الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفضيل الله للمؤمنين على الكافرين والطائعين على العاصين
ويقصد بقوله: (فمن قال إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء) الذين لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين المسلم والكافر، ولا بين الهدى والضلال، وهم الفلاسفة وغلاة الجهمية والباطنية وكثير من غلاة المتصوفة وأغلب الزنادقة في جميع الأمم وكذلك الأمم الدهرية والمشركة، فكثير منهم يعتقدون أن فضل الله على هؤلاء سواء، ولذلك لا يفرقون بين المؤمن والكافر، بل يعتقد كثير منهم أن مصير هؤلاء في الآخرة سواء، ويمثل هذا الاتجاه بشكل واضح ابن عربي، فإنه لا يرى لمؤمن على كافر فضلاً، ولا يرى أن هناك تمييزاً بين المسلم والمجرم.
والله عز وجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]، لكنه يرى أنه لا فرق وأن الفرق شكلي: بمعنى كأنه يرى أن هذا الفرق في الدنيا والآخرة تمثيل.
ولذلك لما حكى قصص الأنبياء مع خصومهم صور الأنبياء على أنهم أناس عندهم شيء من السذاجة والسطحية، وأن خصوم الأنبياء من المشركين هم أهل الحق والحقيقة، وأنهم هم الأذكياء الذين عرفوا حقيقة التوحيد! ولذلك كتب كتابه (إيمان فرعون) وصور موسى وهارون على أنهما ليسا صاحبي حق، وأن الذين كذبوا موسى هم أصحاب الحقيقة إلى آخره.
يزعم أصحاب هذا الاتجاه أن مصير البشر في الآخرة سواء، وأن فضل الله على الجميع سواء، ولذلك فسر ابن عربي عذاب النار بأنه عذاب شكلي وأن الكافرين يتلذذون بالعذاب كما يتلذذ أهل الجنة بالجنة، فالشيخ كأنه يريد الرد على أصحاب هذه المقولة.
قوله: (بل فضل الله المؤمنين على الكافرين) يعني: بأن جعلهم خياراً وجعلهم هداة مهتدين صالحين، المخالفون لهم على عكس ذلك.
قوله: (والطائع على العاصي، والمعصوم على المخذول، كل ذلك عدل منه، هو فضله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء) وهذا أيضاً يرجع إلى قول الله عز وجل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]، فإن الله فرق بين المسلمين والمجرمين، وهذا يؤكد ضرورة تنبيه المسلمين في هذا العصر على أهمية التميز للمسلم عن الكافر، وأن يتميز الصالح عن الفاجر، وهذا مما يؤكد ضرورة إعلان الولاء والبراء وتطبيق ذلك في سلوك الناس ومعاملاتهم؛ لأن هذا هو مقتضى تفضيل الله المؤمنين على الكافرين والطائعين على العاصين والمعصومين على المخذولين، فلابد من إظهار هذا التفضيل في الأحوال القلبية وأحوال التعامل، ولابد من إظهاره في حياة الناس جملة وتفصيلاً على نحو معتدل يستقيم مع قواعد الشرع وأصوله بلا غلو ولا تفريط.