الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخلاصة رأيه: أنها (1) تفعل ما تقدر عليه (2) ويسقط عنها ما تعجز عنه، ولا دم عليها -في الراجح عنده- لأن الواجب إذا تُرِكَ من غير تفريط فلا يجب بتركه الدم.
ونعمَ الرأْي رَأْيُهُ رحمه الله، ولا تحتاج المسلمةُ بعد ذلك إلى إعمال بعض الحيل التي ذكرها بعض الفقهاء رحمهم الله جمودًا منهم وتخوفًا من الاجتهاد!!
وصف النسخ وعملي فيها:
اعتمدتُ في إخراج النص على نسخة مخطوطة أصلية محفوظة في خزانة كتبي العامرة حرسها الله تعالى من الشرور والآفات. وقابلتها بنسخة وجدتها ضمن مجموع في مكتبة نيويورك العامة (New York Public Library) أثناء إحدى زياراتي لها، وهي نسخة ناقصة مشوشة، ومع ذلك فقد استفدت من مواضع فيها تراها في الهامش. هذا وللكتاب نسخ أخرى في المكتبات العالمية، منها نسختان في مكتبة جامعة برنستون ضمن مجموعة يهودا، ولكن لم يتيسر لي في هذه العجالة الوقوف عليهما فنظرة إلى ميسرة، والله الموفق.
وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله وكتبه
خادم العلم بالبحرين
نظام محمد صالح يعقوبي
(1) أي: المرأة المحرمة التي حاضت قبل طواف الإِفاضة.
(2)
وذلك بأن تغتسل وتَسْتَثْفِر -أي تستحفظ- ثم تطوف.
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (21)
مسائل تحليل الحائض من الإحرام
إملاء
القاضي الإمام شرف الدين أبي القاسم هبة الله بن البارزيِّ
(المتوفى 738 هـ)
بعناية
نظام محمد صالح يعقوبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلامه على عباده الذين اصطفى.
مسائل تحليل الحائض من الإِحرام، إملاء القاضي الإِمام شرف الدين أبي القاسم هبة الله بن القاضي نجم الدين أبي حامد عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن البارزي الشافعي قاضي حماه رحمه الله تعالى، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} .
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
"بُعثتُ بالحنيفية السمحة".
مسألةٌ تقع في الحج كل عامٍ، ويُبتلى بها نساءُ كثيرٍ مِنَ العُلماء والعوامِّ؛ وهي أنَّ المرأة المُحْرِمةَ تحيضُ قبل طواف الرُّكنِ -وهو طوافُ الإِفاضةِ-، ويرحل الرَّكْبُ قبلَ طوافِها ولا يمكنها المقام.
وفي سنةِ سبعٍ وسبعمائة وقع ذلك لكثيرٍ من نساءِ الأعيان [وغيرهم](1)؛
(1) الزيادة من نسخة نيويورك.
فمنهنَّ من انقطعَ دَمُها يومًا أو أكثرَ لاستعمالِ دواءٍ لذلكَ، وظَنَّت أنَّ الدم لا يعودُ؛ فاغْتَسَلَتْ وطافَتْ، ثُمَّ عادَ الدَّمُ في أيَّام العادة.
ومنهنَّ من انقطع دَمُها يومًا أو أكثر بلا دواء؛ فاغتسلت وطافت، ثُمَّ عاد الدَّم في أيَّام العادةِ.
ومنهنَّ من طافَتْ قبل انقطاع الدَّمِ والاغتسال.
ومنهن من سافرت مع الركبِ قبل الطَّوافِ وكانت قد طافت طواف القدوم وسَعَت بَعْدَهُ.
