المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قول فلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٤٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌قول فلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

‌قول فلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

المقدمة

إن الحمد لله نحمده نستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فإن الله عز وجل قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأنزل كتابه ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويهدي إلى صراط مستقيم.

وقد تنكبت البشرية طريق الهداية ووقعت في الغواية واستشرى فيها الفساد في نواحي كثيرة من مناحي حياتها، وكان من أكثر انحرافاتها خطراً وأعظمها جرماً انحرافهم في الله عز وجل، فقد ضل البشر عن ربهم ضلالاً بعيداً وجهلوه جهلاً شديداً أورثهم كثيراً من الضلالات والانحرافات.

وكان من أعظم مصادر ضلال البشر اعتمادهم على نظرهم القاصر وقياسهم الغائب على الشاهد، وقولهم على الله عز وجل بلا علم.

وكان من حاملي لواء الضلالة في العالم الفلاسفة وروادهم في ذلك الضلال المتقدمون منهم وهم فلاسفة اليونان، الذين برزوا على الناس بدعوى النظر العقلي، والتدقيق في الأمور،والمسائل المتعلقة بالإنسان، ثم لم يكتفوا بذلك، حتى جادلوا في الله عز وجل بغير علم، ولم يكن ظاهراً أمام أعينهم إلا الإنسان والمخلوقات المحيطة بهم، فقاسوا ما غاب عنهم على ما يشاهدونه، فكان ذلك من أعظم أخطائهم وغلطاتهم، ثم ما لم تسعفهم به عقولهم ونظرهم استلفوه واستلهموه من عقائد مجتمعهم، وما تربوا عليه في الأصل من الوثنيات والضلالات، فنتج عن ذلك كله مقولات في الله تبارك وتعالى هي من أفسد المقالات وأقبحها، وأكثرها بعداً عن العقل السليم، إلا أنها مع ذلك راجت على كثير من بني البشر لما لبست ثوب العلم والنظر العقلي.

ص: 64

ويبدو - والله أعلم - أنها راجت بفعل وسوسة الشيطان، وقابلية كثير من الناس لذلك، لما فيها من إرضاء غرور الإنسان وإعجابه بنفسه وذكائه، فيرى أنه توصل إلى علم مغيب عنه بحسن نظره وقوة ذكائه، فيتيه بذلك كبراً وغطرسة، ويجتهد في الدفاع عن قناعته الشخصية، التي هي أشبه بالزبد الذي لا يشفي ولا يروي.

فتأثر بتلك المقولات الفاسدة كثير من أتباع الأديان، فقد دخلت على اليهود وتأثروا بها كثيراً، وأثرت في معرفتهم لربهم وعبادتهم له عز وجل، كما دخلت بشكل أكبر على النصارى، حتى آل أمر الديانة النصرانية إلى مزيج فلسفي وثني، ضاعت معه معالم التوحيد والنور.

وكما هو معلوم، فإن كلا من الديانتين السابقتين قد انطفأ نورها واستحكمت الضلالة على أهلها، بما حرفوا وضيعوا من وحي الله وشرعه، إلا أن الله تعالى الرحيم الكريم لم يترك البشر ألعوبة بيد أهل الضلالة يلقنونهم الغواية تلو الغواية، وإنما أرسل من لطفه وكرمه نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم إلى بني البشر كافة، وأنزل معه الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط، ويتعرفوا على ربهم تبارك وتعالى المعرفة الصحيحة، التي تنير قلوبهم، وتشرح صدورهم وتزيح عنهم غشاوة الجهل والضلالة، وترفع عنهم إصرهم والأغلال التي غلهم بها الشيطان وحزبه من الفلاسفة، وأضرابهم من الأحبار والرهبان.

ص: 65

فأنار الله بالوحي المنزل أرجاء الدنيا، وأظهر للناس المقولة الحقة في الله تبارك وتعالى، فتعرفوا على ربهم من خلال ما أنزل في كتابه، وما بينه ودعا إليه رسوله صلى الله عليه وسلم، فتحولت معرفتهم بربهم وحقوقه جل وعلا من رب فقير لا حول له ولا طول ولا قدرة ولا إرادة ولا حق له ولا جزاء عنده لمطيع ولا عقوبة لعاص، إنما هو تعالى عن قولهم معطل غاية التعطيل مجحود خلقه، ومكفورة نعمته، ومعزوة إلى غيره من العقول والنفوس والأوثان والأصنام، مشكور غيره من المربوبين والمخلوقين من البشر والأصنام ـ فتحولت معرفة الناس من تلك المعرفة التي أملاها عليهم الفلاسفة، ومن أخذ بقولهم إلى أن الله تبارك وتعالى هو الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ذو الجلال والإكرام، ذو الجبروت والملكوت، حي لا يموت، قيوم لا ينام، الخالق الباري المصور السميع البصير العليم الحكيم، ذو العزة والانتقام، وذو الرحمة والإنعام، لا يخفى عليه من شؤون عباده شيء، ويدبر أمورهم ويتصرف فيهم، لا يشاؤون إلا ما شاءه لهم، ولا ينالون إلا ما قضاه لهم، وهو الغني ذو الرحمة، فما من نعمة إلا هو مصدرها، وهو رازقها والمنعم بها، وما من بلية إلا هو وحده القادر على رفعها ودفعها، له العبادة وحده، وله الشكر وحده دون من سواه، وهو المتفضل على من أطاعه بجنة عرضها السماوات والأرض يوم القيامة رحمة وفضلاً، وهو المنتقم ممن عصاه في نار وقودها الناس والحجارة عدلا.

ص: 66

فأشرقت الأرض بهذا العلم وهذا النور وهذه المعرفة، وثاب من شاء الله هدايته من الناس إلى ربهم، يعبدونه ويشكرونه، بعد أن عرفوه المعرفة الصحيحة، وآمنوا به الإيمان الصحيح، وخلعوا عنهم ضلالات الجاهلية وسخافاتها، واستمر هذا الحال بأمة الإسلام دهراً، إلى أن دب إليهم الداء الدوي، والشر المستطير، ألا وهو الإعراض عن الوحي، والإعجاب بالآراء والأهواء، فإذا بالطريق مطروق، والبضاعة موجودة، ألا وهي مقولات الفلاسفة، فتلقفها من المسلمين رديء الحظ، سيء النظر، ممن جهل ربه، وجهل دينه على تفاوت بينهم في مقدار الأخذ منها، فمنهم من استبدل الخبيث بالطيب، فأقصى وحي الله عز وجل، وأخذ بزبالة الأذهان، وحثالة المقولات، وجعلها أصلاً، ولم يقم لغيرها من وحي الله ونوره وزناً، وهؤلاء هم من يسمون (فلاسفة المسلمين) ويدخل فيهم الباطنيون وفلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود.

ومن المسلمين من أخذ بشيء من الفلسفة وترك شيئاً، فكان ما أخذه شر أقواله، وأخبث مقولاته، وهدم به ما قابله من نور الله ووحيه، وهؤلاء هم (المتكلمون) من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والماتريدية، الذين أقاموا معرفتهم بالله عز وجل على قواعد فلسفية، مما ظنوا أنه لا يتعارض مع وحي الله وشرعه، وراحوا يحاولون التلفيق بين الوحي المنزل، وشرعة الفلاسفة وأنى يلتقيان:

ذهبت مشرقة وذهبت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب

فصاروا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إلا أنهم أسعد حالاً من سابقيهم، بما عندهم من الوحي والشرع.

ص: 67

ولا شك أن أسعد الجميع حالاً من جعل شرع الله ووحيه هو إمامه وقائده وملهمه ومعلمه وموجهه، وهم سلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التزم بنهجهم وطريقهم من التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ممن لم يرد عن الله بديلا، ولا عن شرعه تحويلا، وقد أيقن هؤلاء أن النور والحق والنجاح والفلاح في شرع الله:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} النساء (122){وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} النساء (87) وأن ما عداه إنما هو وسواس الشياطين، ليس له نصيب ولا حظ من العلم والحق.

وفي هذه الدراسة سنذكر قول الفلاسفة في التوحيد، ونبين بطلانه بما يفتح الله عز وجل به من أوجه بطلان تلك المقالات، وإن كان يغني عن بيان بطلان الباطل سماعه، وذلك لأن مقالة الفلاسفة هي الأصل لسائر أقوال أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة وغيرهم.

كما سنلقي قبل ذلك الضوء على مذهب السلف في التوحيد، حتى يتبين مقدار الفرق بين المقالتين، وما تضفيه مقالة الفلاسفة على النفس من الظلمة والحرج، وما تكتسي به النفوس من النور والبهاء والراحة بتعرفها على ما جاء عن الله عز وجل وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيد الله تبارك وتعالى.

وقد جعلت هذه الدراسة في مقدمة وفصلين:

الفصل الأول: تعريف موجز بمذهب السلف في التوحيد.

وفيه تمهيد ومبحث واحد في: بيان أنوع التوحيد الواجب لله عز وجل عند السلف

الفصل الثاني: قول الفلاسفة في التوحيد وفيه تمهيد ومبحثان:

أما التمهيد: ففيه تعريف الفلسفة والفلاسفة

المبحث الأول: قول ملاحدة الفلاسفة وبيان بطلانه.

المبحث الثاني: قول المؤلهة من الفلاسفة، وبيان بطلانه.

المطلب الأول: قولهم في وجود الله تعالى وصفاته، وبيان بطلانه.

المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون، وبيان بطلانه.

خاتمة: وفيها أهم النتائج.

الفصل الأول:

تعريف موجز بمذهب السلف في التوحيد

تمهيد:

ص: 68

قبل أن نشرع في بيان عقيدة السلف في التوحيد يجدر بنا أن نعرف بمفردات مهمة:

أولاً - السلف:

السلف لغة: جمع سالف. وهو كل من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك في السن أو الفضل (1) .

والسلف اصطلاحاً: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التابعين لهم بإحسان ومن تبعهم من أئمة الدين وأعلام الهدى، بخلاف من رمي ببدعة من الخوارج أو الشيعة أو الجهمية أو المعتزلة ونحوهم (2) .

ثانياً - التوحيد:

التوحيد لغة: مصدر وحد يوحد توحيداً، فهو موحد والواحد والأحد يدور معناه على الانفراد (3) .

والتوحيد اصطلاحاً: هو اعتقاد أن الله واحد في ذاته وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته واحد في ألوهيته وعبادته وحده لا شريك له.

فهذا التعريف يتضمن الإقرار والإيمان بأن الله واحد فرد من جميع الوجوه فهو واحد في ذاته لا ولد له ولا والد، وليس ثلاثة كما يدعيه النصارى - تعالى الله عن ذلك.

وهو واحد في ربوبيته، لا خالق معه ولا متصرف ولا مدبر لشيء في هذا الكون غيره، إنما الكون كله خلقاً وتدبيراً وتصرفاً بيده سبحانه.

وواحد في أسمائه وصفاته لا مثيل له سبحانه.

وواحد سبحانه في عبادته لا شريك له في العبادة لا أولياء ولا وسطاء، وإنما العبادة له وحده لا شريك له.

(1) القاموس المحيط (ص 60) .

(2)

لوامع الأنوار البهية (1/20) .

(3)

المعجم الوسيط (2/1016) .

ص: 69

ونشير هنا إلى أن السلف رحمهم الله لهم منهج واضح في الاستدلال على التوحيد وسائر مسائل العقيدة وتقريرها، ويمكن استخلاص هذا المنهج من كلام الآجري (1) رحمه الله؛ حيث قال في كتابه الشريعة:"باب الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه رضي الله عنهم وترك البدع وترك النظر والجدال فيما يخالف فيه الكتاب والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم "(2) .

ومثله قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3) رحمه الله: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (4) .

ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد" (5) .

ومن خلال ذلك نستطيع أن نستخلص أن منهج السلف في الاستدلال على التوحيد يقوم على أربع قواعد هي:

1-

الاعتماد على الكتاب والسنة في أصول المسائل وتفريعاتها.

(1) الآجري محمد بن عبد الله، فقيه شافعي محدث، نسبته إلى آجر من قرى بغداد،صاحب سنة واتباع. توفي سنة 360هـ. انظر: سير إعلام النبلاء 16/133-136.

(2)

الشريعة (1/170) .

(3)

أحمد بن عبد الحليم، شيخ الإسلام الشهير بابن تيمية، ألف في أكثر العلوم التآليف العديدة، وصنف التصانيف المفيدة في التفسير والفقه والأصول والحديث والكلام، وتصدى للرد على الفرق الضالة والمبتدعة، لم يسبق إلى مثل تأليفه وشهرته، توفي سنة 728هـ. انظر: مختصر طبقات الحنابلة ص 61.

(4)

أخرجه أبو داود في السنة 4/201.باب في لزوم السنة.

(5)

العقيدة الواسطية (ص 28) .

ص: 70

2-

اتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

3-

عدم عرض شيء من ذلك على الآراء والأهواء.

4-

الحذر من البدع وأهلها.

فهذه القواعد هي عمدتهم في تقرير كل ما يتعلق بتوحيد الله تعالى، بل وجميع مسائل العقيدة والأمور الشرعية، وكل من نظر في كتبهم المصنفة في هذا الباب فإنه يجد الالتزام الواضح بهذه القواعد وتطبيقها في جليل المسائل ودقيقها.

مبحث في أنواع التوحيد الواجب لله عز وجل عند السلف

التوحيد هو رأس دعوة الرسل وغاية جهادهم وتبليغهم من لدن آدم عليه السلام إلى آخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكفي في الدلالة على ذلك قوله عز وجل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النحل (36) .

وقال عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء (25) .

وقد ذكر الله عز وجل عن سائر أنبيائه دعوتهم إلى التوحيد والتركيز عليه فهو البداية وهو الغاية.

وهذا التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء عليهم السلام وحققوه في أنفسهم وطلبوا من الناس تحقيقه هو توحيد الله بالعبادة، وهو وإن كان أحد أنواع التوحيد كما سيتبين إلا أنه أهمها وأعظمها،والإقرار به متضمن للإقرار بما سواه والانحراف عنه هو ديدن بني آدم من المشركين والكفار، لهذا كان الاعتناء به والبداءة بتحقيقه أولاً قبل أي مطلب آخر هو منهج الأنبياء عليهم السلام.

وكما هو ظاهر فإن من أقر لله عز وجل بالألوهية وعبده دون غيره، فإن ذلك متضمن للإقرار له بالأسماء والصفات والربوبية كما سنبين.

وقد خلف الصالحون من كل أمة أنبياء الله عز وجل في الاستقامة على منهجهم ودينهم وطريقتهم، وخلف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في الإقرار لله بالتوحيد.

ص: 71

وهذا التوحيد على مذهب السلف ثلاثة أنواع هي: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية.

أولاً: توحيد الربوبية:

معناه، الإقرار بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر لشؤون هذا الكون، والمتصرف فيه وحده، ليس له في ذلك ظهير ولا معين ولا شريك ولا مثيل.

ويصرح السلف بأن هذا النوع من التوحيد أدلته أكثر من أن تحصى أو تستقصى. ومن أهم هذه الأدلة وأظهرها: الفطرة.

والمراد بالفطرة لغة: الخلقة (1) .

أما المراد بها هنا فهو: أن الله تعالى قد خلق البشر عموماً على الإقرار بربوبيته تعالى وتوحيده، ومن المعلوم أن الله جل وعلا قد فطر الناس على أشياء كثيرة عديدة، ومن ضمن ما فطرهم عليه الاقرار لله بالربوبية. وهذا هو الذي يفسر اتفاق البشر على الإقرار لله بالربوبية، ولم يخالف في ذلك إلا شواذ من البشر من الملاحدة، مثل فرعون ومن كان على شاكلته (2) .

ويستدلون لهذا الدليل بأدلة عديدة، منها:

قوله عز وجل {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف (172) .

(1) اللسان 5/3433.

(2)

من الجدير بالذكر أن الملاحدة يظهرون الإلحاد ويتبجحون به وإن كانوا في قرارة نفوسهم يعلمون أن الله خالقهم كما قال تعالى عن فرعون وقومه {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} النمل (13-14) ، وقال تعالى ذاكراً خطاب موسى لفرعون {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} الإسراء (102)

ص: 72

وأخرج الإمام أحمد (1) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني بعرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "(2) .

وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء "(3) .

وحديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا

" (4) الحديث.

فهذه الأدلة تدل على أن الخلق مفطورون على الإقرار بالخالق.

ولا شك أن ذلك من رحمة الله تعالى بخلقه ولطفه بهم، إذ غرس فيهم الإقرار بربوبيته، ولذلك فوائد عظيمة، من أهمها: أن عبادة الله تعالى لا تتم إلا بالإقرار بربوبية الله.

(1) أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة والمحدثين، ناصر الإسلام والسنة. كان الإمام الشافعي يجله ويثني عليه ثناءً حسناً، وكان من أصحابه وخواصه. توفي رحمه الله سنة 241هـ. انظر: مختصر طبقات الحنابلة ص7-17.

(2)

مسند الإمام أحمد (1/272) ، وذكر ابن كثير في تفسيره (2/241) روايات عديدة في هذا المعنى ورجح وقفها على ابن عباس رضي الله عنه.

(3)

متفق عليه: أخرجه البخاري كتاب الجنائز، انظر: فتح الباري (3/246) .وهو في مواضع كثيرة من صحيح البخاري، ومسلم 4/2047. كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم 2658.

(4)

أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب 16 (4/2197) ، وأحمد (4/162) .

ص: 73

ومن المعلوم أن أعظم حقوق الله على عباده وواجباتهم نحوه هو عبادته تعالى. فإذا كان دليل استحقاقها، وهو الربوبية حاضر في النفس مسلم به من العبد، سهل انقياده لهذا الأمر، وهو العبادة.

كما يستدل السلف على ربوبية الله عز وجل بما بثه جل وعلا في الكون من الآيات الظاهرة الباهرة القاهرة، التي تدل على ربوبيته دلالة واضحة صريحة، لا يغفل عنها أو يجحدها إلا أعمى البصر والبصيرة.

فإن السماء وما فيها آية عظمى دالة على عظمة خالقها وموجدها، وما بين السماء والأرض من الكواكب آيات واضحات ظاهرات، وفي الأرض آيات لا تحصى ظاهرة في جبالها وسهولها وأنهارها ومياهها وبحارها وهوائها وأشجارها وما بث فيها من دابة، وفي نفس الإنسان من الآيات ما لا يمكن رده وجحده بل الأمر كما قيل:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد (1)

فهذه الدلائل الواضحة الظاهرة هي دالة على الله عز وجل، لمن كان في نفسه شك أو تردد، وإلا فالواقع أن الإقرار بالربوبية عام فطري، كما قال الرسل عليهم السلام {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إبراهيم (10)(2) .

لهذا لا حاجة لتكلف الأدلة، لأن الواضح لا يحتاج إلى توضيح، والظاهر لا يحتاج إلى استظهار وكما قيل:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل (3)

وتكلف الأدلة في ذلك كما هو شأن الفلاسفة ومن سلك منهجهم من المتكلمين وغيرهم إنما يمكن أن يصح في الاستدلال على القضايا الخفية، أما الأمور الظاهرة الواضحة المتفق عليها لا يحتاج إثباتها إلى تكلف دليل أو برهان.

(1) اختلف في نسبته، فنسبه الصفدي إلى أبي فراس. انظر: الوفيات (7/138)، وأما أبو الفرج فقد نسبه إلى أبي العتاهية انظر: الأغاني (4/35) .

(2)

انظر: التوحيد لابن منده (1/97-305) ، الحجة في بيان المحجة (1/376-387) .

(3)

انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (4/1221) .

ص: 74

ولا شك أن من رحمة الله عز وجل ولطفه بعباده أن جعل أدلة وبراهين ربوبيته فطرية ظاهرة، يؤمن بها ويدركها أقل الناس حظاً من العلم والنظر، بل إن الأدلة لوضوحها وظهورها تضطر الإنسان اضطراراً إلى الإيمان بخالقها وموجدها رباً وخالقاً.

وهذا الإقرار والاضطرار مهم غاية الأهمية، بل هو من رحمة الله عز وجل بعبيده وخلقه، لأنه ينبني عليه عبادة الله عز وجل، التي هي الغاية من خلق الإنسان، وهو سبيل نجاته، إذ لا نجاة للعبد بدون إخلاص العبادة له عز وجل، فلهذا جعل الدليل على استحقاقه للعبادة وحده دون سواه كونه سبحانه هو الخالق الرازق المالك، المتصرف وحده دون سواه، وذلك كله من رحمة الله ولطفه بعباده.

لهذا كثر في القرآن ربط الألوهية بالربوبية، ووجوب عبادة الله وحده، استناداً على وحدانيته في ربوبيته جل وعلا،ومن ذلك قولهعز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة (21-22) .

وقال {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الأنعام (102) .

وقال جل وعلا {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} النمل (60) .

ص: 75

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ربوبية الله عز وجل، والتي أقام الله عز وجل بها الحجة على المشركين، الذين يقرون بربوبيته سبحانه، وينكرون وحدانيته في العبادة، ويعبدون معه سواه.

ثانياً: توحيد الأسماء والصفات:

هو اعتقاد أن الله تعالى له الأسماء الحسنى، وله الصفات العلى الكاملة، التي لا يماثله فيها أحد.

والسلف يلتزمون من ذلك بما ورد في الكتاب والسنة، فمن نظر في كتبهم المصنفة مثل كتاب (السنة) للإمام أحمد، و (خلق أفعال العباد) للبخاري (1) ، و (الرد على بشر المريسي)(2) للدارمي (3) و (السنة) لابن أبي عاصم النبيل (4) و (السنة) للطبري، و (الشريعة) للآجري، و (الرؤية) للدارقطني (5) و (الرد على الجهمية) لابن منده (6)

(1) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري. جبل الحفظ، ثقة الحديث. توفي سنة 256هـ. انظر: تقريب التهذيب2/144.

(2)

بشر بن غياث بن أبي كريمة، عبد الرحمن المريسي، فقيه معتزلي عارف بالفلسفة،كان عين الجهمية في عصره. رمي بالزندقة. توفي سنة 218هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/199-202.

(3)

عثمان بن سعيد بن خالد التميمي الدارمي أبو سعيد، قال عنه الذهبي: الإمام العلامة الحافظ الناقد، محدث هراة وتلك البلاد. توفي سنة 280هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (13/319) .

(4)

أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، عالم بالحديث زاهد رحالة. توفي سنة 287هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 13/430.

(5)

علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي، إمام عصره في الحديث وأول من صنف في القراءات وعقد لها أبواباً، ولد بدار القطن من أحياء بغداد. توفي سنة 385هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/449-450.

(6)

محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، أبو عبد الله العبدي، الأصبهاني،من كبار حفاظ الحديث.صاحب التصانيف. توفي سنة 395هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/29-42.

ص: 76

و (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي (1) ، و (النزول) و (الصفات) ، و (الرد على الجهمية) ، و (عقيدة أصحاب الحديث) للصابوني (2) ، و (الحجة في بيان المحجة) لأبي القاسم التيمي الأصبهاني (3) ، وغيرها كثير، يرى الناظر فيها أنهم أثبتوا كل ما ورد في كتاب الله عز وجل من صفاته وما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رووا في تلك الكتب روايات عديدة عمن تقدمهم من الأئمة والعلماء تحدد موقفهم ومنهجهم في صفات الله عز وجل.

(1) هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، أبو القاسم اللالكائي، حافظ للحديث، من فقهاء الشافيعة من أهل طبرستان، فنسبته إلى بيع اللوالك التي تلبس في الأرجل على خلاف القياس. توفي سنة 418هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/419.

