الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها
تأليف
أحمد بن أحمد بن محمَّد السُّجَاعِيّ - ت: 1197 هـ
دراسة وتحقيق
الدكتور حسان بن عبد الله الغنيمان
الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية
بكلية المعلمين بالرياض
ملخص البحث
يقع الاسم المفرد بعد «لا سِيَّما» كثيرا، وهو إما أن يكون نكرة أو معرفة، فإذا كان نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه من الإعراب، وإذا كان معرفة جاز فيه وجهان هما: الجر، والرفع. وتقع الجملة الاسمية والفعلية بعد «لا سِيَّما» ، وكذلك الظرف، وهذا قليل.لا يجوز حذف «لا» من «لا سِيَّما» ؛ لأن حذفها يُغيِّر المعنى المراد من استخدام «لا سِيَّما» .
استعمل بعض العرب «لا سِيَّما» مخففة الياء، فينطقونها بياء مفتوحة من غير تشديد فيقولون:(لا سِيَما) .
«لا سِيَّما» لا يصحُّ استخدامها أداةَ استثناءٍ؛ لأن حكم ما بعدها داخل في حكم ما قبلها من غير مساواة، فهي بعكس أدوات الاستثناء؛ إذ ما بعدها خارج عن حكم ما قبلها.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فلقد امتنَّ الله (علينا حينما أرسل إلينا أفضل رسله، وخير خلقه، محمد (، فأنزل عليه كتابه الكريم، بلسانٍ عربيٍّ مبين، وتعهَّده (بالحفظ، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولقد كان من آثار حفظ الكتاب العزيز أن قيَّض (له مَنْ حفظه ومَنْ تعلَّمه وعلَّمه، وكان من هؤلاء الذين تعلَّموا كتاب الله وعلَّموه علماءُ العربية، فلقد تسابقوا على تعلُّم لغة القرآن وتعليمها والتأليف فيها؛ لأنَّ حفظها حفظٌ لكتاب الله (.
ولقد ابتدر علماء العربية الأوائل وبخاصة النحاة إلى تقييد أصول المسائل النحوية في مؤلفاتهم، وبثِّ كثيرٍ من الفروع في ثناياها، ثم تعاقب النحاة على تعليم النحو والتأليف فيه، فأخرجوا مؤلفات ظهرت فيها الدقة في التبويب، والعناية بذكر الفروع منسابَةً تحت أصولها، وكان من مسائل النحو الفرعية «لا سِيَّما» وأحكامها، فقد ذكرها كثير من النحاة في باب الاستثناء؛ لأنَّها تدل على إخراج ما بعدها من مساواة ما قبلها، وأدوات الاستثناء تدل على إخراج ما بعدها عن حكم ما قبلها، ولم يُفرد النحاة المتقدمون لها مؤلَّفا خاصا أو بابا مستقلا في كتاب نحوي، أمَّا النحاة المتأخرون فقد أفردها بعضهم بمؤلَّف خاص، وبعضهم أفرد الحديث عنها في مبحث مستقل داخل كتاب نحوي، وكان ممن أفردها بمؤلَّف خاص العلامة أحمد بن أحمد بن محمد السُّجاعي، المتوفى سنة 1197 هـ، فلقد نظم أبياتا في أحكامها، ثم شرح هذه الأبيات، وهي هذه الرسالة التي أقدمها محقَّقَةً للقراء، يسبقها دراسة لمؤلِّفها ودراسة لها، راجيا من الله أن تكون نافعة ومفيدة لأبناء العربية.
ولقد اجتهدت في دراسة شخصية المؤلف، وحاولت قدر الإمكان إلقاء الضوء على كثير من جوانب حياته المختلفة، على الرغم من قلة المراجع التي تحدثت عنه وعن حياته، كما أَنَّني لم أدَّخر جهدا في التحقيق، فقد اهتممت بالمخطوطة من جهة الكتابة والتوثيق والتخريج وخدمة النص.
وقد حرصت في الدراسة والتحقيق على توثيق المعلومات التي أذكرها من مصادرها؛ لذلك سلكت عند ذكر مصنفات المؤلِّف أن أذكر عدد نسخها المخطوطة وأماكن وجودها؛ لأَنَّ هذا كان الوسيلة المتاحة للتوثيق أمامي؛ لعدم ذكر غالب مؤلَّفاته في الكتب التي ترجمت له، وقد استنزف مني هذا جهدا كبيرا، ثم بعد انتهائي من كتابة البحث وقفت على كتاب (الخطط التوفيقيَّة) ، ووجدت فيه ترجمةً للسُّجاعي مضمنة رسالة لأحد تلاميذه ذكر فيها مؤلفات شيخه، فقمت بتوثيق مؤلفاته منها، إلا أَنَّني رأيت أن أُبْقِيَ على ذكر الإحالة إلى مكان وجود هذه المؤلفات المخطوطة؛ لأَنَّ في ذلك زيادة في التوثيق وخدمة للقارئ؛ إذ سيكفيه هذا مشقة البحث عنها عند إرادته الاطلاع عليها، وسيُيَسِّر له الحصول على نسخها المخطوطة عند عزمه على تحقيقها، أما مؤلفات السُّجاعي المطبوعة فلم ألتزم بذكر أماكن وجود نسخها المخطوطة؛ لعدم جدوى ذلك.
ومما أود التنبيه إليه هنا أَنَّني أغفلت في مسرد المصادر والمراجع ذكر فهارس المكتبات التي وثَّقت منها مؤلفات السُّجاعي؛ رغبة مني في عدم إطالة هذا البحث؛ لأَنَّ أغلب هذه الفهارس إن لم يكن كلها لم يُطبع إلا مرة واحدة، فلن يحصل لبس عند الإحالة إليها، ولأَنَّ الفهارس التي رجعت إليها كثيرة جدا، فأحيانا فهرس المكتبة الواحدة يستلزم ذكره في مسرد المراجع مرات متعددة؛ نظرا لاختلاف زمن طبع كل مجلد، كفهارس المكتبة الأزهرية، أو اختلاف جامع الفهرس، كفهارس المكتبة الظاهرية، وهذا راجعٌ إلى اختلاف فنِّ كل مجلد.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر إلى كلِّ من قدَّم لي يد العون، وأعانني على إخراج هذه الرسالة على الوجه المأمول، وأخصُّ بالشكر شيخي وأستاذي الأستاذ الدكتور عبد العظيم فتحي خليل، الذي زوَّدني بصورةٍ من نسخة هذه الرسالة الموجودة في دار الكتب المصرية، كما أخص بالشكر أيضا المسئولين في قسم المخطوطات في مركز الملك فيصل، الذين يسَّرُوا لي معرفة أماكن وجود مؤلفات السُّجاعي، فللجميع مني الشكر والتقدير ومن الله المثوبة والعطاء، والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه، والحمد له أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
***
التعريف بمؤلف الرسالة:
هو أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد البدراوي الأزهري الشافعي السُّجَاعِيّ، نسبة إلى «السُّجَاعِيَّة» : قرية من مديرية الغربية بمركز المحلة الكبرى بمصر.
ولد بمصر ونشأ بها في أسرة علمية، فلقد كان أبوه من شيوخ الأزهر؛ ولذا طلب العلم منذ صغره، ساعده على هذا الحركة العلمية النَّشِطَة التي كانت تمر بها مصر في عصره، والمتمثلة في تأسيس المدارس في مختلف أرجاء البلاد، فضلا عن المساجد التي كانت منتشرة في كل مكان آخذة بنشر النور وبث وسائل المعرفة، فتنوعت الثقافة في دور العلم هذه (1) .
فكانت هذه العوامل جديرة بجعل أحمد السُّجاعي حريصا على طلب العلم، فقد ابتدر إلى ذلك، فقرأ العلم على والده وعلى كثير من مشايخ عصره، كالعلامة حسن بن علي المدابغي (1170 هـ) ، والشيخ حسن بن إبراهيم الجبرتي (1188 هـ) الذي لازمه فأخذ عنه علم الحكمة الهندية وغيره من العلوم، ومحمد مرتضي الزبيدي (1205 هـ) .
(1) ينظر الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية ص 21.
وقد بلغ أحمد السُّجاعي مكانةً عالية في العلم، وكان ذلك في حياة والده، فتصدَّرَ للتدريس في مواضعه، واستمر في هذا أيضا بعد موت والده سنة 1190 هـ، وصار من أعيان العلماء، وشارك في معظم العلوم، وتميَّز بالعلوم الغريبة، وكان فقيها حافظا مُلِمًّا باللغة، وله تآليف عديدة بارعة في كثيرٍ من الفنون تشهد بعلو مكانته وسَبْقِهِ في العلم. ولم تزوِّدنا المراجع التي ترجمت له بتفصيلات كثيرة عن حياته أو أسماء تلاميذه، إلا أَنَّني تيسر لي الوقوف على اسم أحدهم، وهو الشيخ علي بن الشيخ سعد بن سعد البيسوسي السطوحي الشافعي الذي كتب رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي.
وبعد حياة مليئة بالعطاء توفي عَلَمنا أحمد بن أحمد السُّجاعي في القاهرة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر سنة 1197 هـ، وصُلِّي عليه في الأزهر، ودُفن عند أبيه بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين.
مؤلفاته:
كان أحمد السُّجاعي من العلماء المُبَرِّزين في كثيرٍ من فنون العلم، وله مؤلفات كثيرة تدل على ذلك، ولم يذكر مَنْ ترجم له وبخاصة الجبرتي الذي عليه المعوَّل في ترجمته إلا الشيء القليل من هذه المؤلفات، إلا أَنَّ أحد تلاميذ السُّجاعي، وهو الشيخ علي بن الشيخ سعد بن سعد البيسوسي السطوحي الشافعي كتب رسالة ترجم فيها للسُّجاعي وذكر مؤلفاته، وقد أوردها علي باشا مبارك في كتابه (الخطط التوفيقية) في أثناء ترجمته للسُّجاعي.
وأغلب مؤلفات السُّجاعي شروحٌ، وحواشٍ، ورسائلُ، ومتونٌ متنوعةٌ بين منثورٍ ومنظومٍ. وإليك هذه المؤلفات بحسب تصنيفها علميا:
علوم القرآن:
فتح رب البَرِيَّات بتفسير وخواص الآيات السبع المُنجِيَات (1) .
رسالةٌ في الرسم العثماني (2) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
منظومة في معنى الورود (1) في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا ((2) .
شرح المنظومة السابقة (3) .
الحديث:
شرح مختصر البخاري لابن أبي جمرة (695 هـ)، المسمَّى:(جمع النهاية في بدء الخير والغاية)، سمَّاه:(النور الساري على متن مختصر البخاري)(4)، له نسخ خطية متعددة: منها خمس نسخ في المكتبة الأزهرية (5)، وواحدة في كل من: مكتبة رامبور بالهند (6) ، والمكتبة الوطنية بتونس (7) ، وجامعة الملك عبد العزيز (8) ، ومكتبة مكة المكرمة (9) ، ودار الكتب المصرية (10) ، والخزانة التيمورية (11) ، ومكتبة الكونجرس.
حاشية على الجامع الصغير للسيوطي (12) .
شرح حديث (في كل أرضٍ نبيٌّ كنبيِّكم)(13) ، له نسخة خطية في خزانة تطوان بالمغرب (14) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (15) .
شرح حديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)(16) ، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (17) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
سورة مريم، من الآية 71.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(5)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/479 و 636.
(6)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/446.
(7)
ينظر فهرس مخطوطات دار الكتب الوطنية بتونس 5/8.
(8)
ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك عبد العزيز 2/41.
(9)
ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 66.
(10)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/66.
(11)
ينظر فهرس الخزانة التيمورية 2/152.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(14)
ينظر فهرس مخطوطات خزانة تطوان 2/128.
(15)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 1/344.
(16)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(17)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/529.
شرح حديث (العينان وكاء السَّهِ، فَمَنْ نامَ فَلْيَتَوَضَّأْ)(1) ، له نسخة خطية في الخزانة التيمورية (2) .
العقيدة:
الدرة الفريدة بشرح العقيدة المسماة ب (الحفيدة) ، وهو شرح لكتاب العقيدة للسنوسي (895 هـ)(3) ، له نسختان خطيتان في الأزهرية (4) ، ونسخة خطية في مركز الملك فيصل (5) ، وأخرى في مكتبة مكة المكرمة (6) .
نَظْمٌ في بيان الرسل التي في القرآن وترتيبهم (7) .
فتح المنَّان ببيان الرسل التي في القرآن (8) ، وهو شَرْحٌ للنظم السابق (9) ، له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (10) ، وأخرى في الخديوية (11) ، وأخرى في الأزهرية (12) ، ونسختان في التيمورية (13) . وقد طبع هذا الشرح (14) .
رسالةٌ في استخراج عدة الأنبياء والرسل من اسم نَبِيِّه محمد ((15) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(2)
ينظر فهرس الخزانة التيمورية 2/297.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(4)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/191.
(5)
ينظر فهرس مخطوطات مركز الملك فيصل، العدد 8 ص 43.
(6)
ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 93.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/174.
(8)
ينظر هدية العارفين 1/180.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/174.
(10)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/56، و 5/282.
(11)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 60.
(12)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/505.
(13)
ينظر فهرس الخزانة التيمورية 1/220، وقد ذُكرت المنظومة في أول إحدى النسختين.
(14)
طبع الكتاب في مصر سنة 1309 مع كتاب (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن) للسيوطي. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1084 و 1007.
(15)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
المقالة المُشَاعة بشرح نظم أشراط الساعة، للعلامة إبراهيم ابن محمد الإخنائي (777 هـ)(1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) .
القول الأزهر فيما يتعلق بأرض المحشر (3) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (4) .
تقييدٌ لطيفٌ لبيان أسماء الله الحسنى، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (5) .
شرح التقييد السابق (6)، سمَّاه:(القول الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)(7) .
منظومةٌ في أسماء الله الحسنى (8) ضمَّنها أنواع البديع وسمَّاها: (المقصد الرفيع في نظم أسماء الله البديع) ، منها نسخة خطية في دار الكتب المصرية، محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (9) .
شرح المنظومة السابقة، سمَّاه:(المقصد الأسنى في شرح منظومة أسماء الله الحسنى)(10) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (11) .
منظومةٌٌ في أصول المُكَفِّرات (12) .
مقدمةٌ في شرح أصولٍ تسعةٍ ناشئةٍ عن اعتقادِ بعضِهَا كُفرٌ مُجمَعٌ عليه أو بدعةٌ مختلفٌ في كفر صاحبها، وهو شرح للمنظومة السابقة (13) ، له نسخة خطية محفوظة في جامعة الملك سعود ضمن مجموع (14) .
(1) ينظر إيضاح المكنون 2/534، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/362.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(4)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/298.
(5)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/280.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(7)
ينظر هدية العارفين 1/180.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278.
(10)
ينظر عجائب الآثار 3/263، والخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(11)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/362.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(14)
ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك سعود 5/202.
رسالةٌ في إثبات كرامات الأولياء، سَمَّاها:(السهم القوي في نحر كل غبي وغوي)(1) ، له ست نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (2) ، وقد طبع الكتاب (3) .
رسالةٌ في الرَّدِّ على الشيخ عمر الطحلاوي في تكفيره لشمس الدين الحفناوي (4) .
منظومةٌ في التوحيد (5) .
شرحُ المنظومةِ السابقة، وهو الشرح الكبير عليها (6) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (7) .
الشرح الصغير للمنظومة السابقة، سمَّاه:(فتح المجيد شرح فريدة التوحيد)(8) .
عقيدة التوحيد.
فتح الحميد بشرح عقيدة التوحيد، وهو شرحٌ للكتاب السابق، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (9)
الجوهر المنيف في خواص اسمه تعالى "اللطيف"(10) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (11) .
منظومةٌٌ في الخلاف في اسم الله الأعظم، اشتملت على ثلاثين قولا (12) .
شرح المنظومة السابقة (13) .
رسالةٌ ملخصةٌ من (شمس المعارف الكبرى) للإمام أحمد بن علي البوني (622 هـ)(14) .
الفقه:
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/208 و 710.
(3)
طبع الكتاب في بولاق عام 1318 هـ مع كتاب (شفاء السِّقَام في زيارة خير الأنام) لتقي الدين السبكي. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1004 و 1007.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(7)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/238.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(9)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/288.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180، وهو في الخطط التوفيقية باسم: المنهج الحنيف في خواص.... .
(11)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/232.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
مناسك الحج (1) .
منظومةٌ في شروط الإمام والمأموم (2) .
فتح اللطيف القيوم بما يتعلق بصلاة الإمام والمأموم (3) ، وهو شرح كبير للمنظومة السابقة.
شرحٌ صغيرٌ للمنظومة السابقة (4) .
الفوائد المزهِرَة بشرح الدرة المُنتضِرَة (5) ، وهو شرح على منظومة الدرة المنتضِرَة في المَعْفُوِّ من النجاسات، لشهاب الدين أحمد الشُّرُنْبُلالي الشافعي، له نسختان خطيتان في جامعة الملك سعود (6) ونسختان في مكتبة مكة المكرمة (7) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (8) ، وأخرى في دار الكتب المصرية (9) .
حاشيةٌ على شرح الخطيب الشربيني (977 هـ) على مختصر أبي شجاع (593هـ) في الفقه الشافعي (10) .
شرحٌ لطيفٌ على خطبة الخطيب الشربيني (977 هـ) في شرحه لمختصر أبي شجاع (593هـ) في الفقه الشافعي (11) .
أزهارُ رياضِ رضا التحقيقِ والتدقيق، وهو تعليق على آخِرِ شرح الخطيب الشربيني (977 هـ) على مختصر أبي شجاع (593 هـ) في الفقه الشافعي (12) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (13) ، وأخرى في دار الكتب المصرية (14) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(3)
ينظر هدية العارفين 1/180.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(6)
ينظر فهرس مخطوطات جامعة الملك سعود 6/168.
(7)
ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 216.
(8)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/592.
(9)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/195.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(13)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/425.
(14)
ينظر فهرست الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة المصرية 3/210.
شرح الستين مسألة، وهو شرح للمقدمة المنظومة المعروفة ب (الستين مسألة) للشيخ أحمد بن محمد الزاهد (819 هـ)(1) ، له نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (2) .
منظومةٌ في الخُلْع وأحكامه (3) .
تقييدٌ على المنظومة السابقة سمَّاه: (القول النفيس فيما يتعلق بالخُلْع على مذهب الإمام الشافعي ابن إدريس)(4) ، له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (5) ، ونسختان أخريان في المكتبة الخديوية (6) .
منظومةٌ في أحكام الاستحاضة (7) .
شرحُ منظومةِ أحكام الاستحاضة السابقة (8) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (9) .
منظومةٌ في شروط تكبيرة الإحرام (10) .
شرحٌ لمنظومة شروط تكبيرة الإحرام السابقة (11) .
منظومةٌ تتعلق بالعقود التي تكون من شخصين أو من شخصٍ واحدٍ مع بيان الجائز واللازم منهما (12) .
رسالةٌ في الرد على من قال بطهارة الفسيخ (13) .
رسالةٌ في آداب الحمَّام (14) .
منظومةٌ في دخول المسلم في مُلْكِ الكافر (15) .
شرح المنظومة السابقة (16) .
الفرائض:
منظومةٌ في إِرْثِ ذوي الأرحام (17) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(2)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/546.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(5)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/534، و 7/53.
(6)
فهرس المكتبة الخديوية 3/262، و 4/87.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(9)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/85.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(15)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(16)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(17)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
شرحٌ المنظومة السابقة سمَّاه: (تحفة الأنام في توريث ذوي الأرحام)(1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (3) .
منظومةٌ في معنى الكَلالَة (4) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (5) .
فتح القادر المُعِيد بما يتعلَّق بقسمة التَّرِكَةِ على العبيد (6) ، وهي حاشية على رسالة الشيخ الدَّرْدِير (1201 هـ) في مخرج القيراط (7) .
النفحات الرَّبَّانِيَّة على الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة، وهو حاشية على (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة شرح الرَّحَبِيَّة) للعلامة الشِّنْشَوْرِيّ (999 هـ)(8) له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (9) .
الأدعية والأذكار:
فتح القدير بشرح حزب قطب النَّوَوِيّ الشهير (10) ، له نسختان خطيتان في مركز الملك فيصل (11) ، ونسخة في مكتبة مكة المكرمة (12) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (13) ، ونسخة خطية أخرى في المكتبة الملكية في برلين (14) ، ونسخة في مكتبة جاريت في برنستون بأمريكا (15) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/242، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/554.
(3)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 3/303.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(6)
ينظر هدية العارفين 1/180.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(9)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 2/721.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(11)
وهما محفوظتان فيه تحت الرقمين: 1305 و 10485.
(12)
ينظر فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة ص 297.
(13)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/380.
(14)
ينظر فهرس المكتبة الملكية في برلين 3/412.
(15)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 1/397.
فتح الغفَّار بمختصر الأذكار للنووي (1) .
بدء الوسائل في حل ألفاظ الدلائل (2) ، وهو حاشية على (دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار) لأبي عبد الله الجزولي (870 هـ) ،له خمس نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (3) ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، وأخرى في مكتبة بطرسبرج في لينينغراد بروسيا (5) .
حاشية على (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) لابن الجزري (833هـ)(6) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (7) .
نظمُ الجوهرةِ السَّنِيَّة في الْحِكَم العَلِيَّة (8) ، وهي رسالة في الْمَحَالِّ التي تُطلب فيها الصلاة على النبي (، ألَّفها منصور بن محمد الأريحاوي (9) ، المتوفى بعد سنة 1016 هـ.
فتح ذي الصفات العَلِيَّة بشرح الجوهرة السنية (10) .
رسالةٌ في أذكار المساء والصباح (11) .
رسالةٌ في أدعية أوَّل السنة وآخرها ويوم عرفة ويوم عاشوراء (12) .
المواعظ والإرشاد:
الفوائد الْجَلِيَّة لمن أراد الخلاص من كل بَلِيَّة، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (13) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر عجائب الآثار 3/263، والخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/167، وهدية العارفين 1/180.
(3)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/339.
(4)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/265 و 271.
(5)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/446.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وقد طُبع كتاب ابن الجزري (الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين) . ينظر معجم المطبوعات العربية 1/63.
(7)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/247.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(9)
ينظر هدية العارفين 1/180.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وهدية العارفين 1/180.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(13)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 1/339.
رسالةٌ ملخصةٌ من (مدخل الشرع الشريف) لابن الحاج المالكي (737 هـ)(1) .
قصيدةٌ في التوبة والاستعاذة من الذنوب، لها نسخة خطية في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (2) .
رسالةٌ ملخصةٌ من كتاب (الفوائد والصلة والعوائد) للشيخ أحمد بن أحمد الشرجي (893 هـ)(3) .
التصوف:
الفوائد اللطيفة في شرح ألفاظ الوظيفة (4) ، وهو شرحٌ على وظيفة السيد أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البُرْنُسِيّ المعروف بزَرُّوق (899 هـ) ، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (5) ونسختان في دار الكتب المصرية (6) ، ونسخة في المكتبة الظاهرية (7) .
شرحُ وِرْدِ قطب الإمام الشافعي (8) .
فتح القوي بشرح صلاة القطب البدوي، وهو شرحٌ على صلاة السيد أحمد البَدَوِيّ (675 هـ)(9) ، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (10) .
شرح حزب السيد أحمد البَدَوِيّ (675 هـ)(11) .
الفتوحات العلية بشرح الصلاة المشيشيَّة، وهو شرحٌ كبيرٌ على صلاة القطب عبد السلام بن مشيش (622 هـ)(12) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (13) .
شرحٌ صغيرٌ على صلاة القطب عبد السلام بن مشيش (14) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(5)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/383.
(6)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/194.
(7)
ينظر فهرس المخطوطات بدار الكتب الظاهرية (تصوف) 2/418.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/381.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(13)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/175.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
شرحُ الحزبِ الصغير للقطب إبراهيم بن أبي المجد الدُّسُوقي (676 هـ)(1) .
السيرة:
حاشيةٌ على مختصر شيخه حسن بن علي المدابغي (1170 هـ) على (بهجة السامعين والناظرين بمولد سيِّد الأوَّلين والآخرين) للغَيْطِي (981 هـ)(2) ، له ثماني نسخ في المكتبة الأزهرية (3) ، ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الخديوية (5) ، ونسخة في دار مخطوطات البحرين (6)
حاشيةٌ على (شرح الشمائل للترمذي) للعلامة المناوي (1031 هـ)(7) .
شرحُ الخصائصِ والمعجزات النبوية للسيوطي (911 هـ)(8) .
منظومةٌ في أسماء النبي ((9) .
شرح المنظومة السابقة سمَّاه: (فتح الرحيم الغفار بشرح أسماء حبيبه المختار)(10) ، له نسخة في مكتبة وقف آل هاشم في المدينة المنورة، ومنها مصورة فلمية في الجامعة الإسلامية (11) .
ثلاثُ قصائد في مدح النبي ((12) ، لها نسخة في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (13) .
قصيدةٌ في الاستغاثة برسول الله (، منها نسخة في دار الكتب المصرية محفوظة ضمن مجموعة منظوماتٍ للسُّجاعي (14) .
فضائل آل البيت:
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(3)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/415 و 550.
(4)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 1/239، وفهرس الكتب العربية الموجودة بالدار 5/157.
(5)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 1/405.
(6)
ينظر فهرس مخطوطات البحرين 2/115.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(11)
ينظر فهرس كتب السيرة النبوية والصحابة بالجامعة الإسلامية ص 220.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(13)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278.
(14)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 3/278.
أبياتٌ ثلاثةٌ في أولاد النبي ((1) .
شرحُ الأبياتِ الثلاثة السابقة سمَّاه: (الروض النضير فيما يتعلق بآل بيت البشير النذير)(2) ، له أربع نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (3) ، ونسختان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الخديوية (5) .
تحفة ذوي الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب (6) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (7) .
التاريخ:
منظومةٌ في أسماء مكة المكرمة وضبطها وتحقيق معانيها (8) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (9) ، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (10) .
اللغة:
منظومةٌ في معاني لفظ "العين"(11) ، تَتَبَّعَ (القاموسَ المحيط) واستخرج لِلَفْظ "العين" ستة وعشرين معنى جمعها في هذه المنظومة المكوَّنة من ثلاثة وعشرين بيتا، لها أربع نسخ خطية في دار الكتب المصرية (12) ، ونسخة في مكتبة كلية الدراسات الشرقية في بطرسبرغ بروسيا (13) .
منظومةٌ في الأعضاء التي يجوز فيها التذكير والتأنيث (14) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/10.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/10، وإيضاح المكنون 1/591، وهدية العارفين 1/180.
(3)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/457.
(4)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 5/206.
(5)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 204، والجزء 7 القسم 2 ص 457.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 1/248، وهدية العارفين 1/180.
(7)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية (الملحق) 1/39.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/474.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(12)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/42، و 3/278 و 289.
(13)
ينظر المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرغ ص 266.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
فتحُ المَنَّان بشرح ما يُذَكَّر ويُؤَنَّث من أعضاء الإنسان (1) ، وهو شرح للمنظومة السابقة.
شرحُ قصيدةِ ابن جابر (780 هـ) فيما يُقرأ بالضاد والظاء (2)
شرحُ قصيدةٍ فيما يُقرأ بالواو والياء (3) .
منظومةٌ في صفات حروف المعجم (4) .
رسالةٌ في البئر (5) .
رسالةٌ في الفرق بين الثَّوْر والتَّوْر والطَّوْر (6) .
النحو:
حاشيةٌ على شرح قطر الندى لابن هشام (7) ، طبعت أكثر من مرة (8) .
حاشيةٌ على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، سمَّاها:(فتح الجليل على شرح ابن عقيل)(9) ، طبعت عدة مرات (10) .
شرح الأزهرية في علم العربية (11) .
منظومةٌ في أحكام «لا سِيَّما» .
أحكام «لا سِيَّما» وما يتعلق بها، وهي رسالة شَرَحَ فيها المنظومة السابقة، وهي موضوع هذا البحث، وسيأتي الحديث عن نسبتهما (12) .
منظومةٌ في إعراب فواتح السور القرآنية (13) .
الدُّرَر في إعراب أوائل السور (14) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له ثلاث نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (15) ، ونسخة في الخزانة التيمورية (16) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(8)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006، وفهرست الكتب النحوية المطبوعة ص 80.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/160، وهدية العارفين 1/180.
(10)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007، وفهرست الكتب النحوية المطبوعة ص 85.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(12)
ينظر ص 1377.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(15)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 1/176، و 4/196.
(16)
ينظر فهرس الخزانة التيمورية 1/201.
إعرابُ (أرأيت)(1) ، له نسخة خطية في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية (2) .
منظومةُ البيان في الإخبار بظرف الزمان والمكان (3) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (4) ، له نسخة خطية محفوظة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (5) .
فتحُ المالك فيما يتعلق بقول الناس: (وهو كذلك)(6) ، بَيَّن فيه مرجع الضمير والإشارة في هذا القول، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (7) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (8) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (9) ، وأخرى في مكتبة كلية الدراسات الشرقية في جامعة بطرسبرغ بروسيا (10) ، وأخرى في مكتبة الكونجرس الأمريكي.
منظومةٌ في الأسماء والأفعال والحروف (11) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (12) .
رسالةٌ في إعراب قول الإمام الشافعي: (قَلَّ مَنْ جَنَّ إلا وأَنْزَل)(13) .
رسالةٌ في تصريف (أشياء)(14) .
منظومةٌ في اعتراض الشرط على الشرط (15) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 18.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(5)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 190.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(7)
ينظر فهرس المكتبة الأزهرية 4/286.
(8)
ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (علم التصريف) ص 11، والكتاب محفوظ ضمن مجموع، وهو الثالث فيه.
(9)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 209.
(10)
ينظر المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرغ ص 251.
(11)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(12)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(15)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
شرح المنظومة السابقة (1) .
الصرف:
شرح لامية الأفعال لابن مالك (2) .
فتح الرءوف الرحمان بشرح ما جاء على مفعل ونحوه من المصدر واسم الزمان والمكان، وهي شرحٌ لأبياتٍ نظمها العلامة الفارضي (981 هـ) في ذلك (3) ، له نسخة خطية في مركز الملك فيصل (4) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية (5) ، وثالثة في دار الكتب الوطنية التونسية (6) ، ورابعة في دار الكتب المصرية (7) .
البلاغة:
منظومةٌ في أنواع المجاز (8) ، طُبعت (9) .
الإحراز في أنواع المجاز (10) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له اثنتا عشرة نسخة خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، وخمس نسخ في دار الكتب المصرية (12) ، ونسختان في المكتبة الخديوية (13) ، ونسختان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (14) ونسخة في المكتبة الملكية في برلين (15) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر فهرس مخطوطات مركز الملك فيصل، العدد 8 ص 86.
(5)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 358.
(6)
ينظر فهرس دار الكتب الوطنية بتونس 3/112.
(7)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/165.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007.
(10)
ينظر إيضاح المكنون 1/32، وهدية العارفين 1/180.
(11)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/339.
(12)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/175.
(13)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 4/122.
(14)
ينظر فهرس مخطوطات الأدب والنقد والبلاغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 267.
(15)
ينظر فهرس المكتبة الملكية في برلين 6/421.
منظومةٌ في علاقات المجاز المرسل (1) ، سمَّاها (علاقات المجاز) ، لها نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) .