فهؤلاء أربعةُ أصناف.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ بهنَّ وخِفْنَ أن يحرم تزويجهن (1) وَوَطْءُ المزوجة منهنَّ، ويرجعنَ بلا حجٍّ وقد أتَيْنَ من البلاد البعيدة، وقاسين المشاقَّ الشديدة، وفَارقْنَ الأوْلادَ والرجال، وخاطَرْنَ بالأَنْفُسِ وأَنْفَقْنَ الأموال، كَثُرَ مِنْهُنَّ السؤال، وقد قارَبَتْ عقولُهُنَّ الزوال: هل من مخرج عن (2) هذا الحرج؟ وهل مع هذه الشدة من فَرَج (3)؟
فَسَأَلْتُ الله تعالى التوفيق والإِرشاد إلى ما فيه التيسيرُ على العباد، من مذاهبِ العُلماءِ الأئمةِ، الَّذين جعل [الله](4) اختلافهم رحمة للأُمَّة.
فَظَهَرَ لي من (5) الجواب، واللهُ أعلمُ بالصواب:
(1) في نسخة نيويورك: "تزوجهن".
(2)
في نسخة نيويورك: "فرج من".
(3)
في نسخة نيويورك: "وهل مع هذه الشدة والضنا، من أمر يزيل العنا".
(4)
الزيادة من نسخة نيويورك.
(5)
في الأصل: "في". والمثبت من نسخة نيويورك.
أنه يجوز تقليد كل واحدٍ من الأئمة الأربعةِ رضي الله عنهم، ويجوزُ لكل أحدٍ أن يُقَلِّدَ واحدًا منهم في مَسْأَلةٍ ويقلِّدُ إمامًا آخرَ في مسألةٍ أُخرى؛ ولا يتعيَّنُ عليه تقليدُ واحدٍ بِعَيْنِهِ في كُل المسائل.
وإذا عُرِف هذا؛ فَيَصِحُّ حَجُّ كُلِّ واحدةٍ من الأصنافِ المذكورة على قولِ بعضِ الأئمةِ.
* أما الصنف الأول والثاني؛ فَيَصِحُّ طوافُهُنَّ في مذهب الإِمام الشافعي على أحدِ القَوْلَيْنِ فيما إذا انقطعَ دمُ الحيضِ يَومًا ويَوْمًا؛ فإِنَّ يَوْمَ النقاءِ طُهْرٌ على هذا القولِ، ويُعْرَفُ بقولِ التلفيق.
وصَحَّحَهُ من أصحاب الشافعي أبو حامدٍ المحامليُّ في كُتُبِهِ، وسليمان، والشيخ نصر المقدسي، والروياني. واختاره أبو إسحاقَ المروزيُّ، وقَطَعَ به الدارميُّ.
وأمَّا مذهب الإِمام أبي حنيفة؛ فيصحُّ طوافُهُنَّ؛ لأنَهُ لا يُشترط عنده -في الطواف- طهارَةُ الحدثِ ولا النجس، ويَصِحُّ عندَهُ طوافُ الحائض والجنُبِ.
وأمَّا على مذهب الإِمام مالكِ، فَيَصِحُّ طوافُهُنَّ؛ لأَنَ مَذْهَبَهُ أَنَّ النقاءَ في أيَّام التقطُّعِ طُهْرٌ.
وأما على مذهبِ الإِمامِ أحمدة فَيَصِحُّ طوافُهُنَّ؛ لأنَّ مَذْهَبُه في النقاءِ كمذهبِ مالكٍ، وفي اشتراط طهارة الحدث والخبث كمذهبِ أبي حنيفة، في إحدى الروايتين عن الإِمام أحمد.
* وأمَّا الصِّنْفُ الثالثُ (1) فَيَصِحُّ طوافُهُنَّ على مَذْهبِ الإِمامِ
(1) وهن اللاتي طفن قبل انقطاع الدم والاغتسال.
أبي حنيفة، وفي إحدى الروايَتَيْنِ عن الإِمام أحمدَ؛ لكن يلزمها ذبح بَدَنةٍ وتأثمُ بدخولها المسجدَ وهي حائضٌ؛ فيقال: لا يحلُّ لكِ دخول المسجدِ وأنت حائض؛ لكن إنْ دَخَلْتِ وطفتِ أَثِمْتِ وصَحَّ طوافُكِ وأَجْزَأَكِ عن الفَرْضِ!