(2)

إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل، لقبه أهل السنة في خراسان بشيخ الإسلام، فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره. توفي سنة 449هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 18/40

(3)

إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التيمي الأصبهاني يلقب بقوام السنة، من أعلام الحفاظ. توفي سنة 535هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 20/80.

ص: 77

من ذلك: ما روي عن الإمام أحمد أنه قال في الأحاديث"إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا "، و"أنه يضع قدمه " وما أشبه ذلك:"نؤمن بها، ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى (1) ، ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحيحة ". وقال أيضاً: "يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول " وقال: "المشبهة تقول بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه "(2) .

وقال نعيم بن حماد (3) : "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه". (4)

(1) مراده بقوله (ولا معنى) أي لا نتأوله كما تأولته الجهمية وإنما معناه تلاوته والإقرار بما دل عليه لفظه فإن هذا مذهب السلف فقد روى اللالكائي بسنده عن الزهري ومكحول أنهما كانا يقولان: ((أمروا الأحاديث كما جاءت)) وروى عن سفيان بن عيينة انه قال: ((كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل)) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/430

(2)

إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (1/45) .

(3)

نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، أبو عبد الله، الإمام، العلامة، الحافظ. أول من جمع المسند في الحديث. توفي سنة 228هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/595-612.

(4)

انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (3/532) ، شرح الطحاوية (ص66) .

ص: 78

وقال الصابوني في عقيدته: " أصحاب الحديث حفظ الله أحياءهم ورحم موتاهم يشهدون لله بالوحدانية وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلته العدول الثقات عنه ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه

" (1) .

فمن هنا نحدد أن للسلف رحمهم الله في إثبات الصفات ثلاث قواعد:

القاعدة الأولى: الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل نفياً وإثباتاً.

القاعدة الثانية: نفي المماثلة بين الخالق والمخلوق في الصفات.

القاعدة الثالثة: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الباري جل وعلا بالصفات (2) وسنذكر بإيجاز أدلة كل قاعدة وما يتعلق بها:

القاعدة الأولى: (الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل نفياً وإثباتاً) .

قد دلت الأدلة الكثيرة على وجوب الالتزام والأخذ بكل ما ورد في الكتاب والسنة في هذا الباب وغيره من أبواب التوحيد والدين ومن هذه الأدلة العامة:

(1) عقيدة أصحاب الحديث (ضمن المجموعة المنيرية)(1/106) .

(2)

انظر هذه القواعد الثلاث في الحجة في بيان المحجة (1/94-97) ، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني (1/106-107) ، إبطال التأويلات لأخبار الصفات للقاضي أبي يعلى (1/43) ، ذم التأويل لابن قدامة (ص 11) ، الرسالة التدمرية (ص 4) ، منهج دراسة آيات الصفات للشنقيطي (ص 6،44) ، معتقد أهل السنة والجماعة للتميمي (ص 95) .

ص: 79

قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر (7) ، وقوله عز وجل {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} الأعراف (3) وقال عز وجل {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الأنعام (151) ، وقال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء (59) .

فهذه الآيات دالة بعمومها على وجوب التزام وأخذ كل ما ورد في الكتاب والسنة، ومن ضمن ذلك ما يتعلق بصفات الله تعالى وأفعاله، بل إن هذا الأمر ليس له طريق إلا الوحي، لأن الله عز وجل غيب عنا فلم نره ولم نر شبيهاً له، فليس أمامنا لمعرفته إلا الخبر، وليس أعلم من الله تعالى ولا أصدق منه جل وعلا، كما قال تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة (231){وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} كما لا أحد أعلم بالله تعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أوتي جوامع الكلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كما قال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم (53_54)

فمعرفة الله تعالى المعرفة الصحيحة لا يمكن أن يتوصل إليها إلا من خلال الوحي، وما عدا ذلك إنما هو من باب الخرص والتخمين.

ولا بد أن نشير هنا إلى أن إثبات صفات الله تعالى وفق نصوص الشرع يلزم منه أمور عدة:

أ- أن الصفات المثبتة لله عز وجل وفق نصوص الشرع كثيرة منها: الوجه واليدان والعلو والعلم والكلام والسمع والبصر والقدرة والإرادة والحياة والرضى والغضب والرحمة، وغير ذلك.

ص: 80

والله عز وجل موصوف بها على صفة الكمال، الذي لا يلحقه فيها نقص بوجه من الوجوه، لأنه سبحانه الكامل من كل وجه، وقد دلت الآيات الكثيرة على ذلك، فمن ذلك قوله عز وجل {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} الصافات (159) التي تدل على تنزيه الله عز وجل عن كل نقص وعيب (1) ، وقوله عز وجل {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة (255) ، فهذا في كمال العلو له سبحانه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النساء (167) وهذا في كمال العلم، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} الملك (19) وهذا في كمال البصر {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة (20) في كمال القدرة.

كما ينفى عن الله عز وجل كل ما نفاه عن نفسه سبحانه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم مثل قوله عز وجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} فاطر (44){لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} البقرة (250){وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} الجن (3){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص (4) ونحو ذلك.

وكل صفة منفية عن الله عز وجل فهي دليل من وجه آخر على الكمال، فنفي العجز دليل على كمال القدرة، ونفي السنة والنوم دليل على كمال الحياة والقيومية، ونفي الصاحبة والولد دليل على كمال الغنى وكمال الوحدانية، ونفي المكافئ والمماثل دليل على وحدانيته في صفاته، فلا مثيل له جل وعلا سبحانه.

ب- إن من الصفات الثابتة في القرآن ما يكون كمالاً في حال دون حال، فلا تثبت لله بإطلاق ولا تنفى عنه بإطلاق، وإنما تثبت في الحال التي تكون كمالاً، كما في الكيد والمكر والخداع والاستهزاء.

(1) انظر معنى ((سبحان الله)) في تفسير ابن كثير (1/73، 75) .

ص: 81

فهذه الصفات لم يثبتها الله عز وجل لنفسه إلا في مقابل فعل أعدائه، فيكون معاملتهم بجنس فعلهم، من الكمال في الانتقام منهم وعقوبتهم،وذلك في مثل قوله عز وجل {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آل عمران (54){إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} النساء (142){إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً} الطارق (15-16) .

جـ- ما لم يرد إثباته ولا نفيه في الكتاب والسنة فلا يجوز إطلاق القول به، لأنه من باب القول على الله بلا علم، وقد حرم الله ذلك كما في قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} الأعراف (33) .

والواجب في مثل ذلك التوقف ومعرفة المعنى المراد، فإن كان المعنى المراد حقاً قبل وغير اللفظ إلى ما يتفق مع الشرع حتى يؤمن اللبس، وإن كان المعنى المراد باطلاً رد لفظه ومعناه. وهذا مثل نفي المتكلمين للجهة والمكان والجسم ونحوها، فإنه إن أريد بالجهة والمكان جهة السفل أو مكان يحوي الله عز وجل ويحوطه فهو معنى باطل مردود، وإن أريد بالجهة العلو أو المكان فوق العرش فهو معنى حق ثابت لله عز وجل، ولكن يغير اللفظ إلى العلو والاستواء على العرش ليؤمن اللبس، وكذلك الجسم إن قصد به جسم مركب من الأعضاء فهو معنى باطل، وإن أريد به الذات الموصوفة بالصفات فهذا حق ثابت لله عز وجل بالأدلة فيثبت المعنى وينفى اللفظ حتى يؤمن اللبس (1) .

القاعدة الثانية: (نفي المماثلة بين الخالق والمخلوق في الصفات) .

(1) مجموع الفتاوى (3/41-42) ، القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (ص 53-79) .

ص: 82

مما يجب اعتقاده في هذا أن الله تبارك وتعالى موصوف بالصفات على صفة تليق بجلاله وعظمته، وأن المخلوق موصوف بصفات على صفة تليق بضعفه وعجزه وحاجته، فلا تُمَاثِل صفات الخالق صفات المخلوق، فإن الله عز وجل لا يماثله سبحانه شيء في صفاته.

وقد دلت الأدلة على ذلك وهي قوله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى (11) وقوله عز وجل {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص (4) ، وقوله عز وجل {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} مريم (60) وقوله تعالى {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال} النحل (74) .

فهذه الأدلة دالة على أن الله سبحانه لا يماثله ولا يشابهه ولا يكون مساوياً له بحال من الأحوال أحد من خلقه وهذه هي وحدانيته سبحانه في الصفات فلا يماثله أحد فيها.

ومن الجدير بالذكر هنا التنبيه على أهمية هذه القاعدة، وذلك أن المخلوق موصوف بصفات كثيرة، منها السمع والبصر والعلم والكلام واليد والوجه والقدرة، وغير ذلك، والله تعالى موصوف بتلك الصفات.

فقاعدة نفي المماثلة يتم بها التفريق بين ما اتصف به الله تعالى من الصفات، وبين ما يتصف المخلوق به من الصفات التي قد تتفق مسمياتها عند الإطلاق، إلا أنها تختلف وتتباين وتتميز عند التقييد والتخصيص، فإذا قيل سمع الله وبصر الله فهو يليق بجلاله وعظمته وكماله، وإذا قيل سمع زيد أو عمرو فإن المخلوق موصوف به على صفة تناسب ضعفه وعجزه وأنه مخلوق مربوب.

ويمكن أن تفهم هذه القاعدة بسهولة ووضوح، إذا أدركنا أن كل موصوف بصفة فإن صفاته تلائم ذاته، فمثلاً الإنسان موصوف بالحياة والبصر والسمع والقدرة، والنملة والفيل كل منهما موصوف بذلك، إلا أن ما يقوم بالإنسان منها يتلاءم ويختلف عما يقوم بكل من النملة والفيل، فكل منهما صفاته تلائم ذاته.

ص: 83

والتماثل في الأسماء لا يلزم منه التماثل في المسميات، بل قد يكون هناك فارق كبير جداً بين المسميين، مع أن مسماهما واحد. ومثل هذا ما ذكر الله تعالى في الآخرة مما في الجنة،وموجود في الدنيا من جنسه،مثل الرمان والطير والأنهار والعسل،فما في الدنيا لا يقارن بما في الآخرة ولا يشابه به. كما قال ابن عباس رضي الله عنه "ليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء". (1)

فإذا كان هذا التفاوت بين المخلوقات، فلا شك أن التفاوت بين الخالق والمخلوق أعظم وأكبر بكثير من التفاوت بين المخلوقات بعضها مع بعض (2) .

القاعدة الثالثة: (قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الباري جل وعلا بالصفات) .

مما يؤمن به السلف في باب صفات الله عز وجل أنهم يثبتونها ويؤمنون بها، وهم في الوقت نفسه يجهلون كيف يتصف الباري تبارك وتعالى بتلك الصفات.

وذلك لأن الله عز وجل قد أخبرنا بالصفات، ولكنه جل وعلا لم يخبرنا بالكيفية، كما أخبرنا جل وعلا بأنه سبحانه لا يمكن أن يحاط به علما، فقال جل وعلا {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} طه (110) وقال جل وعلا {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام (103) .

فمن هنا كثر كلام السلف في أن الواجب على المسلم أن يؤمن بصفات الله عز وجل بلا كيف، كما سبق أن ذكرنا ذلك عن العديد منهم، وكما هو مشهور عن الإمام مالك (3) رحمه الله لما جاءه رجل فقال: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فقال: " الكيف غير معقول، الاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "(4) .

(1) ابن جرير الطبري 1/392.

(2)

انظر مجموع الفتاوى 5/200-210.

(3)

هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي أبو عبد الله المدني، الفقيه، إمام دار الهجرة. توفي سنة 179هـ. التقريب ص326.

(4)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (3/398) ، الأسماء والصفات للبيهقي (ص 408) .

ص: 84

وعن شيخه ربيعة (1) أنه قال: " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق"(2) . فذهبت هذه المقولة أصلا من أصول أهل السنة وهي أن الاستواء معلوم معنىً، لأن الاستواء في اللغة: العلو والارتفاع (3) .

أما كيفية استواء الخالق على العرش فهي مجهولة ولا نعقل كيف يكون ذلك، والإيمان بالاستواء واجب شرعا لورود النصوص العديدة به.

وعدم العلم بكيفية الصفات لا ينفي الصفات ولا يقدح في الإيمان بها وإثباتها. لأن الله عز وجل أخبرنا بالصفة ولم يخبرنا بالكيفية وطلب منا الإيمان بها ولا تنافي في ذلك، فإن هناك أشياء عديدة نؤمن بها من مخلوقات الله ونحن لا نعرف كيفيتها، منها الروح التي في الإنسان فإن الإنسان عاجز عن معرفة كنهها وحقيقتها مع أن الإنسان يحس ويشعر بها وقد أخبرنا الله بها في قوله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} الإسراء (85) ، فأخبرنا عن الروح ولم يخبرنا عن كيفيتها، فنحن نؤمن بها بدون أن نعرف كيفيتها وهذا لا يقدح في إيماننا بها، فكذلك ولله المثل الأعلى صفات الله عز وجل فجهلنا بكيفيتها لا ينفيها ولا يقدح في إيماننا بها.

(1) ربيعة بن فروخ التيمي، أبو عثمان، إمام حافظ فقيه مجتهد، كان بصيراً بالرأي، لقب

((ربيعة الرأي)) وكان من أئمة الاجتهاد. توفي سنة 136هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/89.

(2)

المصدران السابقان.

(3)

انظر: قول الأخفش في اللسان (13/414)، وانظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب التوحيد (13/403) باب وكان عرشه على الماء،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/397) .

ص: 85

وعلى هذا فمن كيّف صفات الله تعالى فقد افترى على الله عز وجل، وقفا ما ليس له به علم، قال جل وعلا {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء (36) .

ثالثاً: توحيد الألوهية:

وهو توحيد الله بأفعال العباد، أو هو إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له.

وهذا النوع من التوحيد أعظم حقوق الله على عباده وأعلاها شأنا وخطراً وقدراً، إذ هو النوع الذي يؤدي فيه العبد لله عز وجل الحق الواجب عليه له سبحانه، كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "أتدري ما حق الله على العباد

ثم قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " (1) . والقيام به وأداؤه متضمن لأداء غيره من أنواع التوحيد.

كما أن القيام به لله عز وجل، وإخلاص العبادة له ينسجم فيه العبد مع سائر ذرات هذا الكون الساجدة والمسبحة لله عز وجلكما قال عز وجل {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الإسراء (44) وقال {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ

} الحج (18) ،كما أنه أول دعوة الرسل، ولا يصح بدونه عمل، ولا يرفع بغيره إلى الله عبادة.

(1) أخرجه البخاري - كتاب التوحيد: باب دعاء النبيصلى الله عليه وسلم أمته إلى التوحيد. انظر: فتح الباري (13/ 347) .

ص: 86

وقد توافرت الآيات القرآنية الكثيرة الدالة عليه، والمصرحة به، والمؤكدة له بما لا يسوغ بحال من الأحوال تجاهله أو تجاوزه إلى غيره، بل إن دعوة الأنبياء عموماً تصب في قالبه، وكما قيل هو الألف والياء، وهو البداية والنهاية، وهو الرأس والجسد، فلا دين إلا به، ولا فلاح إلا بإخلاصه، ولا نجاح إلا بتحقيقه، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وما خلقت الجنة إلا لأهله، ولا خلقت النار إلا لمنكريه والمنحرفين عنه، بل لم يخلق الخلق إلا لتحقيقه والقيام به، وإلا فإن الله عز وجل غني حميد عزيز مجيد.

وهو أول أمر في ترتيب المصحف الكريم، قال جل وعلا في سورة البقرة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة (21) وهو الإقرار الذي يقر به المسلم، ويعلنه في اليوم سبع عشرة مرة فرضاً في صلاته، وذلك بقوله عز وجل في سورة الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} والآيات الدالة عليه كثيرة جداً منها:

قوله عز وجل {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} النساء (36) .

وقوله {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} يونس (3) وقال {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف (40) .

وقال {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} طه (14) .

ص: 87

وقال {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء (35) وقال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات (56) .

وهذا النوع من التوحيد هو الذي بسببه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم الكفار حتى يقروا به، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله"(1) .

وهذا النوع من التوحيد هو المسمى توحيد العبادة. والذي يعني إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. والعبادة مثل: الخوف والرجاء والتوكل أو الدعاء والذبح والنذر والصلاة والزكاة والحج والصيام، ونحو ذلك من العبادات التي أمر الله تعالى بها.

ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك الشرك الأكبر، الذي يحبط العمل من أصله، كما أنه يفسد الإيمان، ولا يقبل الله معه صرفاً ولاعدلا.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الزمر (65) .

وقال جل وعلا بعد ذكره للعديد من الأنبياء عليهم السلام {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام (88) .

وهو الذنب الذي لايغفره الله لمن مات عليه قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} النساء (116) .

(1) أخرجه مسلم. كتاب الإيمان،1/206.

ص: 88

وصاحبه مخلد في النار أبد الآباد. قال تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} المائدة (72) .

وما ذلك إلا لأن المشرك أظلم الظالمين وأفجر الفاجرين لأنه قد صرف ما هو حق خالص لله تعالى إلى من لا يستحق منه شيئاً ألبته، وأعرض عن ربه وخالقه، والمنعم عليه، والمتصرف فيه إلى من لا يملك من ذلك شيئاً.

هذا هو منهج السلف في توحيد الله تعالى في ألوهيته، ومنهجهم في توحيده سبحانه في ربوبيته وأسمائه وصفاته، ذكرته على سبيل الاختصار.

وهو منهج ظاهر، واضح اعتماده على الخبر الصحيح، والعقل الصحيح، فليس فيه ولله الحمد شيء، يحيله العقل، بل هو مقبول عقلاً، بل إن العقل مضطر إلى كثير من مسائله.

فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

الفصل الثاني:

قول الفلاسفة في التوحيد

وفيه تمهيد ومبحثان:

التمهيد

يقف على الضد من قول السلف في التوحيد قول الفلاسفة، ونعني بهم: فلاسفة اليونان الوثنيين.

وذلك لأن مصدر العقيدة في كل منهما مختلف، فمصدر العقيدة لدى السلف الوحي أما العقل فهو تابع للوحي وخاضع له.

أما الفلاسفة فلا يعرفون إلا العقل المجرد من نور الوحي، وهو عقل ملوث بالبيئات الوثنية التي كانوا يعيشون فيها، فلهذا كان قولهم في التوحيد مناقضاً لقول السلف وبعيداً عنه كل البعد، بل بعيد عن العقل السليم الصحيح في أكثر مقدماته ونتائجه، ومع ذلك فقد أثر في أمم كثيرة من بني آدم، وممن تأثر به كثير من المسلمين، والمنتسبين للإسلام، فمنهم من تبنى قولهم وأخذ به والتزمه، ومنهم من تأثر به تأثرا كبيرا في كثير من مناهجه العلمية ووسائله للمعرفة، فأثر بالتالي على النتائج التي توصلوا إليها خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده.

ص: 89

ولهذا سنذكر في هذه الدراسة قول فلاسفة اليونان عموماً الذين أثبتوا وجود الله عز وجل، وكذلك قول من أنكر وجوده تبارك وتعالى لأن كلا القولين كان له أثر في المسلمين أو في المنتسبين للإسلام، وسنبين بطلان كل مقالة عند ذكرها.

وقبل أن نبدأ بذلك نذكر تعريفا مختصرا للفلسفة والفلاسفة.

أما الفلسفة: فعرفها أرسطو بأنها: البحث عن علل الأشياء ومبادئها الأولى أو هي العلم الذي يبحث في الوجود من حيث هو وجود (1) .

وعرفها ابن رشد (2) بأنها: النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع (3) .

وهذان التعريفان خاصان بما نحن بصدده من كلامهم في الله عز وجل لارتباطهما به.

أما الفلاسفة: فهم الذين نظروا في طبائع الأشياء بفكرهم لمعرفة عللها الخفية وراء ظواهرها.

لذا نجد أن الفلاسفة لم يقتصروا على النظر والتفكر فيما هو ظاهر أمام أعينهم من المخلوقات، وإنما راحوا يبحثون فيما وراء ذلك وهو الخالق جل وعلا ويسمون ذلك ما وراء الطبيعة أو الإلهيات (4) .

وقبل أن نذكر قول الفلاسفة في التوحيد نشير إلى أن الفلاسفة ولجوا في هذا العلم بعقولهم المحدودة، ونظرهم القاصر، وقد أدركوا أن كلامهم إنما هو في أمر لا سبيل إلى التحقق منه بالعقول المجردة وإنما هي محاولات لن يصلوا منها إلى نتيجة حاسمة أبداً، فتبقى هكذا محاولات ومقدمات بلا نتائج لهذا قالوا:"إن عالِمَ ما بعد الطبيعة عالِمٌ درج في غير عشه ببحثه عن شيء فوق الحقائق فإذا هو شاعر"(5) .

(1) أرسطو المعلم الأول لماجد فخري (ص 21-25) .

(2)

محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي أبو الوليد الفيلسوف عني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية وزاد عليه زيادات كثيرة اتهم بالزندقة فنفاه الخليفة إلى مراكش فتوفي فيها سنة 595هـ الأعلام 5/318

(3)

نقلا عن الفكر العربي لعمر فروخ (ص 659) .

(4)

مبادئ الفلسفة (ص 24،25) ، أرسطو المعلم الأول (ص21) .

(5)

مبادئ الفلسفة (ص26) .

ص: 90

ومرادهم بقولهم: (فإذا هو شاعر) أي: أن الفيلسوف يعبر عن خيالاته وأحاسيس نفسه بالعبارات المنمقة التي لا تعتمد على عرض الحقائق على ما هي عليه.

وقال رسل (1) : " إن قيمة الفلسفة ليست فيما تقدمه من حلول نهائية للمسائل التي تطرحها، إذ ليس من الضروري أن تكون هناك دائما إجابات نهائية صحيحة، وإنما قيمة الفلسفة في مناقشاتها المفتوحة والفرصة التي تتيحها لتوسيع أفق تصورنا، ولإثراء خيالنا العقلي، ولتقليل التوكيد الجزمي، الذي يغلق كل سبيل أمام التنامي العقلي "(2) .

هذا الكلام تعبير دقيق عن فائدة الفلسفة ـ إذا كان هناك فائدة ـ وغايتها، وهذه الفائدة تتلخص في أنها تورد الإشكالات ولا تحلها، وتجعل المجال فيما يناقشه الفلاسفة مفتوحا لسائر الآراء والتصورات، مما يمنع الجزم واليقين بالأمر، وهذا لا شك مما يدل على عدم صلاحها، وعدم صحة الاعتماد عليها في مسائل العقيدة التي يطلب فيها الجزم واليقين.

كما أنها لا تصلح بديلا ألبتة للتعاليم الدينية في جميع النواحي التعبدية والأخلاقية والعلمية، لأن مصدر العلوم الدينية والأوامر الشرعية من لدن حكيم خبير، أما الفلسفة فإنها تعتمد على نظر عقلي بشري من أهم خصائصه الواضحة النقص وقلة العلم، وتأثير البيئات المحيطة بطريقة التفكير.

ونشير هنا إلى أن الفلاسفة الوثنيين على قولين في الله تعالى من ناحية وجوده،فمنهم من أنكر وجود الله تعالى جملة وتفصيلاً، فهؤلاء ملاحدتهم، ومنهم من أثبت لله تعالى وجوداً، وهم من يسمون المؤلهة. وسنورد قولهم في المبحثين التاليين:

المبحث الأول: قول ملاحدة الفلاسفة

(1) رسل برتراند رياضي وفيلسوف إنجليزي ملحد من بناة المنطق الحديث عارض بشدة استعمال الأسلحة الذرية توفي 1970م. المنجد في الأعلام (ص306) .

