدنيا والدين، به تنتظم الحياة الاجتماعية، ويحصل الأمن على العرض والمال والدم، وتتحقق مصالح المجتمع في معاشهم ومعاد هم ويستعينون بالجماعة على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما قال علي رضي الله عنه:"إن الناس لا يصلحهم إلا إمام، بر أو فاجر، إن كان فاجرا، عبد المؤمن ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله "، وقال الحسن البصري في الأمراء: هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة، والعيد والثغور والحدود "وقال أيضا:"والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا أو ظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله إن طاعتهم لغيظ ـ أي للأعداء ـ وإن فرقتهم لكفر"ذكر ذلك عن الحسن الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم.

ص: 432

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في بداية ذكره مسائل الجاهلية: "هذه أمور خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عليه أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:

فالضد يظهر حسنه الضد

وبضدها تتبين الأشياء

فأهم ما فيها وأشدها خطراً عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه أهل الجاهلية تمت الخسارة "والعياذ بالله كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} آية:52 العنكبوت قال: "المسألة الأولى: أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} آية: 18، يونس، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} آية: 3، الزمر، قال: "وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما يستحسنونه فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} آية:39، الأنفال.

ص: 433

الثانية: أنهم متفرقون في دينهم، كما قال تعالى:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} آية 32، الروم، وكذلك في دنياهم، ويرون ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} آية:13، الشورى، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} آية: 159، الأنعام، وقال تعالى:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} آية 32، الروم، ونهانا عن التفرق في الدين بقوله:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} آية:104 آل عمران، ونهانا عن مشابهتهم بقوله:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} آية: 105 آل عمران.

الثالثة: أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد، وهذه الثلاث التي فيه، جمع بينها فيما ذكر عنه في الصحيحين أنه قال:"إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن لا تعبدوا إلا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم "[16] .

ص: 434

قال الشيخ:"ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها "[17]

وقال أيضا: يبين الضرورة إلى الجماعة ولو كانت صغرى، "الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم"[18]

وقال أيضا "من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به "[19] .

إلى غير ذلك من النصوص الشرعية المحكمة، وأقوال العلماء، التي تبين مدى الاحتياج إلى الجماعة، وضرورة تحقيقها.

وقد كانت حاجة الناس في الجزيرة العربية إلى الجماعة والسمع والطاعة، والأمن والاستقرار شديدة، فالحجاز ونجد وما حولهما من البلدان لم تنعم بالجماعة على المفهوم المراد شرعا، أي لم تنعم بحكم صالح قوي يوحد أجزاءها، ويحكم سير الأحداث فيها بعلم وعدل، ويوجِد فيها أمنا شاملا، وسياسة رشيدة مستقرة، مثل ما نعمت به في ظل دول أنصار التوحيد من آل سعود، منذ حكم الأخيضريون اليمامة وما حولها في سنة 253هـ تقريبا.

وكل هذا جرى قبل توحيد الملك عبد العزيز أرض المملكة حرسها الله.

ص: 435

وكل ذلك كان قبل قيام دولة أنصار التوحيد من آل سعود، ويعود في غيبتها مما يؤكد الحاجة الملحة إلى جماعة المسلمين السعودية، وإلى جهود الملك عبد العزيز في إقامة الجماعة، بتوحيد المملكة العربية السعودية، وذكرنا أن المسلمين على الحقيقة لا تطمئن نفوسهم لغير هذه الأسرة السعودية المباركة، لأنهم من خلال الأحداث التاريخية والوقائع الكونية، قد شهدوا مراراً غياب هذه الأسرة السعودية عن الحكم فرأوا في غيابها ضعف العقيدة الإسلامية، والغدر لمنهج الشريعة، والتفرق عن الجماعة، وعدم الأمن والاستقرار، وذل العسف الجائر، وطغيان الظلم المظلم، مما يؤكد الحاجة إلى أنصار التوحيد من آل سعود، وإلى جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة على الخصوص، ولا ينسى المنصفون لهذه الأسرة السعودية، فضلها وتاريخها المجيد، كما لا يرتابون في وفائها للإسلام والمسلمين.

ص: 436

ونزيد هنا بيانا عن مسيس الحاجة من واقع الحال في الحجاز ونجد وغيرهما، وأنه قد عاد إلى الحال التي ذكرنا وأسوأ، قبل ظهور الملك عبد العزيز، وقيام دولة التوحيد على يديه، المملكة العربية السعودية،كما هو المشهور من الرواية بل المتواتر منها، وكما يشهد لذلك الواقع المشاهد الآن، الذي بقي على حاله من الفرقة وضعف الأمن والإيمان، في خارج المملكة العربية السعودية فنقول: كان في الواقع مما ينافي تحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، مظاهر خطيرة على الإيمان والأمن، كالأضرحة والمشاهد الشركية، والقباب المقامة على القبور المعظمة، التي يطاف حولها ويعكف، وتقصد للتبرك بها، وطلب قضاء الحوائج، وتفريج الكربات عندها، في مكة نفسها، كالقباب التي كانت في المعلاة في الحجون، على قبر خديجة وغيره، وفي الحلقة القديمة على قبر المستسقي، وقبر العلوية قريب من باب مكة، وقبر الشيخ أبو سرير وضريحه، بزاوية كانت معروفة في آخر سوق الندى، والقبر الشهير بالمظلوم، والزوايا المنسوبة إلى الصوفية وما فيها من الأضرحة والخرافات التي تنسج حولها، وفي طريق النورية قبة على ما يزعمونه قبر ميمونة، وفي الزيمة قبة على قبر الرشيد، وغير ذلك، كما في المدينة في البقيع وغيره، القباب التي كانت على قبور الصحابة، وفي أحد كانت القبة المشهورة على قبر حمزة، وغير ذلك، هذا في مكة والمدينة، وهما معقل التوحيد ومأرز الإيمان، فكيف في غيرهما، لاشك أنه أكثر بكثير، ففي نواح عديدة، كانت القباب على القبور، والأماكن والأشجار والأحجار والغيران، والطواغيت، التي تقصد للدعاء والتبرك وذبح القربان، وغير ذلك مما لم ينزل الله به من سلطان، وإنما هي مظاهر للبدع والشرك التي يدعو إليها الشيطان، يتخذ منها بعض الناس سُلَّما لسلب الأموال، عن طريق سدانتها، والشعوذة والدجل على ضعاف العقول والجهلة، خاصة من الحجاج والغرباء، ولما كانت هذه الأمور الواقعة

ص: 437

منافيةً للإيمان، ولا لها من ينكرها ويغيرها، كانت بيئتُها مرتعاً لاضطراب الأمن وعدمه، ومرتعاً لنشاط أهل الشرك وجفاة الأعراب، ومنافقي العرب، وعلوج العجم، في النهب والسلب، والقتل وقطع الطريق، والاحتيال والنصب، بمختلف الطرق الملتوية، وأساليب الدجل والشعوذة، وانتشرت جرائم الحرامية، وعصابات قطع الطريق على حجاج بيت الله الحرام، وسلب أموالهم، ونهب بضائعهم وأمتعتهم، من قبل البدو والعربان والأدلاء والمطوفين والجمالة، فكان الحاج فضلاً عن غيره، عرضةً لكل ألوان التعدي، على العرض والدم والمال، والنهب والعبث بالحرمات، من الضرب والقتل والسرقة والخطف، وسوء الأدب والصياح والصخب، واتخاذ شتى أنواع الخداع والحيل لاستغفال الحاج والغريب، عن أمتعته وثيابه ونفقته، أو استدراجه بعيدا عن رفاقه، ليقضى عليه بضربة عصا أو خنجر أو طلقة نار، فتخمد أنفاسه، وعند ئذٍ يعريه الحرامي من ثيابه، وينتزع حزامه ويفر به إلى الجبال، وربما كان هذا الحرامي أحدَ الجماميل أو الحراس أو الأدلاء، (حاميها حراميها) ، وقد لا يجد مع ضحيته مالاً، فلا يتأسف إلا على رصاصته! ولذا أصبح الحج سلسلة من المشقات، بل نوعاً من المغامرة والمجازفة، وكان الناس يحذرون المسافرين والحجاج منهم، من أخطار الطريق، وكان من يريد الحج يودع أهله وداع مفارق لا يرجو العودة، بسبب اضطراب الأمن، وسوء أحواله، وكانوا يقولون:"الذاهب للحج مفقود، والعائد منه مولود " وأصبح هذا القول مثلاً، يرويه الأجداد، الذين أدركوا هذا الواقع [20] .

ص: 438

وقال الأمير شكيب أرسلان: "توالت على بلاد الإسلام المقدسة قرون وأحقاب، كانت فيها أشد البلاد افتقارا إلى الإصلاح وأقربها إلى الفوضى، وأقلها أمنة سبل، وراحة سكان، وأكثرها عيثا وفسادا، وكانت هذه الحالة فظيعة جدا، مخجلة لكل مسلم، مرمضة لكل مؤمن، حجة ناصعة للأجانب على المسلمين، الذين لا يقدرون أن ينكروا ما في الحجاز من اختلال السبل، واضطراب الحبل، مع كونه هو مهد الإسلام، ومركز الحجيج العام في كل عام، إلى بيت الله الحرام والمشاعر العظام، ومهوى قلوب يتأجج بها الغرام، لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام

كان الأجانب يستظهرون بهذه الحالة على دعوى أن الإسلام لا يلتئم مع العمران، وأنه هو والفوضى توأمان، وأنه لو كان دينا عمرانيا لما كانت تكون هذه الحالة السيئة في مركزه، ولما عجز عن إقامة العدل في مأرزه.

وحقيقة الحال هي: أن تلك الفوضى لم تنشأ إلا عن إهمال العمل بقواعد الشرع الإسلامي، وعن إرخاء العنان لبعض الأمراء الذين كانوا يلون أمر الحجاز، مدلين على الناس بما لهم من النسب النبوي الشريف، الذي كان يحول بين سلاطين الإسلام وبين تشديد الوطأة عليهم أو إرهاف الحد فيهم، وقد كان هذا من خطل الرأي، ومن التقصير في جانب الشرع، فإن الشريعة الإسلامية لا تعرف نسبا ولا حسبا، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} .

ص: 439

إلى أن قال: "ولهذا كان سلاطين الإسلام من وقت إلى آخر، ينذرون من أمراء الحرمين من كانوا يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ولقد ذهب مثلا ذلك الكتاب الذي كتبه أحد سلاطين مصر من المماليك، إلى أحد أمراء مكة المكرمة وهو الذي يقول فيه: "اعلم أن الحسنة في نفسها حسنة، وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئة سيئة، وهي من بيت النبوة أسوأ، وقد بلغنا أنك بدلت حرم الأمن بالخيفة، وأتيت ما يحمر له الوجه وتسود الصحيفة، فإن وقفت عند حدك، وإلا أغمدنا فيك سيف جدك ".

إلى أن قال: "قد بقيت مع الأسف أحوال الحجاز غير مستوية وأعراب البادية يسطون على الحجاج، وليس لداء معرتهم علاج، وكانت كل من الدولة العثمانية والدولة المصرية ترسل طوابير من الجند النظامي مصحوبة بالمدافع وسائر آلات القتال لأجل خفارة قوافل الحج، وتؤدي إلى زعماء القبائل الرواتب الوافرة، وكل هذا لم يكن يمنع الأعراب ومن لا يخاف الله من الدعار من تخطف الحجاج في كل فرصة تلوح لهم، وكثيرا ما كانت قافلة الحج تضطر إلى الرجوع، وقد فاتها الحج أو الزيارة، بعد أن قصدوا ذلك من مكان سحيق، وتكلفوا بذل الأموال، وتجشموا مشاق الأسفار، في البر والبحر، فكانوا يذوبون من الشوق على ما فاتهم، ويتحرقون من الوجد، ويبكون بصيب الدمع، والناس بأجمعهم يحوقلون، ويقولون: ليس لها من دون الله كاشفة، ذاهبين إلى أن سطو الأعراب هؤلاء داء عضال، لا تنفع فيه حيلة، ولا وسيلة، وقد عمت بهم البلوى، وإلى الله المشتكى، وهكذا توالت القرون والحقب، والناس على هذا الاعتقاد لا يتزحزحون "[21] .

وكان التعصب المذهبي قد بلغ ذروته، حتى وصل بهم إلى أن تقام في المسجد الحرام أربع جماعات في الصلاة المفروضة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام ومقام، وقد رأيت أبنية هذه المقامات في المسجد الحرام، وهذا وأمثاله لاشك له الأثر البالغ في تفريق جماعة المسلمين، وتمزيق صفوفهم.

ص: 440

وهكذا كان الواقع في العالم الإسلامي، في الحجاز وفي غيره، في الشرق وفي الغرب، وفي الشمال وفي الجنوب، كان هذا هو الواقع قبيل ظهور الملك عبد العزيز فكانت الحاجة داعية، والضرورة ملحة، لقيام الملك الإمام عبد العزيز، بإقامة الجماعة وتأسيس دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، وقد أدرك ذلك حتى العامة والبدو الذين لم يأخذوا قدرا كافيا من العلم والحضارة، وربما من الذين ألفوا عدم الاستقرار.

