المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سورة النورمسائل القذف - التعليق على تفسير القرطبي - عبد الكريم الخضير - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌سورة النورمسائل القذف

تفسير القرطبي

‌سورة النور

مسائل القذف

الشيخ / عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [(6 - 10) سورة النور].

فيه ثلاثون مسألة:

الأولى: قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} {أَنفُسُهُمْ} بالرفع على البدل، ويجوز النصب على الاستثناء، وعلى خبر {يَكُن} {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} على الابتداء والخبر، أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {أربعَ} بالنصب لأن معنى {فَشَهَادَةُ} أن يشهد.

لأنه مصدر منسبك من أن والفعل، هذا الأصل في شهادة أنها أن يشهد أحدهم، كما جاء في الآية الثانية، {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} ولو قيل: ويدرأ عنها العذاب شهادتها أربع شهادات لصح؛ لأن أن وما بعدها تؤول –تسبك- بمصدر.

والتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات، ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة.

أربع الثاني في حق المرأة لا خلاف أنه منصوب.

{وَالْخَامِسَةُ} [(7) سورة النور] رفع بالابتداء، والخبر {أن} وصلتها، ومعنى المخففة كمعنى المثقلة، لأن معناها أنه، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص {والخامسة} بالنصب بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة ..

ص: 1

المخففة، (الخامسة أن) هذه مثقلة مشددة، لكن لو خففت؟ المعنى واحد، نعم عملها يقل، وتأثيرها على مدخولها أقل من تأثير المشددة، لكن المعنى واحد.

بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة، والباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [(7) سورة النور] أي: والشهادة الخامسة، قوله:{لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} .

الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس، أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((البينة أو حد في ظهرك)) قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((البينة وإلا حد في ظهرك)).

يعني هذا الحكم الشرعي قبل نزول اللعان، ما في إلا أن تحضر بينة، أو تجلد حد القذف.

فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [(6) سورة النور] فقرأ حتى بلغ {لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [(6) سورة النور] الحديث بكماله، وقيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات، وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم ..

نعم، عمومها يتناول الأزواج، يعني قبل نزول آيات اللعان، الزوج وغيره سواء.

قال سعد بن معاذ: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة؟! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير مني)) وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها.

ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوي، على ما ذكرناه، وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف، فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وتلاعنا، فتلكأت المرأة عند الخامسة، لما وعظت، وقيل: إنها موجبة، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فالتعنت، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاماً جمل أورق -على النعت المكروه–.

ص: 2

الذي يشبه الزاني –نسأل الله السلامة والعافية-.

ثم كان الغلام بعد ذلك أميراً بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أباً، وجاء أيضاً عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن، والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية، وقيل: نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل، وهو حديث صحيح مشهور خرجه الأئمة.

قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر وهلال بن أمية خطأ، قال الطبري يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية: وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني، شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه، قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني، كذلك كان يقول أهل الأخبار، وقيل: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الناس في الخطبة يوم الجمعة {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] فقال عاصم بن عدي الأنصاري: جعلني الله فداك، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً فتكلم فأخبر بما جرى جلد ثمانين وسماه المسلمون فاسقاً، فلا تقبل شهادته، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، وإلى أن يلتمس أربعة شهود، فقد فرغ الرجل من حاجته، فقال عليه السلام:((كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي)) ..

يعني كذلك أنزلت آية حد القذف على ما تقدم، وليس للمسلم إلا أن يرضى ويسلم، وكون آيات اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو في هلال بن أمية، والمحاولة بين التوفيق بين ما ورد، والترجيح، لا يمنع أن تكون الآيات نزلت في هذا وهذا، تكون قصة هذا حصلت ثم نزلت الآيات، ثم تحصل قصة الثاني أو تحصل قصة الثاني قبل نزول الآيات، بكل هذا قال أهل العلم ولا يلزم من هذا ترجيح، أن تكون قصة عويمر أرجح من قصة هلال، أو قصة هلال خطأ، كلها محفوظة، ولا يمنع أن يكون حصل لأحدهما ما حصل ثم حصل للثاني، ثم أنزلت الآية بسببهما، وأقيم اللعان مع الاثنين، وقد يكون السبب واحد، ثم بعد ذلك لقرب الثاني، لقرب قصة الثاني، ذكر بعض الرواة أن الآيات نزلت بسببه، وعلى كل حال القصتان صحيحتان.

ص: 3

فقال عليه السلام: ((كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي)) فخرج عاصم سامعاً مطيعاً فاستقبله هلال بن أمية يسترجع فقال: ما وراءك؟ فقال: شراً، وجدت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها، وخولة هذه بنت عاصم بن عدي كذا في هذا الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكاً هو هلال بن أمية، والصحيح خلافه حسبما تقدم بيانه، قال الكلبي: والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكاً عويمر العجلاني؛ لكثرة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته، واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة، وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بني عم عاصم، وكانت هذه القصة في شعبان سنة تسع من الهجرة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة قاله الطبراني، وروى الدارقطني عن عبد الله بن جعفر قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك وأنكر حملها الذي في بطنها، وقال هو لابن السحماء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هات امرأتك، فقد نزل القرآن فيكما)) فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل، في طريقه الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول فذكره ..

