الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير القرطبي
تفسير
سورة النور
تكملة مسائل القذف وآداب الاستئذان
الشيخ / عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال القرطبي -رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [(23) سورة النور].
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {الْمُحْصَنَاتِ} تقدم في النساء، وأجمع العلماء على أن حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياساً واستدلالاً.
فمن قذف رجلاً كان كمن قذف امرأة، والتنصيص على المرأة في هذا الباب أكثر من التنصيص على الرجل؛ لأن العار اللاحق بها وبأهلها أشد، ولأن التطاول على المرأة أسهل من التطاول على الرجل، فتجد الإنسان القاذف سهل عليه أن يقذف امرأة لأنه لا يراه ولا تراها، بينما الرجل لا يتطاول عليه بهذه السهولة، وإلا فالحكم واحد.
وقد بيناه أول السورة -والحمد لله- واختلف فيمن المراد بهذه الآية، فقال سعيد بن جبير: هي في رماة عائشة -رضوان الله عليها- خاصة، وقال قوم: هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس والضحاك وغيرهما، ولا تنفع التوبة ومن قذف غيرهن من المحصنات فقد جعل الله له توبة؛ لأنه قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} [(4) سورة النور] إلى قوله: {إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ} فجعل الله لهؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة قاله الضحاك، وقيل: هذا الوعيد لمن أصرّ على القذف ولم يتب، وقيل: نزلت في عائشة إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة، وقيل: إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكرٍ وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات فدخل في هذا المذكر والمؤنث، واختاره النحاس وقيل: نزلت في مشركي مكة؛ لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنما خرجت لتفجر ..
المحصنات الأصل فيه أنه عام في عائشة وفي غيرها، في أمهات المؤمنين وفي غيرهن، فمن قذف المحصنة استحق هذا الوعيد الشديد –نسأل الله السلامة والعافية– إلا إذا أقيم عليه الحد، وسقط بذلك حق المخلوق، وتاب إلى الله -جل وعلا- فالله يقبل التوبة، والتوبة تهدم ما كان قبلها.
الثانية: {إلُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [(23) سورة النور] قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة: الإبعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم، وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ..
جاء لعن بعض العصاة، لعن الله السارق، فالعنوهن، يعني المتبرجات، وقذف المحصنات ليس بأسهل من هذا، فهو مستحق للعن -نسأل الله السلامة والعافية-.
وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه ..
كل هذا لأنه يرى أن المسلم لا ينطبق عليه هذا الوعيد، ولا يستحق كل هذا الوعيد، لكن ما المانع أن يستحق؟ لأنه حُذر وأنذر من القذف، ورتب عليه حد في الدنيا، ولعن في الآخرة ما المانع؟ لأن القذف والرمي بالفاحشة أمر ليس بالسهل، هذا متحقق في القذفة، لكن إذا أقيم الحد هذا في مسألة ما إذا لم يقم الحد عليه ولم يتب منه، فإذا أقيم عليه حد سقط حق المخلوق، والحدود كفارات، وإذا تاب تاب الله عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها إذا كانت بشروطها.
وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجبّ ما قبله، وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية أنه عام لجميع الناس القذفة من ذكرٍ وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يُرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.
ولذلك قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ} ما قال: إن الذين يرمين، فجانب الرمي القاذف غلب المذكر، وفي جانب المقذوف غلب المؤنث، وإلا فالحكم يعمّ هذا وهذا، في الجزئين.
قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(24) سورة النور] قراءة العامة بالياء، واختاره أبو حاتم، وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف {يشهد} بالياء، واختاره أبو عبيد لأن الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل.
نعم، إذا وجد فاصل بين الفعل والفاعل للمؤنث جاز التذكير والتأنيث للفعل، إذا وجد الفاصل جاز التذكير والتأنيث، مع أن الألسن جمع تكسير يجوز تذكيره وتأنيثه، مثل الرجال، وجاء الرجال، وجاءت الرجال، ولو لم يوجد فاصل فلا مانع من تأنيث الفعل، وإن كان جمع تكسير؛ لأنه إن أريد به الجمع ذُكّر، وإن أريد به الجماعة أنث، فيجوز على حدٍ سواء.
والمعنى: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض، بما كانوا يعملون من القذف والبهتان، وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم ذلك اليوم بما تكلموا به ..
نعم، ألسنتهم يعني ألسنة القذفة، لا شهادة ألسنة غيرهم عليهم كما قدمه هو هنا، قال: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض، لكن في يوم القيامة لا مانع من أن يشهد على نفسه، لأنها تشهد عليه جوارحه، ومن ذلك ألسنتهم.
{وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم} [(24) سورة النور] أي: وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [(25) سورة النور]
أي حسابهم وجزاؤهم، وقرأ مجاهد:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقُّ} برفع {الحق} على أنه نعت لله عز وجل، قال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتاً لله عز وجل، وتكون موافقة لقراءة أبي ..
لا وجه للترجيح هنا؛ لأن الله -جل وعلا- كما يوصف بأنه الحق كذلك يوصف الدين بأنه الحق، يوصف الدين والجزاء من الله -جل وعلا- على أنه حق.
وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبي: يوفيهم الله الحق دينهم. قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيد غير مرضي؛ لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم، ولا حجة أيضاً فيه؛ لأنه لو صح هذا أنه في مصحف أبي كذا جاز أن تكون القراءة: يومئذٍ يوفيهم الله الحق دينهم.
يعني ما يمنع أن يكون (الحق) منصوب على القراءتين.
