الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخميس قصيدة الوزير أحمد بن زيدون وهي التي
كتب بها إلى ولادة بنت المستكفي بالله في قرطبة
كانت أشعتكم تجلو دياجينا
…
وقربكم عن شؤون الدهر يسلينا
فبعد ما لعبت خمر الهوى فينا
…
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
أمسى لنا الغم إلفاً لا يبارحنا
…
والأنس صار عدواً لا يصالحنا
يا من خبت في تنائيهم مصابحنا
…
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
لئن تكن حجبت عنكم نواظرنا
…
فما خلت ساعة منكم سرائرنا
وإذ تحن إلى النجوى خواطرنا
…
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حب قديم به أرواحنا اتحدت
…
وجمرة للتلاقي طالما اتقدت
حتى إذا باللقا نار الجوى بردت
…
حالت لبعدكم أيامنا فغدت
سوداً وكانت بكم بيضا ليالينا
لم ندر يوم سعدنا في تعرفنا
…
أن الشقاء وراء السعد قد دفنا
آها على زمن بالحظ مسعفنا
…
إذ جانب العيش طلق من تألفنا
ومورد اللهو صافٍ من تصافينا
هل نرتجي زورة للنفس شافيةً
…
وهل تعود لنا الأيام صافية
قد كان إذ كانت الأقدار راضية
…
وإذ هصرنا غصون الأنس دانية
قطوفها فجنينا منه ماشينا
لله ساعات أنس عندما التأم
…
شمل الهناء بكم والوجد مانأما
سقيتمونا بماء اللطف ريَّ ظما
…
ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
الدهر جرَّ علينا في رواحهم
…
ذيول ذل فهل هم بانشراحهم
لم يعلموا ما دهانا من براحهم
…
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم
حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
نفرُّ من نكد الدنيا فيدركنا
…
يخني على صفونا حيناً ويتركنا
بالوصل والفصل يحيينا ويهلكنا
…
إن الزمان الذي مازال يضحكنا
أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
كم مرة جاءنا حسادنا ونعوا
…
لنا الوفاء وفي قطع الصلات سعوا
وإذ تبين أن العاشقين رعوا
…
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص فقال الدهر آمينا
دعوا لدى الدهر في تنكيس أرؤسنا
…
وحرَّضوه على تفريق مجلسنا
حتى تصدى إلى تكدير أكؤسنا
…
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا
وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
ما كان يهجعنا أضحى يؤرقنا
…
والمزدري صار بالإزراء يرمقنا
فالدهر يومان مروينا ومحرقنا
…
وقد نكون وما يخشى تفرقنا
فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
كل الورى لم نجد فيهم شمائلكم
…
وهب وجدنا فما كنا لنبدلكم
إنا وإن أقصت الأيام منزلكم
…
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأياً ولم نتقلد غيره دينا
لو أن أيامنا فيكم تخيرنا
…
لاختار قرَّتهُ بالقرب نيرنا
لكنما حادث الدنيا يسيرنا
…
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا
إن طال ما غير النأيُ المحبينا
طنَّ الوشاة إذا ما شملنا انفصلا
…
أن يدركوا من تراخي حبنا أملا
خابوا فلو أدركت أجسادنا الأجلا
…
والله ما طلبت أرواحنا بدلا
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
قصر سهرنا على أنوار كوكبه
…
وفيه ورد الهوى فزنا بأعذبه
دعنا على الوجد نقلى في تلهبه
…
يا ساري البرق غادِ القصرَ فاهق به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
إن كان أحبابنا اُّنسوا محبتنا
…
وحتفنا عندهم يجري مودتنا
فيا عذاب النوى عجل منيتنا
…
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد حياً كان يحيينا
يا ظبية لم تذقنا طعم نفرتها
…
حرصاً على عيننا من فقد قرتها
يا كرمة كم تمتعنا بخمرتها
…
ويا حياة تملينا بزهرتها
منىً ضروباً ولذات أفانينا
هل يرجع القمر الزاهي لدارته
…
فتنجلي ظلمات باستنارته
عد يا صفاءً رتعنا في نضارته