والواقدي ضعيف، الواقدي ضعيف.

الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] عام في كل رمي، سواءً قال: زنيت، أو يا زانية، أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس مني، فإن الآية مشتملة عليه، ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء، وهذا قول جمهور العلماء، وعامة الفقهاء، وجماعة أهل الحديث، وقد روي عن مالك مثل ذلك وكان مالك يقول: لا يلاعن إلا أن يقول: رأيتك تزني أو ينفي حملاً، أو ولداً منها ..

يعني لا بد من التصريح، لا بد من التصريح برؤية الزنا.

وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك: إن الملاعنة لا تجب بالقذف، وإنما تجب بالرؤية، أو نفي الحمل مع دعوى الاستبراء، هذا هو المشهور عند مالك، وقاله ابن القاسم، والصحيح الأول لعموم قوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ..

ص: 4

يعني بالزنا، بأي لفظٍ كان مما يدل على الزنا.

قال ابن العربي: وظاهر القرآن يكفي لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية، فلتعولوا عليه، لا سيما وفي الحديث الصحيح: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاذهب فأت بها)) ولم يكلفه ذكر الرؤية، وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته، ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى، قاله أبو عمر رضي الله عنهما وقد ذكر ابن القصار عن مالك ..

وبعض النسخ ابن عمر

طالب: ابن عمر يا شيخ.

لا، هو أبو عمر بن عبد البر.

وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول: لمست فرجه في فرجها ..

يعني قياساً على قول المبصر: رأيتُ.

والحجة لمالك ومن اتبعه ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- فجاء من أرضه عشاءً، فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينه، وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاءً فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فنزلت:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [(6) سورة النور] الآية .. وذكر الحديث، وهو نص على أن الملاعنة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت في الرؤية، فلا يجب أن يُتعدى ذلك، ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤيةً حدّ؛ لعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور].

كون الواقعة التي حدثت في عصره عليه الصلاة والسلام اللفظ فيها محدد لا يعني نفي سواه من الألفاظ التي تدل على المقصود، يعني ما ذُكر في القصة التي حصلت هذا مثال من الأمثلة، وإلا فالمقصود الرمي، إذا صرح بأنها زنت أو رماها بأنها زانية، المقصود أنه قذفها فلزمه الحد، كيف يدرأ عن نفسه الحد؟ يشهد أربع شهادات.

ص: 5

الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن، لأنه أقوى من الرؤية، ولا بد من ذكر عدم الوطء والاستبراء بعده، واختلف علماؤنا في الاستبراء، فقال المغيرة ومالك في أحد قوليهما: يجزي في ذلك حيضة، وقال مالك أيضاً لا ينفيه إلا بثلاث حيض، والصحيح الأول؛ لأن براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الأمة ..

يعني في الحيضة الواحدة، كذلك في غيره من الفسوخ من الاستبراء.

وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاق -إن شاء الله تعالى-.

وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء؛ لأن الحيض يأتي على الحمل، وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز ..

هذا لازم كل من يقول: أن الحامل تحيض، وأنه يجتمع الحيض مع الحمل، والصواب أنه لا يجتمع، ولو صح اجتماعه لما كان للاستبراء أو الاعتذار بالحيض معنى.

وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز وقاله ابن المغيرة ..

عندك ابن المغيرة أو المغيرة؟

الطالب: وقاله المغيرة.

نعم.

وقاله المغيرة، وقال: لا يُنفى الولد إلا بخمس سنين؛ لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.

الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين ..

يعني ما دون هذه المدة، مدة أكثر الحمل، يحتمل أنه من الزوج، بجماعٍ حصل له قبل هذا الزنا.

الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين ..

ص: 6

الفائدة المرتبة على اللعان انتفاء الحد والولد، أن ينتفي الولد بمجرد اللعان، وينتفي الحد من القاذف والفرقة المؤبدة على ما سيأتي، والإشكال أنه إذا وقع الزنا في طهرٍ جومعت فيه المرأة، فالولد يحتمل أن يكون من ماء أبيه، من ماء الزوج، ويحتمل أن يكون من ماء الزاني، فإذا وقع اللعان ترتب عليه الحكم الشرعي فانتفى الولد، والاحتمال قائم أنه لأبيه، لكن لا يتم البت في الحكم الشرعي إلا بمثل هذا، لا يمكن أن يوجد حكم شرعي في كل قضيةٍ بعينها، تأتي الأحكام عامة لسائر الناس، ثم إن كان منه أو مما .... ، المقصود أن هذا حكم شرعي، وقد يكون الواقع أنه من ماء أبيه، وكونها زنت زناً محقق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إن جاءت به كذا فهو لأبيه، إن جاء به كذا فهي صادقة، وإن جاءت به كذا فهي كاذبة، يعني ما في قسم ثالث؟ أن تأتي به على شكل أبيه وهي كاذبة؛ لأنه من ماء أبيه، هذا في حالة ما إذا زنت في طهرٍ جومعت فيه، ووقع الحمل فيه من زوجها، يعني التقسيم في الحديث: إن جاءت به كذا، يعني شبيهاً لأبيه فهي صادقة، وإن جاءت به شبيهاً للزاني فهي كاذبة، ألا يحتمل به أن تأتي به شبيهاً لأبيه وهي كاذبة؟ لأن ماء أبيه قد سبق الزاني؟ ما يحتمل هذا؟ إذاً القسمة حاصرة أو غير حاصرة في الحديث؟

طالب: غير حاصرة.