روى أحد كبار السن: أنهم ذهبوا إلى الكويت وكانوا ثلاثة رجال، وبينهم شاعر من البادية، يريدون التعرف إلى أولاد الإمام عبد الرحمن الفيصل، فزاروه رحمه الله وطلبوا منه أن يرسل معهم من يوصلهم إلى أولاده، ليسلموا عليهم، فأرسل شخصا، قال الراوي:"وبعد السلام على عبد العزيز وأخيه محمد ـ رحمهما الله ـ أخذ محمد يهيئ القهوة، وعبد العزيز بجواره، وكانا شابين لا تتجاوز سن أكبرهما ثمانية عشر عاما، وكان عبد العزيز نحيلا قليل الكلام، أخذ يسألنا باقتضاب:"من تكونون؟ ومن أي المناطق أنتم؟ "فأخبرناه بمناطقنا، ثم أخذ عبد العزيز يسألنا، عن أحوال البلاد،وعن الأحداث، والأمن هناك "وهل حكم الشرع نافذ فيكم؟

"ثم وقف البدوي الشاعر، وقال: يا عبد العزيز، عندي قصيدة، فرد عليه: "فيمن؟ قال: فيك، قال: أنا! هنا في الكويت! غريب مجهول! ليس لي دور في شيء! تمدحني بالشجاعة؟ لم أفعل شيئاً، بالكرم؟ أنا لا أملك مالاً، حالي مستور، ثم إن القصائد الجيدة كلَها قلتَها في الأمير محمد بن رشيد"، قال الراوي: "فرد عليه الشاعر، ونحن نسمع: إني واحد من شعرائك ومن رجالك يا عبد العزيز، فأنا شاعر الرجال، والبلاد اليوم في حاجة إليك، اسمعها تقول لك: وأنشد بصوت مرتفع:

عبد العزيز ابطيت واخلفت ظني

وكثر البطا يحدث على الرجل خذلان

يمير [22] دوك فتوقها وضَحَن

تبينت لأاهل الدلايل والأذهان" [23]

ص: 441

استجاب عبد العزيز رحمه الله لفضل الله وتوفيقه، ولبى حاجة البلاد والعباد، إلى تحقيق مفهوم الجماعة، وقام بجهوده الموفقة العظيمة لإقامة الجماعة وتحقيق مفهومها على ضوء الكتاب والسنة، فإلى توضيح ذلك بالمبحث التالي:

3-

الاستجابة

أي استجابة الملك عبد العزيز بجهوده المباركة الموفقة، لداعي حاجة الأمة، واستجابة الأمة لهذه الجهود، وتفاعلها معها.

لقد بذل عبد العزيز الملك الإمام رحمه الله جهودا عظيمة لتحقيق مفهوم الجماعة، وذلك بالأمور الآتية:

أـ توحيد المملكة بالإخلاص واتباع السنة:

حقق الملك عبد العزيز التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، في نفسه أولا، وجاهد لإعلاء كلمة التوحيد، والحرص عليها، ويعتمد في جميع أعماله على الله وحده لا شريك له، فلما حقق التوحيد غاية ووسيلة، سهل الله له طريقه، ونصره على أعدائه.

قال عبد العزيز رحمه الله: "أسست هذه المملكة، من دون معين.. وكان الله القدير وحده معيني وسندي، وهو الذي أنجح أعمالي "[24]، يروي الزركلي قال: أخبرني أحد ضباط القصر الملكي، قال: رأيت الملك عبد العزيز، في الهزيع الأخير من الليل، عند صلاة الفجر، يتمسك بأستار الكعبة ويدعو الله، بهذا الدعاء العجيب:"اللهم إن كان في هذا الملك خير لي وللمسلمين، فأبقه لي ولأولادي، وإن كان فيه شر لي وللمسلمين فانزعه مني ومن أولادي "[25]

ص: 442

وحد الملك عبد العزيز المملكة العربية السعودية، على أساس الاعتصام بالكتاب والسنة، في تحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود، فحرص على استقلال المملكة، وعدم قبوله أي تدخل أجنبي، وعدم قبول أي امتياز، أو استثناء، يناقض الإسلام، لأحد دون أحد، مهما كان. وإن جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة، تتلخص في توحيده المملكة العربية السعودية على التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، ورفعه لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربوعها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله [26] ، فانفردت دولته، المملكة العربية السعودية، بذلك الميراث النبوي، راية الجماعة، التي لا يشاركها فيها جماعة أخرى، ولا دولة أخرى، ولا تنكس لأي سبب تنكس له الرايات الأخرى.

إن العرب خاصة لا تدين لأحد بغير كلمة التوحيد، (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) . وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه حين دعاهم إلى الإسلام، ذكر ابن كثير في تفسيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: لعمه أبي طالب ورهطٍ من قريش فيهم أبو جهل، إجابةً لأبي طالب حين قال له:"يا ابن أخي! هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم، وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم، ويدعوك وإلهك، قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم! أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أدعوهم أن يتكلموا بكلمة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم " فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، قال صلى الله عليه وسلم "تقولون: لا إله إلا الله "، فنفروا.

ص: 443

قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية "، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة! نعم وأبيك عشرا! فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله "، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون "أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب "قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [27]

والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لمشيخة قومه: "لا إله إلا الله "، "كلمة تدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم، أو تؤدي لكم بها العجم الجزية ".

يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي!

فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة، كما قال الشافعي رحمه الله:"كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة"[28] .

"فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم "[29] .

فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يعني ـ والله أعلم ـ إلى ما قال الله والرسول، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما، رُدوه قياساً على أحدهما [30] .

ص: 444

وهذا هو سر اجتماع العرب على إمامة آل سعود من أول أمرهم، منذ أحسن الأمير الراشد محمد بن سعود استقبال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد أخرج من العيينة وجاء إلى الدرعية غير مرغوب فيه، كما تقدم ذكره، ومشى الأمير إليه برجله بخلاف ما تقتضيه سياسة الإمارة، لكنه آثر إحياء السنة السلفية، والسياسة الشرعية، في تعظيم العلماء لوجه الله تعالى، فأحيا الله قلبه وشرح صدره لدعوة الشيخ، وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة فثبت الله إمارته، وأرسى له ولأولاده من بعده، دعائم الإمامة والملك، وجمع قلوب العرب والمسلمين بكلمة التوحيد عليهم - وأجابه الشيخ وهو في حال مهاجر مستضعف، لا يملك من الدنيا شيئا، بقوله: وأنا أبشرك، بالعز والتمكين، وهذه كلمة: لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك [31]، فقال له الأمير الراشد:(يا شيخ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لاشك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد)[32] .

هذا هو السر الذي وفق الله آل سعود للأخذ به، فاجتمعت عليهم الجماعة، وهو السر الذي أخذ به عبد العزيز فنجحت به جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، ولقد كان لدى عبد العزيز واضحاً جلياً، في قوله وعمله.

ص: 445

أما في قوله: ففي مثل قوله رحمه الله بعد كلام له تاريخي: "بل إنه في آخر الأمر، أظهر الله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، ثم من بعدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله، ونفع الله بهم الإسلام والمسلمين، لما اندرست أعلام الإسلام، وكثرت الشبه والبدع، مخصوص محمد بن عبد الوهاب فلما رأوا أسلافنا موافقتهم في أقوالهم، وأفعالهم لما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قبلوا ذلك، وقاموا به، وأظهره الله على أيديهم، ونحن إن شاء الله على سبيلهم ومعتقدهم، نرجو أن الله يحيينا على ذلك، ويميتنا عليه"[33]

وأما في عمله: ففي مثل ما قام به من توحيد المملكة العربية السعودية، على الإسلام بعد ما كانت عليه الحال من الشتات والشقاء والفرقة، كما وصفنا، وتطبيقه الشريعة الإسلامية في ربوعها، فلله الحمد والمنة.

وصدق الشاعر السلفي محمد بن عثيمين، حين قال يخاطبه:

تلألأت بك للإسلام أنوار

كما جرت بك للاسعاد أقدار

إن الذي قدر الأشيا بحكمته لما يريد من الخيرات يختار

والعبد إن صلحت لله نيته

لا بد يبدو لها في الكون آثار

إلى أن قال:

تألفت بك أهواء مفرقة

تأججت بينهم من قبلك النار

فأصبحوا بعد توفيق الإله لهم

بعد الشقا والجفا في الدين أخيار

إلى أن قال:

كنا نمر على الأموات نغبطهم

من قبله إذ تولى الأمر أشرار

فالآن طابت به الأيام إذ أخذت

به لأهل الهدى والدين أوتار [34]

لقد أحيا السنة النبوية، وأمات البدعة الشيطانية، وأخذ بمبدأ الشورى والمواجهة والحوار وسياسة الباب المفتوح، والمطارحة مع الإنصاف وسلامة المقصد والثبات على البصيرة، كما أخذ بالأسباب النافعة في الدنيا والدين.

ب ـ التربية والتعليم:

ص: 446

ومن جهوده رحمه الله اهتمامه بالتربية والتعليم وتوعية الأمة بمصلحتهم في كل مناسبة، بالقول والفعل، من ذلك أنه رحمه الله وجه نداءً عاماً إلى الإخوان يذكرهم فيه بنعمة الإسلام، وما مضى عليه أسلافهم من الأعراب، من انحرافهم عن الدين، وما يأتونه من الأمور التي تغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن استحلال الدماء، ونهب الأموال، وترك فرائض الإسلام، ليقيدوا نعمة الله عليهم بشكره واتباع أمره واجتناب نهيه وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين أن أصل الدين كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فهم السلف الصالح، ثم الأئمة الأربعة من بعدهم، الأئمة المقتدى بهم، لا خلاف بينهم في أصل الدين، من توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فمن خالفه معتقدا بطلانه، فليس على شيء من الدين، والعياذ بالله من ذلك، ولا يقال عن هذا إنه مكذب للمشايخ، بل مكذب لكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم مضى رحمه الله يحذر من التفرق في الدين، وتتبع الخلافات فيه، فإن هذا من أعظم أسباب الهلاك، ويبين أنهم في زمن، تشعبت فيه الأمة الإسلامية وكثرت فيها الفرق وفشت فيها البدع، ودنس وجه الدين بما ليس منه، وكثرت فيه شبه الضالين المضلين، غير أنه بحمد الله لم يخل زمان من قائم لله في أمر دينه، ينفي عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين، أولئك هم علماء الدين، وهم ورثة الأنبياء، وهم الحافظون لدين الله تعالى، حيث أقامهم لذلك:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وكل يدعي أنه القائم لله بحفظ دينه، ولكن ميزان العدل في ذلك هو اتباع النبي الكريم:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه} ، ثم قال رحمه الله: إني أرشدكم إلى أعظم قائم لله تعالى في نصر دينه، بعد

ص: 447

الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وذلك بعد أن كثرت الملل والنحل، وتشعبت الأهواء، وتفرق الناس شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون، ذلك هو شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومن هو على طريقتهم في الدعوة والتحقيق إلى يوم القيامة، فقد قام هذان الشيخان بما أوجبه الله على العلماء، من بيان الحق وعدم كتمانه، ولم تأخذهما في الله لومة لائم،

فهذه كتبهما بحمد الله بين أيديكم، قد سهل الله نشرها بعد أن كانت مدفونة في زوايا الترك والإهمال، فعليكم بمطالعتها، فإنها بأدلة الكتاب والسنة تجلو عن القلوب صداها، وبمآثر الصحابة وهديهم تميط عن الأبصار غشاها،ثم قال رحمه الله: وهذا شيخنا ـ يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ ذلك الإمام الوحيد في زمانه، الجليل القدر رحمه الله تعالى، قد قام بما قام به هذان الشيخان، من الدعوة إلى تحقيق التوحيد لله تعالى، في أسمائه وصفاته وتوحيده في ألوهيته، بإفراده بالعبادة له وحده لا شريك له بجميع أنواعها، وهذا التوحيد هو أصل بعثة الرسل من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء:25، وهذا التوحيد هو أصل الأصول للدين، الذي لا يجوز التقليد فيها، فعليكم بالتفقه في دينكم، واتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم، وسلفكم الصالح، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وقد تقدم لكم البيان بأننا في الأصل على القرآن، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ويحثهم على أن يكونوا فيما يأتونه من أمر دينهم على بصيرة، ويستدل بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقوله تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ، ويقول لهم: فمن كان منكم يؤمن

ص: 448

بالله واليوم الآخر، وقصده في هجرة البداوة، وانتسابه إلى الخير طلب رضا الله تعالى، والتماس ما عنده من الثواب لمن تاب إليه وأناب، فلا يتمسك أحدكم بأمور دينه برأيه، وليس الدين بالاستحسان، فكل طريق إلى الحق غير طريق نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه مسدود، وكل عمل على غير سنته فهو إلى صاحبه مردود، فاتبعوا ولا تبتدعوا، وقاربوا فمن سار على الدرب وصل، قال: وهذا ما يجب لكم علينا من النصيحة، فمن خالف ما بيناه لكم بقول أو فعل فذمتنا وذمة المسلمين منه بريئة ولا يأمن البطش بنفسه وبحلاله، ومن أنذر فقد أعذر انتهى. [35]

ص: 449

علم نافع وقول سديد، وخطاب بليغ، وبيان مبين، وتشخيص صحيح لأمراض المجتمع، ووصفة صادقة للدواء، من ملك إذا قال فعل، وإذا وعد وفى، وقد كان اهتمامه رحمه الله بالعلم والعلماء، وتقديره للعلماء، يأخذ عليه أولوية أعماله، قرب العلماء العاملين، والمصلحين الصادقين، وأهل الرأي والمشورة وأولي الأحلام والنهى، وجعلهم أهل مشورته وخاصته، وأكرمهم ورفع منزلتهم، وكان يشاركهم عن علم ودراية البحث العلمي والبيان والنصيحة، وإظهار معالم منهج السلف الصالح في تطبيق الشريعة الإسلامية، لإقامة الجماعة، وتحصيل النجاة والسعادة، وتجنيبها دروب الهلاك وسبل الغواية والتفرق، وفي كل نائبة يجتمع بالعلماء، ويجمعهم على اختلاف مشاربهم، للمذاكرة والمطارحة، وإزالة ما قد يكون بينهم من فجوات، ويكون بينهم وبين الرعية من تباعد، بسبب الشبهات التي يبثها المغرضون، فصار لهؤلاء العلماء والمصلحين الصادقين، جهود كبيرة وأفكار صالحة، كان لها الأثر العظيم، في رأب الصدع، وجمع الكلمة، وتوحيد القوة، ودحض أسباب الفرقة، ونبذ عوامل الخلاف، والتوعية الراشدة، وتنبيه الأمة إلى حاجتها لجهود هذا الإمام الفذ عبد العزيز، والالتفاف حوله على منهجه السليم، وقد تواكب هذا بيقظة الشعور والإحساس بالحاجة، والتوعية المناسبة مع جهود الملك عبد العزيز، فأثمرت كل الخير ولله الحمد والمنة.