…
ويا نعيماً رفلنا من غضارته
في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
كانت بطلعتك الأرواح منعمة
…
ومنك كانت كؤوس الصفو مفعمة
يا من هوانا بها أضحى لنا سمة
…
لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
أوصافك الغر ما مرَّت على شفةٍ
…
إلا غنيت بها عن كل معرفةٍ
بقامة في تثنيها مهفهفةٍ
…
إذا انفردت وما شوركت في صفةٍ
فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
الشعر يروي منِ الهجرانُ أظمأهُ
…
وأن تلاه عليل القلب أبرأه
قريض شوق نظمناه ليقرأهُ
…
ربيب لطف كأن الله أنشأه
مسكاً وقدر إنشاء الورى طينا
صبابة في النوى ناءت بكلكلها
…
وأين آخرها من طيب أولها
يا رشفة عهدنا نابٍ بمنهلها
…
يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها
والكوثر العذب زقوماً وغسلينا
على الصفا سحبت ذيلا كوارثنا
…
فزال عاقدنا واختال ناكثنا
مرت كقبسة عجلان حوادثنا
…
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا
والسعد قد غضّ من أجفان واشينا
في خلوة ما بها إلا تتيمنا
…
نارٌ ولا نأمة إلا تكلمنا
كأننا وعفاف القلب يعصمنا
…
سران في خاطر الظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
أفكارنا مع خيالات الغرام لهت
…
وبعدكم لسواكم قط ما انتبهت
بالحزن والذكر والأشجان قد ولهت
…
لا غروَ أنا ذكرنا الحزن حين نهت
عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
الطيفُ في النوم يرضينا إذا عبرا
…
إذ عزت العين صرنا نطلب الأثرا
لا تعجبوا إن صبرنا نحمل القدرا
…
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سورا
مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
نرضى الهوان بديل العز أكملهِ
…
والجسم ينحل سقماً من تحملهِ
ونرتضي وشلاً عن فيض جدولهِ
…
أما هواك فلم نعدل بمنهلهِ
شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
لذنا من البعد في ما ليس نرغبه
…
حين اللقاء علينا عزَّ مطلبه
فؤادنا أنت دون الخلق مأربه
…
لم نجف أفق جمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
أعرضتِ عنا وأعرضنا على وصبِ
…
نكتم الناس ما في القلب من لهبٍ
فما اتخذت تجافينا بلا سببٍ
…
ولا اختياراً تجنبناك عن كثبٍ
لكن عدتنا على كره عوادينا
ضاقت على رحبها الدنيا فلا سعةً
…
تحوي فؤاداً وأحشاء مقطعة
نأسى إذا الشمس جازتنا مودعة
…
نأسى عليك إذا حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا شيء يسكن شيئاً من بلابلنا
…
ولا نرجي عزاءً من وسائلنا
ظعائن الأُنس شالت عن منازلنا
…
لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الأوتار تسلينا
عين السعود لنا كانت ملاحظةً
…
عند اللقاءِ وعين الضدّ جاحظةً
لئن تدم برحاء البعد باهظة
…
دومي على العهد مادمنا محافظةً
فالحرُّ من دان إنصافاً كما دينا
لا نغمة العود والقانون تطربنا
…
ولا وجوه عذارى الحي تعجبنا
نرضى بوحدتنا والغم يصحبنا
…
فما ابتغينا خليلاً منك يحسبنا
ولا استفدنا حبيباً عنك يغنينا
نصبو إلى موطن في ظل أربعهِ
…
لنا حبيب كواه حرُّ أدمعه
فالقلب عندك أضحى جلُّ مطمعهِ
…
ولو صبا نحونا من علوِ مطلعهِ
بدر الدجى لم يكن حاشاك يصيبنا
دموعنا عندما تجري مسلسلةً
…
تتلو عليكِ أحاديثاً مفصلةً
إن لم تكن ساعة اللقيا مؤملةً
…
أو لي وفاء وإن لم تبذلي صلةً
فالذكر يقنعنا والطيف يكفينا
هذا الكتاب سفير عن مرتبهِ
…
في طيه شرح شيء من تعذبه
فرددي درسه ترديد منتبه
…
وفي الجواب قناع لو شفعت به
بيض الأيادي التي مازلت تولينا
قولي السلام على روح بنا لقيت
…
رياً ومن سلسبيل الغير ما سقيت
تحية منك تحيي مهجة شقيت
…
منا عليك سلام الله ما بقيت
صبابة منك نخفيها وتخفينا
دمشق
فارس الخوري