نعم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما قضى بهذا وذكر هذا كأنه استروح إلى صدق الزوج، وأنها كاذبة، فقصر الأمر على ما يدل على كذبها غالباً.

طالب: ولو وجد أنه أشبه بأبيه هل يترتب عليه حكم أم ينتفي؟

لا لا، ينتفي ما دام ثبت اللعان تترتب عليه آثار، تترتب عليه آثار.

ص: 7

اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين مؤمنين أو كافرين فاسقين أو عدلين، وبه قال الشافعي، ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده، وقيل: لا ينتفي ولد الأمة عنه إلا بيمين واحدة، بخلاف اللعان، وقد قيل: إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن، والأول تحصيل مذهب مالك وهو الصواب، وقال أبو حنيفة: لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين وذلك لأن اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه، واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين، وفي قوله:"وجد مع امرأته رجلاً" دليل على أن الملاعنة تجب على كل زوجين، لأنه لم يخص رجلاً من رجل، ولا امرأة من امرأة، ونزلت آية اللعان على هذا الجواب، فقال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] ولم يخص زوجاً من زوج، وإلى هذا ذهب مالك وأهل المدينة، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور، وأيضاً فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق، فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه، واللعان أيمان لا شهادات، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين:{لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا} [(107) سورة المائدة] أي أيماننا، وقال تعالى:{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [(1) سورة المنافقون] ثم قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [(2) سورة المنافقون] وقال عليه السلام: ((لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)).

لكن هل اللعان أيمان أو شهادة؟ لفظ الآيات، آيات اللعان تدل على أنه شهادة، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [(6) سورة النور]{أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} [(8) سورة النور] فسماها شهادة، وإذا قلنا: بأنها شهادة وشهادة العبد لا تجوز ولا تصح فلا يصح اللعان من العبد؛ لأنها شهادة، وإذا قلنا: أنها أيمان وهل يلزم تأكيد هذه الأيمان بلفظ الشهادة أو الشهادة بلفظ اليمين؟ إذا قلنا أنها شهادة؟ هل يلزم هذا؟ أو يكفي أن يشهد من دون يمين؟ أو يحلف من دون لفظ الشهادة؟ والله إنه رآها زنت، ثم تقول: والله إنها ما زنت، من غير أن تشهد.

ص: 8

على كل حال المرجح عند الجمهور أنها أيمان، ولذا تصح من العبد وغيره، من كل من صحّ طلاقه صحّ لعانه؛ لأن الآثار المترتبة على اللعان في حق الرقيق مثل ما تكون في حق الحر، وجاء ما يدل على إطلاق لفظ الشهادة والمراد اليمين، فشهادتنا أحق من شهادتهما، مثل ما ذكر المؤلف رحمه الله {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} ثم قال بعد ذلك:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} .

طالب. . . . . . . . . القول {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} . . . . . . . . .

وين. الآية نعم، آية:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [(6) سورة النور].

طالب:. . . . . . . . .

لا، حتى لو قال: أشهد بالله، لو قال: أشهد بالله صار يمين؟ ما يصير يمين.

لو ضمّن (أشهد) معنى (أحلف) فشهادة أحدهم يعني فحلف أحدهم بالله، وأن تشهد أربع، تحلف أربع شهادات يعني أيمان، فإذا ضمّن ساغ ذلك.

وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق، منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعة ليس بينهم لعان: ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان)) أخرجه الدارقطني من طرق ضعفها كلها.

لكن إذا وجد ولد من كتابية ويجزم أبوه أنه ليس له، وقد رأى منها الزنا، ماذا يصنع؟ إذا رآها قد زنت ثم جاءت بولد كيف يصنع لانتفاء الولد؟ لا بد من اللعان، وقل مثل هذا فيما لو تزوج أمةً.

وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله: ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله:{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [(6) سورة النور] وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته، وأيضاً فلو كانت يميناً ما رددت، والحكمة في ترديدها قيامها في الأعداد مقام الشهود في الزنا، قلنا: هذا يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر، وليست بشهادة إجماعاً.

ص: 9

والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء، قال ابن العربي: والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة أن شاهداً يشهد لنفسه بما يوجب حكماً على غيره؟! هذا بعيد في الأصل، معدوم في النظر.

حجة قوية، يقول: لو كانت شهادة فهو يشهد لنفسه، يشهد لإبراء نفسه، ولا يتجه أن يشهد الإنسان لنفسه، بينما اليمين يدرأ بها عن نفسه، ولذلك الشهادة في حق المدعي، واليمين في حق المنكر.

السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس، فقال مالك والشافعي: يلاعن لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه إذا فهم ذلك عنه.

يعني بالإشارات المفهمة.

وقال أبو حنيفة: لا يلاعن؛ لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه ..

هذا احتمال في غاية البعد، يعني كونه ينطق، قد ينطقه الله بعد ذلك ثم ينكر اللعان، يقول: أنا ما أردت بإشاراتي هذه اللعان، لكن هذا في غاية البعد.