(2)

نقلا عن الموسوعة الفلسفية (ص319) .

ص: 91

الفلاسفة اليونان الوثنيون الذين كانوا قبل المسيح عليه السلام بأكثر من ستمائة عام (1) قد بحثوا في أصل العالم ومصدر وجوده، فمنهم من أثبت وجوداً لموجود أعلى يعزى إليه علة وجود العالم، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أن وجود العالم أزلي، ولم يعزه إلى موجد أوجده، وهؤلاء هم الملاحدة المنكرون لوجود الله تبارك وتعالى، وهم على قولين في أصل العالم ومصدره:

القول الأول: القائلون بأن أصل العالم مادي.

أصحاب هذا القول زعموا أن أصل هذا العالم نوع أو أنواع من المادة، وأنكروا أن يكون ثمَّ خالق، وإنما المادة هي أصل العالم.

وهي عند متقدميهم أصحاب المدرسة الأيونية (2) إما الماء، وهو قول طاليس (3) أو عنصران هما الهواء والماء، أو اللامحدود، كما هو قول انكسمندريس (4) ، أو الهواء كما هو قول انكسمانس (5) .

(1) تاريخ الفلسفة من منظور شرقي ص29

(2)

الأيونية: نسبة إلى منطقة تسمى أيون بآسيا الوسطى كانت ثغراً من ثغور اليونان، ومدرستهم مادية وترجع أصل الوجود إلى المادة الواحدة.

(3)

من أوائل الفلاسفة القدماء الماديين ولا يعرف عنه الشيء الكثير، كان في حدود 640ق. م.تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي ص101

(4)

انكسمندريس أو إنكسمندر، فيلسوف يوناني ولد بملطية إحدى ثغور اليونان بآسيا الصغرى نحو 610 وتوفي 547 ق م.

(5)

انكسمانس، ولد نحو 588 وتوفي 524 ق. م، وهو آخر الفلاسفة الأيونيين الماديين. انظر في الإحالات الأربع السابقة الموسوعة الفلسفية (ص 72) .

ص: 92

أما متأخروهم: فزعموا أن أصل العالم: الجواهر الفردة أو الذرات التي لا نهاية لعددها وحدِّها وهي غير قابلة للتغير والفساد. وهذا هو قول انكساغوراس (1) وديمقريطس (2) وهيرقليطس (3) وأبيقور (4) .

فكل هؤلاء زعموا أن الكون تكون من مادة أزلية أبدية، وهذه المادة كانت دائمة الحركة، وبسبب حركتها الدائمة اصطدم بعضها ببعض فأنتجت من خلال هذا التصادم الوجود (5) .

بيان بطلان قول القائلين بأن أصل العالم مادي:

هذا القول ظاهر منه إنكار ربوبية الله عز وجلوألوهيته بل ظاهر منه إنكار وجوده عز وجل.

وأدلة بطلانه من وجوه:

أولاً: إن اختلافهم وتفاوت أقوالهم في أصل الكون ومبدأ الوجود دليل على بطلان دعاويهم إذ أن التفاوت بين الماء والهواء أو اللامحدود أي الذرات الكثيرة التي لا نهاية لعددها وحدها لا يمكن الخروج منه بقول واحد، فلا بد من أن يتفقوا على شيء واحد لتثبت لهم النتيجة في أصل الكون.

ثانياً: إن هذه دعاوى تخمينية ليست قائمة على أي مبدأ علمي سليم فهم لم يرو من الوجود إلا ما يحيط بهم من الأرض وأنفسهم، فكيف زعموا أن الكون مكون مما ذكروا، مع أن ما لا يرونه وما لا يبصرونه من الكون أوسع وأعظم بملايين المرات مما رأوه، بل ما رأوه لا يعد شيئاً في مقابل ما لم يروه من الكون.

(1) فيلسوف يوناني ولد نحو 500 وتوفي نحو 428 ق. م، الموسوعة الفسلفية (ص 72) .

(2)

فيلسوف يوناني ولد نحو 460 وتوفي 361 ق. م من أهل تراقيه في اليونان، الموسوعة الفسلفية (ص 195) .

(3)

فيلسوف يوناني عاش نحو 540 وتوفي 475 ق م،وهو من مدينة أفسس إحدى المدن الأيونية وكان من أسرة تتوارث الكهانة فترك ذلك وتوجه للفلسفة، في سبيل موسوعة الفلسفة (ص 92) .

(4)

فيلسوف من أثينا عاش في حدود 341 - 270 ق م وهو صاحب المدرسة الأبيقورية، الموسوعة الفلسفية (ص 260) .

(5)

انظر: الموسوعة الفلسفية (1/276 - 508) .

ص: 93

ثالثاً: أن المادة التي زعموا ميتة لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، ومن المعلوم أن الكائنات المرئية على قسمين: كائنات حية، وكائنات ميتة جامدة، والمادة من ضمن الكائنات الميتة التي لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، فمن أين جاءت الحياة؟؟

رابعاً: أن المادة التي زعموا غير عاقلة ولا مدركة لما حولها، إضافة إلى موتها فكيف يمكن أن يوجد منها ما هو عاقل ومدرك؟؟

خامساً: أن المادة غير قادرة وليس لها إرادة، فكيف يمكن أن توجد ما هو قادر مريد، ففاقد الشيء لا يعطيه؟؟

سادساً: أن هذه الدعوى باطلة ببديهة العقول من ناحيتين:

1-

أن المادة التي زعموا أنها أزلية لا يمكن أن تكون وجدت من لا شيء فهذا مستحيل، فلا بد لها من موجد أوجدها، وإلا تكون وجدت من لا شيء وهذا مستحيل معلوم بطلانه ببداهة العقول.

2-

أن هذا الكون المنظم من أصغر ذرة فيه إلى أكبر جرم فيه لا بد أن يكون موجده أعظم منه وأكبر، وله صفات الكمال لأنه لا يمكن أن يوجد بهذا التنظيم وهذا الضبط بفعل حركة غير عاقلة، فإن الحركة التي لا يضبطها منظم لها لا يمكن أن يوجد منها شيء ذو معنى، كما لو وضعت حروف الهجاء في بطاقات ثم وضعتها في علبة وحركتها مئات بل ألوف الحركات فإنها لا يمكن بحال حين توقف الحركة أن تخرج لك منظومة شعرية ولا حكمة نثرية ولا خطبة ولا حتى جملة مفيدة، بل لا يخرج إلا تشويش وكلمات ليس لها معنى، هذا شيء ظاهر في أمر يسير، فما بالك بهذا الكون البديع والخلق العجيب، لا شك أن في كل ذلك دليلاً واضحاً على بطلان دعاوى أولئك الضلال ومن أخذ بأقوالهم، وهم في الحقيقة يكذبون على أنفسهم وإلا فوجوب وجود الخالق تبارك وتعالى من أوضح الواضحات.

وقد أقام الله عز وجل الحجة في ذلك بآية مكونة من كلمات معدودة وذلك قوله عز وجل {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} الطور (35-36) .

ص: 94

فإن كونهم خلقوا من غير شيئ مردود بداهة، وأوضح منه في البطلان أن يكونوا هم الخالقين، وأظهر منه بطلاناً أن يكونوا خلقوا السماوات والأرض، فإذا كان الإنسان وهو أقدر المخلوقات على الأرض، وأكرمها بما أعطاه الله من قدرة وإرادة وعقل وسمع وبصر وما إلى ذلك من الصفات والخلق العجيب، لم يخلق من غير شيء فإن تركيبه دال على حاجته إلى صانع، وهو كذلك لم يخلق نفسه لأنه خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً، بل أُخرج من بطن أمه رغماً عنه فكيف يكون خلق نفسه؟؟

وهو كذلك لم يخلق السماوات والأرض فلم يبق إلا أن يكون هناك خالقاً أوجد ذلك كله، وهذا الخالق لا بد أن يكون له من صفات الكمال والجلال ما يمكن أن يتأتى منه إيجاد هذا الكون، وهذا بديهة من البدهيات، فإن من رأى طائرة أو حاسباً آلياً أو غير ذلك من المصنوعات الحديثة العجيبة فإنه يستدل بها على عظمة صانعها وأن لديه إمكانيات مالية وآلات ومواد دقيقة، وقدرات متعددة، فكذلك ولله المثل الأعلى هذا الكون دليل على كمال وعظمة وجلال موجده وخالقه.

وهذا القول أعني: إنكار الخالق، ليس عليه إلا شرذمة قليلة من الفلاسفة الدهريين، وليس له أي صدى لدى المسلمين، بل إن جُلَّ بني آدم يستنكرونه ويردونه، فإن جميع أصحاب الأديان على خلافه، وحتى الدول الشيوعية الملحدة في هذه الأزمان إنما ملاحدتها هم الساسة ومن دار في فلك أحزابهم. أما الشعوب التي تحت حكمهم فهم ما بين نصارى ويهود ومسلمين يقرون بالخالق ويدينون له بدين.

القول الثاني: الوجوديون.

ص: 95

الوجوديون هم القائلون بوحدة الوجود، وأساس مذهبم يقوم على قول القائلين من الملاحدة: إن أصل هذا العالم هو المادة ولا يوجد فيه إلا ما هو جسم، فركب عليه القائلون بوحدة الوجود: إن هذا العالم تشيع فيه قوة حية هذه القوة الحية هي الله تعالى عن قولهم وأنه منبث في هذا الكون في كل ذرة من ذراته وهو القوة المصرفة له (1) .

وأول من ثبت عنه هذا القول برمنيدس (2) ثم قال بهذا الرواقيون (3) وعلى رأسهم زعيمهم زينون (4) وميلوس، ثم من أخذ بهذا من الرومان واليهود والنصارى مثل سبينوزا اليهودي (5) .

بيان بطلان قول الوجوديين من الفلاسفة:

قول الوجوديين من جنس قول الملاحدة السابق في عدم إثبات وجود لله عز وجل وجوداً متميزاً به عن سائر المخلوقات، إلا أن من يسمون بالملاحدة أنكروا وجوده جملة وتفصيلاً، أما هؤلاء فقد زعموا أن وجود هذا الكون هو وجوده وهو ذاته تعالى الله عن قولهم، وهو قول لا نصيب له من الحق والهدى، وأوجه بطلانه هي أوجه بطلان الذي قبله. ويزاد عليها أيضاً:

(1) انظر: موسوعة الفلسفة 1/539، 2/625، مبادئ الفلسفة ص 171.

(2)

برمنيدس الإلياني: فيلسوف يوناني له قصيدة في الطبيعة، ادعى فيها التوحيد المطلق وعدم التغير وأزلية كل شيء كان نحو 540-450 ق. م. المنجد ص 127.

(3)

الرواقيون: نسبة إلى الرواق، الذي اتخذه زينون مقراً له يجتمع فيه مع أصحابه في أثينا، فسموا رواقيين والرواقية فلسفة أخلاقية، ومن قولهم القول بوحدة الوجود. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص214) .

(4)

زينون الأيلي هو مؤسس مذهب الرواقية وكان حياً ما بين 490 - 430 ق. م. الموسوعة الفلسفية (ص 226) .

(5)

بنيركت أوباروخ سبينوزا يهودي هولندي من القائلين بوحدة الوجود توفي سنة 1677م. الموسوعة الفلسفية (ص 237) .

ص: 96

1-

أن هذا فيه طعن في الله عز وجل وسب له هو من أقبح الطعن والسب له سبحانه حيث زعموا أنه تعالى عن قولهم هو هذه الموجودات بما فيها من طيب وخبيث وخير وشر، وجعلوه تعالى عن قولهم الناكح والمنكوح، والآكل والمأكول، والشارب والمشروب إلى غير ذلك من المعاني والأحوال المتضادة والمتناقضة، وقد عاب الله عز وجل من زعم أن الله هو المسيح بن مريم وكفره قال عز وجل:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} المائدة (72) .

كما عاب تبارك وتعالى من ادعى له الولد، وجعل هذا القول من أقبح القول وأفسده، واعتبره سبحانه سباً شنيعاً له، ولم يكن لابن آدم أن يسب الله تبارك وتعالى أو ينتقصه قال عز وجل {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} مريم (88-93) .

فإذا كان ادعاء أن الله هو المسيح، وادعاء الولد له بهذه الشناعة والقباحة والاعتداء والظلم فلا شك أن ادعاء أن الله هو هذا الكون بكل ما فيه من طيب وخبيث أشد ظلماً وبغياً وقباحةً، ولا يعدو أن يكون قول سفيه أملاه عليه الشيطان وصور له هذه المقولة والدعوى وزينها له حتى نطق بذلك الإفك المبين.

2-

إن هذا القول يلزم منه أن الله تبارك وتعالى يزيد بزيادة المخلوقات كما يلزم منه في نفس الوقت أنه ينقص ويفنى بنقص المخلوقات وفنائها.

3-

يلزم من هذا القول أن الله تبارك وتعالى يموت ويحرق ويغرق ويتألم ويتأذى ويهان سبحانه وتعالى ويصيبه كل ما يصيب المخلوقات عزيزها وذليلها.

ص: 97

4-

أن هذا يلزم منه أن يكون المخلوق خالقاً لنفسه موجداً لها، وهذا شيء يعلم كل إنسان من نفسه بطلانه، فهو كما سبق أن ذكرنا خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً، بل إنه خُلِق وأُوجِدَ بغير إرادة منه واختيار، وإذا كان هذا حال الإنسان وهو ذو الإرادة والقدرة والقوة فغيره من المخلوقات من باب أولى.

5-

أن هذا القول يلزم منه أن كل مخلوق صغير أو كبير، حقير أو جليل إله ورب، وجميع العقلاء يدركون بطلان ذلك من أنفسهم ببداهة العقول، إلا أن يكون من سفهاء بني آدم وطغاتهم مثل فرعون وأضرابه، ولا شك أن تصور هذا القول دال على بطلانه ومغن عن الرد عليه.

المبحث الثاني: قول المؤلهة (1)

المؤلهة من الفلاسفة هم: الذين يقولون بوجود موجود أعلى يسمونه الإله، وهم كثير من الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين، إلا أنهم يختلفون في تصوراتهم وعباراتهم عن الإله بالنسبة لصفاته وأفعاله وسنذكر قولهم بشيء من التفصيل لأهميته وخطورته.

المطلب الأول: أقوالهم بالنسبة إلى وجود الله عز وجل وصفاته

القول الأول: قول سقراط (2) : يُؤْثر عن سقراط أنه أثبت صانعاً مدبراً فوق الآلهة الأخرى، والآلهة الأخرى هي أدوات يستعين بها في صنع هذا الوجود (3) .

(1) لا يعني قولنا ((المؤلهة)) سوى أنهم يثبتون وجود موجود أعلى قد يعزون إليه ترتيب الموجودات الأخرى أو إيجاده منها آلهة أخرى.

(2)

سقراط، ولد نحو 470 وتوفي 399 ق. م من كبار فلاسفة اليونان، جعل محور فلسفته الإنسان نفسه، ودراسة تصرفاته، اتهم بالكفر بآلهة اليونان، فحكم عليه بالإعدام، فمات بالسم. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص 244) ، والمنجد في الأعلام (ص358) .

(3)

موسوعة الفلسفة (1/579) .

ص: 98

القول الثاني: قول تلميذه أفلاطون (1) : الذي يذهب إلى أن الله روح عاقل، محرك، جميل، خير، عادل، كامل، وهو بسيط لا تنوع فيه، ثابت لا يتغير، صادق لا يكذب، ولا يتشكل أشكالاً، وهو في حاضر مستمر (2) .

القول الثالث: قول تلميذه أرسطو (3) : الذي زعم أن الله جوهر أزلي، وهو عقل ليس جسماً، وليس له مكان، وهو حي ليس بميت، أوحد ليس بمنقسم، محرك لا يتغير ولا يتحرك، وإنما هو محرك لغيره بمعنى أن الأشياء تتحرك به على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه (4) .

القول الرابع: أفلوطين (5) : يزعم أن الله جل وعلا هو الأول الواحد المبدع اللامتناهي وأنه لا يوصف بأي صفة من الصفات كائنة ما كانت، فهو عنده الشيء الذي لا صفة له، ولا يمكن أن ينعت ولا يمكن أن يدرك، وهو الغني المكتفى بذاته، البسيط أي غير المركب لا يقبل التجزئ (6) .

بيان بطلان تلك المقالات:

(1) أفلاطون، ولد نحو 427 وتوفي نحو 347 ق. م من مشاهير فلاسفة اليونان،وهو تلميذ سقراط ومعلم أرسطو. الموسوعة الفلسفية (ص 52) ، والمنجد في الأعلام (ص 54) .

(2)

انظر: في سبيل موسوعة فلسفية (ص 48-49) ، موسوعة الفلسفة (1/174) .

(3)

أرسطو طاليس ولد نحو 384 وتوفي نحو 322 ق. م، وهو أشهر فلاسفة اليونان وأكثرهم تأثيراً فيمن بعدهم وهو مربي الأسكندر المقدوني وتلميذ أفلاطون. انظر: الموسوعة الفلسفية (ص 35) والمنجد في الأعلام (ص 34) .

(4)

انظر: أرسطو المعلم الأول (ص 96-100) ، في سبيل موسوعة فلسفية لمصطفى غالب ص 42-43، موسوعة الفلسفة (1/104) ، الموسوعة الفلسفية (ص 38) .

(5)

أفلوطين، ولد نحو 205 م وتوفي 270 م، وهو فيلسوف مصري متأثر بأفلاطون، وتعزى إليه مع آخرين الأفلاطونية الحديثة، وكان يسعى في فلسفته للتوفيق بين المعتقدات الدينية والفلسفة اليونانية، وكان له تأثير كبير على النصرانية. الموسوعة الفلسفية (ص57) ، المنجد في الأعلام (ص 56) .

(6)

موسوعة الفلسفة (1/199) .

ص: 99

الأقوال السابقة لمؤلهة الفلاسفة يتبين منها أنهم يثبتون إلهاً أعلى يتفقون على إثبات وجوده وجوداً مطلقاً وعلى نفي وصفه بأي صفة ثبوتية، ونفي الحركة عنه، ويمكن أن يقال: إنهم يعتبرونه تعالى عن قولهم: عقل مجرد، أوحد لا ذات له، ولا حركة، ولا تغير وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه.

هذا غاية ما أثبته هؤلاء الفلاسفة الذين هم أكبر الفلاسفة وأعظمهم عند أتباعهم، وهو قول في غاية السقوط والانحراف، ولا يقاربه في الانحراف والسخف إلا قول الملاحدة الذين ينكرون وجود الخالق جل وعلا ويتضح بطلانه من وجوه:

1-

أن كلامهم عن الخالق تبارك وتعالى كله من باب الظن والتخمين، لأنهم لم يروا الباري تبارك وتعالى، ولم يروا شبيهاً له، ولم يشهدوا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، كما لم يأخذوا قولهم هذا عن مخبر صادق، فلا يعدو أن يكون ظناً وتخميناً.

2-

أن الفلاسفة بنوا كلامهم عن الباري تبارك وتعالى على النظر في مخلوقاته مما يحيط بهم ويرونه ويشاهدونه، وهذا ليس كافياً في إعطاء العلم الصحيح الكامل بالله عز وجل لأن مخلوقاته تدل على أشياء عامة ولا تدل على أشياء دقيقة كما راحوا يحاولون أن يقرروا ويثبتوا.

3-

أن الفلاسفة في كلامهم عن الله عز وجل قاسوا الغائب على الشاهد واستخدموا في ذلك قياس التمثيل وقياس الشمول، وكل ذلك باطل بالنسبة لله عز وجل لأن قياس التمثيل قياس يستوي فيه الأصل والفرع، وقياس الشمول يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد، وإذا كان الفلاسفة يرون أن الله لا يشبهه أحد فهذا القياس فاسد، وموصل إلى فساد، لأنهم به إما أن يجعلوه شبيهاً لغيره، بناء على قياس التمثيل، أو يجعلوه محكوماً بقاعدة واحدة، بناء على قياس الشمول، أو ينفوا وجوده، بناء على الغلو في نفي المشابهة.

ص: 100

وهذا كله باطل والأولى من ذلك استعمال قياس الأولى وهو أن ما كان كمالاً في المخلوق فالخالق واهبه فهو أولى به، وما كان من نقص فالخالق منزه عنه لكماله وجلاله (1) .

4-

أن الفلاسفة لم يتوقفوا في نظرهم ومحاولتهم التعرف على خالق هذا الكون بالنظر إلى المخلوقات الظاهرة أمام أعينهم فيهديهم ذلك إلى كمال وجلال موجدها وخالقها، وإنما راحوا يبحثون في أصل مادة الكون وعلة وجوده، ومباحث أخرى تبع لذلك مبنية على الظن والتخمين وبنوا على ذلك الخرص والتخمين، وصف لله عز وجل ومعرفته، مع أن معرفة أصل الأشياء ومادتها الأولية فيه صعوبة بل عسر، أما ما بعد عنا كالكواكب والسموات وما غاب عنا من المخلوقات فمعرفته أقرب إلى المستحيل، فيكون إدراج ذلك كله في قضية واحدة مع المشاهد المحسوس من الخلق خلفاً وخطأً كبيراً.

5-

إن إثبات وجود الله عز وجل ضرورة من الضروريات بل هو من أوجبها وألزمها وأوضحها، ولا ينكر وجوده جل وعلا إلا مكابر جاحد لأن مما هو مستقر في الفطر وبدهي في العقل أن كل موجود لا بد له من موجد، ولا بد أن يصل التسلسل إلى نهاية وإلا كان باطلاً والتسلسل في الوجود موصل إلى نهاية وهو الله تبارك وتعالى، وهذا لا يخالف فيه إلا شذاذ ملاحدة الفلاسفة. (2) وهنا نقول كما أن الله تبارك وتعالى وجوده ضروري، فكذلك إثبات صفاته تعالى ضروري لعدة أمور:

أ- إن وجوده موجب لإثبات صفاته، لأن كل موجود لابد أن يكون له صفات، فإذا لم يكن له صفات فهو المعدوم، والمعدوم ليس شيئاً موجوداً بل هو كاسمه ليس بشيء.

فلا يفرق بين الموجود والمعدوم إلا بوجود الصفات في الموجود وانتفائها عن المعدوم.

(1) بيان تلبيس الجهمية 1/326، بمعناه.

(2)

انظر الشهرستاني في نهاية الأقدام في علم الكلام ص 128، الآمدي في غاية المرام ص 9.

ص: 101

ب- إن كل موجود إنما يتميز عن غيره بالصفات الخاصة به، فالبشر يتميزون فيما بينهم بالصفات وهكذا سائر المخلوقات، وهي وإن كان بينها تماثل من وجه في تلك الصفات إلا أن بينها تمايزاً ظاهراً فكذلك الخالق تبارك وتعالى يتميز عن البشر بالصفات التي تميزه عن المخلوقات تميزاً ظاهراً.

ج- إن إثبات التمايز وعدم التماثل بين الخالق والمخلوق ضروري، كإثباتنا لوجوده وصفاته، لأنه وإن كان البشر وسائر المخلوقات تتصف بصفة الوجود، والخالق تبارك وتعالى متصف بذلك إلا أن الفرق بين الوجودين ظاهر واضح، فوجود كل موجود سوى الله عز وجل محدود له بداية، كما أنه يستمد وجوده من إيجاد الله تبارك وتعالى له، أما الله تبارك وتعالى فلا بداية لوجوده ولا يستمد وجوده من أحد سبحانه فهو الفرد الصمد وهو الأول والآخر. فعلى هذا لابد أن يكون له من الصفات أكملها وأعلاها مما لايماثله فيها أحد من مخلوقاته.