يكون {دينهم} بدلاً من الحق، وعلى قراءة العامة {دينهم الحق} يكون {الحق} نعتاً لدينهم، والمعنى حسن؛ لأن الله عز وجل ذكر المسيئين وأعلم أنه يجازيهم بالحق، كما قال الله عز وجل:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [(17) سورة سبأ] لأن مجازاة الله عز وجل للكافر والمسيء بالحق والعدل، ومجازاته للمحسن بالإحسان والفضل ..
فهو حق وزيادة، فالحق موجود للمحسن والمسيء، المسيء بالعدل، والمحسن بالفضل، والحق موجود في الطرفين.
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [(25) سورة النور] اسمان من أسمائه سبحانه وتعالى، وقد ذكرناهما في غير موضع، وخاصة في الكتاب الأسنى.
يعني في شرح الأسماء الحسنى للمؤلف، للمفسر.
قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [(26) سورة النور]، قال ابن زيد: المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون للخبيثات، وكذا الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.
وهذا ظاهر السياق في الآيات.
وقال مجاهد وابن جبير وعطاء وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.
وهذا يؤيده مجيء هذه الآية بعد القذف، والقذف كلام خبيث، لا يناسب إلا الخبيثين من الرجال، من الناس، وكذلك الكلام الطيب يناسب الطيبين من الرجال.
قال النحاس في كتاب معاني القرآن: وهذا من أحسن ما قيل في هذه الآية، ودل على صحة هذا القول:{أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [(26) سورة النور] أي عائشة وصفوان مما يقول الخبيثون والخبيثات، وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [(3) سورة النور] الآية .. فالخبيثات الزواني والطيبات العفائف، وكذا الطيبون والطيبات، واختار هذا القول النحاس أيضاً، وهو معنى قول ابن زيد {أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [(26) سورة النور] يعني به الجنس، وقيل: عائشة وصفوان فجمع كما قال: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [(11) سورة النساء] والمراد: أخوان ..
وهذا جاري على مذهب ابن عباس فيمن يقول بقوله: إن أقل الجمع اثنين.
قاله الفراء، و {مبرؤون} يعني منزهين مما رموا به، قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف عليه السلام لما رمي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لما رميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى -صلوات الله عليه-، وإن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله تعالى بالقرآن فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان.
وروي عن علي بن زيد بن جدعان عن جدته عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة: لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
نعم، رآها النبي صلى الله عليه وسلم في النوم في سرقة من حرير، وقيل له: هذه امرأتك، بصورة عائشة رضي الله عنها، أما كونها نزلت في راحة جبريل هذا يحتاج إلى نقل، وأما الحديث الصحيح هو ما ذكرنا.
حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، ولقد توفي صلى الله عليه وسلم وإن رأسه لفي حجري، ولقد قبر في بيتي، ولقد حفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يبينني عن جسده، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً، تعني قوله تعالى:{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [(26) سورة النور] وهو الجنة.
مخرج؟
طالب: نعم.
ماذا يقول؟
طالب: قال: صحيح، إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، ومن وجه آخر أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن صفوان عن عائشة، وصححه ووافقه الذهبي، وليس فيه:"وهو في أهله فينصرفون عنه" فهذا منكر، تفرد به ابن زيد، وله طرق أخرى راجعة له.
يعني جمله، لكل جملة منها ما يشهد لها، اللهم إلا ما تفرد به علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
هذا زجر وردع وتنفير لا بد من التوبة من الطرفين.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [(27) سورة النور].
فيه سبع عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا} [(27) سورة النور] لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل، وسترهم فيها عن الأبصار، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج، أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم، لئلا يطلع أحد منهم على عورة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه)) وقد اختلف في تأويله، فقال بعض العلماء: ليس هذا على ظاهره، فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ} [(126) سورة النحل].
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} يعني من اطلع على المنزل يطلع على منزله؟ هذا مقتضى هذا القول، أن من اطلع على منزل أحد يطلع على منزله؟ هذا شرعي وإلا ما هو شرعي؟ ليس بشرعي، وإنما المراد بحقيقة ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام على ما سيأتي، نعم.
ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد، لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفاً لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر، وهو يريد شيئاً آخر، كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال: قم فاقطع لسانه، وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئاً، ولم يرد به القطع في الحقيقة، وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين، والمراد أن يعمل به عملاً، حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره، وقال بعضهم: لا ضمان عليه ولا قصاص، وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى- لحديث أنس على ما يأتي.
وهو مقتضى الحديث.
الثانية: سبب نزول هذه الآية، ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [(29) سورة النور].
الشيخ: مخرج؟
الطالب: قال: ضعيف أخرجه الطبري والواحدي من حديث عدي بن ثابت، وهو ضعيف، لضعف أشعث بن سواق، وهو عند الطبري دون آخره، وعند الواحدي قال: قال المفسرون: فلما نزلت قال. . . . . . . . . .
أحياناً يكون الولد أو البنت في مكانٍ مستقل من البيت، في غرفة يغلقون على أنفسهم، فمثل هؤلاء الاطلاع على ما يعملون، أما كونه في البيت ويستأذن عليهم على ما كان عليه الناس قبل وجود هذه المحدثات وهذه المنكرات، وهذه الأمور التي تجر إلى الفجور، فماذا عن طفل في العاشرة أو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة يناهز البلوغ وعنده شيء في غرفته، ويقفل على نفسه؟ مثل هذا يطلع عليه أو ما يطلع عليه؟ أو ينتظر حتى يخرج ويفتش المكان؟ المقصود أنه لا بد من محاسبته، ولا يترك له المجال، يخلو بنفسه بما شاء من مخالفات –نسأل الله العافية-.