ص: 450

ومن أمثال هؤلاء العلماء والمصلحين، ذاك العالم الجليل الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، الذي سبق أن أشرت إلى رسالته إلى بعض المشايخ الكرام وذكرت طرفا منها، ذكَّر فيها بنعمة الله تعالى ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام وظهوره، ثم شخص أسباب الكفر وبينها، وأهمها موانع في النفوس من أهواء وإرادات فاسدة، ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلا بمخالفة الحق وترك الاستجابة له، وهذا هو المانع في كل زمان ومكان، ولولا ذلك، ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان، ثم تطرق إلى تذكيرهم باختصاص الله إياهم بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد، وأثنى على مناصرة الإمام محمد بن سعود وأبنائه للشيخ في دعوته وقال: إن الله تعالى يصنع لهم من عظيم صنعه، وخفي لطفه ما هداهم به إلى دينه، الذي ارتضاه لنفسه، واختص به من شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة والصولة ما ظهروا به على كافة العرب، وغدت لهم الرياسة والإمامة رتبة معلومة بمجرد السابقة والعادة، لا تزاحمهم فيها العرب العرباء، ولا يتطاول إليها بنو ماء السماء، وصالحهم يرجو فوق ذلك مظهرا، وجاهلهم يرتع في ثياب مجد، لا يعرف من حاكها ولا درى فلم يزل الأمر في مزيد

ثم يصف ما حدث من فتن الشهوات والشبهات ما أفسد على الناس الأعمال والإرادات، وجرى من الابتلاء والتطهير ما يعرفه الفطن الخبير، ثم بعد وصفه تلك المحنة والتفرق وصفا يشخص الحاجة ويشعر بها، يقول عن قيام الجماعة على يد الملك عبد العزيز: "ثم أذهب الله ذلك بقيام الجماعة، وتجديد الأخوة الإسلامية، وذهاب الشحناء، وعاد الأمر إلى ما كان عليه من ثبوت الإمامة والدعوة إلى الجماعة، وتجديد العهود والمواثيق على ذلك، فحمدنا الله تعالى وسألناه المزيد من فضله ورحمته، وكنا مغتبطين، وأذهب الله

ص: 451

عنا هباء الشبهات، وأطفأ نار تلك الضلالات

"ثم لما رأى بوادر منازعة الإمام الملك عبد العزيز،جعل رحمه الله يحذر هؤلاء العلماء خاصة لأنه بصلاحهم تصلح العامة، فيحذرهم ناصحاً لهم من بوادر بدرت تريد الشقاق وفل جمع المسلمين، إلى أن قال: فاستأنف النهار يا ابن جبير قبل أن تنفرج ذات البين بينكم معشر العلماء، ويضلل بعضكم بعضا، أو يفسقه أو يكفره، فتكونوا بذلك فتنة لجاهل مغرور، أو ضحكة لذي دهاء وفجور، تستباح بذلك أعراضكم ولا ينتفع بعلمكم، فاعقدوا لذلك محضرا، ولو طال منا ومن بعضكم لأجله سفر، للنظر فيما يصلح الإسلام، وتقوم به الحجة، ولو لم يعمل به عامل، تسدوا بذلك عنكم باب الفرقة، نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإني والله لا إخال الجرح يندمل، ولا الحية تموت إلا أن يشاء ربي شيئا، ولذلك لكثرة الطلاب لهذا الأمر، فقد وقع بكثرتهم البأس وأعضل، واحتاج العقل للنظر فيما هو الأصلح لدينه، والأرضى لربه، بالاجتماع على الأسد فالأسد، والأصلح فالأصلح، فإن الشيطان متكئ على شماله، متحيل بيمينه، فاتح حصنه لأهله، يدأب بين الأمة بالشحناء والعداوة، عناداً لله ولرسوله ولدينه، تأليبا وتأنيبا، يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الفجور والشرور، يوحي إلى أوليائه بالباطل، دأبا منه منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله في سالف الأزمان، لا ينجوا منه إلا من أحب الآجل، وغض الطرف عن العاجل، وقط هامة عدو الله وعدو الدين، باتباع الحق والعمل به، رضي ذلك من رضيه، وسخطه من سخطه [36]

ص: 452

ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد ابن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فقد وجهوا نصيحة للناس لما رأوا بوادر بدرت من بعض المتحمسين للدين من غير فقه، فوجهوا لهم نصيحة بينوا فيها وجوب السمع والطاعة في غير معصية الله، وساقوا الأدلة على ذلك، ثم قالوا:

"إذا تقرر ذلك فليعلم أن الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، قد ثبتت بيعته وإمامته، ووجبت طاعته على رعيته، فيما أوجب الله من الحقوق، فمن ذلك: أمر الجهاد، ومحاربة الكفار ومصالحتهم، وعقد الذمة معهم، فإن هذه الأمور من حقوق الولاية، وليس لآحاد الرعية الافتيات أو الاعتراض عليه في ذلك، فإن مبنى هذه الأمور على النظر في مصالح المسلمين العامة والخاصة، وهذا الاجتهاد والنظر موكول إلى ولي الأمر "[37]

ومن هؤلاء الشاعر السلفي محمد بن عثيمين حيث يقول:

فيا معشر الإخوان دعوة صارخ

لكم ناصح بالطبع لا متخلق

يود لكم ما يمتنيه لنفسه

ويعلم أن الحب في الله أوثق

تحاموا على دين الهدى مع إمامكم

وكونوا له بالسمع جندا توفقوا

وإياكم والافتراق فإنه

هو المهلك الدنيا وللدين يوبق

فو الله ثم الله لا رب غيره

يمين امرئ لا مفتر يتملق

لما علمت نفسي على الأرض مثله

إماما على الإسلام والخلق يشفق [38]

ولقد جد الإمام عبد العزيز في التربية والتعليم، وفتح المدارس والمعاهد ودور العلم وكلية الشريعة بمكة، وبنى الهجر وبعث الدعاة والوعاظ والمعلمين، وأجرى لهم المرتبات الكبيرة، وللطلبة المكافآت والتشجيع، وطبع الكتب السلفية النافعة الكثيرة على نفقته، ووزعها على القضاة وطلبة العلم مجانا، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تعليم رعيته ما ينفعهم في دنياهم ودينهم. فجزاه الله خير الجزاء.

ص: 453

جـ - القضاء على الفتن:

حين غاب آل سعود عن الحكم، عمت الفتنة بلاد المسلمين، واشتدت فرقتهم، ولم يعد لهم جماعة، خصوصا بعد ما أعلن الأتراك تخليهم عن مسمى الإسلام على مستوى الدولة، بعد أن كانوا قد تخلوا عن حقيقته والحكم به، وأعلنوا أن دولتهم علمانية، وزعموا أنهم ألغوا الخلافة الإسلامية، على يد زعيمهم أتاتورك.

وصار أهل الشر يحاربون أهل الإسلام الخالص، أهل التوحيد والسنة، حربا شديدة لاهوادة فيها، أحاطت بالمسلمين من كل جانب، يسيرون عليهم قوات البغي والطغيان، من جهة الحجاز واليمن، ومن جهة الشام، ومن جهة القطيف والأحساء، للقضاء على صفوة المسلمين، والقضاء على عقيدتهم الإسلامية الصحيحة، حاصروا أهل التوحيد من كل الجهات، وأرادوا القضاء عليهم باسم الإسلام، والإسلام من كل ذلك براء [39] .

وأصبحت الفتنة عامة طامة، بفقد الجماعة، بالمفهوم المراد شرعا، وهو جماعة المسلمين الذين اجتمعوا على إمام بايعوه بالإمارة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة بالمعروف في المنشط والمكره، حسب القدرة والاستطاعة، إذ لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة.

لذا امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام، حتى لا تكون فتنة، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات، ودفاعاً عن المقدسات.

فجئت بالسيف والقرآن معتزما

تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن

حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت

للدين في الأرض أعلام وأركان [40]

حتى أقام للمسلمين جماعتهم، بتوحيد المملكة العربية السعودية على التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبيق شريعته فيها.

ص: 454

وأورد شهادة عدل، من قلم صدق، يبين لنا كيف قضى عبد العزيز على الفتن، كتب أمير البيان شكيب أرسلان تحت عنوان: هكذا ـ إذا توجهت الهمم ـ الإصلاحات المعنوية والمادية، في البلاد المقدسة، وبعد أن وصف ما كانت تعانيه البلاد المقدسة من فتن وفوضى وفساد، على توالي القرون والحقب، حتى أصبحت في اعتقاد الناس داءً عضالاً، لا تنفع فيه حيلة ولا وسيلة، وقد عمت البلوى، والناس لا يتزحزحون عن هذا الاعتقاد، قال: "إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبد العزيز بن سعود منذ بضع عشرة سنة، فلم تمض سنة واحدة، حتى انقلب الحجاز من مسبعة تزأر فيها الضواري، في كل يوم بل في كل ساعة، إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان، ينام فيها الأنام بملء الأجفان، ولا يخشون سطوة عاد ولا غارة حاضر ولا باد، وكأن أولئك الأعراب الذين روعوا الحجيج مدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا، وكأن هاتيك الذئاب الطلس تحولت إلى حملان، فلا نهب ولا سلب ولا قتل ولا ضرب، ولو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة، أو من المدينة إلى مكة أو إلى أية جهة من المملكة السعودية، وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عما معها، ما من يوم إلا وتحمل إلى دوائر الشرطة لُقَطٌ متعددة، ويؤتى بضوال فقدها أصحابها في الطرق، وأكثر من يأتي بها الأعراب أنفسهم خدمة للأمن العام، وإبعاداً للشبهة عنهم وعن ذويهم، فسبحان محول الأحوال، ومقلب القلوب، ووالله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في أوروبا ولا في أمريكا، وقد تمنى المستر كراين الأمريكي صديق العرب الشهير في إحدى خطبه أن يكون في وطنه أمريكا الأمن الذي رآه في الحجاز واليمن، وكل من سكن أوروبة وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتادا، وأشد أطنابا منها في

ص: 455

الممالك الأوربية والأمريكية، فأين أولئك الذين كانوا يقولون إن الأعراب لا يقدر على ضبطها إنسان، وأن سكان الفيافي هم غير سائر البلدان، فهاهو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة، ومحا أثر الغارات والثارات بين القبائل، وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحارى وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض، أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح، ولو قيل لبشر: إن بلادا كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق، قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان، من سالف الأزمان، وأنه يليها ابن سعود، فلا تمضي على ولايته سنة واحدة، حتى يطهرها تطهيرا ويملأها أمنا وطمأنينة، لظن السامع أنه يسمع أحلاماً أو خرافات، أو اتهم القائل في صحة عقله. ولكن هذا قد صار حقيقة كلية، وقضية واقعية، في وقت قصير، وما أوجده إلا همة عالية، وعزمة صادقة، وإيمان بالله، وثقة بالنفس، وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده، ناصر من نصره يحث على العمل، ويكافئ العامل، ويكره اليأس ويقول لعباده:{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ} .

وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية، فعمت أقطار الإسلام، وأثلجت صدور أبنائه، وارتفعت عن الحجاز معرة تلك المعرة، التي طالما وجم لها المسلمون، وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع " [41] .

ص: 456

امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام، حتى لا تكون فتنة، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات، ودفاعاً عن المقدسات، فلما أقام دولة العقيدة، كما مر وصفها، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية، ومرتكز جماعتهم، والقدوة الرائدة للمسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، أصبحت مواصلة القتال وسيلة لأن يتحول إلى قتال فتنة، لأن كثيرا من المسلمين مع الأسف واقع تحت تأثير الاستعمار الأجنبي، يوالون عدوهم، ويعادون أهل ملتهم، كالأكثرية، من مسلمي الهند، وغيرهم في المستعمرات البريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها، وقد كان مسلمو الهند الموالين للإنجليز يطالبون الحكومة البريطانية بإخراج عبد العزيز من الحجاز، ويفتون بسقوط فريضة الحج عن المسلمين، أو بتأجيلها، لأن عبد العزيز وليها، فلو واصل عبد العزيز القتال بعد أن أقام للمسلمين جماعتهم، لكان قتالا من أجل إدخال عامة المسلمين في هذه الجماعة، وهذا الغرض ليس موجبا للقتال، وليس لازما لاسيما إذا كان يترتب عليه من المفاسد ما هو أعظم من المصلحة، ولو واصل عبد العزيز القتال لذلك، لقاتلته الدول الاستعمارية بالمسلمين أنفسهم، ولصار القتال قتال فتنة، ولتحول الجهاد إلى حرب أهلية بين المسلمين أنفسهم، لأن البلاء من المسلمين أنفسهم، قال الأمير شكيب أرسلان:"لقد أصبح الفساد إلى حد أن أكبر أعداء المسلمين هم المسلمون، وأن المسلم إذا أراد أن يخدم ملته أو وطنه، قد يخشى أن يبوح بالسر من ذلك لأخيه، إذ يحتمل أن يذهب هذا إلى الأجانب المحتلين فيقدم لهم بحق أخيه الوشاية التي يرجو بها بعض الزلفى، وقد يكون أمله بها فارغا، ولله در الملك ابن سعود حيث يقول:"ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين " [42] ، وقال محمد رشيد رضا مضيفاً إلى ما نقله شكيب أرسلان عن الملك عبد العزيز كما تقدم:"وقال (أي الملك عبد العزيز

ص: 457

) في محفل حافل بحجاج الأقطار ـ وقد طالبه مصري أزهري بمحاربة الانكليز والفرنسيس المعتدين على المسلمين ذاكرا عداوتهم لهم ـ:"الانكليز والفرنسيس معذورون إذا عادونا، لأنه لا يجمعنا بهم جنس ولا دين ولا لغة ولا مصلحة، ولكن المصيبة التي لا عذر لأحد فيها أن المسلمين أصبحوا أعداء أنفسهم، وأنا والله لا أخاف الأجانب، وإنما أخاف من المسلمين، فلو حاربت الانكليز لما حاربوني إلا بجيش من المسلمين "[43] . قال الأمير شكيب: "وهو كلام أصاب كبد الصواب، فإنه ما من فتح فتحه الأجانب من بلاد المسلمين إلا كان نصفه أو قسم منه على أيدي أناس من المسلمين، منهم من تجسس للأجانب على قومه، ومنهم من بث لهم الدعاية بين قومه، ومنهم من سل السيف في وجه قومه، وأسال في خدمتهم دم قومه "[44] .