وقد تقدم هذا المعنى في سورة مريم والدليل عليه والحمد لله.

السابعة: قال ابن العربي: رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال: إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنا قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن، ونسي أن ذلك قد تضمنه قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] وهذا رماها محصنة غير زوجة، وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب، فلا يوجب لعاناً كما لو قذف أجنبية.

وهي في وقت القذف أجنبية؛ لأن العبرة بالحال لا بالمآل.

ص: 10

الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن، وقال عثمان البتي: لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة، وقال أبو حنيفة: لا يلاعن في الوجهين؛ لأنها ليست بزوجة، وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفاً، بل هذا أولى؛ لأن النكاح قد تقدم، وهو يريد الانتفاء من النسب، وتبرئته من ولد يلحق به، فلا بد من اللعان، وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به، وكان قذفاً مطلقاً داخلاً تحت عموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] الآية .. فوجب عليه الحد، وبطل ما قاله البتي لظهور فساده.

التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة وهي أن يكون الرجل غائباً فتأتي امرأته بولد في مغيبه، وهو لا يعلم، فيطلقها فتنقضي عدتها ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها هاهنا بعد العدة، وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدةٍ من العدة ويرثها؛ لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.

نعم، يترجح اللعان في حق الزوج إذا وجد هناك حمل، ووجد ولد، لا بد من نفيه لئلا يدخل على أهله من ليس منه، أما إذا لم يكن ثمّ ولد ولم تحبل من هذا الزنا، فلو طلقها من غير لعان؛ لأن أمر اللعان شديد بالنسبة له إن كان كاذباً أو لها إن كانت كاذبة.

والفائدة العملية المرتبة على اللعان هي انتفاء الولد، والفرقة تحصل بالطلاق بدون لعان، والله المستعان، أما إذا وجد الولد فلا بد من اللعان.

الطالب: إذا غاب الزوج غيبة معلومة كأن كان في سجن أو كان خارج البلد والناس يعرفون ذلك أو القاضي هل يلزم على الزوج أن يلاعن؟

هو يجزم بهذا لأنه يدرأ عن نفسه، يعني مدة يمكن أن تحمل فيها، لكن هم نظروا في هذا إلى أكثر مدة الحمل، لأنه يحتمل أن يكون منه في مثل هذه الصورة إذا لم يرها تزني، فهم يحكمون بأكثر مدة الحمل.

الطالب: سنتين يا شيخ؟

لا، أربع سنين عند بعضهم، ومرّ علينا أنها خمس، كأنه قول المالكية.

ص: 11

العاشرة: إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لاعن قبل الوضع، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يلاعن إلا بعد أن تضع لأنه يحتمل أن يكون ريحاً أو داء من الأدواء ودليلنا النص الصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن قبل الوضع، وقال: إن جاءت به كذا فهو لأبيه، وإن جاءت به كذا فهو لفلان فجاءت به على النعت المكروه.

يعني إن جاءت به كذا فهو لأبيه حكماً أو حقيقةً؟ حقيقة لا حكماً، وإلا فاللعان ينفي كونه لأبيه.

الحادية عشرة: إذا قذف بالوطء في الدبر لزوجه لاعن، وقال أبو حنيفة: لا يلاعن، وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد، وهذا فاسد لأن الرمي به فيه معرة، وقد دخل تحت عموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] وقد تقدم في الأعراف والمؤمنون أنه يجب به الحد.

نعم حد القذف يجب بالرمي بالزنا أو اللواط –نسأل الله السلامة والعافية-.

الثانية عشرة: قال ابن العربي: من غريب أمر هذا الرجل أنه قال: إذا قذف زوجته وأمها بالزنا: إنه إن حد للأم سقط حد البنت، وإن لاعن للبنت لم يسقط حد الأم، وهذا لا وجه له، وما رأيت لهم فيه شيئاً يحكى، وهذا باطل جداً، فإنه خص عموم الآية في البنت، وهي زوجة بحد الأم من غير أثر ولا أصل قاسه عليه.

الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وأكثر أهل العلم، وقال الثوري والمزني: لا يسقط الحد عن القاذف وزنى المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها؛ لأن الاعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده ..

ص: 12

نعم لأن العبرة بالحال، والحال القذف، ولذا لو شهد ثقة لفلان من الناس أنه له مبلغ على فلان وهو ثقة، ثم تراخى بعد ثبوت الحق أو بشهادة الثقات عن استيفاءه، ثم حصل أن هؤلاء الثقات فسقوا، فصاروا ممن ترد شهادتهم، فالعبرة بالحال وقت الشهادة، هم ثقات يستوفى بهم الحق، وإلا لما استقام حق، لأن الحديث الصحيح:((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ثم لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب .. )) الخ، تدل على أن كل ثقة معرض لمثل هذا، كل ثقة في الحياة معرض لمثل هذا، فلا بد أن ننتظر إلى ما يختم به له، فالعبرة بالحال لا بالمآل ولو تغيرت حاله.