طالب:. . . . . . . . . قد يقع ما يكره. . . . . . . . .
لا بد من وقوعهم على ما يكره إذا أراد التغيير، أما كونه يطلع عليه وهو على حالٍ لا يرضاها لا الأب ولا الابن مما اشتمل عليه خلقته، تفترض أنه ينام بثيابٍ ليست ساترة، فمثل هذا يترك حتى ينتبه ويستيقظ، يطرق عليه الباب ويستأذن ويفتش المكان.
لكن أحياناً قد يكون في المكان أمور تفوت، إذا شك الأب في أولاده مثلاً أنهم يستعملون أشياء من هذه الفواحش، ثم إذا استأذن عليهم تمكنوا من الفراغ منها أو من وضعها في مكان لا يطلع عليه من الغرفة مثل هذا لا مانع أن يباغتوا في بعض الأوقات، لأن ارتكاب أخف الضررين مطلوب، فإذا ترك لهم المجال استفحل الأمر، وما وجد كثير من المنكرات واستمر عليها أربابها وأصحابها من الشباب والشابات في بيوت المسلمين نعم هو شيء قليل ويسير لا يعني أنه ظاهرة، لكن وجد من يخلو بأخته مدة عشر سنين بدون علم الأب والأم، مثل هذا لو جرى التفتيش عليهم ومحاسبتهم ما استمر الأمر، فمثل هذا لا بد من القضاء عليه.
الثالثة: مدّ الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس وهو الاستئذان، قال ابن وهب قال مالك: الاستئناس فيما نرى -والله أعلم- الاستئذان، وكذا في قراءة أبي وابن عباس وسعيد بن جبير: حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، وقيل: إن معنى {تَسْتَأْنِسُوا} تستعلموا أي تستعلموا من في البيت، قال مجاهد: بالتنحنح أو بأي وجهٍ أمكن ..
أما الاستئناس فله دلالة غير دلالة الاستئذان، والترتيب في الاستئذان يدل على أنه غيره؛ لأن الاستئذان يحصل بقولك حتى تسلموا، الاستئناس قبل السلام، حتى تستأنسوا وتسلموا، وأما الاستئذان فهو بعد السلام، السلام عليكم، أأدخل؟ هذا الاستئذان، وأما الاستئناس فهو شيء قبله، قد يكون للاستعلام، هل في البيت أحد؟ أو هل فيه من يرغب الجلوس معك أو من لا يرغب؟ هل فيه من تكره أو من لا تكره؟ لأن بعض الناس إذا صار بينه وبين أحدٍ شيء في نفسه لا يطيق الجلوس معه، وهذا يزول بالاستئناس، بأن يستعلم في أول الأمر ثم يسلم ويستأذن، أما إذا دخل وفي المكان من لا يريد الجلوس معه، واضطر إلى أن يخرج، هذا أو هذا، هذا أمر ليس بالحسن، بل هو أمر مكروه في الشريعة، الشريعة جاءت بما يدل على الألفة والتحاب، وأنه لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، وهذا فيه النفرة الشديدة –نسأل الله العافية– وقد يكون الإنسان في نفسه على آخر شيء، لكن ما يبدي له شيء في وجهه مما يكره، النبي عليه الصلاة والسلام ما واجه أحداً بسوء، قد يكون في النفس شيء، لكن لا يعني هذا أنه إذا كان في نفسه شيء يبديه في المحافل وفي المجالس ويبديه أمام صاحبه، يكتمه، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [(134) سورة آل عمران] لا بد من هذا، فالاستئناس للاستعلام بوجود مثل هذا، ويدل له المآل، يدل لهذا الاستظهار المآل، وهو أنه لا يحصل الأنس قبل هذا الاستئناس، فيحصل أنه إذا دخل من غير استئناس، ومن غير استئذان أنه لا يحصل الأنس، بل يحصل الضيق والحرج وثقل المجلس.
ويتأنّى قدر ما يعلم أنه قد شعر به، ويدخل إثر ذلك، وقال معناه الطبري، ومنه قوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} [(6) سورة النساء] أي علمتم، وقال الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنـ
…
ـاص عصراً وقد دنا الإمساءُ
قلت: وفي سنن ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام فما الاستئناس؟ قال:((يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح، ويُؤذِن أهل البيت))
طالب: في نسخة (فما الاستئذان)
فما الاستئناس؟
طالب: قال يا رسول الله هذا السلام فما الاستئذان؟
إيه، هذا موجود في بعض النسخ، موجود في نسختين.
طالب: لأنه موجود حتى في طبعة ابن ماجة؟
فما الاستئذان؟
طالب: قال -هنا يا شيخ نقلته من حاشية مشهور- قال: في أصل السند طبعة الألباني وعبد الباقي الاستئذان، قال مشهور: وهو خطأ صححته من مصنف أبي شيبة الذي رواه المؤلف عنه، ومن مصادر أخرى شاركه في روايته عنه، وكذلك ذكره المزي في التحفة، برواية المؤلف كما حققته في المصدر المذكور.
فما الاستئناس؟
طالب: صحح (الاستئناس) قال: الاستئذان خطأ.
إيه، لأنه هو الذي مذكور في الآية، هو الذي يسأل عنه، أما الاستئذان ما يسأل عنه لأن كل أحدٍ يعرفه.
