الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض
خبر في الأرض أوحتهُ السما
…
لأولي العلم برسل الفكر
أنَّ هذي الأرض كانت أولا
…
ما ترى بحراً بها أو جبلا
أو سهولاً أو ربىً أو سبلا
…
أو رياضاً زهرها الغض نما
من سحاب جادها بالمطر
إنما كانت كتلك الأخوات
…
من نجوم سائرات دائرات
حول شمس هي إحدى النيرات
…
كنَّ من قبل عليها سُدُما
كتلةً واحدة في النظر
ثم بعد انفصلت من ذا السديم
…
قطع منها صغير وجسيم
ضمن أفلاكٍ بها الدور تديم
…
فاستقر الكل فيها أنجما
حول غير الشمس لم تستدر
أولاً نبتون منه انفصلا
…
ثم أورانس يهدي زحلا
ثم للمشتري مريخ تلا
…
ثم هذي الأرض فالزهرة ما
بعدها غير أخيها الأشهر
وأخو الزهرة بالشمس اقتدى
…
ولها أقرب سيارٍ غدا
وهي سارات خلفه طول المدى
…
فأمام الأرض ذات انتظما
خلفها المريخ ثم المشتري
أرضنا كانت لظىً مشتعله
…
مذ من الشمس غدت منفصله
لم تزل في دورها منتقله
…
كتلةً فيها اللهيب احتدما
وهي ترمي في الفضا بالشرر
كان فيح النار منها مصعدا
…
وهجاً في الجو عنها مبعدا
حيث لا يمكن أن ينعقدا
…
فوقها منه بخارٌ ديما
هاطلات بالحيا المنهمر
بقيت حيناً وهذا أمرها
…
وهي بالإشعاع يخبو حرّها
وانثنى يبرد من ذا ظهرها
…
فاكتست قشراً يحاكي الأدما
واستمرت بطنها في سعر
ثم قد صار على مر الزمان
…
قشره يغلظ آناً بعد آن
بيد أن النار عند الهيجان
…
قد أعادت قشرها منخرما
بصدوع مدهشات البصر
شخصت أطراف هاتيك الصدوع
…
بجبال شمخت منها الفروع
ولها في العين أشكال تروع
…
تقذف الأفواه منها حُمما
صار منهن ركام الحجر
حصلت من قذف هاتيك المواد
…
حيث يجمدن جبال ووهاد
وركاز وصخور وجماد
…
بعضها دقّ وبعض عظما
وهو صلب الجسم صعب المكسر
وهناك انعقدت فيها الغيوم
…
من بخارٍ كان في الجو يعوم
ردّه البرد مياهاً في التخوم
…
فجرى السيل عليها مفعما
كل غور فوقها منحدر
عمها السيل فغطى حين سال
…
سطحها مجترفاً منها الرمال
فطما الماء ولكن الجبال
…
شخصت في الماء لما أن طما
وعلت كالسفن فوق الأبحر
غمر الماء به ما غمرا
…
ثم خلّى بعضها منحسرا
محدثاً في السطح منها جُزُرا
…
أنزل الماء بها ما حطما
من طفال وحتات المدر
بسيول الماء كم فيها أرتكم
…
من رمال رسبت فيها أكم
ولكم خدَّت أخاديد وكم
…
قد بنت من طبقات علما
نضدت فيه صفيح المرمر
ثم صارت وهي من قبل موات
…
تصلح الأقطار منها للحياة
فانبرت تنبت في البدء النبات
…
ثم أبدت من قواها النسما
وارتقت فيها لنوع البشر
فغدت إذ ذاك تزهو بالرياض
…
وبها الأدواح تنمو في الغياض
ثم ترميها أكف الانقراض
…
بانحطام حيث تمسي فحما
حجرياً بمرور الأعصر
من حطام الخلق في الأرض هضاب
…
كونتهن أكف الانقلاب
ما تراب الأرض والله تراب
…
إنما ذاك حطامٌ قدما
من جسوم باليات الكسر
كم على الأرض رفات باليات
…
من جسوم طحنتها الدائرات
فاحتفر في الأرض تلك الطبقات
…
تجد الأنقاض فيها رمما
هي للأحياء أو للشجر
كل وجه الأرض للخلق قبور
…
خفف الوطء على تلك الصدور
والعيون النجل منهم والثغور
…
إنما أنت ستفنى مثلما
قد فنوا والموت دامي الظُّفُر
ظلت الأرض على كر الدهور
…
تبحر الأجبُل فيها والبحور
فوقها تُجبل والماء يغور
…
وعلى ذاك استدل الحكما
بجبال السمك المستحجر
علماء الأرض لم تبرح ترى
…
حيوان البر لما دثرا
منه في الأبحر أبقى أثرا
…
وكذا في البر ألفى العلما
أثراً من حيوان الأبحر
كل ما في الأرض من قفرٍ وبيد
…
وجبال شهقت فوق الصعيد
عن زهاء الربع منها لا يريد
…
وسوى ذلك منها انكتما
تحت ماء البحر لم ينحسر
في صعيد الأبحر المنغمس
…
مثلُ ما يوجد فوق اليَبَس
من جبال ناتئات الأرؤس
…
ووهاد تستزل القدما
ورُبىً مختلفات القَدَر
ما نرى اليوم من الماء الحميم
…
والبراكين التي تحكي الجحيم
ومن الزلازل ذي الهول العظيم
…
دل أن الأرض فيما قُدما
ذات جرم ذائب مستعر
كل ما كان بحال السيلان
…
فهو يغدو كرة بالدوران
وكذاك الأرض في ماضي الزمان
…
كروياً قد غدا ملتئما
جرمها من سيلان العنصر
ثم أن الأرض من قبل الجمود
…
ولدت منها وليست بالولود
قمراً دار عليها بسعود
…
وجلا في الليل عنها الظلما
فهي بنت الشمس أم القمر
بغداد
معروف الرصافي