كما لو قذف مسلماً فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه، وأيضاً فإن الحدود كلها معتبرة بوقت الوجوب لا وقت الإقامة، ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى لو كان موجوداً في ابتداءٍ مَنَعَ صحة اللعان ووجوب الحد، فكذلك إذا طرأ في الثاني، كما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فلم يحكم الحاكم بشهادتهما حتى ظهر فسقهما بأن زنيا أو شربا خمراً فلم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما تلك ..

لكن لو حكم؟ لو حكم الحاكم بناءً على أنهما ثقتان؟ ثم بعد ذلك تبيّن فسقهما فيما بعد؟ يقام الحد.

وأيضاً فإن الحكم بالعفة والإحصان يؤخذ من طريق الظاهر لا من حيث القطع واليقين، وقد قال عليه السلام:((ظهر المؤمن حمى)) فلا يحد القاذف إلا بدليل قاطع، وبالله التوفيق ..

خرج الحديث؟

الطالب:. . . . . . . . . الطبراني في الكبير من حديث. . . . . . . . .

وهذا ظاهر.

ضعيف؟

ضعيف جداً.

الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا، هو لدفع الحد، وهي لدرء العذاب، فإن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد، ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء ..

لا يلزمها حد لأنها غير مكلفة.

وقال ابن الماجشون: لا حد على قاذف من لم تبلغ، قال اللخمي: فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.

ص: 13

أما لو كانت تحمل ولو كانت صغيرة؟ يمكن أن تحمل الصغيرة؟ لأنه قال: لا حد على قاذف من لم تبلغ، فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل، هل في صغيرة تحمل؟ هل هناك صغيرة تحمل؟ أو إذا حملت حكمنا ببلوغها؟ لأنها لا يمكن أن تحمل إلا بعد الإنزال، والإنزال من علامات البلوغ، فقوله: الصغيرة يكفي عن قوله: لا تحمل.

طالب: السن؟

السن، يقولون التسع.

الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة، وهو أحد قولي الشافعي والقول الثاني أنهم لا يحدون ..

إذا كان الزوج من هؤلاء الثلاثة، الذي هو رابعهم؛ لأن له مخرج شرعي باللعان، لم يبق إلا الثلاثة، فإذا نظرنا إليه باعتباره شاهداً كشهادتهم، قلنا: أنها تحد ولا يحدوا، لأن النصاب كامل، واللعان إنما يلجأ إليه إذا أراد إسقاط الحد عن نفسه، وهنا لا حد عليه لأن النصاب كامل.

وقال أبو حنيفة: إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداءً قبلت شهادتهم وحدَّت المرأة، ودليلنا قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] الآية .. فأخبر أن من قذف محصناً ولم يأت بأربعة شهداء حدّ، فظاهره يقتضي أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رامٍ لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود والله أعلم.

السادسة عشرة: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته، وقال شريح ومجاهد: له أن ينفيه أبداً وهذا خطأ؛ لأن سكوته بعد العلم به رضىً به، كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه لا يقبل منه، والله أعلم.

يوجد بعض القضايا من بعض العوام الذين لا يحتاطون لأعراضهم ولا لأديانهم يوجد تساهل من بعض العوام إذا وجد في ولده شبهاً لا يشبهه، شبهاً بعيداً عنه، تجده في حال الرضا يقول: هو ولدي، وفي حال الغضب وفي حال السخط -إذا سخط عليه- تبرأ منه، وهذا لا يجوز بحال –نسأل الله السلامة والعافية– هو إما ولدك باستمرار أو ليس بولدك، فإذا قال: أنه ليس بولده، لا بد أن يلاعن.

ص: 14

السابعة عشرة: فإن أخر ذلك إلى أن وضعت وقال: رجوت أن يكون ريحاً ينفش، أو تسقطه فأستريح من القذف فهل لنفيه بعد وضعه مدةً ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك؟ فقد اختلف في ذلك، فنحن نقول: إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه، وبهذا قال الشافعي، وقال أيضاً: متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة من تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك ..

لأنه رضي به، إلا إن كان جاهل بالحكم، إن كان جاهل بالحكم له ذلك.

وقال أبو حنيفة: لا أعتبر مدة، وقال أبو يوسف ومحمد: يعتبر فيه أربعون يوماً مدة النفاس، قال ابن القصار: والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه، واستلحاق ولدٍ ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه، ويفكر هل يجوز له نفيه أو لا؟

نعم يعني أحياناً يحصل التردد، لا سيما إذا كان الزنا في الطهر الذي جامعها فيه، يحصل التردد كثيراً، فيترك له مدة ثلاثة أيام يفكر فيها، لأنه إن أثبت الولد والاحتمال أن يكون لغيره هذا حرام –نسأل الله السلامة والعافية– وإن نفاه وهو ولده حرام كذلك –نسأل الله السلامة-.

وإنما جعلنا الحد ثلاثة؛ لأنه أول حد الكثرة، وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر بها حال المصرّاة، فكذلك ينبغي أن يكون هنا، وأما أبو يوسف ومحمد فليس اعتبارهم بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع، إذ لا شاهد لهم في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهداً في الشريعة من مدة المصرّاة.

يعني إذا كان هناك أصل يمكن أن يلحق به الفرع أصل من الشرع أولى من إلحاقه بما لا أصل له.

طالب: الجينات

هذه قرائن وليست أدلة، قرائن يرجح بها.