* وأَمَّا الصنف الرابع -وهي التي سَافَرتْ من مكة شَرَّفها اللهُ تعالى قبل الطواف-؛ فقد نَقَلَ المِصْرِيُّون (1) عن الإِمام مالكٍ: أنَّ مَنْ طافَ طوافَ القُدوم وسعى ورجَعَ إلى بلده قبل طوافِ الإِفاضةِ جاهلًا أو ناسيًا، أجْزَأَ عن طوافِ الإِفاضةِ.
ونَقَلَ البغداديُّون عن مالكٍ خلافَهُ.
حكى الروايتَيْنِ عن مذهب الإِمام مالكٍ رحمه الله القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكيُّ في كتاب "المنهاج في مناسك الحجِّ"، وهو كتابٌ جليل مشهورٌ عند المالكية.
ويَتَخَرَّجُ على روايةِ المصريين عن مالكٍ، سقوط طواف الإِفاضةِ عن الحائض التي تَعَذَّرَ عليها الطوافُ والإِفاضةُ؛ فإنَّ عُذْرَها أَظْهَرُ من عُذْرِ الجاهل والناسي.
فإن لم يعمل بهذه الرواية أولم يَصِحَّ التخريجُ المذكور، وأرادت الخروج من محظور الإِحرام؛ فعلى قياس أصولِ مذهب الإِمام الشافعيِّ وغَيْرِهِ تَصْبِرُ حتى تجاوز مكة بيوم أو يَوْمَيْن بحيث لا يمكنها الرجوع إلى مكة خوفًا على نفسها أو مالها، فتصير حينئذٍ كالمُحْصَرِ؛ لأنها تتيقن الإِحصار لو رجعت إلى مكة.
(1) في "حاشية الهيتمي على الإِيضاح للنووي": البصريون، وهو تحريف.
وتَيقُّن الإِحصار كوجود الإِحصار، كما أن تيقُّن الضرب لو خالف الأمر كوجود الضرْبِ في حصول الإِكراه، حتى لو أمره بالطلاق سلطان عَلِمَ من عادته أنَّه يُعاقبُ إذا خولف فَطَلَّق؛ لم يقع طلاقه.
فإذا تقرَّر هذا، وأرادت الخروجَ من الإِحرام فَتَتَحَلَّلُ كما يَتَحَلَّلُ المحصَر، بأن ينوي الخروجَ من الحجِّ؛ حيث عجزت عن الرجوع، وتذبح هناك شاةً تَجزئُ في الأضحية وتتصَدَّقُ بها وتُقَصِّرُ شعر رأسها فتصيرُ حلالًا، ويحل لها جميعُ ما حَرُم عليها بالإِحرام. لكن إن كان إحرامها بحجِّ الفرض بقي في ذمَّتها، فتأتي به في عام آخر.
وإذا صحَّ حجُّها على قول بعض الأئمة المذكورين دون بعض، وأرادت الاحتياط بالخروج عن محظورات الإِحرام، فتتحلَّل كما ذكرنا، والله أعلم.
تمَّ وكمل لله الحمد والمنَّة وبه التوفيق والعصمة (1).
* * *
(1) * فرغت من نسخ هذا الجزء قُبيل الفجر وقت السَّحر في 21 رمضان 1420 هـ، بمكة المكرمة حرسها الله تعالى.
* قوبلت بالمسجد الحرام بقراءة الأخ الحبيب المحب في الله، فضيلة الشيخ المحقِّق المدقِّق، محمد بن ناصر العجمي عليَّ، ليلة الجمعة 23 رمضان المبارك 1420 هـ بين العشاءين، فصح وثبت والحمد لله أولًا وآخرًا.
وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
كتبه
الفقير إلى الله تعالى
نظام محمد صالح يعقوبي
العباسي نسبًا، الشافعي مذهبًا، البحريني مولدًا ومنشأ