الإعواز في بيان علاقات المجاز، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة (3) له نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (4) ، ونسخة في المكتبة الأزهرية (5) ، وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (6) .
نَظْمُ رسالةِ السمرقندي (556 هـ) في الاستعارة، وقد طبع هذا النظم (7) .
رسالةٌ في جواز الاقتباس من القرآن أو الحديث (8) .
شرحُ شواهدِ التلخيص (9) .
العروض:
فتح الوكيل الكافي بشرح متن الكافي (10) ، وهو شرحٌ لكتاب (الكافي في علمي العروض والقوافي) لأحمد بن عبَّاد القِنَائِيّ المعروف بالخَوَّاص (858 هـ) ، له ست نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، وثلاث نسخ في دار الكتب المصرية (12) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (13) ، ونسخة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (14) ، وأخرى في مكتبة خدا بخش بالهند (15) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/137.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/176.
(5)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/342.
(6)
ينظر فهرس مخطوطات الأدب والنقد والبلاغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 270.
(7)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1007.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(11)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 4/469.
(12)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/238 و 241.
(13)
ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (عروض) ص 3.
(14)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 209.
(15)
ينظر ملحق تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/22.
منظومةٌ مختصرةٌ في علمي العروض والقوافي، له نسختان في المكتبة الأزهرية (1) ، ونسختان أخريان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (2) ، ونسخة في المكتبة البلدية بالإسكندرية (3) ، وأخرى في الظاهرية (4) .
منظومةٌ في مهملات البحور الستة المستخرجة من الدوائر الثلاث: دائرة المختلف، ودائرة المؤتلف، ودائرة المجتلب (5) ، شرحها الشيخ حسن بن السيد علي المقري الشافعي البدري (1214 هـ) ، ومن هذا الشرح نسخة خطية في دار الكتب المصرية (6) .
منظومةٌ في أسماء البحور سمَّاها: (قلائد النحور في نظم البحور)(7) .
لمعانُ ضياءِ النُّحور بشرح أسماء البحور، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (8) .
الأدب:
بلوغ الأَرَب بشرح قصيدةٍ من كلام العرب (9) ، وهو شرحٌ لقصيدة السموأل اللاميَّة، طبع الكتاب سنة 1324 هـ مع شروحٍ لغيره لقصائد أخرى (10) .
(1) ينظر فهرس الكتب الموجودة في المكتبة الأزهرية 4/477.
(2)
ينظر فهرست مخطوطات النحو والصرف واللغة والعروض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ص 472.
(3)
ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (عروض) ص 3
(4)
ينظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم اللغة العربية: اللغة، والبلاغة، والعروض، والصرف) ص 435.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(6)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/239.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(8)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 2/242.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 1/194، وهدية العارفين 1/180.
(10)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006.
مختصرُ شرحِ معلقة امرئ القيس (1)، سمَّاه:(فتح الملك الجليل بشرح قصيدة امرئ القيس الضِّلِّيل) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) ، وأخرى في المكتبة البلدية بالإسكندرية (3) ، وثالثة في مكتبة جاريت في برنستون بأمريكا (4) .
الفوائد اللطيفة في تخريج قولهم: (أبو قردان) على الطريقة المُنِيفَة (5)، وهو شرحٌ على القول المشتهر على الألسنة:(أبو قرْدَان زَرَعَ فَدَّان) ، ضمَّنَهُ فوائد أدبية مستحبة وَنُكاتا مستجادة، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (6) ، وأخرى في المكتبة الخديوية (7) .
علم الآداب:
منظومةٌ في علم الآداب (8) ، له نسخة خطية في المكتبة الخديوية (9) .
فتح المَلِك الوَهَّاب بشرح منظومة علم الآداب (10) ، وهو شرحٌ للمنظومة السابقة، له أربع نسخ خطية في المكتبة الأزهرية (11) ، ونسخة في مركز الملك فيصل (12) .
رسالةٌ في آداب السفر (13) .
منظومةٌٌ في حكم صحبة النساء والمُرْدَان (14) .
الحساب:
منظومةٌ في الكسور.
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرس دار الكتب المصرية 7/119.
(3)
ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (أدب) ص 157.
(4)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/324.
(5)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/209، وهدية العارفين 1/180.
(6)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 5/203، و 6/264.
(7)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 4/290.
(8)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(9)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 7/254.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(11)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/473.
(12)
ينظر فهرس المخطوطات في مركز الملك فيصل، العدد 2 ص 209.
(13)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
شرحُ المنظومةِ السابقة، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (1) .
منظومةٌ في الوفق المثلث الخالي الوسط (2) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (3) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (4) ، وأخرى في الخديوية، وتوجد المنظومة المشروحة في آخر هذه النسخة (5) .
نظمُ أصولِ الأوفاق (6) ، نَظَمَ أصول الوفق الثمانية في اثني عشر بيتا.
فتح الملك الرزَّاق بشرح نظم أصول الأوفاق (7) ، وهو شرح للمنظومة السابقة، له نسختان خطيتان في المكتبة الخديوية (8) .
شرحُ القصيدةِ المسمَّاة ب (الدر والتّرْيَاق في علوم الأوفاق)(9) .
الفلك:
هداية أولي البصائر والأبصار إلى معرفة أجزاء الليل والنهار (10) ، وهو شرحٌ لمنظومة الشيخ أحمد عيَّاد في الميقات، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (11) ، ونسخة خطية في كلٍّ من مركز الملك فيصل (12) ، والمكتبة البلدية بالإسكندرية (13) ، والمكتبة الخديوية (14) ، ودار الكتب المصرية (15) .
(1) ينظر فهرس الكتب الموجودة في المكتبة الأزهرية 6/148.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/39.
(5)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 238.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(8)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 5/348.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وإيضاح المكنون 2/719، وهدية العارفين 1/180.
(11)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/321.
(12)
وهي محفوظة فيه تحت رقم: 10520.
(13)
ينظر فهرس المكتبة البلدية بالإسكندرية (العلوم الرياضية، علم الهيئة والفلك) ص 63.
(14)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية 5/291، و 7/325.
(15)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 3/186.
فتح العليم القادر بشرح لقط الجواهر، وهو شرحٌ على (لقط الجواهر في تحديد الخطوط والدوائر) لسبط المارديني (912 هـ) في الميقات (1) ، له نسخة خطية في المكتبة الخديوية (2) ، وأخرى في الخزانة الحسينية في الرباط بالمغرب (3) ، وثالثة في جامعة برنستون (4) ، ورابعة في مكتبة جاريت في برنستون (5) .
المنظومة الكبرى في ضبط منازل القمر (6) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (7) ، له نسخة خطية في الخزانة العامة بالرباط (8) .
منظومةٌ في خمسة أبيات في أسماء منازل القمر (9) .
شرحُ المنظومةِ السابقة (10) ، له نسخة خطية محفوظة في المكتبة الأزهرية (11) .
المنطق والفلسفة:
فتح الوَهَّاب المُوَفِّق بشرح نظم أشكال المنطِق، وهي رسالة في المنطق شرح فيها الأبيات الثلاثة للشيخ أحمد الملوي (1181 هـ) في ضروب أشكال المنطق الأربعة، له نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية (12) ، ونسخة خطية في مركز الملك فيصل (13) .
منظومةٌ في أنواع المنافيات (14) .
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرس المكتبة الخديوية الجزء 7 القسم 1 ص 268.
(3)
ينظر فهرس الخزانة الحسينية في الرباط بالمغرب 3/402.
(4)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/216.
(5)
ينظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (الطبعة الألمانية) 2/216.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(7)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(8)
ينظر فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العامة بالرباط (القسم الثاني) 2/303.
(9)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(10)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(11)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 6/309.
(12)
ينظر فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية 3/432.
(13)
وهي محفوظة فيه تحت رقم: 2155.
(14)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
شرحُ المنظومةِ السابقة (1) ، له نسخة خطية في دار الكتب المصرية (2) .
نظمُ المقولاتِ العشر في الحكمة (3) .
الجواهر المنتظمات في عقود المقولات (4) ، وهو شرحٌ للنظم السابق، وقد طبع الكتاب (5) .
شرحٌ على بيتين في المقولات (6) ، وهو مطبوع (7) .
ومن هذا الاستعراض الذي لا أحسبه أتى على جميع مؤلفات هذا العالم نلمس كثرة مؤلفاته؛ إذ بلغت مائة وأربعة وخمسين مصنفا، وقد شملت معظم العلوم، وتنوعت ما بين كتابٍ مستقل، ورسالةٍ، وحاشيةٍ على كتاب، وشرحٍ لكتاب، ومنظومةٍ، وشرحٍ لمنظومة، وهذا ينبئ عن مكانة هذا العَلَم العلمِيَّة ورسوخ قدمه في العلم.
منهج المؤلف في الرسالة:
شَرَحَ المؤلِّفُ في هذه الرسالة أبياتَ منظومتِهِ التي تحدَّث فيها عن «لا سِيَّما» وأحكامها، وهذه المنظومة تبلغ أبياتها سبعة، وهي من بحر الرجز التام، وقد نظمها المؤلفُ بعباراتٍ سهلة وواضحة، وبما أَنَّ الناظم مطالب دائما بسلامة نظمه وإقامة قوافيه، مما يستلزم أن تكون عبارات نظمه موجزة، فلا تَفِي بجميع التفصيلات المتعلقة بما يتحدث عنه، فيستدعي ذلك تفصيلها نثرا وإيضاح ما اشتملت عليه، وهذا ما صَنَعَهُ المؤلِّف حينما شرح منظومته في هذه الرسالة.
(1) ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(2)
ينظر فهرست المخطوطات التي اقتنتها الدار 2/80.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(4)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11، وهدية العارفين 1/180.
(5)
ينظر معجم المطبوعات العربية 1/1006.
(6)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(7)
طبع بهامش مجموع ثلاث رسائل لزيني دحلان. ينظر معجم المطبوعات العربية 1/992 و 1007.
ولم يذكر المؤلف في مقدمة هذه الرسالة منهجه الذي سيسير عليه، إلا أَنَّه واضح الصورة؛ نظرا لصغر حجم الرسالة، فلقد حمد الله أوَّلاً، ثم أتبعه بالصلاة والسلام على رسول الله، ثم ابتدأ بالمقصود فأخذ في شرح ما تضمنه البيتان الأوَّلان من حكم الاسم النكرة الواقع بعد «لا سِيَّما» قبل أن يذكرهما، ثم أعقب ذلك بذكرهما، بعد ذلك شَرَحَ ما تضمَّنه البيت الثالث مازجًا كلامه في الشرح بأبيات المنظومة، وسار على هذه الطريقة في بقية أبيات المنظومة، وقد استدعى هذا منه أن جعل جزءا من بيتين في جملة واحدة، فقد قال عند شرحه البيت الثالث (1) :(( (وَعِنْدَ رَفْعٍ)) بالتنوين ((مُبْتَدًا قَدِّرْ)) ، أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ، ((وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ)) بنون التوكيد الخفيفة، ((سِيَّ تَفِي، وَانْصِبْ مُمَيِّزًا)) أي، انصبْ حالَ كونك مُمَيِّزًا) ، والبيتان هما:
وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتَدًا قَدِّرْ وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ «سِيَّ» تَفِي
وَانْصِبْ مُمَيِّزًا وَقُلْ: (لَا سِيَّما يَوْم) بِأَحْوَالٍ ثَلَاثٍ فَاعْلَمَا
وقد اهتم المؤلِّفُ في الشرح بضبط كلمات المنظومة (2) ، كما هو واضح من النَّصِّ السابق، ومن قوله عند شرحه البيت الرابع:(وإلى هذا أشرتُ بقولي: (وَقُلْ: ((لَا سِيَّما يَوْم)) بِأَحْوَالٍ) بالتنوين (ثَلَاثٍ) بدلٌ مما قبله (فَاعْلَمَا)) ، ومن قوله أيضا عند شرحه البيت الأخير: (وقد ختمت الأبيات بالصلاة على أشرف المخلوقات
…
) ، ثم قال:(والبَهَاء: بفتح الباء معناه: الْحُسْن) .
كما اهتم بتوضيح ما تضمَّنته أبياتُ المنظومة من أحكامٍ، ولذلك حرص على نقل كلام العلماء في الأحكام التي يتحدث عنها، فقد نقل عن سبعةٍ من العلماء، منهم ابن مالك والرضي والمرادي.
(1) ينظر ص 1384.
(2)
ينظر ص 1384 و 1387.
أيضا كان المؤلف يهتم بذكر تعليلاتٍ للأحكام التي يسوقها من أجل أن يَرْسَخَ الحكمُ في ذهن القارئ، وذلك نحو تعليله لحذف المبتدأ إذا كان ما بعد «لا سِيَّما» مرفوعا على الخبرية بأَنَّ «لا سِيَّما» نُزِّلَت منزلة «إلا» الاستثنائية، فناسب ألَاّ يُصرَّحَ بعدها بجملة (1) .
ونحو تعليله لإعمال «لا» النافية للجنس في «سيّ» المضافة لمعرفة بأَنَّ «سِيَّ» متوغِّلة في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة (2) .
ومثل تعليله بأَنَّ رفع المعرفة بعد «لا سِيَّما» ضعيف، وذلك لحذف العائد المرفوع مع عدم الطول، وإطلاقَ «ما» على من يعقل في نحو:
…
ولا سِيَّما زيدٌ (3) .
ومثل تعليله لعدم حذف «لا» من «لا سِيَّما» بأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس (4) ، وغير ذلك من الأمثلة التي سيلحظها القارئ.
ونظرا لحرص المؤلف على تقرير الحكم الذي يتحدث عنه في ذهن القارئ لجأ إلى طريقة السؤال والجواب، فنجده استعمل لفظة «لا يُقال» في السؤال ولفظة «لأنَّا نقول» في الجواب، ومثال ذلك أنه ذكر أن «ما» موصولة، و «سِيّ» مضافة إليها، وفتحتها فتحة إعراب؛ لأنها اسم «لا» النافية للجنس، فقال (5) :(لا يقال: ((إن شرط «لا» عملها في النكرات، و «سي» قد عُرِّفت بالإضافة فلا عَمَلَ ل «لا» فيها)) ؛ لأَنَّا نقول: مَنَعَ من ذلك توغُّلُها في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة) .
وهذه طريقة تعليمية أجاد المؤلفُ في اتِّباعها؛ كي يُنبِّه القارئ إلى أهمية الفكرة التي يتحدث عنها ويُثير ذهنه من أجل أن تَثبت لديه، وهي تدل على حرص المؤلف على إفادة قارئ الرسالة، وإتقانه طريقة التعليم.
(1) ينظر ص 1383.
(2)
ينظر ص 1383.
(3)
ينظر ص 1385.
(4)
ينظر ص 1386.
(5)
ينظر ص 1383.
ويلاحظ على المؤلف في شرحه للمنظومة أَنَّه لم يتكلَّم عن جميع ما يتعلق ب «لا سِيَّما» من أحكامٍ؛ إذ أغفل الحديث عن بعض الأحكام، وإليك بيانها مع دراستها:
- إعراب الواو الداخلة على «لا سِيَّما» في مثل: ((أَكْرَمْتُ الأصدقاءَ ولا سِيَّما محمد)) ، وكذلك محل جملة «لا سِيَّما» من الإعراب. وبيان هذه المسألة كالتالي:
أن الواو هنا واو الحال، والجملة في محل نصب حال من الاسم الواقع قبل «لا سِيَّما» ، والمعنى: أَكْرَمْتُ الأصدقاءَ والحال أنه لا مثلَ محمد موجود فيهم، أي: لا مثله في الإكرام (1) .
وذهب الرضي (2) إلى أن الواو اعتراضية؛ بناء على إجازة الاعتراض في آخر الكلام، والجملة لا محل لها من الإعراب، فهي مع ما بعدها بتقدير جملة مستقلة (3) .
ويجوز فيها وجه آخر (4)، وهو أن تكون الواو عاطفة بالاتفاق في مثل:(حضر الضيوف ولا سيما خالد)، وعاطفة في مثل:(أكْرِمِ الأصدقاءَ ولا سيما محمد) عند مَنْ يُجيز عطف الخبر على الإنشاء (5) .
(1) ينظر الارتشاف 3/1553، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1045، والفوائد العجيبة ص 46.
(2)
ينظر شرح الرضي 2/792.
(3)
ينظر شرح الرضي 2/792، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1044.
(4)
ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1046.
(5)
ينظر حكم عطف الخبر على الإنشاء في المغني ص 627، وعروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح 3/26.
وعلى هذا فالجملة تابعة لما قبلها محلا وعدمه، فهي في محل رفع في مثل:(غايةُ ما تكلَّمتُ به الحقُّ أحقُّ بالاتباع ولا سيَّما الواضح) ؛ لأن الجملة قبلها خبر عن «غاية» ، وفي محل نصب في مثل:(قلتُ لزيد: احْترِمِ الكبيرَ ولا سيَّما القريب) ؛ لأن الجملة قبلها في محل نصب مقول القول، وفي محل جر في مثل:(نطقت بِسَادَ العلماءُ ولا سيَّما العاملون)، وهي لا محل لها من الإعراب في مثل:(أكْرِمِ الأصدقاءَ ولا سِيَّما الحاضر) ؛ لأن الجملة قبلها ابتدائية (1) .
- بيان محل الجملة الواقعة بعد «لا سِيَّما» إذا كان الاسم بعدها مرفوعا كما في نحو: ((نجح الطلاب ولا سِيَّما زيدٌ)) ، وتفصيل هذه المسألة كما يلي:
أن الاسم المرفوع خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو زيد)، والجملة لها وجهان من الإعراب بحسب تقدير نوع «ما» : أولهما: أن الجملة صلة للموصول لا محل لها من الإعراب، وهذا عند الجمهور القائلين بأن «ما» موصولة.
والوجه الثاني: أن تكون الجملة في محل جر صفة ل «ما» ؛ لأنَّ «ما» مجرورة بإضافة «سِيّ» إليها، وهذا عند ابنُ خروف الذي يجيز أن تكون «ما» موصوفة إضافة إلى إجازته الوجه السابق (2) .
- بيان معنى ووزنها، وتفصيل هذه المسألة كالتالي:
أن «سيّ» ك «مِثْل» وزنا ومعنى، تقول: أنتما سِيَّان، أي: مِثْلان، وأنتم أَسْوَاء، أي: أمثال، وأصلها «سِوْي» أُعِلَّت كإعلال «طَيّ» و «لَيّ» (3) .
(1) ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1046.
(2)
ينظر شرح التسهيل 2/319، والارتشاف 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 85.
(3)
ينظر شرح المفصل 2/85، وشرح الرضي للكافية 2/793، والارتشاف 3/1552، والمغني ص 186، وهمع الهوامع 3/294، وبراعة التأليف ص 83.
- اللغات الواردة في «لا سِيَّما» ، إلا أَنَّه لم يغفلها كلها، فقد ذكر بعضها، وهي لغة تخفيف يائها (1)، وبيان ما أغفله كما يلي (2) :
جواز إبدال سينها تاء، فقالوا:(لا تِيَّما)(3)، كما قالوا في «النَّاس» :(النَّات)(4)، وبهذه اللغة قرئ قوله تعالى:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاتِ ((5) .
…
جواز إبدال لام «لا» نونا، فقالوا:(نا سِيَّما)، كما قالوا:(قام زيد نا بل عمرو)، أي: لا بل عمرو (6) .
- حكم عمل الكلمات التي تشارك «لا سِيَّما» في معناها، مثل:«لا سواء ما» ، و:«لا مثل ما» ، وتفصيل هذا كما يلي:
(1) ينظر ص 1386.
(2)
ينظر الارتشاف 3/1552، وهمع الهوامع 3/295.
(3)
هذه لغة لقضاعة. ينظر كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي 1/118.
(4)
ومن شواهده قول علباء بن أرقم اليشكري:
يا قَبَّحَ الله بني السِّعْلاةِ عَمْرِو بنِ يَرْبُوعٍ شرارِ النَّاتِ
غيرِ أعِفَّاءَ ولا أكياتِ
يريد: الناس، وأكياس. ينظر النوادر لأبي زيد ص 344، وكتاب الإبدال لابن السكيت ص 104، وشرح شواهد شرح الشافية ص 469.
(5)
سورة الناس، الآية الأولى. وهذه قراءة حكاها أبو عمرو بن العلاء، ونسبها لقضاعة. ينظر شواذ القرآن لابن خالويه ص 184.
(6)
ينظر كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي 2/401.
أنه ورد في اللغة كلمات تشارك «لا سِيَّما» في معناها (1)، وهي:«لا سواء ما» ، و:«لا مثل ما» ، و:«ولا تَرَ مَا» ، و:«ولو تَرَ مَا» ، فإذا قلت:(أكْرِمِ الضيوفَ لا سواء ما محمد) جاز في «محمد» وفي غيره من الأسماء الواقعة بعد «لا سواء ما» ، و:«لا مثل ما» الجر والرفع، فإذا جُرَّ الاسم الذي بعد «ما» فهي زائدة، وما قبلها مضافٌ لما بعدها، وإذا ارتفع ما بعدها فهي موصولة، والاسم المرفوع بعدها خبر مبتدأ محذوف، كما هو الحال في «سِيَّما» والاسم الواقع بعدها.
أما الأسماء الواقعة بعد «ولا تَرَ مَا» و «ولو تَرَ مَا» فلا يجوز فيها إلا الرفع؛ لأن «تَرَ» فعل فلا يمكن أن تكون «مَا» الواقعة بعدها زائدة فينجَرُّ تاليها بالإضافة؛ لأن الفعل لا يُضاف، فتعيَّنَ أن تكون «مَا» موصولة، وهي مفعول «تَرَ» ، والاسم الذي بعدها خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول.
و «لا» الواقعة قبل «تَرَ ما» في قولك: (قام القوم ولا تَرَ ما زيدٌ) يجوز أن تكون ناهية و «تَرَ» مجزوم بها، والمعنى: قام القوم ولا تُبْصِرْ أيها المخاطبُ الشخصَ الذي هو زيد فإنه في القيام أولى به منهم.
ويجوز أن تكون نافية وحُذِفَتْ ألفُ «تَرَى» شذوذا أو للتركيب كما حُذِفَتْ في «لا أَدْرِ» و «لم أُبَلْ» (2) ، وكذا حذفُ ألف الفعل بعد «لو» في «وَلَوْ تَرَ مَا» ، وجواب «لو» في مثل:«قام القوم ولو تَرَ ما زيدٌ» محذوف تقديره: قام القوم ولو تُبْصِرُ الشخصَ الذي هو زيد لرأيتَهُ أولى منهم بالقيام.
فمن هنا نلحظ أَنَّ السُّجاعي في شرحه للنظم اقتصر غالبا على ما ورد فيه من أحكامٍ مع توسُّعِهِ في ذلك.
شواهد الرسالة:
(1) تنظر هذه المسألة في شرح التسهيل 2/320، والارتشاف 3/1553، والمساعد 1/598، وهمع الهوامع 3/295.
(2)
ينظر الكتاب 1/25، والمقتضب 3/167 و 169.
استنبط النحاة قواعد النحو وأحكامه باستقرائهم كلام العرب، ولهذا كان السماعُ أوَّلَ الأدلة النحوية التي اعتمدها النحاة لإثبات قواعد النحو وأحكامه، والمؤلف في هذه الرسالة جعل كغيره من النحاة السماعَ الدليلَ الأول لإثبات الأحكام النحوية.
والسماع يشمل الكلام المنقول عن فصحاء العرب نثرَهُ وشعرَهُ، وأوثق هذا الكلام وأعلاه فصاحة هو كلام الله (في كتابه الكريم، وقد استدل به المؤلف على إثبات حكمين من الأحكام التي ذكرها؛ إذ استدل بقوله تعالى: (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ((1) على جواز زيادة «ما» بين المضاف والمضاف إليه، مثلُهَا مثل زيادتها بين «سِيّ» والاسم المجرور بعدها المضافة إليه.
واستدل أيضا بقوله تعالى: (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ((2) على وقوع التمييز بعد «مِثْل» ، ولهذا يُعرب الاسم المنصوب بعد «سِيّ» تمييزا؛ لأن «سِيّ» معناها: مِثْل.
ويَدخل في دليل السماع الذي تُثْبَتُ به الأحكام والقواعد النحوية الشعرُ المروي عَمَّنْ عاش في عصر الاحتجاج، وقد استشهد به المؤلف في هذه الرسالة؛ إذ استشهد على جواز جر ورفع ونصب النكرة الواقعة بعد «لا سِيَّما» برواية «يوم» بالأوجه الثلاثة في بيت امرئ القيس (3) :
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ وَلا سِيَّما يَوْم بِدَارَةِ جُلْجُلِ
واستشهد على جواز تخفيف «سِيَّما» بقول الشاعر (4) :
فِهْ بالْعُقُودِ وبالأَيْمانِ لا سِيَما عَقْدٌ وفاءٌ بِهِ مِنْ أعظمِ القُرَبِ
ولم يكن المؤلِّفُ مهتمًّا بنسبة الشواهد الشعريَّة إلى قائليها، فقد ذكر شاهدين ولم يَنسبْهُما.
(1) سورة القصص، من الآية 28.
(2)
سورة الكهف، من الآية 109.
(3)
ينظر ديوان امرئ القيس ص 10.
(4)
هذا بيت من البسيط، لم أقف على قائله. ينظر شرح التسهيل 2/319.
كذلك كان المؤلِّفُ لا يهتمُّ بإيراد البيت كاملا، فيكتفي بذكر جزء البيت الذي فيه الشاهد ويُغفل الباقي، فقد استشهد ببيتين ذكر الجزء الذي فيه الشاهد في واحد منهما، وهو بيت امرئ القيس السابق، وذكر البيت الثاني كاملا، وأحسب أن الذي دعاه لذلك هو ترابط أجزائه، وعدم استقامة شيء من معناه إلا بذكره كاملا.
ومن الأدلة النحوية القياس، وقد استدلَّ به المؤلف في هذه الرسالة، إذ استدل به على جواز حذفِ مبتدأِ خبرِ الاسمِ المرفوع بعد «لا سِيَّما» من غير شذوذ (1) ، وذلك بقياس «لا سِيَّما» على «إلا» الاستثنائية بجامع خروج ما بعدهما عما قبلهما وإن لم يتساويا في هذا الخروج؛ لأن ما بعد «إلا» يخرج عن حكم ما قبلها، وما بعد «لا سِيَّما» يخرج عن مساواة ما قبلها؛ ولهذا القياس اشتركت «لا سِيَّما» مع «إلا» الاستثنائية في حكم واحد، وهو عدم وقوع الجملة بعدها، ولذلك كان حذف المبتدأ هنا كما ذهب إليه المؤلف غير شاذ (2) .
واستدل المؤلِّفُ أيضا بالقياس حينما ذكر أن «لا» لا يجوز حذفها من «سِيَّما» ، وذلك قياسا على عدم جواز حذف الحرف؛ لأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس؛ لأَنَّ الحروف وُضعت للاختصار، والمُختصَر لا يجوز اختصاره؛ لأَنَّ الاختصار إجحافٌ به (3) .
مصادر المؤلف في الرسالة:
(1) ينظر ص 1383.
(2)
تبع المؤلف في هذه المسألة قولَ بعض العلماء، وهو قول ضعيف؛ لأن الجامع بين «لا سِيَّما» و «إلا» ضعيف. ينظر الحديث عن هذه المسألة في الهامش ذي الرقم 362 و 418.
(3)
ينظر ص 1386.
حينما كتب المؤلِّفُ هذه الرسالة اطَّلع على آراء مَنْ سبقه وكتبهم وأفاد منها، وفي أثناء تحقيقي لهذه الرسالة وقفت على عدد من المصادر التي اعتمد عليها المؤلِّفُ، وهذه المصادر يمكن تقسيمها إلى قسمين: مصادر مباشرة، ومصادر غير مباشرة، فمصادره المباشرة هي التي اعتمد عليها من غير واسطة، وقد صرَّح المؤلِّفُ بذكر أكثرها وأغفل ذكر بعضها، وقد سلك في مصادره التي صرَّح بها أن يذكر اسم العالم وينقل عنه من غير أن يذكر كتابه الذي أفاد منه، وهذا في الغالب، وأحيانا يذكر العالم ويُعيِّنَ كتابه الذي أفاد منه، وسأُوَضِّح ذلك عند ذكر مصادره، فمصادره المباشرة التي ذكرها تشمل ما يلي:
- شرح الألفية لشمس الدين الفارضي (981 هـ) ، إذ صرَّح باسم المؤلف وكتابه، ونقل منه الأوجه الجائزة في إعراب الاسم النكرة الواقع بعد «لا سِيَّما» .
- حاشية نجم الدين محمد بن سالم الحِفْنِيِّ (1181 هـ) على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة في شرح المنظومة الرحبيَّة) لجمال الدين عبد الله الشِّنْشَوْرِيِّ (999 هـ) ، وقد صرَّح باسم المؤلف والكتاب، ونقل منه حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» .
- شرح التسهيل لابن مالك (672 هـ) ، نقل عنه أنواع الجمل الجائز وقوعها بعد «لا سِيَّما» إذا أُعربت «ما» موصولة، وصرِّح باسم مؤلفه دون الكتاب، وفيما نقله منه تصرُّفٌ ليس باليسير، مما يثير احتمال اعتماده عليه بواسطة.
أما مصادر المؤلِّف التي أفاد منها مباشرة من غير أن يُصرِّح بذكرها فقد وقفت على مصدر واحد، وهو كتاب (التصريح بمضمون التوضيح) للشيخ خالد الأزهري (905 هـ) ، فقد نقل عنه حكم حذف مبتدأ الخبر المذكور بعد «لا سِيَّما» ، ولم يُصرِّح المؤلف بذلك، إلا أن تطابق النَّصَّيْنِ مع عدم تصرُّف المؤلف بالتغيير لما يستدعيه النقل أثبت إفادة المؤلف منه.
وأفاد المؤلِّف من مصادر أخرى لكن بصورة غير مباشرة؛ إذ نقل منها بواسطة، وكان المؤلِّف في هذه المصادر كحاله في المصادر المباشرة، إذ يكتفي أحيانا بذكر اسم العالم، وأحيانا يُصرِّح باسم العالم وكتابه، ومصادر المؤلِّف غير المباشرة هي ما يلي:
- كتاب التسهيل لابن مالك (672 هـ) ، فقد صرَّح المؤلِّف باسمه ونقل عنه حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» بواسطة المرادي، ونقل عن المرادي بواسطة حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك، ونتيجة للإفادة غير المباشرة من كتاب (التسهيل) فقد وقع المؤلِّف في سهو؛ إذ نقل منه نصًّا مع أنه لم يرد هذا النصُّ ولا ما يقاربه فيه.
- العلامة الرضي (688 هـ تقريبا) صرَّح باسمه فقط ذاكرا رأيه في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، واعتمد في هذا على حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك.
- بهاء الدين بن عقيل (769 هـ) صرَّح المؤلف باسمه حينما أورد حكم حذف مبتدأ الخبر المذكور بعد «لا سِيَّما» وقال: (نبَّهَ عليه ابن عقيل) ، ولم يعتمد المؤلِّف في هذا على كتابٍ لابن عقيل، وإنما نقل نصَّ الكلام من كتاب (التصريح) للشيخ خالد الأزهري كما سبق ذكره.
- بدر الدين المرادي (749 هـ) نقل عنه نصًّا في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» من كتاب التسهيل لابن مالك، بواسطة حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك.