الثامنة عشرة: قال ابن القصار: إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانية –بالهاء-

يعني بلفظ ما تقذف به المرأة، قذفت الرجل بما تقذف المرأة، وقالت: يا زانية، فما الحكم؟ أو قال الرجل لزوجته: يا زاني؟

ص: 15

وكذلك الأجنبي لأجنبي فلست أعرف فيه نصاً لأصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفاً وعلى قائله الحد، وقد زاد حرفاً، وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يكون قذفاً، واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زانٍ أنه قذف، والدليل على أنه يكون في الرجل قذفاً هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواءً كان بلفظ أعجمي أو عربي، ألا ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت -بفتح التاء- كان قذفاً، لأن معناه يفهم منه، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر لقوله تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ} [(30) سورة يوسف] صلح أن يكون قوله: يا زانٍ للمؤنث قذفاً، ولمّا لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم، والله أعلم.

هذا من حيث العربية، أما بعد أن تغيرت لغات ولهجاتهم وصار الرجل يخاطب بما تخاطب به المرأة والعكس في بعض الجهات موجود هذا، يوجد عند بعض الأعاجم يخاطب الرجل كأنه يخاطب امرأة، وفي بعض الجهات من بلاد العرب من يخاطب مجموعة الرجال بنون النسوة، هذا موجود حتى في بعض جهات الجزيرة، فمثل هذا ينظر فيه إلى ما تعورف عليه.

التاسعة عشرة: يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لأنها صارت فراشاً، ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه.

الموفية عشرين: اختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان، فقال أبو حنيفة: لا حد عليه؛ لأن الله تعالى جعل على الأجنبي الحد، وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن أبداً حتى يلاعن؛ لأن الحدود لا تؤخر قياساً ..

ما معنى لأن الحدود لا تؤخر؟

طالب. . . . . . . . .

ويسجن أبداً حتى يلاعن، مقتضى ذلك أنه يؤخر؟ أليس كذلك؟ الذي يسجن حتى يلاعن.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 16

لأن الحدود لا تؤخر، هو لا يلزمه حد الآن، ولأنه لو كان يسجن حتى يلاعن أو يحد، قلنا أن الحدود تؤخر، لكنه يسجن حتى يلاعن فقط، ما في حد، لأن القسمة عند أبي حنيفة، القسمة عنده كالزوج وغيره، الزوج ما فيه إلا اللعان ما في حد، وغير الزوج ما فيه إلا الحد إذا قذف، وليس هناك لعان، فالزوج ما دام لا حد في حقه، إذاً يسجن حتى يلاعن فقط، لا يمكن قسم آخر حتى يلاعن أو يحد لأن الحدود لا تؤخر.

وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء: إن لم يلتعن الزوج حد؛ لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن، وفي حديث العجلاني ما يدل على هذا لقوله: إن سكتُّ سكت على غيظ وإن قتلت قتلت، وإن نطقت جلدت.

الحادية والعشرون: واختلفوا أيضاً هل للزوج أن يلاعن مع شهوده فقال مالك والشافعي: يلاعن كان له شهود أو لم يكن؛ لأن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان ..

يعني لو أحضر أربعة شهود ينتفي الولد وإلا ما ينتفي؟ لو أخضر أربعة شهود أنها زنت، ينتفي وإلا لا ينتفي إلا باللعان؟.

طالب: لا ينتفي.

لا ينتفي الولد إلا باللعان، وإنما الشهود يقونه الحد فيقام عليها بهم.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه، لقوله تعالى:{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [(6) سورة النور]

الثانية والعشرون: البداءة في اللعان بما بدأ الله به وهو الزوج، وفائدته درء الحد عنه، ونفي النسب منه، لقوله عليه السلام:((البينة وإلا حد في ظهرك)) ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجز، لأنه عكس ما رتبه الله تعالى ..

ولأن المرأة تدرأ عن نفسها شيئاً لم يثبت بعد، لأنه لا يثبت إلا بلعانه.

وقال أبو حنيفة: يجزي، وهذا باطل؛ لأنه خلاف القرآن، وليس له أصل يرده إليه، ولا معنى يقوى به، بل المعنى لنا؛ لأن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت، وهذا لا وجه له.

ص: 17

الثالثة والعشرون: وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن: قل أشهد بالله لرأيتها تزني، ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة، وما وطئتها بعد رؤيتي، وإن شئت قلت: لقد زنت وما وطئتها بعد زناها، يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد، وإذا نفى حملاً قال: أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد، وما هذا الحمل مني ويشير إليه، فيحلف بذلك أربع مرات، ويقول في كل يمين منها: وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها، ثم يقول في الخامسة: عليّ لعنة الله إن كنتُ من الكاذبين، وإن شاء قال: إن كنت كاذباً فيما ذكرت عنها، فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد، فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده، فحلفت بالله أربعة أيمان تقول فيها: أشهد بالله إنه لكاذب، أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه عليّ وذكر عني، وإن كانت حاملاً، قالت: وإن حملي هذا منه.