قلت: لذا ترك عبد العزيز مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة.

فلما أقام دولة العقيدة، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية، والقدوة الرائدة في تطبيق الشريعة الإسلامية ترك مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة، ويصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول، وأما إن كان ذاك متأولا فخطؤه مغفور له، وهو فيما يصيب به من أذًى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم، فإذا صبر على ذلك، واتقى الله كانت العاقبة له، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} آل عمران:120.

ص: 458

وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} آل عمران: 186. فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض، متأولين كانوا أو غير متأولين " [45]

وليس أحب من جمع كلمة المسلمين لدى عبد العزيز، والصبر على التضحية في سبيل ذلك، قال عبد العزيز رحمه الله:"أنا مسلم، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس عندي أحب من أن تجتمع كلمة المسلمين، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي في سبيل ذلك "[46]

ومع حبه لجمع كلمة الإسلام والمسلمين، لم يطلب أن يصير خليفة على المسلمين، خشية أن تقع الفتنة، ولعدم اتفاق المسلمين، ولوقوعهم تحت تأثير الاستعمار الأجنبي، ولتفرقهم تفرقاً لا يمكن معه إقامة واجب الخلافة.

قال رحمه الله: "يقولون إنني أطلب أن أصير خليفة على المسلمين.

أنا ما ادعيت هذا ولا طالبت به، لأن على الخليفة واجبا هو تنفيذ أوامر الدين، على كل فرد من أفراد المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، فهل هناك من رجل يستطيع أن ينفذ ذلك على المسلمين في هذه الأيام " [47] .

ويتحدث عن سبب ذلك، وأنه هو اختلاف المسلمين أنفسهم، وتفريقهم لدينهم في الخلافة حتى دمروه.

قال رحمه الله: " أتعرفون ما دمر الدين، وأكثر الفتن بين المسلمين؟ .. لم يكن ذلك إلا من اختلاف المسلمين، وعدم اتفاق كلمتهم.. "[48]

ص: 459

نعم تفرقوا طرائق، وأهملوا طريقة الكتاب والسنة، إلا قليلاً منهم، فتسلط عليهم الأجانب يستعمرونهم ويتصرفون فيهم، بسبب من هؤلاء المسلمين المفارقين للجماعة، أنفسهم، لا من هؤلاء الأجانب. كما قال رحمه الله: "ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب.. إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده! فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟ كلا ثم كلا.. فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.. أجل هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم.

إذاً فاللوم واقع على المسلمين أنفسهم وحدهم لا على الأجانب.. إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه، إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون، لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.. " [49]

ثم يبين رحمه الله الطريق الصحيح للخلاص فيقول: "إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينذاك أتقدم إليهم فأسير وإياهم جنبا إلى جنب، في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها.. والله إنني لا أحب الملك وأبهته، ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد،.. ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا، فإني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك، أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم.. أسير أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين"[50] .

ص: 460

ويقول أيضاً: " وما هو الطريق الذي اتفق عليه المسلمون، وجاهدوا فيه وتأخرت عنهم؟ .. أنا أتأخر وأتقدم بقدر الحاجة، ولا أعمل عملا أخرب به بلادي"[51] .

وفي هذا الرد البليغ، الذي يصدقه الواقع، على الذين يتهمونه رحمه الله ظلما، بأنه إنما قاتل لأنه طالب ملك دنيوي، وترك القتال في سبيل الله، خوفاً على ملكه.

والحقيقة أنه قاتل وجاهد في سبيل الله لئلا تكون فتنة، بعدم الجماعة، دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، وترك مواصلة القتال، لما رأى أن الفتنة تكمن في مواصلة القتال، لإلزام جميع المسلمين، بالدخول في الجماعة، والسمع والطاعة وإقامة الخلافة وإمامتها العظمى، وأن ذلك يجر من الشر ما هو أعظم من تركه، بعد أن قام عبد العزيز بما يجب عليه قدرا وشرعا، من إنقاذ مهد الإسلام، ومشرق نوره، مكة والمدينة، وبسط الأمن والاستقرار في ربوعهما، وتأمين الحاج والزائر، وإقامة وحدة المملكة على التوحيد، نواةً لوحدة المسلمين العظمى، ومثالاً لقدوتهم، إن هم أرادوا، ورفعوا عنهم ركام الجهل، بالقرآن والحكمة، واجتنبوا الظلم بعدل السنة النبوية، ففي إكراههم على الوحدة العظمى مفسدة راجحة، حرب أهلية بين المسلمين مدمرة، وقتال فتنة يستطير شرها، ويعم جميع المسلمين، فدرأ عبد العزيز رحمه الله أعظم الشرين باحتمال أدناهما، وانصرف لبناء وحدة مملكته، وترسيخ دعائمها على تحقيق مفهوم الجماعة، المستمسكة بالكتاب والسنة، وإقامة التوحيد الخالص، ونبذ الشرك بعبادة الله تعالى، وإن خالفها من خالفها من الفرق الإسلامية المفارقة وناوأها، فإن ذلك لا يضيرها ولا يضرها، بمشيئة الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا تزال من أمتي أمة، قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك "[52] .

ص: 461

أما إذا اعتدى معتدٍ وبغى، يريد تمزيق وحدة المملكة، وتفريق جماعتها، فلن يسمح له بحول الله وقوته، كما قال عبد العزيز:"في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا.. ولكن لن يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرق ينبض "[53] .

يروي رئيس أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقي عنه فيقول: سمعته يوما وقد دخل عليه البطل خالد بن لؤي رحمة الله عليه عقب إطفاء فتنة الدويش، يقول له:"اسمع يا خالد، اسمعوا يا الإخوان، أنا عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على من يحاول النيل منهما ولو بشعرة: الأول كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة لا أضن به. والثاني هذا الملك الذي جمع الله به شمل العرب بعد الفرقة، وأعزهم بعد الذلة، وكثرهم بعد القلة، فإني كذلك لا أدخر قطرة من دمي في سبيل الذود عن حوضه. وقد عودني الله سبحانه وتعالى من كرمه وفضله أن ينصرني على كل من أراد هذا الملك أو دبر له كيدا، لأني جعلت سنتي ومبدأي أن لا أبدأ أحدا بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكانا، وأتمادى في الصبر حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي فكانت القاضية، وكانت الآية على ما عودني الله من فضله، والحمد لله رب العالمين "[54]

وصدق عبد العزيز، وصدق ورثته من بعده، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فصدقهم الله تعالى، وله الحمد والمنة.

ص: 462

وهكذا قضى عبد العزيز رحمه الله على الفتن، وطهر بلاده منها، وجنب بلاده عنها، قاتل الجموع، ولم يخف ولم يهن، وضحى بكل ما يملك، حتى لا تكون فتنة، وترك القتال لئلا يكون القتال فتنة، وكان نتيجة ذلك:(المملكة العربية السعودية) نواة الوحدة الإسلامية الكبرى، ومعقل جماعتهم، ولله الحمد والمنة.

الخاتمة

تحققنا فيما مضى من البحث، مفهوم الجماعة، والمراد الشرعي بالجماعة، وأنها الاجتماع على التمسك بالكتاب والسنة، وأن من استمسك بذلك فهو المراد بالجماعة، وإن كان وحده، وضرورة تعيين الجماعة ليتحقق الواجب من لزومها، ولزوم إمامها، واجتناب المحرم من فراقها والخروج عليها، إذ لا يتحقق الواجب ويجتنب المحرم بدون تعيينها، وبيان استمرار وجودها إلى قيام الساعة، كما تحققنا اتصاف الدول السعودية بصفة الجماعة، وبذلك ندرك أن جميع جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تأسيس المملكة العربية السعودية هي تحقيق لمفهوم الجماعة، المراد شرعاً وقدراً.

إن جهود الملك عبد العزيز رحمه الله قد نجحت بتوفيق الله تعالى، في تحقيق مفهوم الجماعة، من خلال إقامته وحدة المملكة العربية السعودية، على اتباع الكتاب والسنة، ونال بذلك رتبة الإمامةِ في الدين، المجددِ لما اندرس من معالمه، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه خير ما جزى به مصلحاً عن إصلاحه.

ص: 463

ومن هنا نرى أن شعوب المملكة العربية السعودية وقبائلها، رعاةً ورعية، قد استجابوا قدراً وشرعاً، لما تفضل الله تعالى به على الملك عبد العزيز، من جهود مباركة في تحقيق مفهوم الجماعة، فالتزموا السنة والجماعة، وتمسكوا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله والسمع والطاعة، حتى صارت المملكة بتوفيق الله وفضله، معقد جماعة المسلمين، ونواة وحدتهم العظمى، كما هو الواقع، ويدل على ذلك من الواقع أيضا، أن كل من حقق الإسلام والسنة، وتمسك بمنهج السلف الصالح وأهل الحديث، ونبذ الأهواء والبدع، وعلم تاريخ المملكة على حقيقته، في جميع أنحاء الأرض، نراهم ولا سلطان للمملكة عليهم، يستجيبون لإصلاحات هذه المملكة، ويعتبرونها قبلتهم، وقلب الإسلام النابض، وقدوتهم، وسوادهم الأعظم، ومركز ثقلهم.

فقد اتصفت المملكة العربية السعودية، بصفة الجماعة شرعا وقدراً، وملكها هو إمام المسلمين في سلطانه، يجب أن يطاع بالمعروف، ويحرم الخروج عليه، ومن خرج عليه، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن مات فميتته جاهلية، ويلقى الله ولا حجة له، وجزاؤه في الدنيا أن يضرب عنقه بالسيف حتى الموت [55] .

وسيبقى تحقيق مفهوم الجماعة، في وحدة المملكة العربية السعودية، إن شاء الله تعالى، حتى يأتي أمر الله، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال:53. وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الرعد:11.

ص: 464

نسأل الله تعالى أن لا يغير نعمه علينا، وأن يرزقنا العفو والعافية، إنه ولي ذلك وموليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.

ثبت المراجع

(أ)

1-

أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، كتبه وتحدث به في نادي أنصار السنة المحمدية، محمد حامد الفقي، ط/ النهضة بمصر سنة 1354هـ.

2_

الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين، أبي عبد الله: محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، مكتبة ابن تيمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة

3-

الأربعين النووية، ضمن [مجموعة الحديث] ، ط 1389هـ – 1969م، مطابع: الحكومة – الرياض

4-

الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتحذير من مفارقتهم، تأليف عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم، ط2، 1419هـ.

5-

الاستقامة، ط1، 1/37-38.

6-

الاعتصام،للعلامة المحقق: أبو إسحاق: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، الغرناطي، مطبعة السعادة، القاهرة.

7-

البدر الطالع،للشوكاني.

8-

البلاد العربية والدولة العثمانية، ساطع الحصري، ط2، 1960م دار العلم للملايين - بيروت.

9-

التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد، ط2 / مطبعة السعادة بمصر.

10-

الدرر السنية في الأجوبة النجدية،جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط1

11-

الدرر السنية في الأجوبة النجدية،جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط2/1385هـ.

12-

الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 5/1416هـ.

13-

الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر.

14-

السنة، لمحمد بن نصر المروزي، (202-294هـ)، ط: مطابع دار الفكر بدمشق، بدون تاريخ الطبع، نشر دار الثقافة الإسلامية بالرياض.

ص: 465

15-

السنة، لابن أبي عاصم، الحافظ: أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ت278هـ، ط1/1400هـ – 1980م، المكتب الإسلامي – بيروت.

16-

الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره، للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، نشر دار العلوم الرياض.

17-

الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن، محاضرة للشيخ صالح آل الشيخ.

18-

العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين،محمد بن عبد الله بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه: سعد بن عبد العزيز بن رويشد، ط دار المعارف

19-

العقيدة الواسطية، ط5، 1347هـ، القاهرة، عنيت بنشره المطبعة السلفية ومكتبتها، لصاحبيها محب الدين الخطيب، وعبد الفتاح قتلان

20-

الغلو في الدين،تأليف عبد الرحمن اللويحق، ط4/ عام 1417هـ.

21-

المصحف والسيف، مجموعة من خطابات وكلمات جلالة الملك عبد العزيز آل سعود،جمع وإعداد محيي الدين القابسي، دار الصحراء السعودية للنشر والتحقيق، ط4، 1418هـ، 1997م.

22-

الملك الراشد، جلالة المغفور له عبد العزيز آل سعود، ط2.عبد المنعم الغلامي، الرياض دار اللواء للنشر والتوزيع 1400هـ –1980م.

23-

الموطأ، لإمام الأئمة، وعالم المدينة: مالك بن أنس رضي الله عنه، ط الإلكترونية / صخر.

24-

الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، خير الدين الزركلي، ط2، بيروت 1392هـ

25-

انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، محمد كمال جمعة.

(ت)

26-

تاريخ الخلفاء، للإمام جلال الدين أبو الفضل: عبد الرحمن بن أبي بكر المصري الشافعي، المشهر بالسيوطي.

27-

تاريخ الدولة السعودية الأولى، للدكتور منير العجلاني.

28-

تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، تأليف صلاح الدين مختار، منشورات دار الحياة بيروت.

ص: 466

29-

تاريخ ملوك آل سعود، تأليف سعود بن هذلول، ط 2، 1402هـ، مطابع المدينة، الرياض.

30-

تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، للإمام الحافظ أبو الفداء: إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي، ت 774هـ، ط3، الاستقامة بالقاهرة، 1376هـ.

31-

تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، 282-370هـ، تحقيق وتقديم عبد السلام محمد هارون، ومراجعة محمد علي النجار، دار القومية العربية للطباعة 1384هـ – 1964م.