د- إن وجود المخلوقات موجب لوجود الصفات للخالق لأنه لا يمكن بحال أن توجد هذه المخلوقات مع ما هي عليه من حسن الخلق وعجيب الصنع وبديع النظام، ممن هو فاقد للصفات، فلا بد من إثبات الصفات بموجدها حتى يصح نسبة الإيجاد إليه، وعزو الفلاسفة الإيجاد إلى أشياء في زعمهم صدرت عن الله مثل النفس الكلية والعقل وما إلى ذلك إنما هو خرافة لأنه لا يمكن أن توجد النفس الكلية التي تفعل وتوجد أو تدبر وتتصرف والأصل الذي صدرت عنه فاقد لذلك، فمن أين لها أن توجد لنفسها الصفات التي تؤهلها للفعل والتدبير ما لم يكن أصلها يملك ذلك.

هـ- إذا أثبتنا أن دعوى النفس الكلية أو العقل الأول وما إليها خرافة من خرافات الفلاسفة وأن الموجد هو الله تبارك وتعالى وحده، فإن كل فعل دليل على صفات فاعله، فإنا نستدل على كمال عقل الإنسان وقوة ملكاته بما يصنع من مصنوعات.

ص: 102

فكذلك ولله المثل الأعلى بالنسبة لله عز وجل فإن هذه المخلوقات بما فيها من بديع الصنع ودقيق التركيب وحسن النظام دليل على أن موجدها لابد أن يكون له كل صفات الكمال والجلال حتى يتأتى إيجاد هذه المخلوقات بهذه الصفة العجيبة، لأن من البدهي أننا لا يمكن أن نسند صنع الطائرة إلى رجل معتوه أو عاجز فضلاً عن أن نعزو وجودها إلى ميت أو جماد أو إلى ما لا وجود له حقيقي كما هو زعم الفلاسفة بإثبات الوجود المطلق لله وهو وجود ذهني لا حقيقة له في خارج الذهن.

فهذا كله مما يمنعه العقل ويحيله بل يوجب أن يكون تناسب بين الفعل والفاعل من ناحية الصفات، فالفعل العظيم يدل على فاعل عظيم، والفعل الحقير يدل على فاعل ضعيف، فهذه السماوات والأرضين وهذه المخلوقات ظاهرها وخفيها جليلها ودقيقها دليل على أن خالقها مستحق لكل صفات الكمال والجلال والعظمة.

6-

أن ما ذكره الفلاسفة في وصفهم لله تبارك وتعالى كلام فاسد، لايعدو أن يكون إثباتاً لشيء ليس هو بشيء وذلك يتضح من وجوه:

أولاً: قولهم: إن الله تبارك وتعالى عقل، ذلك يعني أن الله فكر أو فكرة أو شيء معقول أو يَعْقِل ويُعْقَل، وهذا كله إثبات لمعنى بدون ذات، وهو أمر لا يعقل ولا يفهم، إنما المفهوم منه أنه لا ذات له جل وعلا، وكل ما لا ذات له لا وجود له، أو لا وجود له بنفسه، بل يكون قائماً في غيره أو صادراً عن غيره مثل الأفكار والكلام فهي معاني وصفات تقوم بغيرها ولا تقوم بنفسها، والفلاسفة ينفون أن يكون الله قائماً بغيره أو صادراً عن غيره، فيكون مرادهم أنه لا ذات له، وهذا نفي لوجوده وهو قول يتناقض تماماً مع دعوى وجوده ودعوى صدور العالم عنه كما سيأتي. فيتفقون بذلك مع الملاحدة منهم وهم نفاة وجود الله تبارك وتعالى.

ص: 103

ثانياً: قولهم بأنه واحد أو أوحد مرادهم به: أنه واحد من كل وجه بحيث لا يوصف بغير الواحدية أو الأحدية وهذا نفي لصفاته، وهو نفي لوجوده أيضاً، لأن كل موجود لا بد أن يوصف بالصفات كما سبق أن بينا، فإذا انتفت عنه الصفات فذلك نفي لوجوده، لأن إثبات وجود الشيء إنما هو إثبات لصفاته، فلا يمكن أن يكون موجوداً لا صفة له، لأنك حين تقول: لا صفة له، فذلك يعني أحد أمرين:

إما أنك غير قادر على التعبير عن صفاته بالعبارات الصحيحة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم عن سدرة المنتهى:"فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها"(1) . وهذا ما لا يقصده الفلاسفة.

والمعنى الآخر الذي يقصدونه: أنه لا صفة له في نفس الأمر يمكن أن تذكر أو يعبر عنها بعبارة، وحقيقة هذا أنه مثل قولك لا وجود له، لأن ما لا صفة له هو المعدوم الذي لا وجود له، وهذا يتنافى مع العقل، ولازم أخذهم بالعقل يوجب عليهم إثبات الصفات لأن نفي الصفات بالكلية عن الموجود ينافي العقل، فإن العقل لا يثبت موجوداً إلا له صفات، وما نفى العقل وجوده هو ما لا يستطيع أن يصفه بصفة وهذا هو حقيقة قول هؤلاء الفلاسفة الدهرية.

(1) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان (1/388) .

ص: 104

ثالثاً: قولهم إنه لا يتغير يقصدون بذلك: أنه لا يحدث فيه أي تغير لا في الماضي ولا في المستقبل مهما كان هذا التغير قليلاً. وهو قول لا يقبله العقل فضلاً عن الشرع، لأن معنى ذلك نفي لفعله وتشبيه له بالمعدوم أو الجماد، لأن المعدوم لا يتأتى منه الفعل، كما أن الجماد لا يتأتى منه فعل ولا تغير إلا أن يُغَير أما هو فلا يغير نفسه، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يريد ولا يأمر ولا ينهى ولا يدبر ولا يتصرف في شيء بل الأشياء هي التي تتصرف دونه، ولا قدرة له عليها ولا تدبير له فيها، وهي المدبرة المتصرفة بشأنها، وكل ذلك يأباه العقل، فإن الحياة والإيجاد والتصرف والتدبير الموجود في الكون، إما أن يعزى إلى فاعل مدبر متصرف ذي قدرة كاملة وإرادة، وإما أن يعزى إلى جماد أو عدم، ولا شك أن العقل مضطر إلى الإقرار بوجود الخالق المتصرف ذي القدرة والإرادة والتدبير، وإلا انتفى وجود الكون كله، لأن ما فيه من خلق وإيجاد وتصرف وتدبير يدل على وجود وحياة الخالق وكمال قدرته وإرادته دلالة واضحة يضطر إليها كل عاقل، فضلاً عمن أمعن ودقق النظر، فإنه سيضطر إلى الإقرار بوجود الخالق ذي الجلال والإكرام.

وقول الفلاسفة أن الخالق لا يتغير ثم يزعمون أن الخلق صدر عنه، كما سيأتي مثل من يزعم أن جبل أحد أو أن صخرة صماء أوجدت بنفسها إنساناً أو حيواناً بدون فعل فاعل أو أن إنساناً أو حيواناً صدر عنها ووجد منها، فهذا كله مناف للعقل ويستسخفه كل ذي عقل سليم.

رابعاً: قولهم إنه لا يتحرك هو مثل سابقه لأنه يتضمن نفي حياته، لأن فرق ما بين الحي والميت الحركة فالشيء الذي لا يتحرك هو الميت أو الجماد، والجماد ميت لا حياة فيه.

ص: 105

ولا شك أن هنا سؤالاً يطرح نفسه وهو: كيف يتأتى من ميت أو فاقد للحركة أن يعطي الحياة ويبث الحركة في غيره؟ هذا أمر مرفوض غير مقبول لأنا إذا نظرنا في المصنوعات التي صنعها الإنسان فإنا نراه يصنع المصنوعات ويبث فيها الحركة بما يجعل فيها من الطاقة والقدرة على ذلك بواسطة الوقود أو الكهرباء أو نحو ذلك، والإنسان حي متحرك فأمكن له أن يوجد متحركاً بما مكنه الله فيه، فالله تبارك وتعالى أولى أن يكون حياً يفعل ما يشاء، فإن لم يكن كذلك فلا يمكن أن يوجد هذا الكون لأن الميت لا يفعل ولن يفعل شيئاً.

خامساً: قولهم إنه محرك لغيره بدون أن يتحرك: هو وصف اضطروا إليه حتى يثبتوا دوراً للخالق تبارك وتعالى في التصرف في الكون، وهو ما يسمونه: العلة الأولى، وحتى لا يضطروا إلى القول بأن الأشياء أو المادة التي يزعمون أنها قديمة، كما سيأتي فعلت بنفسها فتكون هي الخالقة الموجدة ويكون دعوى وجود الخالق دعوى فارغة لا حاجة إليها ولا ضرورة.

ولا شك أن قولهم إنه محرك بدون أن يتحرك قول لا يستقيم لهم وهو باطل بناءً على كلامهم من عدة أوجه:

1-

أن دعاويهم السابقة في نفي ذاته وصفاته وأفعاله تبطل دعواهم إنه محرك لغيره لأنه لا يمكن لشيء لاصفة له ولا ذات ولا فعل أن يكون محركاً لغيره فهذا محال.

2-

أن دعواهم إنه محرك لا يتحرك: دعوى متناقضة لأنه ما لم يكن بنفسه متحركاً فكيف يحرك غيره؟ إلا أن يكون كالصخرة التي تسقط على غيرها فتدفعها وتحركها، إلا أن ذلك ينفيه الفلاسفة لأن لازم ذلك أن لحركته علة خارجة عنه، والعله تحتاج إلى علة أخرى إلى ما لا نهاية، وهذا ما يحذره الفلاسفة ويمنعونه، فهم مضطرون إلى القول بهذه الدعوى المتناقضة حتى يدفعوا التسلسل إلى ما لا نهاية.

ص: 106

3-

أن دعواهم إن تحريكه لغيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه دعوى خيالية ظنية باطلة، فليس لهم عليها أدنى دليل سوى الدعوى، ثم إن المعشوق حسب تعبيرهم لا يمكن أن يُعشَق وهو لا صفة له ولا ذات ولا فعل.

4-

أن الحركة الناتجة من دعوى التحرك على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه هي حركة في غاية الضعف لا تعدوا أن تكون حركة قلبية أو نحوها، فكيف يمكن لحركة بهذا الضعف أن ينتج عنها هذا الوجود الباهر والصنع المتقن للكون.

ص: 107

فكل هذه الدعاوى التي ذكرها الفلاسفة في الله تبارك وتعالى دعاوى فاسدة معلوم فسادها ببداهة العقول، فإن أي عاقل إذا نظر في المخلوقات المحيطة به أو نظر في نفسه أدنى نظرة أدرك أن خالقه لابد أن يكون ذا صفات عظيمة وجلال وكمال من جميع الوجوه، لأنه ما لم يكن كذلك فإنه لا يمكن أن يوجد هذا الخلق وهذا الكون، فإذا لم يكن له ذات فكيف يوجد ما له ذات، وإذا لم يكن موصوفاً بصفات الكمال من السمع والبصر والعلم والحكمة والإرادة وغيرها فكيف يوجد الموصوفين بهذه الصفات، وما لم يكن فاعلاً مختاراً كيف يوجد الفاعلين المختارين، وما لم يكن حياً كيف يوجد الحياة، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلا يمكن لجاهل أن يعلم الناس القرآن أو الشرع أو الدين لأنه فاقد للعلم، وغير البصير لا يمكن أن يرشد الناس إلى الطريق، والميت لا يمكن أن يفعل ولا يحي الموتى ولا يبعث الحياة في الموات ففاقد الشيء لا يعطيه، ولكن هؤلاء الفلاسفة لم ينظروا إلى المخلوقات ليستدلوا بها على الخالق بعين صحيحة، وإنما نظروا إليها بعقول قد لوثتها الوثنية والإلحاد فأثمرث هذه المقولات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على إفلاسهم من النظر الصحيح والرأي السديد الذي يتوصل إليه أقل الناس حظاً من العلم، فهذه المخلوقات المحكمة الصنع والعظيمة في خلقها وهيئتها والعظيمة في دورها وعملها تدل على حكيم عليم بصير خبير، لابد أن يكون موصوفاً بكل صفات الكمال ألا وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.

المطلب الثاني: قولهم في إيجاد الكون

ص: 108

الفلاسفة المؤلهة لا يعرفون الإيجاد من العدم ولا يقرون بأن الله تبارك وتعالى خلق الأشياء وأبدعها وهو مدبرها والمتصرف بشؤونها، وإنما يزعمون: أن المادة قديمة لا موجد لها ولا خالق، ويعزون إلى الله تبارك وتعالى نوع تأثير فيها، ويعزون إلى آلهة أخرى فاضت منه أو صدرت عنه الإيجاد والتدبير، على خلاف بينهم فيما نقل عنهم من رأي في ذلك، فإن بعضهم قد نقل عنه في ذلك كلام كثير، ومنهم من لم ينقل عنه إلا العبارات القليلة، فنذكر هنا قول بعض كبرائهم ومنهم:

سقراط: فقد زعم كما ذكرنا عنه من قبل: أن ثمة صانعاً فوق الآلهة ومدبراً فوق سائر الآلهة، والآلهة الأخرى هم أدوات يستعين بها في صنع الوجود (1) .

أما أفلاطون: فيزعم أن الله هو علة وجود العالم وسببه، ويزعم أن صور الأشياء (2) التي يسميها المُثل أزلية، كما يعزى إليه أن المادة (3) أزلية أيضاً، وهي في حركة دائمة، وأن الصانع أوجد: أولاً النفس الكلية مما يسميه المتشابه واللامتشابه، فصنعها شبيهة له فهي إلهة.

ومن النفس الكلية صنع العناصر الأربعة: الماء والهواء والنار والتراب. وأنه صنع من ذلك الكواكب، وجعل لها نفوساً خلقها مما بقي من خلق النفس الكلية، وجعلها آلهة عاقلة خالدة واتخذ منها أعواناً تصنع نفوس الخلق الآخرين.

ويقول: إن الصانع يعتني بسائر مصنوعاته كلياتها وجزئياتها (4) .

(1) موسوعة الفلسفة (1/579) .

(2)

يعني بالصورة شكل الشيء وصورته قبل تشكيل المادة على تلك الهيئة والصورة،وهي مراد أفلاطون بالمثل. انظر: المعجم الفلسفي (ص 303) .

(3)

مرادهم بالمادة جرم الشيء وجسمه قبل إعطائه الهيئة والصورة ويسمى الهيولى. المعجم الفلسفي (ص 297) .

(4)

في سبيل موسوعة فلسفية (ص 54-57) ، موسوعة الفلسفة (1/168-178) .

ص: 109

أرسطو: يزعم أن الصورة والمادة قديمتان أزليتان ليستا مخلوقتين، وهما متحركتان في الأزل موجودتان مع المحرك الأول الذي يزعم أنه الله، ثم إن المحرك الأول بغير أن يتحرك حرك الصورة والمادة فاجتمعتا فتكون من اجتماعهما الأجسام، وهو يرى أن الله تبارك وتعالى هو سبب نظام الأشياء الموجودة وترتيبها فقط وأنه لا يتدخل في الأحداث الجزئية ولا يعتني بشيء في الوجود خلا ذاته (1) .

أما أفلوطين المصري: فيزعم أن هناك عالمين:

أحدهما: عالم المعقول، وهو ثلاثة: الله والعقل والنفس (2) .

والله عنده هو الأول، وقد صدر عنه العقل وهو شبيه به.

والعقل: هو الحامل للصور وهو أبدي لا يفنى.

أما النفس: فقد صدرت عن العقل وهي شبيهة بالعقل وهي حاملة للصور بشكل أكبر من العقل.

ثانيهما: عالم المحسوس، وقد صدر عن النفس الكلية ونتج عنها، فهي التي صنعته وأوجدته، كما أنها هي التي أمدته بالنفوس التي تبث الحياة فيه، وعنده أن الله تعالى لا يعتني إلا بالأشياء الكلية، أما الأمور الجزئية والفردية فلا يعتني بها ولا يعلمها (3) .

بيان بطلان قولهم:

أقوال الفلاسفة السابقة في إيجاد الكون يمكن أن نلاحظ منها شيئاً وهو: تركب بعضها على بعض.

فسقراط شيخهم المتقدم زعم أن هناك إلهاً أكبر وآلهة دونه تساعده في صنع هذا الوجود.

(1) موسوعة الفلسفة (1/106) ، في سبيل موسوعة فلسفية (ص 75-76) ، قصة الفلسفة (ص 112-114) .

(2)

موسوعة الفلسفة (1/197) .

(3)

موسوعة الفلسفة (1/204-207) .

ص: 110

ثم جاء أفلاطون تلميذه فرتب هذه المقالة فزعم: أن الصور مع الإله الواحد قديمة،ويعزى إليه قدم المادة أيضاً، فشقشق كلاماً حتى يوجد رابطاً بين الإله الواحد والصور والمادة يتوصل منه إلى إيجاد هذا الكون، فاخترع النفس الكلية وادعى تكونها من المادة والصورة وهي التي تولت من بعد إيجاد الكون، فأخذ بهذه الدعوى كل من جاء بعد أفلاطون من الفلاسفة فبنوا كلامهم على هذه الأربعة أشياء: الإله، الصورة، المادة، النفس الكلية، على خلاف بينهم في بعض المسميات والترتيبات حسب قدرة الفيلسوف على التخيل والتعبير.

ومن هنا يمكننا أن نقول إن قول الفلاسفة في إيجاد الكون يتلخص في أن هناك موجودان أزليان وهما الله تبارك وتعالى وأصل مادة العالم، وأن الله تبارك وتعالى بدون أن يفعل شيئاً أو يريد شيئاً تكوَّن العالم وتصور على الصور المحسوسة بفعل وسائط صدرت عن الله تبارك وتعالى، وفي هذه الدعاوى من الفساد ما هو ظاهر واضح البطلان ومما يرد عليهم في ذلك أن يقال لهم:

أولاً: إن دعوى أن المادة والصورة أزليتان وغير مخلوقتين وهو ما يسمى بقدم العالم عندهم قول فاسد ظاهر الفساد، إذ أنه يلزم منه أن المادة والصورة وجدا من غير شيء، وهذا معلوم الفساد ببداهة العقول، فإن كل موجود لابد له من موجد حتى ينتهي إلى الموجد الأول، وهو الخالق تبارك وتعالى، وإلا لزم من ذلك التسلسل إلى ما لا نهاية وذلك باطل ومستحيل.

ثانياً: قولهم بأنه صدر عن الله أولاً النفس الكلية أو العقل ثم نفوس الكواكب إلى آخر كلامهم في هذا، كله ضرب من الظن والتخمين الذي لا يمكن بحال أن يقول بصحته إلا كل سفيه لا عقل له ولا دين، لأنه ليس قولاً مبنيا على أي معنى علمي، كما أنه لم يبن على ما هو مشاهد ومحسوس، إنما هو فرية افتراها أفلاطون وتبعه عليها من جاء بعده من الفلاسفة،

ص: 111

وأصل هذه المقالة والموجب لها اعتقادهم أن الله تبارك وتعالى لا يوصف بشيء من الصفات الثبوتية، فاحتاجوا بناءً على اضطرارهم للقول بالخالق لوجود المخلوقات إلى القول بوجود الوسيط بين الخالق أو من يسمونه المبدع الأول: الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يملك شيئاً وليس له صفة، وبين المخلوقات، وهذا الوسيط هو النفس الكلية أو العقل على خلاف بينهم في التسميات، وهو الذي تولى إيجاد نفوس الكواكب ثم العناصر وما إلى ذلك من ضروب الظن والتخمين الفاسد.

وهذه الدعاوى تطورت عند من جاء بعده إلى زيادة العقول وترتيب هذه المقالة وفق ما يرون من تصحيح أو زيادة.

وهذا كله محض افتراء وكذب، وخيال عقلي، وأشبه بأسطورة من الأساطير منه ببيان علمي، والدليل على ذلك أمور:

1-

أن مصدر العلم الصحيح إما التجربة أو المشاهدة أو الخبر.

ولا شك أن الله تبارك وتعالى ليس داخلا لا ذاته ولا صفاته تحت مشاهدتهم ولا تجربتهم، وكذلك أصل العالم ومادته وإيجاد الله له كما قال عز وجل {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} الكهف (51) .

فكل ذلك ليس مجالاً للمشاهدة والتجربة، كما أنهم ليس لهم مصدر علمي صحيح أخبرهم بذلك، فإذاً عادت دعواهم إلى مجرد خرص وتخمين فاسد بعيد كل البعد عن العلم الصحيح والنظر الصحيح.

2-

أن تناقض الفلاسفة وزيادة بعضهم على بعض في هذه المقولة وتخطئة بعضهم لبعض في ذلك دليل على أن الأمر يعود إلى قدرة كل واحد منهم على الخرص والتخمين أكثر من الآخر، وذلك دليل على أن الأمر ليس حقيقة علمية يجب التسليم لها، وإنما هو تعبير خاص من قائله يعود إلى رأيه ونظره ولا يعود إلى أن ذلك هو حقيقة الأمر وواقعه.

ص: 112

ولو فهمت هذه الآراء على أنها آراء خاصة بأصحابها لكان الخطب يسيراً ولكن مع الأسف فقد جعلت تلك المقالات الفاسدة والآراء الكاسدة حقاً ثابتاً ويقيناً راسخاً يقاس غيرها عليها، ويقرب ما نفر عنها منها، وهي حكم على ما سواها، وهذا انحراف خطير، وخروج بالأمر عن مساره، وقلب لموازينه، إذ أن حقيقة الآراء المبنية على الخرص والتخمين أن تبقى آراءً خاصة لا تتعدى قائلها، ولا تعطى أي صفة علمية.

ثالثا: أن ما ادعوه من النفس الكلية والعقل إن أثبتوا له الإرادة والقدرة على التصرف فقد زعموا أن المبدع الأول، على حد تعبير بعضهم قد صدر عنه الإرادة والفعل، مع أنه في زعمهم فاقد لهذه الصفات، وفاقد الشيء لا يعطيه، وإن لم يثبتوا للنفس الكلية أو العقل الإرادة والقدرة والفعل فقد عاد الأمر كما كان بالنسبة للمبدع الأول، فتكون النفس الكلية أو العقل مسلوبي القدرة والإرادة والفعل ومعطلين، فلا يمكن أن يوجد ويدبر ويتصرف كما هو الحال بالنسبة للأول، ولازم ذلك عدم وجود المخلوقات وذلك باطل معلوم البطلان.

رابعاً: دعواهم أن العقل أو النفس الكلية هي التي أوجدت الكون ورتبته ووضعت فيه نظامه وأحكمته وما إلى ذلك مؤد إلى أن المبدع الأول فيما يزعمون أوجد من هو أفضل منه وأكمل وأجل وأقدر وهذا خلف وضلال مبين، فكيف يوجد من هو أفضل منه وهو عندهم في الأصل عاجز تمام العجز.

