المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قوله تعالى وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٣

[عبد الله الزيد]

الفصل: ‌[قوله تعالى وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون]

وَقَالُوا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل إِخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: تَأْوِيلُهَا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَبَقِيَتْ بِهَا بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَغْفِرُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ فَعُذِّبُوا وَأَذِنَ، اللَّهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ مَضَى وَالِاسْتِغْفَارُ كَائِنٌ فِيكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ]

عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ. . . .

[34]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] أَيْ: وَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا، يُرِيدُ بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ، {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال: 34] أَيْ: يَمْنَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَذَابِ الْأَوَّلِ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ:(وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ) أَيْ: بِالسَّيْفِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَوَّلِ عَذَابَ الدُّنْيَا، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ عَذَابَ الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَةُ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33] مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى. (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ)، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} [الأنفال: 34] قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} [الأنفال: 34] أَيْ: أَوْلِيَاءَ الْبَيْتِ، {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ} [الأنفال: 34] أَيْ. لَيْسَ أَوْلِيَاءُ الْبَيْتِ، {إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34] يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمُ طَائِرٍ أَبْيَضَ يَكُونُ بِالْحِجَازِ لَهُ صَفِيرٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا صَوْتَ مُكَاءٍ، وَالتَّصْدِيَةُ التَّصْفِيقُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وهم عراة يصفرون، ويصفقون، فَالْمُكَاءُ: جَعْلُ الْأَصَابِعِ فِي الشِّدْقِ، وَالتَّصْدِيَةُ: الصَّفِيرُ، وَمِنْهُ الصَّدَى الَّذِي يَسْمَعُهُ الْمُصَوِّتُ فِي الْجَبَلِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّصْدِيَةُ صَدُّهُمُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَنِ الدِّينِ، وَالصَّلَاةِ وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: التَّصْدِدَةُ بِدَالَيْنِ، فَقُلِبَتْ إِحْدَى الدالين ياء كَمَا يُقَالُ: تَظَنَّيْتُ مِنَ الظَّنِّ

وتقضَّى الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرَ

أَيْ تَقَضَّضَ الْبَازِي. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّمَا سَمَّاهُ صَلَاةً لِأَنَّهُمْ

ص: 351