المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة روى البخاريُّ في (صحيحهِ) عن أبي هريرةِ - رض الله - مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب

[مرعي الكرمي]

الفصل: ‌ ‌خاتمة روى البخاريُّ في (صحيحهِ) عن أبي هريرةِ - رض الله

‌خاتمة

روى البخاريُّ في (صحيحهِ) عن أبي هريرةِ - رض الله عنه - عن النبي - (- قالَ: (لا تَقُوَمُ السَّاعَةُ حَتَى تَأخذ أمَّتِي ما أخذ القرون، شبرًا بشبرٍ، وَذِرَاعاً بذراع.

فقيل: يا رسولَ الله كفارِسَ والرُّوم؟ قال: ومَنْ النَاسُ إلا أولئِكَ) .

فاخبر عليه السلام أنَّهُ سيكون في أمته مضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم. فالتشبه بفارس والرُّومِ بمَا ذمَّهُ الله ورسولُهُ، لأن الغالب عليهم تعاطي أمورًا من أفعال الجبارينَ والمتكبرينَ في المَلْبسِ والعمائم، والقيام والركوع وَالسُجوَد لبعضهم، أو القيام بين يديه وهو جالس، إلى غير ذلك من الخَصَائل المذموَمة.

وقد قال عليه السلام: (مَنْ تَشَبًهَ بقوم فهو منهم) .

وإنَما نهت الشريعةُ عن التَشَبُهِ بمن ارتكًب خلاف الشَّرع لأنَه كلما كانت

ص: 68

المشابهة أكثر كان التفاعل في الصفات والأخلاق أتم وأكمل، حتى يؤول الأمرُ إلى أنْ لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعينِ فقط وهذا أمر محسوَس في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة.

بل الأدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسبَ بعضَ أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإِبل، والسكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجِمَالِ وِالبِغَال، وكذلك الكلابون. وصار الحيوَان الإِنسي فيه بعض أخلاق الناس مِنَ المُعَاشرَةِ والمؤالَفَةِ وقلَّةِ النّفرة.

قال ابنُ تيمية - بعد تقريره هذا الكلام -: وقد رأينا اليهوَدَ والنَصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمينَ الذينَ اكثروا معاشرةِ اليهود والنصارى هم اقلّ إيمانا من غيرهم. والمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرةِ توَجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فينشا عنها الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوَله.

وقد روى الإِمام أحمد في (المسند) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَهُ قال: عليكم بالمَعدَيَّةِ، وذروا التنعُمَ، وزيّ العَجَم.

ص: 69

أمر بالمَعدِّيَّةِ، وهي زِيُّ مَعَذَ بن عَدْنَان وهم العرب، فالمَعَدِّية نسبة إلى مَعَدَ.

وَقال الإِمام مالك - فيما رواه ابن القاسم في (المُدوِّنَة) -: (قيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرةِ. وربما يكون النَاس ينتظرونه. فإذا طلع قاموَا، في هذا من فعل الإِسلام وهوَ مما ينهى عنه مِنَ التَشبُهِ بالأعاجم.

قال: ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب في السَّبْت والأحَد.

قيل له: فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه؟ قال: أكرهُ ذلكَ، ولا باسَ أنْ يوَسع له في المجلس.

وقال أنس - رض الله عنه -: لم يكن شخص أحب إلى الصحابة من رسوَل الله - (- وكانوَا إذا رأوه لم يقوَموا له لما يعلموه من كراهيته لذلك.

وقد ثبتَ في الصحيح من حديث جابر: أنَّه - (- صلّى بأصحابه قاعداً لمرضٍ كَان بِهِ، فَصلوَا خلفه قياماً، فأمرهم بالجلوس وقالَ: (لا تعظموَني كما يعظم الأعاجم بعضُهم بعضاً) .

ص: 70

وقال: (من سرَّهُ أنْ يتمثلَ له الرَّجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) .

قالع ابنُ تيمية: فإذا كان عليه السلام قد نهاهم مع قعوَده وإنْ كانوا قاموَا في الصًلاة حتى لا يتشبهوَا بمن يقوَموَن لعظمائهم، وبينَ أنَّ مَنْ سرًّهُ القيام له كان مِنْ أهل النَّارِ، فكيف بما فيه من السجود له أو وضع الرأس وتقبيل الأيدي ونحو ذلك؟! وبالجملةِ فقد دَخَلَ في هذهِ الأمَّةِ مِنَ الأثارِ الروميةِ والفارسية قولاً وعملاً وتشبهاً مما لا خفاء به على مؤمن عليم بدينِ الإسلام، وليسَ الغَرَضُ هنا تفصيل الأموَر التي وقعتْ في الأمَّةِ من ذلكَ. وإنما الغرضُ مجَرد التَلوَيح رجاء أنْ يقفَ عليه مؤمنٌ موَفق فينتفع بِهِ، ولمجمل بموَجبِهِ.

وفي الحديثِ: (ما ابتدعَ قَومٌ بِدْعَةً إلا نَزَعَ الله عنهم مِنَ السُّنَّةِ مثلها) .

نعوَذُ بالله من شر الابتداع، ونسأله - سبحانه - حسنَ الاتباع لِمَا كانَ عليهِ

ص: 71

جماعةُ السَلَفِ الصالحينَ من الصَّحَابةِ والتابعينَ والسابقين الأولينِ مِنَ الأرض والمهاجرينَ، وأسالُهُ - سبحانه - حُسْنَ الخَاتِمَةِ في خيرٍ وعافيةٍ، آمين.

تمً الكتاب المبارك بحمد الله وعونه وحسن توفيقه يوم الأحد سلخ شهر ربيع الثاني من شهور سنة اثنتين وثلاثين وألف.

ص: 72