- جلال الدين السيوطي (911 هـ) ذكر المؤلِّفُ اسمه فقط وأورد رأيه في حكم وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، ناقلا هذا عن حاشية نجم الدين الحِفْنِيِّ على كتاب (الفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة) ، وقد صرَّح المؤلِّف بذلك.
نقد الرسالة:
هذا الرسالة عمل بشري، ولا شك أن أعمال البشر تتعرض لما يتعرض له الطبع البشري من نقص وسهو ونسيان، ولذا لم تخلُ هذه الرسالة من ذلك، فقد وقفت في أثناء تحقيقي لهذه الرسالة على شيء يسير من الوهم وقع فيه المؤلف، إذ وجدته رحمه الله قد نَسَبَ في الشرح إضافةً إلى النظم إجازة وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» إلى الرضي وحده، مع أَنَّ الصحيح أَنَّه لا خلاف بين العلماء في إجازة وقوع الجملة بنوعيها وكذلك الظرف بعد «لا سِيَّما» ، فقد نصَّ ابن مالك في التسهيل (1) وهو الإمام المشهود له بالعلم والفضل والتحقيق على جواز وقوع الظرف والجملة الفعلية بعد «لا سِيَّما» ، وذكر في شرح التسهيل (2) شاهدا للظرف وللجملة بنوعيها، وتبعه في هذا شُرَّاح التسهيل كابن عقيل (3) ، والسلسيلي (4) ، والدماميني (5) ، وأيضا السُّيوطي (6) ، والبغدادي (7) .
وقد َنَقَلَ المؤلفُ في الشرح كلامَ ابن مالك المذكور في شرح التسهيل إلا أَنَّه سَهَا عنه ونَسَبَ إجازة هذا إلى الرضي فقط.
وذكر المرادي أن وقوع الجملة الاسمية بعد «لا سِيَّما» هو الغالب (8) ، وكذلك الدماميني (9) ، ونقل البغدادي (10) عن المرادي ذلك، وذكر المؤلف شاهد له، وهو قوله: فِهْ بالعُقُود.... البيت.
…
وذكر أبو حيان جواز وقوع الجملة الشرطية بعد «لا سِيَّما» (11)، وذكر له شاهدين: أحدهما من كلام العرب المنثور، والآخر من الشعر، وعنه نقل السيوطي من غير أن يُصرِّح بذلك (12) .
(1) ينظر التسهيل ص 107.
(2)
ينظر شرح التسهيل 2/319.
(3)
ينظر المساعد 2/598.
(4)
ينظر شفاء العليل 2/518.
(5)
ينظر تعليق الفرائد 6/151.
(6)
ينظر همع الهوامع 3/293.
(7)
ينظر الخزانة 3/447.
(8)
ينظر شرح التسهيل للمرادي ل 183 أ.
(9)
ينظر تعليق الفرائد 6/151.
(10)
ينظر الخزانة 3/447.
(11)
ينظر الارتشاف 3/1551.
(12)
ينظر همع الهوامع 3/294.
أمَّا الذي انفرد بإجازته الرضي فهو ورود «لا سِيَّما» بمعنى «خصوصا» ، ومن ثُمَّ تفرُّدها بأحكام مخالفةٍ لأحكامها حينما كانت بالمعنى الذي نصَّ عليه العلماء (1)، أي: كونها بمعنى «مِثْل» وكون الاسم المذكور بعدها منبَّهٌ على أولويته بالحكم، فهي إذا كانت بمعنى «خصوصا» أُعربت مفعولا مطلقا، وصحَّ وقوع الجملة بنوعيها بعدها مقترنة بالواو، وصحَّ مجيء الحال مفردة بعدها، ولم يذكر الرضي ولا مَنْ أخذ بقوله شاهدا من الكلام الفصيح على ما ذهبوا إليه (2) .
فمن هنا نعرف أَنَّه لا خلاف في جواز وقوع الجملة بنوعيها بعد «لا سِيَّما» وأَنَّ الرضي لم ينفرد بإجازة ذلك، بل هو جائز لدى العلماء؛ لوروده في كلام العرب. وعلى ما ذكرتُهُ نَصَّ العلماء الذين اطلعوا على كلام الرضي، كالمرادي؛ إذ قال في شرح التسهيل (3) :(وما يوجد في كلام المصنفين من قولهم: ((لا سِيَّما والأمرُ كذا)) تركيب غير عربي) . وقال الدماميني في شرح المغني (4) معلقا عليه: (والرضي قد أجازه فتأمله) . ونَصَّ على ما ذكرتُهُ في تعليق الفرائد (5) فقال: (قال الرضي ولا أعلم من أين أخذه: وقد يُحذف ما بعد «لا سِيَّما» على جعله بمعنى «خصوصا» فيكون....) الخ. ونص عليه أيضا الصبان (6) ، وكذلك الأمير (7) .
(1) ينظر التسهيل ص 107، والمغني ص 186 و 187، وبراعة التأليف ص 85 و 90، وينظر الحاشية ذات الرقم 406.
(2)
ينظر شرح الرضي 2/793، وهمع الهوامع 3/294، والخزانة 3/448، وبراعة التأليف ص 90 و 92.
(3)
ينظر شرح التسهيل للمرادي ل 183 ب.
(4)
ينظر شرح المغني 1/284.
(5)
ينظر تعليق الفرائد 6/152.
(6)
ينظر حاشية الصبان على الأشموني 2/168.
(7)
ينظر شرح نظم السُّجاعي للأمير ص 1057.
وبهذا نعلم أن المصنف عفا الله عنه لم يقف على تحقيق هذه المسألة بدقة، وهو ما أخذه عليه الأمير في شرح النظم؛ إذ قال (1) :(وبعد «سِيّ» وما لازمها، أعني: كلمة «ما» جملةً فأوقعا، أي: أجز وقوعها بعدها، وذلك إذا نُقلت «سِيَّما» وجُعلت مفعولا مطلقا، كما هو صريح كلام الرضي الآتي، وإن كان كلام المصنف لا يفيده) .
والأمير لم يقف أيضا على تحقيق المسألة بدقة؛ لأَنَّ الجملة التي انفرد الرضي بإجازة وقوعها بعد «لا سِيَّما» هي الجملة المقترنة بالواو، أما غيرها من الجمل فالجميع يجيزون وقوعها بعد «لا سِيَّما» .
وقد ذهب مجمع اللغة العربية في القاهرة إلى صحة ما انفرد الرضي بإجازته؛ احتجاجا بإجازة الرضي، وباستعمال الزمخشري له (2) .
قال كاتب هذه السطور عفا الله عنه: أرى من وجهة نظري أن الصَّوَاب لم يُحالف مجمع اللغة العربية في تصحيح هذا الأسلوب؛ لعدم وجود الشاهد المؤيد لهم، ولمخالفته لما ذهب إليه كثير من الأئمة، ولعدم إجازته إلا من عالم واحد، أمَّا استعمال مَنْ هو بعيد عن عصور الاحتجاج وإن كان عالما فلا يؤيده.
والمؤلف رحمه الله قد يكون معذورا في هذا النقد؛ لأنه تابع فيما ذَكَرَ لغيره؛ إذ هو ناقل له، وليس من إنشائه.
توثيق نسبة الرسالة إلى مؤلفها:
هذا الرسالة شرح لمنظومةٍ في أحكام «لا سِيَّما» ، والمنظومةُ وشرحُها كلاهما لأحمد بن أحمد السُّجاعي، والحديث عن نسبة الشرح لمؤلفه يقتضي أولا التعرض لنسبة المنظومة لصاحبها؛ للتلازم فيما بينهما، فأقول:
لقد أثبتت الدراسة المتأنِّيَةُ والبحث المستفيض أَنَّ أحمد بن أحمد السُّجاعي هو الذي ألَّفَ المنظومة، وذلك للأدلة التالية:
(1) ينظر شرح نظم السُّجاعي للأمير ص 1056.
(2)
ينظر كتاب الألفاظ والأساليب ص 88 و 92.
1 أَنَّ تلميذ المؤلف علي بن الشيخ سعد البيسوسي الشافعي ألَّف رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي (1) ، وذكر من ضمن هذه المؤلفات منظومته في أحكام «لا سِيَّما» (2) ، وهذا يُثبت يقينا أن السُّجاعي له منظومة في أحكام «لا سِيَّما» ، والدليلان اللاحقان يقطعان بأَنَّ الأبيات التي معنا هي الأبيات التي نظمها السُّجاعي ونسبها إليه تلميذه هذا.
2 أَنَّ المؤلف أحمد بن أحمد السُّجاعي قد نسبها إلى نفسه في حاشيته على شرح ابن عقيل، فلقد تحدث في هذه الحاشية عن بعض أحكام «لا سِيَّما» عند قول ابن عقيل في باب الموصول (3) :(وقد جوَّزوا في «لا سِيَّما زيد» إذا رُفع «زيد» أن تكون «ما» موصولة، و «زيد» خبر لمبتدأ محذوف) ثم قال (4) : وقد نظمت ذلك فقلت.... . ثم ذكر المنظومة.
وحاشيته هذه على شرح ابن عقيل ثابتة النسبة إليه، فقد نسبها لنفسه في مقدمتها، فقال بعد أن حَمِدَ الله وصلى وسلم على رسول الله (5) :(وبعد فيقول المرتجي شكر المساعي أحمد بن الشيخ أحمد السُّجاعي....) . وهذا دليلٌ واضحٌ على نسبة هذه الحاشية إليه، وبرهانٌ قاطعٌ بذلك، كما أَنَّ هذه الحاشية قد طُبعت منسوبة إلى مؤلفها أحمد السُّجاعي.
(1) يوجد من هذه الرسالة نسخة خطية تحتفظ بها دار الكتب المصرية، وقد حاولت جاهدا الحصول عليها فلم أستطع، إلا أَنَّه تَيسَّر لي الاطلاع عليها بصفة غير مباشرة، إذ نقل علي باشا مبارك هذه الرسالة كاملة في كتابه الخطط التوفيقية 12/9.
(2)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
(3)
ينظر شرح الألفية لابن عقيل 1/166.
(4)
ينظر حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل 1/43.
(5)
ينظر حاشية السُّجاعي على شرح ابن عقيل 1/2.
3 أَنَّ العلامة الأمير الكبير المولود سنة 1154 هـ والمتوفى سنة 1232 هـ (1) وهو أحد العلماء المعاصرين للسُّجاعي قد أثبت نسبة هذه المنظومة إلى السُّجاعي، وذلك في شرحه لهذه المنظومة، فقد قال في مقدمة هذا الشرح (2) :(قد كنت رأيت أبياتا تتعلَّق بكلمة «ولا سِيَّما» وهي في غاية الحسن والإتقان، ناشئة عن تحقيق وتدقيق وإمعان، كيف وهي لِحَسَّان الزمان، وبهجة الإخوان، الشيخ أحمد بن الإمام الشيخ أحمد السُّجاعي) . وهذا يثبت بوضوحٍ نسبة هذه المنظومة للسُّجاعي.
وبهذه الأدلة يُعلم يقينا أنَّ الأبيات التي معنا هي منظومة أحمد السُّجاعيّ في أحكام «لا سِيَّما» .
وبعد تأكيد نسبة المنظومة للسُّجاعي نأتي إلى نسبة هذا الشرح إليه، فأقول: لم يصرح المؤلف بذكر اسمه في مقدمة الشرح، لكن الدلائل أثبتت نسبته إليه، وهذه الدلائل هي:
1 أَنَّ تلميذ المؤلف علي بن الشيخ سعد البيسوسي الشافعي ألَّف رسالة ذكر فيها مؤلفات شيخه أحمد السُّجاعي وأثبت فيها أَنَّ شيخه السُّجاعي قد شرح أبياته التي نظمها في أحكام «لا سِيَّما» (3) ، وهذا يقطع بأن السُّجاعي شرح منظومته، والأدلة التالية تؤكد بصفة ثابتة أَنَّ هذا الشرح الذي بين أيدينا هو شرح السُّجاعي، وهو الذي عناه تلميذه هذا، وهذه الأدلة هي:
2 التصريح بنسبة هذا الشرح إلى السُّجاعي في اللوحة الأولى من نسختي هذا الكتاب، فقد صُرِّح باسمه بعد ذكر اسم الكتاب، والنسختان متفقتان في المحتوى مختلفتان في الناسخ.
(1) تنظر ترجمته في عجائب الآثار 7/420، وحلية البشر 3/1266، وهدية العارفين 2/358.
(2)
ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1043.
(3)
ينظر الخطط التوفيقية 12/11.
3 أَنَّ المؤلف في هذا الشرح صرَّح بأَنَّه صاحب الأبيات المنظومة، فهو يقول عند شرحه للأبيات (1) : (
…
أشرت بقولي) ، أو يقول (2) : (
…
ثم قلت) ، والمنظومة ثابتة نسبتها للسُّجاعي، وبهذا يثبت أَنَّ هذا الشرح للسُّجاعي أيضا.
4 أَنَّ العلامة الأمير الكبير (1232 هـ) ، وهو أحد معاصري المؤلف قد شرح هذه المنظومة ونسب فيه هذا الشرح إلى مؤلفه أحمد السُّجاعي حينما نقل عنه في أكثر من موضع مصرِّحا بنسبة الشرح إليه (3)، ومنها قوله (4) :(قال المصنف في شرحه ما نصه: قال ابن مالك: (وإذا كانت «ما» موصولة جاز وصلها بفعل أو ظرف، نحو: «أعجبني كلامُكَ لا سِيَّما تَعِظُ به» ، و «يعجبني التهجُّدُ لا سِيَّما عندَ زيدٍ» . انتهى) . وهذا النص موجود بلفظه في هذا الشرح (5) ، وفي هذا دلالة قاطعة على أَنَّ مؤلف هذا الشرح هو أحمد بن أحمد السُّجاعي.
اسم الرسالة:
لم يذكر المؤلف في مقدمة هذه الرسالة اسما لها، ولم أجد أحدا نَصَّ على اسمها، إلا أن التحقيق أَثبَتَ أن اسمها هو (أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها) ، وذلك لأن اللوحة الأولى من كلتا المخطوطتين اللتين اعتمدتُ عليهما في تحقيق هذه الرسالة قد أُثبِتَ فيهما اسم الرسالة السابق، وهو (أحكام لا سِيَّما وما يتعلَّق بها) ، فاتفاق النسختين على هذا الاسم مع اختلاف ناسخيهما، واتحاد القلم الذي كُتب به اسم الرسالة ومتنها في كل واحدة من النسختين، وكون أحد الناسخين تلميذا من تلاميذ المؤلف دليل قوي على الاسم الذي أثبتُّهُ، وأنه الاسم الذي اختاره المصنِّف لهذه الرسالة.
وصف مخطوطات الرسالة:
(1) ينظر ص 1384 و 1385 و 1386.
(2)
ينظر ص 1386.
(3)
ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1052 و 1056.
(4)
ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1052.
(5)
ينظر ص 1385.
لهذا الرسالة حسب علمي مخطوطتان: إحداهما في المكتبة الخديوية الملحقة بدار الكتب المصرية، وهي محفوظة فيها تحت رقم:(ن ع 3728) ، وتتكون هذه المخطوطة من أربع لوحات، وفي كل صفحة منها خمسة عشر سطرا، وهي مكتوبة بخط النسخ، وعليها تعليقات، وهي نسخة خالية من الطمس، وفيها شيءٌ قليل من السقط، وَذَكَرَ كاتبها محمود محمد المالكي بأَنَّه نسخها في السابع من جمادى الآخر من سنة 97، هكذا من غير تحديد، لكن يبدو أَنَّها السنة السابعة والتسعون بعد المائة والألف من الهجرة؛ لأَنَّ كاتب هذه النسخة من تلاميذ مؤلف الكتاب، فقد ذكر هذا على غلاف نسخة الكتاب؛ إذ كتب ما يلي:(هذا أحكام «لا سِيَّما» وما يتعلق بها لشيخنا الشيخ أحمد.... الخ) . لكن يبقى احتمالٌ، وهو أَنْ يكون الناسخ قد نقل هذه النسخة من نسخة أحد تلاميذ المؤلف إلا أَنَّ هذا احتمال بعيد؛ لما يلزم عليه من نسبة الغفلة عمَّا يكتب إلى الناسخ.
وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف "د".
أمَّا النسخة الثانية فهي محفوظة ضمن مجموعٍ في مكتبة آل هاشم في المدينة المنورة، ومنها مصوَّرةٌ فلميةٌ محفوظةٌ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم:(8543/3) ، وتقع هذه المخطوطة في ثلاث لوحات، وتحتوي كُلُّ صفحةٍ من صفحاتها على ثلاثةٍ وعشرين سطرا، وهي مكتوبة بخط النسخ، وكتابتها واضحة، وهي نسخة سليمة من الطمس، وتكاد تكون خالية من السقط، ولم يحدِّد كاتبها سنة نسْخِها، بل ذكر أَنَّه نسخها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من غير تحديد للسنة.
وقد رمزت لها بالحرف "ج"، وهذه النسخة هي التي ذكرت أرقام صفحاتها في المتن.
ولم أجعل إحداهما أصلا؛ لأَنَّ كلاًّ منهما ليست نسخة المؤلف ولا منقولة منها ولا مقروءة عليه؛ ولهذا اعتمدت الاختيار من النسختين والجمع بينهما.
عملي في التحقيق:
لَمَّا كانت الغاية من تحقيق النصوص هو إخراجها صحيحة سليمة كما وضعها مؤلفوها فقد بذلت جهدا كبيرا في تحقيق هذه الرسالة، ملتزما بالأمانة العلمية والنهج العلمي في التحقيق، مراعيا في ذلك الأسس التالية:
1 احترمت نَصَّ الرسالة، فلم أتدخل فيه إلا بالقدر اليسير الذي لا يَمَسُّ جوهره، مثل كتابته وَفْقَ القواعد الإملائية المعروفة الآن.
2 عَزَوْتُ الآياتِ القرآنيةَ إلى سُوَرِهَا، مع ذكر رقم الآية، وَضَبَطْتُ بالشكل التَّامِّ جميع الآيات.
3 خَرَّجْتُ الشواهد الشعرية، وذلك ببيان بَحْر البيت، وإكماله في الهامش إن وَرَدَ ناقصا في الأصل، ونسِبته إلى قائله، مع توثيقه من ديوانه، وبيان معاني الكلمات الغامضة فيه، وذكر الشاهد في البيت، وإيراد بعض الكتب التي استشهدت به مراعيا في ذلك التسلسل التاريخي لوفاة مؤلفيها.
4 شَرَحْتُ الكلماتِ الغريبةَ الواردةَ في الكتاب، وَضَبَطْتُ ما يحتاج إلى ضَبْطٍ.
5 خَرَّجْتُ أقوالَ النحاةِ وآراءهم من كتبهم إن وُجِدتَ فيها، وإلا فَمِنْ كُتُبِ النحو المشهورة، وَنَسَبْتُ المذاهبَ النحوية إلى أصحابها مُوَثِّقًا ذلك من كتبهم.
6 خَرَّجْتُ المسائلَ النَّحْوِيَّةَ، وَأَشَرْتُ إلى مواطنها في أمهات كتب النحو، وَعَلَّقْت عليها، وأكملت ما لم يستكمله المؤلف من أقوالٍ فيها.
7 تَرْجَمْتُ للأعلام الذين ذُكِرُوا في متن الكتاب، واستثنيت من ذلك المشهورين، كابن مالك والرضي والمرادي ونحوهم؛ لأن هذه الرسالة مقدمة للمتخصصين، والمتخصصون لا يخفى عليهم كثير من جوانب حياة المشهورين من الأعلام.
أبيات المنظومة:
ذكر المؤلف منظومته في الشرح متفرقة في الغالب؛ لأَنَّه سلك في الشرح فيما عدا البيتين الأوَّلَين مَزْجَ المنظومة مع الشرح، ونظرا لأَنَّ القارئ قد يحتاج إلى الوقوف على المنظومة منفردة رأيت أن أذكرها هنا، وبخاصة أَنَّني وجدت أبيات المنظومة مذكورة على غلاف نسخة المدينة المنورة، وإليك المنظومة:
وَمَا يَلِي «لا سِيَّما» إِنْ نُكِّرَا فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا
في الْجَرِّ «مَا» زِيْدَتْ وَفي رَفْعٍ أُلِفْ وَصْلٌ لَهَا قُلْ أَوْ تَنَكُّرٌ وُصِفْ
وَعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتَدًا قَدِّرْ وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ سِيَّ تَفِي
وَانْصِبْ مُمَيِّزًا وَقُلْ: (لَا سِيَّما يَوْم) بِأَحْوَالٍ ثَلَاثٍ فَاعْلَمَا
وَالنَّصْبُ إِنْ يُعَرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا وَبَعْدَ «سِيٍّ» جُمْلَةً فَأَوْقِعَا
أَجَازَ ذَا الرَّضِيْ وَلا تُحْذَفُ «لا» مِنْ سِيَّما وَسِيَّ خَفِّفْ تَفْضُلا
وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيْحِ الِاسْتِثْنَا بِهَا ثُمَّ الصَّلَاةُ لِلنَّبِيِّ ذِي الْبَهَا
الحمد لله الذي (1) رَفَعَ قَدْرَ حبيبه في الدارَين، وَنَصَبَهُ بخفض العِدَا لا سِيَّما يوم بدرٍ وحنين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الكرام، وعلى من تبعهم من السادة البررة الأعلام، صلاة وسلاما بهما ننتظم في سلكه الرفيع، ونأمن من كل هول بالدخول في حصنه المنيع، آمين، أمَّا بعد: فاعلم رزقنا الله التوفيق (2)، وسلك بنا مَهَايِع (3) التحقيق أَنَّ الذي يلي لفظ «لا سِيَّما» له حالتان: التنكير، والتعريف. فإن كان نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه: الجر، والرفع، والنصب. فالجر وهو أرجحها (4) بإضافة «سي» إليه، و «ما» زائدة بينهما (5)
(1) في "ج" بعد البسملة: وبه نستعين، وهو ثقتي، الحمد لله الذي.... .
(2)
في "ج": فاعلم رزقنا التوفيق.
(3)
الْمَهَايِع: جمع مَهْيَع، وهو الطريق الواسع المنبسط. ينظر اللسان 8/379 "هيع ".
(4)
وذلك لسلامته من التقدير ومن الضعف الوارد على حالة الرفع والنصب. ينظر شرح الرضي للكافية 2/791، والمغني ص 187، وشرح الأشموني 2/167، والفوائد العجيبة ص 45، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1054، وينظر الحاشية ذات الرقم 361 والحاشية ذات الرقم 362 والحاشية ذات الرقم 367.
(5)
زيادة «ما» بين المضافين مسموعة، كما في الآية التي سيذكرها المؤلف. ينظر المغني ص 412، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292.
…
... ومما يدُلُّ على زيادتها في «لا سِيَّما» جواز حذفها كما ذَكَرَ سيبويه في الكتاب 2/171 فيقال: (لا سيَّ زيدٍ)، إلا أَنَّ إثباتها أكثر. ووَهِمَ في هذا ابن هشام الخضراوي فنسب إلى سيبويه القول بأَنَّها زائدة لازمة لا يجوز حذفها. قال المرادي عنه في شرح التسهيل ل 183 أ:(وكأَنَّه طالع أول كلامه ولم يطالع آخره) . تنظر مسألة زيادة «ما» بعد «لا سِيَّما» في المسائل البغداديات ص 318، وارتشاف الضرب 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292.
مثلها في (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ ((1) .
والرفعُ خبرٌ لمحذوف وجوبا (2) ، و «ما» موصولةٌ أو نكرة موصوفةٌ (3)، أي: ولا مثل الذي....، أو:
…
شيء هو كذا. وعلى الوجهين فتحةُ «سِيّ» إعرابٌ؛ لأَنَّ (4) اسم «لا» مضاف، وخبرها محذوف، أي: موجود (5) ، وحَذْفُ المبتدأ في هذا المحل (6)
(1) سورة القصص، من الآية 28.
(2)
وذلك لجريانه مجرى المثل. ينظر تعليق الفرائد 6/150، وحاشية الخضري 1/80، والكواكب الدرية 2/407. ولم أجد من نَصَّ على وجوب حذف المبتدأ في هذا الموضع إلا ابن عقيل في شرحه للألفية 1/166، والأهدل في الكواكب الدرية 2/407، وقال الدماميني في تعليق الفرائد 6/150: (ينبغي أن يكون الحذف واجبا؛ لأَنَّه كذلك سُمع، وهو ظاهر قوله [أي ابن مالك] وقول غيره) .
(3)
يرى الجمهور أَنَّ الاسم إذا ارتفع بعد «لا سِيَّما» ف «ما» موصولة، ويرى ابن خروف جواز كونها نكرة موصوفة أيضا. ينظر الارتشاف 3/1550، والمساعد 1/597، وهمع الهوامع 3/292.
(4)
في "ج": وعلى الوجهين ففتحة «سِيّ» إعرابٌ لأَنَّه.
(5)
ينظر كتاب الكُنَّاش 1/201، وخبر «لا» النافية للجنس يكثر حذفه إذا عُلم، نحو قوله تعالى:{ولو ترى إذْ فَزِعوا فلا فوتَ} [سبأ من الآية 52]، وقوله تعالى:{قالوا لا ضيرَ} [الشعراء من الآية 50] ، وهذا عند الحجازيين، أما بنو تميم والطائيون فيوجبون حذفه، وإذا جُهل وجب ذكره باتفاق، نحو قوله (:(لا أحدَ أغيرُ من الله) صحيح البخاري 4/1699. ينظر النكت في تفسير كتاب سيبويه 1/597، وشرح المفصل 1/105، وشرح التسهيل 2/56، والارتشاف 3/1298، وتعليق الفرائد 4/98، وهمع الهوامع 2/202.
(6)
المبتدأ في هذا المحل هو الضمير المقدر، وهو عائد الاسم الموصول إن قدِّرت «ما» صلة، ورابط الصفة إن قدِّرت «ما» نكرة موصوفة. ينظر شرح الرضي 2/791، والمغني ص 187، والمساعد 1/597، والخزانة 3/445، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1049، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 87.
مقيسٌ غير شاذ (1) ؛ لأَنَّهم نزَّلوا «لا سِيَّما» منزلة «إلا» الاستثنائية، فناسب ألَاّ يُصرَّحَ بعدها بجملة (2)
(1) تبع المصنف في هذا الكوفيين الذين يرون جواز حذف عائدِ الاسمِ الموصول المرفوعِ إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد مطلقا، سواء كان الموصول «أيّا» أم غيرها. ينظر معاني القرآن للفراء 1/22 و 365.
…
أمَّا البصريون فيرون أَنَّ عائدَ الاسمِ الموصول المرفوعَ لا يجوز حذفه إلا إذا استكمل الشرطين السابقين مع كون الصلة طويلة، ويستثنون من طول الصلة «أيّا» الموصولة، فيجيزون حذف عائدها المرفوع وإن لم تكن صلتها طويلة، نحو قولك:(صاحبْ أيُّهم أفضل) ، ويرون أَنَّ ما ورد من الحذف مع عدم الطول في صلة غير «أيّ» شاذ. ينظر الكتاب 2/107 و 108 و 404، والأصول 2/396، والمحتسب 1/64 و234.
…
وينظر في هذه المسألة أمالي ابن الشجري 1/111، وإعراب القراءات الشواذ 1/140، وضرائر الشعر ص 172 وما بعدها، والتسهيل ص35، والتذييل والتكميل 3/85، وتخليص الشواهد ص 158، وشرح الأشموني 2/167، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1054.
(2)
تنزيل «لا سِيَّما» منزلة «إلا» قول لبعض العلماء، وهو مردود عند الجمهور بعدم صحة وقوع «لا سِيَّما» موقع «إلا» ، ومردود أيضا بأَنَّها لو كانت مُنَزَّلة منزلة «إلا» لَمَا جاز دخول الواو عليها كما لم يجز دخولها على «إلا» وعلى سائر أدوات الاستثناء، فلا يصح إذن جعلها من أدوات الاستثناء؛ لأَنَّ ما بعد «إلا» مُخرَجٌ مما قبلها، وما بعد «لا سِيَّما» داخل فيما قبلها، ومُنَبَّه على أولويته بالحكم. كما أَنَّ ما ذكره المؤلف من عدم جواز وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» معارِض للسماع الوارد عن العرب، كما سيأتي فيما نقله المؤلف عن ابن مالك في ص 1385، والظاهر أَنَّ المؤلف قد غفل عنه.
…
فحذف الضمير المبتدأ في هذا الموضع شاذ؛ لأَنَّ من شروط حذف العائد المرفوع في صلة غير «أي» كون الصلة طويلة، وهنا لا طول في الصلة. ينظر شرح التسهيل 2/318، وشرح الرضي للكافية 2/791، وكتاب الكُنَّاش 1/200، والدر المصون 1/225، والمغني ص 187، والمساعد 1/596، وتعليق الفرائد 6/147، والخزانة 3/445، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1049 و 1054، وينظر ما سيأتي من حكم الاستثناء ب «لا سِيَّما» في ص 1386.
فإن قيل: «لا سِيَّما زيدٌ الصالحُ» فلا استثناء (1) ؛ لطول الصلة بالنعت (2) كما نبَّه عليه ابن عقيل (3) .
(1) أي: فلا استثناء من شرط طول الصلة كي يطَّرد حذف العائد المرفوع. ينظر التصريح 1/143، وحاشية الخضري 1/81. وما ذكره المؤلف من استثناء «لا سِيَّما» من شرط الطول لم يصرح به البصريون المتقدمون الذين يشترطون الطول لجواز الحذف، بل هم يرون أَنَّ الضعف وارد على إعراب «ما» موصولة في: «لا سِيَّما زيدٌ» ؛ بسبب حذف العائد المرفوع من غير طول. ينظر الكتاب 2/108، وقد فهم العلماء المتأخرون من جواز كون «ما» في «لا سِيَّما زيدٌ» موصولةً استثناءها من شرط الطول. ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 111، وشرح التسهيل 2/319، والمغني ص 187، وشفاء العليل 2/518، والتصريح 1/143، وحاشية الدسوقي على المغني 1/152.
(2)
من قوله: (وحَذْفُ المبتدأ في هذا المحل
…
إلى قوله: (لطول الصلة بالنعت) منقول من التصريح 1/144، وقد وقع المصنف في سهو لم يتنبَّه له؛ وذلك أَنَّه الآن في معرض الحديث عن وقوع النكرة بعد «لا سِيَّما» ، ونلاحظ أَنَّه هنا مثَّل تبعا للشيخ خالد الأزهري بمعرفة، كما أَنَّه أيضا وقع في سَهْوٍ آخر لم يتنبه له أيضا، فقد نقل كلام الأزهري بحذافيره من غير تغيير ما يلزم تغييره، فإنه عند إيراده مثالا على وصف الاسم الواقع بعد «لا سِيَّما» نفى الاستثناء عنه مع أَنَّه لم يذكر شيئا مستثنى، أمَّا كلام الأزهري فنفيُ الاستثناء فيه مستقيم، وذلك أَنَّ الأزهري قال في 1/143:(ويستثنى من اشتراط الطول [أي: في جملة الصلة] لا سِيَّما زيد)، ثم قال فيما بعد:(فإن قيل: «لا سِيَّما زيد الصالح» فلا استثناء) .
(3)
ينظر شرحه للألفية 1/166، وكلام المؤلف منقول من التصريح 1/144، وهو مذكور بمعناه في حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/81.