ثم تقول في الخامسة: وعليّ غضب الله إن كان صادقاً، أو إن كان من الصادقين في قوله ذلك، ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنا، ويقول في الخامسة: عليّ لعنة الله إن كنت كاذباً فيما رميتها به من الزنا، وتقول هي: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: عليّ غضب الله إن كان صادقاً فيما رماني به من الزنا، وقال الشافعي: يقول الملاعن: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يوعظه الإمام، ويذكره الله تعالى ويقول: إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله، فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول: إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجباً، فإن أبى تركه يقول ذلك: لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا، احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر رجلاً حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول: إنها موجبة.

ص: 18

إنها موجبة فيما دعوت به على نفسك، اللعن بالنسبة للرجل، والغضب بالنسبة للمرأة –نسأل الله العافية-.

طالب:. . . . . . . . .

قلنا: إذا كانت قد وطئها في نفس الطهر الذي حصل فيه الزنا فالاحتمال قائم أن يكون الولد له، والأصل له أن له، لا يبرأ منه، ولا يجوز اللعان في ذلك، لا يفيد اللعان في انتفاء الولد.

الرابعة والعشرون: اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، هل يحد أم لا؟ فقال مالك: عليه اللعان لزوجته وحد للمرمي، وبه قال أبو حنيفة، لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه، وقال الشافعي: لا حد عليه؛ لأن الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنا إلا حداً واحداً، بقوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] ولم يفرق بين من ذكر رجلاً بعينه وبين من لم يذكر، وقد رمى العجلاني زوجته بشريك، وكذلك هلال بن أمية فلم يحد واحد منهما، قال ابن العربي: وظاهر القرآن لنا؛ لأن الله تعالى وضع الحد في قذف الأجنبي والزوجة مطلقين، ثم خص حد الزوجة بالخلاص باللعان، وبقي الأجنبي على مطلق الآية، وإنما لم يحد العجلاني لشريك ولا هلال لأنه لم يطلبه.

وحد القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعاً منا ومنه.

يعني الإمام مالك. . . . . . . . . والشافعي الذين يخالفونه في هذا، فلا بد من المطالبة.

الخامسة والعشرون: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعاً تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما ..

يعني يخرج كل واحدٍ منهما من باب لتمام الفرقة.

ولا خلاف في أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام، وقد استحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر، وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها بمثل ما تلتعن به المسلمة.

السادسة والعشرون: قال مالك وأصحابه: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين فلا يجتمعان أبداً.

ص: 19

طالب: في وضع النصرانية. . . . . . . . . هل يقال في بعض. . . . . . . . . الحلف بالأولياء أكثر والعياذ بالله. . . . . . . . .؟

لا، هذا شرك ما يقرّ على شرك، مكان سهل يعني أسهل من الشرك، الشرك عظيم، لأنه يحصل لها تردد، قد يحصل لها تردد إذا كانت في موضع تعظمه، يحصل ..

الطالب: ما يثبت الحق إلا إذا قيل له احلف بالحسين؟

ولو كان، ولو ضاع الحق، لأن الشرك عظيم.

السادسة والعشرون: قال مالك وأصحابه: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين ..

قد يوجد حيلة مثلاً يستخرج بها الحق من مثل هذا بغير الشرك، من عباد البقر أخذ أمانة وجحدها لمسلم، أمانة لمسلم فجحدها، وهو موجود في دول الخليج، فتحاكما عند القاضي فقال القاضي: ائتوني بسكين، ثم قال له –للذي جحد– لأنه يلزمه اليمين، قل: ورب البررة، جعل هذا الذي يعبد البقر يمسك السكين بيده، فقال له القاضي: قل ورب البررة، قال: ورب البررة، فقسم بالله ما في إشكال، مهلك الفجرة، قال: مهلك الفجرة، لئن كان صادقاً لأذبحن البقرة –يعني بهذه السكين– قال: لا لا، أنا مال أدفع، بقرة ما أذبح، فهذا ما ارتكب محظور، فإذا حصل استخراج الحق بمثل هذا لا بأس به، أما أن يرتكب الشرك فلا.

فلا يجتمعان أبداً، ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبداً لا قبل زوج ولا بعده.

يعني فرقة مؤبدة.

وهو قول الليث بن سعد وزفر بن الهذيل والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما، وهو قول الثوري لقول ابن عمر: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فأضاف الفرقة إليه.

ولقوله عليه السلام: ((لا سبيل لك عليها)) وقال الشافعي: إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته إلتعنت أو لم تلتعن، قال: وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير، وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى ..

لأن الاستمرار وعدمه من حقوق الزوج، من حقوق الزوج فيتعلق بلعانه كالطلاق.

ولما كان لعان الزوج ينفي الولد، ويسقط الحد، رفع الفراش، وكان عثمان البتي لا يرى التلاعن ينقص شيئاً من عصمة الزوجين حتى يطلق ..

يعني تستمر زوجته حتى يطلقها.

ص: 20

وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك، فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكماً، وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري وحكاه اللخمي عن محمد بن أبي صفرة ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة ..

لأن من الآثار المترتبة عليه، من الآثار المرتبة على اللعان، الفرقة المؤبدة وانتفاء الولد وسقوط الحد.

واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة وبقول عويمر: كذبت عليها إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً، قال: ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه، ولم يقل له: لم قلت هذا وأنت لا تحتاج إليه؛ لأن باللعان قد طلقت، والحجة لمالك في المشهور، ومن وافقه قوله عليه السلام:((لا سبيل لك عليها)) وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عليها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم، وإنما كان تنفيذاً لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة ..