ص: 113

خامساً: إن زعمهم أن الكواكب لها نفوس تدبرها وهي التي أوجدت الإنسان وما إلى ذلك، ظاهر فيه الكذب والضلال، فإن من أعظم الكواكب الأرض وفيها من الخيرات والأحوال ما ليس في غيرها ومع ذلك فظاهر لكل ذي عينين أنها جامدة مسخرة لا روح فيها، وإنما هي مكونة من تراب وحجارة وماء وغير ذلك من المواد الجامدة، ولها نظام في شكلها وهيئتها ووضعها في هذا الكون لا يمكن بحال أن تخرج عنه بنفسها، ولا يمكن أن تكون أوجدته هي بنفسها، فإذا كان هذا حال الأرض فالكواكب الأخرى لا شك مثلها في ذلك وهي أبعد عن أن تكون لها أرواح تدبر أمرها، وفي هذا الوقت اتضح كذبهم وظهر أكثر من ذي قبل خاصة بعد وصول أناس من البشر إلى القمر وما لم يصلوا إليه استطاعوا أن يصوروه أو يروه بالمكبرات فلم يتبين فيها إلا أنها أقل حالاً من الأرض بل إنها فاقدة لكل معاني الحياة على ظهرها، فبالتالي ادعاء أن لها أرواحاً وأنها مدبرة لهذا الكون أو موجدة لا يعدو أن يكون من الأساطير السخيفة التي لا تروج إلا على أسخف الناس عقلاً وأبعدهم عن الإدراك السليم.

سادساً: إن من نظر في قول الفلاسفة في إيجاد هذا الكون يدرك أنه مبني على أمرين:

الأمر الأول: نظر عقلي فاسد أوصلهم إلى أن الله ليس له أي صفة ثبوتية سوى الواحدية أو الأولية وهذا من أجل أن يتوصلوا إلى إثبات علة للوجود.

الأمر الثاني: الوثنية المغرقة في الضلالة والخرافة مما كان عليه المجتمع اليوناني في زمنهم من تأليه الكواكب واعتقاد أنها التي أوجدت هذا الكون وتتصرف فيه.

فركب الفلاسفة قولهم من هذين الأمرين وكلاهما واضح بطلانه ظاهر سخافته وتهافته.

وقبل أن ننهي الكلام عن قول الفلاسفة ودعاويهم في صفات الله تبارك وتعالى وفعله وإيجاده لهذا الكون لابد أن نشير إلى أمر مهم وهو:

ص: 114

أن الفلاسفة قد يكونوا أجادوا بعض الإجادة في الكلام عن بعض المخلوقات أو الأمور المعنوية المتعلقة بالسياسة أو التربية ونحو ذلك، وكلامهم هذا مهما بلغوا فيه من حسن القول والإجادة لا يلزم أن يكونوا أهلاً لأن يتكلموا فيما وراء طاقة الإنسان وقدرته سواء فيما يتعلق بالله عز وجل، أو المخلوقات غير الظاهرة للعيان، فذلك غيب عن الإنسان، وعقل الإنسان وقدراته متعلقة بما يراه أو يرى شبيهاً له فيقيس عليه.

فحديثهم عن الله جل وعلا وحديثهم عن تكوين الكون ومادته وأصله كله كلام في أمر غير داخل تحت طاقتهم وقدرتهم، وكلامهم فيه لا يعدو أن يكون ككلام المتطفل على علم لا يحسنه. وهم في هذا مثل طبيب من أمهر الناس في الطب مثلاً هل يليق أن يذهب إليه أحد بناءً على حذقه في الطب فيسأله عن مسألة شرعية أو مسألة متعلقة بالسياسة أو مسألة متعلقة بالهندسة، لا شك أن هذا لا يليق ولا يصح.

ومن رام أن يأخذ من الطبيب جواب مسألة شرعية دقيقة أو مسألة متعلقة بالهندسة أو المحاسبة فهو مخطئ. فكذلك من رام أن يجد عند هؤلاء الفلاسفة علم ما يتعلق بالله عز وجل فقد أخطأ الطريق وأخطأ الهدف.

ثم إنه من رحمة الله عز وجل لما كانت وسائل البشر إلى معرفته المعرفة الصحيحة الكاملة مسدودة إلا من خلال الوحي أنزل الله في ذلك كتبه وأرسل رسله لتعليم الناس وتعريفهم به، وهذا من أعظم الرحمة وأعظم المنة من الله عز وجل على خلقه، لأنه بذلك يهيئ من شاء منهم إلى رحمته العظمى ورضوانه الأكبر في جنات عدن.

خاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي هدانا بغير حول منا ولا طول، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلي الله على معلم البشرية الخير وهاديها إلى كل فلاح ونجاح نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

أما بعد:

ص: 115

فبعد أن طوفنا خلال قول أهل الحق في الله عز وجل وربوبيته وألوهيته وصفاته ثم عرجنا على قول أهل الباطل من الفلاسفة نختم هذا البحث بأهم النتائج المستفادة منه وهي:

1-

أنه جاءنا عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق الذي تستريح له النفوس وتطمئن له القلوب ويغنيها عن سواهما ويعطيها ما تحتاج إليه من العلم الصحيح والتعبد الصحيح للمعبود الحق لأهل الأرض والسماء.

2-

أن الطريق إلى العلم الصحيح في الله عز وجل مغلق إلا من الطريق الذي جعله الله عز وجل طريقاً إليه وهم أنبياؤه وأمناؤه على وحيه.

3-

أن العقل غير قادر باستقلال للوصول إلى العلم الصحيح عن الله عز وجل.

4-

أن العقل مهما كان ناضجاً وقوياً فإنه لا يسلم من تأثير البيئات المحيطة به، والتربية التي تربى عليها الانسان، فلهذا تأتي أحكامه وتصوراته متأثرة بمؤثرات خارجية، تفسد عليه نقاوته وصحته وتقلب في بعض الأحيان موازينه.

5-

أن الفلاسفة ليسوا مؤهلين بحال للكلام في الله عز وجل لا من ناحية منهجهم، ولا مستواهم، ولا أهدافهم، وغاياتهم.

6-

أن كلام الفلاسفة في الله عز وجل متناقض، وهو من أفسد الكلام وأقبحه.

7-

أن الفلاسفة المعتمدين على العقل كما تناقضوا مع الحق في قولهم، فقد تناقضوا فيما بينهم، فمنهم من نفي وجود الله عز وجل جملة وتفصيلاً، ومنهم من زعم أنه هو هذا الوجود صغيره وكبيره، ومنهم من أثبت له وجوداً مطلقاً وعزله عن الخلق والإيجاد والتدبير والتصرف. وفي هذا التناقض دليل كاف على فساد المنهج العقلي وعدم قدرته على الوصول إلى العلم الصحيح في هذا الباب.

8-

أن الفلاسفة كما لم يثبتوا لله تعالى وجوداً حقيقياً، فهم أيضاً لم يثبتوا له فعلاً ولا ربوبية ولا ألوهية.

9-

أن الفلاسفة المؤلهة لما لم يثبتوا لله تعالى وجوداً حقيقياً ولا فعلاً اضطروا إلى ادعاء صدور أشياء عديدة، تسلسلت في الصدور عنه، عزوا إليها الخلق والتدبير.

ص: 116

10-

أن الفلاسفة لا يستطيعون بحال أن يقيموا برهاناً عقلياً واحداً على دعاويهم تلك،وإنما هي خيالات وأوهام مبنية على وهم خاص بكل واحد منهم.

11-

أن الله تعالى رحم البشرية عموماً بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، التي استفاد منها خلق كثير من بني آدم، سلم وامن خرافات ودعاوى الفلاسفة، التي راجت على بعض الناس، مع خلوها من البرهان أو الدليل.

12-

أن الفلاسفة الوثنيين أثروا في أناس عديدين من أهل الأديان من اليهود والنصارى والمسلمين، وهذا ما سنبينه بشيء من التفصيل في دراسة لاحقة إن شاء الله تعالى.

هذا ما تيسر جمعه في هذه الدراسة الموجزة. وفي الختام نحمد الله تعالى أولاً وآخراً الذي بنعمته تتم الصالحات، ونصلي ونسلم على نبينا محمد الهادي البشير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 117

تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين؛ لعلم الدين البلقيني

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1)

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3) .

أما بعد:

(1) آية (102) ِ سورة آل عمران.

(2)

آية (1) من سورة النساء.

(3)

آية (70 - 71) من سورة الأحزاب.

ص: 118

فإن العلم من أفضل القُرَب التي يتقرب بها العبد إلى ربه، كيف لا، وقد أثنى الله تعالى على أهله في غير آية، منها: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18)(1) . وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} (2)، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم في غير حديث: منها حديث معاوية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"(3) .

وقد هيأ الله تبارك وتعالى ظهورَ علماء أجلاء في كل عصر من العصور، وقفوا أنفسهم على خدمة الكتاب والسنة واستنباط الأحكام منهما، فخلفوا ثروة عظيمة زخرت بها مكتبات العالَم في شتى الأقطار، ومن أولئك العلماء الأجلاء علم الدين صالح عمر البلقيني المتوفى سنة 868 هـ، فقد خلف ما يزيد على عشرين مؤلفا، ومما اطلعت عليه من مؤلفاته مخطوطة بعنوان:"تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين" فأردت أن أدلي بدلوي - مع قلة بضاعتي - بإخراج هذا المؤلف محققا.

أسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم أن يعينني على ذلك، وييسره لي وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

خطة البحث

يحتوي هذا البحث على مقدمة وقسمين: قسم في الدراسة، وقسم في التحقيق.

فأما قسم الدراسة فيشتمل على ما يلي:

- التعريف بالمؤلف:

(1) آية (18) من سورة آل عمران.

(2)

آية (9) من سورة الزمر.

(3)

أخرجه البخاري 1/25 في كتاب العلم، باب: من يرد الله خيرا يفقه في الدين، واللفظ له، ومسلم 2/719 في الزكاة، باب النهي عن المسألة.

ص: 119

وهذا يشتمل على البحث عن: اسمه ونسبه، ومولده، ومكانته العلمية، وأبرز علماء أسرته، وشيوخه، وتلاميذه، وثناء العلماء عليه، وولايته للقضاء، ومؤلفاته، ووفاته.

- التعريف بالكتاب المحقق:

وذلك يشتمل على البحث عن: نسبة الكتاب للمؤلف، وموضوعات الكتاب وسبب تأليفه ومنهجه، ووصف النسخ المعتمدة في التحقيق، ونماذج من المخطوط، ومنهج التحقيق.

وأما قسم التحقيق فقد اتبعت فيه المنهج الآتي بيانه في صفحة (258) .

القسم الدراسي

في

التعريف بالمؤلف والمخطوط المحقَّق

أولا: التعريف بالمؤلف

ويشتمل عل النقاط التالية:

اسمه ونسبه:

هو علم الدين صالح بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الحق بن عبد الخالق البلقيني (1) .

اشتهر بلقبه: "علم الدين "(2) .

وكنيته: "أبو البقاء "و " أبو النقى "(3) .

ونسبته إلى " بلقينة " محلة بالقرب من " بنها "إلى الشمال من القاهرة (4) .

مولده:

اتفق أكثر المترجمين له أن ولادته كانت ليلة الاثنين، الثالث من شهر جمادى الأولى، عام واحد وتسعين وسبعمائة للهجرة (5) .

غير أن الحافظ ابن حجر ذكر أن المؤلف ولد سنة تسعين وسبعمائة للهجرة (6) .

(1) وردت ترجمة المؤلف في:

رفع الإصر لابن حجر 2/256، الدليل الشافي 1/351، الشيوخ لابن فهد ص/357، ذيل رفع الإصر ص/155، الضوء اللامع 3/312-314، حسن المحاضرة للسيوطي 1/444-445، نظم العقيان ص/119، شذرات الذهب 9/454، بدائع الزهور 2/419، كشف الظنون

1/354-363، 619، البدر الطالع 1/286-287، هدية العارفين 1/422، الأعلام

3/279، معجم المؤلفين 5/9، عصر السلاطين 2/116-117.

(2)

انظر: المصادر السابقة.

(3)

انظر: نظم العقيان ص/119، معجم المؤلفين 5/9.

(4)

انظر: عصر السلاطين 2/116.

(5)

انظر: مصادر ترجمته في هامش رقم (1) .

(6)

انظر: رفع الإصر عن قضاة مصر 2/256.

ص: 120

والأول هو الأقرب للصواب؛ إذ هو المثبت في جميع مصادر الترجمة، إلا ما ورد في كتاب "رفع الإصر " للحافظ ابن حجر، ولعله خطأ في النسخ أو الطباعة.

مكانته العلمية:

تبوأ المؤلف مكانة علمية سامية، وبلغ رتبة عالية حتى كان إمام العلماء في عصره والمبرز فيهم، ولم يأت نبوغه من فراغ، بل إن نشأته في أسرة علمية، وترعرعه في بيت عريق اشتهر بالريادة العلمية، كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيته العلمية الفذة.

فأسرة

" مدرسة أسهمت في تخريج كثير من العلماء الأفذاذ الذين أسهموا في نشر العلوم الشرعية، وإثراء المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب والرسائل، التي أفاد منها المعاصرون لهم ومن جاءوا بعدهم وقد اشتهر العديد منهم، ممن كانوا على قدر كبير من العلم والخلق والورع.

ومن أبرز علماء هذه الأسرة:

محمد بن عمر بن رسلان البلقيني " أخو المؤلف".

من أشهر الفقهاء في القرن الثامن الهجري، درَّس وأفتى، وتولى القضاء، له مؤلف بعنون «رسالة الكليم في تسلية أهل المصائب» ، توفي رحمه الله بالقاهرة سنة 791 هـ. (1)

عمر بن رسلان بن نصير سراج الدين البلقيني (والد المؤلف) .

برز في كافة العلوم الشرعية، وأثنى عليه علماءُ عصره، وفاق أقرانه في الفقه وحفظ متون الحديث. من مصنفاته: التدريب في الفقه، ومناسبات تراجم أبواب البخاري، وتصحيح المنهاج. توفي رحمه الله سنة 805 هـ. (2)

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني، جلال الدين (أخو المؤلف) .

(1) انظر: أنباء الغمر 2/376، طبقات ابن قاضي شهبة 3/171، شذرات الذهب 8/546.

(2)

انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 4/36، البدر الطالع 1/506، الأعلام 5/46.

ص: 121

اشتهر بالذكاء وقوة الحفظ، وولي القضاء عدة مرات، ووصفه الحافظ ابن حجر بأنه من عجائب الدنيا في سرعة الفهم، وجودة الحفظ. من مؤلفاته: الإفهام لما في صحيح البخاري من الإبهام، وبيان الكبائر والصغائر، وحواشي الروضة. توفي رحمه الله سنة 824 هـ. (1)

أحمد بن أبي بكر بن رسلان البلقيني، شهاب الدين، ابن أخ المؤلف.

كان فقيها عالما فاضلا، وجيها. من مؤلفاته: الروضة الأريضة في قسمة الفريضة. توفي رحمه الله سنة 844 هـ. (2)

قاسم بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان، زين الدين (ابن أخ المؤلف) .

من فقهاء الشافعية. من مؤلفاته: شرح التنبيه، وشرح الحاوي، وشرح المنهاج. توفي رحمه الله سنة 861 هـ. (3)

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني، بدر الدين،

(ابن ابن أخ المؤلف) .

اشتغل بالفقه والأصول والفرائض، ونبغ فيه، وتتلمذ عليه عدد كبير، وأخذوا عنه. من مؤلفاته: حاشية على خبايا الزوايا للزكشي في الفقه، وشرح مقدمة المناوي في النحو. توفي رحمه الله سنة 889 هـ. (4)

شيوخه:

ظهر خلال الحقبة الزمنية التي عاش فيها المؤلف عدد كبير من أبرز العلماء والمجتهدين الذين تميزوا في مختلف العلوم والفنون، وازدهرت فيه الحركة العلمية، وكان لأولئك الجهابذة تأثير في إبراز شخصية العلم البلقيني، حيث أفاد من أولئك العلماء المبرزين، ومن أشهرهم:

عمر بن رسلان بن نصير البلقيني، سراج الدين، والد المؤلف المتوفى سنة 805 هـ (5) .

(1) انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 4/87، أنباء الغمر 7/440، الأعلام 3/320.

(2)

انظر: الضوء اللامع 1/253، شذرات الذهب 9/362، معجم المؤلفين 1/176.

(3)

انظر: الضوء اللامع 6/181، شذرات الذهب 9/437، معجم المؤلفين 8/105.

(4)

انظر: الضوء اللامع 11/3، البدر الطالع 2/244، هدية العارفين 2/213.

(5)

سبقت ترجمته في صفحة (6) .

ص: 122

عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، الإمام الحافظ العراقي الشافعي، المتوفى سنة 806 هـ (1)

أحمد بن حجي بن موسى، شهاب الدين الشافعي، الحافظ المؤرخ المتوفى سنة 816 هـ. (2)

محمد بن عبد الله بن ظهيرة القرشي المخزومي، قاضي مكة وخطيبها، المتوفى سنة 817 هـ. (3)

محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة، عز الدين، أحد أبرز فقهاء الشافعية. توفي رحمه الله سنة 819 هـ. (4)

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان، جلال الدين، أخو المؤلف، المتوفى سنة 824 هـ. (5)

أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، الحافظ الشهير، والإمام المحدث، صاحب كتاب «فتح الباري» ، المتوفى سنة 852 هـ (6) .

تلاميذه:

برز المؤلف في عصره، واشتهر بالإمامة في الفقه وغيره، وذاع صيته، وفاق أقرانه، فاتجه إليه طلاب العلم من كل مكان، ولازموا حلقاته الدراسية، ونهلوا من العلوم التي يلقيها.

ومن أشهر التلاميذ الذين أخذوا عنه: -

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان، بدر الدين، المتوفى سنة 889 هـ (7) .

أحمد بن أحمد بن عبد الخالق الأسيوطي، ولي الدين الشافعي، أحد القضاة، المتوفى سنة 891 هـ. (8)

عبد الله بن زيد بن أبي بكر الجراعي الحنبلي، جمال الدين الصالحي، المتوفى سنة 896 هـ (9) .

(1) انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 4/29-33، البدر الطالع 8/72، هدية العارفين 1/562.

(2)

انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 4/12، شذرات الذهب 9/173، أنباء الغمر 7/121.

(3)

انظر: الضوء اللامع 8/83، طبقات ابن قاضي شهبة 4/54، هدية العارفين 2/182.

(4)

انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 4/49، أنباء الغمر 7/240، البدر الطالع 2/147.

(5)

سبقت ترجمته في صفحة (7) .

(6)

انظر: الضوء اللامع 2/36، شذرات الذهب 9/395، الأعلام 1/178.

(7)

سبقت ترجمته في صفحة (7 – 8) .

(8)

انظر: الضوء اللامع 1/210، متعة الأذهان 1/39.

(9)

انظر: متعة الأذهان 1/465.

ص: 123

محمد بن إسماعيل بن محمد الشافعي، شمس الدين، الشهير بخطيب السقيفة، المتوفى سنة 896 هـ (1) .

محمد بن إسماعيل بن خالد السعدي، بدر الدين، الفقيه الحنبلي، المتوفى سنة 900 هـ (2) .

محمد بن عبد الرحمن بن محمد، شمس الدين السخاوي الشافعي، الحافظ المؤرخ الشهير المتوفى بالمدينة المنورة سنة 902 هـ (3) .

عبدا لرحمن بن أبي بكر بن محمد، السيوطي، جلال الدين، الحافظ، صاحب المؤلفات التي زادت عل ستمائة مصنف، والمتوفى سنة 911هـ (4) .

عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني، نجم الدين الصالحي، الفقيه الحنبلي، المتوفى سنة 919 هـ (5) .

زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، زيد الدين، القاضي الفقيه الشافعي، المتوفى سنة 926 هـ (6) .

أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن، الفقيه الشافعي، المعروف بابن قاضي عجلون، المتوفى سنة 928 هـ (7) .

ثناء العلماء عليه:

تبوأ الإمام البلقيني مكانة مرموقة بين علماء عصره، وكان لنبوغه العلمي وسيرته في القضاء أثر محبة الناس له، واحتفظ التاريخ بذكراه العطرة، وسطر سيرته الحسنة، وعدد مناقبه الغزيرة، ومآثره العديدة.

ويتضح ذلك من خلال قراءة تاريخ حياته في المصادر التاريخية التي أوردت ترجمته:

قال عنه السخاوي، وهو من أبرز تلاميذه (8) : -

(1) انظر: متعة الأذهان 2/630.

(2)

انظر: الضوء اللامع 9/59، شذرات الذهب 9/552.

(3)

انظر: الضوء اللامع 9/59، الكواكب السائرة 1/53، الأعلام 6/194.

(4)

انظر: الكواكب السائرة 1/226، شذرات الذهب 1/74، البدر الطالع 1/328.

(5)

انظر: متعة الأذهان 1/542، الكواكب السائرة 1/284، شذرات الذهب 1/132.

(6)

انظر: الضوء اللامع 3/118، الكواكب السائرة 1/178، الأعلام 3/46.

(7)

انظر: الكواكب السائرة 1/114، شذرات الذهب 10/17، الأعلام 2/66.

(8)

انظر: الضوء اللامع 3/312-313، ذيل رفع الإصر ص/159.

ص: 124

كان إماما فقيها، عاملا قوي الحافظة، سريع الإدراك، خلق العبارة فصيحا، بساما بشوشا، طلق المحيا، فاشيا للسلام، مهابا، لطيفا في المحاضرة، فكها، ذاكرا لكثير من المتون والفوائد الحديثية والمبهمات، مستحضرا لجملة من الرقائق والمواعظ والأشعار، وكذا الوقائع والحوادث العلمية، شهما مقداما لا يهاب.

وقال عنه العلامة السيوطي (1) : هو شيخنا، حامل لواء مذهب الشافعي في عصره في عراقه وحجازه وشامه ومصره، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، تفرد بالفقه، وأخذ عنه الجم الغفير، وألحق الأصاغر بالأكابر، والأحفاد بالأجداد، وقد أفردت ترجمته بالتأليف.

وقد اشتهر الإمام البلقيني بأسلوبه الأخَّاذ في الوعظ والإرشاد المميز في الخطب، فكان يجتمع في مجالسه، والمسجد الذي يُلقي الإمام البلقيني فيه الخطب جموع غفيرة وأعداد كبيرة من الناس، وأصبح علما يشار إليه بالبنان، وقال أحد الأدباء مثنيا عليه (2) .

وعظ الأنام إمامنا الحبر الذي

سكب العلوم كبحر فضل طافح

فشفا القلوب بعلمه وبوعظه

والوعظ لا يشفي سوى من صالح

ولايته القضاء:

لا عجب أن يتولى الإمام البلقيني منصب القضاء بعد الشهرة العلمية، والمنزلة الفقهية التي بلغها، وليس غريبا أن يتولى القضاء، وقد ولي معظم العلماء من أسرته وأقاربه هذا العمل.

فقد تولى القضاء مبكرا قبل بلوغه العشرين من عمره نيابة عن أخيه القاضي جلال الدين بن عمر، في «دمنهور» شمال مصر.

ثم استقر في القضاء بالديار المصرية، ثم عزل، ثم أعيد، وتوالى عزله وإعادته عدة مرات، وبلغ مجموع ما أمضاه في القضاء ثلاثة عشر عاما ونصف.

وعرض عليه الوالي قضاء دمشق، فامتنع. وأثنى عليه السخاوي، وذكر أنه سار في القضاء سيرة حسنة (3) .

مؤلفاته:

(1) انظر: حسن المحاضرة ص/445، نظم العقيان ص/119.

(2)

انظر: البدر الطالع 1/268.

(3)

انظر: الضوء اللامع 3/313، رفع الإصر 2/258-259، ذيل رفع الإصر ص/168، حسن المحاضرة 1/444، شذرات الذهب 9/454.