(ج)

32-

جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير ابن جرير الطبري) ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 – 310هـ) ، ط2، 1373هـ، مطبعة الحلبي بمصر.

(ح)

33-

حاشية كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي (1312 – 1392هـ، ط/3.

34-

حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز،تأليف رابح لطفي جمعة،.

35-

حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختصت به جزيرة العرب، وتقويم مناهج الدعوات الوافدة إليها،بقلم سعد بن عبد الرحمن الحصين ط2/1413هـ.

36-

حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد، ط2.

(د)

37-

دراسة حديث: نضر الله امرءاً سمع مقالتي

رواية ودراية، للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، ط1، 1401هـ.

38-

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، لمحمد كمال جمعة.

39-

ديوان ابن مشرف،للشيخ أحمد بن علي بن مشرف الأحسائي، تلميذ المؤرخ حسين بن غنام، ط3، 1370هـ، مطبعة السنة المحمدية.

(ر)

40-

روضة الأفكار والافهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام (تاريخ نجد) ، للشيخ حسين بن غنام، ط1، 1386هـ، مطبعة الحلبي بمصر.

(س)

41-

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها،محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي.

ص: 467

42-

سنن أبي داود،للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، ط الإلكترونية/صخر.

43-

سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد، ط الإلكترونية / صخر.

44-

سنن الترمذي، للإمام أبي عيسى: محمد بن عيسى بن سورة، ط: الإلكترونية / صخر.

45-

سنن الدارمي، للإمام أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ الدارمي، ط/ الإلكترونية، صخر.

46-

سنن النسائي، للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني القاضي، ط الإلكترونية / صخر.

(ش)

47-

شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (731 – 792) ، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله.

(ص)

48-

صحيح الإمام البخاري، الإمام أبو عبد الله: محمد بن إسماعيل البخاري، ط/ الإلكترونية / صخر.

49-

صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 – 261هـ) ، ط/ الإلكترونية، صخر.

(ع)

50-

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي، صالح بن عبد الله العبود، ط1، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية

51-

عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن عبد الله بن بشر، ت1288هـ، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ بأمر من وزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية سنة 1394هـ ط3/ 1394هـ، دون ذكر مكان الطبع، واسم المطبعة.

52-

عنوان المجد في تاريخ نجد، من سنة 700 – 1267هـ، عثمان بن عبد الله ابن بشر، ت1288هـ، ط/ المطبعة السلفية بمكة المكرمة 1349هـ.

(ف)

ص: 468

53-

فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني (773 – 852هـ) ، تصحيح وتحقيق وإشراف ومقابلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ط / السلفية بمصر، بدون تاريخ الطبع، وعدد الطبعة.

(ك)

54-

كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، دراسات حول الجماعة والجماعات، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ، نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة.

(ل)

55-

لسراة الليل هتف الصباح، الملك عبد العزيز، دراسة وثائقية، عبد العزيز ابن عبد المحسن التو يجري، ط3، 1998م، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر، بيروت – لبنان.

56-

لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم، تأليف: الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، ط1965م، منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت.

(م)

57-

مثير الوجد، في أنساب ملوك نجد، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط السلفية بالقاهرة، عام 1379هـ،

58-

مجموعة التوحيد النجدية، ط/السلفية 1375هـ.

59-

مجموعة التوحيد النجدية - مسائل الجاهلية، ط السلفية، القاهرة، 1375هـ.

60-

مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، للشيخ حمد الجاسر، ط1، 1386هـ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.

61-

مسند الإمام أحمد بن حنبل، الإمام أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ط الإلكترونية / صخر

62-

مقدمة ابن خلدون، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون، المكتبة التجارية بالقاهرة، لصاحبها مصطفى محمد.

63-

منهاج السنة،لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط: جامعة الإمام.

64-

منهج الجمعية، للدعوة والتوجيه، (جمعية إحياء التراث الإسلامي) ، ط2/ عام 1417هـ.

(ن)

ص: 469

65-

نجد وملحقاته وسيرة الملك عبد العزيز، أمين الريحاني، ط3،دار الريحاني بيروت 1964م

(هـ)

66-

هامش ص10 من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عقيدته السلفية، ودعوته الإصلاحية، وثناء العلماء عليه، تأليف أحمد بن حجر آل بوطامي آل بن علي، تقديم وتصحيح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ط/الحكومة بمكة 1395هـ.

(ي)

67-

يقظة العرب (تاريخ حركة العرب القومية) ، جورج انطونيوس، ترجمة: د. ناصر الدين الأسد، وزميله، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين، بيروت – نيويورك 1966م، ط2، دار العلم للملايين – بيروت.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

صحيح البخاري مع فتح الباري: 6/632، وصحيح مسلم، ص1524.

[2]

صحيح مسلم: ج1/ص128.

[3]

سنن أبي داود ج2/كتاب الملاحم باب1ص424، قال الشيخ ابن باز:"هذا الحديث إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات"، وتقدم في حاشية 4 ص41، من هذا البحث.

[4]

الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، تأليف خير الدين الزركلي، ط2، ص141.

[5]

أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، كتبه وتحدث به في نادي أنصار السنة المحمدية، محمد حامد الفقي، ط/ النهضة بمصر سنة 1354هـ ص110-113.

[6]

ينظر الملك الراشد ص400.

[7]

العقد الثمين ص70.

[8]

المصحف والسيف ص79.

[9]

ينظر: المقدمة، لابن خلدون ص151.

[10]

الآخية، والأخية: بالمد والتشديد: عود يعرض في الحائط.. تشد إليه الدابة، قال الأزهري: وسمعت العرب تقول للحبل الذي يدفن تحت الأرض مثنيا ويبرز طرفاه الآخران.. شبه حلقة وتشد به الدابة: أخية. انظر: تهذيب اللغة ج7/620،621.

[11]

صحيح البخاري، الفتن رقم 6531، ومسلم الإمارة رقم 3438.

ص: 470

[12]

ورواه البخاري، كتاب الديات، رقم 6370، وأحمد رقم 24301، ورواه غيرهم.

[13]

سنن النسائي كتاب تحريم الدم رقم 3954.

[14]

نقلا عن: الأمر بلزوم جماعة المسلمين للشيخ عبد السلام بن برجس ص38.

[15]

الآداب الشرعية لابن مفلح 1/175،176.

[16]

صحيح مسلم، الأقضية، رقم 3236، مسند أحمد، باقي مسند المكثرين رقم 8444، موطأ مالك، كتاب الجامع، رقم 1573.

[17]

مسائل الجاهلية، ضمن مجموعة التوحيد النجدية، ط السلفية، القاهرة، 1375هـ، ص236-237.

[18]

الدرر السنية، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7.

[19]

المصدر السابق.

[20]

وينظر: حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز تأليف رابح لطفي جمعة، ص39-51.

[21]

ينظر: لماذا تقدم المسلمون ولماذا تأخر غيرهم، تأليف الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت 1965م، ص163-166.

[22]

يمير: يا أمير.

[23]

لسراة الليل هتف الصباح، عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، ص86-87.

[24]

الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، خير الدين الزركلي، ط2، ص141.

[25]

الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ط2 ص334.

[26]

ينظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم، ط/3، ص60-61، فقد قال:روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، وعن أبي هريرة: مكتوب فيه لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

[27]

تفسير ابن كثير 4/27،28، وهو في مسند أحمد، مسند بني هاشم، برقم 1904، وبرقم 3244، وفي سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن برقم 3156، وقال الترمذي حسن صحيح.

[28]

الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص80

[29]

المصدر السابق.

[30]

ينظر: الرسالة للإمام الشافعي تحقيق أحمد شاكر ص80-81، والسنة، لمحمد بن نصر المروزي، ص7.

ص: 471

[31]

انظر: ابن بشر، " عنوان المجد (ج1/11،12) ، وطبع وزارة المعارف، (1/24) ، وروضة ابن غنام، (1/3)

[32]

ابن بشر، عنوان المجد 1/12.

[33]

عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، لسراة الليل هتف الصباح، الملك عبد العزيز، دراسة وثائقية، ص526. وانظر: نجد وملحقاته، وسيرة الملك عبد العزيز

أمين الريحاني ط3، ص435-436.

[34]

العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه سعد بن عبد العزيز ابن رويشد، ص108-110.

[35]

تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، تأليف صلاح الدين المختار، منشورات دار الحياة بيروت، 2/152-155، وينظر الدرر السنية، لابن قاسم ط2، 7/305-308.

[36]

ينظر: نص الرسالة كاملا، في الدرر السنية، 7/265-272، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، ط/المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، ص578-580، 596-599.

[37]

الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع ابن قاسم، ط2/1385هـ، 7/283،292.

[38]

العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه سعد بن عبد العزيز بن رو يشد ص122-123.

[39]

ينظر: المصحف والسيف ص58،59. وتاريخ ذلك فهو شاهد لا يجحد.

[40]

العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين، ص84-85.

[41]

ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ تأليف الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت 1965م.

[42]

ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم، ص63.

[43]

ينظر: المصدر السابق، حاشية رقم 1.

[44]

ينظر المصدر السابق.

[45]

الاستقامة، ط1، 1/37-38.

[46]

المصحف والسيف ص84.

[47]

المصدر السابق ص85.

[48]

المصدر السابق ص74.

[49]

المصدر السابق ص55-56.

[50]

المصدر السابق ص56.

ص: 472

[51]

المصدر السابق ص76.

[52]

تقدم ذكره وتخريجه، أول هذا البحث ص30.

[53]

المصدر السابق ص56.

[54]

أثر الدعوة الوهابية، المرجع السابق ص110،111.

[55]

ينظر: الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتحذير من مفارقتهم، تأليف عبد السلام ابن برجس آل عبد الكريم، ص70.

ص: 473

الجانب الديني

في حياة الملك عبد العزيز

وأثره في توحيد البلاد

إعداد

الدكتور/ خالد محمد الصاعدي

بسم الله الرحمن الرحيم

((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، وأثره في توحيد البلاد))

المقدمة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد: فليس ثمة شك أن قيام المملكة العربية السعودية، وتوحيدها تحت هذا الاسم، يعدّ من الأحداث التاريخية الهامة في تاريخنا الإسلامي الحديث، لما لهذا الحدث من أهمية كبيرة وآثار بعيدة المدى، حيث ظهرت من خلال هذا التوحيد على الساحة الدولية دولة إسلامية عربية حديثة، جُمِع فيها شمل الجزيرة العربية ووُحِّد معظم أجزائها، وذلك يوم الخميس الموافق للحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1351هـ،على يد موحد هذا الكيان الشامخ الملك:"عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد ابن سعود".

ص: 474

ولا شك أن لهذه الجزيرة العربية أهمية كبيرة ودوراً إيجابياً كبيراً في الاهتمام بالإسلام والمسلمين وما ينفعهم في دينهم ودنياهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لما لهذه الجزيرة العربية من مركزية في العالم الإسلامي، بوصفها مهد الحضارة الإسلامية، وأرض الحرمين الشريفين، اللذين تتعلق بهما قلوب المسلمين أينما كانوا، الأمر الذي يجعل أثر أي تطور حضاري لهذه الجزيرة يمتد إلى بقية أرجاء العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يعاني من وطأة الاستعمار وتسلطه وآثاره.

من هذا المنطلق كانت الملحمة التاريخية العظيمة التي صنعها الملك عبد العزيز ـ بعد توفيق الله تعالى ومشيئته وفضله ـ فوحّد هذا الكيان الكبير وأنقذه ـ بفضل الله تعالى ـ من غياهب التشتت والضياع إلى مرافئ الوحدة والأمن والأمان والرقي والحضارة المتأصلة بثوابت الدين وصدق الإيمان وركائز العلم.

ولا شك أن ذلك لم يكن ليتم لولا فضل الله تعالى ثم تمسك الملك عبد العزيز بدينه وإيمانه العظيم بالله واستعانته به ـ جلّ شأنه ـ وتطبيقه حكم الله ـ تعالى ـ وجعل دستور هذه البلاد القرآن الكريم والسنة النبوية، واهتمامه العظيم بالجانب الديني في أقواله وأفعاله، ومعاملاته، واهتمامه بالمسلمين، وتطبيقه لمنهج الإسلام عقيدةً وشريعةً وعملاً، وحبه للعلم وتقديره للعلماء، الأمر الذي مكّن له في هذه الأرض بقدرة الله تعالى وقوته.

وهذا ما سوف ألقي الضوء عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ من خلال هذا البحث الموسوم بـ: "الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، وأثره في توحيد البلاد"

أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا البحث محققاً للهدف المنشود الذي من أجله كُتب، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السيل.

((شخصية الملك عبد العزيز))

ص: 475

ولد الملك عبد العزيز في مدينة الرياض عام 1293هـ ـ 1876م، وقيل عام 1297هـ ـ 1880م، وكانت ولادته في وقت تحالفت فيه الشدائد ضد أسرته، فنشأ نشأة قاسية كان لها أثر كبير في تغلبه على الصعاب التي لاقاها في مستقبل حياته.

وقد تتلمذ في مطلع حياته على يد شيخ من أهل الخرج، كان مقيماً في الرياض اسمه "عبد الله الخرجي"وتعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ سوراً من القرآن الكريم، ثم تلقن بعض أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ "عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، كما تعلم مبادئ الفروسية على يد والده، عندما رحل من الرياض إلى الكويت سنة 1309هـ، وكان يحكمها الشيخ "مبارك الصباح".

كان رحمه الله طويل القامة، عريض المنكبين، صحيح الجسم، مهيب الطلعة، متناسب الأعضاء، حسن الوجه، أبيض البشرة، أسود الشعر، خفيف اللحية والعارضين، بارز الصدر، مفتول الساعدين والساقين، قسمات وجهه تدل على البشاشة والسماحة، والذكاء والنبوغ والفراسة، جهوري الصوت، الابتسامة لا تكاد تفارق شفتيه.

