الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالم شعر
قرأت وما غير الطبيعة من سفر
…
صحائف تحوي كل فن من الشعر
أرى غرر الأشعار تبدو نضيدةً
…
على صفحات الكون سطراً على سطر
وما حادثات الدهر إلا قصائد
…
يفوه بها للسامعين فم الدهر
وما المرء إلا بيت شعر عروضه
…
مصائب لكن ضربه حفرة القبر
تنظّمنا الأيام شعراً وإنما
…
ترد المنايا ما نظمن إلى النثر
فمنّا طويل مسهب بحر عمره
…
ومنّا قصير البحر مختصر العمر
وهذا مديح صيغ من أطيب الثنا
…
وذاك هجاء صيغ من منطق هُجر
* * *
ورب نيام في المقابر زرتهم
…
بمنهلّ دمع لا ينهنه بالزجر
وقفت على الأجداث وقفة عاشق
…
بقفراء يدعو دراس الطلل القفر
فما سال فيض الدمع حتى قرنته
…
إلى زفرات قد تصاعدن من صدري
أسكان بطن الأرض هلا ذكرتم
…
عهوداً مضت منكم وأنتم على الظهر
رضيتم بأكفان البلى حللاً لكم
…
وكنتم أولي الديباج والحلل الحمر
وقد كنتم تؤذي الحشايا جنوبكم
…
فكيف رقدتم والجنوب على العفر
ألا يا قبوراً زرتها غير عارف
…
بها ساكن الصحراء من ساكن القصر
لقد حار فكري في ذويك وأنه
…
ليحتار في مثوى ذويك أولو الفكر
فقلت وللأجداث كفي مشيرة
…
ألا إن هذا الشعر من أفجع الشعر
* * *
وليل غُدا في الجناحين بتّه
…
أسامر في ظلمائه واقع النسر
وأقلع من سفن الخيال مراسياً
…
فتجري من الظلماء في لجج خضر
أرى القبة الزرقاء فوقي كأنها
…
رواق من الديباج رصّع بالدر
ولولا خروق في الدجى من نجومه
…
قبضت على الظلماء بالأنمل العشر
خليلي ما أبهى وأبهج في الرؤى
…
نجوماً بأجواز الدجى لم تزل تسري
إذا ما نجوم الغرب ليلاً تغورت
…
بدت أنجم في الشرق أخرى على الإثر
تجولت من حسن الكواكب في الدجى
…
وقبح ظلام الليل في العرف والنكر
إلى أن رأيت الليل ولت جنوده
…
على الدعم يقفو أثرها الصبح بالشقر
فيا لك من ليل قرأت بوجهه
…
نظيم البها في نثر أنجمه الزُّهر
وقلت وطرفي شاخص لنجومه
…
ألا إن هذا الشعر من أحسن الشعر
* * *
ويوم به استيقظت من هجعة الكرى
…
وقد قدَّ درع الليل صمصامة الفجر
فأطربني والديك مشجٍ صياحه
…
ترنم عصفور يزقزق في وكر
ومما ازدهى نفسي وزاد ارتياحها
…
هبوب نسيم سَجْسَج طيّب النشر
فقمت وقام الناس كلٌّ لشأنه
…
كأنّا حجيج البيت في ساعة النفر
وقد طلعت شمس النهار كأنها
…
مليك من الأضواء في عسكر مجر
بدت من وراء الأفق ترفل للعلى
…
رويداً رويداً في غلائلها الحمر
غدت ترسل الأنوار حتى كأنها
…
تسيل على وجه الثرى ذائب التبر
إلى أن جلت في نورها رونق الضحى
…
صقيلاً وفي بحر الفضاء غدت تجري
وأهدت حياة في الشعاع جديدة
…
إلى حيوان الأرض والنبت والزهر
فقلت مشيراً نحوها بحفاوة
…
ألا إن هذا الشعر من أبدع الشعر
* * *
وبيضة خدر أن دعت نازح الهوى
…
أجاب ألا لبيكِ يا بيضة الخدر
من اللاء يملكن القلوب بكلمة
…
ويحيين ميت الوجد بالنظر الشزر
تهادت تريني البدر محدقةً بها
