الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخنا شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله عنه الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد، فهذه قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة مثل قصر الصلاة والفطر في شهر رمضان ونحو ذلك، وأكثر الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم جعلوها نوعين نوعاً يختص بالسفر الطويل وهو القصر والفطر، ونوعاً يقع في الطويل والقصير كالتيمم والصلاة على الراحلة، وأكل الميتة هو من هذا القسم، وأما المسح على الخفين والجمع بين الصلاتين فمن الأول، وفي ذلك نزاع.
والكلام في مقامين أحدهما الفرق بين السفر الطويل والقصير فيقال:
المقام الأول: الفرق بين السفر الطويل والقصير
هذا الفرق لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل الأحكام التي علقها الله بالسفر به مطلقاً كقوله تعالى في آية الطهارة: " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ".
وقاله تعالى في آية الصوم: " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ".
وقوله تعالى: " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة "(1) .
وقول عائشة: فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر.
وقول عمر: صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ".
وقول صفوان بن عسال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط أو بول أو نوم (2) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم (3) ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليتعجل الرجوع إلى أهله "(4) .
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة بسند صحيح وحديث عائشة بعده متفق عليه وحديث عمر بعدهما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح
(2)
رواه الشافعي وأحمد والنسائي والترمذي وابن خزيمة وصححاه وغيرهم وحكي الترمذي عن البخاري أنه حديث حسن وأورده المجد ابن تيمية جد المؤلف في المنتقى بلفظ أمرنا - يعني النبي (ص) - أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا. ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جنابة. رواه أحمد وابن خزيمة وقال الخطابي صحيح الإسناد وحديث عائشة وعمر الموقوفان لهما حكم المرفوع وهما في الصحيح
(3)
رواه أحمد والبخاري
(4)
رواه أحمد والشيخان وابن ماجة
فهذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة ليس فيها تفريق بين سفر طويل وسفر قصير فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقاً لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله؛ وهذا الذي ذكر من تعليق الشارع الحكم بمسمى الاسم المطلق وتفريق بعض الناس بين نوع ونوع من غير دلالة شرعية له نظائر منها أن الشارع علق الطهارة بمسمى الماء في قوله: " فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً " ولم يفرق بين ماء وماء ولم يجعل الماء نوعين طاهراً وطهوراً.
ومنها أن الشارع علق المسح بمسمى الخف ولم يفرق بين خف وخف فيدخل في ذلك المفتوق والمخروق وغيرهما من غير تحديد ولم يشترط أيضاً أن يثبت بنفسه.
ومن ذلك أنه أثبت الرجعة في مسمى الطلاق بعد الدخول ولم يقسم طلاق المدخول بها إلى طلاق بائن ورجعي.
ومن ذلك أنه أثبت الطلق الثالثة بعد طلقتين وافتداءً والافتداء الفرقة بعوض وجعلها موجبة للبينونة بغير طلاق يحسب من الثلاث. وهذا الحكم معلق بهذا المسمى لم يفرق فيه بين لفظ ولفظ.
ومن ذلك أنه علق الكفارة بمسمى أيمان المسلمين في قوله تعالى: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " وقوله: " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " ولم يفرق بين يمين ويمين من أيمان المسلمين، فجعل أيمان المسلمين المنعقدة تنقسم إلى مكفرة وغير مكفرة مخالف لذلك.
ومن ذلك أنه علق التحريم بمسمى الخمر ولبين أن الخمر هي المسكر في قوله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام "(1) ولم يفرق بين مسكر ومسكر.
ومن ذلك أنه علق الحكم بمسمى الإقامة كما علقه بمسمى السفر ولم يفرق بين مقيم ومقيم، فجعل المقيم نوعين نوعاً تجب
(1) رواه الجماعة إلا البخاري فقد روي الجملة الثانية معهم