ص: 125

حفل عصر العلامة البلقيني بأفذاذ من العلماء الذين أسهموا إسهاما بارزا في زيادة الإنتاج العلمي وتدوينه، وكثرت المؤلفات المختلفة في شتى أنواع المعارف والفنون بالإضافة إلى ما كانوا يقومون به من الإفتاء والتدريس، وإرشاد الناس وتوجيههم فإنهم لم يغفلوا عن جانب التأليف والكتابة، ولم ينصرفوا عنه رغم كثرة المشاغل والأعمال الأخرى.

والإمام البلقيني واحد ممن كان لهم دور بارز في ذلك، فقد قدم للمكتبة الإسلامية عددا من المؤلفات التي جادت بها قريحته، وسطرها قلمه، أعانه عليها ما وهبه الله من ذكاء وفطنة، وحفظ واستيعاب للفنون المختلفة والعلوم المتنوعة.

وفيما يلي سرد لمؤلفاته التي أوردتها المصادر التي ترجمت له:

أجوبة عن أسئلة منظومة (1) .

أحكام المبعض (2) .

التجرد والاهتمام بجمع فتاوى الوالد شيخ الإسلام (3) .

يقع في ثلاثة مجلدات، مجموع أوراقها (908) ورقات، محفوظ بالمكتبة الأزهرية (4) ، ومرتب على أبواب الفقه.

ويتضمن فتاوى والده في مختلف المسائل، وفرغ من تأليفه في شهر شعبان سنة أربع وأربعين وثمانمائة.

تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين.

وهو هذه الرسالة التي حققتها، وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى (5) .

التذكرة، في ست مجلدات (6) .

ترجمة البلقيني، كتاب ذكر فيه سيرة والده وحياته العلمية (7) .

(1) انظر: ذيل رفع الإصر ص/174.

(2)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/172.

(3)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171، الضوء اللامع 3/313، البدر الطالع 1/287، هدية العارفين 1/422، كشف الظنون 1/345، الأعلام 3/194، معجم المؤلفين 5/9.

(4)

انظر: فهرس المكتبة الأزهرية 2/230.

(5)

في صفحة (18) وما بعدها.

(6)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/174، كشف الظنون 1/389، الأعلام 3/194.

(7)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/174، الأعلام 3/194.

ص: 126

ترجمة الجلال البلقيني، أفرد فيه ترجمة لأخيه جلال الدين عبد الرحمن (1) .

تفسير القرآن العظيم، في ثلاثة عشر مجلدا، فرغ من تأليفه سنة 863 هـ (2) .

تكملة التدريب.

أكمل المؤلف فيه مؤلفا في الفقه لوالده، اسمه "التدريب"(3) ، كان قد وصل فيه إلى كتاب "الرضاع"، وأتمَّه المؤلف إلى نهاية أبواب الفقه، وفرغ من تأليفه في شهر محرم سنة 857 هـ (4) .

تلخيص الفوائد المحضة على الرافعي والروضة.

وهو تعليقات على كتاب "فتح العزيز" و "روضة الطالبين"، ويقع في سبع مجلدات (5) .

الجوهر الفرد فيما يخالف فيه الحر العبد (6) .

وهي رسالة جمع فيها المؤلف المسائل الفقهية التي يخالف فيها العبيد الأحرار مرتبة على أبواب الفقه. وقد حققها الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السحيمي.

دخول العبد المسلم في ملك الكافر.

توجد منها نسخة مصورة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تحت رقم (523/ف) كتب على غلافها اسم المؤلف، ولم أر من نسبها إليه ممن ترجموا له.

الغيث الجاري على صحيح البخاري (7) .

شرح للمؤلف على صحيح البخاري من أوله إلى أواخر كتاب الصيام (8) .

القول المستبين في أحكام المرتدين (9) .

(1) انظر: ذيل رفع الإصر ص/174، الأعلام 3/194، كشف الظنون 1/397، هدية العارفين 1/422.

(2)

انظر: حسن المحاضرة 1/445، شذرات الذهب 9/454، كشف الظنون 1/445، هدية العارفين 1/442.

(3)

انظر: التعريف عن كتاب «التدريب» في ترجمة والد المؤلف في صفحة (6-7) .

(4)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171، البدر الطالع 1/187، كشف الظنون 1/382.

(5)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171.

(6)

انظر: الضوء اللامع 3/314، البدر الطالع 1/287، والأعلام 3/194، معجم المؤلفين 5/9.

(7)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171.

(8)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171.

(9)

انظر: البدر الطالع 1/287، هدية العارفين 1/422، معجم المؤلفين 5/9.

ص: 127

القول المفيد في اشتراط الترتيب بين كلمتي التوحيد (1) .

القول المقبول فيما يدعي فيه بالمجهول (2) .

مخطوطة صغيرة في ست ورقات محفوظة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا، منها مصورة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تحت رقم (523/ف) .

الكشاف على الكشاف (3) .

وهو تعليق على شيء من تفسير الكشاف للزمخشري في عدة مجلدات.

مؤلف في الطاعون (4) .

مقالات نثرية.

وهو تقريظ على بعض مصنفات معاصريه (5) .

المقال المقطر في مقام المنبر.

وهو ديوان خطب في مجلد واحد (6) .

النثر الرائق في الرقائق.

وهو أربعة أجزاء في المواعظ (7) .

النثر الفائق في الرقائق.

وهو في مجلد واحد في المواعظ (8) .

وفاته:

أجمعت المصادر التاريخية التي ترجمت للمصنف – رحمه الله تعالى – على أن وفاته كانت في يوم الأربعاء، الخامس من شهر رجب، عام ثمان وستين وثمانمائة للهجرة النبوية. ودفن في اليوم التالي لوفاته بعد أن أدت جموع غفيرة الصلاة عليه بجامع الحاكم (9) .

ثانيا: التعريف بالمخطوط المحقق:

ويشتمل على النقاط التالية:

نسبة الرسالة إلى المؤلف:

وردت نسبة رسالة (تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين) ضمن قائمة مؤلفاته التي توردها المصادر المختصة، وكتاب (هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) لمؤلفه إسماعيل باشا البغدادي المتوفى 1339هـ، من أهم المصادر التي عنيت بنسبة المؤلفات إلى أصحابها وربط عناوينهابأسماء مؤلفيها.

(1) انظر: ذيل رفع الإصر ص/171، الأعلام 3/194، معجم المؤلفين 5/9.

(2)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/170-171.

(3)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/171.

(4)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/172.

(5)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/175-178.

(6)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/174، الأعلام 3/194.

(7)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/174.

(8)

انظر: ذيل رفع الإصر ص/174.

(9)

انظر: مصادر ترجمته في صفحة (240) .

ص: 128

وحين عدد البغدادي في كتابه هدية العارفين 1/422 أسماء مؤلفات العلامة البلقيني، ذكر منها هذه الرسالة:(تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين) .

كما نسبها للبلقيني، الحاج خليفة في مؤلفه الذي خصصه لذكر أسماء المؤلفين ومؤلفاتهم. فقد جاء في كتابه:«كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/363: «تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين» لعلم الدين صالح بن سراج الدين عمر البلقيني.

فنسبة الرسالة إلى المؤلف ثابتة من خلال هذين المصدرين.

كما أن أسلوب المؤلف ومنهجه في كتابتها لا يختلف عن المنهج الذي سلكه في تأليف رسائله الأخرى التي اطلعت عليها، ومنها:

الجوهر الفرد فيما يخالف فيه الحر العبد.

القول المقبول فيما يدعي فيه بالمجهو.

دخول العبد المسلم في ملك الكافر.

موضوع المخطوط وسبب تأليفه ومنهجه:

هذا المؤلف (تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين) يتحدث فيه مؤلفه عن بعض المسائل المتعلقة بمن يقبل قوله بلا يمين على مذهب الإمام الشافعي الذي ينتسب إليه.

أما سبب تأليفه فقد أشار المؤلف إليه في المقدمة حيث قال: ليتذكر بها الفقيه المتين الراغب في الفقه ولينتفع بذلك أهل التقوى والدين.

أما منهجه في هذا المؤلف فهو يختار من كل باب من أبواب الفقه مسألة أو مسألتين أو أكثر، ولذلك يعبر بـ (من) التبعيضية عند بداية كل باب.

ثم بعد ذلك يورد المسألة ويصوغها بأسلوبه في بعض الأحيان، وأحيانا ينقلها بنصها من كتب المذهب وأحيانا يصرح بالنقل من هذه الكتب كالتتمة، والكفاية، والحاوي، وغيرها. وقد اعتمد كثيرا على النقل من روضة الطالبين للإمام النووي.

وفي الغالب لا يذكر الأوجه في المسألة، بل يجزم بحكمها وهو الصحيح في المذهب، وفي بعض المسائل يذكر الأقوال والأوجه بدون تصحيح، وقد لا يذكر قولا أو وجها في المسألة بخلاف ما عليه المذهب، وهذا قليل.

ص: 129

والمؤلف – رحمه الله تعالى – جمع هذه المسائل ورتبها ونقلها من بطون كتب المذهب في مؤلف خاص بها وعرضها بأسلوب سهل واضح، وعلق على بعض المسائل بتعليقات مفيدة ولم يستقص المؤلف جميع المسائل الوادرة في هذا الموضوع، كما أنه لم يذكر الأدلة النقلية أو العقلية لما أورده من مسائل.

وصف النسخ المعتمدة في التحقيق:

بعد الاجتهاد في البحث والتنقيب في فهارس المخطوطات المختلفة لم أعثر إلا على نسخة فريدة لهذا المؤلَّف: (تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين) ، وهذه المخطوطة محفوظة بالهند - حيدر أباد - في الجامعة العثمانية تحت رقم (361/297) .

وتقع هذه المخطوطة في أربع ورقات، في كل لوحة (23) سطرا ما عدا اللوحة الأخيرة من الورقة الرابعة، فهي أقل من ذلك وتتراوح كلمات كل سطر ما بين 10 إلى 11 كلمة. وقد كتبت هذه المخطوطة بخط جيد مختلط بين النسخ والرقعة، وهي خالية من التعليقات والحواشي. وناسخها: محمد بن المساوي الأهدل.

أما تاريخ نسخها فكان الفراغ منه ضحى يوم الاثنين في شهر محرم سنة 1223 هـ، كما هو مدون في آخر لوحة من المخطوط وكتب بعد ذلك:

كمل الكتاب تكاملت نعم السرور لصاحبه وعفى الإله بفضله وبجوده عن كاتبه

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماكثيرا.

نماذج من المخطوط

P258

P259

منهج التحقيق:

من أجل أن تظهر هذه الرسالة على الوجه الصحيح، والصورة التي وضعها عليها المؤلف، سرت في تحقيقها على المنهج الآتي: -

كتبت النص حسب القواعد الإملائية المتعارف عليها في عصرنا الحاضر.

وثقت الأقوال التي نسبها المؤلف في المخطوط لبعض فقهاء الشافعية أو نقلها عنهم.

علقت على بعض المواضع التي رأيت مناسبة التعليق عليها في الهامش معتمدا في ذلك على مصادر الشافعية الأصلية.

عرفت بالكتب التي ذكر المؤلف ووثقت ما نقله منها.

ترجمت للأعلام الذين ذكرهم المؤلف ترجمة موجزة معتمدا على المصادر الأصلية في ذلك.

ص: 130

شرحت الكلمات الغريبة التي ورد ذكرها في المخطوط، وذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية المهتمة بذلك.

حددت نهاية كل ورقة، وذلك بوضع خط مائل (/) هكذا، ثم ذكرت في الهامش: نهاية لوحة رقم كذا من المخطوط.

وضعت في نهاية الكتاب فهرسا للمصادر التي اعتمدت عليها وآخر للموضوعات.

ص: 131

قسم تحقيق كتاب:

تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين لعلم الدين صالح بن عمر بن رسلان البلقيني الشافعي

المتوفى سنة 868هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الحق المبين الذي رفع عن دعوى المدعي دعواه في بعض كلفة اليمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فقد استخرت الله تعالى في هذا التعليق على نبذ من المسائل التي يقبل فيها قول الأمين وغيره بلا يمين، ليتذكر بها الفقيه المتين الراغب في الفقه لينتفع بذلك أهل التقوى والدين، وسميته:"تحفة الأمين فيمن يقبل قوله بلا يمين" والله المسئول والمعين أن ييسره بفضله المتين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

من باب الزكاة (1) :

لو قال الفقير لا كسب لي وحاله يشهد بصدقه لكبر أو زمانة (2) أعطي بلا بينة ولا يمين (3) . وحيث لا تهمة في دعوى المسكين والفقير يكتفي بقولهما ولا يندب التحليف، وحيث اتُّهِم مدعي الفقر والمسكنة حلَّفه الحاكم ندبا (4) .

ومن قال: من المؤلفة (5)

(1) الزكاة لغة: الطهارة والنماء والمدح والبركة.

واصطلاحا: اسم لقدر مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة.

انظر: لسان العرب 14/254، المصباح المنير 1/301، المجموع 5/325، فتح الجواد1/240.

(2)

الزمانة: العاهة المزمنة القديمة.

انظر: لسان العرب 6/87، معجم لغة الفقهاء ص/233.

(3)

بلا خلاف؛ لأن الأصل والظاهر عدم الكسب.

انظر: الوجيز 1/294، التهذيب 5/197، فتح العزيز 7/399-400

(دار الكتب العلمية) ، المجموع 6/195.

(4)

انظر: التنبيه ص/63، التهذيب 5/197، فتح العزيز 7/399 (ط. دار الكتب العلمية) ، المجموع 6/195، المنثور 3/390، إعانة الطالبين 2/189، 190، فتح المعين 2/189، المنهج ص/496.

(5)

المؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره.

انظر: المنهاج للنووي 3/109، معجم لغة الفقهاء ص/367.

ص: 132

، نيتي في الإسلام ضعيفة قُبِلَ قوله بلا يمين (1) .

مسألة: لو ادعى المالك تلف النصاب (2) المخروص (3) أو بعضه فإن أسنده إلى سبب خفي كالسرقة صدق بيمينه (4) أو ظاهر كالنهب (5) وعرف السبب (6) صدق بلا يمين إن لم يتهم، وإلا حلف (7) .

مسألة: - النِّتاج (8)

(1) انظر: الوجيز 1/294، التهذيب 5/197، فتح العزيز 7/400 (دار الكتب العلمية) ، المجموع 6/197، 198، 199، 200، الإقناع للشربيني 1/231، مغني المحتاج 3/109، 114، فتح الوهاب 2/47، نهاية الزين 1/180.

(2)

النصاب: القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا جمعه نحو مائتي درهم وخمس من الإبل.

انظر: المصباح المنير 2/243، أنيس الفقهاء ص/132، النظم المستعذب 1/142.

(3)

الخرص لغة: التقدير والحزر، والمخروص هو المقدر والمحزور. واصطلاحا: هو تقدير ما على النخل أو الكرم رطبا وعنبا ثم تمرا أو زبيبا.

انظر: لسان العرب 4/62، أنيس الفقهاء ص/212، فتح العزيز 5/585 (ط. دار الكتب العلمية) ، فتح الباري 3/344، حاشيتي قليوبي وعميرة 2/21.

(4)

وهي مستحبة في أصح الوجهين، فلا زكاة فيما يدعي هلاكه سواء حلف أم لا.

انظر: المجموع 5/485، روضة الطالبين 2/253.

(5)

النهب: الغارة والسلب قهرا.

انظر: المصباح المنير 2/769، النهاية في غريب الحديث والأثر 5/133.

(6)

وإن لم يعرف، فالصحيح أنه يطالب بالبينة لإمكانها. انظر: روضة الطالبين 2/254.

(7)

انظر: الأم 2/34، المهذب 1/155، الحاوي 3/227، نهاية المطلب 2/ق 76-78، التهذيب 3/85، المحرر ق 46/أ، فتح العزيز 5/591 (دار الكتب العلمية) ، المجموع 5/439، شرح المحلي 2/21، مغني المحتاج 1/388، حواشي الشرواني والعبادي 4/302.

(8)

النتاج - بالكسر -: اسم يشمل وضع البهائم من الغنم وغيرها. وإذا ولي الإنسان ناقة أو شاة ماخضا حتى تضع، قيل: نتجها نتجا من باب ضرب. وهو أيضا ثمرة الشيء، فنتاج الحيوان ولده ونتاج الحقل غلته.

انظر: المصباح المنير 2/722، لسان العرب 2/373، معجم لغة الفقهاء ص/444.

ص: 133

يزكى بزكاة الأصل، ولو ادعى المالك أن النتاج بعد الحول صدق بلا يمين (1) ، فإن اتهم حلف (2) .

من باب بيع الأصول والثمار:

فيما إذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح، قال في "التتمة" (3) :"لو اختلف في وقوع الجائحة (4) فالغالب أنها لا تخفى، فإن لم تعرف أصلا، فالقول قول البائع بلا يمين، وإن عُرف وقوعها عاما فالقول قول المشتري بلا يمين، وإن وقعت وأصابت قوما دون قوم فالقول قول البائع مع يمينه"(5) .

(1) بلا خلاف؛ لأن الأصل براءته.

انظر: المجموع 5/36.

(2)

انظر: التهذيب 3/30، فتح العزيز 5/489 (مع المجموع، ط. دار الفكر) ، روضة الطالبين 2/186، فتح الوهاب 1/183، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/510، حواشي الشرواني 3/254.

(3)

التتمة) لأبي سعيد عبد الرحمن بن مأمون المتولي المتوفى سنة 478هـ.

قال النووي: " وسمي بالتتمة لكونه تتميما للإبانة ـ يعني للفوراني ـ وشرحا لها، وتفريعا عليها. وقد وصل فيه إلى كتاب الحدود، وقيل: إلىكتاب القضاء، وكمله بعده جماعة". ا. هـ. ولها عدة تتمات للعجلي وغيره. وتوجد من الكتاب نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم (50 فقه شافعي) ، وفي معهد المخطوطات بمصر رقم (69 فقه شافعي) .

انظر: طبقات ابن الصلاح 1/452، تهذيب الأسماء واللغات 2/281، طبقات الأسنوي 1/146، كشف الظنون 1/146، الأعلام 3/323.

(4)

الجائحة لغة: الآفة والشدة.

واصطلاحا: هي النازلة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها كالفيضانات والحرائق والأمراض ونحوها.

انظر: المصباح المنير 1/138، 139، لسان العرب 2/431، معجم لغة الفقهاء ص/157.

(5)

لأن الأصل عدم الهلاك ولزوم الثمن. وانظر: عن قول صاحب "التتمة" في روضة الطالبين 3/563.

ص: 134

مسألة: إذا وجد بالمبيع عيبا، فإن لم يحتمل تقديمه (1) كجراحة طرية، وقد جرى البيع والقبض من سنة، فالقول قول البائع بلا يمين (2) .

من باب الرهن (3) :

لو قال: رهنتني الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض، فقال الراهن: لم تكن الأشجار أو بعضها يوم رهن الأرض، بل أخذتها بعد، نظر: إن كانت الأشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن، فالمرتهن كاذب، والقول قول الراهن بلا يمين، وإن كانت بحيث لا يتصور حدوثها بعده، فالراهن كاذب، فإن اعترف في معاوضها (4) أنه رهن الأرض بما فيها كانت الأشجار مرتهنة، ولا حاجة إلى قبول يمين المرتهن (5) .

(1) وإن احتمل تقديمه وحدوثه كالمرض فالقول قول البائع؛ لأن الأصل لزوم العقد واستمراره. انظر: روضة الطالبين 3/388.

(2)

انظر: فتح العزيز 4/274 (ط. دار الفكر) ، روضة الطالبين 3/388، مغني المحتاج 2/61، فتح الوهاب 1/299.

(3)

الرهن لغة: الثبوت والدوام والحبس. واصطلاحا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.

انظر: المصباح المنير 1/287، تصحيح التنبيه ص/70، كفاية الأخيار 1/163، مغني المحتاج 2/121.

(4)

هكذا في المخطوط. وفي فتح العزيز 4/528 (ط. دار الكتب العلمية) : معارضتها. وفي روضة الطالبين 3/350 (ط. دار الكتب العلمية) : مفاوضتها.

(5)

انظر: المهذب 1/316، الوجيز 1/168، فتح العزيز10/170، 171 (ط. دار الفكر) ، نهاية المحتاج 4/297.

ص: 135

مسألة: إذا قبلنا إقرار الراهن بالجناية (1) على الغير، فهل يحلف أم يقبل بلا [حلف] (2) ؟ قولان أو وجهان:

أحدهما - لا يحلف.

والثاني - وهو الأصح -: يحلف (3) .

مسألة: لو ادعى الراهن جناية المرهون وكذبه المرتهن، فالقول قول المرتهن. فإذا قلنا: قول الراهن، فهي المسألة الثانية (4) .

مسألة: لو أتت المرهونة بولد، فقال الراهن: وطأتها بإذنك، وهذا الولد مني، وهي أم ولد (5)، فقال المرتهن: بل هو من زوج أو زنا، فالقول قول الراهن بلا يمين (6) .

من باب الفلس (7) :

(1) الجناية لغة: مصدر جنى يجني. والجناية: الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه القصاص والعقاب في الدنيا والآخرة. واصطلاحا: هي التعدي على البدن بما يوجب عليه قصاصا أو مالا. انظر: المصباح المنير 1/136، 137، القاموس المحيط 4/212، لسان العرب 14/154، التعريفات ص/79، تكملة المجموع 18/344.

(2)

ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط. والمثبت موافق لاقتضاء السياق وموافق لما في المصادر بهامش (1) في الصفحة التالية.

(3)

وذلك لحقِّ المرتهن.

انظر: المهذب 1/318، الوسيط 3/529، فتح العزيز 10/185 (ط. دار الفكر) ، روضة الطالبين 4/120، 121.

(4)

انظر: روضة الطالبين 4/121، مغني المحتاج 2/143.

(5)

أم ولد: هي كل أمة أتت بولد ظاهر التخطيط علقت به من السيد في ملكه. انظر: الغاية القصوى 2/1051.

(6)

انظر: الأم 3/147، الحاوي 6/60، المهذب 1/319، فتح العزيز 10/113 (ط. دار الفكر) ، روضة الطالبين 4/83.

(7)

الفلس في اللغة: اسم من أفلس؛ أي صار إلى حال ليس معه فيها فلوس. وقال بعضهم: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم، فهو مفلس. وحقيقته: الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر.

والفلس اصطلاحا: تراكم الديون على المرء وعجزه عن وفائها لكون خرجه أكثر من دخله.

انظر: المصباح المنير 1/319، معجم لغة الفقهاء ص/318.

ص: 136

لو جرى تأبير (1) ورجوع، فادعى البائع رجوعه قبل التأبير فالثمار له وكذبه المفلس، فالمذهب تصديقه بيمينه، لكن بشرط تحليف إن ادعى البائع علمه أن الرجوع قبل التأبير، فلو صدقه البائع بأن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع، سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين (2) .

مسألة: إذا جرى التأبير والرجوع، فقال البائع: رجعت قبل التأبير والرجوع (3) فالثمار لي، وقال المفلس: بل بعده، فالمذهب: أن القول قول المفلس مع يمينه، وأن الأصل عدم الرجوع حينئذ، وبقاء الثمار له (4) .

قال المسعودي (5) : "ومخرَّجُ (6)

(1) التأبير لغة: من أبر النخل يأبره أَبْرا وإبارا؛ لقحه. و (أبَّرتُه)(تأبيرا) مبالغةٌ وتكثيرٌ.

واصطلاحا: تلقيح النخل بشق طلع النخلة الأنثى، ووضع شيء من طلع النخلة الذكر في هذا الشق.

انظر: المصباح المنير 1/5، مختار الصحاح ص/2، معجم لغة الفقهاء ص/318.