…
أوانس أحداق الكواكب بالبدر
قلله ما قد هجن لي من صبابة
…
ألف بها طيّ الضلوع على الجمر
تصافح إحداهن في المشي ترابها
…
فنحر إلى نحر وخصر إلى خصر
مررت وقد أقصرت خطوي تأدباً
…
وأجمعت أمري في محافظة الصبر
فطأطأنَ للتسليم منهن أرؤسا
…
عليها أكاليل ضفرن من الشعر
فألقيت كفي فوق صدري مسلّما
…
وأطرقت نحو الأرض منحني الظهر
وأرسلت قلبي خلفهن مشيّعا
…
فراح ولم يرجع إلى حيث لا أدري
وقلت وكفي نحوهن مشيرة
…
ألا أن هذا الشعر من أجل الشعر
* * *
ومائدة نسْجُ الدمقس غطاؤها
…
بمجلس شبان هم أنجم العصر
رقى من أعاليها الفنغراف منبراً
…
محاطاً بأصحاب غطارفة غُر
وفي وسط النادي سراج منور
…
فتسحبه بدراً وهم هالة البدر
فراح بإذن العلم يُنطق مقولاً
…
عرفنا به أن البيان من السحر
فطوراً خطيباً يحزن القلب وعظه
…
وطوراً يسرّ السمع بالعزف والزمر
يفوه فصيحاً باللُّغا وهو أبكم
…
ويسمع ألحان الغنا وهو ذو وقر
أمين أبى التدليس في القول حاكياً
…
فتسمعه يروي الحديث كما يجري
تراه إذا لقنته القول حافظاً
…
تمر الليالي وهو منه على ذُكر
فيا لك من صنع به كل عاقل
…
أقر لآديسون بالفضل والفخر
فقلت وقد تمت شقائق هدره
…
ألا إن هذا الشعر من أعجب الشعر
* * *
وأصيد مأثور المكارم في الورى
…
يريك إذا يلقاك وجه فتى حر
يروح ويغدو في طيالسة الغنى
…
ويقضي حقوق المجد من ماله الوفر
تخونه ريب الزمان فأولعت
…
بأخلاقها ديباجتيه يد الفقر
فأصبح في طرق التصعلك حائراً
…
يجول من الإملاق في سَمَلٍ طمر
كأن لم يرح في موكب العز راكباً
…
عتاق المذاكي مالك النهى والأمر
ولم تزدحم صيد الرجال ببابه
…
ولم يغمر العافين بالنائل الغمر
فظلَّ كئيب النفس ينظر للغنى
…
بعين مقلّ كان في عيشة المثري
إلى أن قضى في علة العدم نحبه
…
فجهزه من مالهم طالبو الأجر
فرحتُ ولم يحفل بتشييع نعشه
…
أشيعه في حامليه إلى القبر
وقلت وأيدي الناس تحثو ترابه
…
ألا أن هذا الشعر من أحزن الشعر
* * *
ونائحة تبكي الغداة وحيدها
…
بشجو وقد نالته ظلماً يد القهر
عزاه إلى إحدى الجنايات حاكم
…
عليه قضى بطلاً بها وهو لا يدري
فويل له من حاكم صُبَّ قلبه
…
من الجور مطبوعاً على قالب الغدر
من الروم أما وجهه فمشوّه
…
وقاح وأما قلبه فمن الصخر
أضرَّ بعف الذيل حتى أمضَّه
…
ولم يلتفت منه إلى واضح العذر
تخطفه في مخلب الجور غيلةً
…
فزجًّ به من مظلم السجن في القعر
تنوء به الأقياد إن رام نهضة
…
فيشكو الأذى والدمع من عينه يجري
تناديه والسجان يكثر زجرها
…
عجوز له من خلف عالية الجُدْر
بُنيَّ أظن السجن مسَّك ضره
…
بُنيَّ بنفسي حلَّ ما بك من ضر
بنيَّ استعن بالصبر ما أنت جانياً
…
وهل يخذل الله البريء من الوزر
فجئت أعاطيها العزاء وادمعي
…
كأدمعها تنهلّ مني على النحر
وقلت وقد جاشت غوارب عبرتي
…
ألا إن هذا الشعر من أقتل الشعر
بغداد
معروف الرصافي