لا يقال: (إن شرط «لا» عملها في النكرات، و «سِيّ» قد عُرِّفت بالإضافة فلا عَمَلَ ل «لا» فيها) ؛ لأَنَّا نقول: مَنَعَ من ذلك توغُّلها في الإبهام ك «غَيْر» و «مِثْل» و «شِبْه» فلا تُعرِّفها الإضافة (1) .
والنصب على [2 أ] التمييز (2) و «ما» كافَّة، وفتحة «سي» فتحة بناء (3)
(1) ينظر الكتاب 2/286، والمسائل البغداديات ص 317، وشرح التسهيل 2/318، والاستغناء ص 123، والخزانة 3/445، وبراعة التأليف ص 88.
(2)
رفعُ الاسم بعد «لا سِيَّما» أقل من جرِّه، ونصبُهُ أقل من رفعه، فالنصبُ ضعيف، وقد تكلَّف له العلماء وجوها، أحدها ما ذكره المؤلف، وبقيتها: أَنَّه تمييز ل «ما» ، و «ما» نكرة تامة مجرورة بإضافة «سيّ» إليها. وقيل: إنه منصوب بإضمار فعل و «ما» كافة. وقيل: منصوب على الاستثناء، ف «ما» كافة و «لا سِيَّما» مُنَزَّلة منزلة «إلاّ» في الاستثناء. وقيل: منصوب على إسقاط الخافض؛ إذ الأصل: لا مِثْلَ لِزَيدٍ. وقيل: منصوب على أَنَّه مفعول ل «سيّ» لتأويلها باسم الفاعل (مساوٍ) و «ما» كافة عن الإضافة. ينظر الاستغناء ص 111 و 119 و 124، وشرح الرضي 2/791، وكتاب الكُنَّاش 1/201، والمغني ص 412، والمصباح المنير ص 114 "سي"، وهمع الهوامع 3/293، والخزانة 3/446، والفوائد العجيبة ص 45، وبراعة التأليف ص 86 و 90، والكواكب الدرية 2/407.
(3)
«ما» هنا كافة ل «سي» عن الإضافة، وهذا قول الفارسي في التذكرة. ينظر شرح التسهيل 2/319، والاستغناء ص 112، والمغني ص 413، والخزانة 3/446. وَيَرِدُ على هذا الوجه اعتراض، وهو أَنَّه لو كان تمييزا ل «سيّ» لكان معمولا لها، فتكون شبيهة بالمضاف، فتكون فتحتها فتحةَ إعراب لا بناء، وبأَنَّ التمييز عينُ المُمَيَّز، وهنا غيره؛ لأَنَّه ليس نفس «سيّ» المنفي، فلو قلت: (أَكْرِمِ العلماءَ ولا سِيَّما شيخا لنا) ف «شيخا» غير «سيّ» المنفي. ينظر شرح الأمير على نظم السُّجاعي ص 1051، وبراعة التأليف ص 87.
، وإلى ما تقدم أشرت بقولي:
وَمَا يَلِي «لا سِيَّما» إِنْ نُكِّرَا فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا
في الْجَرِّ «مَا» زِيْدَتْ وَفي رَفْعٍ أُلِفْ وَصْلٌ لَهَا قُلْ أَوْ تَنَكُّرٌ وُصِفْ
(وَعِنْدَ رَفْعٍ) بالتنوين (1)(مُبْتَدًا قَدِّرْ)(2)، أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ (3)(وَفِي رَفْعٍ وَجَرٍّ أَعْرِبَنْ) بنون التوكيد الخفيفة (4) ، (سِيَّ تَفِي، وَانْصِبْ مُمَيِّزًا) أي: انصبْ حالَ كونك مُمَيِّزًا.
وقد عُلِمَ بناء «سِيّ» في هذا الأخير من التقييد بالإعراب في ذينك، وقد رُوِيَ قولُ الشاعر:
وَلا سِيَّما يَوْم بِدَارَةِ جُلْجُلِ (5)
بالأوجه الثلاثة، وإلى هذا أشرتُ بقولي:(وَقُلْ: ((لَا سِيَّما يَوْم)) بِأَحْوَالٍ) بالتنوين (ثَلَاثٍ)(6) بدلٌ مما قبله (فَاعْلَمَا) .
(1) قوله (بالتنوين) ساقط من "د".
(2)
قوله: «مبتدًا» مفعول به مقدم للفعل «قَدِّرْ» ، وأصلة «مبتدأً» بالهمز، وقد حُذفت همزته لضرورة إقامة الوزن.
(3)
قوله: (أي: قَدِّرْ مبتدأً عند رفعٍ) ساقط من "د".
(4)
قوله: (بنون التوكيد الخفيفة) ساقط من "د".
(5)
هذا عجز بيتٍ من الطويل، وصدره:
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
…
وهو لامرئ القيس. ينظر ديوانه ص 10.
…
دارة جُلْجُل: اسْمُ غَدِيرٍ في نجد. ينظر كتاب الدارات ص 40 وما بعدها.
…
وهذا البيت من شواهد نظم الفرائد ص 185، وشرح المقدمة الجزولية الكبير 3/998، وشرح المفصل 2/86، وشرح الكافية الشافية 2/725، والاستغناء ص 113، وارتشاف الضرب 3/1550، والمغني ص 186.
(6)
في "د": (ثلاثة) ، وبها ينكسر البيت.
قال العلامة الفارضي (1) في شرح الألفية بعد أن ذكر البيت المستشهد به (2) : (فعلى رواية الجر تكون «سِيّ» بمعنى «مِثْل» ، وهو مضاف، و «يوم» مضاف إليه، و «ما» زائدة.
وعلى رواية الرفع تكون «ما» موصولة، و «يومٌ» خبرٌ لمحذوف، أو نكرةٌ موصوفة، والتقدير: لا مثلَ الذي هو يومٌ، أو: لا مثلَ شيءٍ هو يومٌ.
والنصب على التمييز كما يقع التمييز بعد «مِثْل» في نحو: (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ((3) ، و «ما» كافة عن الإضافة، وفتحةُ «سِيّ» بناءٌ مثلُها في «لا رجلَ» على ما تقدم) .
(1) هو الإمام شمس الدين محمد الفارضي القاهري الحنبلي، كان شاعرا عالما بالفرائض والنحو له مصنفات منها: شرح ألفية ابن مالك، والمنظومة الفارضية في المواريث، توفي سنة 981 هـ. تنظر أخباره في الكواكب السائرة 3/83، وشذرات الذهب 10/576، والسحب الوابلة 3/1106.
(2)
ينظر شرح الألفية للفارضي ل 80 أ.
(3)
سورة الكهف، من الآية 109.
وذكر وجها آخر، وهو أَنَّ «ما» موصولة، و «بدارة جُلْجِل» صلة، و «يوما» ظرف، والعامل فيه ما في «بدارة» (1) من معنى الاستقرار (2)، ثم قال (3) [2 ب] :(وفتحةُ «سِيّ» في الصور الثلاث فتحةُ إعرابٍ يعني به: حالة الجر، والرفع، والنصب على الظرفية؛ وذلك لأَنَّ «ما» إن كانت موصولة فهي معرفة، واسم «لا» التبرئة لا يكون معرفة، وإن كانت غير موصولة ف «سيّ» مضافة (4) لما بعدها إن كانت «ما» زائدة، أو مضافة ل «ما» إن كانت نكرة موصوفة، واسم «لا» المبني لا يكون مضافا) . انتهى (5) كلامه.
وقد علمت ردَّه بما تقدم من أَنَّها لا تتعرف بالإضافة (6) ، فتأمل (7) .
قال ابن مالك (8) : وإذا كانت (9)«ما» موصولة معها جاز وصلها بفعلٍ وبظرف، نحو: أعجبني كلامُكَ لا سِيَّما تَعِظُ به (10)
(1) في "ج": والعامل فيه ما في «بدارة جُلْجِل» .
(2)
لم ينفرد الفارضي بهذا القول، بل هو مسبوق فيه، فقد ذكره ابن مالك في شرح الكافية الشافية 2/725، وزاد أيضا وجها آخر، وهو أن تكون «ما» موصولة، و «يوما» صلتها منصوب على الظرفية، و «بدارة جلجل» صفة ل «يوما» أو متعلقا به لما فيه من معنى الاستقرار. وتنظر أوجه النصب في شرح التسهيل 2/319، والاستغناء ص 120 و 125، والارتشاف 3/1551.
(3)
ينظر شرح الألفية للفارضي ل 80 أ.
(4)
في "ج":
…
غير موصولة فهي مضافة.
(5)
في "د" رمز لكلمة (انتهى) في هذا الموضع والمواضع اللاحقة بالحرفين (أهـ) .
(6)
ينظر ص 1383.
(7)
في "د":
…
بما تقدم من أَنَّ (ما) لا تَعرَّف بالإضافة، تأمل.
(8)
ينظر شرح التسهيل 2/319، وفي النقل تصرف.
(9)
في "د": وإن كانت.
(10)
ومن شوهد هذا قول الشاعر:
فُقِ الناسَ في الحمد لا سِيَّما يُنِيْلُكَ من ذي الجلالِ الرِّضا
…
ينظر شرح التسهيل 2/319، والمساعد 2/598، وشفاء العليل 2/519، وهمع الهوامع 3/293.
، ويعجبني التهجُّدُ لا سِيَّما عندَ زيدٍ (1) . انتهى.
هذا إن كان ما بعدها نكرة، فإن كان معرفة (2) جاز الأولان، أعني: الجر والرفع، وإن ضُعِّفَ الرفع بأَنَّ فيه حَذْفَ العائد المرفوع مع عدم الطول (3)، وإطلاقَ «ما» على من يعقل في نحو: ولا سِيَّما زيدٌ.
وامتنع الأخير، أعني: نصبه، أي: عند الجمهور، وإلا فقد نَقَلَ بعضهم جوازه (4)، نحو (5) : أكرمِنَّ القوم (6) لا سِيَّما زيدًا، وإلى هذا أشرت بقولي:(وَالنَّصْبُ إِنْ يُعَرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا) .
(1) ومن شوهد هذا قول الشاعر:
يَسُرُّ الكريمَ الحمدُ لا سِيَّما لدى شهادةِ مَنْ في خيره يَتَقَلَّبُ
…
ينظر شرح التسهيل 2/319، والمساعد 2/598، وشفاء العليل 2/518، وهمع الهوامع 3/293.
(2)
في "د":
…
زيد.أهـ. إذا كانت ما بعدها نكرة، فإن كانت معرفة.
(3)
هذا التضعيف وارد أيضا على رفع النكرة بعدها. ينظر ما سبق في الحاشية ذات الرقم 361.
(4)
ينظر المغني ص 187، وشرح المغني للدماميني 1/284.
(5)
في "ج": وإلا فقد نَقَلَ بعضهم جواز نحو.
(6)
في "ج": نحو: أكرمت القوم.... .
وقد أشرت بقولي: (وَبَعْدَ «سِيٍّ» جُمْلَةً فَأَوْقِعَا، أَجَازَ ذَا الرَّضِيْ) إلى ما نقله العلامة الْحِفْنِيِّ (1) في حاشية الشِّنْشَوْرِيِّ (2) عن الْمُحَقِّقِ الرَّضِيِّ من جواز وقوع الجملة بعد «لا سِيَّما» ، ونَصُّهُ (3) :(وهل يقع بعدَهَا جملةٌ أو لا؟ قال في التسهيل نقلا عن [3 أ] المرادي: (وقولهم: (لا سِيَّما والأمرُ كذا (4)) تركيب غير عربي) (5)
(1) هو الإمام أبو المكارم نجم الدين محمد بن سالم بن أحمد المصري الشافعي المشهور بالحِفْنِي نسبة إلى مكان مولده قرية حِفْنَة في المديرية الشرقية من مصر، اشتغل بالعلم على فضلاء الأزهر حتى فاق، فتولى التدريس فيه، ثم تولى مشيخته، كان محدثا فقيها فَرَضِيًّا نحويا صاحب بيان، له مؤلفات كثيرة منها: أنفس نفائس الدرر على شرح الهمزية لابن حجر، والثمرة البهيّة في أسماء الصحابة البدريّة، وحاشية على شرح الرحبية للشنشوري، وحاشية على شرح الأشموني لألفية ابن مالك. توفي في القاهرة سنة 1181 هـ. تنظر أخباره في سلك الدرر 4/49، وعجائب الآثار 2/257، وهدية العارفين 2/337.
(2)
هو جمال الدين عبد الله بن بهاء الدين محمد بن عبد الله بن علي العجمي الشافعي الشِّنْشَوْرِيّ، نسبة إلى شِنْشَوْر من قرى المَنُوفيّة بمصر، تولى الخطابة في الجامع الأزهر، له مصنفات منها: خلاصة الفكر في شرح المختصر، أي: مختصر أهل الأثر، والفوائد الشِّنْشَوْرِيَّة في شرح المنظومة الرحبية، وبغية الراغب شرح مرشدة الطالب في الحساب لابن الهائم، توفي سنة 999 هـ. تنظر أخباره في هدية العارفين 1/473، والأعلام 4/128.
(3)
لم أستطع الوقوف على حاشية الحِفْنِي على الفوائد الشِّنْشَوْرِيّة، وفي حاشية الحِفْنِي على شرح الأشموني ل 397 أما يقارب النصَّ المذكور هنا.
(4)
في "د": لا سِيَّما ولا من كذا.
(5)
الكلام المنقول عن المرادي لم يرد في التسهيل، والذي في التسهيل ص 107 إجازة وقوع الجملة الفعلية والظرف بعد «لا سِيَّما» عند إعراب «ما» اسما موصولا، وليس فيه التعرض لتخطئة شيء من الأساليب. وينظر قول المرادي في شرحه للتسهيل ل 183 ب، ونصُّه:(وما يوجد في كلام المصنفين من قولهم: (لا سِيَّما والأمرُ كذا) تركيبٌ غير عربي) . ولم ينفرد المرادي بإنكار هذا الأسلوب، بل سبقه إليه أبو حيان في الارتشاف 3/1552.
، وعليه السيوطي (1) . وقد أجاز ذا (2) الرضي حيث قال (3) :(ويُحذف ما بعد «سِيَّما» (4) على جعله بمعنى «خصوصا» ، فيكون منصوبَ المحل على أَنَّه مفعول مطلق مع بقائه على نصبه الذي كان له في الأصل حين كان اسم «لا» التبرئة، فإذا قلت:((أحب زيدا ولا سِيَّما راكبا)) ، فهو بمعنى: وخصوصا راكبا، ف «راكبا» حال (5) من مفعول الفعل المقدر، أي: وأخصه بزيادة المحبة خصوصا راكبا (6)، وكذا في:((أحبه ولا سِيَّما وهو راكب)) (7)) . انتهى، فقد حَكَمَ بِصِحَّةِ ما جعله المراديُّ تركيبا فاسدا (8)
(1) ينظر الهمع 3/294.
(2)
في "ج": وقد أجاز ذلك.
(3)
ينظر شرح الرضي للكافية 2/793، وفي النقل تصرُّفٌ يسيرٌ بالحذف.
(4)
في شرح الرضي 2/793: وقد يُحذف ما بعد «لا سِيَّما» .
(5)
في "د": ولا سِيَّما راكبا، ف «راكبا» حال.
(6)
فيكون التقدير: أحب زيدا وأخصه خصوصا بزيادة المحبة في حال كونه راكبا. ويجوز أن يكون «راكبا» حال من فاعل الفعل المقدر اللازم، ويكون التقدير: أحب زيدا ويختص اختصاصا بزيادة المحبة في حال كونه راكبا. ينظر شرح الرضي للكافية 2/793، وبراعة التأليف ص 91.
(7)
فجملة «وهو راكب» في محل نصب حال إما من مفعول الفعلِ المقدر المتعدي، وإما حال من فاعل الفعل المقدر اللازم كما سبق في الحال المفرد. ينظر براعة التأليف ص 91.
(8)
لم يقف المصنف رحمه الله على تحقيق هذه المسألة بدقة؛ إذ الصواب أنه لا خلاف بين العلماء في جواز وقوع الجملة بنوعيها بعد «لا سِيَّما» ، ولم ينفرد الرضي بإجازة هذا، بل هو جائز لدى العلماء؛ لوروده في كلام العرب، أما الذي انفرد بإجازته الرضي فهو استعمال «لا سِيَّما» بمعنى «خصوصا» ، ومن ثُمَّ تفرُّدها بأحكام مخالفةٍ لأحكامها حينما كانت بالمعنى الذي نص عليه العلماء، أي: كونها بمعنى «مِثْل» وكون الاسم المذكور بعدها منبَّهٌ على أولويته في الحكم، فهي إذا كانت بمعنى «خصوصا» أعربت مفعولا مطلقا، وصحَّ وقوع الجملة بنوعيها بعدها مقترنة بالواو، وصحَّ مجيء الحال مفردة بعدها. ينظر شرح التسهيل 2/319، وتعليق الفرائد 6/151، والمغني ص 186 و 187، وبراعة التأليف ص 85 و 90، وينظر ما كُتب في دراسة هذه الرسالة في مبحث نقدها.
) . انتهى.
ثم قلت: (وَلا تُحْذَفُ «لا» مِنْ سِيَّما) يعني: أَنَّ لفظة «لا» لا تُحذف من «سِيَّما» وجوبا (1)
(1) قال ثعلب فيما رواه عنه ابن فارس في الصاحبي ص 231: (من قاله أي: ولا سِيَّما بغير اللفظ الذي قاله امرؤ القيس فقد أخطأ) . يعني: أَنَّه يجب اتصال الواو و «لا» به كما في بيت امرئ القيس السابق. ينظر سفر السعادة 1/259، والمغني ص 186.
…
وَنَصَّ أبو جعفر النحاس في شرح القصائد التسع المشهورات 1/110 على أَنَّ «سِيَّما» لا تُستعمل إلا مع الجحد، فقال:(ولا يجوز أن تقول: «جاءني القومُ سِيَّما زيدٍ» حتى تأتي ب «لا» ) .
…
وقال أبو حيان في الارتشاف 3/1552: (وَحَذْفُ «لا» من «لا سِيَّما» إنما يوجد في كلام الأدباء الْمُوَلَّدِينَ، لا في كلام مَنْ يُحْتَجُّ بكلامه) . وتنظر هذه المسألة في شرح المفصل 2/86، وشرح التسهيل للمرادي ل 183 ب، وهمع الهوامع 3/294، وشرح الأشموني 2/168، وتاج العروس 10/188 "سوو".
؛ لأَنَّ حذف الحرف خارج عن القياس (1) . وكذلك دخول الواو على «لا» ، وذكر بعضهم أَنَّها قد تُحذف (2) .
(1) فلا يجوز حذف الحرف وبقاء عمله؛ لأَنَّ الحروف وُضعت للاختصار، والمُختصَر لا يجوز اختصاره؛ لأَنَّ الاختصار إجحافٌ به، ولأَنَّ «لا» تركبَّت مع «سِيَّما» وصارتا كالكلمة الواحدة، فتُساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها، فيكون ما بعدها كالمُخرَج عن مساواة ما قبلها إلى التفضيل، فقولهم:(تُستحبُّ الصدقةُ في شهر رمضان ولا سِيَّما في العشر الأواخر) معناه: واستحبابها في العشر الأواخر آكد وأفضل، فهو مُفَضَّلٌ على ما قبله، إذا تقرَّر هذا فلو قيل «سِيَّما» بغير نفي اقتضى التسوية وبقي المعنى على التشبيه، فيكون التقدير:(تستحبُّ الصدقة في شهر رمضان مثل استحبابها في العشر الأواخر) ، ولا يخفى ما فيه من تغييرٍ للمعنى المراد؛ لذهاب التفضيل. ينظر المصباح المنير ص 114 "سي"، والأشباه والنظائر 1/79، وتاج العروس 10/188 "سوو".
(2)
يحتمل أن يكون نائب الفاعل هنا ضميرا راجعا ل «لا» ، ويحتمل أن يكون ضميرا راجعا ل «الواو» وهو الأقرب، أما حذف «لا» فقد انفرد بإجازته القرافي في الاستغناء ص 120 والرضي في شرحه للكافية 2/793، وليس لهما شاهد. ينظر تعليق الفرائد 6/155، وحاشية الصبان 2/168، وذكر صاحب حماة في الكُنَّاش 1/201 والفيومي في المصباح المنير ص 114 "سي" أَنَّ «لا» يصحُّ حذفها من «لا سِيَّما» للعلم بها وهي مرادة، كقولك:(أكرَمَ الناسُ العلماءَ سِيَّما صديقُهُ) .
…
أما حذف الواو فَمَنَعَهُ ثعلب، وأجازه غيره من العلماء مستدلين بشواهد منها الشاهد الذي سيذكره المصنف بعد قليل. ينظر الارتشاف 3/1552 و 1553، والمغني ص 186.
وتُخفَّف «سِيَّما» (1)، كما في قوله:
فِهْ بالْعُقُودِ وبالأَيْمانِ لا سِيَما عَقْدٌ وفاءٌ بِهِ مِنْ أعظمِ القُرَبِ (2)
(1) حكى التخفيف الأخفش وغيره. ينظر شرح القصائد التسع المشهورات ص 110، وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 33، والارتشاف 3/1552.
(2)
هذا بيت من البسيط، لم أقف على قائله.
…
فِهْ: فعل أمر من وَفَى يَفِي، وهاء السكت لا تُنطق إلا في الوقف فقط، وهي تُكتب في الوقف والوصل؛ اعتدادا بنطقها في الوقف، ولأَنَّ الكلمة لا تكون على حرف واحد. ينظر أدب الكاتب ص 251، وتعليق الفرائد 6/154، وشرح الدماميني للمغني 1/283.
…
والمؤلف ساق البيت شاهدا على تخفيف الياء من «لا سِيَّما» ، وفيه شاهد آخر، وهو جواز حذف الواو من «لا سِيَّما» .
…
وقد وقع في البيت تحريفٌ في نسخة "د" فورد كالتالي: عَقْدٌ أفاءٌ بِهِ
…
.
…
وهذا البيت من شواهد شرح التسهيل 2/319، والمغني ص 186، والمساعد 1/598، وشفاء العليل 2/519، وتعليق الفرائد 6/154، وهمع الهوامع 3/294، والأشباه والنظائر 1/88، وشرح الأشموني 2/168، وشرح أبيات المغني 3/219، وبراعة التأليف ص 85.
وإلى جواز التخفيف أشرت بقولي: (وَسِيَّ خَفِّفْ تَفْضُلا)، أي: خَفِّفْ لفظة (1)«سِيّ» إن أردت ذلك (2) .
(1) في "ج": خَفِّفْ لفظ.
(2)
«سِيّ» وزنها فِعْل، وأصلها «سِوْي» أُعِلَّت كإعلال طَيّ ولَيّ، فهي ك «مِثْل» وزنا ومعنى، واختلف العلماء في الحرف المحذوف منها عند تخفيفها، فذهب بعضهم إلى أَنَّه اللام، وذهب بعضهم إلى أَنَّه العين، واختار الأول ابن جني، وذهب إلى أَنَّ اللام أُلْقِيَتْ حركتها على العين بعد حذفها، واحتجَّ بأَنَّ هذا ما يقتضيه القياس، فالحذفُ إعلالٌ، والإعلالُ في اللام شائعٌ كثير بخلافه في العين. واختار الثاني أبو حيان واحتجَّ بأَنَّه وقوفٌ مع ظاهر اللفظ، وبأَنَّ العين ساكنة واللام متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن، فكانت العين أولى بالحذف لضعفها، ولأَنَّه لو كانت الثانية هي المحذوفة لوجب ردُّ الأولى إلى أصلها وهو الواو؛ لزوال موجب قلبها.
…
وفي إجابة أصحاب القول الأول عن هذا بأَنَّ العين لم ترجع إلى أصلها لعدم الاعتداد بالحذف العارض تكلُّف لا موجب له. ينظر الاستغناء ص 124، والارتشاف 3/1552، وتعليق الفرائد 6/147 و 155، وشرح الدماميني للمغني 1/282، وهمع الهوامع 3/295، والأشباه والنظائر 1/89، وبراعة التأليف ص 84.
ثم قلت: (وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيْحِ الاسْتِثْنَا بِهَا)، أي: الصحيح أَنَّ «لا سِيَّما» ليست من أدوات الاستثناء (1) ، بل هي مضادة له؛ لأَنَّ الذي بعدها داخلٌ فيما دخل فيه ما قبلها ومشهودٌ له بأَنَّه أحقُّ بذلك من غيره (2) . وقد وُجِّهَ قولُ من قال (3) بأَنَّها من أدوات الاستثناء بأَنَّ [3 ب] ما بعدها مُخرَجٌ مما قبلها (4) من حيث أولويته بالحكم المتقدم، فلَمَّا لم يستوِ مع ما قبلها في الرتبة جُعِلَ كأَنَّه مُخرَجٌ (5) . وقد تمَّ الكلام عليها.
(1) ذهب الجمهور إلى أَنَّ «لا سِيَّما» ليست من أدوات الاستثناء، وذهب الكوفيون ومَنْ وافقهم كالأخفش، والزجاج، وأبي حاتم، وابن النحاس، والفارسي، وابن مضاء، والزمخشري، وابن يعيش إلى أَنَّها من أدوات الاستثناء. ينظر الإيضاح العضدي ص 228 والمفصل ص 68، وشرح المفصل 2/85، والارتشاف 3/1549، والمساعد 1/596، وتعليق الفرائد 6/147، وهمع الهوامع 3/291.
(2)
هذا المعنى مفهوم بالبديهة من سياق الكلام، وأيضا لو كانت من أدوات الاستثناء لصحَّ وقوع «إلا» موقعها كما صحَّ في سائر أدوات الاستثناء، وأيضا لو كانت من أدوات الاستثناء لم يصحَّ دخول الواو عليها كما لم يصحَّ دخولها على «إلا» وعلى سائر أدوات الاستثناء. ينظر شرح التسهيل 2/318، والاستغناء ص 111، والمساعد 1/596، وهمع الهوامع 3/292.
(3)
في "ج": وقد وَجَّهَ من قال.
(4)
في "ج": مُخرَجٌ مما قبله.
(5)
الجمهور يرون أَنَّ الجامع بين «لا سِيَّما» و «إلا» ضعيف؛ لأَنَّ خروج ما بعد «لا سِيَّما» من مساواة ما قبلها لا تخرجه عن الحكم المنسوب لما قبلها، فلا يوجب مساواتهما في الحكم. ينظر المغني ص 187، وشرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ص 1049 و 1052.
وقد ختمت الأبيات بالصلاة على أشرف المخلوقات، فقلت (1) :(ثُمَّ الصَّلَاةُ لِلنَّبِيِّ ذِي الْبَهَا)، أي: والصلاة والسلام على النبي المعهود، صاحبِ الحوض المورود، وعلى آله وأصحابه وأهل بيته (2) ومُحبِّيه.
والبهاء (3) : بفتح الباء معناه: الْحُسْن. وفي هذا (4) البيت الْجِنَاسُ بكسر الجيم الْمُحرَّفُ (5)، وضابطه: اختلاف هيئة الحروف (6) ، كقولهم (7)
(1) قوله: (فقلت) ساقط من "د".
(2)
في "د" وآل بيته.
(3)
وردت هذه الكلمة في المنظومة مقصورة للضرورة الشعرية، فقد قُصرت بحذف الألف التي قبل الهمزة؛ لأَنَّها زائدة لغير معنى، فلما حُذفت الألف رجعت الهمزة إلى أصلها، ثم سُهِّلَتْ بإبدالها ألفا. وَقَصْرُ الممدود من الضرورات التي أجمع النحويون على جوازها، وهي من الضرائر الحسنة. ينظر ما يحتمل الشعر من الضرورة ص 107، والإنصاف 2/745، وضرائر الشعر ص 116، وموارد البصائر ص 228، والضرائر للألوسي ص 39.
(4)
قوله: (هذا) ساقط من "د".
(5)
الجناس المحرف في هذا البيت واقع بين كلمتي «البَهَا» و «بِهَا» ، وهو من المحسنات البديعية اللفظية، وقد نتج عنه عيب الإصراف، وهو عيب من عيوب القافية، وهو اختلاف المجرى الذي هو حركة الروي بالفتح مع الضم أو الكسر، وهذا العيب لم يجزه الخليل ولا الحامض، وأجازه ابن جني مع استقباحه له كثيرا. ينظر مختصر القوافي ص 32، وشروح سقط الزند 3/1282 و 1283، والكافي في علم القوافي ص 107، ونهاية الراغب ص 370.
(6)
أي: اختلاف هيئة الحروف مع اتفاقهما في النوع والعدد والترتيب، والاختلاف قد يكون في الحركة فقط كما مثَّل المؤلف، وقد يكون في الحركة والسكون، نحو: البِدْعَةُ شَرَكُ الشِّرْك. وسُمِّيَ هذا الجناس محرَّفا لانحراف هيئة أحد اللفظين عن هيئة الآخر. ينظر الإيضاح في علوم البلاغة ص 538، والمطول ص 447، وكتاب الطراز 2/359.
(7)
ينظر الإيضاح في علوم البلاغة ص 538، والمطول ص 447. والجناس الْمُحرَّف واقع بين لفظتي «البُرْد» و «البَرْد» ، أمَّا الواقع بين لفظتي «جُبَّة» و «جَنَّة» فهو الجناس اللاحق، وهو الاختلاف في نوعي الحرف مع عدم تقاربهما في المخرج. ينظر مفتاح العلوم ص 429، والمطول ص 447 و 448.
: (جُبَّة الْبُرْد جَنَّة الْبَرْد)(1) . انتهى، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا (2) محمد وعلى آله وصحبه وأحِبَّته ومُحِبِّيه (3) ، كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون (4) ، والحمد لله رب العالمين.
تَمَّ نسخها في ليلة الخميس المبارك خلت من الليلة نحوُ ساعة ونصف في شهر جمادى الآخر خلت منه ستة أيام سنة 97، على يد كاتبها الفقير محمود محمد بن الْحِفْنَاوِيِّ (5)
(1) في "د":
…
جَنَّة الْبَراد.
(2)
قوله: (وسلم) وقوله: (ومولانا) ساقط من "د".
(3)
قوله: (وأحِبَّته ومُحِبِّيه) ساقط من "د".
(4)
إلى هنا تنتهي نسخة "ج"، وجاء بعدها عبارة ناسخها التالية: وكان الفراغ من تبييضها يوم الاثنين المبارك لاثني عشر من شهر ربيع الأول يوم مولده الشريف، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، آمين آمين آمين.
(5)
في المخطوطة بين كلمة «بن» و «الحفناوي» كلمة لم أستطع قراءتها؛ لوجود طمس فيها، كما أَنَّ الطمس أثَّر على كلمة «الحفناوي» فاجتهدت في قراءتها واستصوبت أَنَّها كما كَتبْتُ.
المصادر والمراجع
كتاب الإبدال، لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، تحقيق عز الدين التنوخي، مطبعة الترقي، دمشق، 1379، 1380 هـ، نشر المجمع العلمي العربي بدمشق.
كتاب الإبدال، لأبي يوسف يعقوب بن السكيت، تحقيق الدكتور حسين محمد شرف، طباعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1398 هـ، نشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
أدب الكاتب، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية، 1405 هـ.
ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان الأندلسي النحوي، تحقيق الدكتور رجب عثمان محمد، مطبعة المدني بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1418 هـ، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة.
الاستغناء في أحكام الاستثناء، لشهاب الدين القرافي، تحقيق الدكتور طه محسن، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1402 هـ.
إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق الدكتور عبد المجيد دياب، الرياض، الطبعة الأولى، 1406 هـ، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض.
الأشباه والنظائر في النحو، لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
الأصول في النحو، لابن السراج، تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الأولى 1405 هـ.
إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري، تحقيق محمد السيد أحمد عزوز، طبع ونشر عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثامنة، 1989 م.
كتاب الألفاظ والأساليب، أعده وعلق عليه محمد شوقي أمين ومصطفى حجازي، طباعة الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة، 1977 م، نشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
أمالي ابن الشجري، لهبة الله بن علي بن الشجري، تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413 هـ، نشر مكتبة الخانجي، القاهرة.
الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر المكتبة العصرية، بيروت، 1407 هـ.
الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود، دار العلوم الرياض، الطبعة الثانية، 1408 هـ.
الإيضاح في علوم البلاغة، للخطيب القزويني، تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الخامسة، 1403 هـ.
إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لإسماعيل باشا بن محمد أمين البغدادي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1402 هـ.
براعة التأليف في توضيح بعض خفي الإعراب والتصريف، لمحمد بن أحمد ابن جعفر الدمياطي الشافعي، تحقيق الدكتور محمد أحمد العمروسي، الدار الفنية للنشر والتوزيع بالقاهرة، 1408 هـ.
تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدكتور عباس مصطفى الصالحي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، لأبي حيان الأندلسي، تحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1418 1420 هـ.
التسهيل = تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، دار الكاتب العربي 1387 هـ.
التصريح بمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، لمحمد بن أبي بكر الدماميني، تحقيق الدكتور محمد ابن عبد الرحمن المفدى، مطابع الفرزدق التجارية، الرياض، الطبعة الأولى، 1403 1420 هـ.
حاشية الحفني على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، نسخة محفوظة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تحت رقم:1187.
حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، للشيخ محمد الدمياطي الخضري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة، 1359 هـ.
حاشية الدسوقي على المغني، لمصطفى بن محمد الدسوقي، مطبعة المشهد الحسيني، القاهرة، 1386 هـ.
حاشية الصَّبَّان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، مطبوع بهامش شرح الأشموني، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، تأليف الشيخ عبد الرزاق البيطار، تحقيق محمد بهجة البيطار، مطبعة الترقي بدمشق، 1383 هـ، نشر المجمع العلمي العربي بدمشق.
الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، تأليف الدكتور أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979 م.
الخطط التوفيقية = الخطط الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، تأليف علي باشا مبارك، مطبعة بولاق بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1305 هـ.
كتاب الدارات، للأصمعي وياقوت الحموي، تحقيق يسري عبد الغني عبد الله، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1407 هـ.
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، لأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي، تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، مطابع دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لمحمد بن عبد الله بن حميد النجدي، تحقيق بكر ابن عبد الله أبو زيد والدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ.
سفر السعادة وسفير الإفادة، لعلم الدين أبي الحسن علي ابن محمد السخاوي، تحقيق محمد أحمد الدالي، دمشق، 1403 هـ، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لأبي الفضل محمد خليل بن علي المرادي، دار البشائر الإسلامية ودار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1408 هـ.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، تحقيق الدكتور محمود الأرناءوط وعبد القادر الأرناءوط، دار ابن كثير، دمشق وبيروت، الطبعة الأولى، 1406 1414 هـ.
شرح أبيات مغني اللبيب، لعبد القادر بن عمر البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق، دار المأمون للتراث، دمشق وبيروت، الطبعة الأولى، 1393 1401هـ.
شرح ألفية ابن مالك، لابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المعرفة، مصر، الطبعة العشرون، 1400 هـ.
شرح ألفية ابن مالك، لعلي بن محمد بن عيسى الأشموني، عيسى البابي الحلبي، القاهرة
شرح ألفية ابن مالك، لشمس الدين محمد الفارضي الحنبلي، نسخة فلمية محفوظة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم: 7444، والأصل محفوظ في المكتبة الأزهرية تحت رقم:4774.
شرح الأمير على نظم السُّجاعي في «لا سِيَّما» ، تحقيق الدكتور أحمد بن محمد القرشي بحث منشور في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، المجلد 12، العدد 19، شعبان 1420 هـ.
شرح التسهيل، للحسن بن قاسم المرادي، نسخة فلمية محفوظة في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية تحت رقم: ف 8903.
شرح التسهيل، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد والدكتور محمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
شرح الرضي لكافية ابن الحاجب، تحقيق الدكتور حسن بن محمد الحفظي، الطبعة الأولى، 1414 هـ، نشر إدارة الثقافة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
شرح شواهد شرح الشافية، لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وزميليه، مطبوع مع شرح الشافية للرضي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1402 هـ
شرح القصائد التسع المشهورات، لأبي جعفر أحمد بن محمد النحاس، تحقيق أحمد خطاب، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1973 م، نشر وزارة الإعلام العراقية.
شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، لمحمد بن القاسم الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، مطابع دار المعارف في مصر، الطبعة الرابعة، 1400 هـ.
شرح الكافية الشافية، لابن مالك، تحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1402 هـ.
شرح مغني اللبيب، لمحمد بن أبي بكر الدماميني، مطبوع بهامش المنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني، المطبعة البهية بمصر.
شرح المفصل، ليعيش بن علي بن يعيش، تصوير مكتبة المتنبي، القاهرة.
شرح المقدمة الجزولية الكبير، للأستاذ أبي علي عمر بن محمد الشلوبين، تحقيق الدكتور تركي بن سهو العتيبي، الطبعة الأولى، القاهرة، 1413 هـ. نشر مكتبة الرشد بالرياض.
شروح سقط الزند، للخطيب التبريزي وابن السيد البطليوسي وصدر الأفاضل الخوارزمي، تحقيق مصطفى السقا وزملائه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1406 1408 هـ.
شفاء العليل في إيضاح التسهيل، لمحمد بن عيسى السلسيلي، تحقيق الدكتور عبد الله البركاتي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
شواذ القرآن = مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع، لابن خالويه، عني بنشره ج برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة.
الصاحبي، لأحمد بن فارس، تحقيق أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي.
ضرائر الشعر، لابن عصفور، تحقيق السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1980 م.
الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، للسيد محمود شكري الألوسي، شرحه واعتنى به محمد بهجة الأثري، دار الآفاق العربية بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، دمشق، الطبعة الرابعة، 1410 هـ.
كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ليحيى بن حمزة العلوي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400 هـ.
عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للعلامة المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، تحقيق وشرح حسن محمد جوهر والسيد إبراهيم سالم وزملاءٍ لهما، طباعة ونشر لجنة البيان العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1958 1967 م.
عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، لبهاء الدين السبكي، دار السرور، بيروت لبنان، مطبوع ضمن (شروح التلخيص) .
فهرست الكتب النحوية المطبوعة، تأليف الدكتور عبد الهادي الفضلي، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة، لابن عابدين، تحقيق الدكتور حاتم الضامن، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
فوات الوفيات والذيل عليها، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1973 م.
كتاب الكافي في علم القوافي، لأبي بكر محمد بن عبد الملك بن السراج الشنتريني، تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثانية، 1391 هـ، ومعه كتاب المعيار في أوزان الأشعار، للمؤلف نفسه.
الكتاب، لإمام النحاة سيبويه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية، 1402 هـ.
كتاب الكناش في فني النحو والصرف، للملك المؤيد الأيوبي صاحب حماة، تحقيق الدكتور رياض بن حسن الخوَّام، طبع ونشر المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
الكواكب الدرية على متممة الآجرومية، لمحمد بن أحمد الأهدل، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة 1416 هـ.
الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، لنجم الدين الغزي، تحقيق الدكتور جبرائيل سليمان جبور، نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1979 م.
لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، لبنان.
ما يحتمل الشعر من الضرورة، لأبي سعيد السيرافي، تحقيق الدكتور عوض بن حمد القوزي، مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وزميليه، دار سزكين للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1406 هـ.
مختصر القوافي، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود، دار المعارف السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1397 هـ.
المسائل البغداديات، لأبي علي الفارسي، تحقيق صلاح الدين عبد الله السنكاوي، مطبعة العاني، بغداد، 1983 م.
المساعد على تسهيل الفوائد، لبهاء الدين بن عقيل، تحقيق الدكتور محمد كامل بركات، طبع دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1400 هـ.
المصباح المنير، لأحمد بن محمد بن علي الفيومي، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان، 1987 م.
كتاب المطول في شرح تلخيص المفتاح، لسعد الدين مسعود التفتازاني الهروي، الطبعة الأولى، القاهرة، 1330 هـ، نشر المكتبة الأزهرية للتراث بالقاهرة.
معاني القرآن، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، تحقيق محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1403 هـ
معجم المؤلفين، تأليف عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
معجم المطبوعات العربية والمعربة، جمع وترتيب يوسف أليان سركيس، مكتبة الثقافة الدينية، مصر.
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق الدكتور مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، بيروت، الطبعة الخامسة، 1979 م.
مفتاح العلوم، ليوسف بن أبي بكر السكاكي، تحقيق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
المفصل في علم العربية، لجار الله الزمخشري، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية.
المقتضب، للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1399 هـ.
موارد البصائر لفرائد الضرائر، لمحمد سليم بن حسين بن عبد الحليم، تحقيق الدكتور حازم سعيد يونس، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
نظم الفرائد وحصر الشرائد، لمهذب الدين مهلب بن حسن ابن بركات المهلبي، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1406 هـ، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ومكتبة التراث بمكة المكرمة.
النكت في تفسير كتاب سيبويه، للأعلم الشنتمري، تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، الكويت، الطبعة الأولى، 1407 هـ، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في معهد المخطوطات العربية بالكويت.
نهاية الراغب في شرح عروض ابن الحاجب، لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي الشافعي، تحقيق الدكتور شعبان صلاح، مطبعة التقدم، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري، تحقيق الدكتور محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401 هـ.
هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، بيروت.
همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، نشر دار البحوث العلمية، الكويت، 1394 1400 هـ.
المالكيِّ مذهبا، فُتِحَ عليه وعلى جميع إخوانه في الله تعالى.
****
الحواشي والتعليقات
منهج إبراهيم (في الدعوة
كما عرضه القرآن الكريم
د- منظور بن محمد بن محمد رمضان
أستاذ مساعد بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بمكة
ملخص البحث
إن الدعوة إلى الله تعالى من وظائف الأنبياء والمرسلين ومنهاج الصالحين من عباد الله لأنهم صفوة خلق الله، وهي من أهم ركائز الإيمان وأعظم ركن من أركانه، وأمرها وفضلها وخطرها بمكان معلوم، إذ هي بمنزلة الرأس من الجسد والغذاء للبدن، بها بيان الحق ونشر الخير والهدى وتحقق السعادة للبشر، وبها تكشف وسائل الباطل والمنكر وأساليبه الملتوية بشتى الطرق والوسائل، ولقد اعتنى القرآن الكرمي بهذا الركن اعتناء عظيماً واهتم به اهتماماً بالغاً.
فلابد للدعوة والداعية من خصائص وركائز ثابتة وقواعد مؤصلة حتى تسلم من الفشل، ويسلم الداعية من الزلل والميل عن الجادة الصحيحة، لذا يشترك فيها ما يشترك في سائر الأحكام الشرعية من فروض وواجبات ومستحبات.
ولقد كان منهج إبراهيم (في الدعوة إلى الله موضع اهتمام القرآن، ذلك لما اشتملت عليه شخصيته الكريمة من الصفات الحميدة والخصال الكريمة أولاً، ثم ما قامت عليه دعوته على أهم أهداف الدعوة وضوابطها بأساليب نظرية وعملية، وطرق مجدية نافعة، رسم بها الطريق للدعوة والدعاة، وأمر الله تعالى الأمة بالاقتداء به (ليتخذوا طريقته نبراساً لهم يسيرون على منوالها، ودرساً يجعلون الدعوة بها مرغوبة محببة، وبالله التوفيق والسداد.
مقدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الخلق لحكمة عظيمة وغاية نبيلة ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى، واقتضت حكمته أن بعث رسلا مبشرين ومنذرين، ليبينوا للناس حقيقة عبادة الله ليعبدوه على بصيرة وفق ما يشرع لهم، وامتحن الله الرسل بالأمم والأمم بالرسل، ليرسموا بذلك منهج الدعوة وسبيلها الصحيح الذي رسمه الله لهم بقوله:(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ((يوسف 108) على حجة واضحة يتميز بها الحق من الباطل، وبرهان صحيح يقنع الخصم ويهدي إلى سواء السبيل.
ولابد لأصحاب الدعوة إلى الله من هذا التميز ولابد لهم من هذا الاقتداء: (أنا ومن اتبعني
…
((1) فكل من سار من بعدهم على هذا المنهج القويم فهو على منهج الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو ممن عناهم الله بقوله: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
…
((فصلت 33) .
فما دام أنها دعوة إلى الله تعالى فلابد لها من خصائص مميزة وركائز ثابتة وقواعد راسخة حتى تسلم من الفشل، ويسلم الداعية من الزلل والميل عن الجادة الصحيحة.
وإذا نظرنا إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله (وسيرته فنَجِدُ أن الدعوة بمجموعها تدور حول محاور ثلاثة:
أولا: توضيح الأمانة وبيانها للناس ثم أداؤها على وجهها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله:(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينّنه للناس ولا تكتمونه.... ((آل عمران 187)
ثانيا: إقامة الحجة والبرهان، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
…
((فصلت 35) .
ثالثا: إنقاذ الأمة ووقايتها من أسباب الهلاك، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله تعالى:(وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ((آل عمران 103) . وبمجموع هذه المحاور الثلاثة تتم الدعوة على أصولها.
(1) لحواشي والتعليقات
) أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153.
ولقد كان منهج إبراهيم (نموذجا في الدعوة إلى الله وموضع اهتمام القرآن، ذلك لما اشتملت عليه شخصيته الكريمة من الصفات الحميدة والخصال الكريمة أولا، ثم ما قامت عليه دعوته على أهم أهداف الدعوة وضوابطها بأساليب نظرية وعملية، وطرق مجدية نافعة، رسم بها الطريق للدعوة والدعاة، وأمر الله تعالى الأمة بالاقتداء به (سواء كان ذلك في صفاته (الشخصية أو في أساليبه النظرية أو أساليبه العملية، ليتخذوا طريقته نبراسا لهم يسيرون على منوالها، ودروسا يجعلون الدعوة بها مرغوبة محببة.
ولقد نوه القرآن الكريم بمواقفه النبيلة الثابتة، وشهد له بعزيمته القوية الصادقة لا سيما مع أبيه في سبيل دعوته إلى توحيد الله تعالى، إلى أن أُلقِي في النار فأكرمه الله برتبة (الخُلّة) ورفع من شأنه أن ضمه في صف أولي العزم من الرسل، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن هنا كان لهذا الموضوع أهمية بالغة وضرورة ملحة.
أهمية الدعوة وضرورتها:
قال الله (: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ((الأحزاب 72، 73) .
إن الدعوة إلى الله تعالى تعني تحمل الأمانة التي كلف الإنسان بحملها والعمل بمقتضاها ثم دعوة الناس لها، ولذا كانت من وظائف الأنبياء والمرسلين ومنهاج الصالحين المتقين من عباد الله لأنهم صفوة خلق الله، وهي من أهم ركائز الإيمان وأعظم ركن من أركانه، وأمرها وفضلها وخطرها بمكان معلوم، إذ هي بمنزلة الرأس من الجسد والغذاء للبدن والري للعطشان، بها نشر الملة السمحاء التي تمتاز في منهجها ببيان الحق ونشر الخير والهدى وتحقق السعادة للبشر، وتكشف وسائل الباطل والمنكر وأساليبه الملتوية بشتى الطرق والوسائل.
ولقد اعتنى القرآن الكريم بهذا الركن اعتناء عظيما واهتم به اهتماما بالغا،.فذكره في عدة مواضع منه، تارة بذكر آدابه وأساليبه التي يجب اتباعها ضمانا لنجاحها، كما قال تعالى:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ((النحل 125) .
وتارة بذكر قصص الأنبياء مع أممهم المخالفة لأمر الله وما حل بها، كقصة موسى (مع فرعون، قال تعالى: (هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربّه بالوادى المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى ((النازاعات 15- 19) . وقال تعالى: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكرُ أو يخشى.. ((طه 44) .
وأخرى بالحث والترغيب في الدعوة إلى الله، كما قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
…
((يوسف108) . (1) وقال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
…
((فصلت 33) .
لذا فليعلم الدعاة أن في أعناقهم أمانة عظيمة حملهم الله إياها، وهم مسئولون عنها أمامه ولا يُعذرون حتى ولو كانوا في أحرج ظروف وأضيقها، لا سيما في زمن الماديات الذي ترك الناس فيه الدعوة إلى الله وزهدوا عنها بحب الدنيا وإيثارها عليها، فليؤدوها على وجهها، انقاذا للأمة من الضلال في الدنيا ومن النار في الآخرة وإقامة للحجة عليها:(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ((النساء 165) . في يوم لا يقبل فيه عذر ولا تنفع فيه شفاعة قال تعالى: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يُستعتبون ((الروم 57) .
موضوع البحث:
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153.
دراسة الآيات التي تحدثت عن منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم من حيث أهميته وضرورته دراسة موضوعية يتبن من خلالها لكل مسلم عظمة الدعوة إلى الله وضرورتها، وما يجب على كل مسلم تجاهها فيجعلها نصب عينيه ويلتزمها في كل شئون حياته العلمية والعملية، حتى تكون همّ حياته ومصدر سعادة إخوانه اقتداء بالخليل (الذي لم يدخر وسعا أو نصيحة أو أهمل سببا في إرشاد أبيه وقومه.
أهمية البحث:
تظهر أهمية البحث وثمرته من حيث استمداده وموضوعه ومنهجه، ومن حيث تطبيقه وصلته بالمجتمع وحاجته إليه ومدى تحقيقه للأهداف والنتائج والغايات المرجوة من ورائه، وإنّ موضوع (منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم) من أهم الموضوعات التي نحن في أمس الحاجة إليها، لا سيما في زمن فسد فيه معتقد كثير من الناس وتبلبلت أفكارهم تجاه دينهم وشريعتهم، فما حصل أو يحصل من ضعف الوازع الديني أو خروج الناس على أحكام الله أو إهمالهم أوامر الله ونواهيه وتساهلهم في ارتكاب المحرمات إلا بسبب تقصير الدعاة في جانب الدعوة، أو لعدم جدواها لعدم اتباع قواعدها المرسومة وفق شريعة الله تعالى واستلم السفهاء من الناس زمام الغواية، فانتشر الإلحاد والملحدون في المجتمعات البشرية ممن يزعمون العلم والفهم وهم في الحقيقة معاول لهدم الإنسانية وطمس معالم الحق في الناس.
الهدف من البحث:
إن التفسير الموضوعي يختلف عن التفسير التحليلي أو الإجمالي، فمن حيث المراجع العلمية فإنه يعتمد بصورة كبيرة على الاستنباط والتلخيص لما في الآيات من المعاني والإرشادات والإشارات والأسرار القرآنية الدقيقة بعد الرجوع إلى التفسير بالمأثور والمعقول، كما يقول الزركشي:(أصل الوقوف على معاني القرآن التدبر والتفكر، واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كِبر أو هوى أو حب الدنيا أو يكون غير متحقق الإيمان أو ضعيف التحقيق أو معتمدا على قول مفسر ليس عنده إلا علم بظاهر، أو يكون راجعا إلى معقوله، وهذه كلها حُجُب وموانع وبعضها آكد من بعض)(1)
ومن حيث المنهج فإنه يعتمد على الموضوعات القرآنية فحسب.
ومن حيث التحرير والأسلوب فإن المفسر يحتاج إلى تدبر آيات القرآن الكريم وإلى تعمق فكري لمعاني الذكر الحكيم وتذوق للبيان والأسلوب القرآني الرصين، وإلقاء نظرة عامة على جميع الآيات المجمعة من حيث تأليفها وترتيبها واستنباط العلاقة بينها وربط عناصر الموضوع بعضه ببعض، ثم سبك هذه المعاني في قالب من الحقائق مترابطة متصلة مثل سلسلة الذهب للخروج بنظرية قرآنية جديدة.
وهذا يتأتى (إذا كان العبد مُصْغِيا إلى كلام ربّه ملقى السمع وهو شهيد القلب لمعاني صفات مخاطبه ناظرا إلى قدرته تاركا للمعهود من علمه ومعقوله)(2) فإنه يفتح الله عليه أبواب معرفته بحيث يقف على أسرار عظمة كتاب الله تعالى.
ويمكن تلخيص بعض أهداف هذه الدراسة في النقاط التالية:
(1) البرّهان في علوم القرآن للزركشي ج2/180.
(2)
البرّهان في علوم القرآن للزركشي ج2/181.
تحقيق مبدأ النصيحة التي يقوم عليها أساس جلب الخير ودفع الشر عن البشر، والتواصي بالحق وبالصبر امتثالا لقول الله تعالى:(والعصر إن الإنسان لفي خُسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ((العصر) ولقول النبي (: (الدين النصيحة) قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟، قال:(لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(1) .
جمع ما يتعلق من الآيات بموضوع البحث في مكان واحد، ثم البحث والنظر فيها من زاوية قرآنية محددة، ثم دراستها دراسة موضوعية وافية مركزة منحصرة على ما يتعلق بالموضوع شاملة لجوانبه من حيث بيان ما يتعلق بموضوع (منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم) وضرورته، ومن حيث منهج الآيات في عرض الموضوع، دراسة موضوعية على نمط يغاير نمط الموضوعات العامة، بعيدا عن الإطالة المملة، ثم تفسير الآيات تفسيرا موضوعيا من كتب التفسير بالرواية والدراية، ثم من كتب السنة على أساس وحدة واحدة مترابطة.
تأصيل البحث بالقرآن الكريم وبالسنة الصحيحة ومن واقع منهج السلف في الدعوة.
إخراج هذا الموضوع- الذي لم يسبق أن كتب فيه حسب علمي- بمنهج التفسير الموضوعي، بأسلوب سهل ميسر، وإيصاله إلى مسامعهم بوضوح تام ليسهل عليهم فهمه وإدراكه ثم السير على نهجه دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وإرشادا ونصحا بالتي هي أحسن.
معذرة إلى الله بإقامة حججه ونصب براهينه على الناس وإيقاظهم وتنوير بصائرهم وإقناعهم وتنبيههم من غفلتهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
بيان أهمية موضوع الدعوة إلى الله تعالى لا سيما في زمان تزعزعت فيه العقيدة وتذبذبت الأفكار وترك الناس الدعوة إلى الله زهداً عنها بتقديس المادة وبحب الدنيا وإيثارها عليها.
منهج الآيات في عرض الموضوع:
إنّ منهج الآيات بمجموعها وحسب تناولها للموضوع دارت على محورين رئيسيين:
(1) صحيح مسلم ج1/74.
المحور الأول: تكلمت عن أساليب دعوة إبراهيم (النظرية.
المحور الثاني: تكلمت عن أساليب دعوة إبراهيم (العملية.
أما منهجي في عرض الموضوع، فإنني ذكرت الآيات التي تناولت الأساليب النظرية والعلمية في الدعوة وما يتعلق بها، وتفسير الآيات وبيان ما بينها من الصلة والترابط، وذكرت ما فيها من الفوائد والآداب والإرشادات والتوجيهات الربانية الكريمة، مدعما ذلك بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية الشريفة.
خطة البحث:
اشتمل البحث على: مقدمة، وفصلين، وستة عشر مطلبا.
المقدمة: وفيها بيان فضل الموضوع، أهمية الدعوة وضرورتها، موضوع البحث، أهمية البحث، الهدف من البحث، التعريف بمسمى البحث.
الفصل الأول: صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة.
ويشتمل على توطئة وأربعة عشر صفة.
الفصل الثاني: أساليب إبراهيم (في الدعوة كما عرضها القرآن الكريم.
ويشتمل على توطئة ومبحثين وستة عشر مطالبا:
المبحث الأول: الأساليب النظرية
وتحته أربعة مطالب:
المطلب الأول: الاستعطاف، الثاني: أسلوب المناظرة والمحاجة، الثالث: استثارة الخصم، الرابع: المعاريض.
المبحث الثاني: أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة.
ويشتمل على توطئة واثني عشر مطلبا كالتالي:
المطلب الأول: القدوة، الثاني: اللين أولا ثم الشدة، الثالث: الابتداء بالأهم، الرابع: الابتداء بالأقربين، الخامس: التحدي، السادس: تحطيم الأصنام، السابع: الهجرة، الثامن: المفاصلة والموادعة، التاسع: المبادرة بامتثال أمر الله ببناء البيت، العاشر: المبادرة بامتثال أمر الله بذبح ابنه، الحادي عشر: الدعاء والتضرع إلى الله، الثاني عشر: دروس وعِبَر عَبْرَ قصة الخليل إبراهيم (.
* * *
منهج إبراهيم (في الدعوة كما عرضه القرآن الكريم
تعريف المنهج:
قال ابن فارس: النون والهاء والجيم أصلان متباينان:
الأول: النهج الطريق، ونهج لي الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج.
والآخر: الانقطاع وأتانا فلان ينهج إذا أتى مبهورا منقطع النفس
…
(1)
ولعل صلة المعني بهذا الأصل واضحة وهو ما سبق ذكره من حيث بذل الداعية قصارى جهده في إبلاغ الدعوة حتى ينقطع به النفس من شدة البلاغ، وتتفطر قدماه فيبقى مبهورا. من شدة السعي والمسارعة في حضور مجالس القوم ونواديهم وأماكن تجمعاتهم كما كان حال رسل الله. والله أعلم.
والمَنْهَجُ والمنهاج: الطريق الواضح، وكذلك النَهْجُ، قال تعالى:(لكلٍ جعلنا منكم شِرْعَةً ومِنْهَاجَا ((المائدة 48) . وأنْهَجَ الطريقُ أي: استبانَ وصار نَهجَا واضحا بَيِّنا، ويقال: فلان يَستَنهِجُ سبيلَ فلان، أي: يسلُكُ مَسلَكَه (2) .
فالمنهج: الطريق المستقيم الواضح فى الدين (3) .
تعريف الدعوة:
الدعوة: مأخوذة من الدعاء، وهو النداء إلى الشيء والحث على قصده، قال تعالى:(والله يدعو إلى دار السلام ((يونس 25) . (4) ، والمراد هو جمع الناس على الخير ودلالتهم على الرشد بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
قال ابن تيمية: الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره والدعوة إلى أن يعبد العبد ربّه كأنه يراه (5) .
والداعية: هو الذي يدعو إلى الله تعالى على بصيرة.
فالمقصود مِن منهج إبراهيم (في الدعوة: هي الطريقة والسبيل الذي اتخذه وسلكه مع أبيه وقومه في دعوتهم إلى ربّه تبارك وتعالى.
الفصل الأول:
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ج (ن هـ ج) .
(2)
الصحاح للجوهري ج1/346، المعجم الوسيط لإبراهيم أنيس ورفاقه (957) .
(3)
أحكام القرآن للقرطبي ج6/211، روح المعاني للألوسي ج2/153.
(4)
انظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب (315، 316) .
(5)
مجموع فتىًاًوى ابن تيمية ج15/157.
دراسة الآيات المشتملة على صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة
الآيات المشتملة على صفات إبراهيم (في الدعوة:
قال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين، إنّ أولى الناس بِإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين ((آل عمران 67، 68) . وقال تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا ((النساء 125)، وقال تعالى:(إنّ إبراهيم لأواه حليم ((التوبة 114) . وقال (: (إنّ إبراهيم لحليم أواه منيب ((هود (75) . وقال (: (إنّ إبراهيم كان أمّةً قانِتَا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع مِلَةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 120- 123) . وقال: (: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((مريم 41-47) . وقال: (: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) . وقال: (: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ((الأنبياء 68) .وقال: (: (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين ((الشعراء 78- 80) .وقال: (: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربّه إليهم قال ألا تأكلون ((الذاريات 24-27) .
الفصل الأول: صفات إبراهيم (وأثرها في الدعوة:
توطئة:
إنّ الإسلام في حد ذاته منبع نور وهداية للبشرية، يرى وجوبا أن تتم الدعوة إليه من خلال التطبيق الصحيح له قبل الدعوة إليه بالقول، ويقتضي ذلك الالتزام التام به ظاهرا وباطنا، والتمسك به علماً وعملا، والتحلي بصفاته وآدابه تطبيقا واقتداءً، والدعوة إليه بذلا ونصحا، ولا أدل على ذلك من محمد (.وأصحابه الذين ساروا على نهج إبراهيم (مع الأمم كما قال الله تعالى:(إنّ أولى الناس بِإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين ((آل عمران 68) .
إذ إن من أسباب مقت الله وغضبه ومن فشل الداعية ودعوته مخالفة الداعية واقعه ومبدأه ومنهجه، ولا أقرب مثلا من أهل الكتاب ومن سار على نهجهم من أهل هذا الزمان من المنتسبين إلى الإسلام حين خالفوا منهج الخليل إبراهيم (فكذبهم الله في دعواهم، فقال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ((آل عمران 67) .
وإنما كان (مثالا للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله، وإماما يُقتدى به في الخير لاستجماعه خصالها وكمالها، كما قال الله (عنه: (إنّ إبراهيم كان أمّةً قانِتَا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع مِلَّةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 120- 123) .
هذه الآيات الكريمات حين تصف الخليل إبراهيم (بهذه الصفات الجليلة العظيمة، تتضمن أسرارا قرآنية عظيمة، وانطوى تحتها مباني ثابتة متينة لتشيد للدعاة معالم بارزة يهتدون بها في ظلمات الجهل والجهالات لئلا يضلوا، جدير بنا أن تكون لنا وفقة تأمل وتعقل عند كل صفة منها، وهي أربعة عشر صفة:
1-
قال (: (إنّ إبراهيم كان أُمّة (:
صفة صغيرة المبنى كبيرة المعنى قليلة الحروف كثيرة الصروف، صفة جمعت جميع خصال الخير وعناصر الفضيلة وكماله، لأنها من كلام الله لتوفي بالغرض على أتم الوجوه وأبلغها: فهو إمام الخير ومعلمه، كان يوحد الله من بين سائر الناس، وعاملا بما عَلَّمَه الله من الشرائع، كما قال تعالى:(إني جاعلك للناس إماما ((البقرة 124) . (1) فهو كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: كان عنده (من الخير ما كان عند أمة وجماعة كثيرة،.فإطلاقها عليه (لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد إلا متفرقة في أمة كثيرة، وكل هذه المعاني تنطبق عليه (2) .
فهو (خير أهل دينه، جمع من خصال الخير وكمالاتها الحسية والمعنوية ما يعدل بها أمة كاملة،.فهو قد نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك، كما قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ((البقرة 133) . وقال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وكانوا لنا عابدين ((الأنبياء 73) . أي: قانتين مطيعين خاضعين.
2-
قال (: (قانتا لله
…
(:
مطيعا خاضعا قائما بأمر ربّه على الوجه الأكمل والأمثل مؤمنا وحده والناس كلهم كفار، داعية إليه مستجمعا لشروط الكمال في نفسه داعيا إليها غيره، مستقيما على دين ربّه حنيفا غير مشرك مثل قومه (3)
(1) انظر جامع البيان للطبري ج14/190، وأحكام القرآن للقرطبي ج10/197.