في الكويت فكر الفتى عبد العزيز فيما حل بالأمة من ضياع ديني وأمني، فالعقيدة استبيحت حوزتها، وكادت تمحى معالمها، وأصبح ضعيف الناس نهباً لقويهم، فكان يراوده الأمل في تطهير العقيدة مما ران عليها من أدران الشرك والانحراف، وفي بسط الأمن في ربوع وطنه، وعندما اشتد ساعده رأى أن يحوّل الأمل إلى حقيقة، فزحف إلى الرياض مع أربعين من أهل بيته وأقربائه وأخلص الرجال وأصدقهم، وتمكن بفضل الله ـ تعالى ـ ثم بواسطتهم من استعادة الرياض في 5 شوال 1319هـ.

ص: 476

ولا شك أن عملية استرداد الرياض، وما دار فيها من أحداث، تظل من أروع ما عرفه تاريخ المملكة في ميدان البطولة والتضحيات، وتعتبر مصدر فخر واعتزاز للملك عبد العزيز الذي استعان بالله ـ تعالى ـ ثم بقناعته وإيمانه بالقضية التي خرج من أجلها، وهي إعادة توحيد البلاد من جديد تحت راية آل سعود، فكان له ما أراد بتوفيق الله تعالى.

وعندما نتعرف على الكيفية التي أتم بها الملك عبد العزيز توحيد هذا الكيان على أساس من العقيدة الإسلامية، فإننا نجده وقد حرص على تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها، فكان نصر الله الذي وعد به عباده المؤمنين في محكم التنزيل:{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ، فقد انطلق يحمل شعار التوحيد ويتخذ القرآن منهجاً وسلوكاً، إلى جانب النوايا الحسنة الصادقة التي تستهدف توحيد هذا الكيان وجمع شتاته، فكان رحمه الله كثير الصلاة والتعبد، وكان من عادته أن ينهض قبل الفجر بساعة فيقرأ ما تيسر من القرآن الكريم، فإذا أذّن المؤذن أدى فريضة الصلاة، ثم ينصرف إلى بيته فيقرأ ـ أيضاً ـ شيئاً من القرآن الكريم وبعض الأوراد الصحيحة، ثم تعرض عليه بعض الأمور العاجلة فيبتّ فيها.

ص: 477

وهكذا نلحظ أن من هدى القرآن الكريم جاءت شخصية الملك عبد العزيز لتحقق للأمة الحاجة الماسة إلى القائد الذي يهتدي بهدى القرآن، وقد جاءت هذه الشخصية في وقت كان الشعور الواحد، والغرض المتحد هما أساس الوحدة المعنوية والصلة النفسية اللتين اعتمد عليهما الملك عبد العزيز في بناء الدولة الإسلامية، وذلك عندما تحالف جده الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نشر كلمة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أراد الله لهذه الأمة خيراً بأن كتب لهذه الجهود كامل النصر والتأييد والتوفيق في جميع المعارك التي خاضتها حتى غمرت هذه الدعوة أرجاء الجزيرة العربية، وظهرت دعوة سلفية تدعو الناس إلى الدين وإخلاص العبادة لله وحده، ونبذ ما شاب العقيدة من مظاهر الشرك، ومنذ يومئذٍ مضى آل سعود في نشر العقيدة السلفية، وفتح البلاد المجاورة باسم الدعوة، فقامت دعوتهم على هذا الأساس، وبسطوا نفوذهم على جميع أنحاء الجزيرة العربية تقريباً.

ص: 478

وهكذا سار الملك عبد العزيز ـ طيّب الله ثراه ـ على نهج من سبقه، وسلك طريق الدعوة إلى الله، ومناصرة الحق والعدل والذب عن العقيدة، واتخذ القرآن منهجاً وسلوكاً، وانطلق يحمل شعار التوحيد ويحكم القرآن والسنة ويطبق شريعة الله الخالدة، وقاد السفينة نحو الخير والإصلاح والاستقرار ونشر العلم، وحفلت سيرته وحياته بالجهاد والبناء والعطاء، فلقد سخر جهوده في خدمة الدين والأمة، وركز اهتمامه على قضايا الإصلاح والأمن والوحدة والنهضة والبناء والتعليم والمعرفة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى غرس في هذه الأرض الطيبة المباركة أعظم وحدة في تاريخ هذه البلاد، فقد حوّل ـ بتوفيق الله ـ ضعفها إلى قوة، وتمزقها وتشتتها إلى كيان كبير قوي راسخ مؤثر، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية اليوم نموذجاً رائعاً ومثلاً فذاً حقيقياً، لأنها نموذج شامخ للدولة التي تقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وتأخذ بحظها الوافر من الحضارة والمدنية وأسباب التقدم والازدهار.

وهكذا كان الملك عبد العزيز مؤمناً بالله حق الإيمان، متوكلاً عليه حق التوكل، يتقيه في كل أموره، في حروبه وفتوحاته، في معاملته لأهالي البلاد التي يفتحها، يتبع أوامر الشريعة بكل تفاصيلها، كان صادق النية في كل آماله وطموحاته فلقد كان يبغي وجه الله وإعلاء راية التوحيد ونشر الدعوة الإسلامية بعيداً عن البدع والمستحدثات التي انحرفت بالدين، ولقد جعل الملك عبد العزيز الدين هدفاً له ومطلباً عظيماً، بحيث كلما وسّع ورسّخ ملكه عظمت خدمته للإسلام بما كان يقوم به من أعمال. ولهذا وفقه الله وسدد خطاه ونصره وأيده لأنه لم يكن يعتبر الملك إلا وسيلة لرفع شأن دين الإسلام وتطبيق شرائعه السمحة، مصداقاً لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) .

(1) سورة العنكبوت؛ آية: 69.

ص: 479

وهكذا يكون أثر العقيدة الإسلامية الصحيحة، عقيدة السلف الصالح، لأنها قطب رحى المسلمين، فعند تحقيقها تماماً، يهيئ الله ـ تعالى ـ لمن يفعل ذلك التمكين والإمامة في الأرض، وهذا وعد الله ـ تعالى ـ لا يخلف الله الميعاد، قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) .

((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز من خلال أقواله رحمه الله)

نستطيع أن نسبر أغوار شخصية الملك عبد العزيز الفذة، من خلال الأحاديث والكلمات والخطابات التي قالها وكتبها في حياته لرسم سياسة المملكة ومنهجها، ومخاطبة المواطنين والرؤساء والملوك، حيث نستعين بها لإلقاء الضوء على جوانب شخصيته الدينية، فمن أولى المزايا التي تميز الملك عبد العزيز ما كان يتمتع به من قوة الإيمان بالله ـ تعالى ـ، حيث ظهر حرص الملك عبد العزيز رحمه الله على الالتزام بالشريعة الإسلامية في أقواله وأفعاله، وفي نفسه وشخصه، وفي كتاباته وآرائه السياسية وغيرها، حتى أصبح مضرباً للأمثال في العدل والحكم، منصفاً للمظلوم آخذاً الحق له، لا يخشى في الحق لومة لائم، مطبقاً للشريعة الإسلامية بحذافيرها على الصغير والكبير، والغني والفقير، لا فرق عنده بين أحد أفراد أسرته، وبين أحد أفراد الشعب كلهم في الحق سواء، كان ورعاً تقياً، يزرع لآخرته ويتزود لدار البقاء.

والآن إلى توضيح الجانب الديني في أقواله رحمه الله:

(1) سورة النور؛ آية: 55.

ص: 480

لقد ذكرت أكثر الكتب التي ترجمت للملك عبد العزيز رحمه الله أن دراسته للقرآن الكريم بدأت منذ سن الخامسة، وأنه تمكن من ختم القرآن في عامه الحادي عشر، حيث قرأه كاملاً على الشيخ محمد بن مصيبيح، وكان شغوفاً جداً بالتفسير والعلوم الدينية.

يقول الشيخ سليمان بن سحمان: "علمت من الملك عبد العزيز أنه يحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، ويحفظ (الرحبية) في الفرائض، وتعلم (زاد المعاد) في الفقه، ويحفظ من كتب الأحاديث (الأربعين النووية) ، و (بلوغ المرام) ، وكان يحب قراءة (البداية والنهاية) لابن كثير، و (تاريخ الرسل والملوك) للطبري، و (السيرة) لابن هشام، و (المغني) و (الشرح الكبير) و (الإنصاف) ، و (تفسير ابن كثير) ، و (البغوي) ، وكان يحب من الشعر ما تميز بالطابع الإسلامي والنصائح".

ولا شك أن رجلاً بهذه النشأة الدينية في صغره، لحريٌّ به أن يجعل الجانب الديني أهم أهدافه، بل أهم أعمدة حكمه لمملكته، حيث كان منذ الأيام الأولى من حياته حتى نهايتها مسلماً تقياً ورعاً ملتزماً بتعاليم الإسلام السمحة.

فمن جملة أقواله المأثورة رحمه الله والدالة على تمسكه بالعقيدة السلفية قوله: "إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة

، وإنني أودّ أن نفنى أنا وأولادي في سبيل الله، المسلم لا يبيت في فراشه إلا على نية الجهاد".

ومن خطبة له يقول: "أنا مبشر أدعو لدين الإسلام، ولنشره بين الأقوام".

"أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين، أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين".

"أنا مسلم وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين ولو على يد عبد حبشي، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي ضحية في سبيل ذلك".

ص: 481

ومما يؤكد تمسكه بالجانب الديني في أقواله، والتزامه بالإسلام وتعاليمه، قوله:"أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا التمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا".

ويقول: "ليس لهذا الملك وعظمته عندي من قيمة، وإنما الذي أحبه وأريده هو رضا الله تعالى".

ويروي بعض من ترجم للملك عبد العزيز رحمه الله أنه شوهد وهو يتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله قائلاً: "اللهم إن كان هذا فيه مصلحة للمسلمين فأبقه لي ولأولادي من بعدي، وإن كان فيه شر للمسلمين فانزعه مني ومن أولادي من بعدي".

ولاشك أن هذا المنطق العظيم لا يصدر إلا عن شخصية إسلامية عظيمة، عمر قلبه بالإيمان والتقى والورع والزهد.

ويقول في موضع آخر: "أنا مسالم ومدافع، أنا مسالم للناس وأحب النصيحة قبل كل شيء، لأن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

وقد أعلن الملك عبد العزيز رحمه الله مراراً على الملأ بأن دستور المملكة العربية السعودية هو تنفيذ ما جاء في الكتاب والسنة، وحرص بنفسه على الوقوف والمتابعة لتنفيذ هذه الأسس، وأقسم على الإخلاص لهذا المبدأ قائلاً:"اللهم إنك تعلم أني أحب من تحب، وأبغض من أبغضت، اللهم إن كنت تعلم أن ما سأقسم عليه اليمين هو عقيدتي التي أعتقد أن تؤيدني وتنصرني، وإن كنت تعلم أن ما أقسم عليه مخالف لما أعتقد، أن تكفي المسلمين سوء هذا العمل".

ومما يؤكد اهتمامه برعيته المبني على إيمانه بالله وتقواه لربه ـ جلّ شأنه ـ قوله: "إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية، إن الملك لله وحده، وما نحن إلا خدم لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم، فنكون قد خُنَّا الأمانة المودعة إلينا".

"إننا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنما يهمنا القيام بحق الواجب لكلمة التوحيد، والنظر في الأمور التي توفر الراحة والاطمئنان لرعايانا".

ص: 482

"أوصيكم بالتناصح فيما بينكم، وأوصيكم بالتحاب، وإن بابي مفتوح لكل واحد منكم".

"يعلم الله أن كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني وكل أذى يمسها يؤذيني".

"إن من حقكم علينا النصح لنا، فإذا رأيتم خطأً من موظف، أو تجاوزاً من إنسان، فعليكم برفع ذلك إلينا لننظر فيه، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم ووطنكم وولاتكم".

"إن خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص".

ويقول: "التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالاً للنفعيين، فيجعلون الحق باطلاً، ويصورون الباطل حقاً".

"إنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد، وأوسطكم أخاً، وصغيركم ابناً، فكونوا يداً واحدة، وألفوا بين قلوبكم، لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا".

ومن كلماته التي توضح المنهج الذي سار عليه الملك عبد العزيز وانتهجته المملكة العربية السعودية حتى الوقت الراهن، قال حين دخل مكة:"نحن دعاة ولسنا بحكام، دعاة لدين الله، والإخلاص لعبادة الله، ولم نقدم من ديارنا إليكم إلا انتصاراً لدين الله".

ويقول أيضاً: "أنا قوي بالله ـ تعالى ـ ثم بشعبي، وشعبي كلهم كتاب الله في رقابهم، وسيوفهم بأيديهم، يناضلون ويكافحون في سبيل الله، ولستُ أدَّعي أنهم أقوياء بعددهم أو عدّتهم، ولكنهم أقوياء ـ إن شاء الله ـ بإيمانهم".

كما قال رحمه الله في مقدمة خطبة ارتجلها في منى يوم 10 ذي الحجة 1359هـ: “ {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم} ، فإذا أردتم أيها المسلمون النجاح والفلاح في دينكم ودنياكم ومعاشكم، فكونوا مؤمنين غير منافقين، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وكونوا عباد الله إخواناً، واعلموا أن الله يعطي الدنيا للبار والفاجر، ولا يعطي الدين إلا للبار، فأدعوكم جميعاً إلى الإخلاص للدين أولاً، وإلى التآخي والتناصح والجمع بين القلوب ثانياً".

ص: 483

ومن أقواله المؤيدة لما سبق في هذا الخصوص: "إننا نعتصم بحبل الله ومن اعتصم بالله فهو حسبه".

ومن أقواله الدالة على ثقته بالله ـ تعالى ـ وإيمانه القوي واطمئنانه لنصر الله تعالى لعباده المؤمنين، قوله: "إذا كنا نعتقد أن النصر وقف على العدد والعدة، فعلينا ألاّ نمضي خطوة واحدة في هذا السبيل، أما إذا كنا نؤمن بأن النصر بيد الله، فيؤتيه من يشاء، فقد وعدنا الله بالنصر في قوله ـ جلّت قدرته ـ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فما علينا إلا أن نثق بوعده ونعتمد عليه وحده وحاشا أن يخذلنا أو يتخلى عنا

".