الشيخ: وسنده؟
طالب: قال المحقق: ضعيف أخرجه ابن ماجة من حديث أبي أيوب قال البصيري في الزوائد: في إسناده أبو سورة منكر الحديث، يروي عن أبي أيوب لا يتابع عليها، وفي التقريب ضعيف، وفي الميزان قال البخاري: عنده مناكير، وضعفه الألباني.
قال: ((يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة)) ليعرف هذا الرجل، ويعرف من في المجلس أو في المكان أنه يريده وهو لا يريده، قد يكون صاحب البيت يريده، لكن بعض الجالسين لا يريده، فلا يحصل الأنس لا به ولا منه، فإذا عرف بصوته وأنه فلان، لكن لو قال: السلام عليكم أأدخل؟ قيل: نعم ودخل، الجلسة يضيق بها أهلها ذرعاً في بعض الحالات، بعض الناس لا يطاق.
قلت: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان كما قال مجاهد ومن وافقه.
الرابعة: وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} خطأ أو وهم من الكاتب إنما هو حتى تستأذنوا، وهذا غير صحيح ..
والوهم في الأصل تفتح الهاء، الوهَم، يسكنوها تخفيفاً.
عن ابن عباس وغيره، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان، فهي التي لا يجوز خلافها، وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس، وقد قال عز وجل:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [(42) سورة فصلت] وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] وقد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى: حتى تسلموا على أهلها، وتستأنسوا، حكاه أبو حاتم، قال ابن عطية: ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن {تَسْتَأْنِسُوا} متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام العرب، وقد قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: استأنس يا رسول الله، وعمر واقف على باب الغرفة، الحديث المشهور، وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم فكيف يخطئ ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا.
قلت: قد ذكرنا من حديث أبي أيوب أن الاستئناس إنما يكون قبل السلام، وتكون الآية على بابها، لا تقديم فيها ولا تأخير، وأنه إذا دخل سلم، والله أعلم.
الخامسة: السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يُزاد عليها ..
فيقول: السلام عليكم، فإن أجيب وإلا كرر، السلام عليكم، السلام عليكم، ثلاث مرات، ومنهم من يقول: أن السلام ثلاثاً، معناه أن يسلم عند الباب، يعني يقول: السلام عليكم أأدخل؟ ثم إذا دخل المحل سلم عليهم، ثم إذا أراد الانصراف سلم، فهذه ثلاث مرات، لكن هذه غير الظاهر من لفظ الخبر، لأن التكرار ثلاثاً قد لا يسمع صاحب البيت السلام من أول مرة، قد لا يسمعه في المرة الثانية، فيحتاج إلى ثالثة، فإذا سلم ثالثة ولم يؤذن له ينصرف، على ما في حديث أبي موسى وسيأتي.
طالب: .... ما يجمع بين الاستئناس والسلام والاستئذان.
يجمع، ما في مانع أن يكون الإنسان يستأنس بمعنى أنه يستعلم من في البيت، هل يصلح لهم أو يصلحون له أو لا يصلح؟ يستأنس مثل هذا، بحيث تكون الزيارة يبتغى بها وجه الله -جل وعلا-، أما إذا كانت مجاملة ولا احتمال لأحدهم من بعض، فمثل هذا ما تحصل الآثار المترتبة من الزيارة، الزيارة من أجل الألفة بين المسلمين وهذه ضدها.
طالب: الآن في الأجراس؟ كيف يكون الاستئذان؟ تدق مرة واحدة؟
الأجراس إذا ضغطه ثلاث مرات على أن لا يكون فيه إطراب، أما إذا كان فيه إطراب لا يجوز لك أن تستأذن به، أما إذا لم يكن فيه إطراب وفيه استعلام، فيه أيضاً الصوت الذي معه،. . . . . . . . . هذا إذا ضربته فما أجبت بحيث يغلب على ظنك أنهم لو كانوا في البيت أو أرادوا دخولك لسمعوا، لكن أحياناً يكون البيت بعيد، كما هو حال كثير من القصور، فمثل هذا لا بد من علمهم بك.
قال ابن وهب قال مالك: الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها إلا من علم أنه لم يسمع فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع، وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن له دخل ..
مثل هذا الاستئذان، وعدم دخول البيت قبله، هل المراد به الباب الذي في السور أو الباب الذي على البيت نفسه يعني داخل البيت؟ إن كان باب السور يغلق فلا بد من الاستئذان، وإن كان لا يغلق، لأن بعض البيوت كبيرة جداً والأبواب التي في السور لا تغلق، وإذا استأذن من عندها لم يسمع، وجرت العادة بأن الناس يدخلون إلى الباب الداخلي فلا مانع حينئذٍ، إذا كان يفتح باستمرار.
طالب: إذا كان على موعد هل يزيد على ثلاث؟
والله إذا غلب على ظنه أنه يسمع فلا، إذا غلب على ظنه أنه ما سمع، وهو على موعد يزيد لا مانع.
فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثاً، ثم ينصرف من بعد الثلاث، وإنما قلنا: إن السنة الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها؛ لحديث أبي موسى الأشعري الذي استعمله مع عمر بن الخطاب، وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري، ثم أبي بن كعب، وهو حديث مشهور أخرجه الصحيح، وهو نص صريح، فإن فيه: فقال -يعني عمر- ما منعك أن تأتيَنا؟ فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد علي فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع)) وأما ما ذكرناه من صورة الاستئذان، فما رواه أبو داود عن ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان)) فقال له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. وذكره الطبري وقال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها: روضة: ((قولي لهذا يقول: السلام عليكم أدخل؟ )) الحديث.
وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوماً، فأتى فسطاطاً لامرأة من قريش، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقالت المرأة: ادخل بسلام، فأعاد فأعادت، فقال لها: قولي: أُدخل، فقالت ذلك فدخل، فتوقف لما قالت: بسلام، لاحتمال اللفظ أن تريد بسلامك لا بشخصك.
ولأنها لا تملك السلام هي، يعني لما قال الله -جل وعلا-:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [(46) سورة الحجر] يملك، لكن هل تملك أن يدخل بسلام؟ أعطته ما لا تملك، أمنته، وهي لا تملك، ولئلا يُتشبه بالقرآن، يتشبه الناس به، ولذلك بعض الناس يكتب على بابه {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} وبعض المساجد مكتوب عليها، لا ينبغي كل هذا.
نعم لو حصل عذر من الدخول في مثل هذه الصورة عند الباب رمضاء، حر شديد في الأرض، والباب مفتوح، أو يكون بحاجة إلى دورة، والدورة بجوار الباب، والباب مفتوح، ماذا يصنع؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ الأصل ألا يدخل إلا باستئذان؛ لأن الضرر اللاحق به لا يرفع بضرر غيره، وقد حصل لشخص توفي -رحمة الله عليه- في بلد غير بلده، ولا يعرف أماكن قضاء الحاجة في هذا البلد فوجد باباً مفتوحاً، والدورة بجوار الباب، فتكلم يا محمد يا محمد، دخل وقضى حاجته وخرج، فإذا بالمرأة تقول: من الذي يريد محمد؟ قال: أنا وانتهيت، للضرورات أحياناً تحكم، لكن يبقى أن المسألة البيوت لها حرمتها.
السادسة: قال علماؤنا -رحمة الله عليهم- إنما خص الاستئذان بثلاث؛ لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثاً سمع وفهم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى يفهم عنه، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثاً، وإذا كان الغالب هذا فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه ..
مشغول، إنسان مشغول، مع الأسف أن كثير من الناس توسع في مثل هذا في الجانبين، تجد المستأذن يصر إلا أن يفتح له، والمستأذن عليه يعتذر بشغل وهو ليس بمشغول، وسببه إصرار الأول، يعني لو قيل له: انصرف وانصرف ولم يكن في نفسه شيء البتة، وهو أزكى له وأفضل لما احتاج الثاني أن يعتذر بعذر غير صحيح، يعني عادي ترفع السماعة تقول: مشغول، أو قولوا له: مشغول، وأحياناً يتعدى الأمر ذلك إلى الكذب، قولوا: غير موجود؛ لأن بعض الناس يصر إصرار يلجئ الآخرين إلى أن يفعلوا مثل هذا، فلا يكون سبباً لمثل هذا، وهذا ليس بمبرر إلى أن يرتكب الشخص الآخر المحرم.
فينبغي للمستأذن أن ينصرف؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح، حتى ينقطع عما كان مشغولاً به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلاً، فقال:((لعلنا أعجلناك)) الحديث
…
وروى عُقيل عن ابن شهاب قال: أما سنة التسليمات الثلاث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة، فقال:((السلام عليكم)) فلم يردوا ..
وهم يسمعون، لكن ما ردوا، والمسلم الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السلام عليكم)) فلم يردوا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف، فخرج سعد في أثره حتى أدركه، فقال: وعليكم السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك، وقد والله سمعنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
لأن السلام دعاء، دعاء للمسلم عليه.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته، قال ابن شهاب: فإنما أخذ التسليم ثلاثاً من قبل ذلك، ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: ((السلام عليكم ورحمة الله)) قال: فرد سعد رداً خفياً، قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ذره يكثر علينا من السلام، الحديث أخرجه أبو داود وليس فيه:"قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلاثاً من قبل ذلك" قال أبو داود: ورواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلاً، لم يذكرا قيس بن سعد.
السابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الاستئذان ترك العمل به الناس، قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها، والله أعلم.
روى أبو داود عن عبد الله بن بسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول:((السلام عليكم، السلام عليكم)) وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور ..
كانت الأبواب في عهده عليه الصلاة والسلام تقرع بالأظافير –هكذا– بعض الناس إذا قرع الباب خلعه من شدة الضرب، يعمد إلى حجر أو شيء من هذا فيزعج الحي كله، هذا خلاف السنة، بعض الناس إذا ضرب الجرس يعلقه، ما رفع إصبعه عنه، كأن وراءه سبع –نسأل الله العافية- هذا خلاف الأدب الشرعي.
طالب: الاتصال -يا شيخ- بالهاتف يكون ثلاث مرات قياساً على الاستئذان على البيوت؟
يعني كونه يتصل عليه أن يفتح؟
طالب: الاتصال على شخص.
تخليه يرن ثلاث مرات ثم تقطعه؟
طالب: نعم
والله هذا الأصل، لكن جوال يعتريه ما يعتريه، أحياناً يصير ما هو قريب أو شيء من هذا.
طالب: أحياناً ما يمديه يطلعه.
لا يمكن هذا يصير عذر للذي يتصل ويقطعه، على شان يتصل الطرف الآخر، والأمور بمقاصدها.
الثامنة: فإن كان الباب مردوداً فله أن يقف حيث شاء منه، ويستأذن، وإن شاء دق الباب، لما رواه أبو موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إئذن له، وبشره بالجنة)) هكذا رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وتابعه صالح بن كيسان ويونس بن يزيد فرووه جميعاً عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن نافع عن أبي موسى وخالفهم محمد بن عمرو الليثي فرواه عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وإسناده الأول أصح، والله أعلم.