الطرد والإبعاد، معنى اللعان واللعن في اللغة الطرد والإبعاد –نسأل الله السلامة والعافية-.

السابعة والعشرون: ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنين لا يتناكحان أبداً فإن أكذب نفسه جلد الحد، ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبداً، وعلى هذا السنة التي لا شك فيها ولا اختلاف، وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد، وقال: قد تفرقا بلعنة من الله، وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا أكذب نفسه جلد الحد، ولحق به الولد، وكان خاطباً من الخطاب إن شاء، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعبد العزيز بن أبي سلمة ..

لكن إذا أكذب نفسه، ولم تطالب بالحد، لأنه يقول -أبو حنيفة-: إذا أكذب نفسه جلد الحد، ولحق به الولد، يحد وإلا ما يحد؟ أكذب نفسه فلم تطالب بالحد؟

طالب: ما يحد

وإن كان هذا الحد وصل السلطان وحصل اللعان؟

طالب: إذا لم تطالب بحق الله.

ص: 21

الآن الأمر وصل للسلطان، والموضوع بين يديه، وعرف أنه قاذف، وثبت القذف عنده بإقراره، بإكذابه نفسه، صار قاذفاً، فهل نقول: أن مجرد وصول الأمر إلى السلطان خرج من يده ويدها؟ أو نقول: أن الأمر لا يعدوها ومن حقها فإن طالبت حدّ وإلا فلا؟

طالب: السرقة والزنا؟

السرقة والزنا إذا بلغت الحدود السلطان، فإن عفا فلا عفا الله عنه، لكن الكلام في القذف يرجح فيه حق المخلوق، السرقة والزنا بالشهود يقوم، لكن القذف ما يقوم بالشهود حتى تتم المطالبة من المقذوف.

طالب: .... للمرأة أن ترجع ولم يقم عليها الحدود.

أي قصة؟ شراحة التي جلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة؟

طالب:. . . . . . . . .

لأن أبا حنيفة يقول: إذا أكذب نفسه جلد الحد، يعني جلد الحد معلق بإكذابه نفسه، بمجرد أن يكذب نفسه يجلد الحد، ولم يذكر فيه المطالبة، ولحق به الولد، وإذا قلنا أن الأصل أن الحد من حقها فإذا تنازلت ولم تطالب به كغيره، كغير الزوج، كغير الزوج إذا قذف لا يحد حتى يطالب به.

طالب: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأته جاءته فذكرت أن زوجها يأتي جاريتها، فقال: إن كنت صادقة رجمناه، وإن كنت كاذبة جلدناك، قالت: ردوني إلى أهلي غير نغرة ..

يعني تجلد ولو لم يطالب؟

الطالب: قال: إن كنت كاذبة جلدناك، ولم يذكر فيه المطالبة.

هو الأصل في هذا الباب أنه لا بد فيه من المطالبة.

الطالب .. لكن على وصوله إلى السلطان؟

لهذا الكلام يعني في قول أبي حنيفة: إذا أكذب نفسه جلد الحد؛ لأن المسألة انتهت، كأنها مطالبة، يعني بمجرد لعانه يقتضي المطالبة منها، والمسألة قابلة للنظر.

قالوا: يعود النكاح حلالاً كما لحق به الولد؛ لأنه لا فرق بين شيء من ذلك ..

يعني الآثار المترتبة حكمها واحد، فإما أن تعود بالكلية أو ترتفع بالكلية.

ص: 22

وحجة الجماعة قوله عليه السلام: ((لا سبيل لك عليها)) ولم يقل: إلا أن تكذب نفسك، وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال: فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما فلا يجتمعان أبداً، ورواه الدارقطني ورواه مرفوعاً من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبداً)) وروي عن علي وعبد الله قالا: مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان، عن علي أبداً.

الثامنة والعشرون: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء:

عدد الألفاظ: وهو أربع شهادات على ما تقدم. والمكان: وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه.

الطالب: يدخل اللعان بين الكفار؟

لأنهم يعتبرون مطالبين، يتحاكموا إلينا، يعتبرون مطالبين بالفروع وتحاكموا إلينا.

طالب. . . . . . . . .

على كل حال إذا تحاكموا إلينا نحكم بينهم بحكم الله؛ لأنهم مطالبون بفروع الشريعة، أما إذا لم يتحاكموا فشأنهم.

والوقت: وذلك بعد صلاة العصر، وجمع الناس: وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعداً، فاللفظ وجمع الناس مشروطان والزمان والمكان مستحبان.

التاسعة والعشرون: من قال: إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الآخر، ومن قال: لا يقع إلا بتفريق الإمام فمات أحدهما قبل ذلك، وتمام اللعان ورثه الآخر، وعلى قول الشافعي: إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا ..

لأن الحكم منوط بلعان الرجل عنده.

الموفية ثلاثين: قال ابن القصار: تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ، وهو مذهب المدونة: فإن اللعان حكم تفريقه حكم تفريق الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق، وفي مختصر ابن الجلاب: لا شيء لها، وهذا على أن تفريق اللعان فسخ.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد.

ص: 23