(2)

انظر: المهذب 1/324، 325، فتح العزيز 10/255 (دار الفكر) ، روضة الطالبين

4/162.

(3)

في المخطوطة تكرار (فقال: رجعت قبل التأبير) ، ولعله سهو من الناسخ.

(4)

انظر: فتح العزيز 10/255 (دار الفكر) ، روضة الطالبين 4/162.

(5)

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن مسعود بن أحمد المروزي، المعروف بالمسعودي، أحد فقهاء الشافعية، أصحاب الوجوه، كان إماما فاضلا مبرزا عالما زاهدا، ورعا حسن السيرة، تفقه على القفال، وشرح المختصر. مات رحمه الله بمرو سنة 420هـ.

انظر: طبقات ابن قاضي شهبة 1/216، وفيات الأعيان 3/350، مرآة الجنان 3/40.

(6)

القول المخرج؛ هو أن ينص الإمام على حكمين مختلفين لمسألتين متشابهتين، ولم يظهر الفرق بينهما، فينقل بعض الأصحاب جوابه في كل مسألة إلى الأخرى، فيُحصل في كل منهما قولان منصوص ومخرج، فالمنصوص في هذه هو المخرج في تلك، والمخرج في تلك هو المنصوص في هذه. والصحيح أن القول المخرح لا ينسب للشافعي؛ لأنه ربما روجع فيه، فذكر فرقا.

انظر: المجموع 1/68، تحفة المحتاج 1/53.

ص: 137

قول أن القول قوله / (1) بلا يمين بناءً على أن النكول (2) ورد اليمين كالإقرار، ولو أقرّ لم يقبل، وفي قول أن القول قول البائع؛ لأنه أعرف بقصده" (3) .

فلو أقرّ البائع أن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين؛ لأنه يوافقه على نفي علمه، قاله الإمام (4)(5) .

من باب الحجر (6) :

ولد المرتزقة (7) إذا ادعى البلوغ (8)

(1) نهاية لوحة رقم (1) من المخطوط.

(2)

النكول؛ هو الجبن والتأخر. والمراد هنا: الامتناع عن حلف اليمين. انظر: المصباح المنير 2/766، النظم المستعذب 1/169.

(3)

انظر: عن قول المسعودي في فتح العزيز 10/255 (دار الفكر) ، روضة الطالبين 4/163.

(4)

هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، إمام الحرمين أبو المعالي. تفقه على والده، مجمع على إمامته وغزارة علمه. له مصنفات كثيرة منها: نهاية المطلب في الفقه، والشامل، والبرهان، والورقات في أصول الفقه، والإرشاد في أصول الدين. توفي رحمه الله بنيسابور سنة 478هـ.

انظر: طبقات الأسنوي 1/97، سير أعلام النبلاء 18/468، شذرات الذهب 5/338.

(5)

انظر: عن قول الإمام في روضة الطالبين 4/162، 163.

(6)

الحجر لغة؛ المنع والحظر.

واصطلاحا؛ منع من تصرف خاص بسبب خاص.

انظر: المصباح المنير 1/147، النظم المستعذب 1/328، مغني المحتاج 1/411.

(7)

المرتزقة؛ من ارتزق القوم إذا أخذوا أرزاقهم فهم مرتزقة، وتطلق على الجنود الأجانب المستأجرين للقتال. انظر: المصباح المنير 1/268، معجم لغة الفقهاء ص/390.

(8)

البلوغ لغة؛ الإدراك والنضوج.

واصطلاحا؛ بلوغ الذكر أو الأنثى سن الحلم والتكليف.

وللبلوغ علامات حسية معروفة: منها – ما يشترك فيه الذكر والأنثى كالاحتلام، والإنبات. ومنها – ما تختص بالأنثى كالحيض والحبل. انظر: المصباح المنير 1/77، لسان العرب 8/420، المهذب 1/330، مغني المحتاج 1/166، المبدع 4/332.

ص: 138

بالاحتلام وطلب ثبات اسمه في الديوان (1) فوجهان:

أحدهما – يصدق بلا يمين؛ لأنه إن كان كاذبا، فكيف يحلف وهو صبي، وإن كان صادقا وجب تصديقه.

وأصحهما – يحلف عند التهمة، كذا رجحه في الروضة (2) ، وهو متعقب [فقد](3) جزم بالأول في طرف [الحالف](4)، فقال: "إن كان الصبي إذا ادعى البلوغ في وقت الإمكان، صدق بلا يمين، كما سبق في الإقرار (5) . (وإذا ادعى الصبي فإنه لا يحلف)(6) .

مسألة: لو أقرّ الصبي، وادعى بلوغه في سن الاحتلام في سن يحتمل ذلك، فإن صدقناه قبل قوله من غير يمين (7) .

(1) الديوان؛ جريدة الحساب ثم أطلق على الحساب ثم أطلق على موضع الحساب، وهو معرب، والأصل (دِوَّانٌ) فأبدل من أحد المضعفين ياءً للتخفيف، ولهذا يرد في الجمع إلى أصله، فيقال: دَوَاوِين، وفي التصغير: دُوَيْوِين؛ لأن التصغير وجمع التكسير يردان الأسماء إلى أصولها، ودوَّنتُ الديوانَ؛ أي وضعته وجمعته. ويقال: إن عمر رضي الله عنه أول من دوَّن الدواوين في العرب؛ أي رتَّب الجرائد للعمال وغيرها. انظر: المصباح المنير 1/243، وتاريخ الخلفاء ص/152.

(2)

يعني: روضة الطالبين 12/49، وهو كما في أصله فتح العزيز 13/216 (ط. دار الكتب العلمية)، وانظر أيضا: الوسيط 7/428، مغني المحتاج 4/479، حاشية البجيرمي 3/74.

(3)

في المخطوط: (فقدم)، ولعل الصواب ما أثبت لاقتضاء السياق. وانظر أيضا: روضة الطالبين 12/38.

(4)

ما بين المعقوفين في المخطوط: (الحال) ، لعله سقطت الفاء من قلم الناسخ؛ لأن النووي ذكر هذه المسألة في الروضة 12/38 في الطرف الثالث، وهو في الحالف. وهو طرف من الأطراف الواردة في باب اليمين.

(5)

يعني في روضة الطالبين باب الإقرار 5/350-351.

(6)

ما بينهما في الروضة 12/38: "ومن ادعى عليه بشيء، فقال: أنا صبي بعد وهو محتمل؛ لم يحلف".

(7)

انظر: الوسيط 3/317، 7/421، فتح العزيز 13/201 (دار الكتب العلمية) ، مغني المحتاج 2/238، حاشية البجيرمي 2/433.

ص: 139

مسألة: السفيه في إتلاف المال الأصح في باب القسامة (1) أنه لا يحلف (2) .

مسألة: ولد المرتزقة إذا ادعى البلوغ بالاحتلام وطلب إثبات اسمه في الديوان فوجهان:

أحدهما – تصديقه بلا يمين.

وأصحهما – تحليفه للتهمة، فإن نكل لم يثبت اسمه إلى أن يظهر بلوغه (3) .

ويقرب منه من شهد الوقعة من المراهقين إذا ادعى الاحتلام وطلب سهم المقاتلة يعطى إن حلف، وإن لم يحلف فوجهان:

أحدهما – يعطى ويصدق بغير يمين.

وأصحهما – لا يعطى، لفقد حجته، وهو الحلف، وقيل: النكول (4) .

مسألة: إذا ادعى الابن على أبيه أنه رشيد (5) وطلب فك الحجر عنه، فأنكر الأب لم يحلف (6)

(1) القسامة - بالفتح -: الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، يقال: قتل فلان بالقسامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البينة، فحلفوا خمسين يمينا أن المدعى عليه قتل صاحبهم، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمون: قسامة أيضا.

انظر: المصباح المنير 2/607، التعريفات ص/175، مغني المحتاج 4/109.

(2)

انظر: الوسيط 6/396، روضة الطالبين في القسامة 10/5، 6، وفي الإقرار 5/350-351، وفي الحجر 4/185، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509.

(3)

انظر: الوسيط 7/428، فتح العزيز 13/216 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/49، نهاية المحتاج 5/66-67.

(4)

انظر: التلخيص لابن القاص ص/647، فتح العزيز 13/216-217 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/49، نهاية المحتاج 5/66.

(5)

الرشيد: هو من عرف بصلاحه في دينه وحسن تصرفه في ماله. فصلاح الدين: أن لا يرتكب من المعاصي ما تسقط به عدالته. وصلاح المال: أن يكون حافظا له غير مبذر. انظر: المهذب 1/331، مغني المحتاج 2/168.

(6)

أي لا يحلف الأب؛ لأنه أمين، ولأن الرشد مما يوقف عليه بالاختبار، فلا يثبت بقوله.

انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509، مغني المحتاج 2/166، نهاية المحتاج 4/357.

ص: 140

قال في "الإشراف"(1) للهروي (2) : "ويحتمل وجه أنه يحلف، ولعله يقر فتزول ولايته"(3) .

من باب الوكالة (4) :

على الإنسان حق لرجل وطالبه به رجل وزعم أنه وكيل المستحق، فأنكر المديون وكالته ولا بينة؛ لم يحلف على المذهب (5) .

من باب [الإقرار](6) :

لو قال: علي ألف مؤجل، إن اتصل ذكر الأجل بالإقرار فالقول قوله بلا يمين (7)

(1) هو: كتاب الإشراف في غوامض الحكومات، وهو شرح لكتاب أدب القضاء للعبادي، وقد نقل بعض فوائده السبكي في طبقاته. انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/365-371.

(2)

هو: أبو سعيد محمد بن أحمد بن يوسف الهروي، تلميذ القاضي أبي القاسم العبادي وقاضي همدان. قال السبكي:"كان أحد الأئمة، وهو في حدود الخمسمائة". وذكر الأسنوي عن عبد الغفار الفارسي: أن أبا سعيد قتل شهيدا مع أبيه في جامع همدان في شعبان سنة ثماني عشرة وخمسمائة. انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/365، طبقات الشافعية للأسنوي 2/519، 520.

(3)

انظر: روضة الطالبين 4/177،حاشية أبي الضياء الشبراملسي 4/357.

(4)

الوكالة - بكسر الواو وفتحها - مشتقة من وكل الأمر إليه إذا فوضه إليه واعتمد عليه.

واصطلاحا: تفويض ماله وفعله مما يقبل النيابة إلى غيره، ليحفظه حال حياته.

انظر: المصباح المنير 2/838، النظم المستعذب 1/348، كفاية الأخيار 1/175، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 5/15.

(5)

انظر: فتح العزيز 5/269 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 4/345، 346، المنثور 3/389، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/506.

(6)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوط، لعله سهو من الناسخ. والمثبت من الاستقراء.

والإقرار لغة: الاعتراف بالشيء. واصطلاحا: هو إخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه.

انظر: المصباح المنير 2/599، أنيس الفقهاء ص/43، مغني المحتاج 2/238.

(7)

انظر: الوسيط 3/350، فتح العزيز 5/336 (دار الكتب العلمية) روضة الطالبين

4/398، وقد ذكروا المسألة ولم يتعرضوا لذكر اليمين.

ص: 141

وكذا لو قال: علي ألف وفسره على الفور بثمن عبد باعه مني، ولم يسلم العبد، فإنه يقبل قوله بلا يمين (1) .

مسألة: لو قال: علي ألف من جهة تحمل العقل (2) مؤجلا فقولان: أظهرهما – قبوله من غير يمين (3) .

من باب العارية (4) :

لو اختلف المالك والمتصرف، فادعى المالك الإعارة، والمتصرف الإجارة (5) فإن كان بعد تلف العين بعد زمن لمثله أجرة، فالمالك يدعي القيمة وينكر الأجرة، والمتصرف بالعكس، فإن قلنا: اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ - وهو الصحيح - فإن القيمة والأجرة سواء أو كانت القيمة أقل؛ أخذها المالك بلا يمين (6) .

(1) انظر: فتح العزيز 5/334 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 4/396، نهاية المحتاج 5/101.

(2)

العقل: الدية، وأصله أن القاتل إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول؛ أي يشدها في عُقُلها يسلمها إليهم ويقبضونها منه، فسميت الدية عقلا - بالمصدر - وكان أصل الدية الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/278، المصباح المنير 2/504.

(3)

انظر: الوسيط 3/350، فتح العزيز 5/336 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين

4/398.

(4)

العارية في اللغة: من تعاوروا الشيء واعتوروه؛ تداولوه.

واصطلاحا: إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده.

انظر: الصحاح 2/761، تصحيح التنبيه 1/78، كفاية الأخيار 1/180.

(5)

الإجارة لغة: اسم للأجرة، وهي الكراء.

واصطلاحا: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبدل والإباحة بعوض معلوم.

انظر: مختار الصحاح ص/6، المصباح المنير 2/642، مغني المحتاج 2/233.

(6)

انظر: حلية العلماء 5/206، الحاوي 7/124، فتح العزيز 11/238

(دار الفكر) ، روضة الطالبين 4/442-443، إعانة الطالبين 3/135، فتح الجواد 1/549.

ص: 142

من باب الوقف (1) :

لو اختلف أرباب الوقف في شرط الواقف ولا بينة، فإن كان الواقف حيًّا أخذ بقول الواقف (2) ، قال في (الحاوي)(3) بلا يمين (4) .

مسألة من (5) باب الشهادات (6) :

لو ادعى جماعة من الورثة الوقف، لكن3 نكل بعض وحلف بعض (7) ؛ فيأخذ الحالف الثلث وقفا، وأما الباقي فهو تركة (8) .

(1) الوقف لغة: الحبس. واصطلاحا: حبس ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ممنوع من التصرف تقربا إلى الله تعالى. انظر: المصباح المنير 2/838، كفاية الأخيار 1/197، حاشية الشبراملسي 5/358.

(2)

انظر: المهذب 1/446، روضة الطالبين 5/352، مغني المحتاج 2/295، حاشية البجيرمي 3/215، حاشية الشرواني 6/259.

(3)

كتاب عديم النظير في بابه، لم يؤلف في المذهب مثله، وهو شرح مختصر المزني. وقد طبع بتحقيق علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود. الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، عام 1414هـ.

(4)

7/533، وكذا أيضا قال الروياني. انظر: كفاية الأخيار 1/169.

(5)

في المخطوط: (في) ، ولعل الصواب ما أثبت كما في غير هذا الموضع.

(6)

الشهادات) جمع شهادة. والشهادة في اللغة؛ الحضور والمعاينة.

واصطلاحا: هي الإخبار على غيره عن مشاهدة وعيان، لا عن تخمين وحسبان.

انظر: المصباح المنير 1/384، النظم المستعذب 2/323، مغني المحتاج 4/427، معجم لغة الفقهاء ص/266.

(7)

- هكذا في المخطوط، ولكن عبارته في فتع العزيز 13/104، والروضة 11/286:"فإذا حلف واحد ونكل اثنان".

(8)

يظهر أن في الكلام حذفا يدل على ذلك ما في روضة الطالبين 11/286: "

وأما الباقي فهو تركة تقضى منها الديون والوصايا، فما فضل ففيه وجهان: والأصح – أن يقسم بين المنكرين من الورثة واللذين نكلا دون الحالف".

ص: 143

فلو مات غير الحالف وهو الناكل والحالف حي، فنصيب الميت للحالف، وفي اشتراط يمينه ما سبق (1) من الوجهين. (2) قال في "الكفاية" (3) :"الوجه انتقاله بلا يمين".

أو مات الحالف دون الناكل، ففي نصيب الحالف أوجه: أصحها – ينتقل إلى البطن الثاني، وهل يحلفون؟ فيه الوجهان. (4)

والصورتان أن يدعوا وقف تشريك وأقاموا شاهدا واحدا:

فإن حلفوا معه أخذوا الدار وقفا ثم إن حدث لأحدهم ولد؛ فمقتضى الوقف شركته، فيوقف نصيبه إلى أن يبلغ، فيصرف إليه إن حلف على المذهب. وفي وجه: لا حاجة إلى حلفه. (5)

فإن نكل الحادث (6) عن اليمين ففي الموقوف ثلاثة أوجه:

أصحها – يصرف إلى الحالفين بلا يمين، هذا هو المنصوص.

والثاني – كوقف تعذر مصرفه.

(1) في صفحة: (29-30) .

(2)

انظر: فتح العزيز 13/104 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 11/286.

(3)

يريد «كفاية النبيه شرح التنبيه» لأبي العباس أحمد بن محمد بن الرفعة المتوفى سنة 710 هـ. يقع هذا الكتاب في عشرين مجلدا، لم يعلق على التنبيه مثله، مشتمل على غرائب وفوائد كثيرة. له نسخ بدار الكتب المصرية برقم 1747، وبالأزهرية برقم 478، وبشستربتي برقم 3061، 3555. وله نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم 2635، وبمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم 336-338.

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 9/26، طبقات الشافعية للأسنوي 1/297، طبقات ابن قاضي شهبة 2/212، الدرر الكامنة 1/135، كشف الظنون 1/491.

(4)

انظر: الوسيط 7/380، فتح العزيز 13/104-105 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 11/286.

(5)

انظر: الوسيط 7/381، فتع العزيز 13/106-107 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 11/287-288.

(6)

أي نكل الولد الحادث بعد بلوغه.

انظر: فتح العزيز 13/107، روضة الطالبين 11/288.

ص: 144

والثالث – إن شرط الواقف وقف الشركة [من حدث](1) عدمَ رد من يحدث، فإذا لم يحلف صرف للحالفين بلا يمين (2) .

من باب إحياء الموات (3) :

الأرض المملوكة إذا كانت لغير واجد الركاز / (4) ووجد فيها كنزا لم يملكه الواجد، بل إن ادعاه مالكها فهو له بلا يمين كالأمتعة (5) .

من كتاب الوصية (6) :

إذا ادعى رجل دينا على ميت وللميت وصي في قضاء دينه، فإن الوصي لم يحلف (7) .

من كتاب النكاح (8)

(1) ما بين المعقوفتين زيادة في المخطوط، ولعل الصواب حذفها، كما في فتح العزيز 13/107 (ط. دار الكتب العلمية) .

(2)

انظر: الوسيط 7/379-381، فتح العزيز 13/107 (ط. دار الكتب العلمية) روضة الطالبين 11/288.

(3)

إحياء الموات: هو جعل الارض الميتة التي لا مالك لها منتفعا بها بوجه من وجوه الانتفاع كالغرس والزرع والبناء. انظر: المصباح المنير 2/713، النظم المستعذب 1/423، معجم لغة الفقهاء ص/27.

(4)

نهاية لوحة (2) من المخطوط.

والركاز بمعنى المركوز، كالكتاب بمعنى المكتوب. ومعناه؛ الثبوت، ومنه ركَز رمْحَه يركُزه - بضم الكاف - رَكْزا؛ إذا غوره وأثبته. واصطلاحا: هو المال المدفون في الأرض الذي لا يعرف له مالك معدنا كان أم نقدا.

انظر: المصباح المنير 1/281، شرح السنة 6/59، المجموع 6/91، معجم لغة الفقهاء

ص/226.

(5)

انظر: الأم 2/44، الحاوي 3/342، التهذيب 3/1991، فتح العزيز 3/140 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 2/288، شرح التنبيه للسيوطي 1/243، فتح الوهاب 1/193، مغني المحتاج 1/396.

(6)

الوصية لغة: الإيصال. من وصى الشيء بكذا؛ وصل به. واصطلاحا: تبرع بحق مضاف – ولو تقديرا – لما بعد الموت. انظر: المصباح المنير 2/827، تهذيب الأسماء واللغات 4/192، تصحيح التنبيه 1/94، مغني المحتاج 1/396.

(7)

انظر: الوسيط 7/421، فتح العزيز 13/202 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/39.

(8)

النكاح لغة: الضم والجمع والتداخل. يقال: تناكحت الأشجار؛ إذا تمايلت.

واصطلاحا: عقد يفيد استمتاع كل من الزوجين بالآخر بلفظ خاص.

انظر: الصحاح 1/413، المصباح المنير 2/765، مغني المحتاج 3/124.

ص: 145

:

الأب إذا ادعى الحاجة إلى التصرف يصدق بلا يمين (1) .

مسألة: من قاعدة "بناء العقود على قول أربابها": قال بعض الأصحاب: لو جاءت امرأة إلى القاضي وقالت: "كان لي زوج في بلد كذا أو كذا، فبلغني أنه مات وانقضت عدتي، فزوجني"؛ فإنه يقبل قولها ولا بينة عليها ولا يمين (2) .

من باب الصداق (3) :

لو ادعى الزوج تجديد لفظ العقد من غير فرقة صدقت في وجه بلا يمين. (4)

مسألة: لو أتت المرأة ببينة العيّ (5) في عقدين لازما، فلو ادعى تجديد لفظ العقد من غير فرقة؛ حلفت الزوجة على نفي ما يدعيه. وقيل: تصدق من غير يمين (6) .

من باب الخلع (7) :

إذا تحالفا بألف وأطلقا ثم حلف كل منهما على بينة الآخر، وادعى توافق البينتين، فوجهان:

أحدهما – يجب مهر المثل بلا تحالف.

(1) ولا يكلفه إثبات الحاجة بالبينة؛ لأنه غير متهم.

انظر: روضة الطالبين 4/187، 188، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509.

(2)

انظر: المنثور 1/171-172، الأشباه والنظائر لابن الوكيل 1/255، 256.

(3)

الصداق لغة: مأخوذ من الصدق لإشعاره بصدق رغبة الزوج في الزوجة. والمراد به: المهر. وله مسميات كثيرة غير المهر.

واصطلاحا: ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا، كرضاع ورجوع شهود.

انظر: الصحاح 4/1506، المصباح المنير 1/397، مغني المحتاج 3/220.

(4)

ولكن المذهب إذا ثبت العقدان بالبينة أو بإقراره أو بيمينها بعد نكوله؛ لا يلتفت إلى قوله، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة.

انظر: الوسيط 5/272، فتح العزيز 8/340 (د. ك.ع) ، مشكل الوسيط 5/272، روضة الطالبين 7/328.

(5)

العي: العجز. انظر: المصباح المنير 2/528.

(6)

انظر: الوسيط 5/272، فتح العزيز 8/340 (دار الكتب العلمية) ، مشكل الوسيط

5/272، روضة الطالبين 7/328، حاشية الشرواني 7/391.

(7)

الخُلع - بالضم والفتح - من الخَلع وهو النزع.

واصطلاحا: فرقة على عوض راجع إلى الزوج.

انظر: المصباح المنير 1/213، كفاية الأخيار 2/49.

ص: 146

والأصح – التحالف. (1)

ولو قال الزوج: أردت التبرة (2) ، ولم يتعرض لجانبها، وقالت المرأة: أردت الفلوس، ولم تتعرض لجانبه؛ حصلت الفرقة، ووجب مهر المثل بلا تحالف (3) . وفي وجه:[يتحالفان](4) . (5)

من باب الاستبراء (6) :

لو قالت المستبرأة: حضت، صدقت بلا يمين (7) .

مسألة: إذا أتت بولد لدون ستة أشهر من الاستبراء؛ لحقه الولد. فلو ادعى الاستبراء بعد الوطء، وأنكرته، ففي [وجه] (8) تحليف السيد أوجه:

أصحها – أن السيد يحلف.

والرابع – يصدق بلا يمين (9) .

من باب الحضانة (10)

(1) انظر: الوسيط 5/355، التهذيب 5/581، فتح العزيز 8/469، 470 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 7/432.

(2)

التبرة: ما كان من الذهب غير مضروب، فإن ضرب الدناير فهو عين.

انظر: المصباح المنير 1/89، القاموس المحيط 1/393.