إيش قال عندك؟ الأخير، لأن الإشكال عن نافع بن عبد الحارث هذا.
شوف التقريب يا أبا عبد الله. الثاني.
طالب: حديث: كان في حائط بالمدينة؟
إيه معروف هو وما يليه، خرجه، وخرج الروايات الأخرى.
الطالب: قال هذا صحيح أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى وله تتمة.
أما الذي يليه قال: أخرجه البخاري في الأدب المفرد. . . . . . . . .
إيش؟ تخريج على الأول.
طالب: نافع بن عبد الحارث بن خالد الخزاعي صحابي فتحي
الإشكال في اسم أبيه، أبوه ما هو صحابي، فلا يلزم تغييره. تغيير اسمه.
التاسعة: وصفة الدق أن يكون خفيفاً بحيث يسمع، ولا يعنف في ذلك، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير، ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في جامعه.
ذكره أيضاً الحاكم قبله في المعرفة، نعم.
طالب: عبد المطلب يقال فيه مثلما قيل في أبي الحارث أنه ليس صحابي.
لا، هو الإشكال في صحابي اسمه عبد المطلب، وله رواية، ومن يقول بجواز التسمية بعبد المطلب قال: النبي عليه الصلاة والسلام ما غير هذا، ولو كان ما يجوز التسمية بعبد المطلب لغيره، وإلا عبد المطلب الذي مات ولم يدخل في الإسلام، لأن الذي ما أسلم ما غير اسمه، لأنه ليس بأعظم من الشرك، أما إذا أسلم فيغير اسمه، أما بالنسبة لعبد المطلب الصحابي، فهذا الصواب في اسمه المطلب بدون عبد، وإن كانت اللجنة الدائمة أجازوا عبد المطلب بناءً عليه، وقبلهم ابن حزم.
طالب: ابن حنتم هو؟
لا، شوف التقريب، الصواب اسمه المطلب.
طالب:. . . . . . . . . ما ينظر. . . . . . . . . التسمية. . . . . . . . . النبي صلى الله عليه وسلم. . . . . . . . .
ولو كان، التعبيد لغير الله -جل وعلا- لا يجوز في الإسلام، أما قبل ذلك، المشرك ما يغير اسمه، لأن عنده الشرك أعظم.
العاشرة: روى الصحيحان وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من هذا؟ )) فقلت: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أنا أنا! )) كأنه كره ذلك. قال علماؤنا: إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن قوله: أنا لا يحصل بها تعريف، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو موسى ..
يذكر اسمه الذي يتميز به، لا يكفي أن يقال من؟ يقول: محمد، ومتوقع أن يطرق في هذا الوقت أكثر من محمد، يذكر ما يتميز به.
لأن في ذكر الاسم إسقاط كلفة السؤال والجواب، ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟ وفي صحيح مسلم أن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال: السلام عليكم هذا أبو موسى السلام عليكم هذا الأشعري. الحديث ..
لكن بعض الناس يدلس في مثل هذا، يغلب على ظنه أنه غير مرغوب لصاحب البيت ويريد أن يدخل، أو يكون غريم لصاحب البيت يطالبه بديون، ثم يسمي نفسه بغير ما اشتهر به، أو يصرح باسم كذب لا يمتّ له بصلة، فمثل هذا لا يجوز بحال.
الحادية عشرة: ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال: قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة، فدققت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أنا، فقال: يا هذا ما لي صديق يقال له: أنا، ثم خرج إلي فقال: حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فطرقت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال:((أنا أنا! )) كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا. أو قوله هذا ..
لأن مثل هذا الضمير الذي يسنده إلى نفسه يشعر بشيءٍ من التعاظم، وأنه مثله لا يحتاج إلى تعريف أن يذكر باسمه، مجرد صوته معروف، فإذا قال: أنا خلاص ما يحتاج إلى أن يعرف، وبعض الناس يضيق ذرعاً إذا كلم بالتلفون يقول له: من أنت؟ هل مثلي يخفى؟ أو أنا بحاجة إلى تعريف؟ ويحمل في نفسه على من يقول: من؟ هذا ما فيه شيء، -احمد الله- على شأن تنزل منزلتك، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
طالب:. . . . . . . . . لو ذكر اسمه. . . . . . . . . يوري مثلاً.
إذا ورَّى والحاجة قائمة وليس فيه ظلم له ما فيه إشكال -إن شاء الله-.
وذكر عن عمرَ بن شبة، قال: حدثنا محمد بن سلام عن أبيه، قال: دققت على عمرو بن عبيد الباب فقال لي: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: لا يعلم الغيب إلا الله، قال الخطيب: سمعت علي بن المحسن القاضي يحكى عن بعض الشيوخ أنه كان إذا دق بابه فقال من ذا؟ فقال الذي على الباب: أنا، يقول الشيخ: أنا همٌّ دقَّ.
الثانية عشرة: ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة، كما رواه أبو بكر الخطيب مسنداً عن أبي عبد الملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال: أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة، فجاء معي، فلما قام بالباب قال: أندر؟
هي فارسية.
قالت: أندرون، وترجم عليه (باب الاستئذان بالفارسية) وذكر عن أحمد بن صالح قال: كان الدراوردي من أهل أصبهان، نزل المدينة، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أندرون، فلقبه أهل المدينة الدراوردي.