(2)
روح المعاني للألوسي ج5/249.
(3)
أحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 10/197، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202.
ويؤيد هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود (أنه قال: (يرحم الله معاذا!، كان أمة قانتا، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إنما ذكر الله عزوجل بهذا إبراهيم (، فقال ابن مسعود: إن الأمة الذي يعلم الناس الخير، وإنّ القانت هو المطيع، وهذا وجه حسن في الآية، لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يُؤتم به معاني القرآن ج4/111، والمراجع السابقة.
فيستفاد من هذا الحديث: أن كل من اتصف بهذه الصفات التي اتصف بها الخليل إبراهيم (فإنه يشمله هذا الفضل العظيم، وأنه أهل ليكون داعيا إلى الله تعالى.
3-
قال (: (حنيفا ولم يك من المشركين
…
(:
أهلا للدعوة إلى الله لاستقامته في نفسه ومقيما غيره على ملة الإسلام استقامة تامة كاملة بعيدا عن الهوى والمطالب النفسية، فهو (لم يمل إلى دين سوى دين الإسلام،.ولم يشرك بالله قط: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ((آل عمران 67) فيه إعلام من الله تعالى لكل من خالف منهج إبراهيم (كائنا من كان قريبا أم بعيدا، بأن إبراهيم (بريء منه وأنهم منه بُرءاء. (1) .
حقا إنّ نعمة الاستقامة على التوحيد والسلامة من الشرك ليستوجبان شكر الله تعالى، فإذا مَنّ الله على العبد بنعم وجب عليه شكرها وتوجيهها إلى منعمها
4-
قال (: (شاكرا لأنعمه
…
(:
شاكرا شكرا دائما كاملا موصولا مستزيدا غير مودع ولا معرض عما أنعم الله عليه من صغير النعم وكبيرها جديدها وقديمها أولها وآخرها ظاهرها وباطنها: (لئن شكرتم لأزيدنكم ((إبراهيم 7) فكان من آثار ذلك الشكر أن (اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.... (
ونتيجة جهاده في الله حق جهاده، وقنوته وإخلاصه وشكره لربّه، زاده الله من كل ضروب الخير والفضل والنعم، كما قال تعالى:(وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِنَ الصالحين ((النحل 121، 122) . أي: وهبه حسنات كثيرة عامة شاملة لا تختص بنوع معين حسنات بكل معانيها.
فمن هذه الحسنات الموهوبة: الولد الصالح، والثناء الحسن فى الدنيا حتى إن أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه، وأما لسان الصدق والنبوة فلا يوازيهما حسنة، كما قال تعالى حكاية عنه:(رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين ((الشعراء 83، 84) .
(1) جامع البيان للطبري ج14/190، 191، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 10/197، 198، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202.
ومن هذه الحسنات الموهوبة: شكر الخليل (نعم ربّه ابتداءً وختاما ظاهرا وباطنا سرا وعلنا، خالصا مخلصا موصولا عدلا خضوعا واستكانة تعبدا ورقا لرب العالمين مولي النعم، غير مشرك في شكره شريكا من الآلهة والأنداد كما يفعل المشركون، سائلا ربّه في أن يوفقه لذكره وشكره وحسن عبادته حتى يكون أهلا لجنته ودار كرامته التي لا لغو فيها ولا تأثيم قائلا: (واجعلني من ورثة جنة النعيم ((الشعراء 85) . (1) نعمة ونعيما وحبرة وقرة عين بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
المقام مقام دعوة وإرشاد ولا يخلو من استفزازت وانفعالات وتشنجات، وإبراهيم (بشر رسول قد يثور ويغضب على جهالة الجهال وسفاهة السفهاء، والحلم سيد الأخلاق ومن لوازم الدعوة الأناءة والصبر، والتحمل من أصولها.
5-
قال (: (إنّ إبراهيم لَحلِيمٌ أواه منيب (
الخليل (أقدر على حزم نفسه وضبط أعصابه، ليصفح عن جهالات الناس ويصبر على أذاهم، فهو لم يعاقب قط إلا في الله ولم ينتصر إلا لله، لأنه طبع على أحب الصفات إلى الله وهي: الحلم وكرم الأخلاق والطمأنينة والتؤدة، فأصبحت من صفاته الخِلْقية والخُلُقية (2) ولكن قد يعجز عنها أصحاب الدعوة، فما أجدر بهم أن يقتدوا بإمام الدعوة والدعاة الخليل (.
ومن آثار حلمه: توجعه وتألمه على كفر أبيه وقومه وأذيتهم له، ولم يستعجل لهم بالعقوبة والعذاب على حين أن حالهم يستوجب إحلال العذاب بهم.
6-
قال (: (أوّاه.... (:.
(1) انظر جامع البيان للطبري ج14/190- 193، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/86، 133، 10/197، 198، وفتح القدير للشوكاني ج1/133، 3/202.
(2)
وفي هذا يقول النبي (لأشج عبد القيس (: (إنّ فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناءة) .صحيح مسلم ج1/48.
حين يتذكر حرمان أبيه وقومه من نعمة الإيمان ومن نعمة نعيم الجنة، يتذكر عاقبة الذين أساؤوا من قومه السوأى فتذهب نفسه عليهم حسرات، يتوجع على عاقبتهم بدخولهم النار ويتأوه على سماجة رأيهم وسفاهة عقلهم، ولكن لا ينفع الأسى على قوم كافرين، فيطلب من ربّه تبارك وتعالى الصبر والسلوان بكثرة تلاوة كتابه والإنابة والخشوع له، ويبتهل بالدعاء والتضرع إليه سبحانه وتعالى مقرا بالضعف والاستكانة (1) .
7-
قال (: (مُنِيب
…
(:
إنابة وافتقار إلى الله تبارك وتعالى من قدوة الدعاة الخليل (في طلب المدد والعون والسداد في كل الشئون، وتفويض لحال قومه إلى الله، فإنه لا غنى للعبد عن مولاه طرفة عين أو أقل من ذلك، لا سيما في أمر الدعوةِ إلى الله.
فمهما بلغ تمكن العبد وتمكينه ومهما أعطي من قوة واقدام واستكملت لديه قوام الحياة وعناصر السعادة، فلا يزال الضعف والعجز يلازمه، ومهما بلغ من العلم والفهم والذكاء فإن النقص لا يفارقه، إلا من ركب مركب الصدق وتوجه به إلى الله في مغالبة الصعاب بعزيمة صادقة ونية خالصة:(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصِدّقون والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم ((الحديد 19) .
قال (: (إنه كان صديقاً نبياً (:
قال الزمخشري أي: (كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء وبليغا في الصدق)(2) وذكرت هذه الصفة هنا مقترنة مع النبوة لكونه (كما قال الراغب: (صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ((3)
(1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج8/275.
(2)
تفسير الكشاف للزمخشري ج3/17.
(3)
مفردات ألفاظ القرآن للراغب (479) .
فلا عجب أن يذكر الله تعالى خليله إبراهيم (في معرض كمال الصدق ونهايته، كما يُفهم من معاني الآية الكريمة حيث عبر بصيغة المبالغة، فقال: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ((مريم 441) فإنّ الصدق ملاك أمر النبوة ومن لوازم الدعوة ومن أخص صفات الداعية، وقد جعله الله من كمال الإيمان، فقال:(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون.... ((الحدديد 19) وجعله من مؤيدات النبوة والرسالة، فقال:(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ((الحديد 25) وقال: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة ((يوسف 108) . (1) وأمر به فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ((التوبة 119) لأنه مفتاح الخلة وباب الرضى ورَحبَة الثقة والمودة.
9-
قال (: (واتخذ الله إبراهيم خليلا
…
(:
منزلة الخُلة منزلة رفيعة عظيمة عالية، وهي والصدق توءمان كل منهما يختبيء في الآخر لينوب عنه، ولم تحصل هذه المرتبة إلا للخليلين: محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
ولنقف عند هذه الصفة العظيمة لنستشف بعض معانيها الجليلة وأسرارها اللطيفة:
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج1/233، 5/272، وفتح القدير للشوكاني ج3/335.
فهو السخي الكريم وهو الذي أحب الله حبا حتى تخلل قلبه بمحبة الله فلم يدع فيه فراغا إلا ملأه بحب الله حتى أحبه الله، فوالى في الله وعادى في الله،.روي أنه لما رمي فى النار بالمنجنيق وصار في الهواء، أتاه جبريل (فقال: ألك حاجة؟، قال: أما إليك فلا، فَخُلَّةُ الله لإبراهيم (: نصرته إياه (1) .
فلما تأتي النتائج مرضية والعواقب حميدة، فتجيش رحمة الله على عباده بالإنعام والتفضل والاكرام، فإبراهيم (يحوز عمله القبول وجهاده الرضى، فيفيض المولى عليه بِخِلع الرحمة والرضوان والقبول، قال تعالى: (وناديناه أن يا إيراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين ((الصافات 104، 105) فيمنح الجليل الجزيل: فيتخذ إبراهيم خليلا.
10-
(السخاء والكرم) :
قال تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين
…
((الذاريات 24- 27) .
(1) جامع البيان للطبري ج17/45، وذكره القرطبي في أحكامه ج5/400. قال (:(اتخذ الله إبراهيم خليلا: لإطعامه الطعام، وإفشائه السلام، وصلاته بالليل والناس نيام) ذكره القرطبي في أحكامه ج5/401. وفي الحديث: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالِل) أخرجه أبو داود في سننه ج4/259، والترمذي في جامعه ج7/49، قال المنذري: وقد ضعفه بعضهم ورجح بعضهم إرساله مختصر سنن أبي داود ج7/186، وصححه النووي. في رياض الصالحين ج1/287.
وانظر تفسير الطبري ج5/297، 17/45، أحكام القرآن للقرطبي ج5/400، 401، 9/64- 68، 11/303، 17/44، 45، وفتح القدير للشوكاني ج1/519، 5/87، تفسير ابن كثير ج4/235، روح المعاني للألوسي ج9/11، في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3382.
والمنجنيق: آلة قديمة من آلات الحِصار، كان يرمى بها الحجارة الثقيلة عن بعد على الأسوار فتهدمها المعجم الوسيط (855) .
الضيافة من مكارم الأخلاق ومِن آداب الإسلام، ومِن خُلق النبيين والمرسلين وعباد الله الصالحين، وهي كرم وبذل حفاوة وتكريم، تستمال بها النفوس وتجتذب وتعطف بها القلوب وتؤلف، والدعوة كذلك بذل للمعروف لين في الكلام سخاء في الأخلاق، والضيف عزيز كريم.
ولذا كان إكرام بعض الناس فى العطاء سببا في إسلامهم، كما روي عن أنس (أن رجلا سأل النبي (غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم! أسلموا فوالله إنّ محمدا ليعطي عطاءً من لا يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها (1)
واعطى يوم حنين صفوان بن أمية (مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، فقال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله (ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يُعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ (2) .
وقفة لا بد منها: يجب أن يعلم الداعية أن يكون عطاؤه ومنعه لله تعالى فحسب، لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد والعدو والصديق (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ((النساء 135) .
ولا بد أن يكون في حسبانه بأن المال مدعاة للمؤاثرة إن لم يراقب الله فيه، أسوة برسول الله (لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، فلا يهمه إرضاء قريب أويزعجه غضب صديق أو يثيره شر من أحسن إليه، فلا بد من الصبر والتحمل في ذات الله تعالى ليتحقق المنع والعطاء لله وحده.
11-
(الصبر والتحمل) :
إنّ الصبر والتحمل لمن أبرز صفات الداعية وأوجبها ومن أصول منهج الدعوة وأسسها وآدابها،، فمن فقد الصبر فقد الدعوة، فلا يكمل الداعية ولا تتم الدعوة بدون صبر واصطبار.
(1) صحيح مسلم ج4/1806.
(2)
صحيح مسلم ج4/1806. وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج9/64، 68، 17/44، 45، روح المعاني للألوسي ج5/250، 9/11، في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3382.
وأَمَرّ الصبر وأشده صبر عباد الله المخلصين على حقوق الله وحدوده حين يعتدى عليها.
لقد ناظر إبراهيم (قومه في بطلان أمر آلهتهم وألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب، ولكن نظراً لمكانة الآلهة وعظيم شأنها عندهم، ونظراً إلى كبير ما ارتكبه إبراهيم (في حق آلهتهم في نظرهم قالوا: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ((الأنبياء 68) . شعور بالعجز والضعف أمام الحق، وتلك سمة الطغاة قديماً وحديثاً، فالذي يتعدى على الآلهة يعاقب بأفظع العقاب وأشده وهو النار.
ذكر ابن كثير عن بعض السلف أنه عرض لإبراهيم (جبريل وهو في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا وأمَّا إلى الله فبلى، وروي أنه قال: (اللهم! أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبى الله ونعم الوكيل)، وفي رواية قال:(لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ((1)
وهنا تتجلى شخصية إبراهيم (المطبوعة على الحلم والصفح والصبر والتحمل، فإن القوم لم يتركوا باباً من الأذية والتعذيب إلا طرقوه، ولكنه (لم يغضب فيفقد برّه وأدبه مع أبيه، ولم يَدْعُ على قومه بالهلاك مع استحقاقهم لذلك، ولكن فوض أمرهم وأمره إلى الله تعالى.
12-
(توكله على الله) :
لا حول ولا قوة للعبد مطلقاً لا سيما فيما لا يقدر عليه غير الله، من: الهداية والإيمان والرزق والنفع والحياة السعيدة، ويتجلى هذا الخلق النبيل في حياة إبراهيم (حينما يفوض أمر دفع ضّر المرض وجلب نفع الشفاء وأمر الرزق والمعاش وأمر الحياة والأجل والعمر إلى ربّه سبحانه بقوله:(الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين ((الشعراء 78- 80) .
(1) تفسير ابن كثير ج3/184.
يقف سيد قطب تحت ظلال هذه الآيات فتتجلى له أسرارها فيستنبط: بما لأجله يصف الخليل (ربّه تبارك وتعالى في هذه الآيات وبما لأجله يفتقر الخلق إليه سبحانه، وبما لأجله يستحق العبادة من عباده، (الذي خلقني فهو يهدين (أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم فهو أعلم بحقيقتي وتكويني، وحالي ومآلي، ويرشدني وحده إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور مصالح الدين والدنيا والمعاش والمعاد، هداية متصلة من حين نفخ الروح إلى منتهى أجلي، {والذي هو يطعمني ويسقين} فهو الكفيل بأمر الرزق وهو الذي يطعم ويسقي اختصاصاً وملكاً ولا أحد سواه، (وإذا مرضت فهو يشفين (أدب مع الله فلا ينسب مرضه إلى ربّه وهو يعلم أنه بمشيئة ربّه يمرض ويصح، ولكنه يذكر ربّه في مقام الإنعام والإفضال، ولا يذكره في مقام الابتلاء والامتحان (والذي يميتني ثم يحيين (وكان قومه ينسبون الموت إلى الأسباب، إنه التوكل والاستسلام المطلق الشامل واليقين الكامل من قلب قوي قد امتلأ صدقاً وطمأنينة وثقة بالله (1) .
وإن من آثار توكله على ربّه المحض قوله حين عرض له جبريل قائلاً: ألك حاجة؟ إن لحظات الكَربِ والمصيبةِ لحَظَاتٌ عصيبَةٌ، ومِنْ شأنِ المكروب افتراص لحظات الفرج، لكن الخليل (لعظيم إيمانه وثقته بربّه كان جوابه من فوره دون تردد أو تفكير أو تريث:(أمّا إليك فلا) .
فكانت نتيجة هذا التوجه العظيم إلى الله في أشد حالات الكرب والشدة: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (. (الأنبياء 69) .وتَضَامَن الأب مع القوم: (وأرادوا به كيداً (. (الأنبياء 70) . ومع ذلك لم يفقد برّه بأبيه وعطفه على قومه حتى في أحرج الظروف: (فجعلناهم الأخسرين ((الأنبياء 70) .
13-
(برّه بأبيه) :
(1) انظر في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2603.
بر الوالدين حق ثابت واجب مطلقاً لا يسقط حتى في حال كفرهما، قال تعالى:(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ((النساء 36) وفيه ترويض للنفس على اكتساب الأخلاق الحميدة وتطبيع النفس على تحمل المضايقات ومشاق الدعوة، ففيه ما في الدعوة من المشقة والعناء، قال تعالى:(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((مريم 42- 45) .
يظهر لنا من خلال هذه الصورة كمال برّ إبراهيم (وحلمه، في ألفاظه وتعبيراته وفي تصرفاته في مواجهة قسوة أبيه، حين يخاطبه بألفاظ تُنبيء عن غاية الشفقة والعطف والبر والتعظيم، كما هو شأن الأبوة وحقها الواجب على الأبناء، ليهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، فيقول: (يا أبت
…
يا أبت (.
إلا أن هذه الدعوة بأحبّ الألفاظ وأرقّها لا تجد منفذاً إلى القلب القاسي، بل تقابل بالاستنكار والتهديد بألفاظ شديدة اللهجة: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً (ابتعد عنى سالما، إنذار لك بأشد العقوبات وبالموت الشنيع الفظيع إن أنت أصررت على هذا الموقف.
فيظل الرضّي الحليم حليماً ليكون قدوة حسنة ومثالاً يحتذى به في البرّ والدعوة، مجانبا لأسباب الغضب غير جبان أو خائف فيلين جانبه للتهديدات، هكذا الداعية وهكذا تكون الدعوة مقرونة بالشجاعة (1) .
14-
(الشجاعه) :
(1) انظر تفسير ابن كثير ج3/123.
إن الشجاعة للرجال من أوصاف الكمال والجمال لا سيما الأنبياء والرسل منهم، وإن تغيير المنكر يحتاج إلى قوة وشجاعة وثبات ولربما لحق الداعية من الضرر والأذى إذا كان الخصم جباراً غشوماً ظلوما، فإذا ما وقف العناد والمكابرة في وجه الحِيَلِ والطرق المؤدية إلى بيان الحق فلا مفر من إثبات الحق وإعلائه ولا محيد عن إبطال الباطل ودحضه وإلزام الخصم وإفحامه.
فلما تبين آخر المطاف رفض قوم إبراهيم (قبول الحق، قارعهم وأعلن الحرب عليهم ونازلهم، فلم يهب من الطغاة الجبابرة بطشهم وجبروتهم في إبلاغ دين الله، بل أعلن بكل شجاعة وإقدام وقوة وبسالة، مُوطنا نفسه على مقاساة المكاره للذب عن دين الله، غير مبالٍ بنفسه قائلا: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) .
هذه بعض صفات الخليل إبراهيم (التي كان لها الأثر البالغ في الدعوة إلى الله تعالى.
وكل صفة من هذه الصفات لها مغزى ومعنى عميق، يجب على الداعية تدبرّها والوقوف عندها واستنباط ما فيها من عبر وعظات ونصائح وإرشادات، حتى يعرف مكانه من الدعوة. ومكان الدعوة منه، والله أعلم.
الفصل الثاني:
أساليب إبراهيم (في الدعوة كما عرضها القرآن الكريم
المبحث الأول:
دراسة الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (النظرية في الدعوة
الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (النظرية في الدعوة:
قال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ((البقرة 258) . وقال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة، إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جنَّ عليه الليل رأىكوكباً قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربك حكيم عليم ((سورة الأنعام 74- 83) . وقال تعالى: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً، قال سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا ((سورة مريم 42- 45) . وقال تعالى: (فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا
فتى يذكرهم يقال لله إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون، قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟ (. (الأنبياء 62، 63) . وقال تعالى: (فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم (. (الصفات 88، 89) .
الفصل الثاني:
(أساليب إبراهيم (النظرية والعملية في الدعوة)
المراد بالأساليب هي الفنون والطرق المختلفة التي يسلكها الداعية حسب التيسير والنفع، والمقصود بها هنا: الفنون والطرق التي سلكها إبراهيم (فى الدعوة إلى الله تعالى (1) .
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: الأساليب النظرية:
والمقصود بالأساليب النظرية: هي الفنون أو الطرق التي تخضع للدراسة والتلقي والتعليم والبحث والتأمل المجرد عن التطبيق والتجارب العملية ووسائلها.
وتحته أربعة مطالب:
المطلب الأول: (الاستعطاف)
الاستعطاف هو العطف واستمالة القلب، قال الراغب: هو الميل والشفقة، يقال: عطف عليه وثَناهُ عاطِفَةُ رَحِمٍ (2) .
(1) مفردات الراغب (419) والصحاح للجوهري ج1/149، المعجم الوسيط (441) .
(2)
مفردات الراغب (572) ، وانظر الصحاح للجوهري ج4/1405.
ويأتي الاستعطاف في طليعة الأساليب النظرية لأنه مطلب أساسي مهم في معاملة الناس لكي يتقبلوا ما يقال لهم وهو قرين اللين، فقد يتغافل الداعية عنه حينما يغوص في أعماق الدعوة ويأخذه شيء من الحماسة والانفعال والغضب لله ولرسوله (، فلا يقبح ولا يجهل ولا ينتقص ولا يتعالى، وليكن الخليل (قدوته حينما تأدب مع أبيه- على حين صدر من أبيه ما صدر- بقوله: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ((مريم42، 43) . فلم يصفه بالجهل وإن كان هو كذلك، ولم يصف نفسه بالعلم الفائق وإن كان هو كذلك.
وإن من معاني الاستعطاف تذكير العبد بفضل المنعم المتفضل حتى يصرف شكره له لا لغيره، كما نهى الخليل (أباه عما هو عليه من الضلال والغواية، وذكره بفضل الله عليه فقال: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمَسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً (. (مريم 44، 45) .
ولذا عُدّ الاستعطاف من صفات الداعية الناجح الذي كثيرا ما يجذب القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة ويأتي بالخير بدلا من الزجر والتأنيب والتوبيخ، فإن قانون الدعوة ليس منحصرا في شخصية معينة وإنما هو علم ومعرفة وهداية وفيض رباني، فيقول:(فاتبعني أهدك صراطا سويا (. (مريم 43) فلا غضاضة في أن يتبع الوالد ولده إذا كان على نور وهداية من الله وعلى اتصال بالله.
وهذا ما يجب التنبيه به على الداعية أسوة بالخليل (الذي لم يغب عن باله مبدأ الاستعطاف فلم يفقد برّه بأبيه فيغلظ له في القول ولم يغضب فيتجاوز حدود التوقير، مع ما لقي من الاستنكار والوعيد بأشد العقوبات: (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً ((مريم 46) .
ولا يكن الاستعطاف كافيا أو الاستنكار والوعيد مانعا من مواصلة الجهد، كما أن الخليل (مع إعراض أبيه وغلظته لم يقطع أمله ولم يقلل من وعظه ونصائحه حتى في ثنايا تخويفه بل قال:(سلام عليك سأستغفرلك ربي إنه كان بي حفيّا (قلبه ليهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، فخاطبه بألفاظ مفعمة بالتبجيل والتعظيم: (يا أبت..يا أبت (. (1) .
المطلب الثاني: (أسلوب المناظرة والمحاجة)
المناظرة والمحاجة كما يقول السيد الجرجاني: "قريبتا المعنى، وهي: النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب"(2) .
قال القرطبي: "دلت الآيات على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة، وفي القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمله، فهو كله تعليم من الله السؤال والجواب والمجادلة في الدين، لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل، وجادل النبي (أهل الكتاب وباهلهم (3) ، وتجادل أصحاب النبي (يوم السقيفة وتدافعوا وتناظروا حتى ظهر الحق وصدر ونفذ في أهله وغير ذلك، فالاحتجاج بالعلم والأدلة مباح وشائع. قال تعالى: (فَلِمَ تُحاجّون فيما ليس لكم به عِلْم ((آل عمران 66) ". (4) .
وأمر الله تعالى نبيه (أن يجادل بما أوحى إليه، فقال: (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ((الكهف 22) . يقصد به إظهار الحق والوصول إلى الصواب، فإذا ظهر الحق وتبين وجه الصواب وجب قبوله.
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج11/111، فتح القدير للشوكاني ج3/336، روح المعاني للألوسي ج6/96، في ظلال القرآن ج4/2312.
(2)
التعريفات للجرجاني (207) .
(3)
المباهلة والابتهال: هو الاجتهاد والتضرع في الدعاء باللعن، وذلك أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. معاني القرآن للنحاس ج1/415، وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج4/104.
(4)
انظر: أحكام القرآن للقرطبي ج3/286.
أما اتباع الهوى ومغالبة الخصم أو حب الظهور، فمكابرة وتعنت وبطر للحق وسبب لغضب الله، كاليهود حين عرفوا الحق فأنكروه فغضب الله عليهم ولعنهم، وكقوم إبراهيم (حين ناظرهم وحاجهم ولكن لم يكن منهم إلا العناد والتعنت والمكابرة، كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ((البقرة 258) .
يذكر القرآن الكريم لنا مناظرتين ومحاجتين جرتا بين الخليل إبراهيم (وبين قومه:
فالأولى: دارت مع ذلك العنيد نمرود، لإثبات قدرة الله وتصرفه المطلق فى الملك والملكوت، بأسلوب يتسم بالرفق واللين والتحاور المثمر، لغرض عرضها على النبي (وعلى المسلمين في أسلوب التعجب لبيان حال هذا الكافر الذي (آتاه الله الملك (فبطر وكفر وأورثته النعم الكبر والعتو، فوضع هذه المحاجة القبيحة موضع ما يجب عليه من الشكر، وادعى لنفسه ما هو من اختصاص الرب.
وقد احتج إبراهيم (على نمرود بظاهرتين متكررتين في كل لحظة، وبألصق شيء لحس الإنسان، وهما في الوقت نفسه من الأمور التي لا يقدر عليها غير الله تعالى، ومن الأسرار التي خفيت على العقل إدراك حقيقتها، ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بواسطة أفعاله التي لا يشاركه فيها أحد، ومن ثَمّ عرّف إبراهيم ربّه بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد ولا يمكن أن يزعمها أحد وهو بربوبية الله تعالى، فقال: (ربي الذي يحيي ويميت (.
لكن الطاغية فزع إلى وجه آخر مغالطاً نفسه ومموهاً به على قومه، فنسب ما هو من اختصاص الله لنفسه بقوله:(أنا أحيي وأميت (وعنى بذلك أنا أقتل من أردت قتله فيكون ذلك مني اتلافاً له، وأستحيي من أردت قتله فلا أقتله فيكون ذلك مني إحياءً له، على حدّ ما تعارفوا عليه، كما حكى الله بقوله: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ((المائدة 32) . (1) .
فسلم له إبراهيم (تسليم الجدل، وانتقل معه إلى الاحتجاج بسنة ظاهرة مرئية ليفحمه، فقال له: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب (لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر له أن يخرج عنها بمخرج المكابرة والمشاغبة، (فبهت الذي كفر (فانقطع وبطلت حجته وسكت متحيراً (2) .
(1) قال القرطبي: ذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم (لما وصف ربّه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أَمْرٌ له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم إلى الحقيقة، وفزع نمروذ إلى المجاز. أحكامه ج3/ 283- 286، وانظر تفسير الطبري ج3/23، ومفردات الراغب (269) روح المعاني للألوسي ج3/15، في ظلال القرآن ج1/297.
(2)
يقال: بَهُتَ وبَهِتَ وبُهِتَ: إذا انقطع وسكت متحيراً، وبُهِت يُبْهَت بَهْتاً، ويقال: بهتُّ الرجلَ إذا افتريت عليه كذباً. وقُريء: (فَبَهَتَ (بفتحهما يعني: سب وقذف نمروذ إبراهيم (حين انقطع وفقد الحيلة كشأن المغلوب المخذول، وكونه وُصِف بصفة الكفر للتسجيل عليه، والإشعار بأن تلك المحاجة كُفْرٌ. أحكام القرآن للقرطبي ج3/286.وانظر: تفسير الطبري ج3/25.
فألهم الله الخليل (الحجة بتوفيقه كما قال: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ((الأنعام 83) . (1) أما نمروذ فلم يجد ما يتعلل به أو يعتذر وخشي الفضيحة، فأظهر لأعوانه وجلسائه أن هذا إنسان مجنون يجب أن يخرج من مجلسه، فمن جنونه أنه كسر الأصنام وأن النار لم تحرقه، فتحقق فيه قول الله:(والله لا يهدى القوم الظالمين (فلم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق؛ لأن ذوي الألباب يكذِّبونه (2) .
أما الثانية: فقد دارت مع أبيه وقومه ليثبت لهم الألوهية والربوبية المطلقتين لله تعالى- وقد حصل شيء من الإيقان بوجود الله- فأُعْلِموا بالأدلة القاطعة ببطلان هذه الآلهة وأُخْبِروا بوجوب وجود الإله الحق.
فأخبرهم من جهة أنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهاً بغير حجة ولا برهان: (أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً (. (الأنعام 81) . لأنه المحيط بكل الكائنات علماً فقام الدليل على أنه الرب: (وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون (. (الأنعام 80) ولأن كل ما في الكون طائع له فقام الدليل أنه الإله الحق قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ((لقمان 30) .
(1) كما فعل فرعون مع موسى (عندما حاجه، فقال فرعون: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (الشعراء (27) .
(2)
تفسير الطبري ج3/25، أحكام القرآن للقرطبي ج3/286.
فاستفتح الخليل (محاجته بأسلوب يتسم بشيء من الشدة والتوبيخ والاستنكار، مشعراً بأن قضية العقيدة فوق روابط الأبوة والبنوة وفوق مشاعر الحلم والسماحة والمجاملة: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين
…
(. (الأنعام 74، 75) ففي مضمون هذه الآيات إشارة إلى فضيلة صفاء الفطرة التي أخبرنا عنها (عن ربّه تبارك وتعالى: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم- أي: استَخَفّوهم فذهبوا بهم في الباطل- وحَرّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهُم أن يشركوا بِى ما لم أنزل به سلطاناً) الحديث (1) .
يستدل إبراهيم (على إثبات ألوهية الله تعالى وربوبيته من خلال ثلاث صفات: (البقاء والدوام والعظمة) مستدلاً على ذلك بأقرب شيء إلى الأنظار يُشاهَد على الدوام.
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في محاجة الخليل (: (فلما جنَّ عليه الليل رأىكوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون
…
(. (الأنعام 76- 78)(2) فمن ذا يَرْعى أو يدبر أمر الكون إذا كان الرب يغيب؟ ومثل هذا الكواكب إذا كانت بنورها وبزوغها وضخامتها وعلوها
…
فكيف بالأصنام.؟ فقام الدليل على وجوب بطلان هذه الآلهة. (3) .
(1) صحيح مسلم ج4/2197) .وانظر روح المعاني للألوسي ج3/198.
(2)
بازغة (طالعة، يقال: بَزَغَ يَبْزُغ بزوغا إذا طلع، وأفل يأفِلُ أفولا إذا غاب. أحكام القرآن للقرطبي ج7/27، المعجم الوسيط (54) .
(3)
أحكام القرآن للقرطبي ج7/26، تفسير ابن كثير ج2/151، 152
فصدع الخليل (بالحق وأشعرهم بالعجز والاستعانة والافتقار إلى الله للهداية إلى سواء السبيل بقوله: (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ((الأنعام 77) . وبقوله: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين (. (الأنعام 79) .