ص: 484

ومن جملة اهتماماته بالتوحيد الخالص ونبذه للبدع والشركيات والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قوله:"إنني والله لا أحب إلا من أحب الله خالصاً من الشرك والبدع، وأنا والله لا أعمل إلا لأجل ذلك، ولا يهمني أن أكون ملكاً أو فقيراً، ووالله ثم والله إني لأفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض وأعبد الله وحده من أن أكون ملكاً على سائر الدنيا وما فيها، إنني أفخر لكل من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين وأعتز بهم، بل أخدمهم وأساعدهم وأؤيدهم، وإنني أمقت كل من يحاول الدرس على الدين وعلى المسلمين ولو كان من أسمى الناس مقاماً وأعلاهم مكانة، إنني أدعو المسلمين جميعاً إلى عبادة الله وحده، والرجوع للعمل بما كان عليه السلف الصالح، لأنه لا نجاة للمسلمين إلا بهذا، وأسأل الله ـ تعالى ـ أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، إن المسلمين لا يرقون ولا ينهضون بالبهرجة والزخارف، إن سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص والخروج من أسر البدع والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله الكريم، إن تقدم المسلمين ونهوضهم هو من الأمور التي ما برحنا ندعو إليها ـ إن شاء الله ـ ولا نهوض للمسلمين بغير الرجوع إلى دينهم والتمسك بعقيدتهم الصحيحة والاعتصام بحبل الله، والطريق إلى ذلك واضح لمن أراد سلوكه، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالتوحيد الخالي من الشرك والبدع، والعمل بما يأمرنا به الدين، لأنه لا فائدة من قولٍ بلا عمل".

وقوله أيضاً: "نحن دعاة إلى التمسك بالدين الخالي من كل بدعة".

ص: 485

ويقول رحمه الله في إحدى خطبه التي ألقاها في القصر الملكي بمكة المكرمة في أول ذي الحجة عام 1347هـ: "إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينئذ أتقدم إليهم فأسير وإياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها

، والله إنني لا أحب الملك وأبهته ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد

، ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك، وليتفقوا فإنني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك أو أمير أو زعيم، بل بصفة خادم، أسير معهم أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين".

ما أروع هذه الكلمات التي تؤكد عظم الإيمان في النفس البشرية، واستحواذ العقيدة الإسلامية على فكره وحياته كلها، بل إن العقيدة كانت القاسم المشترك الأعظم في جميع خطاباته وكلماته وأحاديثه ومواقفه، حيث يقول في ذلك: "

فعقيدة التوحيد هذه هي التي تنجينا مما نحن فيه من محن ومصائب".

وقد عزا رحمه الله سر فتوحاته وانتصاراته إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يؤكد سلامة المنهج وحسن المعتقد، حيث يقول:"لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية، وقد تألّب عليّ الأعداء، ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي وفتحت هذه البلاد، ولم يكن عندي من العتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد".

وما يُدَلِّل على التزامه بالتوحيد الخالص عقيدة وسلوكاً: أنه كان في إحدى زياراته للخرج في أواخر عام 1363هـ دخل عليه شاعر من أهل نجد، وفي يده قصيدة استأذنه في إلقائها وابتدأ بمطلعها:

أنت آمالنا ومنك الرجاء..

فصاح الملك: "تخسأ، تخسأ، ولمح في المجلس الشيخ حمد الجاسر، فقال له: خذه علّمه التوحيد يابن الجاسر ".

ص: 486

فالملك عبد العزيز رحمه الله يدرك أن هذه الألفاظ من معاني توحيد الألوهية، ومن أنواع العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها أو نسبته لغير الله تعالى.

ويروي فهد بن محمد الربيعان أن رجلاً قابل الملك عبد العزيز وهو خارج من مسجد العيد، وشرع يمتدحه بكلمات منها:

يا ملك الملوك أنت ملاذنا ويا سيد السادات يا سيد البشر

فغضب الملك عبد العزيز غضباً شديداً، ووقف يؤنب الرجل بقوله:"ملك الملوك هو الله جل جلاله فهو ملاذنا وإليه منقلبنا، وسيد البشر هو: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والشرك بالله ظلم عظيم، والكذب والنفاق حرام"، فانصرف الرجل وهو يتصبب عرقاً من الخجل.

وهكذا تكون العقيدة الصحيحة العميقة في نفس الملك عبد العزيز رحمه الله وعدم تهاونه في ذلك أو تأثره بقول مادح أومداهن، وعدم السكوت على ما يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة أو يقدح في العقيدة، والتنبيه لذلك وأخذ الحيطة والحذر.

وكان دائماً يقول رحمه الله: "أنا شخص ليس يهمني سوى إقامة كلمة التوحيد".

وبهذا الإخلاص لله والنهج السلفي خاض الملك عبد العزيز معركة التجديد والتمدن ببراعة وورع وتقوى لله، وفي هذا الصدد يقول:"إن التمدين الذي فيه حفظ ديننا وأعراضنا وشرفنا مرحباً به وأهلاً، وأما التمدين الذي يؤذينا في أدياننا وأعراضنا وشرفنا، فوالله لن نذعن له، ولن نعمل به، ولو قطعت منا الرقاب".

ص: 487

وهذا القول يؤكد بجلاء على ما كان يتمتع به الملك عبد العزيز من نظرة ثاقبة وبعد نظر، حيث أن الأخذ بما هيأ الله ـ تعالى ـ وسخره من الوسائل الحضارية الحديثة، والإفادة بما لدى العالم الآخر من مخترعات وتقنيات، كاستعمال البرق (التلغراف) ، والتلفون، والسيارات، والطائرات، والدراجات، وأمثالها من الوسائل الحضارية، ومن ذلك أنه لما انتشر استعمال المذياع أنشأ محطة للإذاعة اللاسلكية بجدة، لتكون أداة للتوجيه السليم، وإيصال صوت المملكة إلى العالم الخارجي، وكانت الإذاعة قد بدأت ببث برامجها المنتظمة في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد التاسع من ذي الحجة عام 1368هـ، وكانت أول كلمة تذاع من خلالها هي كلمة الملك عبد العزيز، التي ألقاها نيابة عنه سمو الأمير فيصل، وجاء فيها: "أحمد الله الذي جعل هذا البلد الحرام مثابة للناس وأمناً، أحمده وأشكره، والشكر لنعمائه أن يسر للناس حج بيته العتيق، وجعل قلوبهم تهفو إليه، ليشهدوا منافع لهم، وتتآلف قلوبهم بذكر الله في هذه البقاع الطاهرة التي كانت منزلاً للوحي لهدي الناس أجمعين، وأصلي على رسول الله الذي بعثه بالهدى ودين الحق، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نخاطب إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذا البلد الحرام في هذا اليوم المبارك، ونتناصح ونتواصى بالبر والتقوى، وندعو الجميع للتمسك بكتاب الله وإخلاص العبادة له".

وكان رحمه الله يقول: "لا مانع من أن نأخذ من غيرنا المفيد، فالحكمة ضالة المؤمن". وهكذا كانت الإذاعة عاملاً مهماً للاتصال بالمسلمين، وتوضيح أمور العقيدة لهم من خلال البرامج الدينية التي كانت تمثل القدر الأكبر من مدة الإرسال، حيث وصلت نسبتها كما يذكر أحد الباحثين إلى 75% من جملة البرامج، بينما كانت النسبة الباقية للأخبار والتحاليل الإخبارية المحلية والعربية والعالمية.

ص: 488

وعن مدى تأثير الإذاعة في المجتمع السعودي خاصة وفائدتها المرجوة، يقول الدكتور محمد عوض إبراهيم: "استطاعت ـ أي الإذاعة ـ أن تقف لمظاهر الانحراف والتسيب بالمرصاد، لتواجه السلوكيات الشاذة والبالية باستمرار، وذلك من طريق إذاعة أخبار الحوادث من قتل وسرقة

الخ، وإقامة الحدود، وتطبيق الشريعة الإسلامية".

وكان يواجه رحمه الله من يعترض عليه في استعمال الوسائل الحديثة كاللاسلكي وغيره، برأي العلماء، حيث طلب منهم أن يوضحوا رأي الإسلام في ذلك، فأفتى العلماء بأنهم لم يجدوا في القرآن أو السنة أو قول أحد العلماء ولا من أخبار العارفين دليلاً على التحريم، وأن من يقول بالتحريم يفتري على الله الكذب ونبرأ إلى الله منه.

وكان يقول دوماً للعلماء: "إياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئاً من الحق تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمراً يعتقد أنه يخالف الشرع فعليه من الله اللعنة،

أظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم

".

وكان يقول: "هل هناك أعظم من التمدن الذي ورد في كتاب الله".

وهكذا تتجلى لنا النية الصادقة الخالصة، والغرض النبيل، والعمل الصادق، واليقين بما عند الله ـ تعالى ـ، لذلك أخذ الله بيده ووفقه في جميع أموره وفتوحاته، مصداقاً لقوله ـ تعالى ـ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} .

ص: 489

وتقوى الله ـ تعالى ـ لها صلة وثيقة في القول والعمل، وقد اشتهر عن الملك عبد العزيز أنه ملك فعال، ولا شك أن الملك الفعال خير من الملك القوال، وفي ذلك يقول الملك عبد العزيز من مأثور كلماته:"أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، فأنا رجل عملي إذا قلت فعلت، وعيب عليّ في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل، لأن هذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبداً"(1) . ويقول: "إن كل كلام لا يتبعه فعل فهو باطل، ولا صلاح للمسلمين إلا باتحادهم واتفاق الكلمة على توحيد ربهم"، والملك عبد العزيز كثيراً ما يؤكد على الصراحة وارتباطها بالصدق في الشخصية الإسلامية حينما يقول:"يجب على كل إنسان أن يقول ما في ضميره بصراحة تامة، وألاّ يخشى في الحق لومة لائم".

ومما يضاف إلى تلك الكلمات الخالدة العظيمة الدالة على إخلاصه لله وحده، وتمسكه بعقيدته الإسلامية، خطبته الشهيرة عندما دخل مكة المكرمة، حيث كتب إلى جميع الملوك والأمراء المسلمين يخبرهم أنه سوف ينتقل إلى مكة غير باغٍ ولا آثم، ودعاهم إلى إرسال من يمثلوهم في المؤتمر الذي سيعقد في مكة لنشر الإسلام بين الأمم الإسلامية، ففي تلك الخطبة يقول: "إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا الشرع، ويجب أن نطأطىء جميع الرؤوس له،

، ثم استطرد قائلاً:"الذي أبغيه من هذه الديار أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، أما في الأمور الفرعية، فاختلاف الأئمة رحمة".

(1) عبد العزيز شرف: الملك عبد العزيز آل سعود وعبقرية الشخصية الإسلامية (419) .

ص: 490

ومن خطبة له بمكة يقول: "أنا بذمتكم وأنتم بذمتي، والدين النصيحة، أنا منكم وأنتم مني، هذه عقيدتنا في الكتب بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردوه علينا، وما أشكل عليكم منها فسلونا عنه، والحكم بيننا وبينكم في كتاب الله وحده، وما جاء في كتب الحديث والسنة".

ويقول: "ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين، كنا عبيداً للعجم، ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته واتباع محمد، ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا ولا ننساهما ".

"كل حرية باطلة إلا حرية الإسلام، والإنسان لا ينفع إلا بالدين، ونحن لا نبغي محاربة أوروبا، وإنما نطلب حقوقنا باتحادنا، فنعتصم بالله، والإسلام أكبر وسيلة وأكبر حصن، هو أكبر مزايا الحسب والنسب، فيجب على المسلم محبة دينه وشعبه ووطنه".

وفي خطبة أخرى ارتجالية، كسائر خطبه التي يلقيها، يعلن الملك عبد العزيز رحمه الله جملة الخلاف الذي يحمل السلاح من أجله، وصلة ذلك بالعقيدة الإسلامية، حيث يقول:"يقولون أننا لا نصلي على محمد، وأنا نعد الصلاة عليه شرك بالله، نعوذ بالله من ذلك، ويقولون أننا ننكر شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، معاذ الله أن نقول هذا، وإنما نطلب من الله أن يشفع فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونقول: اللهم شفع فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} ، وندعو الله أن يشفع فينا الولد الصغير، ونقول: اللهم اجعله فرطاً لأبويه، ولا نطلب الشفاعة من الطفل، وأما محبة الأولياء الصالحين فمن ذا الذي يبغضهم؟ ولكن محبتهم الحقيقية هي العمل بما عملوا به واتباع سنتهم في التقوى، هذا الذي نحن عليه، وهذا الذي ندين لله به، فإن كان عندكم ما ينقضه في كتاب أو سنة فأتونا به لنرجع إليه". ثم قال: "أعيذكم بالله من التقية، لا تكتموا علينا شيئاً".

ص: 491

وهذا يوضح المعتقد الصحيح والمنهج السليم الذي كان يتجلى في شخص الملك عبد العزيز رحمه الله، حيث كان همه الأوحد إعلاء كلمة الدين وتمسكه به، يقول في ذلك:"كل همي موجهٌ لإعلاء كلمة الدين وإعزاز المسلمين".

وكان يقول في جملة حديث له: "

آمر بما أمر به الإسلام، ناهٍ عما نهى عنه الإسلام، غير منتصر لآبائي وأجدادي، أو لنعرة جاهلية أو لمذهب من المذاهب غير الكتاب والسنة".

ويقول ـ أيضاً ـ: "إنني ـ إن شاء الله ـ أحب أن يكون دين الله منصوراً، وكلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر، وأن الله ـ تعالى ـ يديم علينا وعليكم نعمة التوحيد".

ويدلل على تمسكه بالجانب الديني في حياته كلها قوله: "

فالحياة التي تسير على أساس الدين هي القوة، أما الحياة التي تسير على غير الدين، فهي كالمطر الذي يقع على السبخة فلا يجدي ولا يثمر".