وبذلك الآن بان لنا معنى الجملة الأولى (أندر) يعني: أأَدخل؟ و (أندرون) يعني: أُدخل، هذا الاستئذان وهذا الإذن.
الثالثة عشرة: روى أبو داود عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجدايا وضغابيس، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فدخلت ولم أسلم، فقال:((ارجع فقل: السلام عليكم)) وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية، وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له)) وذكر ابن جريج أخبرني عطاء ..
أبو الزبير عن جابر تدليس شديد، إيش قال؟
طالب: قال: أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث جابر، وفي سنده مجهول، ونسبه في المجمع لأبي يعلى، وقال: فيه من لم أعرفهم، وله شواهد أنظر. . . . . . . . .
وذكر ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قال الرجل أدخل؟ ولم يسلم، فقل: لا، حتى تأتي بالمفتاح، فقلت: السلام عليكم، قال: نعم
هذا المفتاح، نعم.
وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة: أما بعينك فقد دخلت! وما باستك فلم تدخل.
همزة وصل ما تنطق.
وأما باستك فلم تدخل ..
بعض الناس يستأذن وهو في نصف الطريق، يعني مثلاً تجد طلاب في الفصل، طلاب في الفصل وعندهم مدرس، يأتي واحد من آخر الفصل ويقف، بل يخطو أحياناً خطوات ويستأذن من المدرس، أنت الآن خرجت بدون أذن، أو مجرد الوقوف هذا تصرف من غير إذن، فالمفترض أن يستأذن وهو جالس، فإن أذن له قام، وإلا فلا.
الرابعة عشرة: ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رسول الرجل إلى الرجل إذنه)) أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول ..
إذا قيل: قم يا فلان فادع فلاناً، وخرج فلان من البيت يريد أن يدع فلان من الجيران أو من أي مكان، والباب ما زال مفتوح، يدخلون، هذا إذن، الطلب هذا إذن.
يبينه قوله عليه السلام: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن)) أخرجه أبو داود أيضاً عن أبي هريرة ..
طالب: إذا عمل وليمة وأرسل الدعوات، فهل يقف الإنسان المدعو بالباب، وينتظر الأذن، والباب مفتوح؟
الشيخ: هذا تقدم الإذن على الاستئذان، ما في إشكال -إن شاء الله- ما لم يخش –مثلاً- يوجد في الطريق أو شيء لا يحب أن يطلع عليه فيحتاط لهذا.
الخامسة عشرة: فإن وقعت العين على العين، فالسلام قد تعين، ولا تعد رؤيته إذناً لك في دخولك عليه، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه، تقول: أدخل؟ فإن أذن لك وإلا رجعت.
السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها ..
يعني الزوجة، الزوجة لا إذن عليها، لأنها أسوأ احتمال أن تراها عريانة.
إلا أنك تسلم إذا دخلت، قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليهم ..
لكن لا يعني أن هذا الإنسان له أن يتجسس على زوجته، ويتخبأ لها، وينظر ماذا تصنع في الغفلات وغيبته؟ لا.
فإن كان فيه معك أمك أو أختك، فقالوا: تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها ..
يعني الزوجة.
وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها، قال ابن القاسم قال مالك: ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما، وقد روى عطاء بن يسار أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: ((نعم)) قال: إني أخدمها؟ قال: ((استأذن عليها)) فعاوده ثلاثاً، قال:((أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال:((فاستأذن عليها)) ذكره الطبري.
الشيخ: من خرجه؟
الطالب: قال ضعيف أخرجه الطبري بإثر حديث -وذكر الرقم-: عن عطاء بن يسار مرسلاً، وفيه مجهول، لكن أخرجه البيهقي بسندٍ جيد عن عطاء مرسلاً.
يبقى ضعيف، ومعناه صحيح.
السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد، فقال علماؤنا: يقول: السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات لله السلام. رواه ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنده ضعيف ..
ضعيف جداً.
وقال قتادة: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنه يؤمر بذلك ..
يعني كما جاء في التشهد، يعني له أصل شرعي، نعم.
طالب: جاء حديث في البخاري في الأدب المفرد قال: (باب إذا دخل بيتاً غير مسكون) حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني معن قال: حدثني هشام بن سعد عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: "إذا دخل البيت غير المسكون فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" قال الألباني حسن.
الشيخ: له أصل، التسليم على النفس وعلى عباد الله الصالحين، هذا له أصل مع وجود الخبر الخاص.
قال: وذكر لنا أن الملائكة ترد عليهم، قال ابن العربي: والصحيح ترك السلام والاستئذان، والله أعلم. قلت: قول قتادة حسن.
إذا لم يكن في البيت أحد يقول: الصحيح ترك السلام والاستئذان.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا خلاف الحديث، خلاف الحديث الصحيح.
قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [(28) سورة النور].
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} الضمير في {تَجِدُوا فِيهَا} للبيوت التي هي بيوت الغير، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: معنى قوله: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} أي: لم يكن لكم فيها متاع، وضعف الطبري هذا التأويل، وكذلك هو في غاية الضعف، وكأن مجاهداً رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان للداخل فيها متاع، ورأى لفظة المتاع متاع البيت الذي هو البسط والثياب، وهذا كله ضعيف، والصحيح أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها والأحاديث التقدير: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا، كما فعل عليه السلام مع سعد، وأبو موسى مع عمر رضي الله عنهما فإن لم تجدوا فيها أحداً يأذن لكم فلا تدخلوها حتى تجدوا إذناً، وأسند الطبري عن قتادة قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي: ارجع، فارجع وأنا مغتبط، لقوله تعالى:{هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [(28) سورة النور].