ذكر الألوسي أن السر في استدلال إبراهيم (بالنجوم أن القوم كانوا منجمين- والاحتجاج عليهم من واقع معرفتهم وإدراكهم أقوى إلزاما للحجة- وإنما كان يناظرهم على طريقتهم ليبين لهم أن النجوم تقوى وتضعف حسب وقت مطلعها وأفولها، فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، والكواكب باستحالتها إلى القوة تارة والضعف أخرى ناقصة التأثير عاجزة التدبير، مسخرة لا تملك لنفسها تصرفاً ومثل هذه لا تصلح للإلهية (1) .
(1) انظر روح المعاني للألوسي ج3 /203.
لكن الأمر انعكس لانتكاس عقولهم فلجئوا إلى الدفاع عن الآلهة بالتهديد والتخويف من بطشها: (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون.. ((الأنعام 80، 81) .حيث يستحقوا أن يتوجوا بتاج العز والكرامة الإلهية، لأنهم:(الذين آمنوا ولم يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ((الأنعام 82) . (1) في الدنيا بالهداية والتوفيق للحجج والبراهين، وفي الآخرة:(لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ((الأنبياء 103) .
وختاماً يمتنُّ الله على الخليل (بمنّةِ العون غلى الدعوة وعلى غيرها فيقول: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إنّ ربك حكيم عليم ((الأنعام 83) . فعندما تصدق النية ويخلص الإخلاص يأتي التأييد الرباني والإلهام الإلهي ليفتح للعبد أنواع أبواب الدعوة وطرائقها.
المطلب الثالث: (استثارة الخصم)
(1) روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله (قال: لما نزلت {الذين آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهم بِظُلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله (، وقالوا: أيّنا لا يظلم نفسه؟، قال رسول الله (: (ليس هو كما تظنون،.إنما هو كما قال لقمان لابنه) : (يا بُنَيّ لا تُشْرِك بِالله إِنّ الشّركَ لَظُلمٌ عَظِيم (. (لقمان 13) . صحيح البخاري ج1/87، 6/389، 8/294، ومسلم ج1/114، جامع البيان للطبري ج5/254.
سدت أبواب المخارجة في وجه القوم فلجأ إبراهيم (وهو يبصرهم بطريق الحق- شأن الداعية الحكيم - إلى استثارتهم واستفزازهم ليستيقظوا لمناقشته ومناظرته مرة بعد مرة حتى تتضح القضية الملتبسة التي من أجلها ثار الجدال والنزاع، كما فعل موسى (مع فرعون عندما ذكّره بربوبية الله بقوله: (وأهديك إلى ربك فتخشى ((النازعات 19) . ليظهر ما يجول في الخاطر من حق أو باطل: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ((الأنعام 104) .
فأثارهم أولا عمليّاً ليراجعوا أنفسهم فحطم أصنامهم: (فجعلهم جذاذاً إلا كبيرا لهم ((الأنبياء 58) خَلْقاً ومنزلة، وعلق الفأس في عنقه أو جعله في يده ليحتج به عليهم فيبكتهم كيف تقع هذه الفاجعة وكبير الآلهة حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة؟ أو كما قال ابن كثير:"ليعتقدوا أنه هو الذي غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها"(1) لأن من شأن المعبود أن يُرْجَع إليه في المهمات والملمات، (لعلهم إليه يرجعون ((الأنعام 58) . ولكنهم إذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا.
فبدلا من مراجعة أنفسهم، إذا هم يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين:(من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء 59- 61) . فلا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذٌ.
ثم أثارهم ثانية نظرياً، فاستفزهم بالكلام وقهرهم، فاستولى عليهم الغضب وظهرت فيهم بوادر الانتقام فقالوا:(ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ ((الأنبياء 62) .
(1) تفسير ابن كثير ج3/182.
فقابل إبراهيم (هذا الغضب بالتهكم والتعريض ليزيد من ثورتهم، فيقيم الدليل عليهم على أكمل وجه ويقطع كل شبهة وحجة، فرد عليهم بالججة المسكتة المفحمة: (بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ((الأنبياء 63- 65) . فكيف تعبدون من يعجز عن النطق؟، فازدادوا خيبة وقهراً (1) .
ثم أثارهم ثالثاً ببيان زيف مبدئهم فسفه أحلامهم وسب آلهتم، لعله في ذلك يكون واعظاً، فختم عليهم بهذه الخاتمة قائلاً:(أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (. (الأنبياء 66، 67) .
المطلب الرابع: (المعاريض)
المعاريض: حمع معراض، من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول، وهو التورية بالشيء عن الشيء.
قال الراغب: "هو كلام له وجهان مِن صدق وكذب، أو ظاهر وباطن، فيقصد قائله الباطن ويظهر إرادة الظاهر، قال تعالى:(ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به مِن خِطْبَة النساء ((البقرة 235) . (2) .
لكن محل الجواز فيما يخلص من الظلم أو يحصل على الحق، أما في إبطال الحق أو عكسه فلا يجوز. (3) .
(1) تفسير الطبري ج17/40، تفسير ابن كثير ج3/183، روح المعاني للألوسي ج6/64، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386.
(2)
مفردات الراغب (560) وانظر الصحاح للجوهري ج3/1087، الفتح ج12/175.
(3)
عمدة القاري ج22/218، وانظر الفتح ج10/594، 595.
وفي المعاريض من السعة ما يستغني بها الداعية عن الاضطرار إلى الكذب، ولا ضير في ذلك، ومن هذا ما ورد في سيرة الحبيب المصطفى ((1)
وهذا من أساليب الدعوة إلى الله، ذلك لما يعايش الداعية من الموانع والمضايقات وما يواجه من الصعاب والعقبات والمواقف الحرجة، فكان لا بد له من سلاح يُقَدّر به للمواقف بما يناسبها، للخروج من المآزق إبقاء على نفسه واستمرارا للدعوة لئلا يمسها مساس أهل الفوضى والريب، وقطعا لألسنة المنافقين الذين يثيرون الشكوك والجدل والأكاذيب لتشويه صورتها، فلا بد للمسلم إن ضاقت به ضائقة أن يكون حكيما في تصرفاته فَطِنَا لَبِقاً لطيفاً يعرف المداخل والمخارج دون أن يلجأ إلى الكذب أو يحرج نفسه بإخباره خلاف الواقع.
(1) فقد روي أنه إذا أراد سفرا لغزوة وَرَّى بغيرها، ومثله قوله (لمن قال له في طريق الهجرة: ممن الرجل؟، (من ماء) ، حيث أراد (ذكر مبدأ خلقه، ومثله أيضا قول الصديق (حينما سئل عن النبي (فقال: هو هاد يهديني، وغير هذا كثير والله أعلم. صحيح البخاري ج6/112، وروح المعاني للألوسي ج7/101.
لكن الخليل إبراهيم (عندما يختار أسلوب التورية والتعريض كما حكى الله تعالى عنه بقوله: (قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ((الأنبياء 63) . وبقوله تعالى: (فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم ((الصافات 88، 89) فليس ذلك خوفا على نفسه وإنما هو ضمان لاستمرارية الدعوة وقطع شبههم وإقامة الدليل عليهم بإلزامهم الحجة تبكيتا لهم، وتنبيها على فساد اعتقادهم بإثارتهم وإيقاظهم من غفلتهم، ليحملهم على التأمل في شأن آلهتهم، رجاء الهداية والوصول إلى الحق، إذ أن شأن الآلهة عند القوم أعلى من حال أنفسهم، فكيف تغفل النجوم عن إخبارهم عما سيحصل للآلهة من الفتك، فأوهمهم (أنه تفكر في أحوالها من حيث الاتصال والتقابل الذي يدل- بزعمهم- على الحوادث وما يترتب عليها، فأثبت لهم (بطلان تأثير النجوم في هذا الكون كلياً، بالتالي ثبت عجز الآلهة رأسا (1) .
فأخرج قوله: (إني سقيم (مخرج التعريض بما يوقعهم في الحيرة والاعتراف ببطلان ألوهية الجمادا وأن نظرتهم في أمر النجوم فاسدة، وأن من لا يملك التحكم في نفسه فهو أعجز من أن يتحكم في غيره، ليبطل بذلك مزاعمهم فأوهمهم من تلك الجهة لِيلقَمُوا حجرا. (2)
(1) وانظر جامع البيان للطبري ج17/40، أحكام القرآن للقرطبي ج11/299، روح المعاني للألوسي ج6/64، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386. واستنبط بعض الفضلاء من جوابه (: (بل فعله كبيرهم هذا (أنه أشار إلى الصنم الأكبر، وورى بإبهامه الذي قبض به على الفأس، إذ لولاه لما استطاع القبض على الفأس، لأن اليد بدونه ضعيفة النفع.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي ج15/92، وتفسير ابن كثير ج4/13، فتح القدير للشوكاني ج4/401. ولقد صدق (فإن الإنسان يعتريه السقم في المستقبل، أو أنه قد فسد مزاجه وتغير حاله فإنه عرضة للسقم الآن، أو أراد أنه سقيم القلب لما رأى من كفر قومه بالله، لأن هذا مما يؤدي إلى سقم القلب والروح والفكر.
…
وعن أبي هريرة (أن رسول الله (قال: (لم يكذب إبراهيم النبي (قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله قوله:{إني سقيم} وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وواحدة في شأن سارة
…
الحديث) . رواه البخاري 6/388، ومسلم 4/1840.
ذكر القرطبي عن ابن العربي: "قوله: ولم يعد (هذه أختي) في ذات الله وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم (فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله، لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله كما قال: (ألا لله الدين الخالص (الزمر (3) وهذا لو صدر منا لكان لله، ولكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا، وتسمية ذلك في حديث الشفاعة في حقه (ذنبا لأنه كان منه خلاف الأولى، ولقرب محلهم واصطفائهم عُدَّ هذا ذنبا" والله أعلم. أحكام القرآن للقرطبي ج11/301، وانظر روح المعاني للألوسي ج8 /101.
المبحث الثاني:
دراسة الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة
(الآيات المشتملة على أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة)
قال الله: (ووصى بها إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ
…
(. (البقرة 132) . وقال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدى الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا، ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ((البقرة 124- 129) . وقال (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (. (آل عمرن 67) . وقال تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه (. (التوبة 114) . وقال (: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا. واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيئ في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل
دعاء، ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (. (إبراهيم (35- 41) . وقال:(إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سَوِيّا، يا أبت لا تعبدِ الشيطان إن الشيطانَ كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليّاً (. (مريم 42- 45) . وقال تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . وقال تعالى: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (. (الأنبياء 71) .
وقال: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ((الحج 26) . وقال: (رب هب لي حُكْماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق فى الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون ((لشعراء 83- 87) . وقال تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين (. (الشعراء 214) . وقال: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) ..وقال: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا، إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا. فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.... ((العنكبوت 16، 17) . وقال تعالى: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريّته النبوة والكتاب ((العنكبوت 26، 27) وقال تعال: (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وَتَلّهُ للجبين، ونا ديناه أن يا إبراهيم، قد صَدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفَدَيناه بِذِبْح عظيم (. (الصآفات 91- 107) وقال: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (. (الزخرف 26- 28) . وقال تعالى: (وإبراهيم الذي وفى (. (
النجم 37) ..وقال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وَبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ((الممتحنة 4) .
المبحث الثاني: (أساليب إبراهيم (العملية في الدعوة)
ويشتمل على توطئة واثني عشر مطلبا كالتالي:
توطئة:
ويقصد بالأساليب العملية التطبيق العملي والامتثال الشخصي الذي تتقعد به القواعد الراسخة للدعوة ليقف الداعية على أصول قوية متينة ثابتة، وإن التطبيق العملي له أثر كبير في نشر الدعوة إلى الله، كما أن العكس بالعكس، فمن نظر في تاريخ سلف الأمة وجد أن دعوتها إلى الإسلام كانت بالتطبيق الصحيح، فلم ينتشر الإسلام على هذه المعمورة بالسيف أو الرمح أو السهم قدر ما انتشر بالدعوة والقدوة الحسنة والتطبيق الصحيح الكامل له، فكانت الأمة مثالاً يقتدى بها في تطبيق تعاليم الإسلام في صغير الأمور وكبيرها، ولا يزال التطبيق العملي الصحيح للإسلام إلى يوم القيامة عاملا أساسيا من عوامل الدعوة إلى الله بين الأفراد والجماعات على مختلف طبقاتهم وثقافاتهم.
ثم خلف من بعدهم خلف شَوّهوا صورة الإسلام وتركوا تعاليمه وأوامره ونواهيه وارتكبوا المخالفات، فأصبحوا بذلك سبباً للصدّ عن الدخول فى الإسلام، وكم ضر الإسلام أهله بسبب التعديات والمخالفات.
المطلب الأول: (القدوة)
القدوة: كما قال الراغب: (هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إنْ حسناً وإنْ قبيحاً، وإنْ ساراً وإنْ ضاراً، ولهذا قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ((الأحزاب 21) . فَوَصَفَها بالحسنة) (1) .
(1) مفردات ألفاظ القرآن للراغب (76) .
ولقد جعل الله تعالى الخليل إبراهيم (قدوة للسالكين وإماما للدعوة والدعاة يقتدى به ويتبع أثره فى التوحيد وفى الأقوال والأفعال، كما قال تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ((الأنعام 90) . ونوه في كتابه بذكره وشهد له بقوله: (وإبراهيم الذي وَفّى (. (النجم 37) . (1) . ليكون له في أمر الدعوة قيادة دينية، فصار قدوة الناس وإمامهم في الخير، وحصل له الثناء الدائم، وذلك حين قيامه بما كلفه الله به حق قيام، قال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما
…
(. (البقرة 124) . (2) .
وطلب من الله تعالى استمرارية الإمامة من بعده وأن يكثر في الأمة المرشدين الذين يوجهون الناس إلى الخير، قال تعالى على لسانه:(قال ومن ذريتي ((البقرة 125) .وقال: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
…
((البقرة 129) .
(1) جامع البيان للطبري ج1/523، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/97، تفسير ابن كثير ج1/164، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112.
(2)
وهذه الكلمات قيل: هي خصال الفطرة العشر: (قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء- يعني الاستنجاء- والمضمضة) وقيل غير ذلك، انظر تفسير الطبري ج1/523، 524، وأحكام القرآن للقرطبي ج2/97، فتح القدير للشوكاني ج1/137، روح المعاني للألوسي ج1/373، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112.
فكل نبي أرسله الله أو كتاب أنزله مِن بَعد إبراهيم (فهو من آثار دعوته، كما قال تعالى: (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب
…
((العنكبوت 27) . (1) .ولكن لمن يستحقها بالصلاح والإيمان، لا كما يدعي اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن ظلموا أنفسهم بمخالفة منهج الأنبياء والرسل.
يقول سيد قطب: إن الظلم أنواع وألوان، ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي، والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة، إمامة الرسالة وإمامة الخلافة وإمامة الصلاة، وكل ما كان يشمله معانى الإمامة والقيادة، فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق الإمامة، والظلم بكل معانيه هو أساس الحرمان من الإمامة.
واليهود لا يستحقون الإمامة والقيادة. لانحرافهم عن عقيدة جدهم إبراهيم (ونبذهم شريعة الله ولظلمهم وفسقهم وانتهاكهم لحرمات الله، وكذلك من يسمون أنفسهم اليوم ب (المسلمين) بما ظلموا وبعدوا عن طريق الله، وبما نبذوا شريعة الله وراء ظهورهم، واستبدلوها بالقوانين الوضعية، ودعواهم الإسلام وَهم مجانبون عنه دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد الله.
إن التصور الإسلامي يقطع كل الصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والعمل، ويسقط كل الروابط والاعتبارات ما لم تتصل بعروة العقيدة، فهو يفصل بين الولد والوالد والزوج والزوجة إذا انقطع بينهما حبل العقيدة،.فعرب الشرك شيء وعرب الإسلام شيء آخر، والذين آمنوا من أهل الكتاب شيء، والذين انحرفوا عن دين إبراهيم وموسى وعيسى- عليهم السلام شيء آخر ولا صلة بينهم جميعا ألبتة.
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج2/107، تفسير ابن كثير ج1/167.، روح المعاني للألوسي ج1/376، 377، فتح القدير للشوكاني ج1/137، 138.
إن الأسرة ليست آباء وأبناء وأحفادا، إنما هي هؤلاء حين تجمعهم عقيدة واحدة، وإن الأمة ليست مجموعة أجيال متتابعة من جنس واحد معين، إنما هي مجموعة من المؤمنين مهما اختلفت أجناسهم وأوطانهم وألوانهم، هذا هو التصور الإيماني الصحيح الذي ينبثق من خلال هذا البيان الرباني في كتاب الله الكريم. (1) .
فمن انطوى تحت لواء التوحيد فالخليل (قدوته في كمالات الخير لأنه القدوة في نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك، قال تعالى: (إنّ إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ((النحل 120)(2) لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا وثنيا، بعيدا عن الهوى والمطالب النفسية مستجمعا شروط الكمال في نفسه:(ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (. (آل عمران 67) .
لأن ملة التوحيد واحدة والدعوة إليها منهج الأنبياء والمرسلين جميعا قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ((النحل 36) . (3) .
ولذا أمر الله محمدا (- مع علو درجته وعظيم منزلته- بأن يقتدي بأبيه إبراهيم (مسلكا ومنهجا لاستقامته على الطريقة، قال تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل 123) .
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/112.
(2)
روح المعاني للألوسي ج5/249، وقد سبق معنى الأمة في أول البحث.
(3)
روح المعاني للألوسي ج5/251، فتح القدير للشوكاني ج3/202، وقد سبق تفسير هذه الآيات في الفصل الأول:(صفات إبراهيم () .
ومن أمثلة هذا الاقتداء بالخليل (مسألة الولاءوالبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان ومن مقتضيات العقيدة ولوازمها، قال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه
…
((الممتحنة 4) . ليكون ذلك شرعة ومنهاجا للأجيال القادمة، حين تبرأ هو وقومه من الكفار قائلين:(إنا بُرَءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وَبَدَا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ((الممتحنة 4) . (1) .وهذا من دعاء إبراهيم (وأصحابه، وتعليم للمؤمنين أن يقولوا هذا القول.
فلا مودة ولا رابطة تربط بين المسلمين وبين الكفار مهما كانت الأسباب والظروف مع الاتكال الكامل على الله تعالى، ولا اعتداد بهم أو بآلهتهم مهما كانت قرابة أو قربى، ولا تنازل ولا تسامح في المباديء، وهذا هو الاقتداء الصحيح والأسوة الحسنة المأمور بها فى الشريعة المحمدية، فمن خالف في هذه القاعدة الأساسية فإنه لا تنفعه قرابة أو قربى (2) .
المطلب الثاني: (اللين أولا ثم الشدة)
(1) قال القرطبي: الآية نص فى الأمر بالاقتداء بإبراهيم (في فعله، وذلك يصحح أن شرع مَن قبلنا شرع لنا فيما أخبر الله ورسوله. أحكام القرآن للقرطبي ج18/56.
(2)
في ظلال القرآن لسيد قطب ج6/3542، وانظر: أحكام القرآن للقرطبي ج18/56، تفسير ابن كثير ج4/348، روح المعاني للألوسي ج10/69.
لقد كان الرفق واللين محمودا في أكثر الأحوال، قال تعالى مُنَوّها بفضله:(اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكرُ أو يخشى ((طه (43، 44) . وقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ((النحل 125) . وقال (: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه) وفي رواية عنه (: (من يحرم الرفق يحرم الخير)(1) ويقول (: (إنّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)(2) .
إلا أن للين والرفق مواضع، وللشدة والقسوة مواضع، والداعية بمثابة طبيب يعالج الأمور بمقتضى الحال والشأن، فيعطي كل إنسان مايناسبه من الدواء.
بالنظر إلى اعتبار أن الرفق واللين له الصدارة والأسبقية، وأن الرأفة والرحمة المتضمنة لأرق الألفاظ وأعذبها والتزام الأدب والوقار هو الأساس إلى سبيل الرشاد، ليبرز ذلك كله في صورة المشفق الناصح الأمين الحريص على المصلحة، كما حكى الله عن الخليل وهو يستميل أباه وقومه بأرق الألفاظ وأعذبها:(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سَوِيّا، يا أبت لا تعبدِ الشيطان إن الشيطانَ كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسَكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً (. (مريم (42- 45) .
فإذا وصل اللين والرفق إلى طريق مسدود دون جدوى أو فائدة، فلا ما نع من مجانبة الأدب أحيانا، ليحس الإنسان بعظيم مرتكبه وكبير جرمه، كما حكى الله (عن الخليل (حين دعوته لأبيه وقومه:(وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ((الأنعام 74)(3) . وقال تعالى عنه: (يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ((مريم 42) .
(1) صحيح مسلم ج4/2003.
(2)
صحيح البخاري ج12/280.
(3)
أحكام القرآن للقرطبي ج7/22.
قال القرطبي: إنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه حيث يرميه بالضلال المبين الذي يدل على سفهه (1)، ويدل عليه ما حكى الله تعالى عنه في أسلوب الاحتقار:(إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا أباءنا لها عابدين (. (الأنبياء 52- 53)(2) .فلاحرمة للقرابة ولا تسامح ولا مجاملة في أمر العقيدة، ولا يمكن أن يطغى حق الأبوة على حق الله:(لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ((الأنبياء 54) .
فقد يقسو الإنسان أو يستنكر على شخص لمنفعته على أن يكون ذلك درجات حسب الضرورة، فيبدأ بالأهم والأولى والأنفع والأنجع والأنجح، كما أخبر الله بذلك عن الخليل (: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا، إنّ الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا
…
(. (العنكبوت 16) .
المطلب الثالث: (البداءة بالأهم)
أحكام الله تعالى كلها مهمة، وإنما كان البداءة بالأهم منها ليكون ذلك طريقا لما بعده، ولذا كان على رأسها تقوى الله تعالى الذي هو أساس الأعمال كلها والبداءة به طريق إلى ما بعده، لأن الخشية ملاك الأمر كله فمن خشي الله أتى منه كل خير، ولأهميته بدأ الخليل (به قال (عنه:(وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (. (العنكبوت 16) .
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج7/22.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي ج7/22، ج11/111، 296ج13/335، وانظر: في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2311، 2385.
ثم ثنى بالأمن والأمان لأنه به تتحقق الخشية، بل لا يقل ضرورة وحاجة عن ضرورة الغذاء والكساء، ولا يستساغ طعام أو شراب، أوتطيب وتتأتى عبادة على وجهها إذا فقد الأمن والأمان، لذا كان في طليعة طلب الخليل (:(رب اجعل هذا البلد ءامنا (. (إبراهيم 35) . فإذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا، ولذا يمتن الله به على قريش مقرونا بالغذاء فيقول:(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ((سورة قريش) ويقول: (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويُتخطف الناس من حولهم ((العنكبوت 67) .
ولعظيم مِنّة الأمن على العبد وكبير ضرورة الصحة والعافية عليه فإن الله تعالى سيوجه سؤاله كما قال: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ((سورة التكاثر) قال الطبري: عن ابن عباس وابن مسعود (الأمن والعافية والصحة في الأبدان والأسماع والأبصار (1)
ولقد استجاب الله دعوة الخليل إبراهيم (فجعله حرما آمنا، فلا يُختلى خلاه ولا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تحل لُقَطته إلا لمعَرِّف، قال تعالى: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) . وقال تعالى: (إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ((آل عمران 96، 97)(2) .
(1) جامع البيان للطبري ج30/285، وانظر فتح القدير للشوكاني ج5/490.
(2)
قال الشوكاني: أما الآية التي في البقرة: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا (أي: مكة والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم، كما يقال: عيشة راضية اي: راض صاحبها. فتح القدير ج1/141.
فإذا تحقق اللازم حصل قيام الملزوم من تحقيق التوحيد والقيام بواجب الطاعة والعبادة التي من أجلها خلق الإنسان ومن أجلِّها وأفضلها إقامة الصلاة التي هي عماد الدين وصلة بين العبد وربّه، وما لأجله أسكن ذريته في هذا الوادي الأجرد المقحط وتم بناء هذا البيت، فقال: (واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضلَلَن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا لِيُقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات
…
((إبراهيم 35- 37) . ليكون ذلك عونا لهم على طاعة الله تعالى وذكره وحسن عبادته وطريقا لشكر نعم الله، فقال:(لعلهم يشكرون ((إبراهيم 37) .
فاستجاب الله تعالى دعاءه فقال: (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ((القصص 57) . فلا يخلو بلد الله الحرام من اللحم ومن الفاكهة على مختلف فصول السنة.
وأخيرا يتضرع الخليل (إلى ربّه تبارك وتعالى بأن يجعل الله أعماله خالصة لوجهه الكريم لارياء ولا سمعة فيها، وأن يقر عينيه في خاصة ذريته وأهل بيته الأقربين بإصلاحهم فيقول: (ربنا إنك تعلم ما نُخفي وما نُعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء (. (إبراهيم 38، 39)(1) والله أعلم وأحكم.
المطلب الرابع: (الابتداء بالأقربين)
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج13/335، روح المعاني للألوسي ج7/144، فتح القدير للشوكاني ج4/196، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2728.
إن للعبد حقا على نفسه وهو مقدم على من سواه ثم بعد ذلك يأتي الابتداء بالأقربين ثم من يليهم حتى لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الإنذار والتخويف، كما قال الرازي:"إذا تشدد على نفسه أولا ثم بالأقرب فالأقرب ثانيا، لم يكن لأحد فيه طعن ألبتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع"(1)
وهذا كان دأب السلف في الدعوة يبدءون بأنفسهم ثم من يليهم لأن الاهتمام بشأن القربى وهدايتهم إلى الحق أجل وأولى، وتخصيصهم بالإنذار كما قال القرطبي: "لتنحسم أطماع عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك وامتثال لأمر الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين ((الشعراء 214)(2) .فإذا حصل قبول وإذعان من القريب كانت استجابة البعيد أسرع، وبذلك تنزاح كل عقبة قعود في سبيله لتصفو له طريق الدعوة ويفسح أمامه مجال التحدي والمنازلة لكل معاند ومخاصم، ولذا بدأ الخليل (بدعوته بأقرب قريب وهو والده، قال تعالى حكاية عنه: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً ((مريم 42- 45)(3) .
المطلب الخامس: (التحدي)
(1) تفسير الفخر الرازي ج24/172.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي ج13/143، وانظر تفسير الكشاف للزمخشري ج3/328.
(3)
تفسير هذه الآيات في موضوع: (برره بأبيه) .
لابد من إثبات الحق وإعلائه ولابد من إبطال الباطل ودحضه، فإذا توقف الرفق واللين ولم تنفع الشدة والقسوة، يأتي دور التحدي والمبارزة لمنازلة الخصم وإفحامه وإلزامه الحجة، وهو ما جرى للخليل إبراهيم (مع أبيه وقومه، حيث وقف العناد والمكابرة في وجه الأدلة والبراهين الواضحة فلا بد من تنحيته وإزالته ليأخذ الحق طريقه، فنازلهم وتوعدهم بكسر أصنامهم، ضاربا بذلك كل الاعتبارات الشخصية ووشايج القرابة واعتبارات العشيرة عرض الحائط، متحديا بذلك أقوى قوة مانعة، دفاعا عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، وصدر كلامه (بالقسم واليمين بقوله: (وتالله (قسم ويمين، (لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء 57) . (1) .
المطلب السادس: (تحطيم الأصنام)
إن التطبيق العملي في الدعوة من أبرز سمات الداعية، قال صلي الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)(2) وإن من تلك الصور التطبيقية التي نقلها القرآن الكريم للأمة الإسلامية ما ذكره عن الخليل إبراهيم (وهو يتعرض بكل قوة وبسالة لأعز شيء وأكرمه عند قومه آلهتهم، فبين زيفها وأبطلها فكسرها، فَعَلَ ذلك وهو واثق بالله مُوَطِّن نفسه على مقاساة المكاره وتحمل الشدائد في سبيل الله والذب عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، فتحدى الطغاة الجبابرة فلم يهب بطشهم وجبروتهم في إبلاغ دين الله، فوقف أمام الأصنام قائلا: (ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون ((الصافات 91- 94) .
لقد تسامع القوم بالخبر وعرفوا الفاعل، فأقبلوا بجمعهم الغاضب الهائج إليه يسرعون قائلين:(من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء 59) .
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج11/297، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2386.
(2)
صحيح مسلم ج1/69.
تصور إبراهيم (بهذا الحدث العظيم أنهم سيراجعون أنفسهم في أمر آلهتهم، ولكنهم لا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذ يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين: (قالوا أانت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ((الأنبياء 62) .
فواجه إبراهيم (هذا الحدث بشجاعة وبسالة وبقوة إيمانية وثبات كالجبال الرواسي التي لا تتزعزع، فلم يخف الكثرة الناقمة الغاضبة الهائجة المائجة، فرد عليهم مجيبا بالحق بكل طمأنينة وسكون ثابت الفؤاد غير مبال أو مكترث بهم وجَهّلهم وسفّه أحلامهم، قائلا: (أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون ((الصآفات 91- 96) . متوعدا وموبخا ومؤنبا لهم ومنكرا عليهم قائلا: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ((الأنبياء 57- 58) . (1) .وقائلا: (بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ((الأنبياء 63- 65) . ولكن القوم آثروا العناد والمكابرة فاندفعوا متهورين إلى الدفاع عن الباطل فواجههم بحقيقة فساد فعلهم موبخا لهم (قال أفتعبدون من دون الله ما لا
(1) روي أنه كان لهم كل سنة يوم عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم (: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، وكان قد أضمر في نفسه تنفيذ خطة فاحتال عليهم في التخلف عنهم بقوله: (إني سقيم (فلم يخرج معهم، فانتهز فرصة ذهابهم فدخل بيت الأصنام وهي مصطفة فكسر الكل بالفأس ولم يبق إلا كبير الآلهة شأنا وهيكلا، فعلق الفأس في عنقه أو في يده ليبكتهم بقيام الححجة عليهم لأنهم إذا رجعوا ووجدوا ما حصل لآلهتهم فإنهم حتما سيتجهون إلى الصنم الكبير فيسألوه عن الكاسر. أحكام القرآن للقرطبي ج15/94- 96، تفسير ابن كثير ج4/13، روح المعاني للألوسي ج8/123، 124، فتح القدير للشوكاني ج4/402، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2992، 2993.
ينفعكم شيئاً ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ((الأنبياء 66، 67) ..فإذا كان الحال هكذا فيجب الرحيل عن قوم لا يعقلون ولا يميزون.
المطلب السابع: (الهجرة)
قال القرطبي: "الهجرة أقسام وأنواع منها: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضا في أيام النبي (وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، فإن بقي في دار الحرب كان عاصيا.
ومنها: الخروج من أرض البدعة، قال مالك:(فلا يحل البقاء بأرض يُسب فيها السلف) .
ومنها: الخروج من أرض غلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم.
ومنها: الفرار من الأذية في الدين والبدن والمال والأهل؛ فإنّ حرمة مال المسلم وأهله كحرمة دمه بل أشد وأوكد، وذلك فضل من الله رخص فيه ليخلصها من ذلك المحذور". (1) .