وكان يدعو رحمه الله في الوقت نفسه إلى الأخذ بأسباب القوة في مختلف الأنشطة والأصعدة، وعدم الركون والاستكانة، فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، عملاً بقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} .

وبالتوحيد الخالص أقام هذا الملك ـ موحد هذا الكيان الشامخ ـ ملكه عقيدة وسلوكاً، ففي شهر جمادى الأولى عام 1343هـ اجتمع خمسة عشر من علماء مكة بسبعة من علماء نجد، وأصدر علماء مكة بياناً جاء فيه: "قد حصل الاتفاق بيننا وبين علماء نجد في مسائل أصولية منها:

ـ إن من جعل بينه وبين الله وسائط من خلقه يدعوهم ويرجوهم في جلب نفع أو دفع ضر فهو كافر حلال الدم والمال.

ـ وإن البناء على القبور واتخاذ السرج عليها وإقامة الصلاة فيها بدعة محرمة في الشريعة الإسلامية.

ـ وإن من سأل الله بجاه أحد من خلقه فهو مبتدع مرتكب حراماً".

ص: 492

ولا شك أن هذه الأمور المتقدمة تعتبر أساساً مهماً في عقيدة المسلم، يجب أن يلتزم بها، ويبتعد عما يخدش في دينه أو يؤثر في عقيدته، وهكذا يكون ـ أيضاً ـ الحوار البناء الهادف بمباركة وموافقة من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث إن هذا البيان كان بطلب من أحد علماء الحجاز، فقد قال للملك عبد العزيز:"اجمعنا بعلماء نجد نتباحث وإياهم في الأصول والفروع"، فأجابه الملك:"قريباً تجتمعون".

ومن هنا يتضح لنا أن الملك عبد العزيز كان يركز بقوة على منهج السلف الصالح في العقيدة، وتمسكه بتعاليم القرآن والسنة، وتأييده لعلماء الشرع في هذا الجانب الهام، وكان يقول رحمه الله:"إن أفضل البقاع هي التي يقام فيها شرع الله، وأفضل الناس من اتبع أمر الله".

ومن جملة أقواله ـ أيضاً ـ الدالة على شدة تمسكه بالجانب الديني والتزامه بالمنهج السلفي، خطبته الشهيرة في غرة ذي الحجة 1347هـ عندما خطب الحجيج بمكة، فقال:"يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأتِ محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا".

ص: 493

ومن خطبة له بمكة ـ أيضاً ـ سنة 1352هـ يقول: "هذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردونا عنه، والحكم بين وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة، إننا لم نطع (ابن عبد الوهاب) وغيره إلا فيما أيدوه بقول من كتاب الله وسنة رسوله، وقد جعلنا الله أنا وآبائي وأجدادي مبشرين بالكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي مذهب من المذاهب الأربعة، رجعنا إليه وتمسكنا به، وأما إذا لم نجد دليلاً قوياً أخذنا بقول الإمام أحمد، فهذا كتاب "الطحاوية"في العقيدة الذي نقرؤه، وشرحه للأحناف، وهذا تفسير ابن كثير وهو شافعي".

من خلال هذه الخطب يتضح تركيز الملك عبد العزيز رحمه الله على منهج السلف الصالح في العقيدة، وما كان عليه الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ والتابعون لهم بإحسان، ثم الأئمة الأربعة المقتدى بهم، ويؤكد على جهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن المملكة العربية السعودية مدينة بالفضل بعد الله تعالى لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجهوده المخلصة وتحقيقه لتوحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، وتوحيده في ألوهيته بإفراده العبادة لله وحده لا شريك له، فهو حامل لواء العقيدة السلفية، وما كان لها من آثار عظيمة في العالم الإسلامي، فحريٌّ به أن يوصف بـ:"داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث".

ص: 494

هذه هي نماذج فقط من خطب الملك عبد العزيز رحمه الله وأقواله الدالة على شدة تمسكه بالجانب الديني من خلال تلك الخطب والأقوال المختارة، فقد استطاع بقوة إيمانه بالله، وصفاء عقيدته، ونقاء سريرته، وحسن منهجه ومقصده، أن يتغلب على كل العقبات والصعوبات التي اعترضته في سبيل توحيد الجزيرة العربية، فكان شخصية فذة بكل المعايير والمقاييس، كان ينصح دوماً رعيته بتقوى الله ـ تعالى ـ والإقلاع عن المعاصي والمحافظة على الصلوات في جماعة وأداء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان يحرص على أن يعاهده أتباعه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل عن دستور بلاده، يقول:"دستورنا القرآن الكريم"،فقد أكمل المسيرة التي بناها آباؤه من قبل، وفي ذلك يقول الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان في محاضرة له بعنوان "حقيقة دعوة التوحيد":"إن البدع المفسقة والبدع التي هي فوق ذلك والجهالات التي تسود معظم الجزيرة، ما كانت لتذهب لولا فضل الله ـ تعالى ـ ثم الثمار القوية الجادة التي ظهرت من خلال حكمة وعقل الإمام محمد بن سعود الذي ناصر الحق وحماه ودعا إليه ولم يزل الأمر على هذا ـ بحمد الله ـ حتى تسلم الأمانة الملك عبد العزيز الذي أكمل ما بناه آباؤه بقوة عاقلة حكيمة قلَّ نظيرها، فسعى إلى تشييد العلم وتأصيله بحفظ العلم والعلماء وتقديرهم وحمايتهم بروح الفهم وعمق النظرة وإدراك الواقع، ولم يزل هذا كذلك تترا حتى أصبح الأمر على ما هو عليه من صدق الدعوة وسلامة طريقها ونزاهة هدفها، فلا يحق لمغرض أو حاسد أو جاهل أن يقول غير الحق، فالباطل هو الباطل ترده الفطرة السليمة وحقائق الحال منذ ثلاثمائة عام تقريباً".

ص: 495

وهكذا كانت أقوال الملك عبد العزيز دالة ومؤكدة على التزامه بالشريعة الإسلامية وصدق النية والإخلاص لله ـ تعالى ـ في أقواله وأفعاله، ورغم جرأته في الحق وتواضعه الجمّ إلا أنه كان صارماً حازماً في تطبيق حكم الشرع، ضعيفاً أمام خشية الله ـ تعالى ـ والخوف منه، استطاع بعد أن مكنه الله في الأرض أن يقيم حدود الله، وأن يطبق شرعه على الأسس الثابتة المستمدة من الكتاب والسنة، مصداقاً لقوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} . وقوله جلّ شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

وهكذا تكون الشخصية الإسلامية الفذة المتصفة بقوة الإيمان وقوة التوحيد قولاً وعملاً، يؤكد ذلك قوله دائماً:"لقد أعطانا الله من الدنيا الشيء العظيم لا بحولنا ولا بقوتنا وإنما بحول الله وقوته".

ص: 496

تابع لجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد

((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز من خلال أفعاله ومواقفه رحمه الله))

كان الملك عبد العزيز يتمسك بعقيدة التوحيد قولاً وعملاً، ويدعو إليها، ويقول:"إن كل كلام لا يتبعه فعل فهو باطل"،فكان يبني على هذا الأساس العظيم كل قراراتِه وتصرفاته، حتى وصف بأنه "الإسلامي الداعية للحل الإسلامي".

فالعقيدة إذاً أغلى ما يملك الملك عبد العزيز، وكان يطلب ممن يلي الأمر التزام المنهج نفسه، فقد أوصى رحمه الله ولي عهده، فقال: "تعقد نيتك على ثلاثة أمور:

أولاً: نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك وأن ديدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله، وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه في أوقات فراغك، تعبّد إلى الله في الرخاء تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثانياً: عليك أن تجدّ وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً، وينبغي ألا تأخذك في الله لومة لائم.

ثالثاً: عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة

، أوصيك بعلماء المسلمين خيراً، احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتهم، واحرص على تعليم العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة، احفظ الله يحفظك".

وهكذا يقترن القول بالفعل في سبيل التوحيد الذي يعتبره الملك عبد العزيز القاعدة الرئيسة في حياة المسلمين، وكان يقظاً لكل لفظ يجرح هذا التوحيد، يتجلى ذلك في قوله:"وكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي، وكل آل سعود فداءً لهذه الكلمة لا أضن بها".

ص: 497

وهو في سبيل هذه العقيدة يقف أمام تيارات الوثنية والخرافات الشركية دون مداهنة أو مجاملة، حتى وإن كان في هذه المداهنة كسباً سياسياً، أو مغنماً شعبياً، يوضح ذلك الدكتور عبد الله التركي بقوله في كتابه "الملك عبد العزيز والمملكة المنهج القويم في الفكر والعمل":"عُرف عن كثير من الساسة الذين يهمهم الكسب السياسي ـ فحسب ـ أنهم يجاملون الناس ويداهنون العامة في أمور العقائد، بل إن منهم من يشارك العامة خرافاتها ووثنياتها رغبة في الشعبية وطلباً للتأييد، وكان من مقتضيات المجاراة العرفية في منطق السياسيين الذين يضحون بالعقيدة من أجل أهوائهم السياسية أن يجاري الملك عبد العزيز بعض الأعراف وطوائف من العوام في البدع والخرافات التي تنال من جلال التوحيد، ولكنه لم يفعل لأن التوحيد أغلى وأسمى وأعظم من أي اعتبار آخر".

ومن فرط اهتمامه وإحساسه بمعاني التوحيد، يقظته القوية لأي قول يجرح التوحيد أو يخل بالعقيدة، حيث التقى يوماً بزعيم عربي وفي أثناء الحديث أراد هذا الزعيم التأكيد على مسألة معينة، فقال مخاطباً الملك عبد العزيز:"وحياة رأسك، فرمقه الملك عبد العزيز بنظرة موحدة، وقال له: قل والله".

ص: 498

وكان الملك عبد العزيز قد عقد العزم على تطهير الجزيرة العربية من كل عرف فاسد أو تقليد أو عادة أو خرافة تفسد على الناس عقيدتهم، وهذا الفعل لا يستخدمه ولا يقوم به إلا داعية موحد لا يقايض على التوحيد بشيء، ونحن لا نتعجب من ذلك إذا ما وقفنا على الجانب الديني في أفعاله رحمه الله يظهر ذلك في حرصه على القيام بالواجبات الشرعية وسياق برنامجه اليومي، فهو يطبق ما يقول بأفعاله، فهو يحرص على توجيه الناس إلى العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص لله عز وجل علماً وعملاً، كي يكون قدوة حسنة في أفعاله، ومن هنا يكون تأثيره أكثر، فمن أمثلة جوانبه السلوكية والعملية التي كان لها تأثيرها في نفوس الناس وبالتالي تحقيق القدوة الحسنة حرصه رحمه الله على إقامة الصلاة جماعة في المسجد في أوقاتها، حتى في مباحثاته السياسية مع الأوروبيين كان يتوقف لأداء الصلاة.

ومن آثار تمسكه بالجانب الديني في أفعاله رحمه الله أنه كان يكره الغيبة في مجلسه، ويمنع المغتاب من حضور مجلسه مرة أخرى إن لم يقلع عن ذلك،وهذا يدل على تقواه لله ـ تعالى ـ حيث كان البرنامج اليومي للملك عبد العزيز يبدأ بصلاة الفجر وينتهي بصلاة العشاء وكان يتوقف وقت الصلاة في أسفاره، وكان يصلي زيادة على الفروض السنن الرواتب والنوافل، حيث يقوم كل ليلة في الثلث الأخير من الليل يصلي ويتلو القرآن، أو يقرأ في ورد خاص به إلى أن يؤذن المؤذن فيصلي السنة، ثم يصلي الفجر جماعة، ثم ينام قليلاً، وحينما يستيقظ تعرض عليه الأعمال التي تحتاج إلى سرعة البت، وفي نهاية يومه له مجلس عام يجلس فيه قارئ يقرأ من كتب مختلفة في الحديث والتفسير والسيرة والتاريخ والأدب.

ص: 499

وكان بعد أن ينتهي من كل صلاة يدعو الله قائلاً: "رب أجرني من النار"، ويكررها، ثم يقول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، ويكررها، ثم يقول:"رب اغفر لي ولوالدي".

ويروي الزركلي عن أحد المقربين إلى الملك عبد العزيز قوله: أخبرني أحد ضباط القصر الملكي، قال: رأيت الملك عبد العزيز في الهزيع الأخير من الليل عند صلاة الفجر قائماً عند الكعبة ويدعو الله قائلاً: "اللهم إن كان هذا الملك خيراً لي وللمسلمين فأبقه لي ولأولادي، وإن كان فيه شر لي وللمسلمين فانزعه مني ومن أولادي".

ومثل هذا الدعاء لا يأت إلا من رجل متمسك بأمور دينه، عنده قوة إيمان بالله، وحرص على القيام بأمور رعيته وأمته خير قيام، متديناً مستقيماً، ولهذا يروى عن الملك عبد العزيز أنه في اجتماعه المشهور مع الملك (فيصل بن الحسين) ملك العراق عام 1348هـ، اشترط الملك ألا يحضر مجلساً تعزف فيه موسيقى أو يشرب فيه دخان.

وكان رحمه الله حتى في حروبه يلتزم بتقوى الله ـ تعالى ـ فقد عرف عنه أنه لا ينتهي من معركة إلا تضرع إلى الله ـ تعالى ـ بالصلاة والشكر والبكاء، وكان يطلب من جنوده عدم مخالفتهم لتعاليم الإسلام في معاملتهم لأهل البلد الذي تدور فيه رحى الحرب والقتال، فمن ذلك توصيته لجنوده عندما اقترب من أسوار بريدة قائلاً:"إننا هاجمون على البلد فاحذروا أن تؤذوا من لا يعترضكم، أو تسيئوا إليهم بشيء، حاربوا من حاربكم، وسالموا من سالمكم، أما البيوت فلا تدخلوها، والحريم لا يعتدى عليهن، ومن يعتدي عليهن يعتدى عليه"، وتم له فتح بريدة بعد عام 1322هـ ـ 1904م.

ص: 500