نعم عمره كله يتمنى أن يقال له: ارجع، ليطلب هذا الزكاء والنماء المذكور، بعض الناس لا يحتمل هذه الكلمة (ارجع) يقول: طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط.
الثانية: سواءً كان الباب مغلقاً أو مفتوحاً؛ لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه، بل يجب عليه أن يأتي الباب، ويحاول الإذن على صفة لا يطلع منه على البيت، لا في إقباله ولا في انقلابه، فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال: من ملا عينيه من قاعة بيت فقد فسق، وروى الصحيح عن سهل بن سعد أن رجلاً اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدرى يرجل به رأسه ..
يعني مثل المشط إلا أن أسنانه اثنين أو ثلاثة ما هي كثيرة.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الله الإذن من أجل البصر)) وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)).
الثالثة: إذا ثبت أن الإذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير، وقد كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم رضي الله عنهم.
نعم الصبي يستأذن، ويأذن أيضاً، المميز يأذن في دخول البيت عند الشافعية والحنابلة، يملك الإذن في دخول البيت، ومنهم من يرى أنه لا يملك؛ لأنه لا يدرك مراد الداخل وحقيقة ما في نفس صاحب البيت، هل يريد أن يدخل أو لا يدخل؟ فليس له أن يأذن إلا إذا كان مدركاً، أما الصبي ولو كان مميزاً لا يأذن، وأما عند الشافعية والحنابلة يملك الإذن.
وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم رضي الله عنهم وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر السورة، إن شاء الله تعالى.
الرابعة: قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [(28) سورة النور] توعد لأهل التجسس على البيوت، وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر، إلى ما لا يحل ولا يجوز، ولغيرهم ممن يقع في محظور.
هذا إذا كانت المعصية المتوقعة والتي تغلب على الظن أنها لا تفوت، فإنه لا يجوز حينئذٍ اقتحام البيوت، أما إذا كانت المعصية تفوت فلا بد من هذا، إذا غلب على الظن أن رجلاً خلا بآخر ليقتله أو خلا بغلام ليلوط به، أو امرأة ليزني بها حينئذٍ إذا كان هذا الأمر يفوت فلا بد من الاقتحام، ولا بد من تخليص المجني عليه من الجاني، هكذا قرر أهل العلم.
{لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [(29) سورة النور].
فيه مسألتان:
الأولى: روي: أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعاً خرباً ولا مسكوناً إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد؛ لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات، فإذا زالت العلة زال الحكم.
يعني إذا احتاج أن يقضي حاجته في خربة لا يحتاج أن يستأذن إذا عرف أنه ليس فيها أحد، وكذلك إذا أراد أن يأتي إلى محل دكان مفتوح فيه البضائع ما يجلس عند بابه ويستأذن صاحبه، مثل هذا لا يحتاج إلى إذن.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت، فقال محمد ابن الحنفية وقتادة ومجاهد: هي الفنادق التي في طرق السابلة، قال مجاهد: لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم أي استمتاع بمنفعتها، وعن محمد ابن الحنفية أيضاً: أن المراد بها دور مكة، ويبينه قول مالك، وهذا على القول بأنها غير متملكة، وأن الناس شركاء فيها، وأن مكة أخذت عنوة ..
هذا على قول من يقول: أن مكة فتحت عنوة، وأنها أوقفت كأرض السواد وليست ملكاً لأحد، وأن الناس فيها سواء، وهذا مقتضى كونها عنوة، وأما من قال: أن فتحت صلح وبقي كل شخص في بيته ملكه ثابت له فلا يرد مثل هذا الكلام، وعلى القول بأنها فتحت عنوة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام منّ على أهل مكة ببيوتهم ومساكنهم كما منّ عليهم بأنفسهم، وقال:((أنتم الطلقاء)) فتكون أيضاً ملكاً لأصحابها، ولو كانت عنوة.
وقال ابن زيد والشعبي: هي حوانيت القيساريات، قال الشعبي: لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها، وقالوا: للناس هلم، وقال عطاء: المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط، ففي هذا أيضاً متاع، وقال جابر بن زيد: ليس يعنى بالمتاع الجهاز ..
يعني ليس يعنى بالمتاع الأثاث، أنما يعني به الاستمتاع، وكل ما ينتفع به متاع.
ولكن ما سواه من الحاجة أما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار، أو خربة يدخلها لقضاء حاجة، أو دار ينظر إليها، فهذا متاع، وكل منافع الدنيا متاع، قال أبو جعفر النحاس: وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين، وهو موافق للغة، والمتاع في كلام العرب: المنفعة، ومنه أمتع الله بك، ومنه {فَمَتِّعُوهُنَّ} [(49) سورة الأحزاب].
قلت: واختاره أيضاً القاضي أبو بكر بن العربي، وقال: أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفسر، وجاء بالفيصل، وبيّن أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع، فالطالب يدخل في الخانكات، وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات، أي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه، وأما قول ابن زيد والشعبي فقول، وذلك أن بيوت القيساريات محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها بإجماع، ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس.
أما المستودعات والمخازن مثل هذه لو قيل فيها مثل هذا الكلام وأنها لا تدخل إلا باستئذان، أما المحلات المشرعة التي فيها البضائع معروضة للناس للزبائن فهذه لا تحتاج إلى استئذان.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.