والهجرة تعني إعلانا بمقاطعة حبل الولاية والنسب والقرابة وهجران في الاعتقاد والأبدان ومفارقة الأوطان، ليتميز الصف الموحد من الصف المشرك، فيلحق من كان بين الكفار بالركب المهاجر في سبيل الله الذين تركوا الركون إلى الدنيا وتجردوا لله وللدفاع عن دينه، وهجروا في ذلك الأهل والمال والوطن.
وأول من فعل هذه الهجرة إبراهيم (وذلك بعدما نفدت الحيل مع أبيه وقومه وسدت سبل الدعوة فقال: (إني مهاجر إلى ربي ((العنكبوت 26) . إذ لا خير في البقاء مع قوم عدموا الخير. وأسبابه، وقالوا تقاسموا ابالله لنبيتنه وأهله:(وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (. (الأنبياء 71)
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج5/349، 350.، ج15/97.
فأمره الله بالهجرة هو وابن أخيه لوط عليهما السلام بعيدا عن موطن الكفر والكافرين والضلال والضالين فرارا بدينه وأهله فعوضه الله عن وطنه وقومه بذرية تحمل رسالة الله إلى الأبد، قال تعالى:(فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب (. (العنكبوت 26، 27) . فيكفيه ذكرا وفخرا حيث جعل الله تعالى من ذريته سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين والمرسلين، والرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد ((1) .
وهكذا من ترك شيئاً لله أذاقه الله حلاوة الإيمان وعوضه بأحسن وأفضل منها كما قال الخليل (لقومه: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) .
المطلب الثامن: (المفاصلة والموادعة)
(1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج11/305، 13/339، فتح القدير للشوكاني ج4/199، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2388، 5/2732.
روي أنه (خرج من العراق ومعه لوط وسارة بنت عمه هاران الأكبر، وقد كانا مؤمنين به (يلتمس الفرار بدينه، فنزل حران، فمكث بها ما شاء الله، ثم قدم مصر، ثم خرج إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين، ونزل لوط بالمؤتكفة.روح المعاني للألوسي ج6/70.
إن لم يكن إذعان للدعوة أو استجابة لرسل الله تعالى أو وقف العناد في وجه الدعوة وبقيت المكابرة مركبا ذلولا لأهل الطغيان، أو انعدم حق الصلة والقرابة، فلا بد من إعلان المفاصلة ولا بد من تنفيذ الموادعة، لتجد الدعوة أرضا خصبة تبذر فيها بذورها، وذلك يتمثل في موقف إبراهيم (حين أعلنها صريحة:(إني ذاهب إلى ربي سيهدين ((الصافات 99) . (1) .بعد أن كذبه قومه وقد شاهدوا الآيات فتعصبوا للأصنام وَلاءً لها وانتقاما من أجلها، لأن قضية التوحيد فوق كل القضايا وطلب العزلة حفاظا على دين الله أمر واجب:(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم 48) . (2)
وهذه المفاصلة والموادعة إنما هي إفصاح عن الحب والبغض في الله وتحقيق لمبدأ الولاء والبراء الذي أخبر الله عن خليله (بقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ((التوبة 114) . ويؤكد هذا ما جاء في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف 26- 28)(3) .
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج15/97، وفتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/126، في طلال القرآن لسيد قطب ج5/2994.
(2)
عسى (هذه موجبة لا محالة فإنه (سيد الأنبياء بعد نبينا محمد (، ولكنه (صدر بها لإظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب، والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإثابة والإجابة بطريق التفضل منه عز وجل، لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة، وذلك لا يعلمه إلا الله. تفسير ابن كثير ج3/124، فتح القدير للشوكاني ج3/336، روح المعاني للألوسي ج6/102.
(3)
تفسير ابن كثير ج2/393، فتح القدير للشوكاني ج2/410.
وكان من نتيجة هذه المفاصلة والموادعة أن أكرم الله الخليل (فأبقى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) خالدة تالدة ثابتة واضحة لا يتلبس بها الباطل باقية دائمة قائمة في ذريته، كما قال:(وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف 26- 28) . ولا يزال فيهم إلى الأبد من يدعو إلى التوحيد كموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويحقق وصيته التي وصا بها ذريته وبنيه: (ووصى بها إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ
…
((البقرة 132)(1) .
ومن أجلها أمر الله الخليل (بإقامة معلم بارز لها ليبقى معلماً خالدا ورمزا بارزا للحنيفية ليكون معقلا لأهل التوحيد ويبقى دويه إلى الأبد فأمره بناء بيته المطهر ويرفع هو وابنه إسماعيل عليهما السلام قواعده.
المطلب التاسع: (المبادرة بامتثال أمر الله بناء البيت)
بين الله للخليل (موضع بناء البيت وأرشده إليه، وأمره بأن يبنيه على اسمه وحده فهو بيت الله وحده دون سواه، ولتوحيده أقيم هذا البيت منذ اللحظة الأولى. وبأمره يعظم ويقدس ويقصد ويُحج ويُعتمر ويُطاف حوله، وبأمره يُطهر من الشرك والأصنام والأوثان والأرجاس والأنجاس قال (: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ((الحج 26) . (2) . تتعاقب الأجيال على حجه، ويتنافس المسلمون في بلوغ رحابه، في جواره الخير والبركة قال (:(إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ((آل عمران 96، 97) .
(1) أحكام القرآن للقرطبي ج16/76، وفتح القدير للشوكاني ج4/553.
(2)
راجع أحكام القرآن للقرطبي ج12/36، فتح القدير للشوكاني ج3/447، روح المعاني للألوسي ج6/142، في ظلال القرآن لسيد قطب ج4/2418.
أقيم هذا البيت ليكون مركزا يتجه إليه المسلمون كل يوم خمس مرات ليوثقوا الصلة بربّهم، وليلتقي حوله جموع المسلمين من أقاصي الدنيا، يؤمه أهل الإيمان لأداء فريضة الله وتجديد عهد الطهر والتحرر من عبودية الغير، وليمثل حلقة وصل تجذب العباد إلى الله ليبقى دَوِيّ العبادة وذكر الله في أذهانهم قائما دائما، وليتذكروا على الدوام أن جزاء التضحية والاخلاص لدين الله هو رفع درجات المحسنين المخلصين، وتخليد عمل العاملين:(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ((البقرة 125) . (1) .
وليذكّرهم بأن أداء العمل محض إمتثال، ومطلق القيام بالواجب لا يستوجب الأجر، قال تعالى:(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة 125- 127) . بل لا بد في إتيان الطاعات من الابتهال والتضرع في قبولها، ولا بد من الصبر والاحتساب على
الابتلاء فإن الله تعالى لن يناله لحومها ولا دماؤها ولا يريد تعذيب العباد أو قتلهم، ولكن يناله التقوى والاستسلام التام منكم في كل أمر ونهي
المطلب العاشر: (المبادرة بامتثال أمر الله بذبح ابنه)
إن كمال الإيمان يستدعي مبادرة الامتثال وإن قوة اليقين يستلزم الصبر والثقة والثبات، وإن في سبيل الحب الصحيح يرخص كل غال وثمين، فإذا خلد الله تعالى ذكر خليله (في العالمين ببناء بيته الحرام، فكذلك رفع ذكره بمبادرته بامتثاله لأمر ربّه بذبح ابنه وفلذة فؤاده، على حين طلب الخليل (من ربّه على كبر السن وبرغبة الفطرة: (رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم ((الصافات 100، 101) .
(1) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج2/110- 120، روح المعاني للألوسي ج1/378- 385، في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/113.
فلما بلغ الغلام مبلغ القوة والسعي ليحمل عن أبيه بعض متاعب الحياة ويعينه على أمور دينه ودنياه، ويحمل عنه العلم والحكمة فإذا بالأب يقول:(يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ((الصافات 102) .
أدرك الخليل (أنها إشارة من ربّه تبارك وتعالى بالتضحية فلم يتردد أو يراجع نفسه أو يطلب التحقيق، فكيف أذبح إبني الوحيد بمجرد رؤيا رأيتها علها تكون أضغاث أحلام؟، فلم يخطر له إلا خاطر التسليم والتنفيذ حتى وإن لم تكن وحيا صريحا، إلا أنها إشارة من رب السموات والأرض!.
تكفي هذه الإشارة لأمثال الخليل (لينفذ أمر ربّه في إيمان قوي راسخ، دون أن يسأل ربّه شأن المتعللين: لماذا، وكيف، ومتى، وأين أذبح؟!، ليشعر بذلك الأجيال القادمة مِن بعده بأن أوامر الله تنفذ حالا، فهي لا تقبل التراجعات النفسية ووساوسها، ولا تحتمل التفكير والتلكؤ والتأني في تنفيذها، فتلبى كما لبى الخليل (أمر ربّه في غير إزعاج ولا تضجر وتذمر، وتنفذ حكمه في كل أمر ونهي وفي كل محبوب ومكروه طوعا وإنابة واستسلاماً بكل رضى وقبول وهدوء وطمأنينة (1) .
وفي مقابل ذلك- كما يقول سيد قطبب-: فهو (لا يندفع في عجلة وتهور ليخلص نفسه وينتهي منه فورا حتى يريح أعصابه من ثقله، ولكن خاطب ابنه على سبيل الترحم والعطف والشفقة: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ((الصافات 102) . ذبحا إراديا يتولى تنفيذ هذه المهمة الشاقة- على البشر- بيده دون أن يرسل وحيده في معركة أو يكلفه بأمر تنتهي به حياته ولكن: (أني أذبحك (.
(1) جامع البيان للطبري ج23/76- 81، تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52، أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، تفسير ابن كثير ج4/15، 16، فتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/127- 132، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2994.
وفي الوقت نفسه فهو (ليعرف مدى كمال إيمان ابنه وقوته وصلابته، حتى يأخذه طاعة وإسلاماً فينال كامل أجر الطاعة، لا يريد تنفيذ الأمر على غِرّة دون أن يشير عليه، فيوطن نفسه ويثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم، بل يعرض الأمر عليه ويطلب منه التروي والتريث، كالذي يعرض المألوف من الأمر فيقول له: (فانظر ماذا ترى (أي: انظر ماذا تريني أياه من صبرك واحتمالك، أو ما تريك نفسك من الرأي.
فإذا بالابن أعجب من أبيه!، فهو يريد أن يرتقى كالأب إلى الكمال، فيبادله هذه الشفقة الأبوية بالتوقير والتعظيم والتبجيل بكامل الود المعبر عن كمال الرضى بلفظ الأبوة قائلا:(يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (. (الصافات 102) .امض لما أمرك الله به في تسليم من غير قلق ولا فزع ولا فقدان وعي ورشد، فالأمر لا يقبل التردد والمشورة (1) .
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2994، وانظر تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52، أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، فتح القدير للشوكاني ج4/403.
وإنها لفتة قرآنية عظيمة نشاهدها من خلال هذا الموقف كما يصفها الألوسي بقوله: لم يتظاهر إسماعيل (في تنفيذ المهمة الشاقة بالطَولِ والجلادة والشجاعة والإقدام، بل علق الأمر بمشيئة الله استعانة وتبركا وتواضعا وتأدبا مع الله، معترفا بضعفه مدركا حدود قدرته وطاقته في الاحتمال، ليعينه على طاعته فقال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين ((الصافات 102) أي: من جملة الموفقين للصبر مع ما فيه إغراء للأب على الصبر لِما يعلم من شفقته عليه من عِظم البلاء، حيث أشار إلى أن لله عِبَاداً صابرين (1) .
قال (: (فلما أسلما وَتَلّهُ للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم ((الصافات 103، 104)(2) أي قد وقع العمل موقع الرضى والقبول، ونتائجه قد ظهرت والغاية منه قد تحققت والله لا يريد تعذيب عباده ولا يريد دماءهم ولا أجسادهم في شيء، فكانت النتيجة:(قد صَدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفَدَيناه بِذِبْح عظيم ((الصآفات 101- 107) . فشرع الله الذبح والأضاحي وإراقة الدماء تخليدا لذكرهما وتعظيما لأجرهما وشريعة يعمل بها إلى يوم القيامة، امتثالا لأمر الله وإطعاما للبائس الفقير (3) .
المطلب الحادي عشر: (الدعاء والتضرع إلى الله)
(1) روح المعاني للألوسي ج8/129.، وفرق بين قول إسماعيل (وبين قول موسى (: (ستجدني إن شاء الله صابرا (فلم يوفق موسى (للصبر لأنه لم يسلك هذا المسلك من التواضع في قوله: (ستجدني إن شاء الله صابرا (حيث لم ينظم نفسه الكريمة في سلك الصابرين، بل أخرج الكلام على وَجْهٍ لا يُشْعِرُ بوجود صابر سواه، فلم يتيسر له الصبر، مع أنه لم يُهْمِل أمر الاستثناء.
(2)
ومعنى قوله تعالى: (تَلّهُ للجبين (أي صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض. تفسير الكشاف للزمخشري ج4/52.
(3)
أحكام القرآن للقرطبي ج15/97- 107، فتح القدير للشوكاني ج4/403، روح المعاني للألوسي ج8/127- 132
الدعاء مخ العبادة أو هو العبادة وسلاح المؤمن ووصله الذي يصله بجناب الله الذي لا تعجزه المسائل، قال تعالى:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان ((البقرة 186) . والله تعالى يعلم فطر عباده فأمرهم وحثهم على الدعاء ليبثوا ما في صدروهم فيريحوا أعصابهم لتطمئن قلوبهم بأنهم وَكّلُوا وفوضوا أمرهم إلى من هو أقوى وأقدر منهم، قال تعالى:(ادعوا ربكم تضرعا وخُفْيَة إنه لا يحب المعتدين ((الأعراف 55) . وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ((غافر 60) .
إن الدعوة تستجاب ولكنها بحكمة الله تتحقق في أوانها، غير أن الناس يستعجلون!، وغير المواصلين يملون ويقنطون، قال (:(يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي)(1) .
غير أن الأنبياء والمرسلين أكثر الناس تضرعا إلى الله بالدعاء لا يقنطون ولا يملون، يواصلون ولا يقطعون، يلحون ولا يفترون، أعظم الناس طمعا في نوال الله وفي طلب العون على أمور الدين والدنيا، كما حكى الله عن زكريا (:(وزكريا إذ نادى ربّه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ((الأنبياء 89) .فرزقه الله بعد (خمس وتسعين) سنة (2) .
(1) أخرجه البخاري ج11/140.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي ج11/79.
ولقد أدرك الخليل (أهمية الدعاء ومكانته عند الله تعالى، فابتهل وتضرع إلى الله تعالى امتثالاً لأمره وتعليما للعباد، وكرر النداء في دعائه وإنّ تكرار النداء له معنى ومغزى، وقدم ما حقه التقديم في الدعاء فصدر دعواته بهذا النداء الجميل اللطيف حرصا ومبالغة منه في الضراعة والابتهال فقال: (رب اجعل هذا البلد آمنا..... ((إبراهيم 35) . لأنه ترك تَرِكَتَهُ وأهله بهذا الوادي المقفر المجدب الذي لا أنيس فيه، ثم قفل منطلقا فتبعته هاجر رحمة الله عليها قائلة: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟، قالت له مرارا، وجعل إبراهيم (من شدة الوجد والحزن لا يلتفت إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟، قال: نعم. قالت في يقين وإيمان كامل: (إذا لا يضيعنا) ثم رجعت، وانطلق (حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ورفع يديه يناجي ربّه بعيدا عن عيون الناس بعيدا عن أسماعهم يخلص فيها لربّه، ويكشف له عما في صدره، يبوح لحبيبه عما أصابه من اللأوى والحزن، يناجي ربّه في قرب واتصال: (رب (بلا واسطة حتى ولا بحرف نداء، وإن ربّه ليسمع ويرى من غير دعاء ولا نداء، ولكن المكروب يستريح ببيان ما في صدره (1) .
فاستهل طلبه بأمور عدة منها أن يجعل الله هذا البلد- المكان القفر الموحش - مستوطنا مؤنسا معمورا محبوبا آمنا من القحط والجدب والغارات ومن الخوف فلا يرعب أهله حتى يتمكنوا من أداء العبادات فقال: (رب اجعل هذا بلدا آمنا ((إبراهيم 35) . فإذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء من أمور الدين والدنيا.
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب ج1/113، 4/2108.
ثم يسأله وذريته غاية ما يُطلب في الدعاء وهو الثبات على التوحيد واجتناب الشرك فيقول: (واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ((إبرّهيم 35،، 36)(1) .
ثم يكرر طلبه الذي لأجله أسكن ذريته بهذا الوادي بألطف الألفاظ وأحبها إلى الله طمعا فى الاستجابة وطلبا لكفاية مؤنة الرزق وليكون ذلك عونا لهم على طاعة الله، لا سيما في مثل هذا الوادي الجدب البَلْقَع الخالي من كل مرتفق ومرتزق، لما في السعي في حصوله من الانشغال عن ذكر الله فيقول:(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ((إبراهيم 37) .
ولقد حقق الله دعوته (، فإن الناس لا يزالون يحنون إلى زيارة البيت يبذلون كل غال وثمين في سبيل الوصول إليه، ومن زاره مرة ازداد شوقا وحنينا إليه.
والأرزاق تجبى إلى مكة بلطف الله ورحمته، حتى إنه ليجتمع فيه من كل أقطار العالم البواكير من الفواكه المختلفة الأزمان والفصول في يوم واحد، كما قال تعالى:(أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ((القصص 57) .
(1) ذكر ابن كثير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (تلا قول إبراهيم ((رب إنهن أضللن كثرا من الناس (الآية (إبراهيم 36) وقول عيسى ((إن تعذبهم فإنهم عبادك (الآية (المائدة 118) .، ثم رفع يديه ثم قال:(اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي) وبكى، فقال الله: اذهب يا جبريل إلى محمد ورَبُكَ أعلم، وسله ما يبكيك؟، فأتاه جبريل (فسأله، فأخبرّه رسول الله (ما قال، فقال الله: اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك. تفسيره ج2/540.
ثم يمضي الخليل (في دعائه لله تعالى كحال الضعفاء متواضعا يطرح فقره وفاقته وحاجته ووجده أمام ربّه على تَرِكَتِه وفراقه لأهله، مستسلما مسلما أمره إلى مولاه ما يغني عن البيان والكلام، ويسأله معترفا بالعبودية والإخلاص، أن يجنبه الرياء والسمعة ويمن عليه بالرضى، فيقول: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ((إبراهيم 38) . (1) .
وإن الشكر على النعم على الدوام محمود وعند الحاجة والشوق أحمد وآكد، فيلهج لسانه (بالحمد والشكر على نعم الله الواصلة إليه شأن العبد يحمد ربّه ويثني عليه بالثناء الجميل على نعمه العظيمة بما مَنّ عليه ورزقه من الذرية الصالحة بعد الكبر وما أَجَلَّ الإنعام بها عند إحساس الفرد بقرب نهايته وحاجته الفطرية إلى الإمتداد ببقاء ذِكره، فيقول: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ((إبراهيم 39- 41) . (2) .
(1) فكأن لسان حال الخليل (يقول: اللهم إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا من أنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب، لكن ندعوك لإظهار العبودية.
(2)
سورة إبراهيم (35- 41) وقرأ بعضهم: {ولِوَلدَيّ} يعني أسماعيل وإسحاق. أحكام القرآن للقرطبي ج9/375، وانظر روح المعاني للألوسي ج5/243، وفتح القدير للشوكاني ج3/113
ثم يشعرنا الخليل (من خلال بنائه للبيت تصور دوام النقص والعجز عن إتقان العمل، والافتقار إلى رحمة الله في القبول، ليكون العبد بين الخوف والرجاء: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة 127) . (1) .فهو (في أجل الطاعات ولكنه مع ذلك يقدم في دعائه صيغة التفعيل المشعر بالتكلف في القبول والتقصير في أداء العمل وبالضمائر المؤكدة التي تفيد الحصر: (تَقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((2) .فغايتنا من العمل هو تنفيذ أمرك، فكلل عملنا بالنجاح والقبول، وأرنا أثر ذلك في معالم الحج، ليبقى ذكرا وذخرا لنا:(ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ((البقرة 128)(3)
(1) وعن وهيب بن الورد أنه إذا قرأ هذه الآية، ثم يبكى ويقول: يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟، تفسير تفسير ابن كثير ج1/175.
(2)
كما حكى الله عن المؤمنين بقوله: (والذين يؤتون ما آتَوّا وقلوبهم وَجِلَة
…
(المؤمنون (60)، أي: يعطون ما أعطوا من الصدقاًت والنفقات ويؤدون حقوق الله عليهم في أموالهم، ومع ذلك فهم خائفون وجِلون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء، عن عائشة رضى الله عنها في هذه الآية، قالت: يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟، قال:(لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله) وفي رواية: (وهم يخافون ألا يتقبل منهم) .تفسير ابن كثير ج3/248.
(3)
انظر جامع البيان للطبري ج1/553، 554، وذكر الألوسي: أن التوبة تختلف باختلاف التائبين: فتوبة سائر المسلمين: الندم والعزم على ألا يعود، ورد المظالم إن أمكن ونية الرد إذا لم يمكن. وتوبة الخواص: الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء والفتور في الأعمال، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال. وتوبة خواص الخواص: لرفع الدرجات، والترقي في المقامات، فتوبة إبراهيم وإسماعيل من القسم الأخير. روح المعاني للألوسي ج1/386.
وذكر القرطبي: أن المراد بالتوبة هنا هو طلب التثببت والدوام وهذا وجه حسن، وأحسن منه: أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت، أرادا أن يُبيّنا للناس ويعرفاهم، أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. أحكامه ج2/127، 130.
وتكررت مسألة الخليل (للذرية استشعارا بالمسئولية واهتماما منه بشأنهم وصلاحهم، وهذا تعبير صادق عن التضامن الذي يدعو إليه الإسلام وهو حب الخير لكل الناس، امتثالا لقول النبي (: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(1) .وكما أخبرنا الله عن عباده المتقين في قوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ((الفرقان 74) . وهذا القدر مرغوب فيه شرعا، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له. (2) .
ولذا حرص الخليل وابنه عليهما السلام على أن يبقى هذا التوحيد بقية باقية في عقبهما، فدعا الله:(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ((البقرة 129) . فكانت بعثة هذا الرسول الكريم محمد (من ذريتهما بعد قرون مضت استجابة لدعوتهما كما يقول (عن نفسه: (أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى..) الحديث (3) .
قال القرطبي: يقال إنه لم يدع نبيّ إلا لنفسه ولأمته، إلا إبراهيم (فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة. (4) .
(1) صحيح مسلم ج1/67.
(2)
تفسير ابن كثير ج1/183.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده ج 4/127. وانظر أحكام القرآن للقرطبي ج2/131.
(4)
أحكام القرآن للقرطبي ج2/126.
وينتهز إبراهيم (فرصة اختلائه بربّه متوجها مبتهلا مستزيدا مستكثرا من رب لا يمل ولا يضجر، لا يطلب دنيا أو صحة في الأبدان، ولكن يسأله ما هو أعلى وأولى وأجل فيقول: (رب هب لي حُكْماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق فى الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم ((الشعراء 83)(1) .فاستجاب الله دعاءه فقال: (وتركنا عليه في الآخرين ((الصافات 129) . إذ ليس أحد يصلي على محمد (إلا وهو يصلي على إبراهيم (. (2) .
(1) تفسير ابن كثير ج3/338.ولِذِكْر إبراهيم (في دعائه لفظ (الوراثة) فوائد وأسرار منها: أنه تيمن واقتداء في الطلب بقوله تعالى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا (مريم (63) . أي: نبقيها على من كان تقيا من ثمرة تقواه ونمتعه بها كما نبقي على الوارث مال مورثه ونمتعه به، ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتخير في دعائه أحسن الألفاظ أرقها وأعذبها وأشملها ويحسن في الطلب فإن الله لا يعجزه شيء.
زاد سيد قطب: فيه إشارة إلى أن من أراد الوراثة فالطريق معروف: التوبة والإيمان والعمل الصالح، أما وراثة النسب فلا تجدي، فقد ورث قوم نسب أولئك الأتقياء من النبيين وممن هدى الله واجتبى؛ لكنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فلم تنفعهم وراثة النسب قال تعالى:(فسوف يلقون غيا (سورة مرريم (59) في ظلال القرآن ج4/2315.
(2)
أحكام القرآن للقرطبي ج13/113.
ثم ينتقل القرآن الكريم فيصور لنا صورة نادرة من دعاء الخليل (تنبيء عن خوفه ووجله بأن يكون قد قصر في أداء العمل مع بذله قصارى جهده في تبيلغ الرسالة وأداء الأمانة، وهذا هو شأن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فهم على بذل غاية الجهد وتحمل كبير المشقة في تبليغ الرسالة يخافون التقصير، كما أخبر الله عنهم بقوله: (وكأين من نبي قاتل معه رِبيُّونَ كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (. (آل عمران 0146، 147) .
فيدعو الخليل (ربّه خائفا وجلا مشفقا مستحيا، بأن يجيره من جميع خزي يوم القيامة وهَوَانِه، وأن لا يفضحه على رؤوس الأشهاد بالعتاب إن هو قصر في تبيلغ الدعوة وأداء الأمانة، فيقول: (ولا تخزني يوم يبعثون ((الشعراء 83) . (1) .
المطلب الثاني عشر: (دروس وعِبر عَبْرَ قصة الخليل ()
إنّ في منهج إبراهيم (في الدعوة إلى الله دروسا وتوجيهات، مشاهد وعبرا تحمل في طياتها أسرارا عميقة ومواقف ثابتة في الدعوة والطاعة والاصطبار منها:
1-
إن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعِلْمِهم القليل المحدود.
2-
يجب على المؤمن أن يتوكل على الله في كل شئونه بحسن معاملته وتوثيق صلته ويصلح الذي بينه وبين ربّه من أمره في السر والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله، فيكفيه الله ما بينه وبين الناس.
(1) فتح القدير للشوكاني ج4/105، 106، روح المعاني للألوسي ج7/98- 100، في ظلال القرآن لسيد قطب ج5/2603، 2604.
3-
ما كان تحويل النار برداً وسلاماً على إبراهيم (إلا مثلا له نظائر في صور كثيرة، ولكنها قد تهز مشاعر العبد كما هزت هذه الواقعة الرائعة والكرامة الإلهية، فكم من ضائقات وكربات تحيط بالشخص من شأنها أن تكون القاصمة القاضية، وما هي إلا لحظات يسيرة فإذا هي تُحْيِي ولا تُمِيت وتنعش وتعود بالخير، قال تعالى: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ((هود 10) . وفي الحديث عنه (أنه قال: (تجيء فتن يرقّق بعضها بعضا فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي، ثم تنكشف ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف- وفي رواية- فيقول المؤمن: هذه هذه)(1) .
4-
ليكن في حسبان الداعية أن طريقه محفوف بالمخاطر مفروش بالأشواك، ففي كل لحظة وساعة يتوقع وقوع الخطر، وليكن أسوته الخليل إبراهيم (في ذلك، لا يثنيه تخويف المرجفين ولا يرده بطش الجبارين.
5-
إن من أسباب نجاح الداعية عدم المبالاة بتعاظم الأخطار، كحال الخليل (فإنه لم ينزعج ولم يضطرب مع أنه يعاين بعينيه ما ينظم له من الخطر وما يُنْصَبُ له من النكال.
روي أن الأسود بن قيس ذا الحمار تنبأ في اليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فلما جاء قال: أتشهد أني رسول الله؟، قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟، قال: نعم، قال فردد ذلك مرارا، فامر بِنَارٍ عظيمة فأججت ثم ألقي فيها فلم تضره، فأمره بالرحيل فأتى المدينة وقد مات النبي (واستُخْلِف أبو بكر (فقال عمر (لأبي بكر: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فُعِل به كما فُعِل بإبراهيم (2)
(1) صحيح مسلم ج3/1473، وابن ماجه ج2/369.ومعنى (فتن يرقّق بعضها بعضا) : أي يصير خفيفا لِمَا يعقبه، أو يُشَوّق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج2/253.
(2)
تهذيب التهذيب لابن حجر ج12/236.
والأمثلة للمتأمل المتعظ في هذا الباب كثيرة، نسأل الله أن ينير لنا الطريق ويبصرنا بالحق أينما كان وكنا إنه جواد كريم.
هذا وقد صدق الإمام مسلم (حين قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم (1)
(1) صحيح مسلم ج1/428.
المراجع والمصادر
القرآن الكريم.
الأعلام للزركلي دار العلم للملايين بيروت لبنان ط 12 1997 م.
البرّهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ط2 تحقيق محمد أبو الفضل نشر دار المعرفة بيروت.
التعريفات لعبد القاهر الجرجاني
تفسير القرآن العظيم لابن كثير نسخة مصححة على نسخة دار الكتب المصرية دار إحياء التراث العربي بيروت 1388 هـ.
تهذيب التهذيب للحافظ أحمد بن ججر، دار الفكر العربي، ط 1/ عن مطبعة دائرة المعارف النظامية حيدر آباد الدكن هند.
الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد القرطبي وزارة الثقافة نشر دار الكاتب العربي للطباعة القاهرة 1387 هـ.
جامع البيان لابن جرير الطبري ط 2 1373 هـ مصطفى البابي
روح المعاني لمحمود الألوسي دار الفكر بيروت 1398 هـ.
رياض الصالحين للنووي
سنن بن ماجه، محمد مصطفى الأعظمي، ط 1/1403، طبع شركة الطباعة العربية السعودية الرياض.
سنن أبي داود مراجعة وضبط محمد محي الدين عبد الحميد دار الفكر
الصحاح للجوهري تحقيق احمد عبد الغفور عطار ط 2 1399 هـ القاهرة.
صحيح البخاري ضبط: محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب المكتبة السلفية دار الفكر.
صحيح الجامع الصغير للألباني المكتب الإسلامي تحقيق زهير الشاويش ط 3 1410 هـ.
صحيح مسلم ضبط محمد فؤاد عبد الباقي مطبعة دار إحياء الكتب العربية.
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر المكتبة السلفية دار الفكر.
فتح القدير للشوكاني دار الفكر ط 3 / 1393 هـ.
في ظلال القرآن لسيد قطب دار الشروق القاهرة
مجموع الفتاًوى لابن تيمية ط 1/ طبعة الملك فهد حفظه الله.
مختصر سنن أببي داود للمنذري تحقيق محمد حامد فقي طبعة الملك خالد رحمه الله.
معاني القرآن للنحاس طبعة جامعة أم القرى.
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي
المعجم الوسيط لإبراهيم أنيس ورفاقه ط 2
معجم مقاييس اللغة لابن فارس ط 1 1420 هـ دار الكتب العلمية بيروت.
تفسير الفخر الرازي مفاتيح الغيب ط 1 1401 هـ دار الفكر.
مسند أحمد ترتيب رياض عبد الله عبد الهادي ط 2 1414 هـ دار أحياء التراث العربي.
مفردات ألفاظ القرآن للراغب تحقيق صفوان عدنان داوودي ط 2 1418 هـ دار القلم دمشق.
فإنني قد بذلت جهدا كبيرا في جمع وترتيب وتنسيق مادة هذا البحث القيم المبارك، ولا أدعي العصمة والكمال، ولا عدمت أخا كريما فاضلا نصوحا ستيرا ستر الزلة وأسدى النصيحة وأبدى الصواب، وأسأل الله العفو عن الزلات والصفح عن الهفوات، كما أسأل المولى جل وعلا الإخلاص والأجر والمثوبة والنفع، وأن يجعله في ميزان حسنات والدي إنه سميع قريب مجيب الدعوات رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.