(3)

انظر: الوسيط 5/355 – 356، فتح العزيز 8/470 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 7/432-433.

(4)

في المخطوط: (يتحالفا) ، لعله سقطت النون من قلم الناسخ.

(5)

وهو الأصح عند النووي واختاره إمام الحرمين والغزالي. انظر: المصادر السابقة.

(6)

الاستبراء لغة: طلب البراءة، وهو السلامة؛ أي براءة الرحم من الولد.

واصطلاحا: هو التربص الواجب بسبب ملك يمين حدوثا وزوالا.

انظر: المصباح المنير 1/60، النظم المستعذب 2/192، كفاية الأخيار 2/80، نهاية المحتاج 7/163.

(7)

انظر: الوجيز 2/104، فتح العزيز 9/542 (ط. دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 8/437، فتح الوهاب 2/192، فتح المعين 4/58، نهاية الزين 1/333، مغني المحتاج

3/412، 413.

(8)

هكذ في المخطوط، ولعل الصواب حذفها؛ لاقتضاء السياق.

(9)

انظر: الوجيز 2/104، فتح العزيز 9/545، 546 (د. ك. ع) ، روضة الطالبين 8/440، مغني المحتاج 3/413.

(10)

الحضانة - بالفتح والكسر - لغة: مصدر حضن الشيء إذا جعله في حضنه أو رباه. والحضن هو ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر والعضدان وما بينهما، وجانب الشيء وناحيته.

واصطلاحا: القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته على ما يصلحه ووقايته عما يؤذيه.

انظر: مختار الصحاح ص/142، المصباح المنير 1/170، كفاية الأخيار 2/93.

ص: 147

:

لو اختلف المنتقل والحضانة في النقلة؛ صدق المنتقل بلا يمين في وجه (1) .

من باب الجنايات (2) :

إذا قطع يد إنسان ورجليه فمات، واختلف الجاني والولي، فقال الجاني: مات بالسراية (3) فلا يلزمني إلا دية واحدة. وقال الولي: مات بعد الاندمال (4) في تلك المدة، في المصدق أوجه: الذي قاله الأكثرون: يصدق يمينه. (5)

وعلى تصديق الولي، قال جماعة: إن طال الزمان بحيث لا يمكن أن تبقى الجراحة فيه غير مندملة، فلا تحليف، ويصدق الولي بلا يمين، وينبغي وجوب اليمين (6) .

مسألة: لو ادعى الجاني أنه كان يوم القتل صغيرا وكذبه ولي المقتول، فالمصدق الجاني باليمين بشرط إمكان الصِّغَر في يوم القتل (7) .

(1) اختاره القفال. والأصح أنه يصدق بيمينه. انظر: التهذيب 6/400، فتح العزيز 10/99 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 9/107، المنثور 3/390، مغني المحتاج 3/459.

(2)

الجنايات: جمع جناية وقد سبق تعريفها.

(3)

السراية: التعدي. يقال: سرى الجرح إلى النفس، معناه؛ دام ألمه حتى حدث منه الموت. وقطع كفه فسرى إلى ساعده؛ أي تعدى أثر الجرح. انظر: المصباح المنير 1/326.

(4)

الاندمال: يقال: اندمل الجرح؛ أي تراجع إلى البرء. انظر: المصباح المنير 1/237، مختار الصحاح ص/210.

(5)

انظر: فتح العزيز 10/251-252 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 9/211، فتح الوهاب 2/232، مغني المحتاج 4/38-39.

(6)

انظر: المصادر السابقة.

(7)

لأن اليمين لإثبات المحلوف عليه، ولو حلف لبطلت يمينه.

انظر: فتح العزيز 10/158، روضة الطالبين 9/149.

ص: 148

فإن قال الجاني: أنا الآن صغير، فلا قصاص ولا يمين، قاله الرافعي (1) . (2)

من باب القضاء (3) :

لو قال خصم: حكم القاضي بشهادة عبدين، أُحضِرَ القاضيُ، فإن أنكر صدق بلا يمين (4) . وقال النووي (5) :"الأصحّ اليمين"(6) .

من باب الدعوى (7)

(1) هو: عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي، أبو القاسم شيخ الشافعية في زمانه، تفقه بأبيه وغيره، واشتهر بكتابه "الشرح الكبير" الذي لم يصنف في المذهب مثله، وله المحرر وشرح مسند الشافعي وغيرها. توفي رحمه الله بقزوين سنة 623هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي 8/281، طبقات الأسنوي 1/281، سير أعلام النبلاء 22/252، العبر 5/94.

(2)

انظر: عن قول الرافعي في كتابه فتح العزيز 10/158 (دار الكتب العلمية) .

(3)

القضاء لغة: إحكام الشيء وإمضاؤه.

واصطلاحا: الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى.

انظر: النظم المستعذب 2/289، مغني المحتاج 4/372.

(4)

هكذا فيما صححه الرافعي، ووافقه النووي في الروضة في الدعاوى 12/38، وخالفه في القضاء 11/129، 130، ونقل السيوطي اختيار السبكي والبلقيني ما صححه الرافعي.

انظر: المهذب 2/297، فتح العزيز 12/447، 13/201 (دار الكتب العلمية) ، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/510، المنثور 3/389 – 391.

(5)

هو: الإمام شيخ الإسلام يحيى بن شرف بن مري النووي، محيي الدين أبو زكريا، المحدث المشهور والفقيه المعروف بورعه، من كبار أئمة الشافعية، ومحرر المذهب ومرتبه وحافظه، صاحب المصنفات الكثيرة النافعة: كالمنهاج، والروضة، والمجموع، والإيضاح، وشرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين وغيرها. توفي رحمه الله سنة 676. انظر: طبقات الأسنوي 2/266، شذرات الذهب 5/354، تذكرة الحفاظ 4/147، الأعلام 8/149.

(6)

انظر: المنهاج مع مغني المحتاج 4/384، 385، روضة الطالبين في كتاب القضاء

11/130.

(7)

الدعوى لغة: الطلب والتمني.

واصطلاحا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم.

انظر: المصباح المنير 1/232، مغني المحتاج 4/461.

ص: 149

:

لو ادعى ثلاثة بنين من ورثة أن أباهم وقف عليهم هذه الدار، وأنكر سائر الورثة وأقاموا شاهدا ليحلفوا معه تفريعا على ثبوت الوقف بالشاهد واليمين، وادعوا وقف ترتيب، فإذا حلف المدعون ثبت الوقف، فإذا انقرض المدعون أخذ البطن الثاني الدار وقفا، وهل يأخذونه بيمين أم لا؟ وجهان (1) :

أصحهما عند الجمهور: بلا يمين، وهو ظاهر نصه في "المختصر"(2) .

مسألة: القاضي يقنع من الأمين باليمين إن لم يكن سببا ظاهرا، ثبت ذلك السبب بالبينة، إذا لم يعرف ما يدعيه في تلك البقعة. أما إذا ادعى ذلك فيها بالمشاهدة أو الاستفاضة، فإن عرف عمومه؛ صدق بلا يمين، وإن لم يعرف عمومه واحتمل أنه لم يصب المال؛ صدق بلا يمين (3) .

مسألة من باب الشهادة (4) :

لا يحلف على ما شهد به؛ لأنه منهي عن الكتمان، كان القول قوله بلايمين (5) .

وقال: إذا ادعت المرأة الحمل، فإنها تصدق بلا يمين (6) ؛ لأن الله تعالى قال:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (7) ./ (8)

مسألة: إذا ادعى على القاضي على أنه ظلمه في الحكم، فأنكر؛ لم يحلف، لارتفاع منصبه (9)

(1) ويقال قولان.

انظر: الوسيط 7/379-380، التهذيب 8/241-242، فتح العزيز 13/102-103 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 11/285.

(2)

أي مختصر المزني ص/323.

(3)

انظر: المنثور 3/389، إعانة الطالبين 4/63، مغني المحتاج 3/91، شرح ابن رسلان

1/263.

(4)

سبق تعريف الشهادة.

(5)

انظر: الوسيط 7/421، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509.

(6)

انظر: التنبيه ص/218، المنثور 3/151.

(7)

آية 228 من سورة البقرة.

(8)

نهاية لوحة رقم (3) من المخطوط.

(9)

لأنه أمين الشرع، فيصان منصبه عن التحليف.

انظر: فتح العزيز 13/201 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/38، مغني المحتاج 2/177، 384.

ص: 150

، وادعى على المعزول أنه حكم عليه أيام قضائه ظلما، فإنه يصدق بلا يمين على الأصح (1) .

مسألة: إذا ادعى على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط، أو ادعى ما يسقط عدالته؛ لم يحلف، لارتفاع منصبه (2) .

من باب الجزية (3) :

إذا طُولب الذمي (4) بجزية السنة، فادعى أنه أسلم قبل تمام السنة، فليس عليه جزية أو ليس له عليه تمامها، حلف استحبابا على الأصح، فإن نكل لم يطالب بشيء (5) .

من باب العتق (6)

(1) نقل الخطيب الشربيني عن الزركشي: وهذا فيمن عزل مع بقاء أهليته. أما من ظهر فسقه وشاع جوره وجنايته، فالظاهر أنه يحلف قطعا. انظر: روضة الطالبين 12/38، مغني المحتاج 4/384.

(2)

انظر: فتح العزيز 13/201 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/38، المنثور

3/389.

(3)

الجزية لغة مأخوذة من المجازاة.

واصطلاحا: هي المال المأخوذ من أهل الذمة بالتراضي لإسكاننا إياهم في ديارنا أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم، أو لكفِّنا عن قتالهم.

انظر: المصباح المنير 1/123، كفاية الأخيار 2/133، مغني المحتاج 4/243.

(4)

الذمي) من الذمة، وهي في اللغة؛ العهد والأمان والضمان. وفي الاصطلاح: هو المعاهد أو من أمضى له عقد الذمة أو الكافر الذي يقيم في دولة الإسلام بعقد يصير به من مواطنيها.

انظر: المصباح المنير 1/249، معجم لغة الفقهاء ض/191.

(5)

ذكر هذه المسألة ابن القاص وقيدها بما إذا غاب ثم عاد مسلما. وقال إمام الحرمين: "وظاهر هذا أنه لو كان عندنا وصادفناه مسلما بعد السنة، وادعى أنه أسلم قبل تمامها، وكتم إسلامه؛ لم يقبل قوله؛ لأن الظاهر أن من أسلم بدار الإسلام لم يكتمه".

انظر: التلخيص لابن القاص ص/646، الوسيط 7/427، فتح العزيز 13/216 (دار الكتب العلمية) ، روضة الطالبين 12/48، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/504.

(6)

العتق لغة: الكرم والجمال والنجابة والشرف والحرية.

واصطلاحا: هو إزالة الرق عن الآدمي.

انظر: مختار الصحاح ص/411، كفاية الأخيار 2/175، نهاية المحتاج مع حاشيته 8/377.

ص: 151

:

لو ادّعى على من هو بيده أنه أعتقه، وادعى عليه آخر أنه باعه وأقرَّ بالبيع، فإنه لا يحلفه العبد ولا يغرم (1) . قال الروياني (2) :"وليس من لا يغرمه لأحد المدعيين ولا يغرم للآخر قطعا إلا هذا"(3) .

من باب أمية الولد:

لو ادعت الولد وأنكر أصل الوطء فأشهر الوجهين: لا يحلف (4) ،هذا إذا كان ولد، فلو لم يكن ولد؛ لم يحلف قطعا (5) . والله أعلم.

تم الكتاب بعون الملك الوهاب، فله المنة وإليه المآب / (6) .

فهرس المصادر

مرتبا حسب الحروف الهجائية

- القرآن الكريم.

- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة 911هـ. الطبعة الأولى 1413هـ، دار الكتب العلمية.

- الأعلام. لخير الدين الزركلي المتوفى سنة 1396هـ. الطبعة الخامسة 1980م، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت.

- إعانة الطالبين. لأبي بكر محمد شطا الدمياطي، المعروف بالسيد البكري.

-الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع. لمحمد بن أحمد الشربيني الخطيب المتوفى سنة 977هـ. الطبعة الأولى. دار المعرفة، بيروت.

- الأم. لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى 204هـ. الناشر: مطبعة الشعب، القاهرة.

(1) انظر: روضة الطالبين 12/74، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509.

(2)

هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري الشافعي، أبو المحاسن، المعروف بصاحب البحر. برع في الفقه وكان من المتمكنين فيه، أحد أئمة الشافعية تفقه على أبيه وجده. من مصنافاته: البحر والفروق والحلية والكافي وغيرها. توفي رحمه الله سنة 502هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء 19/260، النجوم الزاهرة 5/197، الأعلام 4/175.

(3)

انظر: روضة الطالبين 12/74، الأشباه والنظائر للسيوطي ص/509.

(4)

وهو الصحيح في المذهب.

انظر: فتح العزيز 9/546 (ط. دار الكتب العملية) ، روضة الطالبين 8/440، مغني المحتاج 4/476.

(5)

انظر: المصادر بهامش 6 في الصفحة السابقة.

(6)

نهاية لوحة 4 من المخطوط.

ص: 152

- إنباء الغمر بأنباء العمر. لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852هـ. تحقيق: د. حسن حبشي. القاهرة 1389هـ.

- أنيس الفقهاء. للشيخ قاسم القونوي المتوفى 978هـ. تحقيق: د. أحمد عبد الرزاق الكبيسي. الناشر: دار الوفاء – جدة. الطبعة الأولى 1406هـ.

- بدائع الزهور في وقائع الدهور. لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي المتوفى 930هـ. تحقيق: محمد مصطفى. مطبعة عيسى البابي الحلبي القاهرة.

- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع. للإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى 1250هـ. الناشر: مطبعة السعادة بمصر. الطبعة الأولى 1348هـ.

- تاريخ الخلفاء. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى 911هـ. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. الناشر: دار المعرفة، بيروت.

- تحفة المحتاج شرح المنهاج. لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974هـ. الناشر: مطبعة البابي الحلبي.

- تصحيح التنبيه. لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ. مطبوع بهامش التنبيه. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.

- التعريفات. للشريف علي بن محمد الجرجاني. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

- التلخيص في الفقه. لأبي العباس أحمد بن أحمد الطبري المعروف بابن القاص المتوفى 478هـ. تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض. مكتبة نزار الباز.

- التنبيه في الفقه الشافعي. لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476هـ. الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

- التهذيب في فقه الإمام الشافعي. للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي المتوفى 519هـ. تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض. دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان. الطبعة الاولى 1418هـ.

- تهذيب الأسماء واللغات. لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى 676هـ. تحقيق: د. بشار عواد معروف. الناشر: مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى 1405هـ.

ص: 153

- حاشية البجيرمي على الخطيب. لسليمان بن محمد بن عمر البجيرمي المتوفى سنة 1221هـ. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. الطبعة الأخيرة 1370هـ.

- حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج. لنور الدين أبي الضياء، علي الشبراملسي المتوفى 1087هـ. مطبوع مع نهاية المحتاج. الطبعة الأخيرة 1386هـ. مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

- حاشية الشرواني على تحفة المحتاج. للعلامة عبد الحميد الشرواني. مطبوع مع تحفة المحتاج المتقدم ذكره.

- حاشية قليوبي على منهاج الطالبين. لشهاب الدين أحمد القليوبي المتوفى سنة 1069هـ. الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر. الطبعة الثالثة.

- الحاوي الكبير. لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي المتوفى 450هـ. تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود. الناشر: دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى سنة 1414هـ.

- حلية العلماء. لمحمد بن أحمد الشاشي القفال المتوفى سنة 507هـ. تحقيق: ياسين أحمد دراكة. الطبعة الأولى 1988م، مكتبة الرسالة الحديثة - الأردن - عمان.

- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة. للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ. الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة. الطبعة الاولى 1387هـ.

- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852هـ. تحقيق: محمد سيد جاد الحق. الناشر: دار الكتب الحديثة – القاهرة.

- ذيل رفع الإصر عن قضاة مصر. لشمس الدين السخاوي المتوفى 902هـ. تحقيق: د. حامد عبد المجيد وآخرون.

- رفع الإصر عن قضاة مصر. للحافظ أحمد بن حجر، سبق ذكره قريبا. الناشر: المطبعة الأميرية. 1957هـ.

- روضة الطالبين وعمدة المفتين. لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ. الناشر: المكتب الإسلامي – دمشق 1388هـ.

- سير أعلام النبلاء. لشمس الدين، محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى سنة 748هـ.

ص: 154

تحقيق: شعيب الأرناؤوط. الناشر: مؤسسة الرسالة.

- شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لشهاب الدين عبد الحيّ ابن العماد الحنبلي 1089هـ. الطبعة الأخيرة، دار ابن كثير، دمشق.

- شرح التنبيه. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى 911هـ. دار الفكر. الطبعة الأولى 1416هـ.

- شرح السنة. لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى 516هـ. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش. المكتبة الإسلامي. الطبعة الأولى 1390هـ.

- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. لإسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. الناشر: دار العلم للملايين، بيروت.

- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. لشمس الدين السخاوي المتوفى 902هـ. الطبعة الأولى عام 1354هـ. القاهرة.

- طبقات الشافعية. لتقي الدين أبي عمرو، عثمان بن عبد الرحمن، المعروف بابن الصلاح المتوفى 643هـ. تحقيق: محيي الدين علي نجيب. الطبعة الأولى 1413هـ. دار البشائر، بيروت.

- طبقات الشافعية الكبرى. لتاج الدين أبي نصر، عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة 717 هـ. تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو. الناشر: دار إحياء الكتب العربية. القاهرة.

- طبقات الشافعية. لجمال الدين، عبد الرحيم الأسنوي، المتوفى 772هـ. الطبعة الأولى. دار الكتب العلمية، بيروت.

- طبقات الشافعية. لأبي بكر بن أحمد بن قاضي شهبة المتوفى 851هـ. تحقيق: د. عبد الله الطباع. الناشر: عالم الكتب، بيروت.

- عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي. تأليف: محمود رزق سليم. الناشر: مكتبة الآداب. القاهرة 1947م.

- الغاية القصوى في دراية الفتوى. للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة 685هـ. تحقيق: علي داغي. الناشر: دار النصر للطباعة الإسلامية، مصر.

- فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852هـ. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار المعرفة، بيروت.

ص: 155

- فتح الجواد بشرح الإرشاد. لأبي العباس أحمد بن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974هـ. الناشر: شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، بمصر. الطبعة الثانية 1391هـ.

- فتح العزيز شرح الوجيز (وهو الشرح الكبير) . لأبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي المتوفى 623هـ. مطبوع مع المجموع ومعهما التلخيص الحبير. الناشر: دار الفكر، بيروت.

- فتح المنان شرح زبد ابن رسلان. لمحمد بن علي، المعروف بالمفتي الحبيشي المتوفى 1283هـ. مراجعة: عبد الله الحبشي. الطبعة الأولى 1409هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.

- فتح الوهاب بشرح منهاج الطلاب. للشيخ زكريا الأنصاري، المتوفى سنة 926هـ. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة 1367هـ، القاهرة.

- فهرس المكتبة الأزهرية. الطبعة الأولى 1371هـ، القاهرة.

- القاموس المحيط. لمجد الدين محمد يعقوب الفيروز أبادي المتوفى 817هـ. الطبعة الثانية. شركة مصطفى البابي، حلب، القاهرة.

- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. لحاجي خليفة، المتوفى سنة 1067هـ.

الناشر: مكتبة المثني، بيروت.

- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار. لتقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني المتوفى 829هـ. الناشر: دار المعرفة، بيروت. الطبعة الثانية.

- الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة لنجم الدين الغزي المتوفى سنة 1061هـ. الناشر: دار الآفاق الجديدة. الطبعة الثانية 1979م، بيروت.

- لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري.

دار صادر، بيروت.

- المبدع في شرح المقنع. لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح، المتوفى 884هـ. الطبعة الثانية بالأفسيت عام 1398هـ. الناشر: دار المعرفة، بيروت.

- متعة الأذهان. لمحمد بن طولون الحنبلي، المتوفى 953هـ. الناشر: دار صادق، بيروت. الطبعة الأولى 1999م.

ص: 156

- المجموع شرح المهذب. لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى 676هـ. مع تكملتيه للسبكي والمطيعي، ومعه فتح العزيز والتلخيص الحبير. الناشر: دار الفكر، بيروت.

- المحرر. للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى 623هـ. مخطوط بمكتبة الأزهرية رقم 13، وعنه نسخة مصورة على فلم بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم 155.

- مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. الناشر: دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى 1967م.

- مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان. لأبي محمد عبد الله اليافعي المتوفى 768هـ. الناشر: دائرة المعارف النظامية - حيدر أباد - الهند، 1390هـ.

- مشكل الوسيط. لأبي عمرو ابن الصلاح المتوفى 643هـ. تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، ومحمد محمد تامر. مطبوع بهامش الوسيط. طبعة دار السلام. الطبعة الأولى 1417هـ.

- المصباح المنير. لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفى 770هـ. الناشر: المطبعة الأميرية بولاق، مصر. الطبعة الأولى 1321هـ.

- معجم الشيوخ. لنجم الدين الزاهي، دار اليمامة، الرياض 1402هـ.

- معجم المؤلفين. لعمر رضا كحالة. الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

- معجم لغة الفقهاء. للدكتور محمد رواس، والدكتور حامد صادق. الطبعة الأولى. دار النفائس، بيروت.

- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. للشيخ محمد الشربيني الخطيب، المتوفى 977هـ. الناشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي. عام 1377هـ.

- المهذب في فقه الشافعي. لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى 476هـ. الناشر: شركة ومطبعة الحلبي وأولاده، عام 1396هـ.

- المنهاج. لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى 676هـ. المتن المطبوع مع مغني المحتاج. الناشر: مصطفى البابي الحلبي، مصر 1377هـ.

ص: 157

- المنهاج القويم شرح على مقدمة الحضرمية. لأحمد بن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974هـ. تحقيق: د. مصطفى الخان وغيره. الناشر: مؤسسة علوم القرآن. بيروت – لبنان.

- المنثور في القواعد. لبدر الدين محمد بن بهادر الشافعي الزركشي، المتوفى 794هـ. نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت. الطبعة الثانية 1402هـ.

- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. لأبي المحاسن، يوسف بن تغري بردي الأتابكي المتوفى 874هـ. مصور عن مطبعة دار الكتب المصرية.

- نظم العقيان في أعيان الأعيان. لجلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ. الناشر: المكتبة العلمية. الطبعة الأولى 1346هـ، بيروت.

- النظم المستعذب في شرح غريب المهذب. لمحمد بن أحمد بن بطال المتوفى سنة 633هـ. مطبوع بهامش المهذب. الناشر: عيسى البابي الحلبي، مصر.

- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة الرملي المتوفى 1004هـ. الناشر: شركة ومطبعة مصطفى البابي، مصر. الطبعة الأخيرة 1386هـ.

- نهاية المطلب في دراية المذهب. لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي المتوفى 478 هـ. مصور بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم 3756، 3757.

- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين. لإسماعيل باشا البغدادي، المتوفى 1339 هـ. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

- الوجيز في فقه الإمام الشافعي. لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى 505هـ.

الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت 1399هـ.

- الوسيط في المذهب الشافعي. للعلامة محمد بن محمد الغزالي، المتوفى 505هـ. الطبعة الأولى 1417هـ، دار السلام للطباعة والنشر.

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. لأبي العباس، أحمد بن محمد بن خلكان، المتوفى 681هـ.

ص: 158